من كتاب المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكام
للمؤلف فضيلة الشيخ العلوي
حسين محمد المظلوم
الجزء الثاني من الكتاب الصفحة 279:


هاشم عثمان
وما كتبه عن المسلمين العلويين





 العلويون بين الأسطورة والحقيقة , هو عنوان الكتاب الأول الذي وضعه عن هذه الطائفة.
وفيه يتحدث عن أصل تسميتها, وتاريخ ظهورها, وموطنها, وعقائدها, وما كُتب عنها قديماً وحديثاً من قبل المؤرخين وغيرهم ومن خلال آثار شيوخها وأدبائها.
ثم ختم بحثه بتلخيص عام عنها, وبنقل من كتاب ( الهداية الكبرى ) للشيخ الثقة الأجل الأقدم السيد أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (ق

مَهّد هذا الكاتب لكتابه بفصل يتعلق بالإيمان والإسلام يتناقض مع المفهوم الإسلامي العلوي وهو قوله:

- إنّ الإيمان والإسلام واحدٌ, فلا يصح في الشرع أن يحكم على أحد أنه مؤمن وليس مسلم, أو مسلم وليس بمؤمن.
وقال إنّ الإيمان هو الإقرار باللسان فمن نطق بالشهادتين وهما: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صار مسلما, أي مواطناً في دولة الإسلام وتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها المسلم.



فأقول:
إنّ هذا التلخيص حول الإيمان والإسلام ينقصه الدقة ويحتاج إلى التوضيح, فقوله

إن الإيمان والإسلام واحد

لا يتفق مع النهج الإسلامي العلوي كما أسلفنا لقول الإمام الصادق عليه السلام:
"والإسلام غير الإيمان, وكل مؤمن مسلم, وليس كل مسلم مؤمناً".

فالإسلام أعمّ والإيمان أخص لقوله تعالى:

قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ


فالإسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به الرسول وبذلك يحقن الدم فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن المسلم حقاً.
فأما من أظهر قبول الشريعة واستسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم وباطنه غير مصدّق,
فالمؤمن مبطن مع التصديق مثل ما يُظهر,
والمسلم التام الإسلام مُظهر للطاعة وهو مع ذلك مؤمن بها
والذي أظهر الإسلام تعوّذاً من القتل غير مؤمن في الحقيقة إلا أنّ حكمه في الظاهر حكم المسلمين.

وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق نقول:
إنّ الإيمان ما عليه الظاهر والباطن من الإعتقاد بالإسلام وبشرائعه, والعمل بأحكامه.
أما الإسلام فما عليه الظاهر لا الباطن, إذ قد يكون الشخص مسلماً ولكنه غير مؤمن أيضاً.

وصفات المؤمن الإقرار والخضوع لله تعالى وذلك بالتقرب إليه, والطاعة له بأداء الفرائض والأوامر الإلهية وترك كبائر المعاصي واجتنابها, قالى تعالى:

إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا



وصفات المسلم الإقرار بالظاهر من غير العقد عليه بالقلوب.
فمن اعتقد بيقين, وشهد بصدق, وعمل بإخلاص, فهو مؤمن صادقٌ في إيمانه, ومسلمٌ مخلصٌ في تسليمه.
ومن شَهِد بلسانه ولم يعقتقد في قلبه وعمِلَ طاعة فهو مسلمٌ مستضعف.
ومن شهد بلسانه واعتقد في قلبه ولم يعمل فهو فاسق.
ومن أخلّ بالشهادة فهو كافر.


والإيمان يُقسم إلى خمسة أقسام:
إيمان معصوم: وهو إيمان الأنبياء وهو التام المنتهي تمامه.
وإيمان مطبوع: وهو إيمان الملائكة المخلوقين للطاعة والعبادة.
وإيمان مقبول: وهو إيمان المؤمنين المتقين.
وإيمان موقوف: وهو إيمان المبتدعين.
وإيمان مردود: وهو إيمان المنافقين.

فلو لم يتفاوت الإيمان عند الناس لكان أبسطُ الناس من الأمّة بل المنهمك في الفسق مساوياً تصديق الأنبياء ويقينهم, وهذا أمر مردود عقلاً ونقلاً.

وعلى هذا فالإيمان يقبل الزيادة والنقصان, مصداق قوله تعالى:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ



وقوله تعالى:

هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا



فالإيمان هو رسوخ الإعتقاد في القلب وهذا الرسوخ يكون تدريجياً وعلى مراحل ويأتي بعد اليقين وهو أشرف المراتب.
واليقين مأخوذ من قولهم يقن الماء في الحوض أي استقر, وحدّه: ألا تخاف مع الله شيئاً.

والإيمان القلبي فهو ثابت غير مسترجع, وصاحبه مأمون من الشك والتردد.
وحقيقة الإيمان الرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله.

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:

من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله فهو ممّن كمُل إيمانه...


وجاء من كتب الفريقين أن حب علي إيمان وبغضه نفاق ولهذا اجتمعت الفرق الإمامية الإثنى عشرية على أنّ حب علي أمير المؤمنين من أسمى علامات صحة الإيمان وصدقه وأن الإمامة أصل من أصول المذهب.


والإيمان والإسلام


مترادفان

ومختلفان

ومتداخلان



فمن الترادف قوله تعالى:

فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ


فقوله: ( فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا ) أي في قرى قوم لوط ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وذلك أنّ الله تعالى أمر لوطاً بأن يخرج هو ومن معه من المؤمنين لئلا يصيبهم العذاب. ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ) أي غير أهل بيت من المسلمين, يعني لوطاً وبنتيه, وصفهم الله بالإيمان والإسلام جميعاً لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم وليس العكس.


ومن الإختلاف قوله تعالى:

قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا


أراد بالإيمان التصديق وطمأنينة النفس, وبالإسلام الإنقياد والإستسلام في الظاهر.


ومن التداخل: سُئل النبي (ص) أي الأعمال أفضل؟ قال: " الإسلام ". فقيل: أي الإسلام أفضل؟ قال: " الإيمان ". وهذا دليل على أنّ الإسلام أعم والإيمان أخص.

والإسلام مدخل إلى الإيمان والإيمان متمم للإسلام فيبدأ الإنسان بالتداخل أولاً فإمّا أن يرتقي إلى الترادف أو يتقهقر إلى الإختلاف.
وهذا يعني أنّ معتنق الإسلام لا بُد له كمقدمة لدخوله في حصنه أن يقر أولاً بالشهادتين ومن هنا ينتقل من الإقار إلى الإعتقاد الثابت والعمل الخالص وحينئذٍ تترادف الكلمات بالنسبة إليه فلا مشاحة في التسمية, وأما إذا أقر بالشهادتين وعمل بالأركان المفروضة ولم يعتقد في القلب وهذا أمرٌ لا يعلمه إلا الله فهو مسلمٌ وإسلامه متختلف عن الإيمان.

فهذا معنى الترادف والإختلاف والتداخل.




وقال الإمام الصادق عليه السلام يصف الإيمان والإسلام:
" معنى صفة الإيمان الإقرار والخضوع لله بذل الإقرار, والتقرب إليه به والأداء له بعلم كل مفروض من صغير أو كبير من حد التوحيد فما دونه إلى آخر باب من أبواب الطاعة أولاً فأوّلا مقرون ذلك كله بعضه إلى بعض موصول بعضه ببعض, فإذا أدّى العبد ما فرض عليه ممّا وصل إليه على صفة ما وصفناه فهو مؤمن مستحق لصفة الإيمان, ومستوجب للثواب وذلك أن معنى جملة الإيمان الإقرار, ومعنى الإقرار التصديق بالطاعة,فلذلك ثبت أن الطاعة كلها صغيرها وكبيرها مقرونة بعضها إلى بعض, فلا يخرج المؤمن من صفة الإيمان إلا بترك مااستحق أن يكون به مؤمناً,
وإنما استوجب واستحق اسم الإيمان ومعناه بأداء كبار الفرائض موصولة وترك كبار المعاصي واجتنابها وإن ترك صغار الطاعة وارتكاب صغار المعاصي فليس بخارج من الإيمان ولا تاركٍ له ما لم يترك شيئاً من كبار الطاعة ولم يرتكب شيئاً من كبار المعاصي, فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن لقول الله:

إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا


يعني المغفرة مادون الكبائر.
فإن هو ارتكب كبيرة من كبار المعاصي كان مأخوذاً بجميع المعاصي صِغارِها وكبارِها معاقباً عليها معذباً بها, فهذه صفة الإيمان وصفة المؤمن المستوجب للثواب.

وأما معنى صفة الإسلام فهو الإقرار بجميع الطاعة الظاهر الحكم والأداء له.
فإذا أقر المقر بجميع الطاعة في الظاهر من غير العقد عليه بالقلوب فقد استحق اسم الإسلام ومعناه واستوجب الولاية الظاهرة وإجازة شهادته والمواريث. وصار له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين, فهذه صفة الإسلام وفرق ما بين المسلم والمؤمن أنّ المسلم إنما يكون مؤمناً أن يكون مطيعاً في الباطن مع ما هو عليه في الظاهر.
فإذا فعل ذلك بالظاهر والباطن بخضوع وتقرب بعلم كان مؤمناً, فقد يكون العبد مُسلماً ولا يكون مؤمنا إلا وهو مسلم.

فهذا معنى الإيمان والإسلام لا كما ذهب إليه صاحبنا...


من نفس الكتاب تتمة لنفس الموضوع أعلاه الجزء الثاني الصفحة 285:

أصل التسمية



في هذا الفصل راح يبحث عن أصل التسمية معترفاً بصعوبة البحث معللاً ذلك بكثرة التناقضات وعدم استناد أصحابها إلى دليل مقنع, ثم نقل عدّة آراء في هذا الخصوص منها:

أن نِسبَتَها إلى محمد بن نصير
ومنها إلى نصير غلام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
ومنها أن نسبتها إلى تغلب اسم الجبل الذي سكنته والمراد به جبل النصيرية


فنفى الرأي الأول والثاني وأثبت الثالث وذلك بتعاليل عليلة وأقوال هزيلة. مع أنه في كتابه الثاني (هل العلويون شيعة ) عاد ونفى الرأي الذي اعتمده سابقاً, وهذا أول تناقض يقع فيه.

وللهروب من الجواب قال إنّ أصل التسمية هي العلويون ثم تبدّل الإسم إلى نصيرية للتشنيع عليهم, ولكنه لم يخبرنا بعد كل هذه اللف والدوران من أين جاء اسم النصيرية؟.

مما لا مجال للشك فيه أنّ الإسم الحقيقي لهذه الطائفة المسلمة هو العلويون شاء من شاء وأبى من أبى, فأهل البيت أدرى بالذي فيه.
وأما لفظ النصيري فأطلق على القوم من قبل الآخرين على جهة التشنيع مع أننا لا نرى فيه ما يُعيب مع التمسك بالإسم الأصلي...
وأما نسبة هذا الإسم فهو كما قلنا سابقاً يعود إلى الإمامي الجليل السيّد محمد بن نصير جليس الإمامين علي الهادي والحسن العسكري وثقتهم.

وقد أكد ذلك فضيلة الشيخ عيسى سعّود رحمه الله في مقال نُشر له في مجلة الأماني بتاريخ 1/تشرين الأول/1920 م. وقد نقل هذا الكاتب النص ولكنه لم يعتمده لعدم استيعابه له, أو لأنه لا يتفق مع مزاعمه معللاً ذلك بأن تسمية ( النصيريين ) ظهرت إلى الوجود بعد مرور ما يقرب من 174 سنة على وفاة محمد بن نصير.

فنقول وما المانع من ذلك فلو أنّ لفظ النصيري ظهر قبل أبي شعيب لصحّت مزاعمه ولكنه ظهر تقريباً في عصره, وليس هذا بالأمر العجيب والغريب.

لقد راوغ الكاتب بأسلوب مبطن ولكن ليس علينا, وذلك من خلال وضعه عنواناً لبحوثه وهو ( أصل التسمية ) وهنا نسأل:
ما المراد بأصل التسمية ؟
وهل هي أصل تسمية هذه الطائفة بصورة عامة أم أنه يقصد بأصل تسميتها بالنصيرية ؟.

وجوابنا عن ذلك كما قدمنا أن أصل التسمية هي العلويون أما أصل تسميتها بالنصيرية فهي عائدة إلى السيد محمد بن نصير وليس للجبل الذي سكنته بل إنّ هذا الجبل هو الذي تشرّف باسمها...



وقال في فصل ثانٍ تحت عنوان ( تاريخ ظهور النصيرية ):

إنّ تحديد تاريخ ظهور النصيرية على وجه الدقة أمر من الصعوبة بمكان كبير لكثرة الأقوال وتناقضها ثم ابتعادها عن بعضها البعض ابتعاداً عظيماً...


أقول وأنا مستغرب:
أين تكمن هذه الصعوبة ؟ وما لن وللمتناقضات التي وضعها أصحاب الغايات السيئة, فتاريخ هذه الطائفة ليس بالأمر المعجز ولا بالسر الخطير إلا عند المتجاهلين.

فنسبة هذه الطائفة الكريمة تعود إلى الإمام علي عليه السلام وليدَ الكعبة بيت الله الحرام وخليفة الرسول الأكرم (ص) وخير الناس بعده.
وعلى هذا فتاريخ العلويين مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ أمير المؤمنين (ع) وبيتها الأول هو البيت الذي ولد فيه إمام الهُدى, ونشأتها تعود إلى اليوم الذي صرّح به الرسول (ص) بولايته وإمامته وهو يوم الإنذار عند أهل الإعتبار, الذي أخبر الله سبحانه وتعالى عنه في كتابه بقوله مخاطباً لرسوله :

وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ



ولقد أوردت هذا البيان الموجز دفعاً لأقوال هذا الكاتب الذي يقول من دون دليل أن ظهور هذه الطائفة هو النصف الأول من القرن السادس الهجري.

وبعد هذا الفصل أورد بحثاً عن موطنهم لا حاجة للإسهاب فيه أو التعقيب عليه فالمسلمون العلويون غير محصورين في بلد معيّن بل هم في سائر البلدان العربية وأكثر البلدان الأجنبية, ولا فائدة تُرتجى من هذه التحريات عن أماكن وجودهم.

ثم بدأ صاحبنا ببحث عقائدهم, فنقل ما قاله الأقدمون من التخرصات الكاذبة أمثال الشهرستاني, والقلقشندي, وابن الأثير, وابن تيمية وغيرهم, وفنّد مزاعمهم كما ادّعى ولكنه في نهاية كتابه زاد الطين بِلة بقوله في سياق تلخيصه لعقائد العلويين:

أنهم يتمسكون بالباطن وأظهر ما يكون هذا عند فئة المشايخ.


فما معنى دفاعه الأول عنهم وتبرأته لساحتهم ومن ثم اتهامهم بالتمسك بالباطن؟
وبماذا اتهمنا أولئك الكتاب الجائرون الذين ردّ عليهم ؟
ألم يتهمونا بأننا نقول بالباطن وما شابه ذلك, وعلى هذا الجدوى من ردّه على الأقدمين والمعاصرين ؟
لعمري أنّ هذا الكاتب غريب الأطوار, وفريد من نوعه ولا يعرف ماذا يُريد المهم أنه يتكلم فقط وليس المهم إن كان مصيباً أم مخطئاً.


وحينما استعرض ما كتبه العلويون من خلال آثارهم ذكر من جملتهم ( محمد أمين غالب الطويل ), واستشهد بأقواله وكأنها حجّة علينا أو مترجمة لواقعنا, وهذا ما نفيناه مراراً.
فالطويل أملى أقوال ساداته الفرنسيين ليس إلا... ولا علاقة لنا به ولا بأقواله. ولن يكون كتابه حجة علينا إلا عند المغرضين الذين يحبّون الإصطياد بالماء العكر كنفوسهم.


ومن تناقضات هذا الكاتب المتكررة قوله:

وفي الحقيقة ليست هي باللغز بل هي فرقة إسلامية إمامية جعفرية إثنا عشرية تدين بمذهب أهل البيت وعقائدها واضحة لا رموز فيها ولا غموض تفصح عنها أشعارهم وكتاباتهم


فهل قوله هذا يتفق مع قوله السابق من أن هذه الطائفة تتمسك بالباطن؟..

وناقض نفسه أيضاً بقوله:

إن العلويين ينقسمون إلى فرقتين:
الأولى: تعتبر الحسين بن حمدان الخصيبي الذي عاش في أيام إمارة سيف الدولة في حلب أحد مشائخها الكبار وهو الذي جمع كلمة هذه الطائفة.
الثانية: لا تعتبره من رجالها ولا تعدّه منها.


ويتناقض هذا القول مع ما قاله في كتابه ( هل العلويون شيعة ) قال:

(نقدّم للقارئ هذه الدراسة التي عالجنا فيها نقطة هامة لم ينتبه إليها أحدٌ قبلنا)(1). هي أنّ العلويين ينقسمون إلى فرقتين:
فرقة بقيت على تعاليم الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
وفرقة تابعت الباب محمد بن نصير.


(1) هذه النقطة السامة وليست إلهامه سبقه إليها الطويل بتاريخه الهزيل القائم بلا دليل... فلا يفخر.

فأقول: إنه مع التناقض البارز بين هذين القولين لا بُد من توضيح ما يلي:

أولاً: أجمع سائر علماء العلويين ومن تابعهم من أبناء الشعب الكريم على أنّ السيد أبا عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (ق) يُعدّ من كبار شيوخها القدماء ولأوثقهم, وأبرز فقهائها الأجلاء وأعلمهم ولا وجود لفرقة ثانية بين العلويين تقول بخلاف ذلك...

ثانياً: إنّ السيد أبا شعيب ومن تابعه من العلويين لم يخرجوا يوماً عن تعاليم الإمام جعفر الصادق وآبائه وأبنائه المعصومين كما وأنه لا يوجد علوي ينكر وثاقته عند الإمامين العسكريين عليهما السلام.

ودأب هذا الكاتب الراسِب افتعال خلافات وانقسامات بين العلويين لا أساس لوجودها البتة, وهناك قولٌ أتى على ذكره لا يبتعد كثيراً عما قاله الطويل وهو:

( وإذا كان ثمة ما يجمع بين العلويين والإسماعيليين فهو التشيع لآل البيت عليهم سلام الله والإعتماد على الباطن دون الظاهر ).


هذا الخلط وقع به في الماضي ابن تيمية ومن كان على شاكلته ونقل عنه ثقة به.
فالفرق بين العلويين والإسماعيليين كبيرٌ ومعروف لدى أكثر الكتاب المنصفين.
فالإسماعيليون توقفوا بسياقة الإمامة عند الإمام جعفر الصادق عليه السلام وقالوا بإمامة ابنه اسماعيل الذي توفي بحياة أبيه وساقوها من بعده إلى أبنائه.
أما العلويون بشهادة هذا الكاتب نفسه فهم إماميون إثنا عشريون.

ومن جهة التشابه من حيث الباطن فلا أساس لوجوده فباطن العلويين عين ظاهرهم وهو التمسك بولاء أهل البيت عليهم السلام بعد الإقرار بالشهادتين والإيمان باليوم الآخر وهذا الظاهر الذي لا مراء فيه هو ما أخفاه العلويون في عصور الظلم والقهر والإستبداد حقناً لدمائهم وذلك بمبررات التقية التي تجيز ذلك عند الضرورة.
وبعد هذا فأين التشابه ؟...


تحدث هذا الكاتب عن موقف القراء من كتابه فقال:

منهم من رأى فيه دفاعاً حاراً عن العلويين.


فأين هو هذا الدفاع الحار الذي تكلم عنه ؟
هل هو باتهامنا بأننا نتمسك بالباطن أم هو بإيهام الآخرين بوجود انقسامات بيننا, فهل هذا هو الحار بنظره ؟.
وقال:

منهم من رأى أني بحتُ بالمستور وبحثت في أمورٍ ماكان يجب الحديث عنها لأنها من الأسرار.


وهنا أقول: أي مستور أباح به ؟ هل هو ذلك المستور الذي ألصقه بنا الآخرون واتهمنا به المغرضون عرضه كما عرضوه وساعدهم على إشاعته...
وقال:

منهم من قال أنني لم أبيّن من هم العلويون وما هي معتقداتهم على وجه الدقة؟


وأنا مع هذا الرأي لأنه فعلاً لم يبيّن أي شيء عن العلويين إلا القليل النادر والذي لا يُقدّم ولا يؤخر, بالإضافة إلى أنه قد وضع القارئ في حيرة من أمره من كثرة التناقضات التي أتى على كرّها...

 

من نفس الكتاب تتمة لنفس الموضوع أعلاه الجزء الثاني الصفحة 291:

( هل العلويون شيعة؟ )



نقف قليلاً مع كتابه الذي عنونه بصيغة السؤال ( هل العلويون شيعة؟ ). والذي أعاد فيه أكثر ما قاله سابقاً, وأضاف فصلاً جديداً أطلق عليه (بحث تاريخي من واقع وثائقهم وأدبياتهم المنشورة وغير المنشورة ), زاعماً أنّ ما أورده في هذا الفصل هو من عقائدنا...

وهنا أقول: إنّ هذا العنوان الذي طرحه بحاجة إلى جواب صريح, إما نفياً أو إيجاباً.
والشيء الغريب أنه في كتابه ( العلويون بين الأسطورة والحقيقة ) أجاب بالنفي والإثبات معاً حيث قال:

( إنهم إماميون اثنا عشريون )

وهذا يعني أنهم شيعة, ثم قال:

( إنهم يتمسكون بالباطن )

وهذا يعني أنهم ليسوا شيعةً لأن الشيعة لا تقول بالباطن ولهذا قلت إنه أوقع القارئ في حيرة من أمر هذه الطائفة, وسنجيبه على سؤاله الذي حيّره ثم نناقش ما توصل إليه في بحثه.

سأل وقال: هل العلويون شيعة؟


فنجيبه بسؤال, وما هي الشيعية؟.
ونجيب عنه لعله لا يدري: هي حُب علي عليه السلام وإذا قيل رجل شيعي فهمنا أنه محب لعلي عليه السلام والعلوي محب لعلي وموالٍ له فإذاً كل علوي شيعي, وما في العلويين من يأبى هذه الصفة.

والفرق بين الشيعي الحقيقي والمتشيّع واضح وجليّ.

فالشيعي الحقيقي هو من يتولى علياً ويقول بإمامته بعد رسول الله (ص) بالنص الجلي والخفي, ويعتقد أنّ الإمامة لا تخرج عنه وعن أولاده وأنهم أهل العصمة. هذا قول العلوي ومن قال غير هذا فليس بعلوي.

والتشيع لغةً: تشيّعَ الرجل ادعى الشيعية والدعوى قد تكون صدقاً وقد تكون كذباً. وما من علوي إلا وهو صادقٌ في تشيعه لأمير المؤمنين عليه السلام. تزول الجبال من أماكنها وحب علي لا يزول من قلبه, والظلم الطويل والمرير الذي عاناه العلوي يشهد بصحة ذلك.

والفرق بين الدعوى الصادقة والكاذبة هي: أنّ الدعوى الصادقة لا تغيّرها أموال معاوية كما جرى في الماضي, أما الكاذبة فهي للمنفعة والزينة فقط.

فهذا هو جوابنا على سؤاله أما جوابه هو فهو قوله: إنّ العلوية عبارة عن طريقة صوفية, واستشهد على ذلك بقول العلامة الكبير الشيخ سليمان الأحمد (ق) بعد تحريف جزء منه.
وسأنقل نص السؤال مع جوابه من كتاب هاشم عثمان لأقارنه بالسؤال والجواب الصحيحين والمنقولين عن خط العلامة.


قال هاشم عثمان في كتابه تاريخ العلويين وقائع وأحداث

وظلت معرفة أصل العلويين وتاريخهم الشغل الشاغل لنفرٍ من المؤرخين المعاصرين على رأسهم محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق, الذي كتب إلى الشيخ سليمان الأحمد شيخ العلويين وعلامتهم في عصره, يسأله عن أصل العلويين وتاريخهم, وكشف لنا عن مضمون جواب الشيخ, قال:
( وقد سألنا الأستاذ الشيخ سليمان الأحمد من علمائهم فأجاب معتذراً عن التوسع في وصف مذهبهم وختم بقوله: أمّةٌ توالت عليها النوائب السياسية والإجتماعية خمسة أجيال, فأخملتها أي إخمال, وانزوى علماؤها وصلحاؤها وعاث الجهل في عشائرها فساداً, ليس من السهل الكتابة عنها, وليس بالهين ضلال التاريخ, وقل من جرى في ميدانه فلم يعثر, لا فرق بينهم وبين الإمامية إلا بما أوجبته السياسة والبيئة وعادات العشائر التي توارثها سكان الشام, أكثر الناس اختلافاً, وأقلهم ائتلافاً إذ شيخ مذهبهم الذي ينتمون إليه ( الخصيبي ) من رجال الإمامية تقرأ ما له وما عليه في كتب الرجال. إنما لهم طريقة كالنقشبندية والرفاعية وغيرها من الطرق الصوفية بالنسبة لأهل السنة, وهذا مصدر التقولات الباطلة عليهم, وما أبرئ جهلتهم من كل ما يُقال ولكن أشهد بالغرض والتغرّض على غالب المؤرخين الذين كتبوا عنهم.



فهذه هي المقالة التي أوردها هاشم عثمان نقلاً عن محمد كرد علي, وهي لا تخلو من زيادة وتحريف واضح..


وننقل هنا سؤال الأستاذ محمد كرد علي وجواب العلامة كما نقلهم العالم الأستاذ الشيخ محمد حسن شعبان عن خط العلامة الكبير وذلك في معرض حديثه عن سيرته الفاضلة. قال:

عطرت سمعة الشيخ آفاق بلاد العلويين وانداحت لتشمل سورية ولبنان والعراق وطرقت أسماع المستشرقين الذين يؤمون البلاد العربية, فزاره المستشرق الفرنسي ( ماسينيون ) في بيته واستمع له وأبدى إعجابه بعلمه وسعة أفقه, وما كان يفوت المجمع العلمي العربي بدمشق دعوة تلك الشخصية الفذّة للإنتماء إليه والإفادة من شريف مقامه وقدّم له ثبتاً لا يزال في بيته أثراً مميزاً في آثاره.

وفي 4 تشرين الأول سنة 1925 م كتب له الأستاذ محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي يطلب إليه كتابة لمحة عن تاريخ العلويين ومذهبهم, ننقل بعض مقدمة الكتاب عن خطه كوثيقة تاريخية قال:

كتبت كتابين صرّحتُ بهما إلى مولاي ألتمس منه أن يتفضل ويكتب لي ثلاث صفحات في تاريخ العلويين ومذهبهم ومعتقدهم وما يخالفون فيه الجعفرية من المعتقدات, وإحصاءً تقريبياً عنهم وعن مواطنهم في الشام.

وأجابه الشيخ بقوله:
أمّة توالت عليها النوائب السياسية والإجتماعية طيلة خمسة أجيال فأخملتها أي إخمال وانزوى علماؤها وصلحاؤها وعاث الجهل في عشائرها فساداً, ليس من السهل الكتابة عنها, وليس بالهين ضلال التاريخ وقل من جرى في ميدانه ولم يعثر لا فرق بينهم وبين الإمامية إلا ما أوجدته السياسة والبيئة وعادات العشائر التي توارثها سكان الشام, أكثر الناس اختلافاً وأقلهم إئتلافاً, وإنّ شيخ مذهبهم الخصيبي من رجال الإمامية تقرأ ما له وما عليه في كتب الرجال وإني أشهد بالغرض والتغرّض على غالب المؤرخين الذين كتبوا عنهم... (1)


(1) لما سأل علماء مصر الشيخ سليمان ظاهر أحد علماء جبل عامل عن العلويين أجابهم بكتاب الشيخ سليمان الأحمد الآنف الذكر تثبيتاً بأنّ العلويين شيعة إماميون وهذا يعني أن كلامه حجة في الأوساط العالمة من شعبه وغير شعبه...( الشيخ محمد حسن شعبان

هذا هو جواب العلامة الكبير (ق) كما نقل عن خط يده وهو يختلف مع ما أورده هاشم عثمان في كتابه عن لسان الأستاذ محمد كرد علي.

ويتلخص معنا ما يلي:


أولاً: أنّ العلامة لم يعتذر عن التوسع في وصف مذهب العلويين بل أجاب بكل وضوح حينما قال: ( لا فرق بينهم وبين الإمامية ), وهذا يعني أنهم على مذهب أهل البيت عليهم السلام.
وإنما اعتذر عن التوسع في تاريخهم لأسباب أوضحها وهي كثرة ضلال التاريخ الذين زيّفوا الحقائق وشوهوها عمداً كما هو معروف.

ثانيا: إن العلامة لم يقل أن لهم طريقة صوفية كالنقشبندية والرفاعية, بل قال إنّ مذهبهم هو المذهب العلوي الإمامي الذي يعتبر شيخهم الخصيبي من رجاله.

ثالثاً: إنّ جملة ( وما أبرئ من جهلتهم من كل ما يُقال ) زائدة على نسخة الأصل وإضافتها لا تخلو من غايات.

رابعاً: إنّ هذه المقالة تدحض ما ذهب إليه هذا الكاتب من القول إنّ العلوية طريقة صوفية. وتؤكد أنّ المسلمين العلويين إماميون إثنا عشريون ظاهرهم عين باطنهم وباطنهم عين ظاهرهم.


وفي الختام أعقب على ملاحظة أوردها وهي قوله:


إنّ الطائفة العلوية هي بالأصل شيعة إمامية إثنا عشرية ثم مع الأيام بلورت لنفسها مفهوماً خاصاً للأحكام الشرعية لا يختلف في جوهره عمّا تقول به بعض الطرق الصوفية, واعتبرت معه فرقة مستقلة عن الشيعة الإمامية تتفق معها في أمور وتختلف معها في أمور...



أولاً: إنّ الأحكام الشرعية المعمول بها عند المسلمين العلويين منذ نشأتهم وحتى الآن لم تتغير ولم تتبدل ولم تتبلور كما ادعى صاحبنا مقلداً غيره.

ثانياً: إنّ الأحكام الشرعية في الشريعة الإسلامية ثابتة الأركان واضحة البرهان صريحة البيان, لا يستطيع أي مخلوق مهما سمت رتبته أن يغيّرها أو يبلور مفهومها على هواه, لأنها مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله (ص) ومن فعل ذلك فهو مبتدع كائن من كان.


- وكنا نتمنى من هذا الكاتب أن يُبيّن لنا أوجه الإختلاف بيننا وبين الشيعة كما ادعى وقال ولن يستطيع لعدم وجود ذلك, لأن العبادات والمعاملات في المذهب العلوي مأخوذة من أقوال الأئمة المعصومين الذين استنبطوها من كتاب الله, ونقلوها عن رسول الله (ص).

والتصوف عند العلويين هو القيام بالطاعات على أكمل وجه واجتناب المحرمات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه والرسول (ص) في خطابه
والتخلق بأخلاق الأئمة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا



فنسأل الله أن يطهّر نفوسنا وعقولنا وقلوبنا من أخلاق أهل الرذيلة بمحمدٍ وآلهِ إنه على كل شيئ قدير..

ولهذا الكاتب عثرات وسقطات لا تحصى تركناها اختصاراً ولأننا رددنا عليها في مواضع أخرى من كتابنا