صحيفة الغدير

مكتبة العلويون
 
من كتاب
"المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكام"
للمؤلف الشيخ العلوي
حسين محمد المظلوم
الجزء الأول من الكتاب صفحة 210 إلى صفحة 265 :






المسائل التي وُجّهت للدكتور الشيخ علي سليمان الأحمد
من محرر جريدة الديار البيروتية نبيل فياض
وهي توضح الكثير من التساؤلات التي تدور في أذهان البعض...



ونثبت مختصر عن سيرة الدكتور للتعريف عن مكانته:

وُلد الدكتور علي سليمان الأحمد في قرية السلاطة من قضاء جبلة (آنذاك) سنة 1912.
أكمل دراسته الثانوية في بيروت ودمشق في سنة 1930.
قصد فرنسا لدراسة الطب وعاد حاملاً شهادة الدكتوراه في الطب في سنة 1936-1937.
زاول مهنته حراً في أغلب الأوقات وموظفاً في مديرية الصحة لفترات قصيرة متقطعة, تقاعد سنة1981 بعد أن أمضى 44 سنة في العمل المتواصل. التزم بعدها بيته منصرفاً إلى مطالعاته العلمية والأدبية والفلسفية الروحية, وهو بالإضافة إلى ذلك فقيه محدث, وعالم أديب وشاعر مجيد وكيف لا وهو ابن العلامة الكبير والفيلسوف النحرير والبحاثة الشهير علامة الجبل العلوي من دون منازع فضيلة
الشيخ سليمان الأحمد عضو المجمع العلمي في دمشق.
ولله در القائل (العالم الكبير الشيخ حسن محمد شعبان ق):
علامة العلماء من يوبيله الذهبي. * .حـفّ إليـه حـفـلٌ حـافــــــــلُ
حفظ الكتاب وفي ثلاثـة أشهــرٍ. * .والعمر سبعٌ من سنيه كوامـلُ.

وللدكتور العلامة مقالات دينية وأدبية وفلسفية ألقاها في أوقات متفرقة وفي مناسبات عديدة في المساجد وفي محافل اخرى, وهذه التساؤلات التي وُجهت إليه نثبتها كما هى نقلاً عن خط يده من دون زيادة أو نقصان:


تساؤلات

نثبت أولاً الكتاب الذي وردنا من السائل مع أسئلته حتى يكون المطالع على بينة مما يدور حوله المقال:


(حضرة الدكتور)
علي سليمان المحترم تحية محبة:
نبيل فياض محرر في جريدة الديار اللبناية أعددت منذ مدة ملفاً عن العلويين هو الأشمل حتى الآن ولما كان أي عمل لا يكمل إلا بمحاورة الضالعين فيه وضعت أسئلة وصممت أن أطرحها على كبار المثقفين علوياً, ولما استشرت بعض الأصدقاء في دمشق قالوا لي : إنه ليس أمامي سواكم والشيخ كامل ديب لذلك جئت إلى اللاذقية كي ألقاكم, للأسف لم يحصل ذلك, على أية حال الأسئلة ترافق رسالتي أرجو أن تردوا عليها إن أمكن, وسوف أحاول زيارتكم الأسبوع القادم كي نتناقش في الأمر ولكم الشكر سلفاً.
29/1/1990
نبيل فياض




السؤال الأول:
لا يفرق العامة وربما المختصون بين المندائين والصابئة : الأولون جماعة تعتمد الارتماس في الماء الجاري طقساً رئيسياً والآخرون الذين تحدث عنهم القرآن الكريم جماعة ازدهر فيها الفكر اليوناني يوماً وبرز فيها في القرن الثالث الهجري أشخاص هامون في التاريخ الفكري للمنطقة لكن لم يعد لهم أثر حالياً. سكن الصابئة حران المدينة الشهيرة في التاريخ القديم (معجم البلدان -02-0235) وعبدوا النجوم وكانت لهم حكايا شهيرة مح أكثر من خليفة.

ثمة نظرية تقول: أصل العلويين هو صابئة حران الذين تحولوا دفعة واحدة إلى الإسلام وعلى ذلك أدلة :
1- دور النجوم والكواكب في الحياة اليومية للعلويين, من ذلك قول البعض إن العلويين يقولون بتجسيد علي (ع) في الشمس والقمر (ولاية بيروت) مثلاً.
2- علم التنجيم المشهور شعبياً عند بعض العلويين.
3- قرب حران التي تقع شمال شرق الرقة السورية من مناطق الشيعية وغلاة الشيعة.
4- إطلاق صفة الحراني على العديد من تراثي العلويين.
هل يمكن إعطاء لمحة عن رأيكم في العلاقة الصابئة العلوية؟
وفي الكتابات خاصة الغربية عن الموضوع مثلاً: رنه دوسو.



السؤال الثاني:
عانة بلدة صغيرة غرب 1لعراق قرب الحدود السورية نعرف أن أصل المنتجب العاني منها وقد مر فيها العديد من فقهاء العلويين وأئمة المذهب.
عانة هذه سكنها جماعة تدعى بالعلي اللآهية وهم طائفة تؤله علياً (ع ) أو تعتبره مظهراً من مظاهر الألوهية (ماسنيون ) مقالة هامة بعنوان (علي إلهي).
عانة أيضاً هي البلد التي مر فيها علي (ع ) وهو في طريقه لحرب معاوية بن أبي سفيان وهنا يمكن التساؤل عن عمق تشيع أهلها لعلي (ع ).
عانة أيضأ غير بعيدة عن جبل سنجار موطن المكزون السنجاري والكثير من الطواف المغالية والفرق الهاربة من المد الإسلامي كالزردشتيين والمانويين ولا يزال عبدة إبليس اليزيديين يسكنون تلك المنطقة الآن.

ما هو دور عانة في تخريج أئمة المذهب العلوي؟ وما هي العلاقة بين العلويين وعلي اللاهيين؟



السؤال الثالث:
تقول إحدى الدراسات عن اليزيديين إن وادي لالش قرب الموصل جبل سنجار ومناطق الحدود السورية العراقية الوسطى والشمالية كلها مناطق معزولة كانت موئلاً للهاربين من المد الاسلامي وما زالت موطناً لجماعات من عقائد متباينة غريبة كالشبك واليزيديين .
تقول فرضية: إن سنجار هي موطن العلويين الاول المطاردين من الظلم العباسي,
ويقال أيضأ : إنه كلما اشتد الظلم ووصل حتى سنجار هرب بعض العلويين إلى جبال اللاذقية ولو لم تكن بين علويي اللاذقية وعلوي سنجار روابط قوة ما استجد الشخ محمد البانياسي والشيخ علي الخياط (كما أورد غالب الطويل ) بالأمير المكزون السنجاري في سنجار (التي تبعد عنها مئات الأميال في وقت كانت وسائل شبه بدائية ) شيخ العلويين في سنجار ولو لم يكن الأمير المكزون السنجاري يشعر أن علويي اللاذقية أقارب وأبناء عمومة لما جاء وبرفقته 25000 أو 50 ألف شخص وسكن مناطق قرب سورية إضافة إلى الفروق في اللهجة بين العلوي وغير العلوي خاصة السني فقاف العلوي كقاف العراقى معطشة.

ما هي العلاقة بين السنجاريين والعلويين وما هو رأيكم فيهاا؟



السؤال الرابع:دون أن أتردد ثانية في الشك بدوافع بعض الناشرين غير الموضوعية. صدرت في بيروت سلسلة كتب تتحدث عن العلويين النصيريين منها مثلاً الباكورة السليمانية للشيخ سليمان الأذني وهو كما قيل علوي مرتد نشر كتب العلويين وأعيادهم وطقوسهم إلخ, ومنها أيضآ رسالة درزية في الرد على النصيرية.
ما هو رأيكم فيما ينشر حالياً من كتب حول العلويين في بعض مناطق بيروت؟ ومن هو سليمان الأذنى هذا؟



السؤال الخامس:
موسوعة الإسلام, موسوعة الأديان, موسوعات أجنبية أخرى بما في ذلك الموسوعة السوفياتية العظيمة كلها حكت عن العلويين النصيريين كمؤلهة لعلي بن أبي طالب (ع) أيضاً الشهرستاني والنوبختي على سبيل المثال قالا في النصيرية أقوالاً متشابهة وقريبةمما تقوله الموسوعات الأجنبية وغيرها من الكتب الحديثة. .
من الكتب الحديثة العربية نجد (ولاية بيروت) الذي أفرد مؤلفه أكثر من مائة صفحة للحديث عن العلويين كذلك كتاب صدر في الإمارات العربية عن تاريخ العلويين ومعتقداتهم ومذاهب إسلاميين للدكتور عبد الرحمن البدوي كلها تتفق مع ما ذكرته المصادر الأجنبية والتراثية العربية.
كيف تفسر هذا التوافق التراثي العربي أم الأوروبي الغربي الحديث في النظرة العامة للعلويين هل كانوا كلهم على خطأ وكيف تدعم ذلك ؟
وإذا كانت تلك المقالات متجنية جاهلة وأنتم تقولون باثنى عشرية العلويين على الطريقة العلوية الجنبلانية هل يمكن اعتبار مؤلهة علي (ع ) غير مسلمين أو حتى أولئلك الذين يقولون بأقنوم ناسوتي وأقنوم لاهوتي في علي (ع) أو أنه مظهر من مظاهر الألوهة.



السؤال السادس:
محمد بن نصير الفهري النميري - الحسين بن حمدان الخصيبي- أبو القاسم سعيد بن ميمون الطبراني ثلاث شخصيات ربطت بالعلويين بشكل أو بآخر, الأخبار عن ابن نصير قليلة متضاربة. الخصيبي يقولون عنه في المصادر الشيعية (أعيان الشيعة ) فيما يقولون إنه صاحب مذهب فاسد واطلعت شخصياً على كتابه الذي منع من التداول مؤخراً(1) (الهداية الكبرى) فوجدت فيه أقوال في أبي بكر وعمر لا يقرها المسلمون كما ورد في ديوانه المخطوط إشارات كثيرة إلى شرب الخمر بطريقة سرية .
(ميمون الطبراني) ثالث هام جداً, وميمون اسم يهودي معروف والطبراني من طبرية عاصمة اللاهوت العبراني على مر العصور والطبراني أحد خلفاء الخصيبي في زعامة العلويين دينياً.

ماذا يمكن أن نستنتج من كل ما سبق؟ سؤال تشكيكي لا حاجة به للتطويل.



السؤال السابع:
ثلاثة أشياء لاحظتها شخصياً عند العلويين تتنافى مع الإسلامية التقليدية :

1- الحجاب, صحيح ان بعض المسلمات غير العلويات خلعن الحجاب لكن الغالبية بما في ذلك الشابات ما تزال تحافظ عليه كأصل في العقيدة. لكن العلويات المسلمات الشابات تحديداً تخلين في المدن والقرى عن الحجاب دون أن ينقص ذلك من الشعور الإيماني .

2- المساجد : في كثير من القرى العلوية التي زرتها لم أجد مساجد رغم أن بعضها (القرى) كبير الحجم وتعداد السكان. من تلك القرى : المخرم الفوقاني – الناعم - جب الجراح – الغسانية – لفتايا – شطحا - دوير رسلان – بستان ديب – يمنة - بعمرة.


3- التقميص: وهو عقيدة علوية معروفة تماماً وقد حدثني بها حتى بعض المثقفين العلويين والتقميص غير موجود في الإسلامية التقليدية.

كيف تفسّر وجود هكذا ظواهر في المذهب العلوي؟ وما هو التعليل الديني التاريخي لها؟



السؤال الثامن:
ثمة من يقول : إن بين العلويين من هو اثني عشري خالص لا يمكن تفريقه عن أي شيعي آخر وبينهم من هو مغال متطرف لا علاقة له بالإسلام,
ثمة من يقول : إن كل العلويين سواء وان لديهم تعليماً شفوياً لا يُكتب كي لا يقع في أيدي الأعداء وإن لهؤلاء جميعاً مذهباً خاصاً ليس إسلامياً وان كان يُبدي الأسلمة كنوع من التقية.

أي القولين الأصح وهل الإثنان خطأ؟
إذا كان الاثنان على خطأ فما هو الصحيح؟
وهل الصحيح من وجهة نظركم هو الصحيح علوياً سواء على صعيد المشائخ والأفراد.



السؤال الأخير:
هل توجد فوارق بين الشيعة الجعفرية والعلوية؟
إذا كان ما هي تلك الفوارق؟
وإذا لم يكن فلماذا تسميتان مختلفتان لشيء واحد؟


- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

(1) - كتاب الهداية الكبرى لم يمنع من التداول لا مقدماً ولا مؤخراً وما زال يُطبع ويوزّع بين الحين والآخر في لبنان وإيران.

 
   
.
جواب السؤال الثاني:


فتذكر عانة والشاعر المنتجب العاني ومرور الإمام علي (ع) فيها وهو في طريقه إلى حرب معاوية وتتساءل إذا كان ذلك سبباً لعمق تشيّعها وإنه سكنها طائفة تألّه علياً أو تعتبره مظهراً من مظاهر الألوهة ثم بدون أي توقيع تفيدنا إن ثمة مقالة هامة (لماسنيون ) بعنوان (علي إلهي) فما هذا الخليط اللامتجانس من الأقوال؟
وما شأن كل ذلك لما أنت بسبيله ؟
ما الفائدة من معرفة ما إذا كان شاعراً له مكانته قد نسب إليه ومن أنه سكنها بعض العلويين وما جدواه؟. .

لقد كان العلويون في عصر المنتجب يشكلون جزراً عرفانية تنتشر في كل دنيا الإسلام من المغرب إلى تونس إلى مصر فالشام فالعراق ففارس والى ما لا تحيط بعلمه ولم يكونوا يعرفون بوطن ولا قومية ثم ما معنى استنتاج سبب عمق تشيعها من مرور الامام بها؟
ومتى كان مرور شخص في بلد سبباً لعمق محبته والمسموع عنها إنها لا تحوي في وقتنا الحاضر له ولياً فليس بمثل هذا تنهض الحجج . ثم ما المناسبة لإقحام هذا التساؤل وإعلامنا عن مقال هام (لماسينون) بعنوان (علي إلهي)؟
إنا نعرف جيداً الأستاذ (ماسيون) وكان لنا معه لقاءات عدة وما تعلمه عنه أنه كان من أفضل الباحثين الذين عرفوا للمذهب العلوي أصالته الإسلامية لذلك ولو لم نطلع على مقاله فإنا نجزم بأنه لا يمكن أن يخلط بينهم وبين العلوية وإن جرت منه مقارنة بينها فلكي يثبت إنها غيران ولا علاقة لأحدهما بالآخر.

دع عنك كل هذا الخبط والدوران فما لك بذكر عانة من حاجة إلى ما يفضحه ما تطلع علينا به من علم واسع في الجغرافيا إذ تعرفنا إنها قريبة من سنجار موطن المكزون والطوائف الغالية الهاربة من المد الإسلامي.
ولكن هل تسمح لنا بلفت نظرك إلى أن عانة أبان انتشار المذهب العلوي ليست بالصالحة لتكون مهرباً من المد الإسلامي لأن هذا امد قد احتواها وتجاوزها إلى مسافات شاسعة بل إنها واقعة في نطاق سلطان الخلافة القريب. ثم من أين نأتي بأن العلويين هربوا يوماً ما من المد الإسلامي وسيرة شهدائهم ووقائع التنكيل بأعلامهم جرى كله في العواصم لا الأطراف.

سؤالك الأول توحي به بأنهم صابئة حران أسلموا دفعة واحدة وفي الثاني بأنهم هاربون من المد الإسلامي ألا تشعر ما في هذا من تناقض؟!.
.

.
 
 
 
.
جواب السؤال الثالث:


يستشف منه بأنك لم ترض أو تكتف بالربط بين العلويين والهاربين من المد الإسلامي ولا بإلصاقهم بالصابئة فرحت في غيرة منك عليهم تحملهم إلى وادي (لالش) المنعزل لتقرنهم مع الشبك واليزيديين وبين أن اليزيديين هم المقصودون من الذكر لأن الشبك فرقة صغيرة المعروف عنها قليل لا يثير اهتمامأ - أما اليزيديون فشاع وذاع عنهم الكثير لشذوذ اعتقادهم بعبادة الشيطان.
وهكذا ينفتح أمامك باب جديد لإطلاق فرضية: بأن سنجار موطن العلويين الأول الهاربين من المد الإسلامي والظلم العباسي يعتصمون تارة في جبل شاهق وتارة يلجأون لوادٍ منعزل مع أمثالهم من طريدي الإسلام.

لا يمكن أن يعزى ما في هذه الأقوال من خطأ إلى الجهل لأنك في سؤال تال تسأل سؤال العارف عن شارع طريقتهم ثم عن مرجعهم الأول وعن إحدى شخصياتهم الهامة: أبو شعيب والخصيبي وأبو سعيد وهؤلاء كلهم يُعرف تاريخهم وأين ولدوا وأين ماتوا وميادين نشاطهم فهل لسنجار ذكر لأي منهم؟ وهل عرفوها أو عرفتهم؟

ولنقصر القول على مؤسس طريقهم فنلاحظ أولاً إنه لا يعرف عنه أتباعه إلا أنه شيخ الطريقة ولئن أطلق عليه شيخ المذهب فتجوزاً أو جوازاً كما قد يقع لنا أحياناً. وان المعروف عنه إنه كان من أكابر مجتهدي الشيعة الإمامية الذين لا مذهب لهم إلا ما يستقونه عن الأئمة الإثني عشر الذين هم عندهم جميعاً في العصمة والعلم سواء لذلك أن انتسبوا لأحدهم فكأنهم انتسبوا للكل وقد غلبت تسمية الجعفري على كل مذاهب الإمامية لأن الإمام جعفر(ع ) عاش في فترة فريدة ضعف فيها حكم الأمويين ولما تستحكم قبضة العباسيين - مما أتاح له أن ينشر عرفانه بأوسع ما قيض لغيره - وأن يسمح لواردي منهله أن يؤمه بأمان أكثر حتى أنطق بعض معاصريه (لقيت أربعة ألاف عالم كلهم يقول حدثني جعفر بن محمد) فشيخهم جعفري المذهب بكل ما في الكلمة من معنى . لذلك لا يوجد أثر لأي حكم شرعي اكتفاء بما يستنبطه المجتهدون من فقه هذا الإمام العظيم جعفر(ع) أو آبائه أو بنيه.

وقد كان مجال دعوته وزمن اتشارها عصر سيف الدولة وتفرق مريدوه في كل أرجاء سلطان الحمدانيين وتجاوزوها إلى مصر وتونس والمغرب وشرقاً إلى فارس وأذربيجان والى ما لا نعلم أين كل هذا قبل ثلاثماثة سنة تقريباً من أي ذكر للمكزون فكيف تكون أو تصير سنجار موطناً للعلويين الأول.

ولنرحك من سنجار وما يترتب عليها من فرضيات فنعترف لك بادىء ذي بدء بأن الباحثين على خلاف فيما بينهم بالنسبة لفترة غامضة من تاريخ العلويين وكل يستند إلى رواية واشارة تدعم رأيه:
فمن قائل إن المكزون سكن معالم سنجار مما ينطبق وصفاً على جبال سنجار.
ومنهم من يرى أن سنجار المعنية بلدة شرقي المعرة وهذا يحل في لغة الحرب أشكالاً تعبوية لانتقال المكزون لنجدة إخوانه في العقيدة لا في النسب كما يوحي قولك.
ورأي ثالث أثاره أحد النسابة من رؤساء العشاثر العراقية للأستاذ البدوي - رحمه الله - وهو أن تكون النسبة إلى سنجار وهو اسم لا تزال تحمله بعض العشائر العراقية حتى يومنا هذا ومما يسند هذا الرأي الأخير أنهم عندما ينتسبون يقولون سناجرة لا سنجاريون حسب ما تقتضي القاعدة وهذه الصيغة هي نفسها التي تستعملها العشاثر العراقية العلوية المتحدرة من هجرة الأمير المكزون إذ يقولون عندما ينتسبون (نحن السناجرة ).

لسنا هنا للفصل بين فرضيات تاريخية لكن ذلك لا يمنع من محاولة لتوفيق بينها أو تضييق شقة خلافها كأن نقول مثلأ بأن الأصل العرقي عشيرة سنجارة واحتمال وجودها في سنجار زمناً نتيجة لتنقلانها وذلك ما كان معروفاً ومألوفاً من تحركات العشائر العربية حيث لم يكن حد يحد ذلك.
بدليل وجود بعضها في بلاد تركستان حتى الأن ووجود هلاليين في المغرب وغيرهم في شرق إفريقيا وهذا ما يفسر لنا أيضاً سبب محاورتهم للأكود أخذهم عنهم بعض التسميات دلالة في ذلك إلا إثبات التواصل .

ألا ترى بأنه عندما أصبح التواصل عالمياً كيف أخذت التسميات الغربية تغزو سجلات النفوس عندنا.
كما إن التسميات الشرقية تشق طريقها إلى سجلات نفوس الغرب ولا يعني ذلك إن أحداً من هؤلاء وأولئك تحول عن كيانه وأصله .

وقد يشط بعيداً عن المقصود كل من يسأل عن العلوية وهو غافل عن حقيقتها التي هي كناية عن نظرة عرفانية إلهية إسلامية ولها مناهجها وطرق استدلالها - وتقدم تصوراً متميزاً ومتكاملاً عن الوجود وموجده وكيفية علاقة الإنسان وعلاقته بخالقه وما يجب عليه سلوكه مع كل مخلوق ومفتوح بابها لكل من يوفي بشروطها وسيشط إلى أبعد وأبعد من ينظر إليها على أنها عرق أو سلالة يلاحقها في هجراتها وتنقلاتها كما يلاحق دارسو السلالات والأعراق إحدى قبائل الهون مثلاً أو بني هلال في مسيرتهم.


ومن الغريب المستغرب ما قادك إليه تمغنط فكرك شطر طلب الفوارق بينهم وبين إخوانهم السنة فرحت تجعل من اختلاف نطقهم بالقاف دليلاً فهل كل سني العالم سواء في نطق القاف مهموزة كأهل الساحل عندنا وهل العلويون المنفردون ينطقها معطشة حتى تصبح علامة فارقة لهم؟! وهل يصبح كل قارىء قرآن علوياً لأنه ينطقها كما ينطقون؟!
عهدنا بمثل هذه الأقوال من اختصاص علم اللهجات لا من باحث التفريق بين العقائد والمذاهب.



والآن أعتقد إنه وضح بما فيه الكفاية لكل باحث عن الحقيقة بأن علوي هذه الجبال لم يكن جبل سنجار موطنهم الأول ثم هاجروا منه إليها ليصح للمغرضين ربطهم بالصابئة تارة وبالهاربين من المد الإسلامي تارة أخرى وانما الأقدم منهم بقايا من نجوا من الفتن والمحن التي توالت عليهم ولما صار الزمن إلى ضعف في السلطة المركزية اختل الأمن فتولت كل طائفة من الناس شؤونها بنفسها وكان الحاكم فيما بينهم قانون تنازع البقاء - ولما لم يكونوا الأقوى لجأوا إلى الاستنجاد بإخوانهم في العقيدة لا القرابة كما تورد فكانت نجدة المكزون في الذاكرة المسجلتان في بعض المخطوطات والمحفوظتان في الذاكرة الشعبية يتوارثها جيل عن جيل وقد تبع ذلك تحول نوعي في تاريخ العلويين لهذه الديار إذ ساعدت على ترجيح كفتهم في الصراع القائم بين الطوائف فآلت إليهم السيطرة على هذه الجبال بكل امتدادها وشكلوا شريحة اجتماعية ذات عدة وعدد وأصبحوا بنفس الوقت أكثر عرضة للتهجمات والاضطهادات من السلطات الحاكمة والغزاة المتتابعين وان في هوامش وذيول بعض المخطوطات تسجيلاً مخيفاً ومحزناً للأهوال والكوارث التي عانوها بصبر عجيب وصمود مدهش ولا تزال تلاحقهم الإتهامات والأراجيف ويشوه سمعتهم الغرب بشتى الأساليب وهل آن لحضرتك لتدلي بدلوك في الدلاء؟

.
 
 
 
.
الجواب على السؤال الرابع


تبدأه بالإعتراف بأنك لا تتردد ثانية واحدة في الشك بدوافع بعض الناشرين غير الموضوعية فتقول :
صدرت في بيروت سلسلة كتب تتحدث عن العلويين النصيريين منها مثلأ:
(الباكورة السليمانية وهو علوي مرتد نشر كتب العلويين وأعيادهم وطقوسهم ومنها أيضاً رسالة درزية في الرد على لنصيري)


كدنا نستبشر بما افتتحت به من شك في الدوافع غير الموضوعية لبعض الناشرين سلسلة من الكتب صدرت في بيروت ونحسبها همة منك لإنصافهم وتبئتهم مما يُرمَون به أراجيف ونسج حولهم من أكاذيب ولكن سرعان ما خاب الظن وانكشف الأمر عن شاهد جديد على صدق المثل:
(يرى القشة في عين أخيه ولا يرى الخشبة في عينه )

إذ هل بلغ أحد من سوء القول فيهم ما بلغت بجمعك في الاستفسار عن باكورة سليمان والرسالة الدرزية - وإن أي مطلع منصف يتبصر بمجموعة أمثلتك فيجد إنها تحوي من التجني واللاموضوعية والخبط عن العلويين ما يصعب معه تصور وجود واع بما يفعل ويُقيم وزناً للمنطق فيؤلف بين أشتاتها ثم يتبناها وقد أزال حيرتنا الاطلاع مؤخراً على نفس هذه الأسئلة توجه يميناً وشمالاً فبرح الخفاء وعلمنا إنك لست بصاحبها وإنما صدىً لطائر محكي أرسلك بها تحمل عنه عارها وشنارها ووقف جانباً يترصد صداها وأخبارها.

ومع ذلك يبقى لك علينا واجب الشكر إذ تُهيىء لنا الفرصة لدفع أقوى وأشنع الاتهامات التي توجه إليهم وخاصة ما جاء عن هذا المسمى سليمان .
أفلم يكن منهم وقد خبر أحوالهم وعرف أقوالهم ونفذ إلى أسرارهم ؟
فهو إذاً ثقة في كل ما يورد عنهم ويصح اعتماده في الحكم عليهم فأي منطق أظهر وحجة أقوى؟
أجل ولكن أليس ثمة من احتياط عليه يوهنه ويبطله ؟
ولهذا فلا بد من فتح معترض تصح الأمور في إطارها وموقعها الصحيحين ليتضح الحق جهاراً.

إنّ تاريخ العلويين الاجتماعي تلخصه وتختصره كلمة إمامهم جعفر (ع):
(المحن إلى شيعتنا أسرع إليهم من الماء في الانحدار)



ولا غرو فالجنة محفوفة بالمكاره ولنستمع لحديث التاريخ :
ضاق أحد متأخري خلفاء بني العباس ذرعاً بأمواج النقمة المتصاعدة على الفساد والإفتئات فشعر بالحاجة لقمع وقائي يُطفئ شعلة الثورة الوشيكة ولكي يتحقق ذلك على أتم وجه كان لا بد أن يسبقه شحن فكري في الجماهير وتأجيج لكوامن أحقادها واستثارة لغرائزهم بنبش دفائن الصدور وكان آلة ذلك مع الأسف الشديد الإمام الغزالي.

ونقول مع الأسف الشديد مخلصين ضناً بمكانته العلمية ولكن هذا ماكان (فما اعتذارك عن قول إذا قيل) فطلع على العالم الإسلامي بكتابه "الرد على الباطنية" فكان عورة كتبه وبدا فيها متنكراً لكل ما أصّل هو نفسه في أصول البحث والحجاج في كتابيه "تهافت الفلاسفة" و "المنقذ من الضلال" فإذا به بدلاً من الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان يحشوه بالأقاويل والظنون والسباب الرخيص وامتداح الخليفة والحضّ على ما يهم به من البطش.

وكم يحز في النفس هو أنّ العلماء متزلفين متصاغرين أمام ذوي السلطان وأشهد أني رثيت له منذ الصفحات الأولى من ثقل ما حمل عرفانه ووجدانه حتى نزل لهذا الدرك.

وكان ما كان مما نال العلويين قسطهم الوافر من النكبات والآلام مع أقربائهم وجيرانهم في الإعتقاد.

ثم يتحوّل الزمن وتختلف الأمكنة لكن الدوافع والبواعث هي هي والبطل هذه المرة ابن تيمية والضحية علويو كسروان وكم في بطون التاريخ من المشاهد المؤلمة وفيما بين السطور من الأسرار المخزية لسبب قصر حملته وقد حمد مؤخراً لابن تيمية هذا الجهاد من أحقادهم وأحقاده وطواياهم وطويته فطوّبوه شيخاً أوحد للإسلام ولو بعد قرن وبرغم أنف كل أئمة مذاهب المسلمين في عصره الذين أجمعت وتضافرت فتاواهم على تبديعه وتكفيره حتى اضطر صاحب الأمر في زمنه لسجنه إلى أن مات أو إلى قبيل موته موصوفاً بالكفر والزندقة فأسمع وأعجب!!!
وكان ماكان من استئصال العلويين من كسروان وتوابعها, وفي زمن لاحق تطلع علينا الفتوى الحامدية وما سببت من محن ومذابح, ولكن العلويين ممن تمرسوا بالأفات ومرنت مهجهم على مصابرة المدى كما يُقال.
فصدقوا المثل: (بقية السيف أنمى عدداً).

فكان لزاماً أن تلاحقهم المحن ولا نستطيع لها تتبع ولا إحصاء ومن أسوئها هذا الذي تسأل عنه
وقد آن لنا أن نجيبك عمّن هو سليمان الآذني:

إنه إحدى هذه الآلات والوسائل التي يتوسل بها لشحن الأذهان وإثارة الأضغان ضد العلويين ولنفس الغاية التي قصدت من مؤلف الغزالي وفتاوى ابن تيمية والحامدي بل عند التدقيق هي أدهى وأمرّ إذ كان ما بلغتهم منهم تلك التهجير أو التقتيل أما هذه فتطمع لأكثر وهو المحو الكامل بإخراجهم من عقيدتهم وتحويلهم إلى أخرى وهكذا يذهب كل صبرهم على البلوى وتضحياتهم القرون العديدة سُدى.

وليتضح ذلك نفصل لك بعض فصول هذه المسرحية المأساوية فنقول:
إنّ الباعث حلم صليبي قديم لم يتخل عنه حالموه وقد بعثه وجدده في نفوسهم ما آلت إليه الدولة العثمانية من ضعف فتح لهم أبواب أمل تحقيقه فألقى خبراؤهم نظرة على جغرافية هذه المنطقة فوجدوا:
إنه إلى شمال النواة المسيحية المتماسكة في لبنان تمتد كتلة بشرية ذات عدد ولكنها منبوذة مقهورة وقد آل بها الظلم والقهر إلى حالة مزرية من الجهل والتخلف تكاد تعود بهم لما قبل القرون الوسطى فحسبوا أنهم ضالة منشودة وأنهم التربة الصالحة التي يمكن أن يُثمر فيها تبشيرهم ولا أشعّب القول بتفصيل الأحداث بل أحصره بموضوع سؤالك؟

فلما وقع لهم هذا الشخص سليمان الآذني أوهم الذين أوقعوه ولمسوا منه الجشع ورقة الدين ولا أنبذه لذلك ظلماً بل إنّ تاريخ حياته في تقلبه من التنصر إلى التهوّد أصدق وصفٍ له, وقد يكون في تهوّده بعد تنصره إشارة إلى أنّ ثمة من دخل على الخط كما يُقال في لغة العصر ولا نستغرب أن يكون الذي نصّره هو الذي هوّده.
وإن فيما مضى وفيما نشهد حتى الآن من الأحداث ما يؤيد ذلك ولعله شبيهاً بما كان هو الذي دسّ بين أسئلتك هذا السؤال عن طبرية وأصف لها كمركز للاهوت العبري وعن أبي سعيد ميمون ونعت اسمه بالإسم اليهودي والذي سنأتي على الجواب عنه في موضعه.

والآن لنتصوّر مااذا يُمكن أن يتطلب مستغلو سليمان وماذا يمكن أن يخطر ببالهم كي يجنوا منه أجلّ الفوائد.


هنالك أمران يجب أن يحققهما لهم:
الأول: عرض المذهب بأبشع الصيغ وحشد وإبراز كل المنفرات التي تبعد إخوانهم في الدين عنهم كالتركيز على المثيرات مثل الطعن في الخلفاء وموهمات التجسيد للإله والتشبيه مما يضرب حولهم ستاراً حديدياً يعزلهم عن كل ما يمتّ للإسلام وتنقطع كل صلة لهم به.

وثانياً: دشّ الإشارات والتلميحات إلى التشابه بينها وبين المسيحية من تثليث وتجسيد حتى ينفتح لاحتضانهم بالمحبة والحُسنى فتتم الفرحة بعودة الإبن الضال لأحضان الأم الرؤوم.

وإذا ما علمنا بأنها نُشرت برعاية وعناية المبشرين ذوي الدرية العالية في إلباس التشويه أبهى حِلل المنهجية والعلمية لن تعجب أما رأيتها وقد وفت بهذين الغرضين على أتم وجه.


ولن أتصامم عن سؤال أعلم إنك تهتم به لا بل هو بيت القصيد لكل أسئلتك وهو:
ما الجواب عن هذا التجسيد الفج الذي يعرضه وأشكال الطقوس الغريبة التي يصفها؟
فأقول وماذا أنتظر من رجل باع دينه بدنياه غير أن يجتهد ويعينه في قصده موجهوه إلى أن يبلغ الغاية من إبرازها بأبشع الصور ومن كتمان أدنى إشارة يمكن أن تفضي لمعنى سامٍ أو تقود لاحتمال تأويل أو ظن حسن.

ولعل من المفيد والشيء بالشيء يُذكر أن نلفت النظر إلى شبيه جدد لنا العهد بباكورة سليمان وهو ما صدر مؤخراً ومن مسلم مرتد وطبل له وزمر تحت عنوان "آيات شيطانية لسلمان رشدي" وهو ينهج فيه بالنسبة للإسلام ككل نفس كما حاول سليمان الآذني بالنسبة للعلوية,
وقد أتيح لي أن أقرأ منتخبات منها في إحدى الأسبوعات الفرنسية وليس المقام مقام الوقوف عندها وتحليلها وتقويمها ولكن أشهد مخلصاً لولا ما فرضه عليَّ حب الإستطلاع لما أتممت قراءتها لما فيها من غموض وإغراق مريض في الخيال وبُعد عن الحق وإسراف في التشويه لا يمكن أن تصدر عن ذهن سوي.
وقد حاولت أن أجد لهلوسته معنى وغاية لم أصل لذلك إلا بجهد فاق كل جهد في تتبع هلوسات المرضى, عاينت في حياتي المهنية الطويلة أو حضرته أثناء الدراسة في مستشفيات الأمراض العقلية وذلك رغم علمي بدوافعها ومعرفتي بمسرح الأحداث التي تدور فيه وبالشخصيات التي ترمز لها ووقفت أتساءل؟؟ : كيف تمّت لها هذه الشهرة إذ عبثاً حاولت أن أجد فيها لا شكلاً ولا موضوعاً ما يستهوي القارئ الغربي اللهم إلا ما يرثيه فيه من حديث عن بيوت الدعارة وهو مما لا يمكن أن يطول أثره في نفسه,
وأتساءل باستغراب؟؟!!! أكبر كيف وُجِد من يطرب لها ويُدافع عنها تحت ستار الإنتصار لحرية الفكر وقد بدا لي أن سرّ هؤلاء لا يجب أن يفتش عنه في عبقرية سلمان رشدي المزعومة ولا في الغيرة على المبادئ السامية ولكن في أحقادهم الدفينة على الإسلام بل على كل القيم الرفيعة, إذ من أين لهم بعاقل بلغ حقده على الإسلام وجرأته على الإنصاف وتهاون وتلاعب بحقائق التاريخ أن يخطر بباله هذا التهجم البذيء مثلاً على أحد أقداس الإسلام سيدنا سلمان هذا الشيخ الجليل الذي مهما اختلفت وتناقضت الروايات في تحديد سنّه فلا خلاف إنه دخل الإسلام وقد بلغ من الكِبر عتياً ولم يُعرف عنه في كل ما روت جميع فئات المسلمين إلا شدّة الإخلاص للإسلام ونبيه حتى حظِيَ بهذا التكريم ( سلمان منا أهل البيت ) فيقمصه شخصية أحد المنافقين ويجعل منه مزوراً للوحي وفاراً من الرسول إلى مكة ليُصبح إلى بيوت الدِعارة وخدن السُكارى.

أقصى ما يُسمح به لهؤلاء المتعاطفين معه أن يطلبوا له حق العلاج في أحد المستشفيات العقلية ولم يبق لي إلا الحسرة لوقوعنا في الفخ الذي نصبته لنا دور النشر الأوروبية بما كان منا من رد فعل صاخب الذي لولاه لكان مصير أكداس نسخها لا في مكتبات القراء بل في دكاكين باعة المفرق للصراء وفي ما هو أسوأ.

وبأي الأحوال فإن على من يميل لإعطاء أية قيمة وثائقية لمثيلها باكورة سليمان أن يعلم ويبقى ذاكراً إن هذا العرض والنشر والتطبيل لها كان من صنع مراكز التبشير وخدمة مأربها.


ولكي يبطل إغراؤها لبعض الفئات من إخواننا من الطوائف المسلمة ويستبينوا كيدها لا نرى خيراً من لفت نظرهم إلى كيف يعرض هؤلاء المبشرون أنفسهم للإسلام وكيف إنهم رسخوا وعمموا عنه هذه الصورة في كل دنيا المسيحية وغيرها ممن سيطروا على توجيهه حتى لكادت تتسلل ولو بخفر إلى بعض زوايا تفكير مثقفينا المستغربة.

1) إنه دين السيف والسيف يتضمّن الإكراه.

2) إنه دين الملذات فجنانه مراتع للحور العين.

3) إنه دين انفلات الشهوات فحتى الرسول الأعظم تزوج من النساء غير ما ملكت اليمين.

4) إنه دين الكسل والتواطكل المميت - مكتوب كل ما يقع لنا- .

ونختصر
إن من يستطيع استقصاء لكل مطاعنهم والتي يدعمونها كلها بمثل ما جاء في باكورة سليمان أي بعرضهم طقوسهم واقتطاعهم فصولاً من صفحاته بشكل منفّر ومضحك ولو لم يصفوا إلا واقعاً كان يفرض مثلاً حركات الركوع والسجود وحلقات الذكر بشكل تبدو فيه وكأنها مشاهد هزلية أو جنونية.

ذلك أن شكل كل طقس من الطقوس دينية أو غيرها إن أفرغته من مدلوله الروحي المعنوي لغو من القول أو هزءاً من الفعل.

وليلاحظ من يشاهد التلفاز إذا خففت الصوت (أي إذا ضاع المعنى من المشاهد) كيف تصبح الأشخاص دمى مضحكة إلا عند من يعرف الحديث فيبقى على انسجامه مع الحركات تصديقاً للمثل ( لا يفهم العبارة إلا من عرف الإشارة ) .


فمن شاء بعد هذا من إخواننا المسلمين أن يستنبط العلوية من باكورة سليمان فعليه أن يقر إن الإسلام هو ما يحكيه عند هؤلاء المبشرون وبغير هذا فلا ولا وألف لا.



واستطراداً لتأييد صحة ما نذهب إليه لنورد لك بعض ما جرى:
فقد كان أول ما حاول المستعمرون منذ السنة الأولى لسيطرتهم على هذه البلاد اقتطاع جزءاً من الوطن وسمّوه دولة العلويين المستقلة إمعاناً في التمويه والإغراء. ثم بتوجيه من الإستخبارات والمبشرين أرادوا تمكين التفرقة بحمل العلويين على أن يحكموا بمحاكمهم المذهبية بموجب العرف والعادة وذلك قبل محاولتهم نفس الشيء ولنفس القصد بإصدار ما سُمِيَ في المغرب بالطهير البربري الذي كان يقصد منه أن يُطبق البربر أحكام أعرافهم وعاداتهم بدلاً من أحكام الشريعة الإسلامية.
ولكن العلويين استعصوا وأبوا أن يكون لهم شرع إلا ما شرّع لهم إمامهم جعفر (ع) وكانت ثورتهم لم تهدأ وأدرك المستعمر منهم التصميم القاطع فسكت على مضض ثم باءت كل حملات التبشير التي رعوها بالخذلان المُريع.

وتسارعت الأحداث فتقوّضت الآمال وتبخرت الأحلام إنما لتتقمص أحقاداً تنفث سمومها وتزرع العداوة والبغضاء انتقاماً لفشلها, وإن خير شاهد على ذلك كتاب من تسمّى بموسى الحريري والذي تبرعت لسنين خلت إحدى إذاعات لبنان بقراءة صباحية منه لمدة خمس دقائق - نفس المدة التي كانت تخصصها لقراءة الأنجيل أو تزيد - على إنه لم يَحوِ جديداً ولا مفيداً بل تكراراً لنقلٍ مُعاد ألوف المرات ومما لا خير فيه ولا مبرر له اللهم إلا قصد التشهير والإثارة.
وأشهد أنه قد كوفئ بما شفى من غلّ صدره الحاقدون إذ تتابعت بعده النشرات والأقاويل التي تكيد للعلويين مرددة صداه من الكويت, والعراق ومحلياً ومن دُعاة الإسلام المنعوت زوراً وبهتاناً بالإسلام الصحيح, ولكن للحق والتاريخ فإن كل المراجع المسؤولة كالأزهر والنجف وقم قد برئت من ذلك وألفت فتاويها ومواقفها الشاجبة المتزمتين والمتنطعين الحجر.


وبعد
فهل تريد مزيداً عن سليمان الآذني وباكورته - ولا أنصح - لأننا سنضطر لفضح الكثير من المؤامرات والأساليب الملتوية نفضل الإغضاء عنها كرماً لما يفرضه حسن الجوار من تراحم ولكي لا يكدر فيض من الحب والتقدير تبادلناه مع رهبان صادقين ومستشرقين منصفين نكنّ لهم رغم اختلاف الرأي كل ود وتقدير.

أما سؤالك عن رسالة الرد على النصيري المنسوبة لأحد الدروز اطلعنا عليها فوجدناها مجموعة من التهم والأراجيف تتقاذف بها كل الفئات بدون دليل ولا سند ولا وجود فعلي لمثل هذا النصيري الذي تشن عليه حملتها.
وفي علمنا أن الدروز والنصيريين تجاوروا زمناً ما واتسمت علاقاتهم بالود والتصافي مرة وبالقطيعة والتنازع أخرى ولكن لا يمكن أن يجهلوا بعضهم بعضاً لحد أن يصدق أحدهما على الآخر شيئاً مما جاء بها - فهي إما أنها ترد على شخص وهمي لا وجود له فلا حاجة لنا بالدفاع عنه, أو دسيسة للإيقاع - وفي كلتا الحالتين لا تستحق أن تُعار أي اهتمام, ونترك تعليل وتفسير اهتمامك بها. إذ لن يكون فيه ما يرضي ولا ما نرتضيه.


* * *
 
 
 
.
جواب السؤال الخامس


تبدأ هذا السؤال بممارسة نوع من التهويل والإرهاب الفكري فتقول: ((موسوعة الإسلام موسوعة الأديان موسوعات أجنبية بما في ذلك الموسوعة السوفيتية العظيمة))
- ولما هذا الإعظام؟ ألا تشعر بأنه أحيط بنا من كل جانب وأن لا مفر من إقرار ما قررت ثم تذكر ((الشهرستاني والنوبختي والكتب المعاصرة من ألفها إلى يائها )) فأحكمت الحلقة في الزمان والمكان.

ولكن هوّن عليك ولما كل هذا التهويل فذلك لم يخفنا وجل ما فعل أنه ذكرنا بالسيد (بانورج) إحدى شخصيات الكتاب الساخر (رابله) حينما أراد أن ينتقم لنفسه من تاجر خراف كان يُبحر معه مصطحباً خرافه فاشترى منه خروفاً ورماه في البحر فتدكدكت كل الخراف وراءه..
وهكذا كل مراجعك وأسانيدك فإنها تنقل عن بعضها البعض بدون تحرٍّ ولا تمحيص ولا سؤال من أصحاب الشأن عما يقصدون أو يعنون.

وكأنك تقرني حين تقول بأنها كلها تقول أقوالاً متشابهة وقريبة مما تقول الأخرى.
أما فيما يخصنا فلا حاجة بنا لكثير بحث لتفسير هذا التوافق وكدت أخط النقل إذ المهم عندنا ليس ما يقول الناس بل ما يقول أصحاب الشأن.
ثم تسأل ((إن كانت هذه المقالات جاهلة فهل أنتم ممن يقولون بأثني عشرية العلويين على الطريقة الجنبلانية.))

وجوابنا أن نسالك:
هل لكلمة الأثني عشرية التي تسأل عنها معنى في ذهنك لأنه لو انتبهت لمعناها ما سألت, وكيف كل المراجع التي بين يديك من أولها إلى آخرها تعترف لهم بذلك والذي هو سياقة الوصاية والإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأئمة الإثني عشر من الإمام علي وحتى محمد بن الحسن (ع) وهذا اسم يُطلق تفريقاً لهم عن غيرهم من المسبعة كالإسماعيلية أو المخمسة كالكيسانية وغيرهم وغيرهم - فهل تلومنا على ما سبق لنا من شك بأنك مجرد حامل لهذه الأسئلة لا صاحبها؟
قد تعترض علينا وتقول وهل يصح هذا الجهل من واضعها؟ فنجيبك بأن لا - لأنهم أوسع إطلاعاً من أن يفوتهم ذلك ولكن ليدسوا كلمة جنبلانية حتى يُحدثوا شرخاً في البنية الأثني عشرية نفسها ويفتحوا باباً للتفريق وسيذر قرن هذه المحاولة في أسئلة لك قادمة فلنترك ذلك لحينه.

ثم تطرح سؤالك الأثير الذي هو قطب رحى أسئلتك فتقول:
هل يمكن اعتبار مؤلهة علي غير مسلمين؟
وتحكم الحبكة وتسد كل الأبواب فتردف وحتى أولئك الذين يقولون بأقنوم ناسوتي وأقنوم لاهوتي في علي وأنه مظهر من مظاهر الألوهة.
وقبل أي جواب نذكّرك بما قلناه من الغاية التي ألفت من أجلها الباكورة وهي:
أولاً: نفي العلويين من الإسلام
وثانياً: إدخال القول عليهم بأقنوم ناسوتي ولاهوتي في علي لتثبت صلتهم بل بنوتهم للفكر المسيحي مع كل ما يفتح ذلك من أبواب.

أما جوابنا عن ذلك فهو:
إنهم لا يقولون بأقنوم ناسوتي ولا لاهوتي ولا بالأقانيم في الذات الإلهية وإن تسرّب إلى بعض التعابير شيء يوهم ذلك بحكم الإستعارة أو التقليد أو قصور العبارة فإنهم أول من يشجبون ذلك بل إن سرّ وسبب خلافهم وبراءتهم من الحلاج كثرة التعابير التي توحي وتحتمل نوعاً من الحلول ينكرونه أشد الإنكار.

وإنّ الإله عندهم جزء أصم لا يتبعّض في عدد ولا يتجسّد في جسد فكيف يجوز أو يخطر لأحد أن يسأل إن كانوا يعبدون تارةً بشراً وتارة كوكباً؟!
ولقطع دابر كل ظن فيما يعبدون نطمئن أهل الغيرة عليهم بأنهم والله لم تهن عليهم أرواحهم بعبادة هذا العلي ذي الأقنوم أو الأقانيم الذي تسأل عنه ولا أي كوكب أو بشر أو مدر وإن كل ما يورد عنهم من عبارات تثير وهماً عند مخالفيهم فمردّ ذلك لأن هؤلاء يعطونها مدلولاً غير الذي يعنونه هم به ولأنهم لا يسلكون سبيل المنطق الذي صاغ للعلويين بموجبه استعمالها, وعندها فليس الذنب ذنبهم بل الأحرى أن يكون ذنب المتوهمين لما هم منه براء.

وهذا الذي تسميهم به وتعدّه شيخهم المكزون يجيبك عنا وهو يقف بين يدي ربه في أخص مواقف التهجد والعبادة :
( مولاي بربئنا إليك ممن عبدك محدوداً وعدّك معدوداً )

ويتوجه إليه بهذا الحمد الذي قل نظيره صفاء ودقة:
الحمد لله الذي ليس لأزليته زوال, ولا لأبديته انتقال, ولا لأحديته ند, ولا لصمدانيته ضد, العلي عما أدركته الأبصار والبصائر, المنزّه عن صفات الأعراض والجواهر, المتعالي عما وصفه به الواصفون, الممتنع بعظمته عن إدراك الظنون, العالم القادر بذاته, الغني عن أسمائه وصفاته.


هذا هو إلههم وهذا هو محكم قولهم فيه وكل قول آخر يرد عنهم يجب أن يُرد إلى هذا المحكم ولو أن النفوس تخلوا من الغرض لوُجد السبيل لتصحيح أقوالهم كما صُحح لغيرهم, ولما لا يُصحح لهم كما صححوا لمن قال: (ليس الجنة إلا الله وأنا أنت روحان حللنا بدناً) وغيره الكثير, ولم يُنفوا من الإسلام بل هم بأعلى مكان منه ومَعدودون من أعلامه وليس عند العلويين أغرب مما عندهم لا شكلاً ولا موضوعاً.


ألا تعرف يا أستاذ إنّ في المسيحية متصوفون طوبو قديسين بعد أن كانوا موضع استرابة لا بل حرمان وهنا بحث طويل عريض ليس هنا مجاله ومع ذلك فإنّه بالإمكان إبداء ملاحظة مقتضبة تُغني عن التطويل وهي:

إنه لما وجد ذلك مما تشترك به كل الأديان أناساً أرادوا أن يعبدوا الله ويعرفوه بالتفكر وذلك مما ندب إليه الإمام (ع) بقوله: لا عبادة كالتفكر.
أطلع الفكر هؤلاء على آفاق جروا عليها مبلغ طاقتهم من التصوّر فمنهم من سما ومنهم من أسفّ ومنهم بين بين ولا يزالون مختلفين بمعرفته سبحانه وسبلهم إليه متعددة كما يُلاحظ أحد العارفين قائلاً :
تعدد السبل إليه لتعدد السالكين وهذا حكمه فيهم مذ قال: ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ولا راداً لحكمه.

.
 
أ
 
.
الجواب على السؤال السادس


تسأل عن شخصيات ثلاثة رُبطت بالعلويين بشكل أو بآخر فما أهدى أسئلتك لمواقف التجريح وأبطن كيدها حين تربط بالعلويين أولاً بمن تضاربت به الأقوال وثانياً بذي عقيدة تُنعت بالفاسدة لتنتهي إلى ثالث ربيب مركز هام للاهوت العبري ولعلّ ذلك هو الذي أوحى لك نعته بالهام وكأني بك تتساءل أيكون يهودياً تسلل إلى سدة بابوية العلويين قياساً على غيره والذي تسلل لسدتها في روما وما ذلك بأغرب قولاً ولا أصعب منالاً.


وإليك إنشاء الله الجواب والقول الصدق:


1) أما أبو شعيب
فحتى أن الأقوال عنه قليلة ومتضاربة ولكن يسهل فهم علة ذلك ودون أن يلحق قدره أي انتقاص بالقليل من التفكير بأحوال أئمة أهل البيت في زمنه فقد كانوا - عليهم السلام - حينما تفضي السلطات الحاكمة بالإغضاء عنهم موضع حذر ورقابة شديدين ولكن ذلك لم يمنع لما كان لهم من المكانة الرفيعة والمحتد الكريم أن يكونوا مصدر إشعاع روحي ومادي كبيرين ومحطّ رحال تجتمع الناس حولهم أشتاتاً من الولي الحميم حتى المتجسس عليهم فصنفوا فئات ثلاث عامة وخاصة وخاص الخواص وكل فئة كان يخرج إليهم من علمهم على قدر منازلهم, وإن مشايعيهم كانوا هم أيضاً موضع استرابة ورقابة وكم لحق من الأذى ببعضهم ما لحق, وكم يروي لنا التاريخ من حكايا عن سجن بعض واصطفاء أموال بعض إلى قتل آخرين فنتج عن ذلك تنوّع في أحاديثهم تبعاً لنوع الفئة المخاطبة بل إنهم طردوا من حضرتهم خُلصاً كي يصرفوا عنهم أذى السلطان وليس عن قلى كما يطيب للبعداء ما لأخصام القول بدليل إنهم جميعاً يروون عنهم (( لا تلعنوا بلعنتنا ))
ولا داعي للإسهاب فذلك ثمره واقع المجتمع يُضاف لذلك ما فطرت عليه الطبائع من التحاسد والغيرة التي في النفوس التي لم تتطهّر, فلا غرو إذاً إن تضاربت أقوال أصحابهم ببعضهم بعضاً وذر بينهم الخصام وجرى لهم ما يجري على الناس.

أما مرد قلة الأخبار عنه بما لا يتناسب مع مكانته فالأحرى إرجاع ذلك إلى خمول الفترة وقلة الموارد عن هذه الحقبة وأيضاً إلى قلة المنقبين عن أخبارها ومع ذلك فلدينا ما يكفي للتدليل على عظيم مكانته عند الإمام الحسن الآخر, فهذا "بحار الأنوار" الذي يجمع كل ما قيل فيه من خير وشر يورد خبراً يلقم كل ما يؤفكون لمن تأمله وذلك:
إنه عندما يظهر المهدي فسيكون محمد بن نصير بابه وكفى بذلك تنويهاً بعظم قدره واطمئناناً لموثقيه بصحة مستندهم.




2) الخصيبي:
وهو أيضاً قد كثر الخبط في أخباره ابتداء من تصحيف اسمه في المراجع إلى نعته بذي المذهب الفاسد أحياناً, لكن من الثابت أيضاً إنه في عدد الشيوخ الأعلام المُُجمع على وثاقتهم كالتلعبكري مثلاً
وقد روى عن الثقات وروى الثقات عنه وهذا مما يجعله عدلاً وثقة وحسب ميزان الرجال.


وأما إطلاقك القول بأنهم يقولون عنه في المصادر الشيعية إنه صاحب مذهب فاسد مستشهداً بكتاب أعيان الشيعة فقول ظالم مرتين:
طالم له مرة
وظالم لصاحب أعيان الشيعة مرة أخرى.

أما إنك ظالم له فلأن هذا الإطلاق معلول ويكاد ينحصر بمؤلف واحد اسمه الغضائري والذي يُقيّمه صاحب أعيان الشيعة ( لم يسلم منه أحد لذلك لم يعتنِ العلماء بمذمومه )

وأما إنك ظالم ومتجن على صاحب أعيان الشيعة فلأنه على العكس مما توحي به واضح الميل إلى توثيقه لإثبات رواية التلعبكري عنه واستجازته وقوله: لم يقدح فيه الشيخ. وثناء صاحب الرياض عليه بقوله: فاضل عالم محدّث,
ورواية أبو العباس بن عقدة وثناؤه عليه ثم ذكره لما قيل من إنه كان يؤم سيف الدولة وكان في معرض الدفاع عنه والرد على أخصامه حيث يقول:
والقدماء كانوا يُقدحون بفساد المذهب والتخليط بأشياء كانوا يرونها غلواً وهي ليست كذلك. وقوله : لا غرابة في افتراء هؤلاء النسب الباطلة إلى العلماء.
فمن يصبح عندك الأحق بالذم حسب ما جاء في أعيان الشيعة أهو أم الغضائري؟! ألا ترى معي بأنه لا ينقص هذا العرض إلا الدعوة لأن ننشد بحق الغضائري قول المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص = = = فهي الشهادة لي بأني كامل


ما لنا ولكل هذا فلسنا مُطالبين بالحكم على مكنون الضمائر بل يكفي لما نحن فيه أن نعلم بأنه من الورثة الروحيين للسيد أبي شعيب حتى يصبحوا عرضة ولنفس الأسباب بكل الإتهامات والتقولات التي تجرها هذه الوراثة, خصوصاً وأنه بعد غيبة الإمام احتفظت كل فئات أصحابه بخلافاتها وتحاسدها واستمرت بذلك,

ولكن ما يستوقف في سؤالك إنك لا تريد أن تعرف عنه إلا إشارات لشرب الخمر واقوال تطعن في الخلفاء وكأن هذا كل ما عنده ولا شيء غيره.

أما عن هذا التغني بالخمرة فيغنينا أدنى اطلاع على الآداب الدينية والصوفية منها خاصة لترتفع كل محاسبة عن متبادر القول, وإن السكر الذي يعنيه هو من باب قولهم: سكر قبل أن يخلق السكر, ولا علاقة له بالسُكر الذميم.


أما الأقوال ببعض الصحابة فتحكم بأنه لا يقرّها المسلمون لتستنتج ضمناً إنهم خارجون على الإسلام لأن من لا يقر ما يقر قوم فهو خارج من عقدهم..

ألم تتجاوز حدّك يا أستاذ بتنصيبك نفسك حكماً فيمن يدخل في الإسلام ومن يخرج منه؟
ومن خوّلك هذا الإطلاق على المسلمين كلهم؟
جل ما يُباح لك أن تقول غالبيتهم إذ لم يعرف صدر الإسلام وشطراً من قرونه الأولى إن الطعن في أبي بكر وعمر وعلي يُخرج من الإسلام وإلا لما طفح صحيح البخاري بالأحاديث التي يسندها لخارجين يسبون ويكفرون علياً,
وقد سبّه معاوية على المنابر واستمر ذلك الف شهر وهو ليس مسلماً فحسب وإنما أمير المؤمنين, وتقرن إسمه في كتابك تأدباً مع المقام بـ (رض)
والذين قتلوا الحسين بكربلاء ولم يُنفوا من الإسلام لا هم ولا أسيادهم.
وفي صفحات التاريخ من أقوال الصحابة ببعضهم بعضاً أسوأ مما قال مالك في الخمر.
وما هذا الذي توحي به حداً فاصلاً بين ما هو مسلم إلا بدع من القول استن به في زمن متأخر والباعث له معلوم:
تطلب المآرب السياسية تبريراً لبطشها ورقة دين علماء السوء فجاورهم على ذلك.




3) ميمون
الذي تنعته بالهام, أجل إنه من أعلامهم العاملين على نشر دعوتهم ولكن ليس الثالث في الأهمية ولا وارث الخصيبي فما الذي جعله أثيراً عندك حتى أنزلته هذه المنزلة؟
أتكون كلمتا ميمون والطبراني استوقفتا انتباهك؟
إذ تقول طبريا بذهنك بمركز هام للاهوت العبري, وميمون, بإسم يهودي, ولتكن السبّاق لاستنباط صلة تربط العلويين باليهود.
ولكن للأسف سبقك لذلك إذاعة لندن - فعزاء عن فوتك لهذا السبق - ولتعلم مع من تلتقي بملاحقة العلويين بالتخرصات.

أما طبريا أبي سعيد فقد خبا منها كل أثر للاهوت العبري منذ القرن الرابع للميلاد أي قبل أن يوجد بأكثر من 600 سنة ولم تكن في عصره لا من الحواضر ولا من يحزنون.
ولقد كانت غرناطة وقرطبة حاضرتان من حواضر الإسلام لأقل من 600 سنة, فهل من ذلك اليوم شيء.

أما أن يكون ميمون إسماً يهودياً فأي مصدر أتاك بهذا الوحي ولا أثر للعجمة فيه.. ولكن ربما إنّا نسينا شيئاً.
ألم يرد ذكر لفيلسوف يهودي اسمه موسى بن ميمون ولكن هذا كان عربي البيان والفكر وكان من مشاهير تلامذة بن رشد ومن الذين جروا في ركابه فحاول التوفيق بين الفلسفة والنصوص المقدسة على غرار محاولة معلمه في التوفيق بين الفلسفة والشريعة فأصبح لذلك من أعلام قومه.
أفلأجل يهودي استعرب اسماً وبياناً وفكراً تريد أن تهوّد قوماً بأكملهم وتختم متسائلاً:
ماذا يمكن أن نستنتج مما سبق؟
إنا نترك لك بعدما قدمنا أن نستنتج ما تشاء, أما نحن فقد كفانا عناء كد الذهن المثل:
إنّ الغرض يعمي ويصم.

* * *

.
 
أ
 
.
الجواب على السؤال السابع


وكذلك لم تطمئن إلى كفاية كل ما قدّمت لنفي العلويين من الإسلام فتبرز سافراً للميدان لتكمل ما فات كل من قبلك فتقول ثلاثة لاحظتها شخصياً عند العلويين تتنافى مع الإسلامية التقليدية:

1) - عدم تقيّدهم بالحجاب :
ولكن هل هم وحدهم الذين لا يتقيدون به حتى تستنتج من ذلك حجة كافية دامغة ؟
وهل كان من تحجبت أو تتحجب من النساء مسلمة؟
فإلى وقت قريب لعله حتى الآن لا تزال في بعض المناطق نساء مسيحيات يتحجّبن فهل أصبحن لذلك مسلمات؟
ولا نطيل فنسألك هلى أنت ممن يحسبون الحجاب ركناً سادساً أغفل عدّه المسلمون فجئت تضيفه لهم حتى يتم إسلامهم! وألم تبلغ كل المسامع الضجة الكبرى التي قامت حول السفور والحجاب وكيف إن فئة كثيرة من المسلمين أزالت عنه القدسية إلى مرتبة زي من أزياء المجتمع اقتضتهُ ظروف خاصة وتطوره ظروف أخرى وما كان ولم يكن بالشكل الذي هو عليه من مستلزمات الإسلام اللهم إلا إن اقتصر على لباس الحشمة الذي تتطلبه كل الأديان ولا أظن أنه يخطر ببال امرأة غربية الحضور ( وفي كنيسة الفاتيكان ) بلباس ( الميفي ) المعروف, ها إن كل راهبات الدنيا يلتزمن باللباس المحتشم دون أن يُسْلِمْنَ لذلك مع الملاحظة بأن الزي المميز للعلويين والمُسمّى بلغة العصر ( الفلكلوري ) تتحقق فيه الحشمة على أتم وجه.


2 ) - إفتقاد الجوامع في قراهم - ولإثبات ذلك وإثبات دقتك العلمية تشمّر عن ساقيك وتجوب سعياً على قدميك قرى تعدد أسماءها لم تجد بها جامعاً -
وقبل أي جواب هل تسمح بسؤالك عن السر في إن قدميك لم تحملاك إلا إلى قرى ليس فيها جوامع؟!
وما عساه يبقى من حجتك هذه لو أنا قدناك إلى عشر قرى بدلاً من كل قرية تعدها وأريناك الجامع والإثنين وأكثر, وأن التعليل الحق إنهم مروا بفترة عزلة تامة وجهل مطبق وفقر مدقع فسبب هذا النقص والعيب اللذين نعترف بهما ولكنهم ما إن خرجوا من العزلة إلى التواصل ومن الفقر إلى شيء من الكفاف حتى رأينا مشائخهم وأولي السعة منهم يتسابقون لبناء الجوامع ورغم كل العقبات وقبض يد المعونة عنهم.


3 ) - وثالث براهينك على عدم إسلامهم ما لمست عندهم من قول بالتقميص وإن أول ما ندفع به ذلك هو أن القول بالتقمّيص أو عدمه لا يمكن أن يُتخذ مقياساً لصحّة الإسلام لمخالفته الإسلامية التقليدية كما تقول.
وسامح الله فقهاء ومتكلمي كل الأديان فكم بدر منهم من مسارعات ضيّقت آفاق دينهم بما أطلقوا من أحكام وقننوا من أشكال للإيمان بحسب ما يدركون ويتصوّرون مما خلق الكثير من الأزمات والإحراجات بين العلم والإيمان وكان الخاسر فيها الإثنين.
العلم بما وضع أمامه من عراقيل ,
والإيمان بما تخلخل وترجرج منه في الصدور ,
وفي الحرب الطاحنة التي بقيت عقود من الزمن بين الكنيسة والعلم حول القول بدوران الأرض أشهر شاهد وواعظ, ورحم الله أبو نواس بما حذّر ونبّه:

لا تحظر العفو إن كنت امرءاً فطناً
فإنّ حظرك في الدين إزراءُ


وقبل الإسترسال في الجواب لنتفق أولا على معنى الكلمات,
فما الذي تقصده بالإسلامية التقليدية؟
أفيكون ثمة إسلام غير تقليدي فيصير إسلامين؟! وذلك ما لا يقرّه أي ديّان حق ولأي دين انتمى, إذ لا يمكن أن يكون الدين بالنسبة له إلا واحداً - حقاً وجد واقعياً من قسمه هذه القسمة جرياً وراء أهواء ومصالح جرّت الإختلاف والإحتراب بين مختلف الديانات وحتى بين فِرق الدين الواحد تحقيقاً للفتنة والتجربة التي يحذر المسلم قرآنه.
بسم الله الرحمن الرحيم

أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ

( العنكبوت 39 آية 2 )


والتجربة التي يستقيل منها المسيحي في صلاته ( ولا تدخلنا في التجربة ) لم يعصم من ذلك إلا رسله المصطفون وصفوة قلائل مشوا على قدمهم تعرف منازلهم بقدر ما يشعّ منهم من تسامح ومرحمة وحب في الله يحتضن الإنسانية بأسرها بل والوجود كله وإنك لتفاجأ وأنت تنقب في آثار هذه المنارات التي أضاءت للإنسانية دربها الطويل المظلم إنها كلها تنتهي إلى نبذ التعصب والدعوة إلى التسامح والتراحم والمحبة وكأنها من معين واحد منشدة:

جلا نورك الدنيا لعيني وسيمة
فلم يبق حتى في الهموم رميم


فحق لنا أن نستخلص بأن ذلك جوهر وفحوى كل دين .
ولكي يمكن الإرتفاع بكل الناس إلى مستوى هذا الجوهر ويستطيعوا إدراك فحواه وُجدت السلوكات التي عرّفت عن كل دين وطقوسه التي تنوّعت واختلفت صورها تبعاً لاختلاف المدارك ومستوى التطوّر وقد قادنا إغفالنا لعامل التطور هذا إلى تصورات متسرعة, فأحكام خاطئة ولّدت فينا الهزء والإستخفاف بطقوس الديانات.
بل ما نحن إلا متجنّون لجهلنا ما يُقصد بها من معان سامية وحتى الآن مثلاً فإن فيما نمارسهُ من ركوع وسجود وتعفير للجبين والتقيّد بمواعيد محددة للصلاة لن نجد له قيمة أو يظهر لنا معناها إلا إذا اقترن الجبين بذهننا بأقصى ما نملك أن نعبّر عن الخضوع والذلة للخالق العظيم
وإلا إذا فهمنا تحديد مواعيد الصلاة على أنه مواقيت يضربها لنا سبحانه لنمثل بين يديه فيصدق عليها تعريفها أنها صلة بين العبد وربه.
ولعل في الكثير مما يُروى عن فضل آدائها في أول وقتها والحض على ذلك ما يُراد به تمكين هذا المعنى في النفوس.
ألا ترى كيف نخف بل ونسبق موعداً ضربه لنا عظيم من هذه الدنيا فكيف بنا إذا كان هذا العظيم رب العزة.
وقد حدث لكل الأديان نظراً لتفاوت المدارك واختلافها إن ضاع وفقد هذا الربط بين الشكل والمعنى وبين العرض والجوهر خير ما يشهد لهذا التحذير الوارد عن النبي (ص) :
رب امرئ ليس له من صلاته إلا التعب, وصائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.

ولكن هذا الربط لم يُفقد عند الكل فتولى تأمين استمراريته أناسٌ مهيئون نفسياً وفكرياً وهكذا وُجد في كل العصور وفي كل الأديان نوعان من التعبير لم يشذ عن ذلك ولا واحد منها منذ ما نسميه بالأديان الوثنية القديمة (بأسرارها) واليهودية (بقبالتها) والمسيحية (بغنوصها) والإسلامية (بباطنيته).

وهكذا نجد في كل دين شكلين خاص وعام وسُميَ العام (بالتقليدي) لأن من طبعه أن يشتمل على العدد الأكبر لسهولة تمثل الشكل الحسي ولا يعني ذلك قطعاً إنهما صارا إثنين وغيرين وأكبر دليل تمسك كل أعلام الباطنية ومؤسسيها وأعاظم الحكماء الربانيين والمتصوفين الحقيقيين بحذافيرها وما نصته شرائعُ أديانهم,
وقد حفظت لنا بسيرته كبرهان على ذلك هذا الحوار بينه وبين السيدة عائشة وقد أشفقت عليه مما رأت من تورّم قدميه وهو قائمٌ يتهجّد فاستعظمت منه كل هذا الإرهاق سيما وإنه سبحانه قد منحه غفران ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخر - وما أروع ما اختتم به هذا الحوار حين أجابها- :
أفلا أكون عبداً شكوراً.

فعلمنا إن ما مرتبة العبادة أعلى من مرتبة أداء الواجب هي الشكر على ما أنعم أو عبادة الرغب لا الرهب كما يسميها الإمام علي (ع) .

وبديهي أن ذلك التقسيم لم يُلغِ وحدتهما ولكن عامل التفاوت يبقى فاعلاً ما سبب تنوعاً في كل منها بدليل تعدد المقالات والآراء والمذاهب في كليهما مما أفضى في كثير من الأحيان إلى الإحتراب الدامي.
على أن الدارسين قد لاحظوا إن الوحدة والتماثل أقوى وأظهر في الباطنية مما في أختها مدللين على ذلك بشدّة التشابه لدرجة التوحّد أحياناً في المشاهدات والأحاسيس والتعبير عند متصوفة كل العصور ومن حيث ما كانوا وأياً كانوا ولنقفل هذه المعترضة التي تحتمل الكثير مما لا داعي لنا به لنخلص إلى القول:

بأنه قد شاع في الأذهان تصوّر عن البعث وكيفيته واستعصت مطابقتها مع صورة ما في الذهن عن التقمّص فرفضه لاهوتيون واعتبروا القول فيه خروجاً على الدين على إن هذه المنافاة بينه وبين الدين لم يصادق عليها الكل بل قامت على ذلك اعتراضات وثار جدل ونقاش واستشهد على صحّة رأيه بآيات قرآنية عورضت بأخرى - وذلك قبل زمن مؤسس طريقهم بقرون فلا يذهبن الظن إلى أن العلويين هم البادئون , ولا وحدهم القائلون بهذا القول وقد بقي كل عند رأيه ولا يزال الفصل معلقاً.
وقد جرّ ذلك فتح أبواب نقاشات عديدة جرت في ميادين مختلفة أهمها ما دار حول تحديد المسؤولية أهي في الروح أم الجوارح؟
وقد وجد من حصروا المسؤولية بالروح مخرجاً لتكوين تصوّر عن البعث (الذي يقر به الكل) وليس فيه تناقض مع تنقل الروح, ولو تتفتت درات الجسم الميت وتتحلل وتنتقل إلى النباتات فالحيوانات فالبشر لوقع من يشرك الجوارح فينكر التقميص بحرج أما سئل عن مصير ذرة انتقلت من جسم كافر إلى جسم مؤمن أو بالعكس,
حرج سيلجأون للخروج منه بالإحالة على قدرة الله التي يقر كل مؤمن بأنه لا يعجزها شيء, ومع ذلك سيبقون في الحرج لِمَ قضى بهِ سبحانه من أن لا يجزي قدرته إلا بالأسباب (وجعلنا لكل شيء سببا)

لسنا بمقام الفصل بين القولين أو الحكم لأحدهما على الآخر إنما فقط لإثبات أن تصوّر منكري التقمّص الذين سيبنون عليه إنكارهم ليس بأقرب للعقل والتصديق من تصوّر القائلين به وبالتالي:
فلا علاقة للقول فيه أو نفيه بصحة الإسلام أو عدمها وإن صحة الإسلام هي في ما وراء ذلك وفوقه بكثير.

وبأي الأحوال إن القول بالتقميص غير خاص بالعلويين بل يقول فيه أكثر من نصف العالم ويكسب كل يوم أنصاراً - وحتى في أميركا وأوروبا فإنا نرى ورغم أن المسيحية التقليدية ترفضه بنفس القوة التي يرفضه بها الإسلام التقليدي كما تحب أن تسمي بأن الكثير من العلماء والباحثين يقولون به وتتألف الجمعيات وتُعقد المحافل وتجمع المشاهدات الموثقة للتدليل والبرهنة عليه.
ومن يدري فقد يأتي الزمن الذي يُلغي فيه الإسلام التقليدي تكفير من يقول بالتقميص كما أتى على المسيحية فألغت تكفير من يقول بدوران الأرض وقد لا يكون بعيداً الزمن الذي يقبله فيه كما قبلت المسيحية ذاك,
وهكذا تستريح وتريح العلويين أنت من كثرة تعداد البراهين على عدم إسلامهم - وهم بسقوط هذا البرهان ولنلاحظ لك بأن جميع أسئلتك تطرحها من منطلق فئوي وبمنطق تزمّت مذهبي ويا ليتك تعلم لو أن المسيحية والإسلام عوملا بمقتضى هذا الفهم كم من مفاخرهما وبناتهما الحقيقيين سيُلقَوْنَ خارجهما -
بل إنهم خرجوا واضطهدوا ولكن تطوّر الزمن وتقدّم المدارك انتصر لهم وأعاد لهم ألَقهم ومقامهم ولكن ما لنا نعلمك ما تعلم وأنك لتعرف جيداً ما هو الأجدى لغرضك فنسجل لك إنك أحطت بكل محتملات التشكيك بإسلام العلويين من وجهة النظر هذه ولكن لتغفر لنا إن لم نرَ فيه إلا جهداً ضائعاً ما كان أغناك عنه إذ لم يخف العلويين يوماً من الأيام إنهم لا يرون لعلي في المسلمين نداً ولا لغمط حقه عذراً ولم يغمغموا بشجبهم وسخطهم على ما جرى في كربلاء لا يستزيدون بعدها بعجيبة من العجائب كما يقول أبو العلاء:

أرى الأيام تفعلُ كل نكير === فما أنا بالعجائب مستزيد
أليس قريشكم قتلت حسينا === وصار على خلافتكم يزيدُ


ولا برفضهم لشرعية ما قام في الإسلام بعده - ولكن لا يُحمّلون الإسلام شيئاً منه ولا يرون في كل ما جرى عليهم من ظلمٍ حروبٍ وفتنٍ دخلاً للعقيدة فظلوا جنده الأوفياء لم يتخلفوا عن نصر له أو جهاد في سبيله منذ أول الأمر .. فنرى المقداد هذا العلوي الأمثل ومن كان من ألصق الناس بالإمام يبادر تلبية أوامر الخليفة الثاني فكان رابع أربعة ممن كان يعد كل واحد منهم بألف أنجد بهم عمر بن العاص في مصر, وهكذا استمروا في كل المواقف التي لا مضارة فيها للإيمان والوجدان جنوداً أبطالاً وقادة مجربين في سرايا الفتح أو حملات الدفاع عن الإسلام مستمدين سلوكيتهم من روحانية مطلب الإمام الحسين من مناجزيه في كربلاء ( ويا ليته أجيب إذاً لجنب الإسلام أكبر معرّة لحقت في تاريخه ) وهو أن يُعفى من البيعة ويلحق بأحد الثغور مرابطاً يحميها بقية حياته...

ولنغلق باب هذا الحديث فهو ذو شجون وليس غرضنا إثارة كوامن أناس وتزكية آخرين بل جل ما ينبغي أن نوفّق لدفع أذى ما تثيره بأسئلتك..
* * *


ولننتقل لسؤالك الثامن ...
.
 
أ
 
.
جواب السؤال الثامن


فتبدو فيه و كأنك مطمئن بأننا سنجيبك بصراحة و صدق فرضيت عما حققت من إثبات وجود تباين و مفارقات بين العلويين وبين هذا الإسلام التقليدي الذي ترسم لنا هيكليته لكنك تستشعر بأن هذا لا يفي بما تتطلب من إخراج العلويين من الإسلام سيما و إن ثمة فئة قوية ذات عدة وعديد و كيان له شأنه يشكلون بأقل تقدير ريع المسلمين في العالم و يحق فيهم الكثير من المآخذ التي تؤخذ على العلويين فخشيت أن يجدوا لإسلامهم مأوى عندهم خاصة لما يجمعهم من رابطة الحب لعلي , و ليس كالحب رابطاً فرحت تلاحقهم إلى هناك لتقول :
( ثمة بين العلويين من يقول : إنهم إثنا عشرية خالص , و منهم من هو غال متطرف لا علاقة له بالإسلام )
ثم تشوش الصورة بذكر فئة ثالثة ذات تعليم شفوي لا يُكتب كي لا يقع في أيدي الأعداء و لهم مذهب خاص ليس إسلامياً و إن كان بين الأسلمة , فأخرجتهم من الإسلام في موضعين و لم ترض لهم موضعاً واحداً.

إما أنهم إثنا عشرية فقد أنهينا معك القول من مراجعك نفسها و هل نسيت إن كتاب الهداية الذي تستشهد فيه مخصص لتاريخ وفضائل الأئمة الأثني عشر (ع) فلماذا تأخذه حجة عليهم عندما يكون لك غرض وتأباه لهم و هو كله لإثبات إثني عشرية شيخهم ؟!.

أما الغلو فإنها كلمة ما أكثر ما أسيء استعمالها و له طرفان صاعد و نازل و قد استعمل سبة تتراشق بها جميع الفرق و كل منها تضع له معايير خاصة بها حتى أنه ألصق بمجرد من يفضلون علياً على عثمان – و لا أدري إن طبقت معايير كل الفئات من يبقى من المسلمين مسلماً إذ أن من يأخذ جانب المهاترة و التراشق بالتهم فسيجد ما يُقال بكل الفئات و لك أن تسأل لماذا أخفيت عن أناس و شاعت عن العلويين ؟؟
ذلك أن أخصامهم كانوا هم الطامعون بالإعتداء و الظلم فاحتاجوا لتبرير طغيانهم و تنويم وجدانهم و تسكيت ضمائرهم لمثل الإستفتائات التاريخية المشهورة , و لو أن العلويين كانوا بموقع الأخصام لاهتدى مستفتوهم إلى مثل ما اهتدى إليه الأخصام و لذاع و شاع عن العلويين و أزيد.

و لا نبخل عليك بالإعجاب بتساؤلك الذي ظاهره الحرص على بيان الحقيقة إذ تقول :
إذا كان الإثنان على خطأ فهل الصحيح من وجهة نظركم هو الصحيح علوياً سواء على صعيد المشايخ أو الأفراد ؟
أما باطنه فتقسيم العلويين قسمة جديدة تجعلنا إحداهما فتلغي ما تشاء مما في بيانه إن لم تبلغ به ما تريد و نضعه في باب التقية فتذهب تنشد القول الصحيح عند المشائخ أو الأفراد تبدي به و تعيد مني ما اقتضى حال جديد ,
لذلك و لإنهاء كل قول و قطع كل ريب نقول لك قولاً أولاً وأخيراً و لا يمكن لعلوي أن يجحده :
هو أن العلوية لما انعكست أنوارها في مرايا العقول و الأفهام جرى عليها ما جرى على كل العقائد و المذاهب فسطعت وزهت ببعضها و تكدرت ببعض و تشوهت في أخرى , فابتليت بالمحرفين و المبتدعين و الناكصين و غيرهم.
و لكن المخلصين المستنيرين منهم كانوا الأسبق إلى رد كل المقالات الفاسدة و الأهدى إلى إرجاع المتشابه إلى المحكم و لم يتركوا التحقيق و التدقيق حتى صفا لهم اعتقادهم ورأوا أنفسهم أهلاً لأن يُسموا بأهل التنزيه و التجريد ,
و إذا لم يمكن منع بعض الإنحرافات و لا تسلل بعض شبه التصوير و التعبير إلى أقوال من ينتسبون إليهم فلخلل بالمرايا العاكسة و عندئذ لا يجوز أن تحاسب عليها العلوية الحقة هذه التي أرادها واضعها نهجاً يسلك بصاحبه طريق أهل البيت و الأخذ بهدي الأئمة الأثني عشر الذي أودعته الفئة المختارة من ثقاتهم , و كان أول ما شرط واضعها على نفسه أن لا يُقبل منه قول إذا لم يقم عليه الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وشدّد كل التشديد على وجوب رد كل قول لا يفي بهذا الشرط , فمن أين لأحد أن يقول لمثله لست مسلماً ؟؟!!
أقصى ما يمكن أن يُسلم به لأخصامه أن يقولوا خطأ الإجتهاد أو قصر بالحجة و لكن ليس لأحد أن يطعن بصدق انتمائه و صحته .

 
أ
 
.
جواب " سؤال أخير "



تطلقه بدون ترقيم و كأنك مللت أو تعبت من كل ما حملت و لكن ظننته الفيصل بين العلويين و آخر ما يمكن أن يمتوا به للإسلام فتسأل :
هل يوجد فوارق بين الشيعة الجعفرية و العلوية ؟

فما أهداك للسؤال عما يفترق و لا يجري لك خاطر فيما يجمع وتختم تتويجاً لنهجك متسائلاً :
لماذا تستعمل تسميتين مختلفتين لنهج واحد ؟

فيا سبحان الله أعربي وتسأل عن وجود مترادفين لإسم واحد و المعروف إن العربية أغنى اللغات بهذا الباب مع الملاحظة بأن هاتين التسميتين ليستا الأصل و إنما الإسم الأول الإمامية فلما تمذهبت المذاهب الأربعة و أيدتها و روجت لها السلطة الحاكمة و حصرت العمل بأحكامها صرفاً للناس عن اتباع آل البيت بقي الكثير من المسلمين مُصراً على الإقتداء بهم و عدم أخذ معالم دينهم إلا عنهم و لما درج الناس على أن يتسمى كلٌ برأس مقالته فصار هذا حنفياً أو شافعياً أو مالكياً أو حنبلياً كان لا بد لهم أن يسيروا حيث سار الناس فكان اختيارهم لأسم جعفر (ع) هو الأولى و الأنسب لما سبق و عرفنا من ذيوع ذكره و غزارة علمه و تهيؤ الظروف لنشره و لأنه أيضاً الأعم إذ يمكن أن ينضوي تحته بالإضافة إلى كل فئات الأثني عشرية الإسماعيلية أيضاً .

و مع ذلك فقد عُرفوا بتسميات أخرى اختلفت كما اختلفت تسمية بطون العشيرة الواحدة .

فتارة ينبذون باسم الأرفاض , و أخرى يسمون متاولة أو الشيخية أو الشيعية و غيرها و غيرها و منها تسمية العلويين التي جددت منذ عشرينات هذا القرن و لقد أثير مثل تساؤلك في إحدى المحاولات التوحيدية مع السيد الصدر في طرابلس فطُرحت تسمية موحدة الجعفرية و لم يمنع من إتمام ذلك إلا لسبب عاطفي إذ عز عليهم بعد أن عُرفوا بهذا الإسم الحبيب إليهم أن يستبدلوا بغيره حتى أن أحدهم حرصاً منه على هذا الإسم و حرصاً على التوحيد طرح طرحاً مقابلاً و هو أن يتسمى الكل علوية سيما و أن علياً إمام جعفر (ع) هو إمامنا لا نخرج عما يرد عنه قيد أنملة و نتشرف بذلك و أقوى برهان إنه لما تأسست محاكم مذهبية للعلويين كان قرارها الأول العمل بموجب المذهب الجعفري و لم يكن ذلك تقية من أحد بل كانت التقية تقضي غير ذلك إما مماشاة المستعمر الذي أراد بكل قواه أن تحكم حسب الأعراف أو العادة و إما اتباعاً للأكثرية التي هي أيضاً لم تألُ جهداً لحملها على السير بحسب أحد مذاهبها الأربعة و لكن ما فهمهم للتقية و قد أثبتوا و خطّوا بدم ألوف شهدائهم إنه لا وهن و لا جبن و لا محاباة فيما نعقد عليه الضمائر و يقرّه الوجدان .

و ليس عند العلوية في كل أصولهم و ما يعتمدونه من نصوص تقنن لهم العقيدة أو ترسم السلوك نص واحد ينفردون به عمن تسميهم الشيعة الجعفرية و إنهم يوردوه بنفس النص الموجود بمراجع هؤلاء كلمة كلمة و حرفاً حرفاً .

و أزيدك برهاناً قاطعاً على توحدهم في ذلك و هو إنه لما خرج العلويون من عزلتهم القهرية و تواصلوا مع إخوانهم بعد طول انقطاع و تيسر لهم الحصول على المراجع المعتبرة كالكافي و بحار الأنوار و غيرها ..
مثلاً فإنهم صححوا كثيراً مما صحفه جهلة خطاطيهم عن هذه المراجع ذاتها و تسأل هل من فوارق ؟
سؤال غامض لا يستبين المرء جلياً المدى الذي تقصد منه فإن قصدت به تبايناً في تفسير و فهم بعض النصوص سؤاله يكن عبثاً إذ أن من المعروف المعلوم أن شيخهم من أكابر مجتهدي الشيعة , و الشيعة لم تقفل باب الإجتهاد فندر أن تجد علماً من أعلامهم لم ينفرد برأي أو تميز باجتهاد و قد تأثروا كغيرهم بما جد في الإسلام من أبحاث و جدال أثاره علم الكلام حول الذات الإلهية و عينية الصفات أو زيادتها عليها و غيره و رفدته الفلسفة بها أثارته من أقوال في معنى القدم والحدث و الزمان و الحيّز و ذوّقه التصوّف بشتى أفانيه من اتحاد و وحدة وجود و وحدة شهود و اتصال و انفصال فتسرب من كل ذلك إلى تصورهم و تعبيرهم صيَغ و آراء اكتسبوها من هؤلاء و أولئك و لكن في كل ما استحسنوا أو رفضوا كان هدى أئمتهم نصب أعينهم فلم يأخذوا إلا بما رؤوا أن لهم سنداً يسندونه إليهم و يبرر لهم هذا الأخذ و يعصمهم من أي انحراف في المسار و لذلك مهما تباينت الأقوال تبقى جامعة الأئمة تجمعهم و ينطبق عليهم قول الشاعر ( إختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية ) و ما تداولنا مرّة البحث مع مستنيريهم و ذوي الأفق الواسع منهم إلا ووجدنا أن نسير في فلك واحد و كل الناس يعلمون إن الكواكب في سيرها بأفلاكها لا بد أن تمر بأوج و حضيض و لكن شمسهم تبقى واحدة .

و أريحك من التنقيب في بعض مصنفاتهم عن أقوال فينا تسوء لتنقض ما نقول أما نحن فليس عندنا ما نقوله فيهم غير هذا ثقة منا إنا و إياهم إلى خير بفضل حبنا المشترك لإمامنا جعفر الذي بشرنا بقوله :
( إنّ محبتنا لا تزلّ له قدم حتى تثبت أخرى ) .

 
أ
 
.
خاتمة


و قبل أن نتتارك تحمّلنا سجايانا أن نعود لأحلامنا و للغة الإخاء و المحبة فنعتذر لك عن كل حيرة ندت منا في الحوار فإنها لم تصدر عن إرادة و لكن ردة فعل منعكس على تهجمات ظالمة لا مُسوّغ لها خصوصاً في مثل هذه الأيام و لا حاجة لك بها لما يبدو عندك من اطلاع على مؤلفات كثيرة تتحدث عما تسأل عنه و يمكنك إن ساءلتها مخلصاً في طلب الحق أن تهديك إليه فتستغني عن كل هذه التساؤلات أو تصبح غير ذات موضوع و إني لآمل أن تكون بما شرعنا و أوضحنا و عللنا مقنع بأنه لا يمكن أن تبرر سيما بما يتعلق بإسلامهم فإن مجرد اسمهم الدال على من ينتسبون إليه أوضح دلالة على ذلك من الضحى رأد الضحى فمن يطلب عليه دليلاً يصح لنا مخاطبته بقول شاعرهم :

طلب الدليل على الضحى رأد الضحى *** يقضي بفقد ضياء عين الطالب


و مما يزيد في استهجان صيغة هذه التساؤلات الحالية التي نحن بها و التي تجعلنا أحوج ما نحتاجه البحث عن القواسم المشتركة التي تؤلفنا لا إلى ما يُثير الأضغان , و صدّق إننا تساءلنا و باحثنا حول العلوية أناس همهم معرفة ما عندها في أمهات المسائل بدأً من فلسفة التكوين التي يتبنوها
إلى القول بتتابع النشآت
إلى تحديد دور العقل كآلة للإختبار و استلزام ذلك للحرية بكل ما تحمل من شرف التكريم الذي خص الله به بني آدم
إلى معنى قولهم بعصمة الأنبياء
و كيفية اتصال العبد بخالقه
و فلسفة المعرفة وحدودها و
الكثير مما يشمل كل معارف بني الإنسان ...
فما ضقنا بهم ذرعاً و كان لنا بفضل ما تزودنا به من الأئمة من إشارات وتلويحات ما يُطلق اللسان بكل بيان و يُقدّم أوضح الحلول و أصفى التصورات و يُريح المؤمن من كل ما ضيّقته الحرفيات فما وجدت من تناقض بين العلم و الإيمان فلا القول بدوران الأرض يفاجئنا و لا الدورانية تزعجنا و لا غزو الكواكب يقلقنا و لا تفاوت الزمن منسوباً للسرعة كما تقرر النسبية الصرخة الأحدث للعلم ينقض شيئاً من عرفاننا .

نقول هذا بعد التأكيد على أننا أبعد الناس عن القول بنصر لدين بالعلم بل جل ما نحن نختص به من شرف إنه كل ما اتسع و ازداد تجريداً كلما أهلنا لفهم و تصوّر الحقائق الإلهية.
و إن هذه هي الميادين التي كنا ننتظر أن تجول بها و أنت تعلن توجهك بالسؤال إلى المثقفين علوياً و الضالعين فيها - و لو فعلت لما سمعت منا إلا كل ترحيب وبحث هادئ رصين لا يُنشد إلا العرفان الحق ,
وإن كل استياء بدر منا فمردّه إنا وجدناك تحصر همتك في التقاط كل الرواسب التي خلفتها الخصومات ممّ تطعموها بالنظرات القاصرة عند من ينتسبون للعلوية
حتى خفنا من كثر ما هوّلت عليهم و حشدت أن تنقدح في قلوبهم الشكوك حتى بأنفسهم
و أسفنا لما تشغل نفسك به من أجواء نزاعات فات أوانها و ظهر بطلانها و اكتوينا بمضارها بما لا مزيد عليه لحد إنا صرنا و إياك على خطر من أن تنذهل و تذهلنا في مواجهة المنعطف التاريخي الذي لم تعرف البشرية له سابقة و الذي يضعها على مفترق سبل إما الدمار الماحق أو الحياة الإنسانية المُثلى حيث يصير الناس إخواناً على سرر متقابلين كما تعد لغة الآمال مما يحتم علينا أن نعيد النظر في الكثير من أساليب تفكيرنا و مناهج سلوكنا .

لقد دار الفلك دورات وتغيرت أشياء فما لنا لا نحس بما حولنا - و لقد سرى في عروق البشرية نسغ جديد ولّد فيها شعوراً بوحدة مصدرها و وحدة مصيرها مما يجب أن يوحي لها بالإهتداء إلى نهج الخلاص المتمثل بالتوحيد في العبودية لله كلٌ بما يستطيع ذلك غاية ما توصلت إليه عقول الحكماء و أوحت به رسالات السماء و سجلت المحمدية منها خاصة قرآناً يُتلى .
تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ

و إن في تباشير خير و نذر شؤم من هذه التباشير تصدّع للستار الحديدي الذي كان يمثل أقصى مشخص لانقسام البشرية يقف عائقاً دون وحدتها .
ثم هذا الشعور المتزايد بالحاجة للإتحاد لمواجهة أخطار المستقبل الذي كان يُنسي أوروبا بكاملها عشرات الملايين القتلى التي لم تجف عليها الدموع .

و هذا التوجس من الأخطار ( البيئية ) التي لا تؤثر شمالاً و لا جنوباً و لا شرقاً أو غرباً ربما تتوعد هذه الثقوب ( الأوزونية ) للسلطة كسيف ( ديموستن ) فوق رؤوس الكل .

و أعظم و أهم من كل هذا بشارة ما نشهده من سريان و تنامي روح التسامح على المستوى الوجداني حتى تمكن وفداً من علماء المسلمين أن يصلوا في كنيسة ( الفاتيكان ) و كان عونهم في تحديد القبلة لهم هؤلاء الذين منهم لبضعة قرون خلت كانت تتشكل محاكم التفتيش و التي أفرغت إسبانيا من المسلمين بقسوة عز مثيلها .

و أما نذر الشؤم فإنها أيضاً و يا للأسف متراكمة مظلمة أهمها هذه العقلية و النفسية التي تحصر كل جهدنا و تفكيرنا بتوليد المفترقات و تعزيز الخصائص الفردية و توطيد الإنقسامات - و لم يعرف تاريخ البشرية في كل أدواره فترة توحدت فيها كل هذه الرزايا و النقائص تحت عنوان واحد كما توحدت في أيامنا الحاضرة بما يُسمّى بالصهيونية و ما يزيد من خطرها تموّهها باليهودية .
و اليهودية الحقة منها براء و هذه لا عداء معها قطعاً , ألم يُصرّح السيد المسيح بأنه أتى ليتم الناموس لا لينقضه ؟؟

و القرآن يأمر أن نؤمن بما أوتي موسى وعيسى و أن لا نفرق بين أحد من رسله وما صلتها باليهودية أن أصرّ على صلة إلا كصلة خلية توطنت عن نسيج سليم فتمايزت عنه واختصت بسجايا الإستعلاء و التفرد و الإنعزال عن سائر البشرية مستمدة مقوماتها من روح الكبر و الأنانية عنصراً كل الشرور و متخذة الفساد و الإفساد وسيلة مما يكون أكبر عقبة تحوّل بين الإنسانية و التسامي و الإخاء و لئن شقيت بها الإنسانية بكاملها فإن قسط اليهودية من هذه الشقوة بالمحل الأوفى.
و ما ذكرى محارق هتلر و غاراته ببعيدة و إن وراءهم فلا يفرحوا بكرتهم هذه وعد من الله و لن يُخلف الله وعده ببعث من يظهر و يتبروا ما علوا تبيراً و إن فتوحات العلم لتطمعنا أكثر و أكثر بانقضاء دولتها , و لكن و لن يكون الله معنا حتى نكون مع أنفسنا و لن يغيّر ما بنا حتى نغيّر نحن و قد آن لسادر أن يرعوي و أي للإرعواء أكبر من الخطوب ؟
و أنت يابن بيروت هل تعرف خطباً أكبر من خطبنا ببيروت ؟؟

هذه الدرّة في البلدان حيث قضينا مآرب الشباب و نهلنا من معينها العرفان و كانت متنسم ريح الحرية لأرواحنا و السد الذي نعده لصد أمواج كل عدوان , و النداء الذي نعتده لنقارع به كل خصم و يا ليت لي شاعرية ابن الرومي لأبكيها أضعاف ما بكى به البصرة ممت أضاعها ؟

أرجو أن تصادق لي على هذا الرأي المتواضع الذي لا شأن للسياسة التي لا أحسنها فيه و لا للهوى المضل بل حصيلة أعمال الفكر فيما نشاهد و نلمس من الأحداث و نلحظ من التصرفات . لقد أضاعها جمودنا على العقلية و النفسية و الفكرية التي ورثناها من آثار الحروب الصليبية حيث كان البعض يُحاذر مستريباً بأهل و إخوان و جيران و الآخر يرقب أن تأتي حملة صليبية تالية لنخلص بيت المقدس ممن يعدونهم الكفرة .

فليحسن الظن مستريب و ليستفق غافل من أوهامه قبل أن كل يضيع شيئاً على الكل ففرسان المعبد لن يأتوا هذه المرة ( و لو تخايلت أساطيلهم قبالة الشواطئ ) لسبب بسيط و هو إنهم قد أتوا وحطوا رحالهم في أورشليم منذ 948 و قد باعوا سيوفهم لصهيون لا حديد يصدأ بل قنابل ذرية و سلاح دمار شامل فهل تعيها أذن واعية ... و السلام .

.
 
أ
 
.
يقول الشيخ حسين محمد المظلوم :

إلى هنا تنتهي أجوبة الدكتور علي سليمان الأحمد رحمه الله لمحرر جريدة الديار

فعسى أن تلقى آذان صاغية لمن يدور في خلده بعض التساؤلات عن العلويين

فإن فيها ما يُغني عن الكثير من المصادر والكتب.

.


وما لنا إلا موالاتنا لآل طه عندهم ذنب
خادم أهل الولاية جمعاء
أخوكم الأصغر
أبو اسكندر