موقع الغدير

 الصفحة الرئيسية

      المكتبة العلويون  

      المقالات

      

من كتاب

"المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكّام"

لمؤلفه فضيلة الشيخ العلوي

"حسين محمد المظلوم"

 

ننتقي الفصل التالي:

الشيخ

"علي عزيز ابراهيم"

ودفاعه المشبوه عن العلويين

- تمهيد.

-  محاولته تقسيم العلويين.

-  العشائرية واتهامات متفرقة.

-  الزكاة.

-  المساجد.

-  الصيام.

-  الحج.

-  تحريم الخمر.

-  انعزال العلويين.

-  الصلات بين علماء الجبلين.

-  الجمود الفكري.

-  ثنائية الشريعة.

-  هل العلويون غلاة؟

 

 

- تمهيد.

 

من أعجب العجب أن يتيه الغرور بصاحبه إلى حدّ الإدعاء بأنّ كلمة الحق لا تخرج إلاّّ من فمه, وكأنـّها تنزيلٌ من عليمٍ حكيم.

 

والشيخ "علي عزيز ابراهيم" في معرض كتابه عن المسلمين العلويين (بحجة الدفاع عنهم) حاول أن يقول ذلك, وبلا خجل ...

 

لقد اعتبر نفسه ومن دون وجه حق الناطق الرسمي باسم هذه الطائفة, فراح يُثبت ما يشاء عنها, ويمحو ما يشاء منها, ويُقدّم ويؤخّر على هواه, ويقرّر ويؤكّد ما يراه, فاستبدل الدفاع بالهجوم, وزاد على الهموم سموماً.

 

أراد الدفاع عن العلويين كما ادّعى فقال (ويا ليته ما قال):

(- فإنّ من أدّق الأمور وأصعبها على ضمير الباحث الأمين المحايد المتجرّد عن كل هوى, أو مصلحة, أو مأرب مادي أو زمني أن يكتب في موضوع الطائفة العلوية الجعفرية, فقد تشعّبت الأقوال حولها واختلفت وجهات النظر بين الكتّاب الذين تداولوها اختلافاً شديداً يصل إلى حد التضاد والتباين بين قائلٍ بإسلامها ومعترف بتشيّعها الجعفري الإمامي الأثني عشري, وبين مُخرجٍ لها من ربقة الدين والملة والشريعة قائلاً فيها بالغلو والكفر, نافياً إسلامها وعروبتها, ولأن العلويين حتى الماضي القريب لم يكونوا قادرين على الكتابة لتفشـّي الجهل الذي فرضه الحكّام عليهم في الماضي, وهذا الشدّ والجذب جاء لأن فريقاً من القوم لا يُريدون أن يُفصحوا عن أنفسهم بوضوح لباطنية مذهبية, أو سرّية افترض البعض أنها أساسٌ مقدّسٌ لا يجوز المساسُ به, أو بسبب الغلوّ الذي مالَ إليه فريقٌ منهم, وانقسم القوم إلى مثقـّفين: منهم في جانب من التفكير السوي, والعامّة في جانب آخر من التفكير الذي يحمل رُكام الماضي, وأوضار السنين, وعشائرية عمياء تمثـّل روح القبلية القديمة بسبب التعصّب الأعمى للباطل وبالخنوع المذلّ لزعيم العشيرة ومشائخها...)

 

وقال:

(ابتليت الأمة بفريق من جهلة المشائخ الذين وجّهوا الدين وفق مصالحهم فنشأت عقائد لا تمُتّ للدين بصلة منها أنه كانوا حتى الأمس القريب ينذرون المرأة للزيارَةِ أو للمشائخ الذين صارت الزكاة وقفاً عليهم خلافاً للشرع المقدّس...

وهؤلاء المشائخ لا يأتون المساجد لأداء صلاة الجمعة ولا الجماعة ولا في الأعياد ومسلكهم هذا جعل بعضَ الناس يقلدونهم...

... وكان كثير من المشائخ في الماضي يدعون إلى تعطيل فرض الصيام في شهر رمضان زاعمين أنّ الصيام كبقية المفترضات معرفة أشخاص وكفى. وأنّ الصوم هو صوام الحواس وليس الصيام عن الأكل والشرب, وقد رأينا في الماضي كيف أنّ معظم المشائخ كانوا يقاطعون الحجّ زاعمين أنّه معرفة أشخاص فرض الله معرفتهم ومحبّتهم. وقد كان فريق كبيرٌ من المشايخ في الماضي يزعمون أنّ الله لم يحرّم الخمر وإنّما أمر باجتنابها...)

 

وقال:

(وقد انقطع العلويون أكثر من ثلاثمائة عام في الجبال عن العلم والحضارة... والجيل ينشأ بعد الجيل... وقد سادهم فيها الثالوث المدمّر:

الجهلُ والفقرُ والمرض ممّا يتحتم بسببه الأرعن التقهقر, ثقافياً واجتماعياً, واقتصادياً, فانتشرت الأميّة المزرية بالإنسان وبنت لها دولة خيّم فيها الجهل ونبتت فيها الخرافات والأساطير والأوهام والشعوذة وأضاليل الجن والطلاسم, نعم لم يبق عندهم مُعافى محتفظاً بجلاله إلاّ: القرآن الكريم, وأما السيرة النبوية والحديث الشريف فقد شوّهه التحريف على مرور الأيام...)

 

 

وقال (بعد كلام له عن تقدّم العلويين) :

(ولكن يُلاحظ أنّ القِيَم الروحيـّة بدأت تنحسر شيئاً فشيئاً مع هذا المدّ التقدّمي الغامر انحساراً يكاد يتناسب عكساً مع التقدّم المادي. بسبب جمود المشائخ الفكري والعلمي وأميّتهم الثقافية وتقليد العوام لهم تقليداً أعمى, فانصرف شرذمة من الشباب عن الدّين وتوهـّموا أنّ الدين هو بعينه تلك الخرافات التي سُمّيَت عادات وتقاليد, على أنّ انصرافهم عن الدين جعلهم يشعرون بفراغ روحي راحوا يملأونه من مبادئ وعقائد وضعيـّة دون أن يفكروا في غاياتها... وأمـّا مبادئ وعقائد الإسلام السامية فقد ظنوها – بلا تحقيق ولا تمحيص, ونتيجة لردّة فعل لتحجـّر المشائخ, عاجزة عن مسايرة ركب الحضارة... والتقدم... فراحوا يهيمون في صحارى المبادئ الوضعية ...الخ) (كتاب العلويون بين الغلوّ والفلسفة والتصوّف والتشيّع: الشيخ علي عزيز إبراهيم الصادر عن مؤسسة الأعلمي 1995م).

 

هذا ما قاله الشيخ علي عزيز إبراهيم في معرض (دفاعه) عن المسلمين العلويين!

 فلم يترك شاردة ولا واردة قيلت بحقنا قديماً وحديثاً على جهة الإساءة إلا وأكـّدها في كتاباته, وإنّ إبن تيمية مع شدّة تعصـّبه علينا وبغضه لنا لم يتهمنا بكل هذه الإتهامات التي أتى على ذكرها.

 

لقد اعترف هذا الكاتب بدقـّة الموضوع وصعوبته, وعلـّل ذلك بتضاد الأقوال وتباينها, فلو أنـّه نقل عنها بأمانة, وكتب بصدق, واكتفى بما أعلنه القوم عن أنفسهم (وهذا هو الحق) لما وجد صعوبة في ذلك.

 

ولكنـّه كغيره ترك المحكمات الصريحة وهام بكليـّته خلف المتشابهات القبيحة التي أُلصقت بالقوم في الماضي البعيد والقريب.

 

هذا الكاتب وللأسف الشديد مع أنـّه عاصر القوم وحاور علماءهم يجهل حقيقتهم أو يتجاهلها لغاية في نفسه لسنا نجهلها.

 

لقد صدّق كل ما قيل فيهم واعتبره من المُسلـّمات, والأبعد منه عنـّا كذّب هذه المفتريات ورفضها برمـّتها واعتبرها من الموضوعات, وشكـّك بقائليها أصحاب الغايات, لمجرد أنّه عايشنا عن كثب ونقل عن الثقات, وهذه نقطة سوداء تُسجّل في صحيفته المليئة بالأخطاء إذ أنـّه يعتبر نفسه مسلماً علوياً!.

 

فأوّل الملاحظات التي نسجّلها عليه ونرد عليها هي قوله:

 

(إنّ العلويين حتى الماضي القريب لم يكونوا قادرين على الكتابة لتفشـّي الجهل الذي فرضه الحكـّام عليهم في الماضي. وهذا الشد والجذب جاء لأنّ فريقاً من القوم لا يُريدون أن يُفصحوا عن أنفسهم بوضوح لباطنية مذهبية, أو سرّية افترض البعض أنـّها أساس مقدّس لا يجوز المساس به, أو بسبب الغلوّ الذي مال إليه فريق منهم).

 

أقول:

فليخجل من نفسه هذا المغرور المتحامل, فالعلويون لم يكونوا جهلاء كما يظن ويدّعي بل كان وما يزالُ فيهم العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء الذين لا يُجارون بفضل, ولا يُقاسون بغيرهم, وإنّ عدم كتابتهم في الماضي لم يكن بسبب الجهل المتفشي كما تصوّر, بل سببه الحقيقي هو ما فُرِضّ عليهم من قبل الحكـّام الظـلاّم الذين كانوا عليهم بالمرصاد, فلا يسمحون لهم بالتعبير عن أنفسهم وإبداء رأيهم في القضايا المتعلقة بهم دينياً, حتى مجرّد الصلاة على مذهب أهل البيت (ع) فلم يكن يُسمح لهم بأدائها بل كانوا مُجبرين على إقامة الصلاة وفق المذهب الحنفي, وهو المذهب الذي كان معمولاً به في العصر العثماني.

 

وإنّ هذا الضغط الذي لا يُطاق كان هو العامل الأساسي والسبب المباشِر لعدم كتابتهم.

 

وما أن أفل سلطان الظلم والتعدّي والطغيان حتى بادروا إلى الإعلان عن أنفسهم, وأصدروا كتاباتهم ومقالاتهم النثرية والشعرية التي طار صيتها في الآفاق واطـّلع عليها القاصي والداني والدّالة على سلامة عقيدتهم العلوية وصحّة مذهبهم الإمامي.

 

أمـّا التعليل الثاني الذي افترضه أو أكـّده فباطلٌ من أساسه ولا صحّة له فلا باطنيـّة في مذهبهم, ولا سرّية في عقيدتهم, وإنـّما التقية التي اضطروا إلى استعمالها قسراً, وعدم تفهّم البعض لها, سبّبت اتهامات كثيرة افتعلتها جهات مُغرضة.

 

لقد اضطر العلوي إلى استعمال تقيّته المشروعة عند الحاجة حفاظاً على نفسه, وحقناً لدمه فاتـّهم بالباطنية والغلوّ عند مُنكري التقيـّة.

 

أمّا الغلوّ فلا اساس لوجوده عند أيّ فريق منهم فكلهم فريقٌ واحد ومذهب واحد, ظاهرهُ الإقرار بالشهادتين, وباطنه الإقرار بالشهادتين.

 

-  محاولته تقسيم العلويين.

 

ثمّ قسـّم العلويين إلى خاصـّة وعامـّة, بقوله:

(وانقسم القوم إلى: مثقفين منهم في جانب من التفكير السوي, والعامـّة في جانب آخر من التفكير الذي يحمل ركام الماضي, وأوضار السنين, وعشائرية عمياء تمثـّل روح القبلية ومشائخها).

 

فأقول:

إنـّها لا تخلو طائفةٌ من الطوائف من وجود طبقتين إن جاز التعبير, طبقة العلماء, وطبقة المتعلمين, ولكن هذا لا يعني أنّ الطبقة العامـّة أي طبقة المتعلمين (تحمل ركام الماضي وأوضار السنين) كما أفرز هذا الكاتب الذي أراد أن يتهرّب من اتـّهام سائر العلويين بالغلو فوجـّه حملته الإتـّهامية على عامـّتهم مُستغلاً طهارتهم وطيبتهم, ومُتجنـّباً اتـّهام العلماء خوفاً من أقلامهم الناطقة ومن الوقائع التي تدحض مفترياته.

 

وأراد بركام الماضي الذي حمـّله للعامـّة هو (الغلو), والغلو كما أوضحنا في عدّة مواضع لا أساس لوجوده عند العلويين, عوّامهم وخواصـّهم وليس هو حالةٌ طارئةٌ سببه العزلة والحرمان والجهل والمشائخيـّة الجاهلة كما قال وعلـّل. بل هو تعدٍّ سافرٍ على هذه الطائفة من قِبل فقهاء السوء وقـُضاة الرشوة, المعروفين بأزلام الأمراء, وأجراء الملوك والسلاطين.

 

إنّ هذا التقسيم المُستحدث لا ينطبق على العلويين لا من قريب ولا من بعيد, وبما أنـّه يعتبر نفسه من المُثقفين علوياً فلن يستطيع أن يتـّهم الجميع بالغلو والتطرّف لأنـّه سيتـّهم نفسه بالنهاية, هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإنـّه بهذا التقسيم قد جنـّب نفسه الموقف الحَرِج الذي سيتعرّض له من قِبَل العلماء الذين حاورهم وتحقق منهم صحـّة العقيدة, هذا إن كان يعرف أنّ يُميّز ما بين الصحيح والفاسد.

 

وختاماً نقول أنّ غايته الأساسية من هذا التقسيم الذي لا وجود له هو طرح نفسه كمرشد للطبقة العامـّة ومُنقذ لهم من فساد العقيدة.

 

وهنا أقول له ولغيره: أنـّنا لسنا بحاجة إلى مُرشدين ومُنقذين من أمثالِه يختلقون وجود داءٍ عند قومٍ أصحـّاء ليظهروا على الساحة العامـّة بصفة أطبـّاء, فإن كان به داءٌ أعياه فلدينا من الدواء ما يتمنـّاه.

 

-  العشائرية واتهامات متفرقة.

 

أمـّا العشائرية العمياء التي تحدّث عنها والخنوع المُذل لزعيم العشيرة ومشائخها فتلفيق مبالغٌ به, روّج له البعض تشويهاً علينا, فالتعصب الأعمى ليس من صفات العلوي وأخلاقه, والخنوع المُذلّ أبعدُ الأشياء عنه, فالعلوي لا يتعصّب ولا يخضع إلا للحق مهما كانت الظروف قاسية, والعلويون إخوةٌ أينما كانوا ومهما بعُدَت المسافات بينهم, فلا عشائرية تفرّقهم, ولا زعيم يُقسـّمهم وإنّ حملة الأمير "حسن بن مكزون السنجاري" للدفاع عن إخوانه المضطهدين خيرُ برهان على ذلك, وإنّ احترامهم لمشائخهم, ومراجعهم لا يُعتبر ذلاً لأنهم يَرَوْن فيهم أسمى مكارم الأخلاق, والصفات الحميدة. وإنّ هذا الإحترام لهو دليلُ عافيةٍ وخيرٍ, وإن لم يسرّ الآخرين.

 

فالعشائريـّة التي أجّجها معاوية وابنه يزيد لا وجود لها عند العلويين فليبحث عنها في مكانٍ آخر.

 

أمـّا قوله:

(إنّ الأمـّة ابتليت بفريقٍ من جهلة المشائخ الذين وجّهوا الدين وفق مصالحهم فنشأت عقائد لا تمتّ إلى الدين بصلة).

 

فهذا كلامٌ إنْ دلّ على شيءٍ فإنـّما يدل على أنّ هذا الكاتب لا يحترم نفسه, ولا يتمتـّع بأدنى مستوى من مكارم الأخلاق, فكيف يسمح لنفسه أن يُطلق هذا الوصف الشائن على الشيوخ العلويين, ويتـّهمهم بأنـّهم وجّهوا الدين وِفق مصالحهم؟ ولماذا لم يحدد لنا أسماء هذا الفريق الذي نعته بهذا النعت, واتـّهمه بهذا الإتهام؟

 

فشيوخ هذه الطائفة كانوا وما زالوا رجال علم وأخلاق, يتمتـّعون بأسمى معاني الفضيلة, ويجتنبون سائر الأوصاف الرذيلة, لم يوجّهوا الدين وفق مصالحهم – كما ادّعى – بل حافظوا عليه, وعملوا على تطبيقه, وأرشدوا الأمـّة إلى التمسـّك بالثقلين كتاب الله والعترة.

 

 

وأمـّا قوله (عن وجود عقائد نشأت لا تمتّ إلى الدين بصلة), فكنـّا نتمنـّى أن يُخبرنا عنها, فهل أراد بها ما نقله في كتابه عن الآخرين, فإن كان هذا مرادُه, فنقول له أنّ هذه العقائد أنشأها الآخرون ونسبوها إلينا, وقد أوضحنا ذلك في مواضع عدّة.

 

وأمـّا العقائد العلوية فمنشؤها كتاب الله الذي يدعو إلى الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر, والتمسـّك بولاية أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين عليهم السلام.

 

-  الزكاة.

 

وبعد هذا أتانا بتهمة لم يسبقه إليها الشهرستاني, والقلقشندي, وابن الأثير, وابن تيمية, وغيرهم, حيث قال:

(إنـّهم كانوا حتى الأمس القريب ينذرون المرأة للزيارة أو للمشائخ الذين صارت الزكاة وقفاً عليهم خلافاً للشرع المقدّس).

 

إنّ هذا الكلام الخالي من النظام نقله عن الكاتب محمد علي إسبر صاحب كتاب "عاداتنا وتقاليدنا" الذي ليس له أيُّ علاقةٍ بعادات العلويين وتقاليدهم.

وكنت أتمنى أن يوضح لنا كيف تنذر المرأة للزيارة أو المشائخ؟

وحينما قرأت كتابه "العلويون في دائرة الضوء" تبيـّن لنا معنى كلامه, من أنـّه أراد القول أنّ مُهرَ المرأة هو الذي يُنذر وليس المرأة عينها(1) , ومع هذا فإنـّا نقول له ولمن نقل عنه:

إنّ هذا الكلام بعيدٌ عن الواقع, خالٍ من المنطق, مُجانب للصدق, فمهر المرأة عندنا يُدفع لها كما أمر الله تعالى في كتابه (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً (4) سورة النساء.

 

والمسلم العلوي لا ينذر إلا ما يملكه, ومُهرُ المرأة ليس من أملاكه بل هو ملكٌ لها, وعلى هذا الأساس تسقط هذه الفِرْيَة الباطلة والتهمة العاطلة التي أُلصقت بنا كغيرها.

 

أمـّا الزكاة الشرعية والتي هي ركن من أركان الدين الإسلامي(2) فليست وقفاً على المشائخ وحدهم كما يُحاول أن يؤكـّد, بل توزّع على أهلها ومستحقيها المنصوص عنهم في كتاب الله, قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) سورة التوبة(3).

وهي كما أوضحها الإمام علي الرضا (ع) بقوله:

(والزكاة المفروضة من كلّ مئتيّ درهم خمسةُ دراهم ولا تجب في ما دون ذلك وفيما زاد في كل أربعين درهم درهمٌ ولا تجب فيما دون الأربعينات شيء, ولا تجب حتى يحول الحول, ولا تُعطى إلا لأهل الولاية والمعرفة) (تحف العقول: لإبن شعبة الحرّاني).

وهي تجب في النقدين "الذهب والفضـّة".

والأنعام الثلاثة "الإبل والبقر والغنم".

والغلات الأربع "الحنطة والشعير والتمر والزبيب". وتستحب في غيرها.

 

وعلى هذا أقول:

إنـّه يوجد بعض الشيوخ من هم فقراء ومساكين وعاملون عليها وغارمون, وهؤلاء الأصناف بصريح الآية من مستحقيها, فلهم سهمهم والباقي للباقي.

ومنهم من هم أغنياء ميسورون وهي مفروضة عليهم كغيرهم من أبناء هذا الشعب وهم يؤدونها كما فـُرضت, أمـّا القول من أنـّها (وقفٌ عليهم) فلا يخلو من مبالغة مقصودة.

 

وأختم هذا الفصل بما أورده العلامة الفيلسوف الشيخ يونس حمدان بيصين (ق) في كتابه "المبادئ والأحكام في أصول الدين والإسلام" حيث يقول في المطلب الخامس عشر من البحث العاشر, حول الزكاة:

 

(إعلم أنـّه لما كان الدين الإسلامي دينَ التعاون بكلّ ما في هذه الكلمة من معاني (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) جعل الله الأغنياء وُكلاء الله في أرضه, والفقراء عبيده المُحبين له, فإن بخل وكلاؤه على أحبـّائه أذاقهم الوبال الشديد, فكان لهذا التعاون الأثر العظيم في بثّ روح الإلفة والإيفاء والوداد, وقد ورد في الأثر "لا يؤمن أحدكم حتى يُحبّ لأخيه ما يُحب لنفسه" ففي هذا التعاون تنمو عاطفة الرّحمة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم وتدفع غائلة البؤس والشقاء عن الفقير المسكين وتولّد بين الناس التراحم ولا يحسد فقيرهم غنيـّهم, ولعلّ أكثر الأمراض الإجتماعية المنتشرة في العالم ترجع إلى عدم إخراج الزكاة التي هي الدواء الشافي لجروح الإنسانية وأوجاعها القاتلة ولهذا السبيل فرضَ الله الزكاة) انتهى.

 

 

------------------------------------------------------------

(1) – إنّ هذا التمويه لا يخلو من غايات سيئة, ومن توجيه إساءات مُبطـّنة.

 

(2) – الزكاة من الفرائض الخمس, وهي في اللغة النماء والطهارة, وفي الشرع عبارة عن إيجاب طائفة من المال في مال مخصوص لمالك مخصوص. وقيل الزكاة صفوة الشيء وما أخرجته من مالك لتطهـّره به, وهي حق معيّن عن الأبدان والأموال.

 

(3) – الفقراء: هم المُعدمون الفاقدون لما يرفع الحوائج الحيوية.

المساكين: هم الذين دنا بهم فقرهم إلى المسكنة والمذلة..

العاملين عليها: الساعين لجمعها.

والمؤلفة قلوبهم: هم الذين يُعطـَوْن سهماً من الزكاة ليسلموا أو ليدفع بهم العدو, أو ليُستعان بهم على قضاء حوائج الدين.

وفي الرّقاب: كالرق الذي يكون في شدّة, أو المُكاتب الذي لا يقدر على تأدية ما شرطه لمولاه على نفسه لعتقه.

والغارمين: الذين ركبتهم الديون.

وفي سبيل الله: لحفظ الإسلام والمسلمين, كالجهاد وشق الطرق.. الخ.

وابن السبيل: المنقطع عن وطنه الفاقد لما يعيش به...

 

- المساجد:

 

بعد هذه الحملة المسعورة على الشيوخ حول قضية الزكاة راح يتهمهم بنكران أركان الدين الإسلامي كعدم الذهاب إلى المساجد لأداء صلاة الجمعة والجماعة, وتعطيل فرض الصيام, ومقاطعة الحج, على أساس أنـّهم (معرفة أشخاص) وجب محبتهم, بالإضافة إلى اتهامهم بعدم تحريم الخمر بل اجتنابها...

 

وهنا لا بد من دحض هذه المفتريات والمزاعم بالقول:

 

إنّ المساجد التي بناها العلويون في لبنان وسوريا تربو على المئتين, وكما هو معروف فإنـّها لا تخلو من أئمـّة وخطباء, وهؤلاء الأئمة والخطباء هم شيوخ علويون يُديرون شؤونها على أتمّ ما يُرام, والمُصلّون يؤمونها بانتظام هم شيوخ وغيرهم.

 

 وإنْ وُجِدَ بعض الشيوخ من الذين لا يذهبون إليها يوم الجمعة فلعذر شرعي أقرّته كتب الفقه(1), وليس على جهة الإنكار كما يظن هذا الكاتب, فكيف يُنكرون فرضا مفروض خاطبهم الله تعالى بإقامته وعدم التفريط به, قال تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) سورة الجمعة.

 

--------------------------------------------------------------

(1) – المعذورون من صلاة الجمعة: الصغير – الكبير "أي الشيخ الكبير" – المجنون – المسافر – العبد – المرأة – المريض – الأعمى – من كان على رأس فرسخين "أي ما يُعادل إحدى عشر كيلومتراً" – الخائف – الصبي...الخ.

 

- الصيام:

 

أمـّا اتهامه لنا بأننا نقول (بأنّ فرضي الصيام والحج هما معرفة اشخاص فقط), فهذا القول نقله عن ابن تيمية وغيره من المغرضين والحاقدين, وهذه التهمة كرّرها عدّة كتـّاب نقلاً عن بعضهم البعض من دون فحص كالببغاء.

 

فالصيام عندنا من العبادات الواجبة على كل مسلم ومسلمة لقوله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) سورة البقرة.

 

فالصيام هو الركن الثاني من أركان العبادات وهو في اللغة مطلقاً الإمساك, وفي الشرع عبارة عن إمساك مخصوص في وقت مخصوص وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع من الصبح إلى المغرب.

 

وهذا الفرض الشريف هو ركن في كل دين سماوي كما دلّت الآية وهو تهذيب اجتماعي, وتربية إرادية, وصبر وتضحية وإيثار, ومنافعه الإجتماعية والصحيّة والخلقية والمالية جمّة, لا تكاد تُحصر في كتاب.

 

وهذا الفرض في الإسلام أيام معدودات وهذه الأيام هي شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن. وقد تضمـّنت آيات الكتاب إباحةَ الفطر لمن كان مريضاً أو على سفر مع التزام القضاء في أيّام أخر. كما وإنّ الضعيف المزمن الذي يشق معه الصوم يُبيح الفِطرَ بلا قضاء مع التزام الفدية (طعام مسكين).

 

وإذا بحثنا في تاريخ الصوم تبيـّن لنا أنـّه مفروض على البشر من لدن آدم (ع) إلى عصر الإسلام, ولا خلاف في ذلك كما يعلم من شرائع الأنبياء والمُرسلين.

 

فخلاصة القول:

إنّ الحديث عن الصيام وفوائده وأحكامه والحكمة منه يحتاج إلى مجلدات عديدة.

 

- الحج:

 

أمـّا الحج الذي اتـّهمنا (صاحبنا) بأنـّنا نقاطعه فهو عندنا وفي مفهومنا ومنهاجنا: الركن الثالث (بعد الصلاة والصيام) من أركان العبادات, وهو في اللغة القصد.

وفي الشرع الشريف: قصدٌ لبيت الله الحرام بصفة مخصوصة في وقت مخصوص بشرائط مخصوصة.

 وهو من أركان الإسلام. قال تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ... (97) سورة آل عمران.

 

والحج أكبر رُكن اجتماعي في الإسلام إذ فيه يتمكن المسلمون من الإجتماع في مكان واحد في يوم واحد, يشهدون منافع لهم, ويذكرون الله في أيـّامٍ معدودات, ويتوبون إليه, وهو فريضة في العمر مرّة على من توفـّرت فيه وسائل الإستطاعة.

 

وتشريع هذا الفرض المقدس لا يخلو من أحكام جليلة نذكر بعضها:

منها تقوية الروابط بين الشعوب الإسلامية على اختلاف أجناسها وتباين أقطارها وإزالة ما بينها من الفوارق الجنسية والقومية لتتحقق الوحدة الإسلامية التي هي أهم ما يدعو إليه الإسلام, فإذا اجتمع المسلمون في موسم الحج في بقعة واحدة ليؤدّوا المناسك ويتجرّدوا من كل مظاهر الحياة الفانية فلا بُدّ أن يتولـّد في نفوسهم بأنـّهم أعضاء مجتمع إسلامي كبير له خصائصه ومميزاته, وأنـّهم لا يحيون إلا بحياته ولا يسعدون إلا بسعادته, فتتصل قلوبهم وترتبط برابط المحبة والمودّة والإخلاص.

 

ثانياً: تهذيب النفوس, فإنّ الحاج يتجرد في اثناء الحج عن كل مظاهر الحياة التي تملأ القلب يقيناً بالله, وشعوراً بعظمته, وسلطانه الغيبي الذي تعنو له الوجوه, وتخضع له جميع الكائنات, ووجودُ الإنسان في هذه المواطن التي نزل فيها القرآن الكريم وهبط فيها جبريل الأمين على خاتم الأنبياء, كل ذلك كفيلٌ بأن تسمو بروح الإنسان عن أقذار الشهوات, وعن المنازع الدنيـّة التي تـُفسد قلبه, وخـُلـُقه, إلى الغايات الفاضلة التي تجعله إنساناً كاملاً.

 

ومن المعلوم أنـّه ليس من عبادة فرضها الله على عباده أو ندبهم إليها إلا إذا كان القصد منها تطهير النفوس وتهذيب الأخلاق وتنمية خشية الله في القلوب فإنـّا نجد أنّ الحج قد احتوى من كل عبادة طرفاً, وذلك لأنـّه لما كان في الصلاة انقطاع عن شؤون الدنيا واتصال بالخالق كان في الحج انعزال المرء عن أهم مشتهياته وانقطاع معتاده, فإذا أثـّرت الصلاة في النفوس خلق الصبر فلئنّ يؤثـّر ما في الحج من ذلك الإنقطاع أولى وأوضح, وإذا كان في الزكاة إنفاق وبذل فإنّ في الحج إنفاقاً أغزر وانحلالاً من المال أكثر, ولئن كان في الصوم انقطاع المرء عن ملاذة ومشتهياته ففي الحج كذلك انحباس عن ملاذ ومشتهيات كثيرة فليس في الحج نساءُ ولا طيبٌ ولا لباسٌ ولا تزيـّن بل المرء فيه مُطالب أن يكون أوضح مظاهره الإنخلاع من شؤون تلك الحياة فإذا كان في الصيام تعويدُ النفوس الصبر على ملاذها ومشتهياتها فللحج أعمق في ذلك أثراً وأشدّ تعويداً.

 

- تحريم الخمر:

 

أمـّا ادّعاءه بأن فريقاً كبيراً من الشيوخ يزعم أن الله لم يُحرّم الخمر وإنما أمر باجتنابها فكلام باطل ينفيه ما جاء في "الهداية الكبرى" لشيخ العلويين السيد أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (ق) حيث أورد في الباب الثاني بعض الأدلة في تحريمها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحديث طويل نختصر منه موضع الحاجة :

 

(فقال المسلمون لم تنهانا عن شربها يا رسول الله , أنزل فيها أمراً عند الله فنعمل به ؟ فأنزل الله عز وجل :

( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )

 

فقال المسلمون : إنما أمرنا بالإجتناب عنها ولم تحرم علينا فأنزل الله تبارك وتعالى :

( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ )

 

فقالوا : أمرنا أن ننتهي ولم تحرّم علينا . فأنزل الله عز وجل :

( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا )

 

فقال المسلمون : فيه منافع للناس وإن كان الإثم أكبر من المنافع ولم يُحرّم شربها علينا فأنزل الله تعالى :

( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ )

 

فصحّ تحريم الخمر في قولهم :

إن الإثمَ إسمٌ من أسماء الخمر ويستشهد بما تقدم من قول امرئ القيس بن حجر الكندي حيث يقول :

شربت الإثم حتى زال عقلي = = كذاك الإثمُ يذهبُ بالعقول

 

... الخ) ( الهداية الكبرى للثقة الأقدم السيد أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (ق) ).

 

 

فليعلم من لا يعلم وليفهم من يعلم أنّ كتاب "الهداية" كما هو معروف لم يبقَ شيخ من الشيوخ العلويين القدماء والمعاصرين إلا وقرأه بإمعان واستفاد منه وأخذ عنه. فكيف يزعمون هذا الزعم كما ادّعى ؟؟

وكأنّه أراد بهذا القول اتهامهم بالجهل في أحكام كتاب الله, وعَدم معرفتهم بالحلال والحرام.

والخصيبي (ق) باعترافهم جميعاً من كبار ثقاة شيوخهم الأجلاء, وكتابه من المراجع القديمة والمعتبرة عندهم وعند شيوخهم بغض النظر عن بعض الزيادات التي طرأت عليه عمداً وهي غير خافية علينا.

 

- إنعزال العلويين:

 

نتابع حديثنا مع هذا الكاتب لنقول له:

 صحيحٌ أنّ العلويين انقطعوا أكثر من ثلاثمائة عام في الجبال عن العلم والحضارة اللذين كانا سائدين في المدن آنذاك ولكنـّهم لم ينقطعوا عن تلاوة كتاب الله وفهم علومه الذي يُترجم الحضارة بأبهى قيَمها, وأرقى صورها, ويوضـّح العلم بأجلى معانيه, وأوضح مبانيه, وما دام المرء يقرّ بكتاب الله منهاجاً ودستوراً له, ويعمل بأحكامه فهو على جانب عظيم من العلم والحضارة لأنـّهما فيه ومنه وعنه.

 

ومن زعم أنّ العلم والحضارة محصوران في المدينة والتمدّن والعلوم العصرية الماديـّة فقط فهو على خطأ كبير. فالعلم والحضارة في كتاب الله يوجدان, ومنه يؤخذان, ولا يخلو بيت من بيوت العلويين قديماً وحديثاً في الجبل أو المدينة منه…

 

 وليُصغِ أولئك الذين ينسبونا إلى الجهل لمكوثنا في الجبال مدّة مديدة ورغماً عنـّا, وليَسمـَع عشـّاق التمدّن إلى قول العلامة الكبير الشيخ سليمان الأحمد (ق) حيث يقول:

تمدُّنُ الإنسانِ في عصرنا            عبارةٌ عن قلّةِ الدينِ

عشرَتـُهم جانبتُ خوفاً على      نفسي أن تعدو فترديني

 

وهنا لا بـُدّ لي من القول:

أنّ المسلمين العلويين بالرغم من أنـّهم عاشوا في أكناف تلك الجبال الشمـّاء إلا أنـّهم والفضل لله تعالى حافظوا بثباتٍ على صحّة عقيدتهم الإسلامية, ومذهبهم العلويّ, وأرومتهم العربية, وأخلاقهم الهاشمية, وعاداتهم الحمدانية, ورفضوا كل ما يتنافى مع عقائد الإسلام من البِدَع والأحكام الوضعيـّة.

 

فإنْ وُجـِدَت بعض الحالات الشاذّة فهي فرديـّة ونادرة, ولا يجوز إطلاقها على الجميع تعميماً, وإدراجها ضمن العقيدة العلوية للنيل من كرامة هذه الطائفة. وهذا الأمر كان وما يزال دأبَ الحاقدين فإن وجدوا شذوذاً ما, في جهة ما, وإن كان صغيراً كبـّروه وألصقوه بالجميع, وأدخلوه زوراً وبُهتاناً على عقائد القوم. فعقيدة العلوي في الأصول مأخوذة من كتاب الله وأقوال الرسول ص وآله ونهج إمام الهـُدى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) الذي أوضحها جليـَّة في خطبه التوحيديـّة, ومذهبه في الفروع فهو ما رُوِيَ موثـّقاً عن الأئمـّة المعصومين (ع) وتـُعرف أخبارهم من موافقتها لكتاب الله.

 

وصحيحٌ أنّ العلويين لم يمتلكوا ذلك الكمّ الهائل من المراجع والموسوعات الفقهية ولكنـّهم كانوا يستنبطون أحكام العبادات والمعاملات من كتاب الله وبما توفـّر لديهم من الأخبار الموثـّقة عن أهل البيت (ع) التي حفظها لهم آباؤهم الأقدمون. وحينما انتشرت المراجع والموسوعات الفقهية ووصلت إليهم اتـّفقت مع ما توارثوه من الأصول والفروع والآداب.

 

- الصِلات بين علماء الجبلين:

 

لقد جرت مباحثات عدّة, ولقاءات كثيرة بين علماء الجبلين العلوي والعاملي وتباحثوا على مختلف الصعد, وفي كل المجالات وكنت قد أتيتُ في الجزء الأوّل من هذا الكتاب على بعض المقالات لكبار علماء الشيعة التي تـُثبت ذلك, ولدينا منها المزيد وأكثرها منشورة.

 

وممـّا يزيد ذلك وضوحاً الرسالة التي أرسلها العلاّمة الحكيم فضيلة المغفور له الشيخ "عبد اللطيف إبراهيم" إلى العلاّمة الأغرّ فضيلة المغفور له الشيخ "عبد الهادي حيدر" ويقول له فيها:

 

(في 7 1 أهديت إلى فضيلتكم ثلاثة كُتب جديدة فريدة من نوعها "الله والعقل", "النبوة والعقل", "الآخرة والعقل", من مؤلفات العلاّمة الجليل الشيخ محمد جواد مغنيـّة مستشار المحكمة الجعفرية العُليا في بيروت وهو خرّيج النجف الأشرف له المكانة المرموقة بين الفقهاء ألـّف عدّة مؤلفات قيـّمة ترون أسماءها على غلاف ما أرسلته لكم من الكتب إذا أردتم اطلبوا ما تريدونه منها وخيرُها كما رأيت "الإسلام مع الحياة" و "مع الشيعة الإمامية" وقد عرّفتـُهُ على إسمكم وإسم الأخ الشيخ يونس ياسين سلامة وذكرت له أنـّكم ستراسلونه …الخ)

(اختصرنا من هذه الرسالة موضع الحاجة وهي مؤرخة في 11 / 1 / 1960).

 

فأجابه بقوله:

(وصلت هديّتكم القيـّمة وكتابكم الكريم فلست أدري بأيـّهما كنت أسرّ, أمـّا الكتب الثلاثة والحق يُقال من خير ما أنتجته القرائح في هذا العصر الحافل بغرائب العلوم الماديـّة وأعاجيب الإختراعات الذرّية التي طغت أو كادت على القِيـَم الروحيـّة والمثاليـّة الحقـّة فكانت هذه الكتب من ضروريات هذا العصر ولوازمه لما تتضمّنه من أفكار سامية ومواضع عالية من وجوب الإعتراف بواجب الوجود واليوم الموعود مؤيدّة بحجج عقلية وبراهين منطقيـّة لا تقبل جدلاً ولا ردّاً فجزى الله مؤلفها عن العلم والعلماء خيراً…الخ)

 (اختصرنا من هذه الرسالة موضع الحاجة وهي مؤرّخة بنفس التاريخ المذكور أعلاه).

 

وقال في رسالةٍ أخرى يُخاطب بها العلاّمة الشيخ "عبد اللطيف إبراهيم" رحمه الله:

(أستاذنا العلاّمة الجليل الشيخ عبد اللطيف إبراهيم المحترم أدام الله مجده تحيـّة طيبة وسلاماً عاطراً وشوقاً وافراً, والله سبحانه أسأل أن تكونوا على ما أتمنـّاه لكم من صفاء ورخاء وصحة وسعادة وبعد.

نزولاً عند رغبتكم كتبنا لفضيلة العلاّمة المتبحر الشيخ محمد جواد مغنية وطلبنا إليه أن يرسل لنا من مؤلفاته كتابي "الإسلام مع الحيلة" و "مع الشيعة الإمامية" وأن لا يضنّ علينا بما تفيض به عبقريته الجبّارة من مؤلفات قيّمة في المستقبل وأشعرناه بأنـّه حصلَ لدينا من إنتاجه ما تكرّمتم بإرساله من الكتب الثلاثة, وأحطناهُ علماً بما رغبتم إلينا به من وجوب مراسلته, وثنائكم عليه بما هو أهله فأجاب بما يلي:

 

(تناولت كتابكم الكريم فشكراً جزيلاً لكم ولفضيلة الأخ الشيخ عبد اللطيف وإنـّي جداً مغتبط بهذا التعاون الأخوي في سبيل الحق ونشر كلمته وهو سبحانه المسؤول أن يُكثر في هذه الأمـّة من أمثالكم وأمثاله إنـّه خير مسؤول, أمـّا ثناؤكم وثناء الأخ الفاضل عليَّ فأنتما أولى به ولست أهلاً لبعضه وإني أحمدُ الله سبحانه الذي جعلني محل ثقتكم وأبتهل إليه أن يوفـّقني لمرضاته ومرضاة الطيبين أمثالكم, وتلبيةً لطلبكم أرسلت لكم في البريد المضمون كتاب "الإسلام" وكتاب "مع الشيعة" وبعد أن انتهيت من كتاب "علي والقرآن" الذي سيصدر قريباً إن شاء الله باشرت بوضع سلسلة فقه السنـّة والشيعة على المذهب الجعفري والحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي. وربـّما أصدرته دار العلم للملايين وطبعته على حسابها لأنـّها طلبت ذلك ووعدتها به… إلى آخر كتابه..)

 

وأنا بدوري أرفع لمقامكم الكريم جزيل شكري وخالص اعتباري وتقديري لهذا التعارف الميمون بفضيلة هذا العلاّمة الكبير والبحّاثة المتبحر ذي الأخلاق السمحة والسجايا الكريمة والعلوم الواسعة أكثر الله في هذه الأمة الإسلامية من أمثالكم وأمثاله وقد عزمت أن أكون معه على اتصال تام ومراسلات دائمة وطلب كل ما يُنتجه قلمه السيّال في شتى المواضيع لأنّ إنتاجه لا يخلو من فوائد علمية واجتماعية وأدبية لملائمته روح العصر وحرصه على جمع الكلمة وتأليف شمل الأمة وهذه هي الضالة المنشودة التي فقدتها الأمة العربية منذ بضعة قرون وها هي تتمثل في شخصية هذا الرجل العظيم). (في 28/2/1960م).

 

 

فأجابه العلاّمة الشيخ عبد اللطيف إبراهيم بهذه الرسالة نختصر منها موضع الحاجة:

 

(أيـُّها الأخ الكريم إنّ اتصالك بالعلامة الجليل الشيخ محمد جواد مغنية كلّه فائدة فهو اليوم من كبار المجتهدين من الذين يؤلفون لعصرهم ويختارون الأجود فالأجود والأحسن فالأحسن وبالأمس أتاني تحريرٌ من بعض الأصدقاء في المهجر يطلب مني أن أدلـّه على أحسن كتاب في فضائل أهل البيت ليطبعه على نفقته بشرط أن يكون ملائماً لروح العصر فاستشرت صديقنا العلاّمة الشيخ محمد جواد مغنية فدلـّني على كتاب له ألـّفه في فضائل أهل البيت واسمه "أهل البيت" ولعلكم قرأتموه واقترح عليَّ أن أحذف منه بعض الفصول التي لا علاقة لها بالموضوع وأن نضيف إليه كتاب "علي والقرآن" فوافقته على اقتراحه الجميل وبذلك يخرج للعالم العربي كتاب ممتع يقرأه بشوق ولهفة المسلم والمسيحي لما فيه من عذوبة الأسلوب والمعاني والروايات…) (في 26/4/1960م).

 

فهذه الرسائل مع الكثير من مثيلاتها تـُثبت ما قدّمناه سابقاً من كثرة المراسلات والمحاورات واللقاءات التي جرت بين علماء الجبلين.

 

- الجمود الفكري:

 

ثمّ ختم الشيخ "علي عزيز" كتابه بشنّ هجوم جديد على المشائخ واتـهمهم بالجمود الفكري والعلمي, والأمّية الثقافية.

 

وأنا بدوري أقول له ولمن كان على شاكلته:

إنّ الجمود الفكري والعلمي إن وُجد فإنـّه يوجد عند أولئك المتعصبين الحاقدين الذين يكيلون التهم بإخوانهم في الإسلام والولاية, ويُثيرون النعرات الطائفية بين الحين والآخر لأجل منافع مادّية يعتاشون منها على حساب أهل الطهارة.

 

وأسأله قائلاً هل تمسـّك المسلم العلوي بكتاب الله, وبما جاء موثوقاً عن العترة الطاهرة (ع) جموداً؟

 

وهل يُعتبر رفضُ الشيخ العلوي للثقافات الزائفة والإلحادية تخلفاً؟

 

فإن كان هذا هو الجمود والتخلّف فنحن راضون به ومتمسكون بشدّة.

 

وأتابع لأقول:

 إنّ هذا الكاتب الذي يعتبر نفسه مُدافعاً عن العلويين اتهمهم بالغلو وأثبت ما قاله فيهم الأقدمون من التلفيقات والتزويقات بعد تبريرها.

 

فما جدوى هذا الدفاع الذي لا معنى له إن كان يؤكّد ما قاله الشهرستاني وابن تيمية وغيرهم بحقـّنا.

 

فتبريره للتهم التي ألصِقت بنا محاولةٌ منه لتأكيدها وإطلاقها علينا مرفوض عندنا. كتبريره لشرب بعض المسلمين الخمر, والقول بالتناسخ, وقِدَم العالم, وظهور الناسوت باللاهوت, ووجود خطاب سرّي, إلى ما هنالك من التـُهم التي أطلقها متعصبون وروّج لها حاقدون.

 

فمهما حاول أن يُبرّر أو يُجمّل الصورة كما يحلو له فهذه التّهم  مرفوضة من أساسها وذلك لعدم وجودها. فلو كانت موجودة فعلاً (لا سمح الله) لما صعُب علينا تبريرها أو إظهارها بصيغة مقبولة.

 

ومثلَ هذا الكاتب كمثل من اتـّهم بريئاً بالسرقة ثم قدّم نفسه للدفاع عنه مُبرّراً فِعلته بتحليل السرقة بعد تغيير إسمها!!.

 

- ثنائية الشريعة:

 

ثمّ اتـّهمنا كغيره بالقول بثنائية الشريعة أي بالظاهر والباطن, وهذه التهمة قديمة حديثة, اتّهم بها الكثيرون غيرنا من قِبل السلطات الحاكمة التي كانت ترى في هذه الفِرق الغير منتمية إلى مذهب السلطة خطراً يُهدد أمنها فراحت تـُطلق عليها هذه المفتريات بواسطة فقهائها لصرف أنظار الناس عنهم ولتجد مبرراً ومسوّغاً لإبادتهم.

 

وقد تقدّم القول فيما مضى بعدم ثنائية الشريعة عندنا, وإنّ ما جاء في كتاب الله هو مَحْض عقيدتنا, فلا خصوصيّة للأحكام, ولا باطنية في الإسلام كما يتوهّم البعض, فظاهر الشريعة هو ما جاء في كتاب الله, وباطنها هو الإخلاص في اعتقادها والصدقُ في تطبيقها. هذا إن جاز القول بوجود ظاهر وباطن.

 

لأنـّنا نجد من يعمل بأحكام الشريعة ظاهراً من دون أن يعتقدها باطناً وهذه صفة أهل النفاق. الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه وقد تقدّم القول فيهم.

 

- هل العلويون غلاة:

 

في الفصل الثاني عشر من كتابه "العلويون في دائرة الضوء" طرح سؤالاً وهو (هل العلويون غلاة؟).

فأجاب عنه مبتدئاً بتعريف الغلو لغة ثم ذكر حجج القائلين به, والذرائع التي يتذرّعون بها من دون أن يُحدّد لنا هويّتهم, ولكنـّه أراد بهم العلويين ويتضّح ذلك من خلال قوله في مقدمة هذا الكتاب (أنّ الغلو طارئٌ عليهم سببه العزلة والحرمان والجهل والمشائخية الجاهلة), وقوله أيضاً في كتابه "العلويون بين الغلو والفلسفة والتصوّف والتشيّع": (ويري بعض العلويين أنّ الذي دعا للغلو به ..الخ).

 

فهذا دليلٌ واضحٌ على اتهامه لنا بالغلو, ولكنـّه ناقضٌ نفسه بقوله:

(العلويون مسلمون شيعة موحّدون, يُنزّهون الخالق عن كل مشابهةٍ للمخلوق, وهم يقرّون بنبوّة سيّد الرسل محمد ص وآله وإمامة إثني عشر إماماً من أهل بيته الطاهرين, وأهل البيت عندهم بشرٌ مميّزون معصومون, وهم لا يرتضون وفق بياناتهم عن الإسلام ديناً, والعروبة حسباً, والتشيّع مذهباً, بديلاً).

 

وهذه الأقوال تتناقض كليـّاً مع سابقاتها, واجتماع النقيضين أو الضدّين محالٌ عند الفلاسفة والمنطقيين.

 

ومع أنّ هذا الكاتب قسّم العلويين إلى قسمين: (معتدلين وغلاة, أو مثقفين وعامة يحملون ركام الماضي), وذلك في مواضع عدّة من مؤلفاته فقد عابَ على الدكتور "مصطفى الشكعة" هذا التقسيم واعتبره  أمرٌ غريب من رجل غيور مثله على وحدة الصف المسلم وجمع الكلمة!!

 

فأقول:

إنّ الأمر الغريب والعجيب أن يُعيب غيرهُ باختلاق الأكاذيب ولا يُعيب نفسه بقول ما يحلو له ويطيب, ويُلصق بنا ما يُريب, فهل يظنّ أنّ الكلام ليس عليه رقيبٌ أو أنـّه سيمرّ من دون حسيب؟ أم أنّ القوم لا يعرفون التصويب؟

 

 

وفي الختام أقول:

 

إنّ هذا (المتطفـّل) قد وضع أربع كتب حولَ هذه الطائفة ولكنـّها بالحقيقة كتابٌ واحدٌ أعاد طباعته أربع مرّات مع تغيير الإسم وبعض الإضافات ومع هذا فإنـّه لم يستطع أن يُجنـّب نفسه من الوقوع في المتناقضات التي لا تخفى على القارئ الحصيف.

 

وقد استند لتثبيت أقواله على ما قاله الشكعة والطويل وغيرهما, وعلى بعض الكتب التي نُسبت إلينا ظلماً وعدواناً.

 

فمن البديهي إذاً أن يصل إلى نتيجة معكوسة وخلاصة مركوسة لأنّ القضيـّة إن كان أصلها فاسداً فستكون نتيجتها فاسدة. وما بُنيَ على خطأ فسيؤول إلى خطأ وحسبنا الله ونِعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير.

 

ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.