صحيفة الغدير

 
مكتبة العلويون

من كتاب

"المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكّام"

لمؤلفه فضيلة الشيخ العلوي

" حسين محمد المظلوم"

رد على كتاب مذاهب الإسلاميين - للدكتور عبد الرحمن بدوي

 


كتاب مذاهب إسلاميين
تأليف الدكتور عبد الرحمن البدوي (1)



وبه يتحدث عن فرق المعتزلة والأشاعرة والإسماعيلية والقرامطة والنصيرية .

استهل حديثه عن هذه الطائفة بمقدمة اتهامية استند بها على ما لفـّقه الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل" , وكنا قد عقّبنا عليه سابقاً وأثبتنا طعن العلماء به والتشكيك بأقواله وعدم موثوقيتها , لخلوّها من الأسانيد المعتمدة , ثم أعاد الدكتور البدوي أسباب التسمية بالنصيريين إلى اتباعهم نصير غلام أمير المؤمنين (ع) مُستنداً في ذلك على كتاب "إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد" لشمس الدين محمد بن ابراهيم بن ساعد الأنصاري الأفغاني السنجاري المتوفي سنة (794هـ) .

فأقول:
إنه لم يثبت في كتب السير والتاريخ ولا في أي مرجع من المراجع العلمية إن لأمير المؤمنين غلام إسمه (نصير) بل جاء أن غلام أمير المؤمنين (ع) كما هو معروف كان (قنبر) وبهذا يبطل زعم الدكتور البدوي في أسباب التسمية المزعومة ويبطل من استند إليه , وأما إسم هذه الطائفة الحقيقي والذي لا يُنكره إلا كل متعصب دأبه تشويه الحقائق الثابتة فهو :
(العلويون)


ثم تابع حديثه في فصل آخر تحت عنوان (كتب النصيرية) مستشهداً في مفترياته عن أستاذه (ماسينيون) الذي ألّف كتابه المحشو بالأضاليل سنة (1937م) .

ونسب إلى العلويين كتب لم نسمع بها إلا من خلاله وخلال أمثاله من المستشرقين باستثناء (الهداية الكبرى) للشيخ الثقة الأجل الأقدم السيد أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي قدس سرّه .

هذا بالإضافة إلى أن أكثر الكتب التي رواها الدكتور البدوي عن المستشرق ماسينيون منقولة عن الباكورة (الموضوعة) التي قال عنها بنفسه إنه قد تمّ طبعها على يد المبشرين الأمريكيين وبتشجيع منهم بالإضافة إلى أنها نسبة إلى شخص وهمي أطلق عليه إسم "سليمان الآذني" ووضعوا له قصة خيالية نسبوها إلى فاضل من اللاذقية ولم يخبرونا عن إسم ذلك الفاضل الذي نشر مقالته في جريدة (الأهرام) كما جاء في دائرة المعارف لمحمد فريد وجدي .

وهنا لا بد لي من القول والتأكيد على أن هذه الباكورة كتبها أحد المستشرقين الأجانب بالإضافة إلى كتب تاريخ العلويين لمحمد أمين غالب الطويل فقد كتبه أحد المستشرقين الأجانب لنفس الغاية والغرض وما جاء فيهما يتنافى مع ما أعلنه السادة العلويون من علماء وكتّاب وأدباء .

وألفت النظر إلى قول صاحب دائرة المعارف بأن هذه المقالة لفاضل من اللاذقية ليوهم القرّاء إلى أن ذلك الفاضل من أبناء الطائفة العلوية , وكأنّ جميع من في اللاذقية علويين ؟!
وعندي لا فرق بين هذه المقالة الموهومة وبين ما كتبه أبو موسى الحريري صاحب الإسم المستعار فالشخصيتان وهميتان لم يُفصحوا عن أسمائهم ولا يستبعد بأن يكون المصدر واحد .



----------------------------------------------------------------------------------------------

(1) - في كل مرّة أنقل موضوعاً حول أحد الكتب أو الكتّاب أحب أن أذكّر بما قاله فضيلة الشيخ (حسين محمد المظلوم) في مقدمة كتابه هذا (المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكام) والذي منه هذا الموضوع.. حيث قال :

و ألفت النظر بأننا حينما نتعرض لكاتب ما , فهذا لا يعني أننا نهاجم الطائفة التي ينتمي إليها والمذهب الذي يتمذهب به , بل نهاجم فرداً شاذاً عن آداب الإسلام وأصوله الذي ينهي عن تكفير أبنائه .
ولا يخفى على أحدٍ أن المسلمين العلويين لم يتعرضوا يوماً لأي طائفة من الطوائف في كتاباتهم وما ذلك إلا دليلاً على أخلاقهم الفاضلة وآدابهم الإسلامية المتأصّلة في نفوسهم , وفهمهم الصحيح لهذا الدين الحنيف والتزاماً منهم وإيماناً بما جاء في كتاب الله الذي يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر في كثير من آياته ...

 
 
 

ثم بدأ الدكتور البدوي بالكلام عن عقائد العلويين مُستفتحاً حديثه بقوله :

(إنهم من أقدم الشيعة الغلاة) مُعللاً ذلك بانتسابهم إلى نصير (المجهول تاريخياً) ومُستنداً كعادته عن أستاذه ماسينيون في إحدى كتبه .
وهنا أستغرب وأقول كاتب كبير على هذا القدر من العلم والمعرفة ويقع في هذا الخطأ الذي يُسقط كل أقواله ولا يستطيع أن يتحقّق من وجود شخصية إسلامية بارزة أو عدم وجودها كقبوله نسبة العلويين إلى نصير.
فمن هو هذا (النصير) الذي يؤكدون انتساب العلويين إليه؟؟
وكيف يصحّ أن ينتسبوا إلى غلام مع وجود مولاه ؟؟
هذا لعمري العجب العُجاب الذي يدعونا إلى الإستغراب!!!
ثم إنه يقرّ بأننا من أقدم الشيعة الغلاة فهذا اعتراف منه من حيث لا يدري بتشيعنا إلى أمير المؤمنين عمّن سواه مع احترامنا الشديد لسائر صحابة رسول الله (ص) .

وقد أوضح ذلك العلامة الدكتور علي سليمان الأحمد أنه لمجرد تفضيل علي على عثمان كان يوصم الشخص بالغلو . ومن ثم تطوّرت الأمور إلى أبعد من ذلك في العصر الأموي والعباسي بتوسيع دائرة الإتهام بواسطة كتّاب أُعِدّوا لهذه الغاية مما جرّ علينا الكثير من المآسي على مر العصور .


ثم أوجز عقائد العلويين بستة نقاط متناقضة فيما بينها, وقسّمهم أقسام غريبة لم نسمع بها إلا من حضرته, ونسب إليهم أقوال اعتدنا عليها من أمثاله, واستشهد في أقواله عن القلقشندي صاحب كتاب (صبح الأعشى) الذي نقل عنه ابن الفضل العمري في كتابه (التعريف بالمصطلح الشريف) .


وبعد هذا ذكر قسماً غريباً بأسلوبٍ عجيب أثبته على العلويين زوراً وبهتاناً وحلّله كما أراد ليتم له في تكفيرهم المُراد , نقله عن كتاب "المصطلح الشريف" المليء بالزخاريف.
وختم هذا الفصل البعيد عن العقل بقوله :
( ومن النصوص المفيدة في معرفة مذهب النصيرية نص السؤال الذي وجّه إلى ابن تيمية المتوفي سنة (728هـ) وفتواه في ذلك ونص السؤال هو المهم عندنا لأنه مقصور على معتقدات النصيرية بالذات , بينما جواب ابن تيمية عام يشمل النصيرية والإسماعيلية معاً ويخلط بينهما ) .
(ويبدو من جوابه أنه لم يكن على علم دقيق بمذهبهم , وإلا لكانت فتواه على غير النص الذي نراه , بل نكاد نجزم بأنه لم يدر شيئاً دقيقاً عن معتقدات النصيرية . وهذا غريب من ابن تيمية , لأنه عاش في منطقة مجاورة لبلاد النصيرية وكان في وسعه الحصول على كتب النصيرية أو على الأقل الإستخبار عن عقائدهم) .

لقد اعترف وأقر بجهل ابن تيمية في علم المذاهب والفِرق وأكد بأنه خلط بين العلويين وغيرهم وهذا ما كنا قد ذكرناه في فصل من هذا الكتاب.

وجزم بأنه لم يدر شيئاً دقيقاً عن معتقدات النصيرية وأستغرب هذا منه لأنه عاش في منطقة مجاورة لهم وقال :
(إنه كان في وسعه الحصول على كتب لهم أو الإستخبار عن عقائدهم) .


فكيف لمن يعتبر نفسه مرجعاً للمسلمين وشيخاً للإسلام وأهل للفتوى بأن يُجيب عن أمرٍ لا يدري عنه شيئاً أليس هذا هو الجهل بعينه والجرأة على الله ؟! خصوصاً إذا كان هذا الأمر على درجة كبيرة من الخطورة كتكفير فئة إسلامية هي أشد إيماناً وتمسكاً بالإسلام منه ومن أمثاله .

ألا يعني قول الدكتور البدوي (إنه لم يكن على علم دقيق بمذهبهم) بطلان جميع مفتريات ابن تيمية في جوابه على السؤال الموجّه إليه كما زعم ؟؟
يدعم قولنا هذا قول الدكتور البدوي (وإلا لكانت فتواه على غير النص الذي نراه) وكيف كان يريد أن يكون النص ؟؟
هل كان يريده أن يكون أشدّ تكفيراً؟؟
وهل ترك ابن تيمية شيئاً في جوابه إلا وألصقه بالعلويين مع أنه كما قال الدكتور البدوي : (بأنه يؤكد عدم معرفة ابن تيمية شيئاً دقيقاً عن العلويين) .
وإننا نأكد بأن ابن تيمية يعرف كل شيء عن العلويين من أنهم:
علويو المذهب إماميو المشرب ليس لهم غير الإسلام ديناً والقرآن كتاباً ومحمد نبياً وأمير المؤمنين إماماً , خاصمه ابن تيمية فطعن بعقيدة مواليه وألصق بهم ما شاء من التهم .

ونعود لنسأل من جديد عن نص هذا السؤال الذي اعتمده الدكتور البدوي وغيره كمصدر موثوق في استدلاله فمن هو هذا السائل المغمور ولما لم يفصح أو يفصحوا عن إسمه المستور ؟؟؟؟
ثم من أين أتى بهذه الأقوال التي سأله عنها ؟؟
ولما لم يذكر أسماء تلك الكتب ؟؟ هذا إذا كان لها وجود أصلاً..
وتناقضات كثيرة وأسئلة أخرى تطرح نفسها أمام ميزان العقل الذي لا يتقبل الأمور إلا بعد تمحيصها والتأكد من صحتها.
وأقول:
بأن هذا السؤال مع الجواب تلفيق واضح لا أساس له من الصحة لعدم وجود الدليل عليه وما هو إلا تكهنات مكشوفة لأسباب معروفة وقديمة يعرفها الضالعون في هذه القضايا .

ثم استعرض السؤال مع جواب ابن تيمية المليء بالتناقض كما هو واضح ولا حاجة لنا إلى سردها هنا لشهرتها من جهة وسخافتها من جهة أخرى .

 
أ
 

ثم بدأ يستعرض أعياد العلويين ومناسباتهم الدينية فقال :

(ولهم أعياد بعضها خاصة والبعض الآخر مشترك بينهم وبين الشيعة بعامة)
فنسج من خيالة الواسع ماشاء وأراد, ونقل عن غيره من دون أن يتحقق من صحة الإسناد فبدأ بذكر عيد الغدير , فغيّّر فحواه وحرّف معناه مُدّعياً بأنه عبارة عن مؤاخاة جَرَت بين رسول الله (ص) وعلي (ع) .
وهذا اليوم معروف عند عامة المسلمين بأنه اليوم الذي أعلن فيه رسول الله (ص) البيعة والولاية والإمامة والخلافة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) والأدلة على صحة ذلك أكثر من أن تُحصى.
وقد روى هذا الحديث الكثير من العلماء والمؤرخين فجمعوا طرقه وشهدوا بصحته وتواتره فرواه أحمد بن حنبل في مسنده من أربعين طريق.
وابن ماجة في سننه.
والنسائي في أكثر من عشرة طرق.
وصحّحه الحاكم في مستدركه فقال صحيح على شرط الشيخين.
وصحّحه الذهبي ايضاً وقال عنه قوية الإسناد.
وأخرجه البغوي في مصابيح السنة.
وقد علّق برهان الدين الحلبي الشافعي على الحديث بعد أن أورده قائلاً : وهذا حديث صحيح ورد بأحاديث صحاح وحسان ولا التفات لمن قدح في صحته.
وأخرج الحديث ابن جرير الطبري من (75) طريق.
وابن عقدة من (105) طرق.
وابن كثير الدمشقي .

ونقول إنّ عيد الغدير هو عيد لكل الفِرَق الإمامية لا بل هو لعامة المسلمين وقد سَنّه رسول الله بأمر من الله عز وجل وفيه توّج أمير المؤمنين بعمَامته المُسمّاة بالسحاب وأمر الأصحاب بالإحتفال ومبايعة أمير المؤمنين (ع) وهو في الثامن عشر من ذي الحجة وكذلك أمر الرسول (ص) بصيام هذا اليوم المبارك, فقد روي عنه قوله :
(من صام يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهراً)
.
وقد رُوِيَ هذا الحديث في تاريخ ابن عساكر وشواهد التنزيل للحسكاني وفي تاريخ بغداد وفي ينابيع المودة وغيرها.

وهذا العيد المبارك مُفَضّل على عيد الفطر والأضحى مع عظيم فضلهما, وذلك لأن عيد الفطر هو تشجيع للصائم وفرحة له يختم به عبادة شهر رمضان ويفرح بلقاء أهله وزيارة اقاربه في طاعة الله .
وعيد الأضحى فرحة للحجاج وختم لأعماله بأن يفيض يوم العيد من حيث أفاض الناس إلى منى ثم يُكمل بقية المناسك فيكون ذلك قد أطاع الله وعظّم شعائره وأدّى فرضه .

أما عيد الغدير فهو ليس ختم عبادة بل هو إكمال للدين وإتمام للنعمة واستمرار للحق وبهذا يكون أعلى غاية وأجلّ نفعاً وفيه جوهر الطاعة لله ورسوله باتباع أولي الأمر.

وهو يتقدّم على العيدين من حيث إن الإمامة عندنا من أصول الدين وبهذا اليوم عُرفت الإمامة والولاية وذلك حينما أمر الله الرسول بتبليغها على رؤوس الأشهاد, أما العيدين فهما دالان على ركنين من أركان الإسلام وهما الصيام والحج وهما من فروع الدين , والأصل يتقدّم على الفرع والأصل اعتقاد إيماني والفرع عمل وطاعة.
وفي هذا كفاية لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد.


 
أ
 

وبعد أن ذكر عيد الغدير أتى على ذكر عيد الأضحى فقال :

(ويحتفلون به في الثاني عشر من ذي الحجة بينما سائر المسلمين يحتفلون به في العاشر من ذي الحجة).

أستغرب من أين أتى بهذا القول الذي لم يسبقه إليه أحد , وما دليله على هذا الإفتراء المُضحك والمفضوح والذي يُكذّبه الواقع المنظور , فليتفضـّل إلى المدن والقرى التي يتواجد فيها العلويون , ويسأل جوّارهم من سنّة وشيعة عن اليوم الذي نحتفل فيه بهذا العيد المُبارك فسيكون جوابهم جميعاً في العاشر من ذي الحجّة كبقية المسلمين وفي هذه الأيام وسائل الإعلام تنقله للعلويين ولغيرهم على شاشات التلفزيون , ولكن هذا الكاتب دابه وبكل الوسائل أن يُعطي صورة عن العلويين مشوّهة للواقع ومتناقضة مع بقيّة المسلمين ليفصلهم عن الإسلام حتى ولو اضطر إلى تكذيب الواقع وهذا ما نأسف له وخصوصاً من كاتب كبير على مستوى العالم العربي .

 
أ
 

ثم أتى على ذكر يوم مبيت أمير المؤمنين(ع) على فراش رسول الله(ص) ليلة الهجرة:
مُعتبراً أن هذا اليوم عيد للعلويين يُعيّرهم به أو يعتبره بدعة على حسب زعمه.

أما رأينا في هذه الذكرى الكريمة والمناسبة العظيمة فهي ليست عيداً بالمعنى المفهوم للعيد وإنما هي كما قلنا مناسبة عظيمة لها أثرها الكبير ومدلولها الواسع:

فمبيت أمير المؤمنين على فراش رسول الله (ص) خيرٌ من ألف صلاة وصلاة , ولولا مبيته في تلك الليلة لما كان للإسلام أثرٌ إلا الخبر, لأن هذا المبيت أنقذ حياة الرسول وأنجح رسالته السمحاء وهو أيضاً أعظم تضحية في الإسلام وأعظم فِداء من أجل الرسول والإسلام , فما المانع أن يحتفل العلويون وغيرهم في هذه المناسبة وأي عيب في ذلك!! .

 
 
 

ولما أتى على ذكرى عاشوراء قال :

(لكن النصيرية يعتقدون إن الحسين لم يمت بل اختفى مثل عيسى بن مريم)
وهذه التهمة أيضاً من جملة تخرصات هؤلاء الكتــّاب الذين لا همّ لهم إلا إلصاق التهم بهذه الطائفة حتى ولو فضح كذبهم .

فأقول ويقول كل علوي :
في هذا اليوم كانت المصيبة العُظمى في التاريخ الإسلامي والفاجعة الكبرى بين المسلمين , والكارثة البشعة التي روّعت العالم العربي.
في هذا اليوم كان مصرع الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام ومصرعه لم يكن حرباً ولا قتالاً بالمعنى المعروف للحرب والقتال, وإنما كان مجزرة دامية لآل الرسول(ص) وأبناء الرسول, فقد أحاط بالحسين وبمن معه من أهل هذا البيت الطاهر من كل جانب, كثرة غاشمة باغية, ومنعت عنهم الطعام والشراب أياماً, وحين أشرف الجميع على الهلاك من الجوع والعطش, انهالوا عليهم رمياً بالسهام, ورشقاً بالحجارة, وضرباً بالسيوف, وطعناً بالرماح, ولما سقطوا صرعى, قطعوا الرؤوس, وطئوا الجثث بحوافر الخيل مقبلين ومدبرين, وبقروا بطون الأطفال, وأضرموا النار في أخبية النساء, ولقد كان باستطاعة هؤلاء أن يُعيدوا الحُسين ومن معه إلى بلدهم, ولكنها الأحقاد والضغائن, أحقاد الجاهلية على محمد وعلي وأبناء علي, وضغائن بدر قادتهم إلى قتل الحسين وحُمِّلَ رأسه الشريف على خشبة, إلى قصر الطاغية يزيد في دمشق, وهي الأحقاد التي ظهرت على لسان الطاغية يزيد والرأس الشريف بين يديه , حيث قال :
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا = وقعة الجندل من ذات الأسل
لأهلّوا , واستهلوا فرحاً = ثم قالوا : يا يزيدُ لا تشل
وقد قتلنا القرم من ساداتهم = وعدلناه (ببدر) فعدل


هذا باختصار ما يفهمه العلوي عن واقعة كربلاء فمن يقول هذا فهل يُعقل أن يقول أن الحسين لم يمت , بل إن الإمام الحسين (ع) استشهد في كربلاء وهو سيد الشهداء وهو حيّ عند مولاه لقوله تعالى :
وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ

وقال تعالى :
وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً


فكيف من قتل سيد المؤمنين وسبط رسول رب العالمين؟!
ثم يأتي من يُبرر له فعلته الشنعاء ويُقيم له الحجج الواهنة ليقول إنه اجتهد فأخطأ فله أجر ؟!
فلينظر ذو عقل إلى هذا الفقه ما أوسعه وأشمله لتبرير الجرائم ؟!
وأستغرب من أين أتى الدكتور البدوي بهذا القول المنافي للحقيقة والواقع ؟!
إنها العصبية البغيضة التي شرذمت المسلمين وجعلتهم متنافرين نعوذ بالله من الزيغ والضلال من بعد الهُدى واليقين .

 
أ
 

ومن جملة الأعياد التي ألصقها بالعلويين (عيد الغدير الثاني وعيد النوروز وعيد المهرجان وبعض الأعياد المسيحية الأخرى) , ونفى أن يكون لها أي تأثير ديني تمسّ عقيدة العلويين ولكننا نقول من أين أتانا بعيد الغدير الثاني ؟!
ولماذا لم يُحدد لنا تاريخه وكيفيّة الإحتفال به لنجيبه عنه ؟!
بل ما نعرفه ونقرّه بأننا لا نعرف إلا يوم الغدير المشهور والذي يقرّه سائر المسلمين وقد تحدّثنا عنه باختصار .

أما عيد النوروز فهو ليس من أعيادنا بل هو عيد قومي لبعض الشعوب ( الفرس – الأكراد ) وقد جاء في كتاب ربيع الأبرار أن وزير الدولة البويهيّة نظام الملك جمع سبعة من العلماء لوضع تقويم شمسي تبدأ السنة فيه من الإعتدال الربيعي وأطلق على هذا اليوم الذي تبدأ فيه السنة يوم النيروز ( أي اليوم الجديد ) وكان بدأ العمل فيه في 10 رمضان 471 هــ الموافق 16 آذار 1079 م وهذا اليوم يُصادف عند الفرس والأكراد وبعض القوميات الأخرى عيداً قومياً لهم .


ويقول النويري :
يوم النيروز هو أعظم أعياد الفرس وأجلـّها يُقال أول من اتخذه جمشيد أحد ملوك الفرس الأول ويُقال له جمشاد لما ملك سمي اليوم الذي ملك فيه (نوروز) أي اليوم الجديد , ومن الفرس من زعم أن النيروز :
اليوم الذي خلق الله عز وجل النور فيه وأنه كان مُعَظّم القدر عند جمشاد. وبعضهم يزعم أنه أول الزمان الذي ابتدأ به الفلك بالدوران ومدّته عندهم ستة أيام أولها اليوم الأول من شهر (أفريدون ماه) الذي هو أول سنتهم ويُسمّون اليوم السادس (النيروز الكبير) وكانت من عادة عوام الفرس فيه رفع النار في ليلته ورش الماء في صبيحته وللملوك فيه عادات .

وسُئل ابن عباس عن النيروز لما اتخذه عيداً فقال :
لأنه أوّل السنة المستأنفة وآخر السنة المنقطعة فكانوا يستحبون أن يقدموا فيه على ملوكهم بالطرف والهدايا فاتخذه الأعاجم سنّة وهو أول يوم من شهر (أفريدون ماه) من تقويم الفرس .

وفي وفيات الأعيان:
وقد جاء النعمان بن المرزبان أبو ثابت إلى الإمام علي (ع) في يوم النيروز حاملاً معه الفالوذج هدية وعندما سأل الإمام علي(ع) عن سبب هذه الهدية قال له النعمان : إن هذا اليوم مهرجان النيروز. فقال له الإمام : مهرجونا كل يوم ...
وفي رواية أخرى : إذا كان هذا النيروز فكل يوم نيروز .


أقول بعد هذا العرض السريع أن هذا اليوم هو عيدٌ قوميٌ للفرس والأكراد كما اتضح وبان بصريح البيان وليس هو من أعياد العلويين كما قال الدكتور البدوي .

وأما قوله عن (الأعياد المسيحية) فاسمها يدل عليها فهي مسيحية وليست إسلامية ونحن مسلمون والحمد لله الذي شرّفنا بنعمة الإسلام والإيمان .

 
أ
 

وخلاصة القول:
إنّ الأعياد عند العلويين هي الفطر والأضحى والجمعة والغدير.
وأما بقيّة المناسبات كذكرى عاشوراء والمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج ومبيت أمير المؤمنين على فراش رسول الله ومباهلة الرسول لقوم نجران وغيرها فهي مناسبات كريمة تحييها هذه الطائفة لما لها من الأثر الكريم وتأخذ منها الأمثال والعِبر.

 
أ
 

وبعد هذا العرض السريع الذي قدّمه الدكتور البدوي عن أعياد العلويين جاءنا بكتابين وألصقهما كعادته بالطائفة العلوية مُدّعياً بأنهما من كتبها السريّة ليوهم القرّاء بصدق دعواه وهما :
كتاب مجموع الأعياد للطبراني (كما ادعى) وكتاب المشيخة ولم يذكر اسم مؤلفه.

وقال عن كتاب المجموع إنّ أول من نبّه إليه من الباحثين الأوروبيين المحدثين كتافاجو الكاتب في قنصلية بروسيا بتاريخ فبراير سنة 1848 – ص 149 – 168 مع ترجمة فرنسية لبعض فصوله .

والكتاب الثاني قال : إنه نشره في عدد يوليو سنة 1848 من المجلة الآسيوية , ص 72 – 78 وذكر إنه يتألف من 34 فصلاً .

إنّ هذه الكتابين لا فرق بينهما وبين الباكورة السليمانية وكتب الحريري فقد وُضِعت جميعها من جهات واحدة هدفها المس بعقيدة العلويين:
والدليل الأول على صحة ذلك هو: أنها أتت من طريق المستشرقين.
والدليل الثاني: رفض العلماء العلويين لها.
والدليل الثالث: تناقضها فيما بينها.
وإننا ننفي أن تكون هذه الكتب للمسلمين العلويين لمغايرتها لأصول العقيدة الإسلامية وفروعها التشريعية والهدف من إلصاق هذه الكتب بالعلويين واضح وصريح.


وأما سبب وجودها ومصدره فإنها كُتبت وألفت من أقوام متعصبين ضد الإسلام وألصقت بهذه الطائفة على أساس إنها من تأليف العلويين ليُدانوا بها.

 
أ
 

وفي فصل أطلق عليه (تعاليم النصيرية) ذكر كتاب اسمه "تعليك الديانة المصيرية" وقال إنه مخطوط في المكتبة الأهلية بباريس وقد حلّله بالألمانية القس الدكتور غولف سنة 1849 م .

لا يختلف هذا الكتاب عن غيره من حيث الغاية والهدف وهو من الكتب المنحولة وليس بالأمر المستعصي على أحد أن يكتب ما يشاء وينحله لأي فئة إسلامية بهدف الطعن والمَس بعقيدتها . في عصرٍ تجرد الإنسان فيه عن الضمير وتبرّأ من الصدق سعياً وراء الهدف الذي يعود إليه بالنفع.
ولكن لا يخلو الأمر من وجود رجال صادقين ومُنصفين دأبهم إظهار الحقيقة متجردين عن الغايات الدنيئة والمنافع الشخصية وهمّهم إرضاء خالقهم ولو غضب المخلوق.

 
أ
 

وتابع الدكتور البدوي استنتاجاته المُغرضة بأن العقيدة الأساسيّة عند العلويين هي: (تأليه علي بن أبي طالب) مُستنداً على كتاب "المجموع" الذي تفضل به عليه (كتفاجو) مع أنه كان بإمكانه وبجهد بسيط التأكد من صحة عقيدة العلوي لو أراد ذلك, ولكنه وأمثاله أبوا إلا تشويه الحقائق ونقل الشبهات الموضوعة وتصديقها من دون فحص عن مصداقيتها متجاهلين الوقائع الثابتة التي تدل على إسلام وإيمان العلويين.
وشهادة العلماء المنصفين لهم الذين عايشوهم أحقاباً طويلة, وشهادتهم على أنفسهم خير برهان ودليل على إيمانهم الذي لا يتزعزع مهما اشتدّت أعاصير الفتن والنقم .

 
 
 

ثم أتانا هذا الدكتور بـ (قدّاسات غريبة) نسبها إلينا بلا إسناد , معتمداً على ما تفضل به عليه السيد (كتفاجو الألماني) حينما نشرها باللغة الألمانية سنة 1848 م على أساس أنها للعلويين, وكأن قول هذا المستشرق نصٌ مُحكم لا يُجادل ويجب الرضوخ له.
فبئساً للمستشرقين وأعوانهم من المتأسلمين الذين لا يعرفون من الإسلام إلا إسمه ومن الإيمان إلا رَسْمَه:
( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ )


 
أ
 

وختم كتابه بذكر طوائف النصيرية كما زعم ولا حاجة لنا إلى استعراض ما قاله ونمّقه في هذا الفصل ولكن نقول:

إنّ العلويين طائفة إسلامية واحدة غير متجزئة ولا متفرّقة كما قال هو وغيره ولا حاجة لنا في تقديم الدليل على ذلك ولسنا مضطرّين لذلك فالواقع يُخبر عن الحال.


وأما استشهاده عن كتاب "تاريخ العلويين" لمحمد أمين غالب الطويل فهو استشهاد باطل وساقط من الإعتبار لأن هذا الكتاب لا يُمثـّل العلويين بل يُعطي صورة عما يُريده المغرضون وكما قلنا ونؤكد بأن المستشرقين الفرنسيين هم الذين وضعوه كما أرادوا وتبنّاه الطويل لإيهام الناس بأنه يُمثــّل الواقع العلوي على أساس إنّ الطويل علوياً ومن تمعّن في هذا الكتاب يتبيّن له صدق ما نقول وتتضح له حقيقة كتابه وبُعده عن الطائفة العلوية .




وفي الختام نقول:
لو أردنا الرد على أقوال ومفتريات الدكتور البدوي لطال بنا المطال ولاحتجنا إلى كتاب مفرد في هذا الخصوص ولكن غايتنا الإختصار وإظهار الحق الذي ينكره البعض ودمغ الباطل المُغايِر لحقيقة العلويين.


(انتهى)