الفصل الثالث عشر
في صفة الطهارة بالماء للغسل عقلا ونقلا يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام ابوالقاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس اكمل الله لديه فضله واسمى محله المهم عند العارفين في الاغتسال قبل الشروع تقديم غسل القلوب من الذنوب بماء الخشوع وغسل الجوارع من العيوب بماء الدموع ونية غسل التوبة بوسيلة الاخلاص والدخول عند الغسل إلى مقام الاختصاص والاغسال منها واجب ومنها مندوب فالواجب على الاحياء المكلفين غسل الجنابة وغسل ملامسة الميت من الناس بعد برده بالموت وقبل تغسيله وعلى النساء غسل الجنابة ايضا وغسل الحيض والنفاس والاستحاضة والاغسال المندوبة ثمانية وعشرون غسلا بل اكثر من هذا العدد تضمنت الروايات لكل غسل منها فضلا وثوابا ثم غسل الاموات من الذين يجب تغسيلهم في شريعة سيد المرسلين وسوف نذكر مانختاره من تفصيل ما اجملناه ليقف من يريد العمل على معناه.
ذكر غسل الجنابة اذا صار الانسان جنبا اما بجماع التقى فيه الختانان بان يحاذى موضع ختان الرجل موضع ختان المرئة او بانزال الماء الدافق المعلوم كونه جنابة سواء كان في نوم او يقظة بشهوة
[56]
او بغير شهوة فاذا صار جنبا فلا يجوز له دخول شئ من المساجد الا عابر سبيل عند ضرورة ولا يضع فيها شيئا مع الاختيار الا المسجد الحرام والمسجد بالمدينة الشريفة فانه لايجتاز بهما ولا يمس كتابة المصحف الشريف ولا اسما من اسماء الله جل جلاله واسماء انبيائه وائمته صلوات الله جل جلاله عليهم.
ويجوز له قراءة القرآن الا العزائم الاربع فانه لايقرء منها شيئا ما دام جنبا وهى سجدة لقمان وحم السجدة وسورة والنجم وسورة اقرء باسم ربك.
ويكره له ان يأكل او يشرب وهو جنب فان احتاج إلى ذلك فيتمضمض ويستنشق ثم يأكل ويشرب ويكره له النوم بعد الجنابة الا بعد الوضوء ويكره له الخضاب.
فاذا اراد الغسل من الجنابة فالواجب ان كان غسله من انزال ماء دافق ان يستبرئ نفسه بالبول او ما يجرى مجراه ولا يجب ذلك على النساء.
ثم يغسل كل موضع اصابته نجاسة في جسده ثم يغسل يده ثلث مرات مندوبا ويقول عند الغسل اللهم طهرنى وطهر قلبى واشرح صدرى واجر على لسانى ذكرك ومدحتك والثناء عليك اللهم اجعله لى طهورا وشفاء ونورا انك على كل شئ قدير ويقدم المضمضة والاستنشاق وينوى نية الغسل ان اراد عند المضمضة وان اراد عند ابتداء به في الغسل و نيته انه يغتسل غسل الجنابة لوجه (1) وجوبه ليرفع به الحدث و يستبيح به ما يستبيح به يعبد الله جل جلاله بذلك لانه سبحانه اهل للعبادة.
___________________________________
(1) قصد وجه العبادة ليس بواجب على التحقيق.
[57]
فان كان اغتساله بالارتماس يكفيه ارتماسة واحدة تشتمل جميع جسده.
وان كان غسله بغير ارتماس فيبدء بغسل رأسه إلى اصل عنقه و يوصل الماء إلى اصول شعر رأسه وان كان له لحية فيوصل الماء إلى اصول شعرها ثم يغسل جانبه الايمن من اعلى منكبه الايمن إلى اسفل قدمه الايمن ثم يغسل جانبه الايسر من اعلى منكبه الايسر إلى اسفل قدمه الايسر ويجزيه من الماء للغسل اقل ما يجرى على جسده كما شرحناه مما يسمى غسلا شرعا والترتيب كما ذكرناه واجب والموالاة غير واجبة.
فكل غسل يغتسله سواء كان واجبا او مندوبا فهذه صفته من حين وصفناه من المضمضة إلى اخر فراغه من الغسل وكذلك هذا صفة غسل المرئة من الحيض والاستحاضة المخصوصة والنفاس ولا تحتاج المرئة إلى الاستبراء عند الاغتسال مثل الرجال.
واما حكم حيضهن واستحاضتهن ونفاسهن فكتب الفقه متضمنة لكثير من التفصيل.
ولكنى اذكر جملة من ذلك لئلا يخلو الكتاب من الاشارة إلى ذلك على وجه جميل.
فاقول ان الدم الذى يحكم الشرع انه حيض هو الدم الذى تجده المرئة بعد بلوغها غير مشتبه بدم قرح ولا جرح ولا دم عذرة ولا غيرها ويكون اقل مدته ثلثة ايام واكثرها عشرة فان اشتبه بدم قرح او جرح في باطن فرجها فتدخل قطنة فان خرج عليها الدم من الجانب الايسر فهو دم حيض وان كان من غير الجانب الايسر فليس بدم حيض وان اشتبه بدم العذرة فتدخل فان خرجت متطوقة بالدم فهو دم عذرة والا فهو
[58]
دم حيض.
واذا كانت حايضا حرم عليها الصلوة والصوم ودخول المساجد و قرائة العزائم ومس القرآن ويحرم على زوجها وطئها وطلاقها في حال حيضها على وجه واذا طهرت واغتسلت ودخل وقت صلوة واجبة وجب عليها صلوتها كما كانت قبل حيضها ولم يجب عليها قضاء ما مضى من صلوتها في ايام حيضها ويجب عليها قضاء ما كان واجبا عليها من الصوم في ايام حيضا لولا الحيض.
واما النفساء فهى التى ترى الدم عند الولادة وليس لقليله حد واكثره عشرة ايام وحكمها حكم الحايض.
واما المستحاضة فهى التى ترى الدم ولا يكون حيضا كما ذكرناه ولا نفاسا كما وصفناه ولها ثلثة احوال ان كان قليلا فتعتبر بقطنة فاذا لم يبلغ إلى جانب القطنة الفوقانى فعليها تجديد القطنة وتجديد الطهارة الصغرى عند كل صلوة وتصح صلوتها وان كان الدم يظهر على القطنة إلى الجانب الفوقانى ولا يسيل عن القطنة فعليها ان تزيد على ما ذكرناه من تجديد القطنة والوضوء غسلا كصفة غسل الجنابة بنية انه غسل الاستحاضة لصلوة الغدوة خاصة وتصلى باقى الصلوات بالوضوء كما شرحناه وان كان دم الاستحاضة يسيل عن جانب القطنة الفوقانى فتزيد على ما ذكرناه غسلا لصلوة الظهرين تجمع بينهما وغسلا لصلوة العشائين كذلك وحكمها حكم الطاهرة فيما وصفناه.
يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام ابوالقاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسينى.
[59]
وسأذكرنا تفصيلا من مسائل التفريع لذلك ما عرفت ان احدا سبقنى إلى تحريرها كما اذكرها ولا اقول ان ما عليها مدخلا لمن ينظرها (1).
فاقول المرئة اذا وجدت الدم فهى على قسمين مبتدئة وغير مبتدئة فان كانت مبتدئة فعليها اربعة احوال اذا استمر بها الدم.
اولها ان يتميز لها بالصفة التى يقتضى كونه حيضا فتعمل عليها.
الثانى لا يتميز بالصفة المشار اليها فلترجع في حيضها إلى عادة نسائها من اهلها.
الثالث لا يتميز ولا تكون لها نساء او كن مختلفات فلتعمل على عادة من هو مثلها في السن من النساء.
الرابع لا يتميز وليس لها نساء ولا مثل في السن او كن مختلفات فلتترك الصلوة في كل شهر ثلثة ايام كاقل ايام الحيض استظهارا للعبادة.
وان كانت المرئة عند استمرار الدم غير مبتدئة وكانت لها عادة فلها اربعة احوال احدها ان يكون لها عادة فلا تمييز فلتعمل على العادة الثانى لها عادة وتمييز فلتعمل على العادة وقيل على التمييز والاول ارجح الثالث اختلفت عادتها ولا تمييز لها وقد نسيت العادة فلها ثلثة احوال احدها ان تكون ذاكرة للعدد ناسية للوقت والثانى ان تنساها والثالث ان تذكر الوقت وتنسى العدد فان كانت ذاكرة للعدد ناسيته للوقت فلها حالتان تارة يحصل لها اليقين في بعض الحيض مثاله ان تقول كنت احيض ستة ايام من العشر الاول ولا اعلم موضعها من العشر فحكمها ان تفعل من اول العشر إلى اخر اليوم الرابع منه ما تفعله
___________________________________
(1) والظاهر انها كانت كذا (ولا اقول ان عليها مدخلا لمن ينظرها).
[60]
المستحاضة وتغتسل آخر اليوم السادس غسل انقطاع دم الحايض لجواز ان يكون ذلك الوقت آخر الستة الايام التى ذكرت انها تعرف انها تكون فيها حائضا وبعده لكل صلوة غسلا من غسل الحيض لجواز ان يكون دم الحيض عند كل صلوة وتعمل بعد اليوم السادس عمل المستحاضة وتارة لا يحصل لها اليقين بشئ من الحيض كامرئة قالت ان حيضى كانت عشرة ايام من كل شهر ولا اعلم موضعها فان حكمها ان تفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر العشر الاول من الشهر ثم تغتسل عند كل صلوة غسل الحايض لجواز انقطاع دم الحيض عند ذلك مع ما تعمله المستحاضة إلى اخر الشهر وان كانت المرئة ناسية للعدد والوقت تركت الصلوة في كل شهر ثلثة ايام عن اقل ايام الحيض احتياطا للعادة وعملت في غير الثلثة الايام ما تعمله المستحاضة.
وان كانت المرئة ذاكرة للوقت ناسية للعدد فلها ثلثة احوال ايضا احدها ان تذكر اول الحيض ولا تذكر آخره والثانى ان تذكر آخره ولا تذكر اوله والثالث ان لا تذكر اوله ولا اخره بل تعرف انها كانت تكون حايضا في وقت ولا تعرف اول حيضها او وسطه او آخره فاذا ذكرت اوله تجعل حيضها ثلثة ايام وتغتسل في آخرها غسل الحايض ثم تغتسل عند كل صلوة غسل الحايض مع ما تعمله من عمل المستحاضة إلى آخر الشهر واذا ذكرت آخر الحيض دون اوله تغتسل في آخر الوقت الذى تعلم انه آخر حيضها غسل الحايض وتعمل في باقى الشهر عمل المستحاضة وان كانت ناسية لاوله وآخره فتجعل الوقت الذى تذكر انه حيض حيضا وتغتسل في آخره غسل الحايض وتكون قبله عاملة عمل المستحاضة وبعد ذلك الوقت تغتسل عند كل صلوة غسل الحايض
[61]
إلى آخر عشرة ايام مع ما تعمله من عمل المستحاضة ثم تغتسل بعد العشرة ايام غسل الحايض ثم تعمل إلى آخر الشهر عمل المستحاضة وكل موضع لايعلم ايام حيضها فتقضى في ذلك الشهر الصوم عن عشرة ايام وبعض الصلوة عما زاد على ثلثة ايام وهذا التفصيل جيد لمن عرفه من ذوى الافهام.
ذكر ما نورده من الاغسال المندوبة وهو غسل التوبة وغسل الجمعة وغسل اول ليلة من شهر رمضان وغسل كل ليلة مفردة منه و افضل اغساله غسل ليلة النصف منه وغسل ليلة سبع عشرة منه وغسل ليلة تسع عشرة منه وغسل ليلة احدى وعشرين منه وغسل ليلة ثلث وعشرين منه.
وذكر الشيخ ابى قرة رحمة الله في كتابه عمل شهر رمضان غسل ليلة اربع وعشرين منه وغسل ليلة خمس وعشرين منه وليلة سبع و عشرين منه وليلة تسع وعشرين منه.
وروى في ذلك روايات وغسل ليلة عيد الفطر وغسل يوم عيد الفطر وغسل يوم عرفة وهو تاسع ذى الحجة وغسل عيد الاضحى عاشر ذى الحجة وغسل يوم الغدير ثامن عشر ذى الحجة وغسل يوم المباهلة وهو رابع عشرين ذى الحجة وغسل يوم مولد النبى صلى الله عليه وآله وهو يوم سابع عشر ربيع الاول وغسل صلوة الكسوف اذا كان قد احترق كله وتركها متعمدا فيغتسل ويقضيها وغسل صلوة الحاجة وغسل صلوة الاستخارة وغسل الاحرام وغسل دخول الحرم وغسل دخول المسجد الحرام ودخول الكعبة ودخول المدينة ودخول مسجد النبى صلى الله عليه وآله وعند زيارته عليه اكمل الصلوة وعند زيارة الائمة من عترته اين كانت قبورهم عليهم
[62]
افضل التحيات وغسل اخذ التربة من ضريح الحسين عليه السلام في بعض الروايات.
ذكر غسل الميت وما يتقدمه ويتعقبه الموت هول هائل وخطب شامل يهدم اللذات ويفرق الجماعات ويهجم بالشتات ويحول بين العبد وبين لذة البقاء وبين انسه بالاحباء والاحياء ويقطع حبال الامال و يمنع من نفع الاهل والاموال.
هذا بعض حاله مع الجاهلين باهواله واما العارفون باخطاره والمطلعون على اسراره فانه يفرق بينهم وبين الاستعداد للمعاد ويمنعهم من استدراك ما فرطوا فيه في دار النفاد ويفقرهم من غنى الامكان ويحملهم في اسر الخجل والخذلان ويحجبهم بالرد والحرمان اذا قال قائلهم ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت فيقال كلا وكان قبل ذلك يقال لهم لو عملوا الصالحات مرحبا واهلا ويقذف بهم في مطمورة الوحدة والانفراد ووحشة تفرق الاحشاء والاجساد واهوال سؤال منكر ونكير واستحضار اخطار ما اسلفوا من ذنب صغيرا وكبير واوايل زلازل تهديد ووعيد وفتح باب إلى عذاب شديد.
فما اشبه حال الموت بما وصفه المولى الامن من خطر الموت مولينا على عليه السلام حيث قال لم ار يقينا لاشك فيه صار كشك لا يقين فيه كالموت.
اقول ولولا خوف التطويل ذكرت شيئا عظيما في ذلك من الشرح والتفصيل واعرف قوما انجادا امجادا افرادا كان الموت على من مضى منهم سعادة ورحمة ويكون الموت على من بقى منهم زيادة ونعمة فما اشوقهم إلى انقضاء ايام دار الزوال وما اعرفهم بوجوه الاقبال وما اسعفهم
[63]
بصفات الكمال واما اخوفهم من المقام في الدنيا حذرا من نقصان الاعمال والاحوال كوشفوا بجلالة مولاهم وعرفوا انه جل جلاله يراهم فارواحهم وعقولهم وقلوبهم ونفوسهم مشغولة به لذاته قد بهرهم مقدس ذاته وشرف صفاته ويخدمون خدمة جهد المستطيع ويندبون ويبكون ندب من لم يزل في التفريط والتضييع عرفهم ما اراد من كنه جلاله وعظمة اقباله فشغلهم بجلالته وهيبته وحرمته ومراحمه ومكارمه ونعمته عن حظوظ انفسهم منه.
وما بقى لهم قلب وجنان ولا لسان ولا امكان تصرف فيما يبعدهم عنه تقيدت الجوارح بقيود الحضور في خدمة المعبود وتولهت العقول وتتيهت بهول ذلك الوجود والجود فعظمته جل جلاله لهم ذاهلة ورحمته جل جلاله الكاملة لهم شاغلة اذ كل منهما يملك قلوب العارفين ويشغل عقول المكاشفين.
ولكن اولئك لا يعرفون ان وجدوا وان غابوا لم يفتقدوا وما اعنى ان اسمائهم ووجوههم غير معروفة بل الوجوه والاسماء موصوفة واسرارهم واسرار مولاهم عندهم غير مكشوفة ولا تعجب اذا قيل لك انهم لايعرفون وهم منظورون لان سيدهم ومن هو اعظم كمالا وجلالا منهم قال الله جل جلاله عنه وتريهم ينظرون اليك وهو لا يبصرون.
وانما نرتب حديث الموت وغسل الاموات على الغالب من احوال اهل الغفلات الذين يهدم الموت عليهم ما يحبونه من الاعمار ويخرب ما الفوه من عمارة الديار ويزعجهم عن القرار.
فالعاقل من اهتم غاية الاهتمام بالتاهب لتزلزل الاقدام وعمل ما يوصى به المفرطون فانه اذا فرط في نفسه فالاوصياء في التفريط
[64]
اذا معذورون.
فمثاله مثال عبد ادخله مولاه حضرته ومكنه ان يسئل مهما شاء فيعجل اجابته او يعمل كل عمل صالح فيضاعف كرامته فشرع ذلك العبد يفتش زوايا المجلس ويسئل من هناك من الغلمان ويلتمس رقعة يكتب فيها وصية يسندها إلى بعض من هناك من اتباع السلطان اذا اخرجه موليه من حضرة الامكان وغلق الباب بينه وبينه وصار في ذل الهوان وتكون وصيته فيما كان يقدر ان يقضيه من موليه في حال حضوره بين يديه اما يسفهه ويجهله ويعدمه كل من يعرف حاله ويزرى عليه.
فكذا حال من مكنه الله جل جلاله في حال حيوته من مناجاته وعباداته وقضاء حاجاته واهمل واغفل وصار يريد الوصية اذا اخرجه مولاه من حضرة الحياة وخرجه بالذل والهوان في اسر الوفاة وغلق الباب بينه وبين القبول اما يكون سفيها او معدما او مجهلا او ملوما عند اهل العقول فاذا لم يقبل العبد نصيحة من يحثه على الاستظهار واستمر على الغفلة والاصرار فالواجب عليه تعجيل ما يمكن تعجيله عند ضيق الخناق وقرب الموت واليقين بالفراق واما ما يضيق الوقت عن تعجيله من استدراك احواله او ما يحتاج اليه للنظر في امر اطفاله او عياله او امواله فليوص الوصية الكاملة بالكتاب والشهود ويبدء فيها بالاهم فالاهم مما يحتاج اليه لليوم الموعود فيبدء بتجهيزه إلى الله جل جلاله على التمام وان كان حاله يضيق عن ذلك المرام فيجتهد بحسب الامكان.
ثم يرد المظالم ان امكن او باستحلالها من اصحابها كيف كان او بالوصية إلى الاخوان في ابراء ذمته من الحقوق الواجبة او المندوبة او الايثار ووجوه المبار وبقضاء الديون واداء الحقوق والفروض والقيام
[65]
عنه بكل ما يتهياء النيابة فيه من المفروض كما رتبناه في رد المظالم واستدراك الجرايم.
ولينظر في امور عياله وامواله وليكن وصيته حقيقة ومعنى إلى الله جل جلاله ويتخذه وكيلا فكفى به قيما ببلوغ اماله ثم يسندها صورة وظاهرا إلى من عرف منه في ايام حيوته مراقبة لله جل جلاله في مقاله وفعاله فان تعذر ذلك فيسندها إلى من عرف او يرجوا منه ان يكون من اهل المروات وذوى البيوتات ممن لم يعرف له التهوين بالاموات ولا الاضاعة لاهل المودات فان تعذر ذلك فيسندها إلى اهل الثروة واليسار وذوى الحياء مع القوة والاقتدار فان تعذر ذلك فيسندها كما قلناه إلى الله جل جلاله بالتفويض اليه والتوكل عليه فانه ان صدق تفويضه وتوكله اقام الله جل جلاله من يقوم بعده في عياله وامواله اكمل مما يؤمله وان لم يكن حاله في حسن الظن بالله جل جلاله واليقين قد بلغ إلى هذا المقام المكين فيسند وصيته إلى اقرب من يرجو منه حصول القيام من اهل الذمام والاهتمام.
ومن صفات العارفين اذا كان لاحدهم ما يبقى بعده للوارثين انهم يراعون قلوبهم وعقولهم فان وجدوها تترك ما يتركونه من التركات خدمة لله جل جلاله وامتثالا لامره الشريف في معونة من يصل اليه من الوراث واهل الوصيات بادروا إلى ذلك على هذه النية الصادقة وكانوا كانهم قد انفقوها لله جل جلاله ايام حيوتهم الفانية وهؤلاء ما تركوا تركة في التحقيق وانما حملوها معهم زادا لبعد الطريق وجعلوها من الوسايل إلى نجاح المسائل في القرب من المالك الرحيم الشفيق.
[66]
وان لم يجدوا قلوبهم وعقولهم موافقة على هذا الاخلاص في ترك تركاتهم وانها انما يترك ذلك بالطبع لئلا يرى الناس اولادهم ووراثهم في ذل ضروراتهم ولئلا يشمت بهم شامت من العباد او لغير ذلك من الخواطر التى لا يكون المراد بها عبادة مالك يوم المعاد فانهم عند هذه الحال يحملون انفسهم قبل الوفاة على اخراجها في الصدقات والقربات وتحصيل صفات الكمال قبل الممات ولا يقنعون ان يتركوها ضايعة بعدهم بغير نية القربات.
فاذا فرغ هذا العبد مما ذكرناه في اصلاح حاله والوصيته لوراثه وعياله وبقى من المهمات ما يحتاج اليه عند الممات وبعد الفوات.
فمن ذلك العهد الذى يحتاج الميت اليه ونحن نقدمه اولا لانه يحتاج إلى زمان يجمع الشهود وتمام الشهادة عليه.
ذكر العهد المشار اليه ابومحمد هرون بن موسى بن احمد رضى الله قال اخبرنا ابواحمد عبدالعزيز بن يحيى الجلودى اجازة في كتابه الينا قال حدثنا احمد بن عمار بن خالد قال حدثنا زكريا بن يحيى الساجى قال حدثنا مالك بن خالد الاسدى عن الحسن بن ابراهيم بن عبدالله بن حسن بن حسن عن ابيعبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام عن آبائه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من لم يحسن الوصية عند موته كان نقصا في عقله ومروته قالوا يارسول الله صلى الله عليه وآله وكيف الوصية قال اذا حضرته الوفاة واجتمع الناس اليه قال اللهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم انى اعهد اليك في دار الدنيا انى اشهد ان لااله الا انت وحدك لا شريك لك وان محمدا صلى الله عليه وآله عبدك ورسولك وان الساعة آتية لاريب فيها وانك تبعث من في القبور وان الحساب حق وان
[67]
الجنة حق وما وعد الله فيها من النعيم من المأكل والمشرب والنكاح حق وان النار حق وان الايمان حق وان الدين كما وصفت وان الاسلام كما شرعت وان القول كما قلت وان القرآن كما انزلت وانك انت الله الحق المبين وانى اعهد اليك في دار الدنيا انى رضيت بك ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا وبعلى اماما وبالقرآن كتابا وان اهل بيت نبيك عليه وعليهم السلام ائمتى اللهم انت ثقتى عند شدتى ورجائى عند كربتى وعدتى عند الامور التى تنزل بى وانت ولى في نعمتى والهى وآله آبائى صلى على محمد وآله ولا تكلنى إلى نفسى طرفة عين ابدا وانس في قبرى وحشتى واجعل لى عندك عهدا يوم القاك منشورا.
فهذا عهد الميت يوم يوصى بحاجته والوصية حق على كل مسلم قال ابوعبدالله عليه السلام وتصديق هذا في سورة مريم قول الله تبارك وتعالى لايملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا.
وهذا هو العهد وقال النبى صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام تعلمها انت وعلمها اهل بيتك وشيعتك قال قال عليه السلام علمنيها جبرئيل عليه السلام.
نسخة الكتاب توضع عند الجريدة مع الميت تقول قبل ان تكتب بسم الله الرحمن الرحيم اشهد ان لااله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وان الجنة حق وان النار حق وان الساعة آتية لاريب فيها وان الله يبعث من في القبور ثم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم الشهود المسمون في هذا الكتاب ان اخاهم في الله عزوجل فلان بن فلان ويذكر اسم الرجل واسم ابيه اشهدهم واستودعهم واقر عندهم انه يشهد ان لااله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله وانه مقر بجميع الانبياء والرسل عليهم السلام وان عليا ولى الله
[68]
وامامه وان الائمة من ولده ائمته وان اولهم الحسن والحسين وعلى بن الحسين ومحمد بن على وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلى بن موسى ومحمد بن على وعلى بن محمد والحسن بن على والقائم الحجة عليهم السلام وان الجنة حق والنار حق والساعة آتية لاريب فيها وان الله يبعث من في القبور وان محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله صلى الله عليه وآله ومستخلفه في امته موديا لامر ربه تبارك وتعالى وان فاطمة بنت رسول الله وابنيها الحسن والحسين ابنا رسول الله وسبطاه واماما الهدى وقائدا الرحمة وان عليا ومحمدا وجعفرا وموسى وعليا ومحمدا وعليا وحسنا والحجة عليهم السلام ائمة وقادة ودعاة إلى الله جل وعلا وحججه على عباده.
ثم يقول للشهود يافلان ويافلان للمسمين في هذا الكتاب اثبتوا لى هذه الشهادة عندكم حى يأتونى بها عند الحوض ثم يقول الشهود يافلان نستودعك والشهادة والاقرار والاخاء و موعوده عند رسول الله صلى الله عليه وآله ونقرء عليك السلام ورحمة الله وبركاته.
ثم تطوى الصحيفة وتطبع وتختم بخاتم الشهود وخاتم الميت وتوضع عن يمين الميت مع الجريدة وتكتب الصحيفة بكافور وعود على جهته غير مطيب انشاء الله وبه التوفيق وصل الله على سيدنا محمد النبى وآله الاخيار الابرار وسلم تسليما.
وينبغى اذا حضر الموت ان يستقبل بباطن قدميه القبلة ويكون عنده من يقرء القرآن وآكدها سورة يس والصافات ويذكر الله تعالى ويلقن الشهادتين والاقرار بالائمة واحدا واحدا ويلقن كلمات الفرج
[69]
وهى لااله الا الله الحليم الكريم لا اله الا الله العلى العظيم سبحان الله رب السموات السبع ورب الارضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين والصلوة على محمد وآله الطيبين.
ولا يحضره جنب ولا حايض ثم يحصل اكفانه وكافوره وما يحتاج اليه لتغسيله من اطيب وجوه مقدوراته ويستعده في حيوته لئلا يهون بتكميله بعد وفاته.
ذكر ذلك على ما نذكره من التفصيل اما الكفن فيكون من الثياب البيض الرفيعة الجميلة فقد روى ان الناس يتنافسون في اكفانهم يوم التغابن والمقامات الجليلة.
فما رويته في ذلك ما ذكره ابوجعفر بن بابويه في كتاب مدينة العلم باسناده إلى ابى عبدالله عليه السلام قال تنوقوا في الاكفان فانهم يبعثون بها.
(ووجدت في المجلد الثالث في تاريخ نيشابور للحاكم في ترجمة ابراهيم بن عبدالرحمن بن سهل باسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله خير ثيابكم البيض فليلبسها اخياركم وكفنوا فيها موتاكم فانها من خير ثيابكم اقول وقد صار هذا مرويا من الطرفين.
ومن كتاب مدينة العلم باسناده ايضا إلى الصادق عليه السلام قال اجيدوا اكفان موتاكم فانها زينتهم.
وروى صاحب كتاب سير الائمة صلوات الله جل جلاله عليهم باسناده إلى الصادق عليه السلام قال ان ابى عليه السلام اوصانى عند الموت فقال ياجعفر كفنى في ثوب كذا وكذا وثوب كذا وكذا فان الموتى يتباهون
[70]
باكفانهم الخبر.
اقول ولو لم يكن الا انه هو الملبوس الذى يجتمع فيه شمله بموليه على ما يرجوه من السلامة في دنياه والسعادات باخراه وكل مملوك فانه يتجمل في الملبوس عند جمع شمله بمالكه فينبغى تجميل هذا العبد لسيده الذى يرجوه لتخليصه من ساير مهالكه وهو اعز الاثواب واحلاها والذها واعلاها واشرفها واسناها عند العارفين بمعناها وعند المسعودين باقبال الجلالة الالهية والظافرين برضاها.
وقد كنت احرمت في نصيفين من قطن بيضاوين ووفقت بهما في موقف عرفات وكان يوم جمعة وتهيئا الوقوف على صفات المناجاة من بعد صلوة الظهرين حين وقت الوقوف إلى بعد غروب الشمس على ما فتحه علينا جود المالك الرؤف فلما قضيت الحج فيهما نشرتهما وبسطتهما على الكعبة الشريفة واركانها المعظمة المنيعة وعلى الحجر الاسود المكرم وجعلت ذلك كالحسب والسبب إلى رحمة المالك الارحم الاكرم.
ثم لما قدمت المدينة النبوية بسطتهما بطنا وظهرا على الحجرة الميمونة المحمدية وجعلت ذلك كالحسب والسبب إلى شفاعة ذلك المولى الجد المقدم على كل رسول والى ان ابلغ به ومنه نهايات المأمول.
ثم مضيت إلى الائمة الاطهار بالبقيع فصنعت مثل ذلك الصنيع وجعلت ذلك كالحسب والسبب للسلامة من يوم الهايل الفظيع ولما وصلت إلى مشهد مولينا امير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام بسطتهما بطنا وظهرا لذلك على ضريح ذلك الوالد الابر سيد الاوصياء إلى ان ابلغ منه نهايات الرجاء.
[71]
ثم حملتهما صحبتى إلى مشهد مولينا الحسين عليه السلام فبسطتهما بطنا وظهرا على ضريحه وجعلت ذلك كالحسب والسبب عنده إلى كل ما يبلغ الامل اليه.
ثم صنعت بهما كذلك في ضريحى مولينا الكاظم مولينا الجواد و ضريحى مولينا الهادى ومولينا الحسن العسكرى ومحل غيبة مولينا المهدى صلوات الله جل جلاله عليهم اجمعين وجعلت ذلك كالحسب والسبب إلى شفاعتهم ورضا مالك يوم الدين وفصلته وهيأته وهو عندى ومن قلبى في اعز مكان وارجو ان يكون اجتماع شملى فيه بمولاى الحليم الرحيم صاحب الاحسان وادخل به دار الرضوان حتى يخلع الله جل جلاله على مملوكه ما يقتضيه رحمته وجوده من خلع الحب والقرب والقبول ويشرفه بما يراه ويرضاه له عند القدوم والوصول ان شاء الله تعالى.
ولا يقال ان الكفن ما روى عن الائمة عليهم افضل السلام انه يهيأ قبل الممات بل ذلك موجود في الروايات وانه يستحب اذا هيأ قبل مماته ان ينظر اليه كل وقت في حيوته.
وانا اخرج كفنى وانظره في كل وقت استصوب النظر اليه وكاننى اشاهد عرضى على الله جل جلاله وانا لابسه وقائم بين يديه.
(ورايت في كتاب الملحق بتاريخ الطبرى تأليف احمد بن كامل بن شجرة في حوادث سنة عشرة وثلاثماة ما هذ لفظه في وقت المغرب في عشية يوم الاحد ليومين بقيامن من شوال توفى بها ابوجعفر بن جرير بن يزيد الطبرى الفقيه وقد اضحى النهار من يوم الاثنين غد ذلك اليوم في داره برحبة يعقوب وكفن في ثلاثة اثواب حبرة ادرج فيها
[72]
ادراجا وكان قد اعدها لنفسه في حيوته واستجاده ثم ذكر في مدحه لمأد ثيابه عليه شيئا عظيما.
فصل ورايت في الجزء الثانى من كتاب المعجم الكبير للطبرانى في مسند حذيفة بن اليمان قال بعث حذيفة من يبتاع له كفنا فابتاعوا له كفنا بثلثماة درهم فقال حذيفة ليس اريد هذا ولكن ابتاعوا ربطتين بيضاوتين خشنتين ورواه من عدة طرق بابسط من هذه الرواية).
فمن الرواية بذلك ما رويناه عن ابى جعفر محمد بن بابويه فيما ذكره في كتاب مدينة العلم باسناده إلى ابى عبدالله عليه السلام قال من كان كفنه معه في بيته لم يكتب من الغافلين وكان ماجورا كلما نظر اليه.
(وقد ذكر المفيد رضى الله عنه في كتاب الارشاد وغيره عن السندى بن شاهك ان مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام قال قبل وفاته ما هذ لفظ انا اهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا واكفان موتانا من اطهر اموالنا وعندى كفنى اقول فهذا مولانا موسى بن جعفر صلوات الله عليه قدوة في اعداد الكفن كما اشرنا اليه).
اقول وروى في كتب دلايل الائمة صلوات الله عليهم اخبار كثيرة بانهم هيأوا اكفان جماعة من شيعتهم قبل وفاتهم ونفذوا الاكفان اليهم والكفن المفروض في الظاهر من مذهبنا مذهب اهل البيت عليهم الصلوة والسلام ثلثة اقطاع مئزر يشد به وسط الميت فافضل وقميص كامل وازرار شامل ويستحب ان يضاف إلى ذلك حبرة يمنية حمراء او بيضاء وازرار اخر وخرقة يضم بها وركيه ويحفظ حقويه ويضاف إلى ذلك عمامة زيادة في الاستعداد والسعادة ويهيا من الكافور الذى لم تمسه النار ثلثة عشر درهما وثلث وبعض هذا الكافور للغسلة الثانية من غسل الاموات وبعضه
[73]
يترك على مساجده بعد الثلاث غسلات.
(وروى انما جعل افضله ثلث عشر درهما وثلثا لما رواه محمد بن يعقوب الكلينى في كتاب الجنائز من كتاب الكافى ان النبى صلى الله عليه وآله اهدى الله جل جلاله له اربعين درهما كافورا عند وفاته فقسمه بينه وبين مولانا على وفاطمة عليهما السلام فكان نصيب كل واحد منهم لاجل الوفاة ثلثة عشر درهما وثلثا).
ويجزى ما دون ذلك من الكافور ويكتب على جميع الاكفان فلان بن فلان يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وان عليا امير المؤمنين والحسن والحسين وعليا ومحمدا وجعفرا وموسى وعليا و محمدا وعليا والحسن والحجة المهدى ائمته ائمة هدى ابرار.
فاذا هياء العبد كفنه فينبغى ان يهيا ايضا قبره الذى يدفن فيه فهو من مهمات الامور لانى رأيت الذين يحملون الميت إلى القبور اما محزون مشغول باحزانه او متكلف مستاجر يشتغل بالاحياء عن الاستظهار للميت وعن اصلاح شأنه.
وقد صنع ذلك جماعة من اهل الاعتبار ورويت ورأيت في الاخبار ان ابا جعفر محمد بن السعيد عثمان بن سعيد العمرى صنع قبره في حيوته كما سيأتى في بعض رواياته.
ذكر صفة القبر ينبغى ان يكون القبر قدر قامة او إلى الترقوة ويكون فيه لحد من جهة القبلة بمقدار ما يجلس الجالس فيه فانه منزل الخلوة والوحدة فيوسع بحسب ما امر الله جل جلاله مما يقرب إلى مراضيه وقد كنت مضيت بنفسى واشرت إلى من حفر لى قبرا كما
[74]
اخترته في جوار جدى ومولاى على بن ابى طالب عليه السلام متضيفا ومستجيرا ورافدا وسائلا واملا متوسلا بكل ما توسل به احد من الخلايق اليه وجعلته تحت قدمى والدى رضوان الله جل جلاله عليهما لانى وجدت الله جل جلاله يأمرنى بخفض الجناح لهما ويوصينى بالاحسان اليهما فاردت ان يكون رأسى مهما بقيت في القبور تحت قدميهما.
ولا يقال فهل سبق احد من العارفين إلى تهيئة قبره قبل الممات.
فاقول قد ورد ذلك في كثير من الروايات فمنها ما ذكره جدى السعيد ابوجعفر الطوسى رضوان الله عليه وغيره في كتاب الغيبة قال حدثنا ابن نوح قال اخبرنى ابونصير هبة الله بن محمد قال حدثنى على بن ابى جيد القمى رحمه الله قال حدثنا ابوالحسن على بن احمد الدلال القمى قال دخلت على ابى جعفر محمد بن عثمان يعنى وكيل مولينا المهدى عليه السلام لاسلم عليه فوجدته وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها ويكتب عليها ايا من القرآن واسماء الائمة عليهم السلام على جوانبها فقلت له ياسيدى ما هذه الساجة فقال لى هذه لقبرى تكون فيه اوضع عليها او قال اسند اليها وقد فرغت منه وانا كل يوم انزل اليه واقرء اجزاء من القرآن فيع واصعد واظنه قال واخذ بيدى وارانيه فاذا كان من يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا صرت إلى الله تعالى ودفنت فيه وهذه الساجة معه فلما خرجت من عنده اثبت ما ذكره ولم ازل مترقبا ذلك فما تأخر الامر حتى اعتل ابوجعفرفمات في اليوم الذى ذكره من الشهر الذى قاله من السنة التى ذكرها ودفن فيه.
(ورأيت في كتاب الاستيعاب في الجزء الرابع ان سفيان بن الحرث بن عبدالمطلب حفر قبره قبل ان يموت بثلاثة ايام وكان اخا
[75]
رسول الله صلى الله عليه وآله من الرضاعة وذكر محمد بن معد في الجزء السابع من كتاب الطبقات حفر ابوسفيان بن الحرث بن عبدالمطلب في حيوته اقول وكان جدى ورام بن ابى فراس قدس الله روحه وهو ممن يقتدى بفعله قد اوصى ان يجعل في فمه بعد وفاته فص عقيق عليه اسماء ائمته صلوات الله عليهم فنقشت انا فصا عقيقا عليه الله ربى ومحمد نبى وعلى امامى وسميت الائمة عليهم السلام إلى آخرهم ائمتى ووسيلتى واوصيت ان يجعل في فمى بعد الموت ليكون جواب الملكين عند المسائلة في القبر ان شاء الله تعالى اقول ورأيت في كتاب ربيع الابرار للزمخشرى في باب اللباس والحلى عن بعض الاموات انه كتب على فص شهادت ان لا اله الا الله واوصى ان يجعل في فمه عند موته.
يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام جمال العارفين افضل السادة ابوالقاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس شرف الله قدره واعلا ذكره.
فاذا هياء الانسان جميع مهماته وفرغ من مصالحه لحياته وبعد وفاته وحضره رسول رب العالمين بالانتقال فينبغى ان يفرح ويستبشر بهذه الحال فان من احب لقاء الله احب الله لقائه ومن كره لقاء الله كره الله لقائه.
فلا يغتر بمن يقول انا نكره الموت لاجل اننا لو بقينا زدنا في صالح الاعمال فانه لو كان هذا مرادنا بكراهة الموت والانتقال كان من اصلح اعمالنا والمعقول ان نمتثل امر الله جل جلاله على لسان ملك الموت ونتلقاه بالقبول ولا نعارض الله جل جلاله ولا نرى تدبيرنا واختيارنا خيرا لانفسنا من تدبيره فان العبد ليس له معارضة موليه في كثير
[76]
امره ويسيره.
ولا يغرنك من يقول انا اكره الموت لاجل ان لنا سيئات فنحب البقاء حتى نستدركها قبل الممات فان هذا من خدايع الشيطان والا فانت ايها الكاره في وقت الامكان فاستدرك ما تقدر عليه في الحال وما تعجز عنه فان الله جل جلاله يعذرك ويقبل التوبة ولا تجمع بين المخالفة له جل جلاله اولا واخرا بكراهة القبول منه في الانتقال.
ولا يغرنك من يقول اننا اخربنا الاخرة وعمرنا الدنيا فنحن نكره الانتقال من العمران إلى الخراب فان هذا كله من غلط ذوى الالباب والا فانت ايها الكاره قادر الآن بالتوبة والندامة على السلامة من خطر يوم القيمة وعلى وعمارة دار المقامة واياك ومتابعة الغافلين فان سيد المرسلين انما طعن على دعوى اليهود بان قال لهم فتمنوا الموت ان كنتم صادقين فاذا كنتم ايها المسلمون الغافلون ايضا للموت كارهين فقد انقلب سؤال الرسول صلوات الله عليه وآله عليكم وصرتم محجوجين بما احتج به على اعداء الدين.
صفة ما ينبغى اعتماده عند احتضار الاموات يجب ان يوجه الميت إلى القبلة على ما وجه لعل معناه قد تركت ساير الابواب ووجهت وجهى إلى بابك بذل العبودية وانكسار القلب وانقطاع الاسباب ويبادر بارسال يديه عن يمين وشمال لعل معناه اننى قد استسلمت اليك والقيت بيدى ونفسى بين يديك ويقرء عنده القرآن ومن افضل ما يقرء عنده سورة يس والصافات وكلمات الفرج كما قدمناه وهى لااله الا الله الحليم الكريم لااله الا الله العلى العظيم سبحان الله رب السموات السبع ورب
[77]
الارضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين والصلوة على محمد وآله الطيبين.
ومن المهمات ان يذكره بما كان يشهد به لله جل جلاله من الوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وآله من الرسالة وللائمة من عترته المعصومين من الامامة والجلالة ويهتم الذى يحضر الميت بتصغير الدنيا عنده وتنفيره من دار فنائه ويبسط امله في رحمة الله جل جلاله ورجائه ويحسن ظنه بالله جل جلاله ويشوقه إلى لقائه لئلا يكون في مثل هذه الحال مشغولا عن الله جل جلاله بدار الزوال فتخرج روحه على التعثير والتقصير وسوء التدبير وانقطاع المعاذير ويقلل الحديث والشواغل للاموات عند السكرات ويجتهد العارف الذى يحضرهم في تعلق قلوبهم وعقولهم بالله جل جلاله في ساير الحركات والسكنات فاذا قضى نحبه ولقى ربه جل جلاله وتقدس كماله فيضم فوه ان كان غير مضموم فيشد بخرقة تحت لحييه إلى رأسه لئلا يصير مفتوحا عند تغسيله ولان اكرام الميت بكل طريق من جملة التوفيق وتغمض عيناه ان كانتا مفتوحتين وتمد يداه وركبتاه ان كانتا غير مبسوطتين ويغطى وجهه ويصان محياه.
ومن آداب ذلك تعجيل حمله إلى موليه وان يختار لتغسيله رجل صالح عارف مأمون يخاف الله جل جلاله ويخشاه وتهيية ما يكفيه للغسل من المياه.
صفة تغسيل الاموات ان كان موته في الموضع الذى يغسل فيه والا ينقل برفق واكرام إلى موضع تغسيله ويهيأ موضع يجرى فيه ماء غسله فانه يكره ان يجرى ماء التغسيل إلى البالوعة او الكنيف فيتبع توقيف صاحب الشريعة وتدبير المالك اللطيف وينزع عنه ثيابه
[78]
بتلطف على غاية احترامه وتجميله فان تعذر نزعها فتفتق فتقا رفيقا بغير استعجال فان الله جل جلاله هو الرقيب ووكيل الميت والمطلع على هذه الحال ويستر عورته قبل كشفها ويعتبر الحاضرون بهذه النازلة وعظيم وصفها ويقف الغاسل عند جانب الميت الايمن ويقصد بقلبه انه يغسل هذا الميت واجبا لله جل جلاله ويقول في حال غسله العفو العفو ويترحم عليه ويبالغ فيما يصل نفعه اليه فقد روينا باسنادنا إلى ابى جعفر محمد بن بابويه في كتاب مدينة العلم باسناده إلى الصادق صلوات الله عليه قال ما من مؤمن يغسل ميتا مؤمنا فيقول وهو يغسله رب عفوك عفوك الا عفى الله عنه.
اقول روينا باسنادنا عن ابن بابويه باسناده في اماليه عن الباقر عليه السلام انه قال ايما مؤمن غسل مؤمنا فقال اذا قلبه اللهم هذا بدن عبدك المؤمن وقد اخرجت روحه منه وفرقت بينهما فعفوك عفوك الا غفر الله له ذنوب سنة الا الكبائر ويبدء بغسل يدى الميت ثلث مرات ثم يمسح بطنه مسحا رفيقا ثم يغسل مخرج الغايط باشنان مسحوق ثلث مرات ثم يغسل رأسه إلى اصل عنقه بماء السدر ثلث مرات بسكينة ووقار ومراقبة للمطلع على الاسرار ثم يغسل جانبه الايمن من اعلى منكبه الايمن إلى اسفل قدمه الايمن بماء السدر ايضا ثلث مرات ثم يقلبه على جانبه الايمن برفق وتلطف ورحمة وعناية وتعطف ويغسل جانبه الايسر كذلك من اعلى منكبه الايسر إلى اسفل قدمه الايسر بماء السدر ثلث مرات والميت في جميع هذه الحركات مستور العورات.
فاذا فرغ من هذه الغسلة بماء السدر صرف ناظره عن عورته وغسل الخرقة التى عليها وطهر موضعها وتركها على حالها او استبدل
[79]
بها خرقة طاهرة ثم يقلبه على ظهره كما ذكرناه باحترام وتعظيم لامره ويمسح بطنه ويغسل فرجه ويغسل رأسه وجانبه الايمن وجانبه الايسر كما شرحناه بماء الكافور.
ثم يعتمد في تقليبه وترتيبه كما وصفناه ويغسله المرة الاخيرة بماء خالص ليس فيه سدر ولا كافور ولا يضاف اليه شئ ويبدء كما ذكرناه بغسل رأسه ثم بجانبه الايمن ثم بالايسر كما اوضحناه.
وليكتم على الميت ما يراه فقد رويناه باسنادنا عن محمد بن بابويه في اماليه عن الصادق عليه السلام قال من غسل مؤمنا ميتا فادى فيه الامانة غفر له قيل وكيف يؤدى فيه الامانة قال لا يخبر بما يرى فاذا فرغ من جميع ما ذكرناه شرع في تكفينه.
صفة تكفين الاموات يبدء بتهيئة جريدتين مقدار عظم الذراع من شجر اخضر والا فضل من سعف النخل الاخضر ويكتب عليهما ما كتب على الاكفان فانهما صيانة له من العذاب ما دامتا رطبتين وفيهما فضل ويهيأ تابوته او ما يحمل عليه بحسب ما يحتاج اليه ثم يشرع في الخرقة التى تسمى الخامسة فيبسطها ويجعل عليها شيئا من القطن وينثر عليه شيئا من الذريرة المعروفة بالقمحة ويضم بها فرجه قبله ودبره ويشد بها فخذيه شدا وثيقا ويكون في ذلك محترما له وعليه شفيقا فاذا فرغ من شده بالخامسة جعل كافورا على مساجده السبعة وما يفضل منه على صدره وليتق الله جل جلاله في تعظيمه وصلاح امره ثم يوزره بالوزرة من سرته إلى حيث بلغ عرضها ويلبسه القميص ويكون سابغا من ورائه وقدامه إلى ان يفضل عن اقدامه ويجعل الجريدة اليمنى عند جانبه الايمن على جلده بين قميصه وجسده والجريدة الاخرى عند جانبه
[80]
الايسر ما بين القميص والازرار ثم يسد فاه واذنيه بقطن وما يحتاج اليه ثم يعممه بان يحنكه بها ويجعل للعمامة من اولها طرفا على صدره ثم يعممه ويجعل من اخرها طرفا اخر ايضا على صدره ويبسط الحبرة او ما يقوم مقامها ثم يبسط الازرار ويجعل عليه قطنا وذريرة ويوفرها عليه ثم يلفه في الازرار والحبرة لفا رقيقا مشفقا عليه ويشدهما من قبل رأسه ومن جهة قدميه ثم يحمل في تابوته او ما يحمل فيه إلى موضع الصلوة عليه وافضل المشيعين للجنايز خلفها وعن جانبها لان المشيع تابع فكيف يكون بين يديها.
ويستحب تربيع الجنازة بان يأخذ جانبها الايمن ثم رجلها إلى اليمنى ثم رجلها اليسرى ثم منكبها الايسر يدور خلفها وحولها.
ذكر صفة الصلوة على الاموات عادة جماعة من اصحابنا المصنفين ان يؤخر وذكر هذه الصلوة إلى كتاب الصلوة ورأيت ذكرها هيهنا اقرب إلى صواب الارادات فانها ليست من تلك الصلوة ولا يجب فيها الطهارة ولا القرائة ولا شروط تلك المناجاة واردت انه اذا وقف الناظر في هذا الكتاب يجد الصلوت على الميت فيهذا الباب ولا يحتاج ان يطلبها من موضع بعيد فلعله اقرب إلى الصواب.
وصلوة الاموات فرض على الكفاياة اذا قام بها بعض من تجب عليه سقطت عن الباقين.
وتجب الصلوة على كل ميت مؤمن او من له حكم المؤمن ممن له من العمر ست سنين واولى المكلفين بالصلوة عليه اولاهم بميراثه من الذكور والزوج احق بالصلوة على زوجته من وليها ويصلى على الميت اى وقت كان من ليل او نهار ما لم يكن وقت فريضة من الصلوات
[81]
او فرض غيرها مضيق الاوقات فيبدء بالفريضة الا ان يخاف على الميت من التغيير فيبدء على ساير الحالات والطهارة للصلوة على الميت اكمل واخر الصفوف افضل.
فاذا وضع الميت للصلوة عليه فيجعل رأسه مما يلى يمين الذى يصلى عليه ورجلاه مما يلى يسار المصلى عليه ويتقدم الامام فيخلع نعليه ويقف للرجل عند وسطه وللمرئة عند صدرها ويقصد المصلى انه يصلى على هذا الميت واجبا لوجه وجوبه يعبد الله جل جلاله بذلك لانه اهل العبادة.
ويكبر تكبيرة يرفع بها يديه ويكبر الذى ورائه بتكبيره فيقول الله اكبر اشهد ان لااله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله.
ثم يكبر ثانية فيقول الله اكبر اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد كافضل ما صليت وباركت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد.
ثم يكبر ثالثة فيقول الله اكبر اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات وتابع بيننا وبينهم بالخيرات انك مجيب الدعوات انك على كل شئ قدير.
ثم يكبر رابعة فيقول الله اكبر اللهم عبدك وابن عبدك نزل بك وانت خير منزول به اللهم انا لا نعلم منه الا خيرا وانت اعلم به منا اللهم ان كان محسنا فزد في احسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه واحشره مع من كان يتولاه من الائمة الطاهرين وارحمنا اذا صرنا إلى ما صار اليه برحمتك ياارحم الراحمين ويبالغ في الدعاء بحسب ما يفتح على
[82]
خاطره من اكرم الاكرمين.
ثم يكبر الخامسة فيقول الله اكبر العفو العفو ويقف على حاله حتى ترفع الجنازة ثم ينصرف بخشوعه واقباله ذاكر الله وانه كذا يكون في وفاته وانتقاله.
وان كان الميت عدوا لله جل جلاله وقد حضر تقية فيدعوا بعد التكبيرة الرابعة بما يكون اقرب إلى المراضى الالهية.
وان كان الميت مستضعفا قال بعد التكبيرة الرابعة اللهم اغفر للذين تابوا واتبعو سبيلك وقهم عذاب الجحيم.
وان كان لا يعرف هل هو عدو لله جل جلاله او ولى لله جل جلاله فيقول بعد التكبيرة الرابعة اللهم هذه نفس انت احييتها وانت امتها و انت اعلم بسرها وعلانيتها فاحشرها مع من تولت.
وان كان الميت دون البلوغ فيقول بعد التكبيرة الرابعة اللهم اجعله لنا ولابويه فرطا.
ذكر التعزية
روى غياث بن ابراهيم في كتابه باسناده عن مولينا على عليه السلام انه قال التعزية مرة واحدة قبل ان يدفن وبعد ما يدفن ثم يعزى اهل الميت بما يفتحه الله جل جلاله من اسباب الاعتبار والاخبار ومن احسن ما وقفت عن الصادق صلوات الله عليه في التعزية انه قال ما معناه ان كان هذا الميت قد قربك موته من ربك او باعدك عن ذنبك فهذه ليست مصيبة ولكنها رحمة وعليك نعمة وان كان ما وعظك ولا باعدك عن ذنبك ولا قربك من ربك فمصيبتك بقساوة قلبك اعظم من مصيبتك بميتك ان كنت عارفا بربك.
ومما يقال في العزاء ان الله جل جلاله قد بذل على الصبر والرضا
[83]
بالمصايب ما هو اعظم من بقاء الاحياء فالعاقل يرغب في ارجح المواهب والمناقب فقال جل جلاله الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون وكفى في التعزية عند العارفين انه من تدبير ارحم الراحمين واكرم الاكرمين الذى لايتهم في تدبيره وشفقته على المحسنين ولا على المسيئين ولعل لو كشف لاهل الاموات ما في باطن ذلك من المصالح والسعادات لسئل الميت ولسئل ايضا اهله تعجيل الحادثات على كل حال ولكان اذا لم يمت وتأخرت تلك المصالح والعنايات يبكون ابلغ مما بكوا عليه عند الممات.
والمهم عند ذوى الالباب وموت القلوب وموت صفة من صفات كمال الانسان واما موت الابدان ونقلها من دار تقلب الازمان فذلك سعادة وزيادة مع سلامة الاديان.
ثم يحمل الميت إلى محل خلوته بمالك امره ووحدته ووحشته في حفرته وقبره.
ذكر صفة دفن الاموات اذا وصل الحاملون للميت إلى مضاجعة الثرى ومجاورة اهل القبور من الورى والمنزل الذى يهجره فيه الاهل والاخوان ويخذله الاعوان والجيران ويقيم فيه وحيد وفريدا طريدا بعيدا.
تنزل جنازة الرجل مما يلى رجلى قبره وتقدم إلى شفير القبر في ثلث دفعات فقد روى ان روحه تستعد بذلك لما يلقاه من السؤال والامور الهايلات.
وان كانت جنازة امرئة تركت قدام قبرها مما يلى القبلة ثم
[84]
ينزل إلى القبر ولى الميت او من يأمر وليه ويكون نزوله من عند رجلى القبر حافيا مكشوف الرأس ويتناول الميت يبدء برأسه باكرام واحترام ويتذكر انه بعين الله جل جلاله وهو وكيل الميت فيهذا المقام ويقول اذا نزله اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النار ويقول بسم الله وبالله وفى سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا ايمانا وتسليما ثم يسلمه إلى الله جل جلاله ويستودعه لله جل جلاله ويلقيه القاء المستسلم بين يدى الله جل جلاله ويقول في تسليمه وايداعه بحسب ما يفتحه الله جل جلاله على قلبه وكلامه.
ثم يضجعه على جانبه الايمن ويستقبل به القبلة ويحل عقد كفنه من جهة رأسه ورجليه ويضع خده على التراب التراب ذلا واستكانة واسترحاما واستعطافا لموليه رب الارباب ويجعل معه شيئا من تربة الحسين عليه السلام فقد روى انه امان والمنزل مهول يحتاج إلى التوصل والسلامة منه بغاية الامكان.
ومما رأيت في بشارة المقبل المسعود من اهل اللحود عن النبى صلوات الله عليه ان اول ما يبشر به المؤمن ان يقال له قدمت خير مقدم قد غفر الله لمن شيعك واستجاب لمن استغفر لك وقبل ممن شهد لك ثم يلقن الميت ما كان يعتقده ايام حياته من الشهادة لله جل جلاله بالوحدانية ولرسوله صلى الله عليه وآله بالرسالة وللائمة من عترته بالامامة والجلالة ويكون التلقين من اهل اليقين وعلى نية انه جواب الملكين السائلين فلعل الله جل جلاله برحمته يكفيه بذلك سؤال منكر ونكير وتقربه العين.
[85]
ثم يشرج اللبن عليه ويقول اللهم صل وحدته وانس وحشته وارحم غربته واسكن اليه من رحمتك رحمة يستغنى بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتوليه.
فاذا فرغ من تشريج اللبن عليه خرج من القبر من جهة رجليه وهال التراب عليه ويهيل كل من حضر هناك بظهور اكفهم الا من كانت له به رحم ويقولون انا لله وانا اليه راجعون هذا ما وعد الله وصدق المرسلون اللهم زدنا ايمانا وتسليما ويطم القبر ويرفع عن الارض مقدار اربع اصابع ويسطح ويصب الماء عليه اى على القبر يبدء بالصب من عند رأسه ثم يدار من اربع جوانبه حتى يرجع إلى رأسه وان فضل من الماء شئ صبه على وسط قبره.
فاذا فرغ من ذلك زار الميت من الحاضرين من اراد التقرب إلى مالك يوم الدين.
ذكر ما نورده من صفات زيارة قبور الاموات فمن ذلك باسنادى إلى محمد بن بابويه في كتابه مدينة العلم عن ابيه عن محمد بن يحيى عن موسى بن الحسن عن احمد بن هلال العبرى عن على بن اسباط عن عبدالله بن محمد عن عبدالله بن بكير عن محمد بن مسلم قال قلت لابيعبد الله عليه السلام نزور الموتى فقال نعم قلت فيسمعون بنا اذا اتيناهم قال اى والله انهم ليعلمون بكم ويفرحون بكم ويستانسون اليكم قال قلت فاى شئ نقول اذا اتيناهم قال قل اللهم جاف الارض عن جنوبهم وصاعد اليك ارواحهم ولقهم منك رضوانا واسكن اليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم وتونس به وحشتهم انك على كل شئ قدير.
ومن كتاب مدينة العلم لابيجعفر بن بابويه ايضا باسناده عن صفوان
[86]
بن يحيى من جملة حديث قال قلت يعنى لابى الحسن عليه السلام هل يسمع الميت تسليم من يسلم عليه قال نعم يسمع اولئك وهم كفار ولا يسمع المؤمنون والخبر مختصر.
اقول انا وقوله عليه السلام يسمع اولئك وهم كفار لعله اراد الكفار الذين خاطبهم النبى عليه السلام لما قتلهم ببدر ورموهم في القليب فانه عليه السلام قال لهم قد وجدت ما وعدنى ربى حقا ثم قال عليه السلام انهم ليسمعون كما تسمعون وفى ذلك زيادات وروايات ذكرناها في المزار الكبير.
وربما يق هذا الشرح ما هو من عمل اليوم والليلة على التحقيق وما يخفى عن اهل التوفيق ان الطهارات بالاغسال من توابع الصلوات وان كلما ذكرناه من توابع تلك المهمات ولجميع ما شرحناه زيادة فقه وتفصيل تركناه خوفا من التطويل.
ومن السنة المؤكدة حمل الطعام إلى اهل الميت ففيه رواية عن النبى عليه افضل الصلوة والسلام.
وروى انه يقام للميت ماتم ثلثة ايام كما رواه حريز بن عبدالله السجستانى في كتابه باسناده عن ابى جعفر عليه السلام قال يصنع للميت ماتم ثلثة ايام من يوم مات.
ذكر ما يعمل قبل اول ليلة يدفن الانسان في قبره عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لايأتى على الميت ساعة اشد من اول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة فان لم تجدوا فليصل احدكم ركعتين يقرء فيهما فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسى مرة وقل هو الله احد مرتين وفى الثانية فاتحة الكتاب مرة والهكم التكاثر عشر مرات ويسلم ويقول
[87]
اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابهما إلى قبر ذلك الميت فلان بن فلان فيبعث الله من ساعته الف ملك إلى قبره مع كل ملك ثوب وحلة ويوسع في قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور ويعطى المصلى بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات ويرفع له اربعون درجة.
يقول السيد الامام العالم العامل رضى الدين ركن الاسلام ابوالقاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس كن من اهل الوفاء ولا تهون بالاموات حيث قد انقطع بينك وبينهم حبل الرجاء وتذكر ان الله جل جلاله قد بذل لك سبحانه من العطاء على الوفاء اضعاف ما كنت تومل واضعاف ما كان بينك وبينهم من الاحياء فان هونت ببذله ورفده فلعلك ما تصدق بقوله ووعده.