الفصل الثالث
فيما نذكره من فضيلة الدعاء من صريح القرآن فمن قول الله جل جلاله قل ما يعبؤ بكم ربى لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما اقول فلم يجعل لهم لولا الدعاء محلا ولا مقاما فقد صار مفهوم ذلك ان محل الانسان ومنزلته عند الله جل جلاله على قدر دعائه وقيمته بقدر اهتمامه بمناجاته وندائه وعساك تجد من يقول لك ان المراد بالدعاء في هذه الاية العبادة والحق ما رواه الثقات عن اهل الامانة والسيادة من ان المراد بالدعاء فيهذه الاية هو الدعاء المفهوم بعرف الشرع من غير زيادة.
ومن الايات قول الله جل جلاله فلولا اذ جائهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم فنبه الله جل جلاله على انهم لو تضرعوا ازال بأسه وغضبه وعقابه عنهم وكشف كروبهم وما قال ولو انهم اذ جائهم باسنا صلوا او صاموا او حجوا او قرئوا القرآن وفى ذلك بيان لاهل الافهام من الاعيان.
ومن ذلك وعده المقدس بان الدعاء مفتاح بلوغ الامال والامانى في قوله جل جلاله واذا سألك عبادى عنى فانى قريب اجيب دعوة الداع اذا دعانى.
ومن ذلك قوله جل جلاله ادعونى استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين فنبه جل جلاله
[27]
على ان ترك الدعاء استكبار عن عبادته وسبب لدخول النار والعذاب المهين.
وقد روى الحسين بن سعيد باسناده عن الصادق عليه السلام ان المراد بالعبادة يستكبر الانسان عنها في هذه الاية هو الدعاء وان تاركه مع هذا الامر به من المستكبرين.
وفى بعض ذلك كفاية للعارفين ولو لم يكن في فضيلة الدعاء الا قول الله جل جلاله لسيد الانبياء صلوات الله عليه وآله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم وهذا عظيم لان صدر على مقتضى المدح لهم وكان دعاهم بالغدوة والعشى سبب امر الله جل جلاله لرسوله عليه السلام بملازمتهم والا تعد وعيناه الشريفتان عن صحبتهم.