الفهرس

المؤلفات

الأدعية

الصفحة الرئيسية

 

(32)

دعاؤه (عليه السلام) بعد الفراغ من صلاة الليل لنفسه في الاعتراف بالذنب

وكان من دعائه (عليه السلام) بعد الفراغ من صلاة الليل لنفسه في الاعتراف بالذنب:

اللّهُمَّ يا ذَا المُلْكِ المُسْتَأبِدِ بِالخُلُودِ وَالسُّلْطانِ، المُمْتَنِعِ بِغَيْرِ جُنُودٍ وَلا أَعْوانٍ، وَالعِزِّ الباقِي عَلى مَرِّ الدُّهُورِ وَخَوالِي الأَعْوَامِ وَمَواضِي الأزْمانِ وَالأَيَّامِ، عَزَّ سُلْطانُكَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدعاء الثاني والثلاثون

الشرح

(اللهم يا ذا الملك المستأبد بالخلود) أي: أن ملكك أبدي خالد، لا كملك أهل الدنيا الذي هو زائل (والسلطان) أي: السلطة والسيطرة (الممتنع بغير جنود) فإن ملك الله يمتنع من أن يصل إليه أحد، ولا يحتاج في ذلك إلى الجند والجيش (ولا أعوان) كما للمملوك أعوان مع قطع النظر من الجيش (و) يا ذا (العز الباقي على مر الدهور) الدهر قطعة من الزمان، أي: على مر الأزمان (وخوالي الأعوام) خوالي جمع خالية، بمعنى: الماضية، أي: على مر الأعوام الماضية (ومواضي الأزمان والأيام) أي: الأزمان الماضية، فهو ملك منذ الأزل، وإلى الأبد (عز سلطانك) العزيز: هو النادر وجوده الكثير الاحتياج إليه، فلو كثر وجوده وإن كان محتاجاً إليه كالهواء لم يحتج إليه، وإن ندر وجوده

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عِزّاً لا حَدَّ لَهُ بأَوَّلِيَّةٍ، وَلا مُنْتَهى لَهُ بِآخِرِيَّةٍ، وَاسْتَعْلَى مُلْكُكَ عُلُوًّا سَقَطَتْ الأَشْيَاءُ دُونَ بُلُوغِ أَمَدِهِ، وَلا يَبْلُغُ أَدْنى مَا اسْتَأَثَرْتَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ أَقْصى نَعْتِ النَّاعِتِينَ، ضَلَّتْ فِيكَ الصِّفاتُ وَتَفَسَّخَتْ دُونَكَ النُّعُوتُ، وَحَارَتْ في كِبْرِيائِكَ لَطائِفُ الأَوْهامِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كنبتٍ فريد في صحراء لم يسم عزيزاً، والله سبحانه أعز من كل عزيز لوحده وجوده والاحتياج التام إليه (عزاً لا حد له بأولية) بأن كان ذليلاً ثم صار عزيزاً (ولا منتهى له بآخرية) بأن ينقلب عزه ذلاً بعد مدة كما هو كذلك في سائر الأعزاء (واستعلى ملكك) أي: تعالى وارتفع (علواً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده) أي: لم تصل الأشياء إلى ذلك العلو، كما يسقط الطائر إذا أراد أن يصل إلى قمة جبل شاهق فتعب ولم يتمكن (ولا يبلغ) أي: لا يصل (أدنى ما استأثرت به من ذلك) أي: الذي جعلته لنفسك من العز والعلو فإن الإنسان إنما يتمكن أن يصف العز الذي قرره الله للبشر لا الذي لنفسه تعالى (أقصى نعت الناعتين) أي: غاية مدحهم إذ هو سبحانه مجهول الذات والصفات للبشر وهو فوق حدهم وقدرتهم فلا يتمكنون أن يصلوا إلى نعته (ضلت فيك الصفات) أي: لم تصل إلى صفتك وإنما تذهب هدراً (وتفسخت) أي: بطلت (دونك النعوت) أي: نعت الإنسان لك (وحارت) أي تحيرت (في كبريائك لطائف الأوهام) أي: الظنون والأفكار اللطيفة الرقيقة لا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كَذلِكَ أَنْتَ اللهُ الأَوَّلُ في أَوَّلِيَّتِكَ، وَعَلى ذَلِكَ أَنْتَ دائِمٌ لا تَزُولُ وَأَنَا العَبْدُ الضَّعِيفُ عَمَلاً ألْجَسِيمُ أَمَلاً، خَرَجَتْ مِنْ يَدِي أَسْبَابُ الوصُلاتِ إِلاّ مَا وَصَلَهُ رَحْمَتُكَ، وَتَقَطَّعَتْ عَنِّي عِصَمُ الآمالِ إِلاّ ما أنَا مُعْتَصِمٌ بِهِ مِنْ عَفْوِكَ، قَلَّ عِنْدِي مَا أَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طَاعَتِكَ، وَكَثُرَ عَلَيَّ مَا أَبُوءُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تصل إلى معرفة ما لك من الكبر والعظمة (كذلك) الذي ذكرنا في وصفك (أنت الله الأول في أوليتك) أي: أنت أول إذا لوحظت جهة الأولية كما نقول من جهة العلم زيد عالم ومن جهة التقوى هو متقي وهكذا (وعلى ذلك) الذي ذكرت في أول الدعاء (أنت دائم لا تزول) ولا تنقلب عن حالك (وأنا العبد الضعيف عملاً) أي: أني قليل العمل (الجسيم) أي: الكبير (أملاً) فإن آمال الإنسان كثيرة (خرجت من يدي أسباب الوصلات) جمع وصلة وهي ما يتوصل الإنسان به إلى مطلوبه، وإضافة الأسباب إليه من إضافة المثل إلى الأمثل نحو فاطمة الزهراء، أو بمعنى الأسباب الموصلة إلى السعادة (إلا ما وصله رحمتك) فإن رحمتك هي التي تسعدني أما عملي فهو سبب شقائي (وتقطعت عني عصم الآمال) عصم جمع عصمة، وهي الوقاية والحفظ أي: ما أحفظ به آمالي وأصل إليها بسببه، إذ العصيان يوجب قطع الطاعة التي هي موصلة إلى الآمال (إلا ما أنا معتصم به من عفوك) فعفوك عن ذنبي هو الذي يوصلني إلى أملي (قل عندي ما أعتد به) يقال: اعتد به إذا أدخله في العد والحساب (من طاعتك وكثر علي ما أبوء)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بِهِ مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَلَنْ يَضِيقَ عَلَيْكَ عَفْوٌ عَنْ عَبْدِكَ وَإِنْ أَساءَ فَاعْفُ عَنِّي، اللّهُمَّ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلى خَفايَا الأَعْمالِ عِلْمُكَ، وَانْكَشَفَ كُلُّ مَسْتُورٍ دُونَ خُبْرِكَ، وَلا تَنْطَوِي عَنْكَ دَقَائِقُ الأُمُورِ، وَلا تَعْزُبُ عَنْكَ غَيِّباتُ السَّرائِرِ، وَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيَّ عَدُوُّكَ الَّذِي اسْتَنْظَرَكَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي: رجع (به من معصيتك) وكأن الإنسان جاء من قبله سبحانه فإذا عصى ومات رجع إليه بالمعصية (ولن يضيق عليك عفو من عبدك وإن أساء) فإني أعفو عن المسيء من عبادك، والحال أنا بشر (فأعف عني) فإن الإله أولى بعدم ضيق العفو عليه.

(اللهم وقد أشرف على خفايا الأعمال) أي: الأعمال الخفية التي عملتها، أو المراد عام بالنسبة إلى كل عامل (علمك) أي: علمك وأصل إليها نافذ فيها (وانكشف) أي: ظهر (كل مستور دون خبرك) أي: علمك من الخبر والاختبار (ولا تنطوي) أي: لا تخفى (عنك دقائق الأمور) أي: الأمور الدقيقة اللطيفة (ولا تعزب) أي: لا تغيب (عنك غيبات السرائر) أي: الضمائر الغائبة والمخفية عن وصول الحواس إليها، وغيبات جمع غائبة.

(وقد استحوذ) أي: استولى (عليّ عدوك) وهو الشيطان (الذي استنظرك) أي: يطلب منك المهلة، حيث قال: (انظرني إلى يوم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لِغَوايَتي فَأنْظَرْتَهُ، وَاسْتَمْهَلَكَ إلى يَوْمِ الدّيِنِ لإِضْلالِي فَأَمْهَلْتَهُ، فَأَوْقَعَنِي وَقَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ مِنْ صَغائِرِ ذُنُوبٍ مُوبِقَةٍ وَكَبائِرِ أَعْمَالٍ مُرْدِيَةٍ، حَتَّى إذا قَارَفْتُ مَعْصِيَتَكَ، وَاسْتَوْجَبْتُ بِسوُءِ سَعْيِيِِ سَخِطَتَكَ فَتَلَ عَنِّي عِذارَ غَدْرِهِ، وَتَلَقَّانِي بِكَلِمَةِ كُفْرِهِ وَتَوَلَّى البَراءَةَ مِنَّي، وَأَدْبَرَ مُوَلِّياً عَنِّي، فَأصْحَرَنِي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يبعثون) [1] (لغوايتي) أي: إنما أراد الشيطان المهلة حتى يغوي ويضل البشر حيث قال: (لأغوينهم أجمعين) (فأنظرته) أي: أمهلته، وذلك ليتميز المطيع من العاصي، والضال من المهتدي (واستمهلك إلى يوم الدين) أي: طلب منك المهلة ـ بعدم إماتته ـ إلى يوم القيامة، والدين بمعنى الجزاء (لإضلالي فأمهلته) اختباراً للبشر (فأوقعني) في الهلكة (وقد هربت إليك) يا رب (من صغائر ذنوب موبقة) أي: مهلكة (وكبائر أعمال مردية) أرداه بمعنى أهلكه (حتى إذا قارفت) أي: ارتكبت (معصيتك) كما أراد الشيطان (واستوجبت بسوء سعيي) وعملي (سخطتك) أي: غضبك (فتل) الشيطان أي: صرف (عني عذار غدره) العذار: لجام الفرس، أي: صرف الشيطان عني عنان فرسه (وتلقاني بكلمة كفره) إشارة إلى قوله سبحانه: (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك) [2] (وتولى البراءة مني) أي قال: (إني بريء منك) كما تقدم في الآية الكريمة (وأدبر) أي: ذهب (مولياً عني) قد ولى وأعطى دبره نحو الإنسان (فأصحرني) أي: أظهرني، والأصل فيه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لغَضَبِكَ فَرِيداً، وَأَخْرَجَنِي إلى فِناءِ نقْمَتِكَ طَرِيداً، لا شَفِيعَ يِشْفَعُ لِي إِلَيْكَ، وَلا خَفِيرَ يُؤْمِنُنِي عَلَيْكَ، وَلا حِصْنَ يَحْجُبُنِي عَنْكَ، وَلا مَلاذَ أَلْجَأَ إِلَيْهِ مِنْكَ، فَهَذا مَقَامُ العائِذِ بِكَ، وَمَحَّلُّ المُعْتَرِفِ لَكَ، فَلا يَضِيقَنَّ عَنِّي فَضْلُكَ، وَلا يَقْصُرَنَّ دُونِي عَفْوُكَ، وَلا أَكُنْ أَخْيَبَ عِبَادِكَ التَّائِبِينَ، وَلا أَقْنَطُ وُفُودِكَ الآْمِلِينَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخروج إلى الصحراء (لغضبك) في حال كوني (فريداً) وحيداً لا ناصر ولا دافع لي (وأخرجني إلى فناء نقمتك) أي: إلى ناحية غضبك وعقابك (طريداً) أي: في حال كوني مطروداً عن الخير (ولا شفيع يشفع لي إليك) لخلاصي من ذنبي (ولا خفير) أي: لا مجير (يؤمنني عليك) أي: يعطيني الأمن على خلاف ما تريد من عقابي (ولا حصن يحجبني) أي: يحفظني (عنك) حتى لا تتمكن أن تعذبني (ولا ملاذ ألجأ إليه منك) الملاذ من لاذ، بمعنى الملجأ (فهذا) المقام الذي وقفت فيه متضرعاً (مقام العائذ) اللاجئ (بك) عن ذنوبه (ومحل المعترف لك) بآثامه وخطاياه (فلا يضيقن عني فضلك) حتى لا يشملني (ولا يقصرن دوني عفوك) فلا يصل إليّ (ولا أكن أخيب عبادك التائبين) أي: أكثرهم خيبة وهي عدم الوصول إلى الفعل (ولا أقنط وفودك الآملين) أي: أكثرهم قنوطاً ويأساً، ووفود، جمع وفد: وهي الجماعة التي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَاغْفِرْ لِي، إِنَّكَ خَيْرُ الغَافِريِنَ، اللّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنِي فَتَرَكْتُ وَنَهَيْتَنِي فَرَكِبْتُ، وَسَوَّلَ لِيَ الخَطَأَ خاطِرُ السُّوءِ فَفَرَّطْتُ، وَلا اسْتَشْهِدُ عَلى صِيامِي نَهاراً، وَلا أسْتَجِيرُ بِتَهَجُّدِي لَيْلاً، وَلا تُثْنِي عَلَيَّ بِإِحْيائِها سُنَّةٌ، حاشى فُروُضِكَ الَّتِي مَنْ ضَيَّعَها هَلَكَ، وَلَسْتُ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَضْلِ نَافِلَةٍ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تذهب إلى الشخص لتطلب حاجة، والآمل هو الراجي (واغفر لي إنك خير الغافرين) يقال: غفر ذنبه إذا ستره، ثم إن الستر قد يكون بعدم الفضيحة، وقد يكون بالعفو.

(اللهم إنك أمرتني) بأوامرك (فتركت) وخالفت (ونهيتني) من المحرمات (فركبت) أي: عملتها (وسول لي الخطأ خاطر السوء) سول بمعنى زين، أي: إن الفكر السيئ زين في نظري الإثم (ففرطت) أي: عملت ذلك الخطأ، والتفريط العمل بخلاف الحق (ولا استشهد على صيامي نهاراً) يعني لا أقول إني صمت نهاراً والنهار شاهد لي بذلك أريد التبجح بعملي (ولا أستجير) وألوذ (بتهجدي) من الهجود بمعنى الابتعاد عن الفراش للعبادة (ليلاً) أي: في الليل (ولا تثني عليّ بإحيائها سنّة) أي الكتاب والسنة، لا تمدحني لأني أحييتها، فسنة فاعل تثني، وهذا من باب هضم النفس، والمقصود أني لم أعمل عملاً أستحق الثناء، والإسناد إلى السنّة مجاز (حاشى فروضك التي مَن ضيعها هلك) فإن الفرض يلزم أن يؤتى وما شأنه كذلك لا يمدح أحداً إذا أداه، وهذا من قبل قولهم لا شكر على الواجب (ولست أتوسل إليك بفضل نافلة) أي: بنافلة فضل أديتها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَعَ كَثِيرِ ما أَغْفَلْتُ مِنْ وَظائِفِ فُروضِكَ، وَتَعَدَّيْتُ عَنْ مَقاماتِ حُدُودِكَ إلى حُرُماتٍ انْتَهَكْتُها، وَكَبائِرِ ذُنُوبٍ اجْتَرَحْتُها، كانَتْ عافِيَتُكَ لِي مِنْ فَضائِحِها سِتْراً، وَهذا مَقَامُ مَنِ اسْتَحْيى لِنَفْسِهِ مِنْكَ، وَسَخِطِ عَلَيْها، وَرَضِيَ عَنْكَ، فَتَلَقَّاكَ بِنَفسٍ خاشِعَةٍ، وَرَقَبةٍ خاضِعَةٍ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(مع كثير ما أغفلت) ولم آت (من وظائف فروضك) أي: كيف أجعل النوافل شفيعي مع أني تركت كثيراً من الواجبات، وهل يتمكن العاصي أن يجعل إتيانه لبعض النوافل جهة مدح لنفسه؟ (وتعديت عن مقامات حدودك) أي: محلات يجب الإقامة عليها من حدودك، وحدود الله أحكامه (إلى حرمات) متعلق بـ[تعديت] فإن التجاوز يكون من الحد إلى الموضع المحرم (انتهكتها) أي: خرقتها وارتكبتها (وكبائر ذنوب اجترحتها) اجتراح السيئة الإشادة بها (كانت عافيتك لي من فضائحها) أي: إنك لم تفضحني ولم تشهر ذنوبي بأن عافيتني عن ذلك (ستراً) منك عليّ.

(وهذا مقام من استحيى لنفسه) أي: أن الاستحياء لأجل ارتكابه القبيح في قبال استحياء الإنسان لأجل ارتكاب أحد أقربائه القبيح (منك) يا رب (وسخط عليها) لأجل ارتكابها الإثم (ورضي عنك) لأنك تفضلت حتى عند ارتكابها القبيح (فتلقاك) أي: جاء إليك (بنفس خاشعة ورقبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَظَهْرٍ مُثْقَلٍ مِنَ الخَطايا، واقِفاً بَينَ الرَّغْبَةِ إِلَيْكَ وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَوْلى مَنْ رَجاهُ، وَأَحَقُّ مَنْ خَشِيَهُ وَاتَّقاهُ، فَاعْطِنِي يا رَبِّ ما رَجَوْتُ، وَآمِنِّي ما حَذِرْتُ، وَعُدْ عَلَيَّ بِعائِدَةِ رَحْمَتِكَ، إِنَّكَ أَكْرَمُ المَسْؤُولِينَ، اللّهُمَّ وَإِذْ سَتَرْتَنِي بِعَفْوِكَ، وَتَغَمَّدْتَنِي بِفَضْلِكَ فِي دارِ الفَناءِ وَبِحَضْرَةِ الأَكْفاءِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاضعة وظهر مثقل من الخطايا) والآثام (واقفاً بين الرغبة إليك والرهبة منك) أي: يرجوك من ناحية كرمك ويخافك من ناحية ذنب نفسه وأفضل أحوال الإنسان أن يكون خائفاً راجياً (وأنت أولى من رجاه) أحد إذ سائر من يرجوهم الناس عبيد وليس بيدهم شيء إلا أنت (وأحق من خشيه) فإن نكالك وعقابك أعظم من كل نكال وعقاب (واتقاه) أي: تحفظ الإنسان عن أن يقع في غضبه وسخطه.

(فاعطني يا رب ما رجوت) وطلبت منك (وآمني مما حذرت) وخشيت منه من النار والعقاب (وعد عليّ) يا رب كما ابتدأت (بعائدة رحمتك) أي: برحمتك التي تعود على الناس (إنك أكرم المسؤولين) فإن كل من يسأل دونك في الكرم.

(اللهم وإذ سترتني بعفوك) فلم تفضحني بذنوبي (وتغمدتني) أي: شملتني (بفضلك) وإحسانك (في دار الفناء) أي: الدنيا (بحضرة الأكفاء) أي: عند الناس الذين هم كُفُئي ومثلي، مع أن الفضيحة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فَأَجِرْنِي مِنْ فَضِيحاتِ دارِ البَقاءِ عِنْدَ مَواقِفِ الأَشْهادِ مِنَ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، وَالرُّسُلِ المُكَرَّمِينَ، وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحينَ مِنْ جَارٍ كُنْتُ أُكَاتِمُهُ سَيِّئَاتِي، وَمِنْ ذِي رَحِمٍ كُنْتُ أحْتَشِمُ مِنْهُ فِي سَرِيرَاتِي، لَمْ أَثِقْ بِهِمْ رَبِّ فِي السِّتْرِ عَلَيَّ، وَوَثِقْتُ بِكَ رَبِّ فِي المَغْفِرَةِ لِي، وَأَنْتَ أَوْلَى مَنْ وُثِقَ بِهِ وَأَعْطَى مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لديهم ليست بذات أهمية (فأجرني) أي: احفظني (من فضيحات دار البقاء) بإظهارك لآثامي وذنوبي (عند مواقف الأشهاد) أي: محل وقوف الشهود، فإن [أشهاد] جمع شاهد (من الملائكة المقربين) بيان [الأشهاد] (والرسل المكرمين) الذين أكرمتهم (والشهداء والصالحين من جار) بيان الشهداء والصالحين، أو الثاني فقط (كنت أكاتمه) أي: أكتم وأخفي عليه (سيئاتي) في دار الدنيا (ومن ذي رحم كنت أحتشم منه) أي: استحي منه (في سريراتي) أي: في الأعمال التي أرتكبها سراً (لم أثق بهم) يا (رب في الستر عليّ) ولذا أخاف إن عرفوا سريرتي فضحوني (ووثقت بك) يا (رب في المغفرة لي) فإن المؤمن إنما يعصي ثقة بمغفرة الله تعالى (وأنت) يا رب (أولى من وثقت بك) فإن الله تعالى محل الثقة حقيقةً بخلاف من سواه، يا (رب في المغفرة لي وأنت أولى من وثق به) الأول كان ثقة في المغفرة وهذا عام بالنسبة إلى الثقة في كل شيء (وأعطى من رغب إليه) أي: أكثر الناس إعطاءً فإن الإنسان إذا طلب شيئاً من أي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَأرْأَفُ مَنِ اسْتُرْحِمَ، فَارْحَمْنِي، اللّهُمَّ وَأنْتَ حَدَرْتَنِي مَاءً مَهِيناً مِنْ صُلْبٍ مُتَضَائِقِ العِظَامِ، حَرِجِ المَسَالِكِ إلَى رَحِمٍ ضَيِّقَةٍ سَتَرْتَهَا بِالحُجُبِ، تُصَرِّفُنِي حَالاً عَنْ حَالٍ حَتَّى انْتَهَيْتَ بِي إلى تَمَامِ الصُّورَةِ، وَأثْبَتَّ فِيَّ الجَوَارِحَ كَمَا نَعَتَّ فِي كِتَابِكَ:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شخص عظيم، لا يكون إعطاؤه كإعطاء الله تعالى (وأرأف من استرحم) فإن استرحام الإنسان لغيره تعالى، يمكن أن يخيب بخلافه تعالى لأنه أرأف من جميع الناس (فارحمني) بفضلك.

(اللهم وأنت حدرتني) أي: أنزلتني (ماءً مهيناً) أي: ذليلاً حقيراً، والمراد به المني (من صلب) الأب: وهي العظام التي في ظهره الـ (متضايق العظام) فإن عظام الصلب متداخلة متضايقة (حرج المسالك) أي: ضيق الطرق حتى يصل إلى الآلة التي يفرغه (إلى رحم) الأم الـ (ضيقة) الرحم مؤنث سماعي (سترتها) أي: تلك الرحم (بالحجب) جمع حجاب المانع من الرؤية (تصرفني حالاً عن حال) أي: بعد حال (حتى انتهيت بي إلى تمام الصورة) بأن كملت صورتي الإنسانية (وأثبت) أي: جعلت (في الجوارح) جمع جارحة: بمعنى الأعضاء (كما نعت) وذكرت (في كتابك) القرآن الحكيم، قال سبحانه: (لقد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عَظْماً ثُمَّ كَسَوْتَ العِظامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنْشَأتَنِي خَلْقَاً آخَرَ كَما شِئْتَ، حَتّى إِذَا احْتَجْتُ إِلى رِزْقِكَ وَلَمْ أسْتَغْنِ عَنْ غِياثِ فَضْلِكَ، جَعَلْتَ لِي قُوتاً مِنْ فَضْلِ طَعامٍ وَشَرابٍ أَجْرَيْتَهُ لأَمَتِكَ الَّتِي أسْكَنْتَنِي جَوْفَها، وَأوْدَعْتَنِي قَرارَ رَحِمِها، وَلَوْ تَكِلْنِي يا رَبِّ فِي تِلْكَ الحالاتِ إلى حَوْلِي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طين ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) [3] (نطفة) بيان للتصرف حالاً عن حال، والنطفة هي المني (ثم علقة) كالدم المتجمد (ثم مضغة) كاللحم الذي يمضغ بالأسنان (ثم عظماً ثم كسوت) وألبست (العظام لحماً ثم أنشأتني خلقاً آخر) إذ أعطيتني الروح الإنسانية (كما شئت حتى إذا احتجت إلى رزقك ولم استغن عن غياث فضلك) أي: فضلك الذي يغيثني ويجيرني (جعلت لي قوتاً) ورزقاً (من فضل طعام وشراب) أي: زيادتهما (أجريته) أي: كل واحد منهما (لأمتك) وهي والدة الإنسان (التي أسكنتني جوفها) في بطنها (وأودعتني قرار رحمها) أي: في مستقر الرحم، فإن الطفل في البطن يرزق بواسطة سرته من رزق أمه (ولو تكلني يا رب في تلك الحالات إلى حولي) وقوتي، ارتزق نفسي بنفسي، وأحول شخصي من حال إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أَوْ تَضْطَرُّنِي إلى قُوَّتِي لَكانَ الحَوْلُ عَنِّي مُعْتَزِلاً، وَلَكانَتِ القُوَّةُ مِنِّي بَعِيدَةً، فَغَذَوْتَنِي بِفَضْلِكَ غَذاءَ البَرِّ اللَّطيِفِ، تَفْعَلُ ذَلِكَ بِي تَطَوُلاًّ عَلَيَّ إلى غَايَتِي هَذِهِ، لا أَعْدَمُ بِرَّكَ، وَلا يُبْطِئُ بِي حُسْنُ صَنِيعِكَ، وَلا تَتأَكَّدُ مَعَ ذَلِكَ ثِقَتِي فَأتَفَرَّغَ لِما هُوَ أحْظى لِي عِنْدَكَ، قَدْ مَلَكَ الشَّيْطانُ عِناني فِي سُوءِ الظَّنِّ وَضَعْفِ اليَقِينِ، فَأَنَا أَشْكُو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حال (أو تضطرني إلى قوتي) حتى أكون أنا الذي أتصرف في شؤوني بقوتي (لكان الحول عني معتزلاً) أي: بعيداً إذ لا حول لي (ولكانت القوة عني بعيدة) والحول هو القدرة على الانتقال من حال إلى حال، والقوة مطلق شامل لجميع أقسام القدرة (فغذوتني بفضلك غذاء البر) البر هو الذي يبر ويحسن بالإنسان (اللطيف) ذي اللطف والإفضال (تفعل ذلك بي، تطولاً عليّ) أي: تفضلاً وإحساناً (إلى غايتي هذه) أي: إلى هذا الوقت (لا أعدم برك) في حال من الحالات (ولا يبطئ بي حسن صنيعك) أي: صنعك الحسن (ولا تتأكد مع ذلك) الذي رأيته منك من الجميل المستمر (ثقتي) بك، حتى أعلم أنك المؤمل الوحيد والمحسن الفرد (فأتفرغ لما هو أحظى لي عندك) أي اجعل أوقاتي كلها مصروفة في طاعتك، الموجبة لكثرة حظوتي وحظي ولا أشتغل بأمور الدنيا، كما هو عادة الذين يسيئون الظن بك (قد ملك الشيطان عناني في سوء الظن) بك (وضعف اليقين) بأمرك (فأنا أشكو) إليك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سُوءَ مُجاوَرَتِهِ لِي، وَطاعَةَ نَفْسِي لَهُ، وَأَسْتَعْصِمُكَ مِنْ مَلَكَتِهِ، وَأَتََضَرَّعُ إِلَيْكَ فِي صَرْفِ كَيْدِهِ عَنِّي، وَأَسْأَلُكَ فِي أَنْ تُسَهِّلَ إلَى رِزْقِي سَبِيلاً، فَلَكَ الحَمْدُ عَلَى ابْتِدائِكَ بِالنِّعَمِ الجِسامِ وَإِلْهامِكَ الشُّكْرَ عَلَى الإحْسانِ وَالإنْعامِ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَهِّلْ عَلَيَّ رِزْقِي، وَأنْ تُقَنِّعَنِي بِتَقْدِيِرِكَ لِي، وَأَنْ تُرْضِيَنِي بِحِصَّتِي فِيما قَسَمْتَ لِي، وَأَنْ تَجْعَلَ ما ذَهَبَ مِنْ جِسْمِي وَعُمْرِي في سَبِيلِ طاعَتِكَ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(سوء مجاورته) أي: مجاورة الشيطان (لي) فإنه جار سيئ (وطاعة نفسي له) أي: للشيطان (واستعصمك) أي: أطلب أن تحفظني وتعصمني (من ملكيته) أي: مالكيته (وأتضرع إليك في صرف كيده عني وأسألك في أن تسهل إلى رزقي سبيلاً) حتى تقطع دابر الشيطان ووسوسته إلي (فلك الحمد) يا رب (على ابتدائك بالنعم الجسام) جمع جسيم: بمعنى العظيم أي: إنك ابتدأت بإعطائي نعماً عظيمة (وإلهامك الشكر على الإحسان والإنعام) أي: أوقعت في قلبي أن أشكرك على ما أعطيتني من النعم.

(فصلِّ على محمد وآله وسهل عليّ رزقي) حتى يأتني سهلاً بدون تعب ونصب (وأن تقنعني بتقديرك لي) حتى أكون قانعاً بتقديرك وقسمتك (وأن ترضيني بحصتي) وقسمتي (فيما قسمت لي) من الرزق (وأن تجعل ما ذهب من جسمي وعمري في سبيل طاعتك) بأن تكتبني مطيعاً فيما سلف من عمري، وإن لم أكن حقيقة مطيعاً

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إنَّكَ خَيْرُ الرّازِقِينَ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ نارٍ تَغَلَّظْتَ بِها عَلى مَنْ عَصاكَ، وَتَوَعَّدْتَ بِها مَنْ صَدَفَ عَنْ رِضاكَ، وَمِنْ نارٍ نوُرُها ظُلْمَةٌ ٍ، وَهَيِّنُها أَلِيمٌ، وَبَعِيدُها قَرِيبٌ، وَمِنْ نارٍ يَأكُلُ بَعْضَها بَعْضٌ، وَيَصُولُ بَعْضُها عَلى بَعْضٍ، وَمِنْ نَارٍ تَذَرُ العِظامَ رَمِيماً، وَتَسْقِي أهْلَها حَمِيماً، وَمِنْ نارٍ لا تُبْقِي عَلى مَنْ تَضَرَّعَ إِلَيْها،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(إنك خير الرازقين) ترزق كثيراً بلا منة.

(اللهم إني أعوذ بك من نار تغلظت بها على من عصاك) أي أخذتهم بالشدة بسبب تلك النار (وتوعدت بها) من الوعيد بمعنى الوعد بالشر (من صدف) وأعرض (عن رضاك) في أوامرك ونواهيك (و) أعوذ بك (من نار نورها ظلمة) فإن الدخان إذا كان شديداً كان النور كالظلمة (وهينها) أي: السهل منها (أليم) مؤلم لشدتها (وبعيدها قريب) أي: كالقريب في إيصال حرارتها إلى الإنسان وهكذا تكون الحرارة الشديدة (ومن نار يأكل بعضها بعض) فإن النار الشديدة هكذا تأكل الأقوى منها الأضعف بمعنى أنها تسيطر عليها (ويصول) أي: يهجم بعضها (على بعض) فإن الأمواج النارية لاندفاعها الشديد تهاجم سائر النار (ومن نار تذر العظام رميماً) أي: مفتوتاً كالتراب (وتسقي أهلها حميماً) أي: ناراً شديدة الحرارة (ومن نار لا تبقي على من تضرع إليها) يعني لا يفيد التضرع لديها في تخفيفها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَلا تَرْحَمُ مَنِ اسْتَعْطَفَها، وَلا تَقْدِرُ عَلَى التَّخْفِيفِ عَمَّنْ خَشَعَ لَها وَاسْتَسْلَمَ إِلَيْها، تَلْقى سُكَّانَها بِأَحَرِّ ما لَدَيْها مِنْ أَلِيمِ النَّكالِ وَشَدِيدِ الوَبالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَقَارِبِهَا الفَاغِرَةِ أَفْوَاهَهَا، وَحَيَّاتِهَا الصَّالِقَةِ بِأَنْيَابِهَا، وَشَرَابِهَا الَّذي يُقَطِّعُ أَمْعاءَ وَأَفْئِدَةَ سُكَّانِهَا، وَيَنْزِعُ قُلُوُبَهُمْ، وَأَسْتَهْدِيكَ لِمَا بَاعَدَ مِنْهَا، وَأَخَّرَ عَنْهَا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(ولا ترحم من استعطفها) أي: طلب منها العطف والرحمة (ولا يقدر على التخفيف عمن خشع) وخضع (لها) إذ ليس اختيارها بيد نفسها (واستسلم إليها) أي: انقاد وخضع (تلقى سكانها) جمع ساكن (بأحر ما لديها من أليم النكال) أي: النكال المؤلم (وشديد الوبال) بمعنى عاقبة العمل السيئة والنكال بمعنى العقاب (وأعوذ بك من عقاربها) جمع عقرب (الفاغرة) أي: الفاتحة (أفواهها) جمع فم، وذلك لالتهام العصاة (وحياتها الصالقة) صلق كضرب وزناً ومعنى (بأنيابها) جمع ناب: بمعنى السن والمعنى: تلدغ الإنسان بأسنانها (وشرابها الذي يقطع أمعاء وأفئدة سكانها) أفئدة جمع فؤاد: بمعنى القلب، فإن ماء النار لكثرة حرارته يقطع أمعاء الإنسان وما في جوفه إذا شربه (وينزع قلوبهم) عن مكانها (وأستهديك) أي: أطلب منك الهداية (لما باعد منها) بأن تهديني للأعمال التي توجب بعد الإنسان عن النار (وأخر عنها) أي: يوجب تأخير النار عن الإنسان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَجِرْنِي مِنْها بِفَضْلِ رَحْمَتِكَ، وَأَقِلْنِي عَثَراتِي بِحُسْنِ إقالَتِكَ، وَلا تَخْذُلْنِي يا خَيْرَ المُجِيريِنَ، إِنَّكَ تَقِي الكَرِيهَةَ، وَتُعْطِي الحَسَنَةَ، وَتَفْعَلُ ما تُرِيدُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ إذا ذُكِرَ الأَبْرارُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(اللهم صلِّ على محمد وآله وأجرني) أي: أعذني واحفظني (منها بفضل رحمتك وأقلني عثراتي) العثرة: بمعنى الزلة والإقالة: بمعنى الإغماض عن العثرة (بحسن إقالتك) أي: إقالتك الحسنة (ولا تخذلني) الخذلان: ترك العبد ليصنع ما يشاء مما يستوجب له العقاب (يا خير المجيرين) من أجار: بمعنى أعطاه الملجأ (إنك تقي الكريهة) الكريهة: الخلة والصفة التي يكرهها الإنسان، فإنه سبحانه يحفظ الإنسان منها، فإن (تقي) من وقى يقي: بمعنى حفظ (وتعطي الحسنة) فقني من العذاب واعطني الجنة والثواب (وتفعل ما تريد وأنت على كل شيء قدير) تتمكن من أن تفعل كل ما تريده.

(اللهم صلِّ على محمد وآله إذا ذكر الأبرار) جمع: بر وهو الذي يفعل الأفعال الحسنة، وهذا كناية عن كونهم أبراراً حتى إذا ذكر الأبرار كأن المستحق للعطف هم، لأنهم أظهر مصاديق البارين كما نقول: احترم زيداً إذا جاء العلماء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ صَلاةً لا يَنْقَطِعُ مَدَدُها، وَلا يُحْصى عَدَدُها، صَلاةً تَشْحَنُ الهَواءَ، وَتَمْلأُ الأَرْضَ وَالسَّماءَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ حَتّى يَرْضى، وَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بَعْدَ الرِّضَا، صَلاةً لا حَدَّ لَهَا وَلا مُنْتَهَى، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وصلِّ على محمد وآل محمد ما اختلف الليل والنهار) أي: تعاقبا بأن جاء أحدهما بعقب الآخر (صلاة لا ينقطع مددها) وإنما تأتي صلاة وراء صلاة، فتكون الثانية مدداً للأولى وهكذا (ولا يحصى عددها) أي: عدد تلك الصلوات كثرة (صلاة تشحن) أي: تملأ تلك الصلاة (الهواء) من باب تشبيه المعقول بالمحسوس (وتملأ الأرض والسماء) كثرة وزيادة حتى أنها لو كانت جسماً لملأت جميع الكون.

(صلّى الله عليه) جملة خبرية بمعنى الإنشاء أي: اللهم صلّ عليه (حتى ترضى) كما قال سبحانه: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) [4].

(وصلّى الله عليه وآله بعد الرضا) أي: أضف عليه العطف والرحمة زيادة على ما رضي منه (صلاة لا حد لها) وسعة (ولا منتهى) ذاتاً، بل صلاة وسيعة ممتدة وعدم الحد والمنتهى كناية عن الكثرة الزائدة وإلا فكل حادث لا بد وأن يكون له حد ومنتهى كما ثبت في أدلة بطلان التسلسل.

[1]  ـ سورة الأعراف، آية: 14.

[2]  ـ سورة الحشر، آية: 16.

[3]  ـ سورة المؤمنون، آية: 12 ـ 15.

[4]  ـ سورة الضحى، آية: 5.