الفهرس

المؤلفات

الأدعية

الصفحة الرئيسية

 

(37)

دعاؤه (عليه السلام) إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر

وكان من دعائه (عليه السلام) إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر

اللّهُمَّ إِنَّ أَحَداً لا يَبْلُغُ مِنْ شُكْرِكَ غايَةً إلاّ حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إِحْسانِكَ ما يُلْزِمُهُ شُكْراً، وَلا يَبْلُغُ مَبْلَغَاً مِنْ طاعَتِكَ وَإِنِ اجْتَهَدَ إِلا كانَ مُقَصِّراً دُونَ اسْتِحْقاقِكَ بِفَضْلِكَ، فَأَشْكَرُ عِبادِكَ عاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدعاء السابع والثلاثون

الشرح

وكان من دعائه (عليه السلام) إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر

(اللهم إن أحداً لا يبلغ من شكرك غاية) أي: مقصداً (إلا حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكراً) إذ الشكر لا يكون إلا بنعمة الله تعالى على الإنسان بالتوفيق للشكر، وبإعطاء الآلات التي يتشكر الإنسان بسببها ومن المعلوم أن التوفيق والإعطاء للآلات نعمة تستحق شكراً، فكل شكر سبب للشكر، كما قال الشاعر:

إني وليس لي بلوغ ما وجب***من شكره والشكر للشكر سبب

(ولا يبلغ مبلغها) أي: مقداراً (من طاعتك وإن اجتهد) وأتعب نفسه (إلا كان مقصراً دون استحقاقك بـ) سبب (فضلك) فإن طاعة الإنسان دون ما ينبغي أمام الخالق العظيم مهما عبد وأطاع (فأشكر عبادك) أي: أكثرهم شكراً (عاجز عن شكرك) كما ينبغي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَأَعْبَدُهُمْ مُقَصِّرٌ عَنْ طاعَتِكَ، لا يَجِبُ لأَحَدٍ أَنْ تَغْفِرَ لَهُ بِاسْتِحْقاقِهِ، وَلا أنْ تَرْضى عَنْهُ بِاسْتِيجابِهِ، فَمَنْ غَفَرْتَ لَهُ فَبِطَوْلِكَ، وَمَنْ رَضِيتَ عَنْهُ فَبِفَضْلِكَ، تَشْكُرُ يَسِيرَ ما شُكِرتَهُ، وَتُثِيبُ عَلى قَلِيلِ ما تُطَاعُ فِيهِ، حَتَّى كَأَنَّ شُكْرَ عِبْادِكَ الَّذِي أَوْجَبْتَ عَلَيْهِ ثَوابَهُمْ، وَأَعْظَمْتَ عَنْهُ جَزَاءَهُمْ، أَمْرٌ مَلَكُوا اسْتِطَاعَةَ الاِمْتِنَاعِ مِنْهُ دُونَكَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وأعبدهم مقصرٌ عن طاعتك) كما أنت مستحق (لا يجب) عليك (لأحد أن تغفر له باستحقاقه) عليك الغفران، فإن المغفرة فضل لا استحقاق (ولا أن ترضى عنه باستيجابه) بأن يكون مستوجباً للرضا عنه (فمن غفرت له) ذنبه (فبطولك) وإحسانك غفرت له (ومن رضيت عنه فبفضلك) رضيت عنه (تشكر) أنت يا رب (يسير ما شكرته) فلو أن أحداً شكرك يسيراً تشكر أنت ذلك اليسير، وشكر الله سبحانه عن العبد إثابته (وتثيب) أي: تعطي الثواب (على قليل ما تطاع فيه) من العبادات ونحوها التي يطاع الله فيها (حتى كأن شكر عبادك) لك (الذي أوجبت) يا رب (عليه) أي: على ذلك الشكر (ثوابهم) أي: أن تثيبهم (وأعظمت عنه جزاءهم) بأن تجزيهم جزاءً عظيماً لشكرهم لك (أمر) خبر (كأن) (ملكوا) العباد (استطاعة الامتناع منه) فإن الإنسان إنما يمدح على فعل يملك الامتناع منه، والعباد لا يملكون هذا الامتناع عن شكرك، لكنك تعاملهم معاملة من يملك الامتناع (دونك) أي: في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فَكَافَيْتَهُمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ بِيَدِكَ فَجَازَيْتَهُمْ، بَلْ مَلَكْتَ ـ يا إلهِي ـ أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكُوا عِبادَتَكَ، وَأَعْدَدْتَ ثَوابَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُفِيضُوا فِي طاعَتِكَ، وَذلِكَ أَنَّ سُنَّتَكَ الإفِضالُ وَعادَتَكَ الإِحْسانُ، وَسَبِيلَكَ العَفْوُ، فَكُلُّ البَريَّةِ مُعْتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيْرُ ظالِمٍ لِمَنْ عاقَبْتَ، وَشاهِدَةٌ بأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ عَلَى مَنْ عَافَيْتَ، وَكُلٌّ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّقْصِيرِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قبالك (فكافيتهم) أي: جازيتهم بأن أعطيت على شكرهم ثواباً (أو) كأنه (لم يكن سببه) أي: سبب شكر العباد (بيدك) مع العلم أن سبب الشكر من الآلات والتوفيق منه تعالى وبيده (فجازيتهم) بالثواب (بل ملكت يا إلهي أمرهم، قبل أن يملكوا عبادتك) فإن قدرتهم على عبادتك ـ ويعبر عن القدرة بالملك ـ متأخرة عن ملكك لهم (وأعددت ثوابهم) على شكرك (قبل أن يفيضوا) ويدخلوا (في طاعتك) فإنه سبحانه عين ثواب العبادات قبل عمل العباد لها (وذلك أن سنتك الإفضال) أي: طريقتك أن تتفضل على عبادك (وعادتك الإحسان) إلى الخلق (وسبيلك العفو) عن المسيئين.

(فكل البرية معترفة بأنك غير ظالم لمن عاقبت) من المسيئين، وهذا من قبيل (لا ريب فيه) حيث لا ينافي وجود الريب، إذ المراد الشأنية فلا يقال كيف وهناك منحرفون لا يعدلونه سبحانه في أفعاله (وشاهدة بأنك متفضل على من عافيت) من البلاء (كل مقر على نفسه بالتقصير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عَمَّا اسْتَوْجَبْتَ، فَلَوْلاَ أَنَّ الشّيْطَانَ يَخْتَدِعُهُمْ عَنْ طَاعَتِكَ مَا عَصَاكَ عَاصٍ، وَلَوْلاَ أَنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ البَاطِلَ في مِثَالِ الحَقِّ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيقِكَ ضَالٌّ، فَسُبْحَانَكَ! مَا أَبْيَنَ كَرَمَكَ في مُعَامَلَةِ مَنْ أَطَاعَكَ أَوْ عَصَاكَ، تَشْكُرُ لِلْمُطِيعِ مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَهُ، وَتُمْلِي لِلْعَاصِي فِيمَا تَمْلِكُ مُعَاجَلَتَهُ فِيهِ، أَعْطَيْتَ كُلاًّ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عما استوجبت) أي: أنه مقصر عن أداء ما هو واجب لك من العبادة.

(فلولا أن الشيطان يختدعهم) أي: يخدعهم ويغشهم ليصرفهم (عن طاعتك ما عصاك عاص) أبداً (ولولا أنه صور لهم الباطل في مثال الحق) بأن ألبس الباطل لباس الحق (ما ضلَّ عن طريقك ضالّ) منحرف عن السبيل.

(فسبحانك ما أبين كرمك في معاملة من أطاعك) (أبين) بمعنى: أظهر، واللفظ للتعجب من ظهور كرمه سبحانه (أو عصاك) لأنه سبحانه يعامل الطائفتين بالإنعام كما قال سبحانه: (كلاًّ نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) [1] (تشكر للمطيع ما أنت توليته له) أي: ما أنت أعطيته إياه، إذ هو سبحانه يشكر المطيع بإطاعته والأجرة والتوفيق منه تعالى (وتملي للعاصي) أي: تمهل ولا تعجل عليه (فيما تملك معاجلته فيه) فإن الله قادر على تعجيل العقاب لكنه يؤخره لعله يتوب (أعطيت كلاً منهما) أي: من المطيع والعاصي (ما لم يجب له) من الإنعام والإحسان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَتَفَضَّلْتَ عَلى كُلٍّ مِنْهُما بِما يَقْصُرُ عَمَلُهُ عَنْهُ، وَلَوْ كافَأتَ المُطيعَ عَلى ما أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لأَوْشَكَ أَنْ يَفْقِدَ ثَوابَكَ، وَأَنْ تَزُولَ عَنْهُ نِعْمَتُكَ، وَلكِنَّكَ بِكَرَمِكَ جازَيْتَهُ عَلَى المُدَّةِ القَصِيرةِ الفانِيَةِ بِالمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ الخَالِدَةِ، وَعَلى الغايَةِ القَرِيبَةِ الزَّائِلَةِ بِالغايَةِ المَديدَةِ الباقِيَةِ، ثُمَّ لَمْ تَسُمْهُ القِصاصَ فِيما أَكَلَ مِنْ رِزْقِكَ الَّذي يَقْوى بِهِ عَلى طَاعَتِكَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وتَفَضلت على كل منهما بما يقصر عمله عنه) فإن عمل الإنسان أقل مما وهبه الله سبحانه من الإنعام (ولو كافأت المطيع) المكافأة المماثلة في الصنع (على ما أنت توليته) بأن طلبت منه العمل في مقابل إحسانك (لأوشك) واقترب (أن يفقد ثوابك) إذ عمله يكون حينئذ في مقابل ما أعطيت (وأن تزول عنه نعمتك) إذ النعم المتجددة تبقى بلا مقابل، فإنه لا يتمكن من الإتيان بأعمال كثيرة تعني بما سبق وما يأتي من النعم (ولكنك بكرمك جازيته على المدة القصيرة الفانية) وهي مدة الدنيا (بالمدة الطويلة الخالدة) الباقية، فإذا أطاع في زمان قليل يثيبه في الآخرة زماناً كثيراً لا انقطاع له ولا نفاد (و) جازيته (على الغاية القريبة الزائلة) المراد بالغاية المدة، لا انتهاء المدة، والمراد بها مدة مكث الإنسان في الدنيا (بالغاية) أي: المدة (المديدة) أي: الممتدة (الباقية) في الآخرة (ثم لم تسمه) من سام يسوم، بمعنى الإذلال، وأصله يسومه حذف الواو للجزم (القصاص) أي: التعداد، يعني لم تلزمه القصاص والحسبان (فيما أكل من رزقك الذي يقوى به على طاعتك) بأن تخرج

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَلَمْ تَحْمِلْهُ عَلَى المُناقَشاتِ في الآلاتِ الّتِي تُسَبِّبُ بِاسْتِعْمالِها إلى مَغْفِرَتِكَ، وَلَو فَعَلْتَ ذَلِكَ بِهِ لَذَهَبَ بِجَميعِ ما كَدَحَ لَهَ وَجُمْلَةِ ما سَعى فِيهِ جَزاءً لِلصُّغْرى مِنْ أياديكَ وَمِنَنِكَ، وَلَبَقِيَ رَهيناً بَيْنَ يَدَيْكَ بِسائِرِ نِعَمِكَ، فَمَتى كان يَسْتَحِقُّ شَيْئاً مِنْ ثَوابِكَ؟ لا مَتى؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قيمة الرزق من قيمة العمل. ثم تعطيه الباقي، مثلاً قيمة الرزق في الدنيا ألف دينار وقيمة العمل خمسة آلاف دينار، فتطرح الألف من الخمسة الآلاف ويقطعه في الآخرة بمقدار أربعة آلاف (ولم تحمله على المناقشات) أي: المحاسبات الدقيقة (في الآلات) البدنية أي: الجوارح (التي تسبب باستعمالها إلى مغفرتك) بأن تحسب عليه قيمة الجوارح، وتخرجها عن قيمة العمل (ولو فعلت ذلك به) أي: بالشخص (لذهب) حسابك وطلبك منه (بجميع ما كدح) وعمل (له) من ثواب الآخرة، إذ قيمة ما أعطاه الله للإنسان من الأجهزة والرزق أكثر من قيمة عمل الإنسان (وجملة) أي: تمام (ما سعى فيه) من الأعمال الصالحة (جزاءً) أي: ذهب الكل جزاءً (للصغرى من أياديك) أي: النعمة الصغيرة من نعمك (ومننك) التي أعطيتها، والمراد بالمنة النعمة (ولبقي) الشخص (رهيناً بين يديك بـ) سبب (سائر نعمك) فإن نعمة العين تسوي آلاف الدنانير بينما تمام أعمال الإنسان لا تسوي ذلك، فيبقى لله طلب من العبد بسبب نعمة اليد واللسان وغيرهما (فمتى كان يستحق شيئاً من ثوابك) وإحسانك في الآخرة، لو حاسبته بهذا الحساب (لا متى) أي: لا وقت يكون العبد طالباً منك، وإنما أنت تطلب منه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا يا إلهِي حالُ مَنْ أَطاعَكَ وَسَبِيلُ مَنْ تَعَبَّد لَكَ، فَأَمَّا العاصي أَمْرَكَ وَالمُواقِعُ نَهْيَكَ فَلَمْ تُعاجِلْهُ بِنَقِمَتِكَ لِكَيْ يَسْتَبْدِلَ بِحالِهِ في مَعْصِيَتِكَ حالَ الإنابَةٍ إلى طاعَتِكَ، وَلَقَدْ كانَ يَسْتَحِقُّ في أَوَّلِ ما هَمَّ بِعِصْيانِكَ كُلَّ ما أَعْدَدْتَ لِجَميعِ خَلْقِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ فَجَميعُ ما أَخَّرْتَ عَنْهُ مِنَ العَذابِ وَأَبْطَأْتَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَطَواتِ النَّقِمَةِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(هذا) الذي ذكرنا من طلبك عن العبد (يا إلهي حال من أطاعك وسبيل) أي: طريق (من تعبد لك) أي: عبدك، الذي ليس له حق عليك مع طاعته وعبادته (فأما العاصي أمرك والمواقع) أي: الآتي (نهيك فلم تعاجله بنقمتك) وعذابك (لكي يستبدل بحاله في معصيتك) أي: عوض حاله في العصيان (حال الإنابة إلى طاعتك) الإنابة: بمعنى الرجوع والتوبة (ولقد كان يستحق في أول ما هم بعصيانك كل ما أعددت لجميع خلقك من عقوبتك) والمراد بالاهتمام إما الفعل، لأن الإرادة تستعمل بمعنى الفعل قال سبحانه: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) [2] وإما الاهتمام، ولا يبعد في أن يكون هم العصيان مأخوذ عليه لأنه يدل على سوء السريرة والانطواء على المخالفة، والمراد: (بكل ما أعددت) الشيء الذي أعده تعالى، لا الكل بمعنى الجميع (فجميع ما أخرت عنه من العذاب وأبطأت به) الضمير عائد إلى [ما] (عليه) أي: على العاصي (من سطوات النقمة والعقاب) السطوة الأخذة الشديدة، والنقمة: النكال من نقم بمعنى غضب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَالعِقابِ تَرْكٌ مِنْ حَقِّكَ، وَرِضىً بِدُونِ واجِبِكَ، فَمَنْ أَكْرَمُ يا إلهِي مِنْكَ، وَمَنْ أَشْقى مِمَّن هَلَكَ عَلَيْكَ؟ لا! مَنْ؟ فَتَبارَكْتَ أَنْ تُوْصَفَ إلاّ بِالإحْسانِ، وَكَرُمْتَ أنْ يُخافَ مِنْكَ إلاّ العَدْلُ لا يُخْشى جَوْرُكَ عَلى مَنْ عَصاكَ، وَلا يُخافُ إغْفَالُكَ ثَوابَ مَنْ أَرْضاكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِي أَمَلِي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(ترك من حقك) أي: أنت تترك حقك، في عدم الأخذ (ورضى بدون واجبك) أي: رضى منك بالأدون من الشيء الذي ثابت لك، فإن الواجب بمعنى الثابت، والإضافة إلى الفاعل، لأنه بمعنى الواجب لك، لا الواجب عليك (فمن أكرم يا إلهي منك) استفهام للإنكار، أي لا أكرم منك (ومن أشقى ممن هلك عليك) أي: شقي إلى جنب رحمتك وفضلك (لا من) أي: لا أحد أكرم منك، ولا أحد أشقى ممن هلك في قبال رحمتك (فتباركت أن توصف إلا بالإحسان) أي: أنت منزه من الوصف بسوى أنك محسن إلى الناس (وكرمت أن يخاف منك) أحد (إلا العدل) فالخوف إنما هو من عدلك (لا يخشى جورك على من عصاك) إذ لا تظلم أنت، بعقاب العاصي أكثر من استحقاقه (ولا يخاف إغفالك ثواب من أرضاك) بأن تغفل من ثواب المطيع فلا تثيبه (فصلِّ على محمد وآله وهب لي أملي) أي: ما أرجوه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَزِدْني مِنْ هُداكَ ما أصِلُ بِهِ إلىَ التَّوْفيقِ في عَمَلي، إِنَّكَ مَنَّانٌ كَرِيمٌ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وزدني من هداك ما أصل به إلى التوفيق في عملي) بأن أوفق لصالح الأعمال، والتوفيق، جمع الأسباب الموصلة إلى المراد، مصدر من باب وفق يوفق (إنك) يا رب (منان) أي كثير المنة على العباد (كريم) في عطائك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(38)

دعاؤه (عليه السلام) في الاعتذار من تبعات العباد ومن التقصير في حقوقهم

وفي فكاك رقبته من النار

وكان من دعائه (عليه السلام) في الاعتذار من تبعات العباد ومن التقصير

في حقوقهم وفي فكاك رقبته من النار

اللّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلوُمٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ انَصُرْهُ وَمِنْ مَعْروفٍ أُسْدِيَ إِلَيَّ فَلَمْ أَشْكُرْهُ، وَمِنْ مُسيءٍ اعْتَذَرَ إِلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ، وَمِنْ ذي فاقَةٍ سَألَنِي فَلَمْ أوُثِرْهُ، وَمِنْ حَقِّ ذي حَقٍّ لَزِمَنِي لِمُؤْمِنٍ فَلَمْ أُوَفِّرْهُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدعاء الثامن والثلاثون

الشرح

وكان من دعائه (عليه السلام) في الاعتذار من تبعات العباد ومن التقصير

في حقوقهم وفي فكاك رقبته من النار

(اللهم إني أعتذر إليك) أي: أطلب منك العذر بأن تعفو عني (من مظلوم ظلم بحضرتي) أي: حال كوني حاضراً (فلم أنصره) وأني قادر على ذلك (ومن معروف أسدي إلي) فإن الإسداء بمعنى الإحسان (فلم أشكره) فإن شكر المعروف لازم (ومن مسيء اعتذر إلي فلم أعذره) أي: لم أقبل عذره فإن من أدب الإسلام أن يقبل الإنسان عذر المعتذر (ومن ذي فاقة) حاجة (سألني فلم أوثره) أي: لم أقدمه على نفسي بإعطائه وحرمان نفسي (ومن حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم أوفره) أي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَمِنْ عَيْبِ مُؤمِنٍ ظَهَرَ لي فَلَمْ أَسْتُرْهُ، وَمِنْ كُلِّ إِثْمٍ عَرَضَ لي فَلَمْ أَهْجُرْهُ، أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ يا إِلهِي مِنْهُنَّ وَمِنْ نَظَائِرِهِنَّ اَعْتِذارَ نَدامَةٍ يَكُونُ واعِظاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ أَشْباهِهِنَّ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْ نَدامَتِي عَلى ما وَقَعْتُ فيهِ مِنَ الزَّلاّتِ، وَعَزْمي عَلى تَرْكِ ما يَعْرِضُ لِي مِنَ السَّيِّئَاتِ تَوْبَةً تُوجِبُ ليَ مَحَبَّتَكَ، يَا مُحِبَّ التَّوّابِينَ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لم أعطه حقه (ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره) مع أن اللازم ستر عيوب الناس (ومن كل إثم) ومعصية (عرض لي) أي: ظهر (فلم أهجره) أي: لم أتركه بل أتيت به (أعتذر إليك يا إلهي منهن) أي: من هذه الخصال الذميمة (ومن نظائرهن) أي: أمثالهن من سائر الخصال المذمومة (اعتذار ندامة) أي: اعتذاراً ناشئاً من الندامة (يكون) ذلك الاعتذار (واعظاً لما بين يدي من أشباههن) أي: أمثال هذه الصفات المذمومة.

(فصلِّ على محمد وآله واجعل ندامتي على ما وقعت فيه من الزلات) بأن أندم على المعاصي التي صدرت مني، والزلات جمع زلة بمعنى العثرة شبَّه العاصي بالعاثر الذي يقع، إذ كل منهما يتضرر هذا جسماً وذاك نفساً (و) اجعل (عزمي على ترك ما يعرض لي من السيئات) بأن أعزم وأنوي ترك كل سيئة تجول بخاطري (توبة) مفعول ثان لـ[اجعل] (توجب) تلك الندامة وهذه العزيمة (لي محبتك) بأن تحبني (يا محب التوابين) فإنه يحب التوابين كما في القرآن الحكيم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39)

دعاؤه (عليه السلام) في طلب العفو والرحمة

وكان من دعائه (عليه السلام) في طلب العفو والرحمة

اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْسِرْ شَهْوَتي عَنْ كُلِّ مَحْرَمٍ، وَازْوِ حِرْصي عَنْ كُلِّ مَأثَمٍ، وَامْنَعْني عَنْ أذى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَمُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، اللّهُمَّ وَأيُّما عَبْدٍ نالَ مِنِّي ما حَظَرْتَ عَلَيْهِ، وَانْتَهَكَ مِنِّي ما حَجَرْتَ عَلَيْهِ، فَمَضى بِظُلامَتِي مَيِّتاً أوْ حَصَلَتْ لي قِبَلَهُ حَيّاً

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدعاء التاسع والثلاثون

الشرح

وكان من دعائه (عليه السلام) في طلب العفو والرحمة

(اللهم صلّ على محمد وآله واكسر شهوتي عن كل محرم) بأن لا أشتهي العمل بالمحرمات (وازو) من زوى يزوي، بمعنى: بعد (حرصي عن كل مأثم) أي: عن كل إثم (وامنعني عن أذى كل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة) وقد تقدم أن المسلم الجاهل بالإيمان وشرائطه يستحق الدعاء، ويرجى له الخلاص هناك بعد الامتحان.

(اللهم وأيما عبد نال مني ما حظرت عليه) أي: منعت، بأن انتابني أو آذاني أو ما أشبه (وانتهك مني) أي: خرق (ما حجرت عليه) أي: حرمت عليه، يقال انتهك الحرمة إذا أخرقها وارتكبها (فمضى بظلامتي ميتاً) أي: أنه مات مع تحمل تبعة ظلمي، والظلامة المظلمة (أو حصلت لي قبله) أي: عليه، وفاعل حصلت الضمير العائد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فَاغْفِرْ لَهُ ما ألَمَّ بِهِ مِنِّي، وَاعْفُ لَهُ عَمَّا أَدْبَرَ بِهِ عَنِّي، وَلا تَقِفْهُ عَلى مَا ارْتَكَبَ فِيَّ، وَلا تَكْشِفْهُ عَمَّا اكْتَسَبَ بِي، وَاجْعَلْ ما سَمَحْتُ بِهِ مِنَ العَفْوِ عَنْهُمْ، وَتَبَرَّعْتُ بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ أَزْكى صَدَقاتِ المُتَصَدّقِينَ وَأَعْلى صِلاتِ المُتَقَرَّبِِينَ، وَعَوِّضْني مِنْ عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ، وَمِنْ دُعائِي لَهُمْ رَحْمَتَكَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلى الظلامة (حياً) أي: في حال كونه بعد في الدار الدنيا (فاغفر له ما ألمّ به) أي: نزل به من الإثم (مني) أي: من جهتي وبسببي انتهاكه لي (واعف له عما أدبر به عني) أي: عن الذنب الذي أدبر بسبب ذلك الذنب عني (ولا تقفه) أي: لا تطلعه ولا تؤاخذه، من وقفه يقفه (على ما ارتكب فيّ) من الإثم والخطأ والإيذاء (ولا تكشفه) أي: تظهر عمله السيئ للناس، وهذا معنى (عما) أي: لا تكشف له عن عمله السيئ الذي (اكتسب بي) أي: بسببي (واجعل ما سمحت به) السماح التجاوز عن الحق (من العفو عنهم) أي: عن الذين آذوني (وتبرعت به من الصدقة عليهم) أي: تصدقت عليهم بعفوي وصفحي (أزكى صدقات المتصدقين) أي: أكثرها نماءً وفائدة، من (زكى) بمعنى طهر (وأعلى صلات المتقربين) صلات جمع صلة وهي العطية، والمراد بالمتقربين المتقربون إليه سبحانه (وعوضني من عفوي عنهم عفوك) عني فإن الله حيث أمر بالعفو، يثيب على العفو فيطلب الإمام أن تكون إثابته تعالى عفوه عن سيئات الداعي (ومن دعائي لهم رحمتك) وفضلك عليّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حَتّى يَسْعَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنّا بِفَضْلِكَ، وَيَنْجُوَ كُلٌّ مِنَّا بِمَنِّكَ، اللّهُمَّ وَأَيُّما عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِكَ أَدْرَكَهُ مِنِّي دَرَكٌ، أَوْ مَسَّهُ مِنْ ناحِيَتِي أَذىً، أوْ لَحِقَهُ بي أَوْ بِسَبَبِي ظُلْمٌ فَفُتُّهُ بِحَقِّهِ، أَوْ سَبَقْتُهُ بِمَظْلَمَتِهِ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأرْضِهِ عَنِّي مِنْ وُجْدِكَ، وَأَوْفِهِ حَقَّهُ مِنْ عِنْدِكَ، ثُمَّ قِني ما يُوْجِبُ لَهُ حُكْمَكَ، وَخَلِّصْني مِما يَحْكُمُ بِهِ عَدْلُكَ، فَإِنَّ قُوَّتي لا تَسْتَقِلُّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(حتى يسعد) أي: يصير سعيداً (كل واحد منا) من آذاني، وأنا (بفضلك وينجو) من العذاب (كل منا بمنك) وإحسانك.

(اللهم وأيما عبد من عبيدك أدركه مني) أي: وصل إليه من ناحيتي (درك) أي: شين وأذى (أو مسه من ناحيتي أذى) كأن اغتبته أو أذيته أو ما أشبه (أو لحقه بي) أي: مني مباشرة (أو بسببي) بأن لحقه مني بسبب أبني أو ما أشبه (ظلم ففته بحقه) أي: ذهبت بحقه من فات يفوت (أو سبقته) أي: ذهبت سابقاً عليه (بمظلمته) أي: بظلمه، فإن الناهب ونحوه يفر ويسبق المنهوب منه لئلا يلحقه.

(فصلِِّّ على محمد وآله وأرضه عني من وجدك) أي: سعة عطيتك فإن الله تعالى واجد وقادر على إرضائه (وأوفه حقه) أي: أعطه ما يستحق علي (من عندك) فإني لا أملك الإعطاء (ثم قني) أي: احفظني من وقي يقي (ما يوجب له) أي: لذاك الشخص (حكمك) علي، فإن الله ينتقم للمظلومين من الظالمين (وخلصني مما يحكم به عدلك) فإن عدل الله يقتضي تعذيب الظالم (فإن قوتي لا تستقل) ولا تتمكن من تحمل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بِنَقِمَتِكَ، وَإنَّ طاقَتي لا تَنْهَضُ بِسُخْطِكَ، فَإِنَّكَ إِنْ تُكافِني بِالحَقِّ تُهْلِكْنِي، وَإلاّ تَغَمَّدْني بِرَحْمَتِكَ تُوبِقْنِي، اللّهُمَّ إِنِّي أسْتَوْهِبُكَ يا إِلهِي ما لا يَنْقُصُكَ بَذْلُهُ، وَأسْتَحْمِلُكَ ما لا يَبْهَضُكَ حَمْلُهُ، أسْتَوْهِبُكَ يا إِلهِي نَفْسِيَ الَّتِي لَمْ تَخْلُقْها لِتَمْتَنِعَ بِهَا مِنْ سُوءٍ، أَوْ لِتَطَرَّقَ بِها إلى نَفْعٍ، وَلكِنْ أَنْشَأتَها إِثْباتاً لِقُدْرَتِكَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(بنقمتك) وعذابك (وإن طاقتي) وقدرتي (لا تنهض بسخطك) أي: لا تتمكن من تحمل الغضب منك (فإنك إن تكافني بالحق تهلكني) أي: أن تقابلني بالإساءة عقاباً، كما يقتضيه الحق، تعذبني والعذاب هو الهلاك (وإلا تغمدني) أي: تسترني وتعمّني (برحمتك توبقني) أي: تهلكني، من أوبقه بمعنى: أهلكه.

(اللهم إني أستوهبك يا إلهي) أي: أطلب أن تهبني (ما لا ينقصك بذله) فإن كل ما يبذله سبحانه لا يوجب نقصاً في ملكه (وأستحملك) أي: أطلب منك أن تتحمل عني تبعات آثامي، ومعنى تحمله لها إسقاطه، وتخفيف ظهر الإنسان منها (ما لا يبهضك) أي: لا يثقلك (حمله) فإنه تعالى لا يشق عليه العفو عن الإثم (أستوهبك يا إلهي نفسي التي لم تخلقها لتمتنع بها من سوء) فإن الله لم يخلق الإنسان لاحتياجه إليه في دفع أعدائه وما أشبه، فليس من قبيل الملوك الذين يجمعون الأعوان لاحتياجهم إليهم في دفع الأعداء (أو لتطرق بها) أي: بنفسي (إلى نفع) بأن تريد الانتفاع بسببي (ولكن أنشأتها إثباتاً لقدرتك)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عَلى مِثْلِها وَاحْتجاجاً بِها عَلى شَكْلِها، وَأسْتَحْمِلُكَ مِنْ ذُنُوبي ما قَدْ بَهَضَني حَمْلُهُ، وَأَسْتَعينُ بِكَ عَلى ما قَدْ فَدَحَني ثِقْلُهُ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِنَفْسي عَلى ظُلْمِها نَفْسِي، وَوَكِّلْ رَحْمَتَكَ بِاحْتِمالِ إصْري، فَكَمْ قَدْ لَحِقَتْ رَحْمَتُكَ بِالمُسيئينَ، وَكَمْ قَدْ شَمَلَ عَفْوُكَ الظَّالِمِينَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْني أُسْوَةَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي: تثبت على أنك قادر (على مثلها) فيظهر كمالك في قدرة النفوس كما ورد في الحديث القدسي: (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف) (واحتجاجاً بها) أي: بنفسي (على شكلها) بأنك قادر على إعادة شكلها في الآخرة، كما قال سبحانه: (من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) [3] (وأستحملك من ذنوبي) أي: أسألك أن تحمل من آثامي ـ بالعفو عنها ـ (ما قد بهضني) أي: أثقلني (حمله وأستعين بك على ما قد فدحني) أي: شق عليّ (ثقله) والمراد: الثقل المعنوي.

(فصلِّ على محمد وآله وهب لنفسي على ظلمها) أي: مع أنها ظالمة (نفسي) مفعول [وهب] (ووكل رحمتك باحتمال إصري) الإصر: الحمل الثقيل، والمراد: أن تعفو برحمتك عن ذنوبي (فكم قد لحقت رحمتك بالمسيئين) فغفرت عنهم، و (كم) للتكثير (وكم قد شمل عفوك الظالمين) فتجاوزت عن ظلمهم.

(فصلِِّّ على محمد وآله واجعلني أسوة) أي: مقتدى ومشار إليه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَنْ قَدْ أَنْهَضْتَهُ بِتَجاوُزِكَ عَنْ مَصارِعِ الخاطِئينَ، وَخَلَّصْتَهُ بِتَوْفيقِكَ مِنْ وَرَطاتِ المُجْرِمِينَ، فَأَصْبَحَ طَليقَ عَفْوِكَ مِنْ إِسارِ سُخْطِكَ، وَعَتيقَ صُنْعِكَ مِنْ وَثاقِ عَدْلِكَ، إِنَّكَ إنْ تَفْعَلْ ذلِكَ يا إلهِي تَفْعَلْهُ بِمَنْ لا يَجْحَدُ اسْتِحْقاقَ عُقُوبَتِكَ، وَلا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنْ اسْتيجابِ نَقِمَتِكَ، تَفْعَلُ ذلِكَ يا إلهِي بِمَنْ خَوْفُهُ مِنْكَ أَكْثَرُ مِنْ طَمَعِهِ فِيكَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لكون أول المعفو عنهم (من قد أنهضته بتجاوزك) أي: بسبب تجاوزك (عن مصارع الخاطئين) فإن للخاطئ صرعة ووقوع في أوحال الذنوب (وخلصته بتوفيقك) أي: بسبب توفيقك له (من ورطات المجرمين) أي: ما وقعوا فيه من الورطة والهلاك، والمجرم من أجرم وتعاطى الإثم (فأصبح) ذلك المجرم (طليق عفوك) قد أطلق من إسار الذنب بعفوك له (من إسار سخطك) الإسار جمع ٍ[آسر] بمعنى: القيد، والسخط الغضب (وعتيق صنعك) أعتقه من الذنوب صنعك الحسن به (من وثاق عدلك) الوثاق: القيد الذي يوثق به المجرم، فإن عدله سبحانه يقتضي أن يعاقب المجرم.

(إنك إن تفعل ذلك) العفو (يا إلهي) بي (تفعله بمن لا يجحد استحقاق عقوبتك) فإني معترف باستحقاقي (ولا يبرئ نفسه من استيجاب نقمتك) فإني أرى نفسي غير بريء من أني أستوجب وأستحق نقمتك أي: انتقامك.

(تفعل ذلك) العفو (يا إلهي بمن خوفه منك أكثر من طمعه فيك)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَبِمَنْ يَأسُهُ مِنَ النَّجاةِ أوْكَدُ مِنْ رَجائِهِ لِلْخَلاصِ، لا أنْ يَكُونَ يَأسُهُ قُنُوطاً، أوْ أَنْ يَكْونَ طَمَعُهُ اغْتِراراً، بَلْ لِقِلَّةِ حَسَناتِهِ بَيْنَ سَيِّئاتِهِ، وَضَعْفِ حُجَجِهِ في جَميعِ تَبِعاتِهِ، فَأَمَّا أَنْتَ يا إِلهِي فَأَهْلٌ أَنْ لا يَغْتّرَّ بِكَ الصِّدِّيقُونَ وَلا يَيْأَسَ مِنْكَ المُجْرِمُونَ، لأَنَّكَ الرَّبُ العَظيمُ الَّذي لا يَمْنَعُ أَحَداً فَضْلَهُ وَلا يَسْتَقْصي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإن الإنسان في مقام الاستغناء عن ذنوبه يتغلب عليه الخوف، وإن كان في سائر الأوقات متعادل الخوف والرجاء (وبمن يأسه من النجاة) من عذابك (أوكد من رجائه للخلاص) أي: أكثر (لا أن يكون يأسه قنوطاً) فإن القانط من لا رجاء له (أو أن يكون طمعه) في عفوك (اغتراراً) كما يغتر أهل المعاصي، يستمرون في العصيان ويقولون نطمع (بل) يأسه أكثر (لقلة حسناته بين سيئاته) الكثيرة (وضعف حججه) وأعذاره (في جميع تبعاته) أي: ذنوبه، فإنه لا عذر صحيح له في سيئاته التي ارتكبها.

(فأما أنت يا إلهي فأهل أن لا يغتر بك الصديقون) بأن يأمنوا عقابك والصديق: هو كثير التصديق، وكون الله أهلاً بمعنى أنه لا يترك العصاة وشأنهم بدون عذاب حتى يكون موضع الاغترار من أهل العلم به الذين هم الصديقون، وإن اغتر به الجاهلون (ولا ييأس منك المجرمون) لأنك أهلٌ للعفو فلا ييأس من مغفرتك من أساء وأجرم (لأنك الرب العظيم الذي لا يمنع أحداً فضله) وإحسانه حتى ولو كان مجرماً (ولا يستقصي) أي: لا يأخذ بالاستقصاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مِنْ أَحَدٍ حَقَّهُ، تَعالى ذِكْرُكَ عَنِ المَذْكُورِينَ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ عَنِ المَنْسُوبِينَ، وَفَشَتْ نِعْمَتُكَ في جَميعِ المَخْلوُقينَ فَلَكَ الحَمْدُ عَلى ذلِكَ يا رَبَّ العالَمينَ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(من أحد حقه) بأن يأخذ تمام حقه (تعالى ذكرك عن المذكورين) فإن ذكرك أرفع من ذكر كل أحد يذكره الناس بالرفعة (وتقدست أسماؤك) أي: تنزهت عن النقائص (عن المنسوبين) إلى تلك الأسماء، مثلاً من ينسب إلى العلم، فيقال له (عالم) علمه خليط بالجهل، إلا علمك فإنه تقدس وتنزه عن ذلك، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأسماء (وفشت) أي: وعمّت (نعمتك في جميع المخلوقين فلك الحمد على ذلك) الذي ذكرت من صفاتك الجميلة (يا رب العالمين) إلههم ومربيهم حتى يصلوا إلى حدّ الكمال.

[1]  ـ سورة الإسراء، آية: 20.

[2]  ـ سورة الأحزاب، آية: 33.

[3]  ـ سورة يس، آية: 78 و79.