الباب الخامس

في بعض ما رويته عن حجّة الله جلّ جلاله على
بريّته في عدوله عن نفسه لمّا استشير- مع عصمته -
إلى الأمر بالاستخارة ، وهو حجّة الله على من كُلّف
الاقتداء بإمامته

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ العالم أسعد بن عبدالقاهر الأصفهانيّ معاً ، عن الشيخ العالم أبي الفرج عليّ بن السعيد أبي الحسين الراونديّ ، عن والده ، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن عليّ بن المحسن الحلبيّ ، عن السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ ، قال : أخبرنا ابن أبي جيد(1) ، عن ابن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن عليّ بن أسباط ، قال : دخلت على
____________
(1) في « د » : ابن أبي جنيد ، وهوتصحيف ، صحته ما في المتن ، وهوعلي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد ، يكنى أبا الحسن ، من مشايخ النجاشي والشيخ ، روى عنه النجاشي في كتابه في ترجمة الحسين بن مختار .
أنظر « رجال النجاشي : 40 ، جامع الرواة 1: 554 ، تنقيح المقال 2: 267 ، النابس في القرن الخامس : 117 » .

( 142 )
أبي الحسن - يعني الرضا ( عليه السلام ) - فسألته عن الخروج في البرّ أو البحر إلى مصر ، فقال لي (1) : « ائت مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، في غير وقت صلاة فصلّ ركعتين ، واستخر الله مائة مرّة ومرّة ، فانظر ما يقضي الله »(2) .
يقول عليّ بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن الطاووس أيّده الله : هذا لفظ الحديث المذكور ، أفلا ترى مولانا عليّ بن موسى الرضا ( عليه السلام ) لمّا استشاره عليّ بن أسباط فيما أشار إليه عدل عن مشورته مع عصمته وطهارة إشارته ، وكان أقصى نصيحته لمن استشاره أنّه أشار عليه بالاستخارة ، فمن يقدم بعد مولانا الرضا ( عليه السلام ) أن يعتقد أنّ رأيه لنفسه أو مشاورة غير المعصوم أرجح من مشورته ( صلوات الله عليه ) ، أو يعدل عن مشاورة اللهّ جلّ جلاله إلى غيره ، ويخالف مولانا الرضا ( عليه السلام ) فيما أشار إليه.
ويزيدك كشفاً ما رواه سعد بن عبدالله في كتاب الأدعية ، عن علي بن مهزيار ، قال : كتب أبوجعفر الثاني إلى ابراهيم بن شيبة : « فهمت ما استأمَرتَ (3) فيه من [ أمر ](4) ضَيْعتك (5) التي تعرّض لك السلطان فيها ، فاستخر الله مائة مرّة خيرة في عافية ، فإن احلولى(6) بقلبك بعد الاستخارة
____________
(1) ليس في « م ».
(2) روي نحوه في الكافي 3: 471/ 4 ، والتهذيب 3: 180/ 3 ، وقرب الإسناد : 164 ، وتفسير القمي 2: 282 ، ومكارم الأخلاق : 321 ، وذكرى الشيعة : 251 ، وأخرجه الكفعمي في المصباح : 391 والبلد الأمين : 159 ، والمجلسي في البحار 91: 214/ 17 ، والنوري في مستدرك الوسائل 1: 450/ 10 .
(3) الاستئمار: المشاورة . « لسان العرب -أمر- 4 : 30 » .
(4) أثبتناه من الوسائل .
(5) الضيْعة بالفتح فالسكون : العقار والأرض المغلة . « مجمع البحرين - ضيع - 4 : 367 » .
(6) من الحلاوة .

( 143 )
بيعها فبعها ، واستبدل غيرها إن شاء الله تعالى ، ولا تتكلّم بين أضعاف الاستخارة ، حتى تتمَّ المائة ، إنْ شاء اللهّ »(1) .
ويزيدك بياناً ، ما أخبرني به شيخي العالمِ الفقيه (2) محمد بن نما والشيخ العالم أسعد بن عبدالقاهر الأصفهانيّ معاًَ ، عن الشيخ أبي الفرج عليّ بن أبي الحسين الراونديّ ، عن والده ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبيّ ، عن السعيد أبي جعفر الطوسيّ ، عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، عن الشيخ أبي القاسم جعفربن محمد بن قولويه القمي ، عن الشيخ محمد بن يعقوب الكلينيّ .
قال محمد بن يعقوب الكلينيّ فيما صنّفه من كتاب رسائل الأئمّة ( صلوات الله عليهم ) ، فيما يختص بمولانا الجواد ( صلوات الله عليه ) فقال : ومن كتاب إلى علي بن أسباط (3) :
« بسم اللّه الرحمن الرحيم ، وفهمت ما ذكرت من أمر بناتك ، وأنّكَ لا تجد أحداً مثلك ، فلا تفكّر في ذلك يرحمك الله ، فإنَ رسول اللهّ ( صلّى اللهّ عليه واله ) قال : إذا جاءكم (4) من ترضون خلقة ودينه فزوّجوه ، و(الا تَفْعَلُوُه تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الإَرْضِ وَفَسَاد كَبير )(5) .
وَفَهِمتُ ما استأمرتَ فيه من أمر ضيعتيك اللّتين تعرّض لك السلطان
____________
(1) ذكرى الشيعة : 252 ، وأخرجه المجلسي في البحار 91: 264 ، والحر العاملي في الوسائل 5: 7/ 215.
(2)ليرفي « د ».
(3) رواه الكليني في الكافي 5: 347 / 2 أيضاً ، عن سهل بن زياد ومحمد بن بحيى ، عن أحمد بن محمد جميعاً ، عن علي بن مهزيارقال : كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر( عليه السلام ) . . . وساق الحديث إلى قوله « تكن فتنة في الأرض وفساد كبير » .
(4) في « د »: جاء أحدكم .
(5) الأنفا ل 8: 73 .

( 144 )
فيهما ، فاستخر اللهّ مائة مرّة ، خيرةً في عافية ، فإنْ احلولى في قلبك بعد الاستخارة فبعهما ، واستبدل غيرهما إنْ شاء الله ، ولتكن الاستخارة بعد صلاتك ركعتين ، ولا تكلّم أحداً بين أضعاف الاستخارة حتى تتَم مائة مرة»(1).
يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس أيده الله تعالى : فهذا جواب مولانا الجواد ( عليه السلام ) ، وقد تقدّم جواب مولانا الرضا ( عليه السلام )(2) لمّا استشارهما وفوّض إليهما كيف عدلا عن مشورتهما - مع ما هما عليه من التأييد ، والمزيد فيه (3) - إلى المشورة عليه بالاستخارة ، وهذا قولهما ( صلوات الله عليهما ) حجة على كل من عرفه من مكلّف به ، قريب وبعيد( اِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب اَوْ اَلْقَى السمْعَ وَهُوَ شَهيدٌ )(4) .
ولولا أنٌ الاستخارة من أشرف الأبواب إلى معرفة صواب الأسباب ، ما كانا( عليهما السلام ) قد عدلا عن مشورتهما - وهما من نواب (5) مالك يوم الحساب - إلىِ الاستخارة ، والمستخار(6) والمستشار مؤتمن ، ولو كان مستشيره بعيداًَ من الصواب ، فمن ذا يقدم على مخالفة قولهما أو يعدل عنه ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاسلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )(7)(8) ويدلّك (9) جواب مولانا
____________
(1) أخرجه المجلسي في البحار 91: 264/ 18 ، والحر العاملي في الوسائل 5: 215/ 8 .
(2) تقدم في ص 142 .
(3) فيه: ليس في « ش ».
(4)ق 50: 37 .
(5) في « د » : أبواب .
(6) ليس في « د» و « ش » .
(7) آل عمران 3 :85 .
(8) في « م » زيادة : وسيأتي ما نقوله في تأويل الجمع بين الأخبار بيان ترجيح العمل باستخارة الرقاع مكشوف لأهل الاختيار .
(9) في « د » و « ش » : وبدل .

( 145 )
الرضا وكتاب مولانا الجواد (عليهما السلام ) أنّ المستشير لهما كان عندهما مرضيّ الأعمال والاعتقاد لمشورة(1) مولانا الرضا ( عليه السلام ) باستخارة مائة مرةٍ ومرة ، وهي أبلغ الاستخارات ، ولأنّها لا يعرفها المخالفون لنا ، ولا تُروى إلا من طريق الشيعة دون غيرهم من أهل الاعتقادات ، ولأجل ما تضمّنه جواب مولانا الجواد ( صلوات اللهّ عليه ) فيما كتب إليه أنَّ بناته لا يجد لهنّ مثله - لعله أراد : في اعتقاده - وقوله ( عليه السلام ) له : « يرحمك اللهّ »(2) وهو دعاء شفيق عليه كونه يتألّم إليه ( عليه السلام ) من سلطان ذلك الزمان ، وكلّ ذلك يشهد أنّه كان في المشورة عليه في مقام اختصاص وعزّة مكان .

____________
(1) في « د » و « م » : لمشورتهما .
(2) قد يستفاد من هذه العبارة رجوع علي بن أسباط الى الحق بعد أن كان فطحياً في زمن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وهوما ذهب إليه السيد الخوئي حيث قال : نعم قد يؤيد رجوعه إلى الحق بترحم الإمام الجواد عليه في صحيحة علي بن مهزيار الحاكي كتاب علي بن اسباط إلى الجواد ( عليه السلام ) يسأله فيه عن أمر بناته وجوابه ( عليه السلام ) ، أنظر « معجم رجال الحديث 11 : 262 ».

( 146 )

( 147 )

الباب السادس

في بعض ما رَويته من عمل حجّة الله جلّ جلاله
المعصوم في خاصّ نفسه بالاستخارة ، أو أمره
بذلك من طريق الخاصّة والجمهور ، وقسمه بالله
جلّ جلاله أنّه سبحانه يخير لمن استخاره مطلقاً في
سائر الأمور

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبدالقاهر الأصفهانيّ معاً ، عن الشيخ العالم (1) أبي الفرج علي بن الشيخ السعيد أبي الحسين الراونديّ ، عن والده ، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن عليّ بن المحسن الحلبيّ ، عن السعيد أبي جعفر الطوسي ، قال : أخبرني ابن أبي جيد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفّار ، عن محمد بن عبدالجبار(2) ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن عبدالله بن ميمون
____________
(1) ليس في « م ».
(2) في « م » ، محمد بن عبدالفتاح، وما في المتن من « ش » و « د » هو الصواب ، وهومحمد بن عبدالجبار ، ابن أبي الصهبان ، قمي ثقة ، عده الشيخ في رجاله من اصحاب الجواد والهادي

=



( 148 )
القداح ، عن أبي عبداللهّ ( عليه السلام ) قال : « ما أبالي إذا استخرت اللهّ علي أيّ طرفيّ (1) وقعت ، وكان أبي يعلّمني الاستخارة كما يُعلّمني السّور(2) من القرآن » (3) .
يقول عليّ بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن الطاووس أيّده الله تعالى : ورأيت بعد هذا الحديث المذكور في الأصل الذي رويته منه - وهو أصل عتيق مأثور- دعاءً ، وما أعلم هل هو متّصل بالحديث وأنّه منه ، أو هو زيادة عليه وخارج عنه ، وها هو على لفظه ومعناه :
« اللّهم انّي أستخيرك بعلمك ، وأستعينك بقدرتك ، وأسالك باسمك العظيم ، إنْ كان كذا وكذا خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي وعاجل أمري واجله ، فقدّره ويسّره لي (4) ، وإنْ كان شرّاً فاصرفه عنّي برحمتك ، فإنّك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب »(5) .
أقول (6) : ووجدت في أصل العبد الصالح المتّفق عليه محمد بن أبي عمير ( رضوان الله عليه ) ، ما هذا لفظه : ربعيّ ، عن الفضيل (7) ، قال :
____________

=
والعسكري ( عليهم السلام ) .
أنظر « رجال الطوسي : 407/ 25 و 423/ 17 وه 43/ 5 ، جامع الرواة 2: 135 ، مجمع الرجال 5: 251 ، نقد الرجال 313/ 456 " .
(1) في « د » و « م » : طريق ، وهوتصحيف ، صوابه من « ش » .
(2) في « د » : السورة .
(3) هامش مصباح الكفعمي : 395 ، وأخرجه المجلسي في البحار 91: 223 ، والحر العاملي في الوسائل 5: 218/ 9 .
(4) في « م » : نسخة بدل « ويسرلي أمري » .
(5) أخرجه المجلسي في البحار 91: 264 .
(6) في « د » و « ش » : وأنا أقول .
(7) في « د » و « ش » : روي عن الفضل ، وفي « م » والبحار والوسائل : ربعي عن المفضْل ، وفي كلّها تصحيف ، والصواب ما أثبته في المتن ، وهو ربعي بن عبدالله بن الجارود بن ابي سبرة

=


( 149 )
سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : « ما استخار الله عزّ وجلّ عبد مؤمن إلا خار له ، وإن وقع في ما يكره »(1) .
وأمّا روايتي للاستخارة على العموم من طريق الجمهور فهو ما أخبرني به الشيخ محمد بن محمود بن النجار(2) ، المحدّث بالمدرسة المستنصرية ، فيما أجازه لي ببغداد في ذي القعدة من سنة ثلاثٍ وثلاثين وستمائة من سائر ما يرويه ، ومن ذلك كتاب الجمع بين الصحيحين للحميديّ ، قال : سمعته من أبي أحمد عبدالوهاب بن عليّ بن عليّ (3) ، لسماعه بعضه من أبيه ، وتاليه من إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقي(4) ، كلاهما عن الحميدي .

____________

=
الهذلي ، ابو نعيم ، بصري ثقة ، له كتاب ، صحب الفضيل بن يسار وأكثر الاخذ عنه وكان خصيصاً به ، روى عن الإمامين الصادق والكاظم ( عليهم السَلا م ) ، وروى عنه ابن أبي عمير والأسود بن أبي الاسود الدؤلي ، فالظاهر أن الفضيل الوارد في المتن هو الفضيل بن يسار النهدي أبو القاسم، من أهل البصرة ، عده الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام الذين لا يطعن عليهم .
أنظر « رجال النجاشي : 119 ، رجال الطوسي : 194/ 39 ، رجال البرقي : 40، رجال الكشي : 362 ، معجم رجال الحديث 13: 335 » .
(1) أخرجه المجلسي في البحار 91: 224/ 4 ، والحر العاملي في الوسائل 5 : 218/ 0 1 .
(2) في « م » : محمد بن محمود البخاري ، وهوتصحيف ، صحته ما في المتن ، وهوابوعبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن ، الحافظ الكبير محب الدين ابن النجار البغدادي ، صاحب ذيل تاريخ بغداد ، ولد في ذي القعدة سنة 578 وتوفي في خامس شعبان سنة 43 6 .
أنظر « تذكرة الحفاظ : 1428 ، العبر5: 180 ، البداية والنهابة 13: 169 ، الوافي بالوفيات 5: 9 ، مراة الجنان 4: 111 ، شذرات الذهب 5 : 226 " .
(3) عبدالوهاب بن علي بن علي بن عبيدالله ، أبو أحمد بن ابي منصور الأمين ، المعروت بابن سكينة ، ولد ليلة العاشر من شعبان سنة 519هـ ، وتوفي ليلة العشرين من شهر ربيع الاخر سنة 607 هـ .
أنظر « العبر5 : 23، التكملة لوفيات النقلة 2: 201 ، ذيل تأريخ بغداد 1 : 354 » .
(4) ابراهيم بن محمد بن نبهان الرقّي ، أبو اسحاق الغنوي ، الصوفي الفقيه الشافعي ، كان ذا سمت ووقار وعبادة ، توفي في ذي الحجة سنة 543هـ عن 85 سنة .
أنظر « شذرات الذهب 4 : 135 ، العبر 2 :465 » .

( 150 )
( قال الحميدي : )(1) في مسند جابربن عبدالله قال : كان النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلمّ ) يعلّمنا الاستخارة في الأمور كُلّها ، كما يعلّمنا السورة من القرآن، يقول : « إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثمّ ليقل : اللّهمّ إنّي أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك (2) بقدرتك ، وأسالك من فضلك العظيم ، فإنّك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللّهمَّ إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : عاجل أمري وآجله - فاقدرهُ لي ويسّره لي (3) ، ثمّ بارك لي فيه ، اللّهمّ وإنْ كنتَ تعلم أنّ هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ودنياي (4) ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : عاجل أمري وآجله - فاصرفه عنّي واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثمَّ رضّني به ، قال : وُيسَمّي حاجتهُ »(5).
يقول عليّ بن موسى مؤلّفُ هذا الكتاب : ورأينا أيضاً من طريق الجمهورما هذا لفظه :
بسم الله الرحمن الرحيم ، حدّثنا عبدالرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة ، أنَ ابن مسعود كان يقول في الاستخارة : « اللهمّ إنّك تعلم ولا أعلم ، وتقدرُ ولا أقدِرُ ، وأنت علام الغيوب ، اللهمّ إنَّ علمكَ بما يكون كعلمك بما كان ، اللّهمّ إنّي عزمت على كذا وكذا ، فإن كان لي فيه خير للدين والدنيا والعاجل والآجل فيسّره وسَهّله ووفّقْني له ووفّقهُ لي ، وإنْ كان غير ذلك فامنعني منه
____________
(1) ليس في « م ».
(2) في « د » : وأستعينك .
(3) ليس في « ش ».
(4)ليس في « ش » و « م ».
(5) رواه البخاري في صحيحه 2 : 70 و 8 : 101 و 9 :145 ، والطبرسي في مكارم الأخلاق : 223 ، وأخرجه المجلسي في البحار 91 : 265 .

( 151 )
كيف شئت » ثم يسجد ويقول مائة مرّةٍ ومرّة : « اللهمّ إنّي أستخيرك برحمتك [ خيرة ](1) في عافية » ويكتب ستّ رِقاع ، في ثلاثٍ منها : « خيرةٌ من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان ( إفعل ) على اسم الله وعونه » وفي ثلاثٍ منها : « خيرةٌ من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان ( لا تفعل ) » والخيرة فيما يقضي الله ، ويكون تحت السجادة ، فإذا فرغت من الصلاة والدعاء ، مددت يدك إلى الرِقاع فاخذت واحدة منها ، فما خرج فيه فاعمل على الأكثر إنْ شاءَ الله تعالى وهوحسبي (2) .
هذا آخر ما رُوي عن ابن مسعود(3) .
يقول عليّ بن موسى بن جعفربن محمّد بن محمد بن الطّاووس مؤلف هذا الكتاب أيّده الله تعالى : واعلم أنّني وقفت على تصنيف لبعض المخالفين الزهاد أيضاً ، الّذي يقتدون به في الأسباب ، يتضمّن هذا حديث الاستخارة ، ويذكر فيه الرقاع الستّ ، وأنا أذكره بألفاظه ، وهذا المُصنِّف اسمه محمود بن أبي سعيد بن طاهر السجزيّ (4) ، واسم الكتاب الذي وجدت فيه من تصنيفه كتاب « الأربعين في الأدعية الماثورة عن سيّد المرسلين » ، في الحديث الثاني منه ، وحدّثني من أسكنُ إليه أنّ هذا المصنِّف زاهدٌ ، كثير التصنيف عند أصحاب أبي حنيفة ، مُعتَمد عليه ، فقال ما هذا لفظه :

____________
(1) أثبتناه من البحار .
(2) أخرجه المجلسي في البحار 91: 227/ 3 ، وورد في كتاب المصنف لعبدالرزاق الصنعاني 11: 164/ 20210 ما لفظه : أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة أن ابن مسعود كان يقول في الاستخارة : اللهم اني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك ، اسالك من فضلك العظيم ، فانك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وأنت علآم الغيوب ، إن كان هذا الأمر خيراً لي في دنياي ، وخيراً لي في معيشتي ، وخيراً لي في عاقبة أمري فيسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كان غير ذلك خيراً لي فاقدر لي الخير حيث كان ، وأرضني به يا رحمان .
(3) من قوله : يقول علي بن موسى مؤلف هذا الكتاب ، إلى هنا سقط من نسخة « ش » .
(4) في « م » : السخيري ، ولم أعثرعلى ترجمته في ما استقصيته من كتب الرجال.

( 152 )
قال رضي الله عنه : أخبرني الصدرُ الإمام الأجلّ الكبير الأستاد رُكن الدين هذا تغمّده الله بغفرانه ، وأسكنه أعلى جنانه ، بقراءتي عليه في شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وخمسمائة ، قال أخبرنا الشيخ الصالح ، بقيّة المشايخ أبو الوقت عبدالأوّل بن عيسى بن شُعيب السجزيّ الصوفيّ (1) في شهور سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ، قال أخبرنا الشيخ الإمام جمال الإسلام أبو الحسن عبدالرحمن بن محمد بن المظفَر الداوديّ (2) ، قراءةً عليه بفُوشَنْج (3) وأنا أسمع في شهور سنة خمس وستّين وأربعمائة - قال : وكنت في ذلك الوقت ابن خمس سنين ، فحملني (4) والدي عيسى السجزيّ على عنقه كلّ يوم يكون سماع الحديث سبعة فراسخ ، ويذهب بي إلى جمال الإسلام ( للسماع )(5) - قال : أخبرنا الشيخ الإمام أبو محمد عبدالله بن أحمد بن
____________
(1) أبو الوقت عبدالأول بن أبي عبدالله عيسى بن شعيب السجزي ، كان مكثراً من الحديث ، عالي الإسناد ، وطالت مدته ، وألحق الأصاغر بالأكابر ، توفي ببغداد سنة 552هـ ، وقيل : 553 هـ .
أنظر « شذرات الذهب 4 : 166 ، الكنى والألقاب 1 : 65 » .
(2) في « د » : الزاوودي ، تصحيف ، وهو عبدالرحمن بن محمد بن المظفر الداودي البوشنجي ، الامام أبو الحسن ، شيخ خراسان علماً وسنداً ، روى الكثير عن أبي محمد بن حمويه ، وروى عنه الصحيح للبخاري أبو الوقت السجزي ، ولد في ربيع الأول سنة 374 هـ وتوفي في شوال سنة 467 هـ.
« تاريخ نيشابور : 483/ 1024 ، شذرات الذهب 3 : 327 » .
(3) في « م » : بقوسنج ، وفي « ش » : هوسنح ، وكلاهما تصحيف صوابه ما أثبتناه في المتن ، وفوشَنج : بالضم ثم السكون وشين معجمة مفتوحة ، ونون ساكنة ثم جيم ، ويقال : بالباء في أولها ، والعجم يقولون : بوشنك ، بالكاف : وهي بليده بينها وبين هراة عشرة فراسخ في واد كثير الشجر والفواكه ، وأكثر خيرات مدينة هراة مجلوبة منها ، خرج منها طائفة كثيرة من أهل العلم . « معجم البلدان 4 : 280 » .
(4) كذا في النسخ ، والظاهرأن الصواب : يحملني .
(5) ليس في « ش » ، وفي « د » : قال : أخذنا الشيخ إلى السماع .

( 153 )
ـ حَمويه الحمويّ السرخسيّ (1) ، قال : أخبرنا أبو عبدالله محمد بن يوسف بن مطر الفربريّ (2) ، قال : أخبرنا إمام الدُنيا محمّد بن إسماعيل البخاريّ ، قال : حدّثنا قتيبة بن سعيد(3) ، قال : حدّثنا عبدالرحمن بن أبي الموالِ (4) ، عن محمد بن المنكدر(5) ، عن جاِبربن عبدالله (6) ( رضي الله عنه ) ، قال : « كان رسول الله ( صلّى الله عليه واله ) يعلّمنا الاستخارة في الأمور(7) ، كما
____________
(1) في « م » : السرسخي ، وفي « ش » : السرخشي ، وفي « د » : السريجي ، وكلها تصحيف ، صوابه ما أثبتناه في المتن ، وهوأبومحمد السرخسي ، عبدالله بن أحمد بن حمويه بن يوسف بن أعين ، المحدث ، توفي في ذي الحجة سنة 381 هـ وله ثمان وثمانون سنة . « شذرات الذهب 3 : 100 » .
(2) في « م » القريري ، وفي « د » العرري ، تصحيف صوابه من « ش » ، وهر أبو عبدالله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفريري ، أوثق من روى « صحيح البخاري » عن مصنفه ، نسبته إلى فربرمن بلاد بخارى ، ولد سنة 231 هـ وتوفي في ثالث شوال سنة 320هـ .
أنظر « العبر 2: 183 ، وفيات الأعيان 4: 290 ، معجم البهلدان 3 : 767 ، الوافي بالوفيات 5: 245.»
(3) قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي ، أبورجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة ، روى عن عبدالرحمن بن أبي الموالي وروى عنه البخاري ، توفي سنة 240 هـ .
« تذهيب التهذيب 8 : 358 ، تقريب التهذيب 2 : 23 1 ، شذرات الذهب 2 : 4 9 » .
(4) عبدالرحمن بن أبي الموال ، واسمه زيد ، قال ابن حجر : روى عن ابن المنكدر عن جابر حديثاً في الاستخارة ، مات سنة 173 هـ .
أنظر « تهذيب التهذيب 6: 282 ، تقريب التهذيب 1: 500 » .
(5) محمد بن المنكدر بن عبدالله بن الهدير - بالتصغير- التيمي المدني ، روى عن جابر ، وعنه عبدالرحمن ، مات سنة 130 هـ أو بعدها .
« تهذيب التهذيب -9 : 473 ، تقريب التهذيب 2: 210 ، شذرات الذهب 1: 177 » .
(6) جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ، أبو عبدالله الأنصاري السلمي ، مفتي المدينة في زمانه ، عمر دهراً وشاخ وأضر ، عاش أربعاً وتسعين سنة ، توفي في سنة 78 هـ.
أنظر « رجال الطوسي : 12/ 2 ، تذكرة الحفاظ ا : 44 ، الإصابة 1 : 213 ، الاستيعاب 1 : 221 ».
(7) في « م » زيادة : كلها .

( 154 )
يُعلّمنا السورةَ من القرآن ، يقول : إذا همَّ أحدكم بالأمر ، فليركع ركعتين من غيرالفريضة، ثمَّ ليقل : اللّهم إنّي أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنّك تَقْدرُ ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللّهم إنْ كنتَ تعلمُ أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : في عاجل أمري وآجله - فاقدره لي ، ويسّره لي ، ثمَّ بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : في عاجل أمري واجله - فاصرفهُ عنّي واصرفني عنه ، واقدر لي الخيرحيث كان ، ثمَّ رضّني به »(1) .
قال رضي اللهّ عنه : وقال بعضُ المشايخ رحمهم اللهّ : إنّهُ لمّا صلّى هذه الصلاة ودعا بهذا الدعاء ، يقطعُ بعد ذلك كاغدة ستّ رقاع ، يكتب في ثلاثٍ منها (إفعل ) ، وفي ثلاثٍ منها ( لا تفعل ) ، ثمَّ يخلط بعضها ببعض ، ويجعلها في كمّه (2) ، ثمَّ يُخرجُ ثلاثاً منها واحداً بعد أخرى ، فإنْ وجد فيها كلّها ( إفعل ) أقدم على ذلك الأمر طيّبَ القلب ، وإنْ وجد في اثنتين منها ( إفعل ) وفي واحدةٍ ( لا تفعل ) فلا بأس بالإقدام على ذلك الأمر ، لكنّهُ دون الأوّل ، وإنْ وجدَ في كُلّها ( لا تفعل ، لا تفعل ) فليحذر عن الإقدام على ذلك الأمر ، وإنْ وجد في اثنتين منها ( لا تفعل ) فالحذر أولى ، فللأكثر حكم الكلّ (3) .
قال رضي الله عنه : وهذا إنّما يحتاج إليه في الأمور الخفيّة التي هي
____________
(1) روي الحديث في : صحيح البخاري 2: 70 ، سنن الترمذي 2: 345/ 480 ، سنن ابن ماجة 1: 440/ 1383 ، مسندأحمد 3: 344 ، سنن البيهقي 5: 249 ، كنزالعمال 7 : 813 / 21530 ، فخ الباري 11: 155 ، إرشاد الساري 2 : 332 ، وأخرجه المجلسي في بحار الأنوار 91: 227/ 4 .
(2) الكُم ، بالضم: ردن القميص . « النهاية- كمم - 4 : 200 » .
(3) أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 1 9 : 288 .

( 155 )
متردّدة بين المصلحة والمضرّة ، كالنكاح والشِرْكة والسفر ونحوها ، فأمّا ما ظهرت مصلحته بالدلائل القطعيّة ، كالفرائض من الصلاة والزكاة ، فإنّه لا يسأل إنْ كان هذا الأمر مصلحة فكذا ، لانْ كان غير ذلك فكذا ، ولو سأل وكتب فإنّه لا يحترز عنها وإن خرج الكلُّ ( لا تفعل ) ، وهذا لا يكون حجّةً له ، لأنّه لا عبرة للدلالة والإِشارة مع التصريح بخلافها ، وكان الواجب عليه طلب التوفيق ، لا سؤال أنّه هل هو خيرٌ أم لا ، فإنَّ خيرتهُ معلومة ، وما ظهرت مضرّته كالمناهي فلا يقدم عليها وإن خرج الكُلُّ ( إفعل ) ، لأنّه مأمورٌ بالاحتراز عنها صريحاً ، فكان الواجب عليه الاحتراز عنها لا طلب المصلحة فيها.
ومن الدعوات التي وردت في الاستخارة قوله ( صلّى الله عليه واله وسلم ) : « اللّهمَّ خِرْ لي واختر لي » .
وبلغني عن بعض العلماء في كيفيّة الاستخارة أنّه قال : تكتب ثلاث رقاع ، في كلّ رقعة « بسم الله الرحمن الرحيم خيرةٌ من الله العزيز الحكيم إفعلْ » وفي ثلاثٍ « بسم الله الرحمن الرحيم خيرةٌ من الله العزيز الحكيم لا تفعلْ » وتضع الرّقاع تحت السجادة ، ثمّ تُصلّي ركعتين ، في كلِّ ركعة فاتحة الكتاب وسورة الإخلاص ثلاثاً ( ثمّ تسلّم )(1) وتقول : « اللهم إنّي أستخيرك بعلمك » إلى آخره ، ثمّ تسجد وتقول مائة مرة : « أستخير الله العظيم » ثَم ترفع رأسك (2) وتخرج من الرقاع خمسة وتترك واحدةً ، فإن كان في ثلاثٍ ( إفعلْ ) فاقصده ، فالصّلاح فيه ، إن كان في ثلاثٍ ( لا تفعل ) فامسك ، فإنّ الخيرة فيه إن شاء الله تعالى(3) .

____________
(1) في « ش » و« د » : وتسلم .
(2) في « د » و « ش » و « م » : ثم يرفع رأسه ، وما أثبتناه من بحار الأنوار .
(3) نقله المجلسي في بحار الأنوار 1 9 : 228 ، من قوله رضوان الله عليه : ومن الدعوات التي وردت في الاستخارة ...

( 156 )
ـ وذكر الإمام الشيخ الخطيب المستغفريّ رَحمه الله بسمرقند(1) في دعواته : إذا أردت أن تتفأل بكتاب الله عزَ وجل فاقرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات ، ثَم صل على النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ثلاثاً ، ثمّ قل : اللّهمَّ إنّي (2) تفألتُ بكتابك ، وتوكّلت عليك ، فأرني من كتابك ما هو المكتوم من سرّك ، المكنون في غيبك ، ثمّ افتح الجامع (3) وخذ الفال من الخط الأوّل في الجانب الأوّل من غير أن تَعُدَّ الأوراق والخطوط .
كذا أورد مسنداً إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )(4) .
وفي فردوس الأخبار : أنّ النبي ( عليه السلام ) قال : « يا أنس إذا هممت بامرٍ فاستخر ربّك فيه سبع مرّات ، ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك ، فإن الخيرة فيه »(5) يعني افعل ذلك.
وفي وصايا النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه الصلاة والسلام ) : « يا علي إذا أردتَ أمراً فاستخر ربّكَ ، ثمَّ ارضَ ما يخير لك ، تسعد في الدنيا والاخرة »(6) .

____________
(1) سَمرقَنْد : بفتح أوله وثانيه ، ويقال لها بالعربية سمران : بلد معروف مشهور، قيل : إنهْ من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر ، وهو قصبة الصغد مبنية على جنوبي وادي الصغد مرتفعة عليه . « معجم البلدان 3 : 246 » .
(2) ليس في « ش » والبحار .
(3) أي القرآن التام الجامع لكل السور والايات .
(4) نقله العلامة المجلسي في بحار الانوار 91 : 241 / 1 والشيخ النوري في مستدرك الوسائل 1 : 4/301.
(5) فردوس الأخبار 5 : 365/ 8451 ، كنز العمال 7 : 816/ 21539 عن كتاب عمل اليوم والليلة لابن السني ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 91: 265 / 19 ، وفي هامش الفردوس : إسناد الحديث في زهر الفردوس 4: 334: قال ابن السني حدثنا ابن قتيبة العسقلاني حدثاً عبيدالله بن المؤمل الحميري ، حدثنا ابراهيم بن البراء حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده أنس مرفوعاً.
(6) نقله المجلسي فيِ بحار الانوار 91 : 265 ذيل ح 19 .

( 157 )
ـ وروي عن أبي جعفر محمد بن علي ( عليهما السلام ) قال : « كان علي بن الحسين ( عليهما السلام ) إذا هَم بحجٍّ أو عمرةٍ أو شرى أو بيع ، تطهّرَ وصلى ركعتين للاستخارة ، يقرأ فيهما بسورة الرحمن وسورة الحشر ، فإذا فرغ من الركعتين استخار مائتي مرة ثَم قال : « اللهم إنّي قد هممتُ بامرٍ قد عَلِمْتهُ (1) ، فإن كنتَ تعلم أنّه شر لي في ديني ودنياي وآخرتي فاصرفه عنّي ، ربِّ اعزم لي على رشد وإن كرهت أو أحبت ذلك نفسي ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلأ بالله ، حسبي الله ونعم الوكيل ، ثمّ يمضي ويعزم »(2) .
قال رضي الله عنه : ومعنى استخارته عند الهم بالحج والعمرة - وإن كانا من جملة العبادات ، والله أعلم - لأنه ربما يُرَغبُ الشيطان الإنسان في أداء شيء من النوافل ، ومقصوده أن يحرمه عند اشتغاله به من بعض الفرائض ، ويمنعهُ عمَا هو أهم له منه ، وللشيطان تسويلات وتعذيرات ، فاستخار الله تعالى ليرشده إلى ما هو الأهُم ، ويوفقه لما هو الأصلح له ، وبالله الثقة وعليه التكلان .
قال رضي الله عنه : وبلغني عن بعض العلماء قال : من أراد أمراً فلا يشاور فيه أحداً حتى يشاور الله فيه ، بان يستخير الله أولاً ، ثم يُشاوِر فيه ، فإنه إذا بدأ بالله عز وجلّ أجرى له الخيرة على لسان من شاء من الخلق ، ثمّ ليصلّ ركعتين بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ، ثمَّ ليحمد الله تعالى ، وليثنِ عليه ، وليصلِّ على النبي وآله عليه السلام ، ويقول : « اللهَم إن كان هذا الأمر خيراً لي في ديني ودنياي فيسره لي وقدّره لي ، وإن كان غير ذلك
____________
(1) في مكارم الأخلاق زيادة : فان كنت تعلم أنه خير لي في ديني ودنياي وآخرتي فاقدره لي .
(2) رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق : 322 باختلاف يسير ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 91 : 259 .

( 158 )
فاصرفه عنّي » فإذا فعل هكذا استجاب الله دعاءه (1).
وقال رضي الله عنه : ورأيت أيضاً أنّه يقول في آخر ركعة من صلاة اللّيل وهو ساجد مائة مرّة : أستخير اللهّ برحمته ، وقيل : بل يستخيره في آخر سجدةٍ من ركعتي الفجر مائة مرّة ، ويحمد الله ويثني عليه ، ويصلي على النبيّ ( صلّى الله عليه واله ) ، ويتم المائة والواحدة ويقول : اللّهمَّ يا أبصر الناظرين ، ويا أسمع السَّامعين ، ويا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الرَّاحمين ، صلِّ على محمد وآله وخرلي في كذا .
وقل أيضاً : لا إله إلا الله العليّ العظيم ، لا إلهَ إلا اللهّ الحليمُ الكريمُ ، ربِّ بحرمة محمد واله صلِّ على محمد واله وخر لي في كذا في الدنيا والاخرة ، خيرة في عافيةٍ (2) .
يقول عليّ بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن الطاووس أيّده الله تعالى : هذا اخر لفظ المخالف المذكور ، وإذا كان وجوه هذه الاستخارات بالرّقاع ، وما ذَكَرهُ (3) وذَكَرْنا من الدعوات ، فقد صار ذلك إجماعاً ممّن رواه من أصحابنا وممّن رواه من علماء المخالفين ، أفما يظهر للمنصف من العارفين أنَ هذه الاستخارة من جملة الطرق إلى مشورةِ(4) ربّ العالمين ، وتعليق العامل لها ما يعمله بها على تدبير مالك يوم الدين ، وظفره بالسلامة من الندامة في الدنيا ويوم القيامة ، وما زال أهل الاحتياط من الأصحاب (5) المنصفين إذا اتفق في مسألة لهم روايتهم ورواية غيرهم من علماء المسلمين
____________
(1) نقله المجلسي في بحار الأنوار 91 : 265 ذيل ح 19 .
(2) نقله المجلسي في بحار الأنوار 91: 266. .
(3) في « ش » و « د » : وما ذكروه .
(4) في « ش » :معرفة.
(5) في « د » و « ش » : أصحابنا .

( 159 )
أن يجعلوا ذلك حجّة واضحة ، ودلالة راجحة على صحّة المسألة المذكورة ، ويصير العمل بها كأنّه معلومٌ من دين النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كالضَّرورةِ .
ويقول - أيضاً- عليّ بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن الطاووس : وممّا رويتهُ بإسنادي إلى جدّي أبي جعفر الطوسي ، فيما رواه وأسنده إلى أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ، عما رواه أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة في كتاب تسمية المشايخ من الجزء السادس منه ، في باب إدريس ، قال :
ـ حدَّثني شهاب بن محمد بن علي بن شهاب الحارثي (1) ، قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن مُعلّى ، قال : حدّثنا إدريس بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن ، ( قال : حدثني أبي ، عن إدريس بن عبد الله بن الحسن (2) )(3) عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : « كُنا نَتعلَم الاستخارةَ كَمَا نَتَعلم السُورةَ من القرآن (4) »(5) .
وممّا رأيتهُ في آواخرِ المُجَلّدة التي فيها جزءٌ (6) من كتاب تسمية
____________
(1) في « ش » : الحاوي ، ولم أعثر على ترجمته في ما استقصيته من كتب الرجال .
(2) إدريس بن عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، يكنى أبا عبدالله ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، شهد فخاً مع الحسين بن علي العابد صاحب فخ ، فلما قتل الحسين انهرم هوحتى دخل المغرب ، فدعا أهلها إلى الدين فاجابوه ، وملكوه سنة 172 هـ ، فاغتم الرشيد لذلك ، فبعث إليه سليمان بن جرير الرقي متكلم الزيدية فسقاه سماً أنظر « رجال الشيخ 150 / 152 ، عمدة الطالب : 157 » .
(3) ما بين القوسين ليس في « م » ووسائل الشيعة ، وما في المتن هو الصواب ، لما تقدم من كون إدريس بن عبدالله من أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
(4) في « ش » وبحار الأنوار : كتاب الله عزْ وجل .
(5) نقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 91: 224 ، والشيخ الحر في وسائل الشيعة 5: 206/ 9
(6) في « د » و « ش »: أجزاء.

( 160 )
المشايخ تصنيف أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة المذكور ، بإسنادٍ قد تَضَمَنه الكتاب المذكور ، قال سَمِعتُ أبا عبدالله ( عليه السلام )،يقول : « كُنَا نَتَعَلمُ الاستخَارةَ كما نَتَعَلَمُ السورةَ من القرآن » ثمَ قال : « ما ابَالي إذا استخرت الله على أفي جنبيَّ وَقَعت »(1) .
يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمّد بن الطاووس أيّده الله تعالى : ولعل قائلاً يقول : إنّ هذا التاكيد في الاستخارة ليس فى أكثرهِ ذكرُ الاستخارة بالرقاعِ لا في معناه ولا في العبارة .
والجواب عن ذلك : أنّه قد يمكن أن يكون المعصوم ( صلوات الله عليه ) أحالَ السامع للحديث في الرقاعِِ على ما يعرفهُ من غير هذين الحديثين ، ويكون هذا الدعاء مُضافاً إلى رِقاع الاستخارةِ ، كما رواه أحمد بن محمد بن يحيى(2) قال : أراد بعض أوليائنا الخروج للتجارة ، فقال : لا أخرج حتّى آتي جعفربن محمد ( عليهما السلام ) فاسَلّم عليه ، وأستشيره في أمري هذا ، وأسأله الدعاء لي ، قال : فأتاهُ فقال : يا ابن رسول الله إنّي عزمت على الخروج للتجارةِ ، وإنّي آليت على نفسي ألا أخرج حتّى ألقاك وأستشيرك ، وأسألك الدعاء لي ، قال : فدعا لي ، وقال ( عليه السلام ) : « عليك بصدق اللّسان في حديثِكَ ، ولا تكتم عيباً يكون في تجارتك ، ولا تَغبُن المسترسل (3) فإنَ غُبنَهُ ربا ، ولا ترض للناس إلا ما ترضاه
____________
(1) نقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 1 9 : 224 ، والشيخ الحر في وسائل الشيعة5: 7 0 2 / 10.
(2) الظاهر هو أحمد بن محمد بن يحيى العطار القمي ، بقرينة رواية هارون بن موسى التلعكبري عنه كما في مستدرك الوسائل ، عده الشيخ في رجاله في من لم يرو عنهم ( عليهم السلام ) ، وقال : روى عنه التلعكبري ، وأخبرنا عنه الحسين بن عبيدالله وأبو الحسين بن أبي جيد القمي ، وسمع منه في سنة 356 ، وله منه إجازة .
أنظر « رجال الشيخ : 444/ 36 ، معجم رجال الحديث 2 : 327 / 929 » .
(3) في « د » و « ش » ونسخة من مستدرك الوسائل : المشتري .