والسقيمة ، فكما تستعلم مصالح دارك اليسيرة [ من ]
(1) البنّاء ، فاستعلم
مصالح دارك الكبيرة من الله عزّوجل العالم بجميع الأشياء .
مثال آخر: أما تعلم أنك لو اشتريت عبداً من سيّد ، قد كان العبد
عند ذلك السيّد عشر سنين أو نحو هذا المقدار ، ثمّ مرض العبد عندك تلك
الليلة ، فإنّك تنفذ
(2) الى سيّده الأول وتساله عن ذلك المرض ، وتقول : هو
أعرف ، لأنّ العبد أقام عنده أكثر منّي ، أفما تعرف أن اللهّ جل جلاله قد
خلقك قبل النطفة تراباً ، ثم أودعك بطوناً بعد أن أودعك أصلاباً ، ثمّ نطفة ،
ثم عَلَقَة
(3) ، ثم مُضْغَةَ
(4)، ثم عظاماً ثم كسا العظام لحماً ، ثم جنيناً ، ثمّ
رضيعاً ، ثمّ طفلاً ، ثمّ ناشئاً ، فما لك لا تستشيره ؟ ! وتستعلم منه جواباً لا
يكون أبداً إلا صواباً ، ولأيِّ حال إذا تجدد عندك ما يحتاج أن تستعلمه منه
جلّ جلاله لا يكون عندك سبحانه مثل سيد ذلك العبد الذي استعلمت منه
مصلحته ؟ ! فاجعل اللهّ - جل جلاله إنْ كنت لا تعرف جلاله - كسيد ذلك
العبد المذكور ، واستعلم منه ما تحتاج الى معرفته من مصالح الأمور .
مثال آخر: أما تعرف أنك لو أردت سفراً في الشتاء ، وسفراً في
الصيف ، أو في الربيع وطيب الهواء ، وما تعلم في تلك الحال ما غلب على
باطنِ مزاجك من الحرارة والبرودة ، أو
(5) الرطوبة ، أو
(6) اليبوسة ، فهل تجد
أحداً من الخلائق يعلم في تلك الحال ما غلب على باطن مزاجك ؟ ويعرفه
____________
(1) ما ببن المعقوفين أثبتناه ليستقيم السياق .
(2) في « د »:تجيء .
(3) العلَقة : هي القطعة الجامدة من الدم بعد أن كانت منياً ، وبعد أربعين يوماً تصير مضغة ، وجمعها
علق « مجمع البحرين - علق - 5 : 216 ».
(4)المضغَة بالضم : قطعة لحم حمراء فيها عروق خضرمشتبكة ، سُميت بذلك لأنها بقدرما يُمْضَغُ
« مجمع البحرين - مضغ - 5: 16 ».
(5-6) في « د »: و.
( 226 )
على التفاصيل والحقائق قبل أن يظهر الى ظاهر جسدك ، فإن الطبيب وأنت
أوائل الأمراض إنما تعرفها أنت والطبيب إذا قَوِيت وأثرت حتى بلغت تغير
(1)
الأعراض الى ظاهر الجسد ، فإذا قلت لنفسك أو لغيرك من العباد : أنا أُريد
السفر في الشتاء ، فهل ترى لي في ذلك صلاحاً ؟ فانت تعلم أنه ما يدري
هل الحرارة قد ابتدأت وغلبت عليك فيضرك الهواء ، أو أردت سفراً في
الصيف فما تدري أنت ولا المشير عليك من العباد ما الذي غلب على
مزاجك ، وما يتجدّد من مصالحك إذا سافرت أو أقمت ، ولو بلغ المشير من
الناس غاية الاجتهاد ، فعلى مَ لا تستعلم هذا كله ممن يعلمه على التفصيل ،
وهوأشفق وأرفق من كل شفيق في كثيروقليل .
مثال آخر: أما تعلم أنّ كلّ من برز في صنعته رجح أهل - تلك
الصنعة الى معرفته إذا اختلفوا أو اشتبه شيء مما اطلع هوعلى حقيقته ، فلأيّ
حال ما ترجع الى الله في جميع
(2) ما تحتاج فيه الى مشاورته ؟ ! فالدنيا والآخرة
وأنت من صنعته ، وقد برز فيها على كلّ صانع ، وله المثل الأعلى ،
وَعَلِمَ أسرارها ومسارها وأخطارها معرفةً لا تطّلع أنت لا وغيرك عليها ، إلا
من جانب تعريفه وإشارته .
____________
(1) في « م » تعبير، وفي « د » : تغيير .
(2) في « د »:كل .
( 227 )
الباب العاشر

قد ذكرنا فيما تقدّم ما أردنا ذكره من ترجيح الاستخارات بالست الرقاع
على ما وصفناه على سائر الاستخارات ، وكشفنا ذلك وأوضحناه ، وإنّما نؤثر ذكر
مشاورة الله جلّ جلاله بالاستخارات بمهما كان من ذلك المعنى ، لأجل تقوية
الروايات ( لتكون شاهدة بالاتفاق على معنى المشاورة للهّ جل جلاله ، وإن
اختلفت في صفات المشاورات )
(1) ليكون الإتّفاق والاطباق على أنّ اللهّ
يُستشار ويُستخار. ففي ذلك تأكيد وتمهيد وتوطيد ، وبلاغ لمن عنده تأييد
وتسديد ومزيد .

وأمّا الرواية بصلاة ركعتين والاستخارة برقعتين : فأخبرني شيخي الفقيه
محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني بإسنادهما الذي قدّمناه
الى الشيخ محمد بن يعقوب فيما ذكره من كتاب الكليني في آخر باب صلاة
____________
(1) ليس في « م » ، وفي « د » : فيكون مساحة بالاتفاق على معنى والمشاورة الى الله جل جلاله وإن
إختلفت في صفات المشاورات .
( 228 )
الإستخارة :

عن عليّ بن محمد ، رفعه عنهم عليهمِ السلام ، قال لبعض أصحابه
وقد سأله عن الأمر يمضي فيه ، ولا يجد أحداًَ يشاوره ، فكيف يصنع ؟ قال :
« شاور الله »
(1) قال ، فقال له : كيف ؟ قال : « إنو الحاجة في نفسك ،
واكتب رقعتين ، في واحدة ( لا) وفي واحدة ( نعم ) واجعلهما في بندقتين
من طين ، ثمّ صلّ ركعتين ، واجعلهما تحت ذيلك وقل : يا الله إنّي أشاورك
في أمري هذا وأنت خير مستشار ومشير ، فاشر علَيّ بما فيه صلاح وحسن
عاقبة ، ثم أدخل يدك ، فإنْ كان فيها ( نعم ) فافعل ، وإنْ كان فيها ( لا ) لا
تفعل ، هكذا تشاور
(2) ربك »
(3) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس : ما
وجدت الى حين تأليف هذا الكتاب في الاستخارة برقعتين غير هذه الرواية ،
وهي مرسلة كما رويناها ، وكذا رواها جدي أبو جعفر الطوسي رضي اللهّ عنه
في تهذيب الأحكام
(4) وفي المصباح الكبير
(5) ، وما وجدت لها إسناداً متصلاً
الا إلى عليّ بن محمد الذي رفعها .

أقول : وما وجدت رواية مسندة أيضاً بصلاة ركعتين ورقعتين من غير أن
تكون الرقعتان في بندقتين ، بل وجدت عن الكراجكي رحمة الله عليه قال :
وقد جاءت رواية أن تجعل رقاع الاستخارة اثنتين في إحداهما ( إفعل ). وفي
____________
(1) في « د » و « ش » : شاور ربك الله ، وفي الكافي : شاور ربك .
(2) في الكافي : شاور .
(3) رواه الكليني في الكافي 3 : 473/ 8 ، والطبرسي في مكارم الأخلاق : 323 ، والشهيد الأول في
ذكرى الشيعة : 252 ، وأورده بإختلاف في ألفاظه الكفعمي في المصباح : 391 ، والبلد
الأمين : 159 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 91: 237/ 2 .
(4) تهذيب الأحكام 3 : 182/ 7 .
(5) مصباح المتهجد : 481 .
( 229 )
الأخرى ( لا تفعل ) وتسترهما عن عينك ، وتصلّي صلواتك ، وتسأل الله
الخيرة في أمرك ، ثمّ تأخذ منهما واحدةً فتعمل بما فيها
(1) .

هذا آخر ما ذكره ولم أجد الرواية بذلك بإسنادها.
أقول :
ويحتمل أن يكون المراد بالاستخارة برقعتين على سبيل التخيير
بينهما وبين غيرها من روايات الاستخارات ، أو لمن
(2) لا يتمكن من
الاستخارة بالست الرقاع لبعض الأعذار ، ويكون هذا تأويلاً في الجمع
بينها
(3) وبين بعض الأخبار .
____________
(1) نقله المجلسى في بحارالأنوار 91 : 240 / 6 .
(2) في « د » : لم .
(س) في « ض »:بينهما.
( 230 )
( 231 )
الباب الحادي عشر

1 - أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ الفاضل أسعد
ابن عبد القاهر الأصفهاني ، عن الشيخ أبي الفرج علي بن السعيد أبي
الحسين الراوندي ، عن والده المذكور ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن
المحسن الحلبي. عن السعيد أبي جعفرمحمد بن الحسن الطوسيّ ، عن
المفيد محمد بن محمد بن النعمان وعن الحسين بن عبد اللهّ معاً ، عن أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، عن والده المذكور ، فيما
رواه في رسالته الى ولده ما هذا لفظه :
صلاة الاستخارة : وإذا أردت أمراً فصل ركعتين ، واستخر الله تعالى
مائة مرة ومرة ، فما عزم لك فافعل ، وقل في دعائك : لا إله إلا الله العلي
العظيم ، لا إله إلآ الله الحليم الكريم ، رب بحق محمد وآل محمد صل
على محمد وال محمد ، وخر لي في كذا وكذا للدنيا والأخرة خيرة منك في
عافية
(1).
____________
(1) نقله الصدوق عن رسالة أبيه في : من لا يحضره الفقيه 1: 356 ، والمقنع : 46 .
( 232 )

أقول : وقد تقدّمت روايتي عن مولانا الرضا عليه السلام لما استشاره
علي بن أسباط فاشار عليه بالاستخارة بمائة مرة ومرة
(1) .

أقول : أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر
الأصفهاني بإسنادهما الذي قدمناه في كتابنا هذا الى الشيخ محمد بن يعقوب
الكليني فيما رواه في كتاب الكافي قال :

علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن عمرو
ابن إبراهيم ، عن خلف بن حماد ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله
عليه الصلاة والسلام ، قال ، قلت له : ربما أردت الأمر يفرق مني فريقان
(2)
أحدهما يامرني والاخر ينهاني ؟ قال ، فقال : « إذا كنت كذلك فصلّ
ركعتين ، واستخر اللهّ مائة مرة ومرة ، ثمّ انظر أحزم
(3) الأمرين لك فافعله ،
فإنّ الخيرة فيه إنْ شاء الله ، ولتكن استخارتك في عافية ، فإنه ربما خير
للرجل في قطع يده ، وموت ولده ، وذهاب ماله »
(4) .

وروى جدي أبو جعفر الطوسي هذه الرواية بهذا الإِسناد في كتاب
تهذيب الأحكام
(5) عن محمد بن يعقوب الكليني .
____________
(1) تقدم في ص 142 .
(2) أي يحصل بسبب ما أوردت فريقان ممن استشيره ، أو المراد بالفريقين الرأيان أي يختلف رأي فمرة
أرجح الفعل والأخرى الترك . « مرآة العقول 15: 454 » .
(3) أحزم : بالحاء المهملة ، والحزم ضبط الأمور والأخذ فيها بالثقة ، وفي بعض النسخ بالجيم .
« مرآة العقول 15: 454 » .
(4) الكافي 3: 472/ 7 ، ومصباح المتهجد : 480 ، وأورده الشهيد الأول في ذكرى الشيعة :
251 ،والكفعمي في المصباح : 390 ، والبلد الأمين : 159 ، ورواه البرقي باختلاف يسيرفي
المحاسن : 599/ 7 الى قوله : أحزم الأمرين ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 91: 276/
26
(5) تهذيب الأحكام 3 : 181 /5 .
( 233 )

أقول : ورويت ممّا رأيت في كتاب أصل الشيخ الصالح محمد بن أبي
عمير المجمع على علمه وصلاحه رضوان اللهّ عليه الاستخارة بمائة مرة ومرة
في آخر ركعة من صلاة الليل ما هذا لفظه حقيقة :

عن محمد بن خالد القسري قال : سألت أبا عبد اللهّ عليه السلام
(1)
عن الاستخارة قال ، فقال : « استخر الله عزّ وجل في آخر ركعة من صلاة
الّليل وأنت ساجد مائة مرة ومرة » ، قال ، قلت : كيف أقول ؟ قال : تقول :
« أستخير الله عزّ وجل برحمته ، أستخير الله برحمته »
(2)(3).
فصل :
يتضمن الاستخارة بمائة مرة ومرة عقيب ركعتي الفجر

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ الفاضل أسعد بن
عبد القاهر الأصفهاني معاً بإسنادهما الذي قدّمناه الى جدي أبي جعفر محمد
ابن الحسن الطوسيّ فيما وجدته مروياً عن حماد بن عثمان الناب - وذكر جدي
أبو جعفر الطوسي أنّه ثقة جليل القدر ، وأنه يروي كتابه عن [ ابن ]
(4) أبي
جيد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ،عن محمد بن الحسن الصفار ، عن
يعقوب بن يزيد ، ، عن ابن أبي عمير والحسن بن علي الوشا والحسن بن
____________
(1) في « د » و« ض » : سألت أبا عبد الله عليه السلام والشيخ .
(2) رواه الشيخ الصدوق في الفقيه 1 : 355 / 3 ، ونقله الحر العاملي في وسائل الشيعة5: 213 /
2 ، والمجلسي في بحار الأنوار 91: 277 / 27 .
(3) هذا الفصل بكامله سقط من نسخة « م » .
(4) ما بين المعقوفين من فهرست الشيخ .
( 234 )
علي بن فضال ،عن حماد بن عثمان
(1).
ـ
قال حماد بن عثمان : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاستخارة،
فقال : « استخر الله مائة مرة ومرة في آخر سجدة من ركعتي الفجر ، تحمد
الله وتمجده وتثني عليه وتصلي على النبي وعلى أهل بيته ، ثم تستخير الله
تمام المائة مرة ومرة »
(2) .
____________
(1) الفهرست : 60/ 230 ، وللشيخ الطوسي طريق آخر لكتاب حماد هو : عدة من اصحابنا ، عن
أبي جعفرمحمد بن علي بن الحسين عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله والحميري ، عن محمد بن
الوليد الخزاز عن حماد بن عثمان .
(2) نقله المجلسي في بحار الأنوار 91 : 257 / 14 ، وقال معقباً : « لعله سقط منه شيء كما يظهر من
المكارم » ، ومراده ما ورد في مكارم الاخلاق ص 325 : روى حماد بن عثمان عن الصادق عليه
السلام أنه قال في الاستخارة : أن يستخير الله الرجل في آخر سجدة من ركعتي الفجر مائة مرة ومرة
يحمد الله ويصلي على النبي واله صلى الله عليه وعليهم ثم يستخير الله خمسين مرة ، ثم يحمد الله
تعالى ، ويصلي على النبي وآله صلى الله عليه وعليهم ، ويتمم المائة والواحدة أيضاً .
( 235 )
الباب الثاني عشر

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ الفاضل أسعد
ابن عبد القاهر الأصفهاني معاً بإسنادهما الذي قدمناه الى جدي أبي جعفر
الطوسي فيما رواه عن الحسن بن محبوب ، وقدمنا إسناده إليه ، وفيما رواه
عن محمد بن أبي عمير ، وهذا إسناده :

قال جدي أبوجعفر الطوسي : أخبرني جماعة ، عن محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه ، عن أبيه ومحمد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله
والحميري ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن أبي عمير .

قال : وأخبرنا ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن
يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين وأيوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمد
ابن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن أبي عمير
(1) .
____________
(1) فهرست الشيخ : 142 / 607 .
( 236 )

قال : محمد بن أبي عمير والحسن بن محبوب ، عن معاوية بن عمار ،
عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال : « كان أبوجعفر عليه السلام
يقول : ما استخار الله عبد قط مائة مرة إلا رمي بخير الأمرين ، يقول : اللّهمّ
عالم الغيب والشهادة إن كان أمر كذا وكذا خيراً لأمر دنياي وآخرتَي ، وعاجل
أمري وآجله ، فيسّره لي . وافتح لي بابه ، ورضني فيه بقضائك »
(1) .
فصل :
يتضمّن استخارة بمائة مرة بعد صوم ثلاثة أيام

وأخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن
عبد القاهر الأصفهاني معاً بإسنادهما الذي قدمناه في كتابنا هذا الى
الحسن بن علي بن فضال ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ،
قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إذا أردت الأمر ، وأردت أن أستخير
ربي ، كيف أقول ؟ قال : « إذا أردت ذلك فصُم الثلاثاء والأربعاء
والخميس ، ثم صلّ يوم الجمعة في [ مكان ]
(2) نظيف ، فتشهّد ثمّ قُلْ وأنت
تنظر الى السماء : اللّهمّ إنّي أسالك بانّك عالم الغيب والشهادة الرحمن
الرحيم ، أنت عالم الغيب ، إنْ كان هذا الأمر خيراً لي فيما أحاط به
علمك ، فيسّره لي ، وبارك فيه ، وافتح لي به ، وإنْ كان ذلك شراً [لي ]
(3)
فيما أحاط به علمك ، فاصرفه عنّي بما تعلم ، فإنك تعلم ولا أعلم ، وتقدر
ولا أقدر ، وتقضي ولا أقضي ، وأنت علام الغيوب . تقولها مائة مرة »
(4)
____________
(1) نقله الحر العاملي في وسائل الشيعة5 : 215/ 9 ، والمجلسي في بحار الأنوار 91: 278/ 28.
(2) ما بين المعقوفين من البحار والوسائل .
(3) ما يين المعقوفين من البحار .
(4) نقله الحر العاملي في وسائل الشيعة 5: 207/ 11 ، والمجلسي في بحار الأنوار 91: 278 .
( 237 )

أخبرني شيخىِ الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر
الأصفهاني بإسنادهما الى جدي أبي جعفر الطوسي ، بإسناده الى الحسين بن
سعيد الأهوازي ، ممّا صنّفه الحسين بن سعيد في كتاب الصلاة ، من نسخة
وجدتها وقد قرأها جدي أبو جعفر الطوسي ، وذكر أنها انتقلت إليه ، ما هذا
لفظ الحديث :

فضالة ، عن معاوية بن وهب ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه
السلام : في الأمر يطلبه الطالب من ربّه ، قال : « يتصدّق في يومه على
ستين مسكيناً ، على كلّ مسكين صاعاً بصاع النبي صلّى الله عليه وآله ، فإذا
كان الليل اغتسل
(1) في ثلث الليل الباقي ، ويلبس أدنى ما يلبس من يعول
من الثياب إلا أنّ عليه في تلك الثياب إزاراً ، ثمّ يصلي ركعتين ، فإذا وضع
جبهته في الركعة الأخيرة للسجود هلّل الله وعظّمه ومجّده ، وذكر ذنوبه ، فأقرّ
بما يعرف منها مسمىً
(2) ، ثم يرفع رأسه ، فإذا وضع
(3) في السجدة الثانية
استخار الله مائة مرة ، يقول : اللّهم إنّي أستخيرك ، ثم يدعو اللهّ بما يشاء
ويسأله إيّاه ، وكلّما سجد فليفض بركبتيه الى الأرض ، يرفع الازار حتى
يكشفهما ، ويجعل الإزار من خلفه بين إليتيه وباطن ساقيه »
(4) .
____________
(1) في البحار : فليغتسل .
(2) في البحار : ويسمي .
(3) في البحار زيادة : رأسه .
(4) نقله الحر العاملي في وسائل الشيعة5: 207 / 12 ، والمجلسي في بحار الأنوار 91 : 258 /
6 ، وقال في بيانه على الحديث : الظاهر أنه يلبس الازار عوضاً عن السراويل ليمكنه الافضاء
بركبتيه الى ألأرض. قوله : « ويجعل الازار » أي ما تأخر منه فقط أوما تقدم منه أيضاً .
( 238 )

يقول علي بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن طاووس : كلما
أوردناه ونورده من الاستخارات المتضمنة للدعوات وبغير الست من الرقاع
المرويات ، فالقصد منها التعريف لمن يقف عليها أن مشاورة الله جل جلاله
بسائر الوجوه والأسباب من مهمات ذوي الألباب ، لأنني وجدت كثيراً من
الناس مهملين لمقدس هذا الباب ، وغافلين عمّا فيه من الصواب .

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر
الأصفهاني معاً ، عن الشيخ أبي الفرج علي بن أبي الحسين
(1)، عن أبي
عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس الدوريستي ، عن أبيه ، عن
السعيد أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه فيما صنفه في كتاب
عيون أخبار مولانا الرضا عليه السلام بإسناده في الكتاب المذكور ، عن مولانا
الصادق عليه السلام أنَه يسجد عقيب المكتوبة ربقول : « اللهم خر لي » مائة
مرة ثم يتوسّل بالنبي والأئمة عليهم السلام ، ويصلي عليهم ، ويستشفع
بهم ، وينظرما يلهمه الله فيفعل ، فإن ذلك من الله تعالى
(2) .

يقول علي بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن الطاووس :
ولعلّ هذا لمن يكون
(3) له عذر عن صلاة المندوب للاستخارات ، أو على
____________
(1) الظاهر حصول سقط في السند ، لأن الشيخ أبا الفرج علي بن أبي الحسين الراوندي ينقل عن
الدورستي بواسطتين ، هما : أبوه ، عن علي بن عبد الصمد النيسابوري ، في الأغلب ،
فتأمل .
(2) نقله المجلسي في بحار الأنوار 91: 278 ، وأورده النوري في مستدرك الوسائل 1: 451/ 1 عن
العيون ، ولم أجده فيه .
(3) في « د » و « ش » : كان .
( 239 )
سبيل التخيير بين الاستخارة عقيب المندوبات والمكتوبات ، أو لعل يحتمل
أن يخصّ عمومه بالاستخارة بالرقاع أيضاً عقيب المفروضات ، ويكون معنى
الإلهام له ، أي في أخذ الرقاع ، ليحصل له بذلك كمال الشرف وزيادة
الانتفاع.

أرويها بإسنادي المقدم ذكره الى جدي أبي جعفر الطوسيّ عن [ أبي ]
(1)
المفضل قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود ، قال : حدثني أبي ،
قال : حدثنا الحسن بن خوزياد
(2) ، قال : حدثنا أحمد بن أبي عبد اللهّ
البزاز ، عن ابن أبي عمير ، عن جعفر بن محمد بن خلف العشيري
(3) قال :
سألت أبا عبد الله عن الاستخارة ، فقال : « استخر الله في آخر ركعة من
صلاة الليل وأنت ساجد مائة مرة » قال : قلت : كيف أقول ؟ قال : « تقول :
أستخير الله برحمته ، أستخير الله برحمته »
(4) .
____________
(1) ما بين المعقوفين أثبتناه من البحار .
(2) في « ش » : الحسن بن حوزيار، ولعله : الحسن بن خرزاذ الذي عنونه النجاشي قائلاً : قمي كثير
الحديث ، له كتاب أسماء رسول الله صلى الله عليه وآله وكتاب المتعة ، وقيل : إنه غلا في آخر
عمره ، وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الهادي عليه السلاَم .
أنظر « رجال النجاشي : 44/ 87، رجال الشيخ : 413/ 20 ، تنقيح المقال 1: 276 ، معجم
رجال الحديث 4: 317/ 2801 » .
(3) في البحار: القشيري .
(4) رواه الطبرسي في مكارم الاخلاق : 320 ، مرسلا عن القسري ، ونقله المجلسي في بحار الانوار
91 : 277 .
( 240 )

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر
الأصفهاني بإسنادهما الى جدي أبي جعفر الطوسي كما ذكرناه الى الحسن بن
علي بن فضّال
(1) ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
« ما استخار الله عبد قط في أمر مائة مرّة عند رأس الحسين عليه السلام ،
فيحمد الله وُيثْني عليه إلا رماه الله بخير الأمرين »
(2) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس : فهذا
ما أردنا ذكره من الأخبار بالاستخارة مائة مرة ، ويمكن الجمع بينها وبين
الأخبار التي قدمناها في الاستخارة بالرقاع الست ، فتكون الاشارة بالمائة مرة
في الروايات الى الاستخارة بالرقاع فإنها مائة مرة ، أو التخيير كيلا يسقط
شيء من هذه المنقولات .
فصل :

ونذكر الآن بعض ما وقفنا عليه من اختيار
(3) بعض أصحابنا الثقات في
الاستخارة بمائة مرة ، فإنها يُستخار بها في الدين والدنيا ، ولم يقتصروا على
ما يسمى مباحات ، فنقول :

قد تقدم كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان فيما حكيناه
عنه من كلامه في الرسالة العزية ، وأنه ذكر أن الاستخارة للطاعات
____________
(1) في « د » و « ش » زيادة : قال الحسن بن علي بن فضْال .
(2) رواه الحميري في قرب الإسناد : 28 ، باختلاف يسير ، ونقله الحر العاملي في وسائل الشيعة5:
220/ 1 ، والمجلسي في بحار الأنوار 91: 279/ 29 .
(3) في « د » : أخبار .
( 241 )
والقربات
( 1 ) .
وقال جدي أبو جعفرمحمد بن الحسن الطوسي
في كتاب المبسوط
في الجزء الأول ، ما هذا لفظه : وإذا أراد أمراً من الأمور لدينه أو دنياه
يستحبّ له أن يصلي ركعتين . يقرأ فيهما ما يشاء ، ويقنت في الثانية ، فإذا
سلم دعا بما أراد ، ويسجد ، ويستخير الله في سجوده مائة مرة ، يقول :
أستخير الله في جميع أموري ثم يمضي في حاجته
(2) .

وقال أبو جعفر الطوسي في النهاية ما هذا لفظه : وإذا أراد الإنسان أمراً
من الأمور لدينه أو دنياه ، يُستحب له أن يُصلي ركعتين ، فيقرأ فيهما ما
شاء
(3) ، ويقنت في الثانية ، فإذا سلم دعا بما أراد ، ثمّ ليسجد ويستخير الله
في سجوده مائة مرة فيقول : أستخير الله في جميع أموري . ثم يمضي في
حاجته
(4).
فصل :

وقال جدي أبو جعفر الطوسي أيضاً في كتاب الاقتصاد
(5) ماهذا لفظه :
وإذا أراد أمراً من الأمور لدينه أو دنياه ، فينبغي له أن يستخير الله تعالى
فيغتسل ويصلي ركعتين ، يقرأ فيهما ما شاء ، فإذا فرغ دعا الله ، وسأله أن
يخر له فيما يريده ، ويسجد ، ويقول في سجوده مائة مرة : أستخير الله في
جميع أموري ، خيرة في عافية . ثم يفعل ما يقع في قلبه
(6) .
____________
(1) تقدم في ص 176 .
(2) المبسوط 1 : 133 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 91: 279 .
(3) في المصدرزيادة : من السور .
(4) النهاية في مجرد الفقه والفتوى : 142 .
(5) في جميع النسخ : الانتصار ، وهوتصحيف ، صوابه ما أثبتناه ، كما ذكره المجلسي في بحار الأنوار
91: 280.
(6) الاقتصاد الهادي الى طريق الرشاد : 274 .
( 242 )

وقال أيضاً جدي أبو جعفر الطوسي في هداية المسترشد ما هذا لفظه :
وإذا أراد أمراً من الأمور لدينه أو دنياه ، فينبغي أن يستخير الله تعالى ، فيقوم
فيصلي ركعتين ، يقرأ فيهما ما شاء ، فإذا فرغ دعا الله وسأله أن يخير له فيما
يريد فعله ، ويسجد ، فيقول في سجوده مائة مرة : أستخير الله تعالى في
جميع أموري كلها ، خيرة في عافية ، ثم يفعل ما يقع في قلبه .

وقال الشيخ محمد بن إدريس في كتابه ما هذا لفظه : واذا أراد الإنسان
أمراً من الأمور لدينه أو دنياه ، يُستحب له أن يصلَي ركعتين يقرأ فيهما ما
شاء
(1) ، فإذا سلّم دعا بما أراد ، ثم يسجد ، ويستخير الله في سجوده مائة
مرة ، يقول : أستخير الله في جميع أموري ، خيرة في عافية. ثم يفعل ما
يقع في قلبه
(2) .

وسنذكر تمام كلامه في حديث الاستخارة بالرقاع ، في باب ما لعله
يكون مانعاً من الاستخارة ، ونستوفي القول فيه مع حفظ جانب الله جلَ جلاله
واتبّاع مراضيه
(3) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس :
وربما ينبهك على أن حديث الاستخارة قد كان مشهوراً معروفاً مأثوراً بين
الشيعة
(4) ، ما رويناه بإسنادنا المقدَم في طرقنا الى ما رواه جدي أبو جعفر
الطوسي رضوان الله عليه ، عن أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري .

وقال : حدثني أبو جعفر الطوسي في كتاب الفهرست : عبد الله بن
____________
(1) في السرائر زيادة : ويقنت في الثانية .
(2) السرائر : 69 .
(3) يأتي في ص 290 .
(4) في البحار : وبين الشيعة مألوفاً .
( 243 )
عفر الحميري ، يكنى أبا العباس القمي، ثقة
(1) .

وقال النجاشي في كتاب الفهرست : عبد الله بن جعفر بن الحسين بن
مالك بن جامع الحميري ، أبو العباس شيخ القمَيين ووجههم
(2) .

قال هذا عبد الله بن جعفر الحميري فيما رواه في كتاب الدلائل : عن
أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سهل بن اليسع
(3) ، قال : كنت
مجاوراً بمكة فصرت الى المدينة ، فدخلت على
أبي جعفر عليه السلام
وأردت أن أسأله عن كسوة يكسونيها ، فلم يتفق
(4) لي أن أسأله ، حتى ودعته
وأردت الخروج ، فقلت : أكتب إليه وأسأله.

قال : وكتبت الكتاب وصرت الى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
على أن أُصلي ركعتين وأستخير الله مائة مرة ، فإنْ وقع في قلبي أن أبعث إليه
بالكتاب
(5) ، وإلا خرقته .

قال : فوقع في قلبي أن لا أبعث إليه
(6) ، فخرقت الكتاب وخرجت من
المدينة ، فبينا أنا كذلك إذا رأيت رسولاً معه ثياب في منديل يتخلل
الطرقات ، ويسأل عن محمد بن سهل القمي ، حتى انتهى إلي ، فقال :
____________
(1) الفهرست : 102 / 429 .
(2) فهرست أسماء مصنفي الشيعة : 219/ 573.
(3) محمد بن سهل بن اليسع بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري القمي ، روى عن
الإمامين الرضا وأبي جعفر عليهما السلام ، له كتاب يرويه جماعة ، وذكر السيد الخوئي طريق
الصدوق والشيخ إليه .
انظر « رجال النجاشي : 367/ 996 ، رجال الشيخ : 388/ 25 ، معجم رجال الحديث
16: 170/ 10928 ».
(4) في البحار : فلم يقض .
(5) في البحارزيادة : بعثته .
(6) في « ش »: به .
( 244 )
مولاك بعث إليك بهذا ، وإذا ملاءتان
(1) .

قال أحمدبن محمد بن عيسى : فقضى أني غسّلته حين مات وكفنته
بهما
(2).

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس : أما
ترى صريح ما نقلناه من أن الاستخارة لأمور الدنيا والدين بصريح المقالات ،
وأما كونهم ما ذكروا الاستخارة بالرقاع في هذه المنقولات ، فقد تقدم ما أردنا
ذكره في باب ترجيح العمل بالاستخارة بالرقاع
(3) ، وأوضحنا أن الاستخارة
بغيرها لا يحصل منه كمال الإنتفاع .
ـــ
أقول : مع أن هذه الأقوال المتضمنة أن يستخير مائة مرة ويمضي في
حاجته ، أو يستخيرمائة مرة ويعمل ما يقع في قلبه ، فلا شبهة أن ما قالوه
(4)
من طريق روايات ، وجميع هذه الاستخارة بمائة مرة في المنقولات يحتمل أن
تكون الاستخارة بالرقاع مخصّصة ومبينة منها على وجه من وجوه التأويلات ،
وما لا يحتمل التخصيص والبيان فلعل ذلك يكون للتخيير في الروايات ، أو
عند أعذار تمنع الإنسان من العمل بالرقاع في الاستخارات ، فإنه إذا لم
يتمكن من كشف ما يستخير فيه بالرقاع ومن تمام الانتفاع ، فليرجع الى باب
التفويض الى الله جلّ جلاله والتوكّل عليه ويمضي في حاجته ، أو يعمل ما
يقع في قلبه كما ذكرناه ، ولكنّ التفويض والتوكل يحتاج الى الصدق فيهما
وقوة اليقين ، وأنْ يكون المفوّض والمتوكل واثقاً بالله جلَ جلاله وثوقاً أرجح
____________
(1) الملاءة : كل ثوب لين رقيق ، وفي النهاية : الملاء ، بالضم والمد : جمع ملاءة ، وهي الإزار
والريطة . « النهاية - ملأ - 4 : 352 ، مجمع البحرين 1 : 398 » .
(2) نقله المجلسي في بحار الأنوار 91: 279 .
(3) تقدم في الباب التاسع ص 209 .
(4) في « م » و « ش »: أن هنا قالوه.