الباب العشرون

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد
القاهر الأصفهاني بإسنادهما عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ،
عن عبد الرحمن بن سيابة قال : خرجت إلى مكة ومعي متاع كثير ، فكسد
علينا ، فقال بعض أصحابنا : إبعث به إلى اليمن ، فذكرت ذلك لأبي عبدالله
عليه السلام ، فقال لي : « ساهم بين مصر واليمن ، ثمّ فوِّض أمرك إلى
اللهّ ، فأيّ البلدين خرج اسمه في السهم ، فابعث إليه متاعك » ، فقلت :
كيف أساهم ؟ فقال : « أكتب في رقعة : بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم إنّه
لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة ، أنت العالم وأنا المتعلّم ، فانظر في أيّ
الأمرين خيراً لي حتّى أتوكل عليك فيه وأعمل به .

ثم اكتب مصراً إنْ شاء الله ثمّ اكتب في رقعةٍ اُخرى مثل ذلك ، ثمّ
اكتب اليمن إن شاء الله تعالى ، ثمّ اكتب في رقعة اُخرى مثل ذلك ، ثمّ
اكتب يحبس إنّ شاء الله تعالى ، ولا يبعث به إلى بلدة منهما ، ثمّ اجمع
الرقاع فادفعها إلى من يسترها عنك ، ثمّ أدخل يدك فخذ رقعة من الثلاث
( 268 )
رقاع ، فايّهما وقعت في يدك فتوكّل على الله ، فاعمل بما فيها إنْ شاء الله
تعالى
(1).
فصل :

ووجدت روايةً في المساهمة عن عمرو بن أبي المقدام ، وقد ذكر
جدي أبو جعفر الطوسي في كتاب الفهرست أنّه يروي كتاب عمرو بن أبي
المقدام في الشورى والمسائل التي أخبر بها أمير المؤمنين عليه السلام
اليهوديَ ، فإنْ كانت هذه الرواية فيما رواه جدي أبو جعفر محمد بن الحسن
الطوسيّ عنه ، فمن طرقي إليها ما قدمناه من الطرق إلى جدي أبي جعفر
محمد بن الحسن رضوان الله عليه ، وقد تضمن الفهرست اسم الرواة إلى
عمرو بن أبي المقدام
(2) .
____________
(1) اورده السيد ابن طاووس في الأمان من الاخطار : 84 ، ورواه الطبرسي في مكارم الأخلاق :
255 ، باختلاف في ألفاظه ، ونقله الحر العاملي في وسائل الشيعة5: 220 / 1 ،
والمجلسي في بحار الأنوار 91 : 223 ، وقال في بيانه : هذا عمل معتبر وسنده لا يقصر عن
العمل المشهور في الرقاع ، فإنْ ابن سيابة عندي من الممدوحين الذين اعتمد الأصحاب على
أخبارهم ، ويمكن تاييده باخبار القرعة ، فإنه ورد أنها لكل امر مشكل ، ورد انه ما من قوم
فؤضوا أمرهم الى الله إلآ خرج لهم الحق ، لا سيمّا إذا اختلفت الاراء في الأمر الذي يقرعون
فيه.
(2) قال الشيخ الطوسي في الفهرست : 111/ 481 : عمرو بن ميمون ، وكنية مأمون أبو
المقدام ، له كتاب حديث الشورى ، يرويه عن جابر الجعفي عن الباقر عليه السلام ، أخبرنا
به أحمد بن محمد بن موسى ، عن أحمد بن محمد بن سعيد ، عن جعفر وإسحاق ابني
محمد بن مروان ، قالا : حدثنا أبونا ، قال : حدثا عبيد الله المسعودي ، عن عمرو بن
ميمون ، عن جابر ، عن الباقر عليه السلام .
وله كتاب المسائل التي أخبر بها امير المؤمنين عليه السلام اليهودي ، أخبرنا بها احمد بن عبدون ،
عن أبي بكر الدوري ، عن محمد بن جعفر العلوي الحسني ، قال : حدثنا علي بن عبدك ،
قال : حدثنا طريف مولى محمد بن إسماعيل ، عن موسى وعبيد الله ابي يسار ، عن عمرو
ابن أبي المقدام ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الهمداني ، عن أمير المؤمنين عليه
السلام وذكر الكتاب .
( 269 )

2 - قال عمرو بن [ أبي ] المقدام : عن أحدهما في المساهمة :
« يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم فاطر السموات والأرض ، عالم
الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه
يختلفون ، أسالك بحقّ محمد وال محمد أن تصلّي على محمد وآل محمد
وأن تخرج لي خير السهمين
(1) في ديني ودنياي ، وعاقبة أمري وعاجله ، إنّك
على كلَ شيء قدير ، ما شاء الله ، لا حول ولا قوّة إلأ بالله ، صلّى الله على
محمد وآله .

ثم تكتب ما تريد في رقعتين ، وتكون الثالثة غُفلاً
(2) ، ثمّ تجيل
السهام ، فأيها خرج عملت عليه
(3) ولا تخالف ، فمن خالف لم يصنع
(4)
له ، وإن خرج الغفل رميت به »
(5).

يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس : لعل
قائلاً يقول : فأئ حاجة إلى الرقعة الثالثة الغُفل ؟ وربما يكون المراد بها تكثير
الرقاع لئلاّ تكون رقعتين فتعرفهما إذ تعرف أحدهما ، أو لعلّ المراد أن تكون
الرقاع افراداً ، فقد يكون لذلك معنى ، ويكون ذلك مراداً ، أو لغير ذلك مما
لا نعلمه نحن ، فحسْب العبد بالتفويض إلى ما يراه له مولاه سعادة دنيا
ومعاداً .
____________
(1) في البحار : وأن تخرخ لي خيرة .
(2) الغُفل الضم : ما لا علامة فيه « القاموس المحيط -غفل - 4 : 25 ».
(3)في « د »:به .
(4)أي لم يقدَر له ما هو خير له .
(5) ذكره المصنف في الأمان من الأخطار : 85 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 91: 234/
8، وقال في بيانه : ثم اعلم أن الكتابة على رقعتين لعلها فيما إذا كان الأمر مردداً بين شقين
أو بين الفعل والترك ، وإذا كان بين أكثر من شقين فيزيد الرقاع بعدد الزيادة ، ومع خروج
غُفل يرميها ويخرج اُخرى .
( 270 )
( 271 )
الباب الحادي والعشرون

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد
القاهر الأصفهاني ، بإسنادهما الذي قدّمناه إلى جدي أبي جعفر الطوسيّ ،
بإسناده إلى الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة من مسند جميل ، عن
منصور بن حازم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ، وقد سأله بعض
أصحابنا عن مسألة فقال : «هذه تخرج في القرعة ؟ » ثم قال : « وأيّ قضيّة
أعدل من القرعة إذا فوّض الأمر إلى الله عزّ وجلّ ، أليس الله عزّ وجلّ يقول :
(
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضينَ)
(1) (2) .

ومن ذلك في كتاب النهاية ، أخبرني به والدي موسى بن جعفر بن
محمد بن محمد بن الطاووس قدّس الله جلّ جلاله روحه ونوّر ضريحه ، فيما
____________
(1)الصافات 37 : 141 .
(2)أورده المؤلف في الأمان من الأخطار : 83 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 104: 325 /
5.
( 272 )
قرأه على شيخه الفقيه حسين بن رطبة ، عن الشيخ أبي علي الحسن بن
جدي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ ، عن والده أبي جعفر الطوسي
بجميع ما تضمّنه كتابه كتاب النهاية في الفقه .

وأخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر
الأصفهاني بإسنادهما إلى جدي أبي جعفر الطوسي فيما ذكره في كتاب
النهاية ، قال : روي عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، وعن غيره من ابائه
وأبنائه من قولهم : « كلُّ مجهول ففيه القرعة » قلت له : إنّ القرعة تُخْطىء
وتصيب ، فقال : « كلُّ ماحَكَمَ الله فليس بمُخطىء »
(1) .
فصل :

وأمّا كيفية الاستخارة بالقرعة ، فوجدت بخطّ أخي الصالح الرضيّ
القاضي الآوي محمد بن محمد بن محمد الحسيني
(2) ضاعف الله سعادته ،
وشرّف خاتمته ، ما هذا لفظه :

عن الصادق عليه السلام : « من أراد أن يستخير الله تعالى فليقرأ الحمد
عشر مرات ، وإناّ أنزلناه عشر مرات ، ثمّ يقول : اللّهمَّ إنّي أستخيرك لعلمك
بعاقبة
(3) الامور ، وأستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول والمحذور ، اللّهم
____________
(1) النهاية : 346 ، وأورده المصنف في الأمان من الأخطار : 83 ، ونقله المجلسي في بحار
الأنوار 154 :325 / 6 .
(2) قال الشيخ الطهراني في الأنوار الساطعة : 172 : محمد بن محمد بن محمد بن زيد بن
الداعي بن زيد بن علي بن الحسين بن الحسن . هو رضي الدين بن فخر الدين بن رضي
الدين الاوي العلوي الأفطسي . ذكر نسبه الى الحسن الأفطس ثم الى الإمام السجاد في
خاتمة المستدرك ص 444 ، يروي عن أربعة اباء رابعهم الداعي بن زيد [ الناس : 75]
عن شيخ الطائفة الطوسي . كان المترجم له مصاحباً لابن طاووس ( م 664 ) ويروي ابن
طاووس عنه في كتبه بعض الحكايات . ونقل المجلسي في البحار عن المَجموعة للجبعي أنه
توفي ليلة الجمعة 4 صفر 654 هـ .
(3) في « م » و « ش » : بعواقب .
( 273 )
إنْ كان أمري هذا ممّا قد نِيطت
(1) بالبركة أعجازه وبواديه
(2) ، وحفت بالكرامة
أيّامه ولياليه ، فخر لي
(3) بخيرة تردَ شموسه
(4) ذلولاً ، وتقعص
(5) أيامه
سروراً ، يا الله إمّا أمر فأأتمر ، وإمّا نهي فانتهي .

اللهم خر لي برحمتك خيرة في عافية ثلاث مرات. ثم ياخذ كفاً من
الحص أو سبحة.

يقول علي بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن
____________
(1) أي تعلقت وناط الشيء تعلق ، وهذا منوط بك أي متعلّق ، والانواط المعاليق ، ونيط فلان
بكذا أي علق ، وقال الشاعر :
وأنت زنيم نيط في آل هاشم * كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
« مصباح الكفعمي : 393 » .
(2) أعجاز الشيء آخره ، وبواديه أوله . ومفتتح الأمر ومبتدأه ومقتبله وعنفوانه وأوائله وموارده
وبدائهه وبواديه نظائر . وشوافعه وتواليه وأعقابه ومصادره ورواجعه ومصائره وعواقبه وأعجازه
نظائر . « مصباح الكفعمي : 393 » .
(3) في « د » زيادة : اللهم .
(4)أي صعوبته، يقال : رجل شموس ، اي صعب الخُلق . أُنظر ا الصحاح « شمس -3 :
940 ».
(5) كذا في جميع النسخ ، وأوردها الكفعمي بالضاد المعجمة ، وقال : وتقعض أي ترد وتعطف
وقعضت العود عطفته ، وتقعص بالصاد تصحيف ، والعين مفتوحة لأنه إذا كانت عين الفعل أو
لامه أحد حروف الحلق كان الاغلب فتحها في المضارع . وعلق العلامة المجلسي قائلا :
وأما القعض بالمعنى الذي ذكره [ الكفعمي ] فقد ذكره الجوهري ، ولم يورد الفيروز آبادي
هذا البناء أصلاً ، وهو غريب ، وفي كثير من النسخ بالصاد المهملة ، ولعله مبالغة في
السرور ، وهذا شائع في عرف العرب والعجم ، يقال لمن أصابه سرور عظيم : مات
سروراً ، أو يكون المراد به الانقضاء أي تنقضي بالسرور والتعبير به لأنْ أيام السرور سريعة
الانقضاء ، فإنْ القعص ا لموت سريعاً ، فعلى هذا يمكن أن يقرأ على بناء المعلوم
والمجهول ، وقال الفيروز آبادي : القعص الموت الوحي ، ومات قعصاً أصابته ضربة أو رمية
فمات مكانه ، وقعصه كمنعه قتله مكانه كقعّصه ، وانقعص مات ، والشيء انثنى انتهى ،
فعلى ما ذكرناه يمكن أن يكون بالمهملة بالمعنى الذي ذكره في المعجمة ، ولا يبعد أن يكون
في الأصل تقيْض فصحف ولعل الأولى العمل بالرواية التي ليست فيها هذه الكلمة « بحار
الأنوار 91 : 249 » .
( 274 )
الطاووس : هذا لفظ الحديث
(1) ، ولعل المراد بأخذ الحصى والسبحة أن يكون
قد قصد بقلبه أنّه إنْ خرج عدد الحصى والسبحة فرداً، كان : إفعل ، وإنْ
خرج منه زوجاً
(2) كان : لا تفعل ، أو لعلّه يجعل نفسه والحصى أو السبحة
بمنزلة
(3) اثنين يقترعان ، فيجعل الصدر في القرعة منه أو من [ الحصى أو
السبحة فيخرج عن نفسه عدداً معلوماً ثمّ ياخذ من ]
(4) الحصى شيئاً ، أو من
السبحة شيئاً ، ويكون قد قصد بقلبه أنّه إنْ وقعت القرعة عليه مثلاً فيفعل ،
وإذا وقعت على الحصى أو السبحة فلا يفعل ، فيعمل بذلك
(5) .
فصل :

وحدثني بعض أصحابنا مرسلاً في صفة القرعة أنّه يقرأ الحمد مرّة
واحدة ، وإنا أنزلناه إحدى عشر مرة ، ثم يدعو بالدعاء الذي ذكرناه عن
الصادق ( عليه السلام ) في الرواية التي قبل هذه ، ثم يقرع هو وآخر يقصد
بقلبه أنّه متى وقع عليه أوعلى رفيقه يفعل بحسب ما يقصد في نيّته ، ويعمل
بذلك مع توكّله وإخلاص طويّته
(6) .

أقول : وقد رجحنا الاستخارة بالست الرقاع على سائر الاستخارات ،
وكشفنا ذلك كشفاً لا يخفى على من عرفه من أهل العنايات .
____________
(1) في البحارزيادة : كما ذكرناه .
(2) في البحار : مزدوجاً .
(3) في النسخ : إلأ ، وما أثبتناه من البحار .
(4) أثبتناه من البحار .
(5) أورده المجلسي في بحار الأنوار 91: 247/ 1 ، والحر العاملي في وسائل الشيعة 5 :
219/ 2.
(6) أورده المجلسي في بحار الأنوار 91: 247 ، والنوري في مستدرك الوسائل 3 : 200 /
11.
( 275 )
فصل :
يتضمّن المشاورة لله جلّ جلاله بالمصحف المقدس ووجدناه
قد سماه الذي رواه بالقرعة
ـ
رأيت ذلك في بعض كتب أصحابنا رضوان الله عليهم قال : ويصلّى
صلاة جعفر بن أبي طالب ، ولم ترد
(1) صفتها ولا أيّ الروايات في تعقيبها
بالدعوات ، وأنا أذكر من الروايات بذلك رواية مختصرة جليلة بعد ذكر صلاة
جعفر عليه السلام ، وهذا صفة صلاة جعفر بن أبي طالب عليهم السلام جملة
وتفصيلا : إنّك
(2) تبدأ بالنيّة فتقصد بقلبك أنّك تصلّي مثل صلاة جعفربن
أبي طالب ، تعبد الله جلّ جلاله بذلك لأنّه أهل للعبادة ، ثم تكبّر تكبيرة
الإحرام ، وتقرأ الحمد وسورة إذا زلزلت الأرض زلزالها ، ثمّ تقول وأنت
قائم :

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله واللّه أكبر خمس عشرة مرّة، ثمّ تركع
وتقول هذا التسبيح في ركوعك عشر مرات ، ثمّ ترفع رأسك من الركوع
وتقوله عشراً ، ثم تسجد وتقوله في سجودك عشراً ، ثمّ ترفع رأسك من
السجود وتجلس وتقوله في حال جلوسك عشراً ، ثمّ تسجد السجدة الثانية
وتقوله فيها عشراً ، ثمّ ترفع رأسك وتجلس ، وتقوله في حال جلوسك عشراً ،
ثم تقوم فتقرأ الحمد وسورة والعاديات ، ثمّ تقول هذا التسبيح في هذه الركعة
الثانية كما قلته في الأولى ، وفي مواضعه التي ذكرناها.

فإذا فرغت منه بعد رفع رأسك فن السجدة الثانية في الركعة الثانية
فتشهد الشهادتين ، وصل على النبي صلى الله عليه واله ، ثمّ تسبح تسبيح
____________
(1) في « د » : يرو .
(2) في « ش » و « د » : وإنك .
( 276 )
الزهراء عليها السلام ، ثمّ تقوم إلى الركعتين الأخيرتين من صلاة جعفر ،
فتنوي بقلبك كما ذكرناه ، ثمّ تكبر تكبيرة الإحرام ، وتقرأ الحمد وسورة إذا
جاء نصر الله والفتح ، وتقول التسبيح في هذه الركعة الثالثة في عدده
ومواضعه ، كما ذكرناه في الركعة الاولى .

فإذا فرغت من هذه الركعة الثالثة ، فقم إلى الركعة الرابعة ، واقرأ
الحمد وسورة قل هو الله أحد ، وقل التسبيح المذكور في هذه الركعة الرابعة
في عدده ومواضعه ، كما ذكرناه في الركعة الاولى .

فإذا فرغت من التسبيح بعد رفع رأسك من السجدة الثانية في الركعة
الرابعة ، فتشهّد وصلِّ على النبيّ واله صلوات اللهّ عليه ، وسبّح تسبيح
الزهراء عليها السلام .

وأما تعقيبها ، فنذكر ما وعدنا به من الرواية الجليلة ووعودها الجميلة :

روى المفضّل بن عمر قال : رأيت أبا عبداللهّ عليه السلام يصلّي صلاة
جعفر عليه السلام ، فرفع يديه ودعا بهذا الدعاء : يا ربِّ يا ربِّ حتى انقطع
النفس ، يا ربّاه يا ربّاه حتى انقطع النفس ، ربِّ ربِّ حتى انقطع النفس ، يا
الله يا الله حتى انقطع النفس ، يا حيّ يا حيّ حتى انقطع النفس يا رحيم يا
رحيم حتى انقطع النفس ، يا رحمن يا رحمن حتى انقطع النفس سبع
مرات ، يا أرحم الراحمين سبع مرات .

ثمّ قال : اللهمَّ إني أفتتح القول بحمدك ، وأنطق بالثناء عليك ،
وأحمدك
(1) ولا غاية لمدحك ، واُثني عليك ومن بلغ غاية ثنائك ، واُمجّدك
وأنى لخلقك كنه معرفة مجدك ، وأيّ زمنِ لم تكن ممدوحاً بفضلك ، موصوفاً
بمجدك ، عوّاداً على المذنبين بحلمك ، تخلّفَ سكّان أرضك عن طاعتك
____________
(1) في مصباح المتهجد : وأُمجدك .
( 277 )
فكنت عليهم عطوفاً بجودك ، جواداً بفضلك ، عوّاداً بكرمك ، يا لا إله إلا
أنت المنّان ذو الجلال والإكرام .

وقال : يا مفضّل إذا كانت لك حاجة مهمة ، فصل هذه الصلاة ، وادعُ
بهذا الدعاء ، وسل حاجتك ، يقض الله حاجتك ، إنْ شاء الله تعالى وبه
الثقة
(1).

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد به الطاووس : عدنا
الان إلى ما وقفنا عليه في بعض كتب أصحابنا من صفة الفال في المصحف
الشريف ، وهذا لفظ ما وقفنا عليه :
صفة القرعة في المصحف : يصلّي صلاة جعفر عليه السلام ، فإذا فرغ
منها دعا بدعائها ، ثمّ ياخذ المصحف ، ثمّ ينوي فرج آل محمد بدءاً
وعوداً
(2) ، ثمّ يقول : « اللّهمّ إنْ كان في قضائك وقدرك أن تفرِّج عن وليّك
وحجّتك في خلقك في عامنا هذا وفي شهرنا هذا ، فاخرج لنا رأس آية من
كتابك نستدلّ بها على ذلك » .

ثمّ يعدّ سبع ورقات ، ويعدّ عشرة أسطر من ظهر الورقة السابعة ، وينظر
ما يأتيه في الحادي عشر من السطر ، ثمّ يعيد الفعل ثانياً لنفسه ، فإنّه
يتبيّن حاجته إن شاء الله تعالى
(3) .

أقول : أمّا بعد معنى قوله في كل ما قال « في عامنا هذا » أن يكون
____________
(1) رواه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد :275 ، وأورده المصنف في جمال الأسبوع :
294 ، والكفعمي في البلد الأمين : 150 ، والمصباح : 480 .
(2) قال المجلسي في بيانه على النص في البحار 91: 241 : لعل المعنى في الحال وفي
الرجعة ، أو ينوي ذلك مكرراً ، وقيل : أي أول مرة وفيما يفعل ثانياً ، وهو بعيد ، وفيه دلالة
ما على جواز التفأل بالمصحف لاستعلام الأحوال .
(3) أورده الطبرسي في مكارم الأخلاق : 324 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 91: 241/
2 ، والنوري في مستدرك الوسائل 1: 301/ 3 .
( 278 )
العلم بالفَرَج عن وليّه وحجّته في خلقه يتوقّف على معرفة اُمور كثيرة ، فيكون
كلّ وقت يدعى له بذلك في عامي هذا ، وفي شهري هذا ، يفرّج الله جل
جلاله أمراً من تلك الامور الكثيرة ، فيسمّى ذلك فرجاً .
فصل :
:

وحدّثني بدر بن يعقوب المقرىء الأعجمي
(1) رضوان الله عليه بمشهد
الكاظم صلوات الله عليه في صفة الفال في المصحف [بثلاث روايات من
غير صلاة ، فقال : تاخذ المصحف ]
(2) : وتدعو فتقول
(3) : اللّهَم إنْ كان
من
(4) قضائك وقدرك أن تمنَّ على اُمّة نبيّك بظهور وليك وابن بنت نبيّك ،
فعجّل ذلك وسهّله ويسّره وكمّله ، وأخرج لي ايةً أستدلّ بها على أمر فائتمر ،
أو نهي فانتهي - أو ما تريد الفال فيه - في عافية .

ثمَّ تعدّ سبع أوراق ، ثمّ تعدّ في الوجهة الثانية من الورقة السابعة ستّة
أسطر ، وتتفأل بما يكون في السطر السابع .

وقال في رواية اُخرى : إنّه يدعو بالدعاء ، ثمّ يفتح المصحف
الشريف ، ويعدّ سبع قوائم ، ويعد ما في الوجهة الثانية من الورقة السابعة ،
وما في الوجهة الاولى من الورقة الثامنة من لفظ اسم الله جلّ جلاله ، ثمّ يعدّ
قوائم بعدد لفظ اسم اللهّ ، ثم يعدّ من الوجهة الثانية من القائمة التي ينتهي
____________
(1) ترجم له الشيخ الطهراني في الأنوار الساطعة في المائة السابعة : 24 ، قائلا : بدر الأعجمي ،
الشيخ الصالح ، نزيل بغداد أيام المستنصر ( م 640 ) وقد توسط رضي الدين علي بن طاووس
له عند الخليفة فرسم له خمسين ديناراً واتفق أنه وصل الرسم الى خطير الدين محمود بن
محمد ، ثم استدركه له ابن طاووس ثانياً . ذكر تفصيله في الباب الخامس من « فرج
المهموم ».
(2) ما بين المعقوفين أثبته من بحار الأنوار .
(3) في البحار : وتدعو بما معناه فتقول .
(4) في « م » والبحار : في .
( 279 )
العدد إليها ، ومن غيرها ممّا يأتي بعدها سطوراً بعدد لفظ اسم اللهّ جلّ
جلاله ، ويتفأل بآخر سطر من ذلك .

وقال في الرواية الثالثة : إنّه إذا دعا بالدعاء عدّ ثماني قوائم ، ثمّ يعدّ
في الوجهة الاولى من الورقة الثامنة أحد عشر سطراً ، ويتفأل بما في السطر
الحادي عشر ، وهذا ما سمعناه في الفأل بالمصحف الشريف قد نقلناه كما
حكيناه
(1).
____________
(1) نقله المجلسي في بحار الأنوار 91: 242 / 4 ، وقال : وجدت في بعض الكتب أنه نسب
إلى السيد « ره » الرواية الثانية لكنه قال : يقرأ الحمد وآية الكرسي وقوله تعالى :( وعنده
مفاتح الغيب ) الى آخر الآية ، ثم يدعو بالدعاء المذكور ويعمل بما في الرواية . وأورده
النوري في مستدرك الوسائل 1 : 301 ذيل حديث 3 .
( 280 )
( 281 )
الباب الثاني والعشرون
في استخارة الإنسان عن من يكلّفه الاستخارة من
الإخوان

إعلم أنّني ما وجدت حديثاً صريحاً انّ الإنسان يستخير عن
سواه ، لكن وجدت أحاديث كثيرة تتضمّن الحثّ على قضاء حوائج الإِخوان
من الله جلّ جلاله بالدعوات وسائر التوسّلات ، حتى رأيت في الأخبار من فوائد
الدعاء للإخوان ما لا أحتاج إلى ذكره الان ، لظهوره بين الأعيان ،
والاستخارات على سائر الروايات هي من جملة الحاجات ، ومن جملة
الدعوات ، فإنَّ الذي يستخير بالرقاع إنّما يسجد ويدعو مائة مرة ، ويرفع رأسه
ويدعو أيضاً كما قدّمناه ، فاستخارة الإِنسان عن غيره داخلة في عموم الأخبار
الواردة بما ذكرنا .
فصل :
ـ
ولأنّ الإِنسان إذا كلّفه غيره من الإخوان الاستخارة في بعض
الحاجات ، فقد صارت الحاجة للّذي يباشر الاستخارات ، فيستخير لنفسه
وللذي يكلّفه الاستخارة ، أمّا استخارته لنفسه بأنّه هل المصلحة للذي يباشر
الاستخارة في القول لمن يكلفه الاستخارة ، وهل المصلحة للذي يكلّفه
( 282 )
الاستخارة في الفعل أو الترك ؟ وهذا ممّا يدخل تحت عموم الروايات
بالاستخارات ، وبقضاء الحاجات ، وما يتوقّف هذا على شيء يختصّ به في
الروايات
(1)
.
____________
(1) أورده المجلسي في بحار الأنوار 91 : 285 ، وعقب في بيانه قائلاً : ما ذكره السيد من جواز
الاستخارة للغير لا يخلو من قوة للعمومات لا سيما إذا قصد النائب لنفسه أن يقول للمستخير افعل
أم لا ؟ كما أومأ إليه اليد ، وهو حيلة لدخولها تحت الأخبار الخاصة ، لكنْ الأولى والأحوط أن
يستخير صاحب الحاجة لنفسه ، لأنا لم نر خبراً ورد فيه التوكيل في ذلك ، ولو كان ذلك جائزاً او
راجحاً لكان الأصحاب يلتمسون من الأئمة عليهم السلام ذلك ، ولو كان ذلك لكان منقولاً لا أقل
في رواية ، مع أنّ المضطرّ أولى بالاجابة ودعاؤه أقرب الى الخلوص عن نية .
( 283 )
الباب الثالث والعشرون
فيما لعلّه يكون سبباً لتوقّف قوم عن العمل
بالاستخارة أو لإنكارها والجواب عن ذلك

يقول علي بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن
الطاووس الحسنيّ : إعلم أنّني وجدت المتوقفين عن العمل بالاستخارة ،
والمنكرين لها ، عدة فرق :
الفرقة الأولى : قوم كانوا مشغولين عن أخبار الاستخارات بمهام
دينهم ودنياهم ، فلم يتفّرغوا ولم ينظروا بالاعتبار في ما ورد فيها من
الروايات ، ولو كانوا وقفوا على ما رويناه وذكرناه ما توقّفوا ولا أنكروا ، وكانوا
يعملون بذلك ، فإنه واضح لمن عرف معناه ، وهؤلاء هم الذين يحسن الظنّ
بهم من المتوقفين أو المنكرين ، ولا تزروا بغير المكابرين .
الفريق الثاني من المتوقّفين عن الاستخارة والعمل بها
والإنكار لها :قومٌ كانوا يستخيرون فوجدوا من الاستخارة أكداراً وأخطاراً ،
فتوقَفوا عنها ونفروا منها وأظهروا إنكاراً ، وهؤلاء إذا نظر في حالهم منصف
عارف بهم على اليقين ، عَلِمَ أنهم ما كانوا قد قاموا بشروط الاستخارة
( 284 )
لسلطان العالمين ، فالذنب كان لهم دون الاستخارات ، وذاك أنَّهم كانوا
يستخيرون على سبيل التجارب ، لينظروا هل يظفرون بالمرادات أم لا
يظفرون بذلك ( بطلان ما ورد في الاستخارة من الروايات )
(1) وبان أنّهم كانوا
يفعلون ذلك على سبيل التجارب دون اليقين والتفويض إلى اللهّ جلّ جلاله في
تدبير العواقب ، وتوقّفهم عنها ، ونفورهم منها ، ورجوعهم عن الله جلّ جلاله
فيما أشار به عليهم فيما زعموا أنّهم استخاروا اللهّ جلّ جلاله فيه ، وفوّضوا
!لى مراضيه ، ولو كانوا على يقين من استخارتهم ، كانوا قد قنعوا بتدبير الله ،
فهوأعلم بمصلحتهم في دنياهم وآخرتهم .
فصل :

وما يخفى على أهل البصائر أنّ الذي يستخير الله جلّ جلاله على
سبيل التجربة ، فإنّه يكون سيّء الظنّ باللهّ عزّ وجلّ ، أو سيء الظنّ بالرواية
عن الله ، بل لعلّه
(2)كان سيّء الظنّ بالرواية قام
(3) وصلّى صلاة الاستخارة ،
وكلاهما يمنع من الاستخارة ، فإنّه لو حسن ظنّه ، أو قوي يقينه بالله جلّ
جلاله ، رضي بتدبيره في كلّ اشارة ، واللهّ جلّ جلاله يقول : (
يَظُنُّونَ ِبالله
غَيْرَ ألْحَقّ ظَنَ ألْجَاهِلية)
(4)(
الظَّانّينَ ِبالله ظَنَّ ألسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَاءهُ ألسَّوْءِ)
(5) فمن
يستخير على سبيل التجارب ، ولا يكون مفوّضاً إلى الله جل جلاله العالم
بالعواقب ، فقد أساء الظنّ بالله ، فإنّه مطلعٌ على سره ، (
وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ
قَدْرِه)
(6) والمستخير على هذه الصفات أقرب إلى الهلاك والنقمات من أنّه يظفر
____________
(1) الظاهر أن هذه العبارة مقحمة في غير محلها ، فلاحظ .
(2) في « د » و « م » زيادة : لو .
(3) في « د » و « ش » : ماقام .
(4)آل عمران 3 : 154.
(5) الفتح 48: 6 .
(6)الأنعام 6: 91 .
( 285 )
بفوائد الاستخارات .
فصل :

وأيضاً فإنّ المستخير على غير ثقة ويقين بالاستخارات ، بل إنْ جاءت
كما يريد عمل بها ، وإن جاءت بخلاف ما يريد توقّف عنها ونفر منها وقدح
في الروايات ، ما يؤمنه أن يدخل تحت عموم تهديد ووعيد سلطان العالمين ،
في قوله تعالى : (
ومِنَ ألنَّاسِ مَن يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أصَابَه خَيْرٌ إطْمَأنَّ
بِهِ وَاِنْ اَصَابتهُ فِتْنَةٌ أنقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ ألدُّنْيَا وَألإخِرَةِ ذَلِكَ هُو الْخُسرَان
ألْمبينُ )
(1)
فصل :
الفريق الثالث : قوم كانوا يستخيرون لا على سبيل التجربة على ما
يقولون ، بل ما كانوا يعلمون أنّ رقاع الاستخارات دالةٌ على ما يأتي فيها من
الإشارات ، وهل يكون صفواً ، أو يكون فيها تكدير
(2) في بعض الأوقات ،
كما كنا قد شرحناه في باب ترجيح العمل بالستّ رقاع ، وما ذكرناه فيها من
الانتفاع .

بل لا يفرّقون بين الاستخارة إذا جاءت ( إفعل ) سواء كانت في خمس
أوأربع أوثلاث ، وقد كشفنا في ذلك الباب الفرق بين رقاع الاستخارة إذا
توافقت وتساوت وإذا اختلفت ، فانظره فإنه كاشف لوجوه الصواب ، ولو
كان قد علم المستخير أنّ الرقاع إذا خرجت ( إفعل ) في خمس يقتضي أن
يكون فيها تكدير بحسب مواضع الرقاع التي خرجت فيها ( لا تفعل ) كان قد
تأهب له ، وما كان ينفرمنها ولا يستعجل .
الفريق الرابع : قومٌ وجدوا كلاماً لشيخنا المفيد محمد بن محمد بن
____________
(1)الحج 22 : 11 .
(2) في « د » : نكداًَ .
( 286 )
النعمان في المقنعة وكلاماً للشيخ الفقيه محمد بن إدريس في كتاب السرائر
فاعتقدوا أنّ ذلك مانعٌ من الاستخارة بالرقاع المذكورة فتوقفوا عنها ، وفاتهم
فوائدها المأثورة ، ونحن نذكر كلام هذين الشيخين على وجهه ولفظه
ومعناه ، ونذكر عذرهما مع مراعاة مراقبة الله جلّ جلاله ، والاجتهاد في طلب
رضاه .
أمّا الذي ذكره شيخنا المفيد في المقنعة فهذا لفظ ما وجدناه في
نسختنا ، وهي نسخة عتيقة جليلة، يدلّ حالها على أنها كتبت في زمان حياة
شيخنا المفيد رضوان الله عليه ، وعليها قراءة ومقابلة ، وهي أصل يُعتمد
عليه :

وروي عنه عليه السلام أيضاً أنه قال : إذا أردت الاستخارة فخذ ست
رقاع ، فاكتب في ثلاث منهن : بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز
الحكيم لفلان بن فلان
(1) ( إفعل ) وفي ثلاث : خيرة من الله العزيز الحكيم
لفلان بن فلان
(2) ( لا تفعل ) ثمّ ضعهنّ تحت مصلأك ، وصلّ ركعتين ، فإذا
فرغتَ منهما فاسجد ، وقل في سجودك : أستخير الله برحمته خيرة في
عافية ، مائة مرّة ، ثمّ استو جالساً ، وقل : اللهئم خِرْ لي ، واختَرْ لي في
جميع اُموري ، في يسر منك وعافية .

ثمّ اضرب يدك إلى الرقاع فشوشها واخلطها ، واخرج واحدة ، فإنْ
خرجت ( لا تفعل ) فاخرج ثلاثاً متواليات ، فإنْ خرجن
(3) على صفة واحدة
[لا تفعل ]
(4) فلا تفعل ، وإنْ خرجت (إفعل ) فافعل ، وإنْ خرجت واحدة (لا تفعل )
والاخرى ( إفعل ) ، فخذ منها خمس رقاع ، فانظر أكثرهما فاعمل عليه ،
____________
(1 -2) في « د » : فلانة .
(3) في النسخ : كانتا ، وما أثبتناه من المصدر .
(4) ما بين المعقوفين من المصدر .
( 287 )
واترك الباقي
(1) .

وهذا آخر ما تضمَّنَتْه نسختنا المشار إليها ، ولم يُذكر عن شيخنا المفيد
محمد بن محمد بن النعمان طعناً عليها ، وهي أقرب إلى التحقيق ، لأن
جدي أبا جعفر الطوسيّ لمّا شرح المقنعة بتهذيب الأحكام لم يذكر عند ذكره
لهذه الرواية ، أنّ المفيد طعن فيها
(2) ،وإنما وجدنا بعض نسخ المقنعة فيها
زيادة ، ولعلّها قد كانت من كلام
(3) غير المفيد ، على حاشية المقنعة ،
فنقلها بعض الناسخين فصارت في إلأصل ، ونحن نذكر الزيادة في بعض
نسخ المقنعة ، ونجيب عنها ، وهذا لفظ الزيادة :

« وهذه الرواية شاذة ، ليست كالذي تقدّم ، لكنّا أوردناها على وجه
الرخصة ، دون تحقيق العمل بها ». هذا اخر ما وجدناه عنه في بعض نسخ
المقنعة
(4) رضي الله جلّ جلاله عنه وأرضاه .

أقول : اعتبر هذه الرواية واعتبر ما قيد به قوله رحمه الله أنّها شاذة ،
وقد ظهر لك حقيقة الحال ومعنى المقال ، أما قوله : « هذه الرواية شاذة »
فإنّه ما قال : كلّ رواية وردت في الاستخارة شاذة ، ولا قال : إنّ سبب
شذوذها كونها يُعمل فيها بالرقاع ، ولا قال : إنّ العمل بها شاذ ، فقد ظهر
(5)
بذلك انّ قوله : « هذه الرواية شاذة » محتملٌ لعدّة وجوه :
الوجه الأول : لعل مراده رحمه الله أن هذه الرواية شاذة لأجل أنه
عرف أن راويها عن الأئمة صلوات الله عليهم لم يرو غيرها عنهم ، فإنّه ما ذكر
اسم رواتها .
____________
(1) المقنعة : 36 .
(2) أنظرتهذيب الأحكام 3 : 181 / 6 .
(3) في « ش » : كتاب .
(4) ورد هذا النص في النسخة المطبوعة من المقنعة : 36 .
(5) في « د » زيادة : لك .
( 288 )
الوجه الثاني : لعلّ مراده أنّ هذه الرواية شاذة لأجل أن راويها خاصّة
كان رجلاً مجهولاً لا يُعرف بالرواية عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.
الوجه الثالث : لعلّ مراده أنّ هذه الرواية شاذة لأجل كونها تضمّنت
لفلان بن فلان ، ولم تتضمّن فلان بن فلانة ، فإنّ ذكر فلان بن فلانة هو
المالوف المعروف .
الوجه الرابع : لعلّ المراد أنّ هذه الرواية شاذة أنّها تضمّنت بسم الله
الرحس الرحيم ، خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان ( إفعل ) وما
قال : ( إفعله ) ، فإنّ المالوف المعروف ( إفعله ) بالهاء .
الوجه الخامس : لعلّ المراد أنّ هذه الرواية شاذة كونه ذكرفيها أولاً : « فإن
خرجت لا تفعل ، فأخرج ثلاثاً متواليات ، فإنْ خرجن على صفةٍ واحدة لا تفعل ، فلا
تفعل » وما هكذ ا تضمّنت رواية الاستخارة بالستّ الرقاع ، إنّما تضمّنت البداة بخروج
الرقاع ( إفعل ) ، فإنّ عادة كثير من أخبار النبي والأئمّة عليهم الصلاة والسلام أنّه إذا
كان الأمر متردداًَ بين ( إفعل ) و( لا تفعل ) ، يبدأون في غالب الأحوال باللفظ بإفعل ،
فكانت هذه الرواية شاذة ، كيف قدّم فيها راويها ( لا تفعل ) على غيرها من الروايات
المتضمنة تقديم (افعله )
(1) ، فإنّه كشف بذلك أنّ قوله رحمه الله : « هذه الرواية شاذة
وليست كالتي تقدّم » محتمل لهذه الوجوه كلّها ، ولغيرها من التأويلات ، التي تدخل
تحت الاحتمالات .

وأمّا قوله رضوان الله عليه : « لكنّا أوردناها على سبيل الرخصة ، دون تحقيق
العمل بها » ، فاعلم أنّ المفهوم من قوله « على سبيل الرخصة » أنّ العمل بها جائز ،
وأنّها ليست كالروايات التي قدّمها قبلها ، وهذا الجواز كافٍ مع ما ذكرناه من وجوه
____________
(1) في « د » : إفعل .