|
|
به من بعد نوح عليه السلام من ملوك الهاطلة (1) وهم النمادرة ، قال : فاقتص القوم الصحيفة وافضوا منها الى هذا الرسم . قال : اجتمع الى ادريس عليه السلام قومه وصحابته ، وهو يومئذ في بيت عبادته من ارض كوفان ، فخبرهم فيما اقتص عليهم ، قال : ان بنى ابيكم آدم عليه السلام الصلبية وبنى بنيه اختصموا فيما بينهم وقالوا : أي الخلق عندكم اكرم على الله عزوجل وارفع لديه مكانه واقرب منه منزلة ؟ فقال بعضهم : ابوكم آدم عليه السلام خلقه الله عز وجل بيده واسجد له ملائكته وجعله الخليفة في ارضه وسخر له جميع خلقه ، وقال آخرون : بل الملائكة الذين لم يعصوا الله عز وجل ، وقال بعضهم : لا بل امين الله جبرئيل عليه السلام . فانطلقوا الى آدم عليه السلام فذكروا الذى قالوا واختلفوا فيه ، فقال : يا بنى أنا أخبركم بأكرم الخلائق جميعا على الله عزوجل ، انه والله لما ان نفخ في الروح حتى استويت جالسا فبرق لى العرش العظيم ، فنظرت فيه فإذا فيه : لا اله الا الله محمد رسول الله ، فلان صفوة الله فلان امين الله فلان خيرة الله عزوجل ، فذكر عدة اسماء مقرونة بمحمد صلى الله عليه وآله . قال آدم : ثم لم أر في السماء موضع اديم - أو قال : صفيح - منها ، الا وفيه مكتوب : لا اله الا الله ، وما من موضع مكتوب فيه : لا اله الا الله وفيه مكتوب خلقا لا خطا : محمد رسول الله ، وما من موضع في مكتوب : محمد رسول الله ، الا ومكتوب : فلان خيرة الله فلان صفوة الله فلان امين الله عزوجل ، فذكر عدة اسماء تنتظم حساب المعدود ، قال آدم عليه السلام : فمحمد صلى الله عليه وآله يا بنى ومن خط من تلك الأسماء معه اكرم الخلائق على الله تعالى جميعا . ثم ذكر ان ابا
حارثة سأل السيد والعاقب ان يقفا على صلوات ابراهيم عليه السلام
الذى جاء بها الاملاك من عند الله عزوجل فقنعوا بما وقفوا عليه في الجامعة ، قال أبو حارثة : لا بل شارفوها (1) بأجمعها واسبروها (2) ، فانه أصرم (3) للمعذور وارفع لحكة (4) الصدور ، وأجدر الا ترتابوا في الأمر من بعد ، فلم يجد من المصير الى قوله من بد ، فعمد القوم الى تابوت ابراهيم عليه السلام قال : وكان الله عزوجل بفضله على من يشاء من خلقه ، قد اصطفى ابراهيم عليه بخلته وشرفه بصلواته وبركاته وجعله قبلة واماما لمن يأتي من بعده وجعل النبوة والامامة والكتاب في ذريته يتلقاها آخر عن اول وورثه تابوت آدم عليه السلام المتضمن للحكمة والعلم الذى فضله الله عز وجل به على الملائكة طرا . فنظر ابراهيم عليه السلام في ذلك التابوت فأبصر فيه بيوتا بعدد ذوى العزم من الانبياء المرسلين وأوصيائهم من بعدهم ونظرهم ، فإذا شكل عظيم يتلألأ نورا فيه : هذا صنوه ووصيه المؤيد بالنصر ، فقال ابراهيم عليه السلام ، الهى وسيدي من هذا الخلق الشريف ؟ فأوحى الله عزو جل : هذا عبدى وصفوتي الفاتح الخاتم وهذا الوارث ، قال : رب ما الفاتح الخاتم ؟ قال : هذا محمد خيرتي وبكر فطرني (5) وحجتي الكبرى في بريتى ، نبئته واجتبيته إذا آدم بين الطين والجسد ، ثم انى باعثه عند انقطاع الزمان لتكلمة دينى وخاتم به رسالاتي ونذرى ، وهذا على اخوه وصديقه الأكبر ، آخيت بينهما واخترتهما وصليت وباركت عليهما وطهرتهما واخلصتهما والابرار منهما وذريتهما قبل ان اخلق سمائي وارضى وما فيهما من خلقي ، وذلك لعلمي بهم وبقلوبهم انى بعبادي عليهم خبير . قال : ونظر ابراهيم عليه السلام فإذا اثنى عشر تكاد تلألأ اشكالهم لحسنهما (6) نورا ،
فسأل ربه عزوجل وتعالى فقال : رب نبئنى بأسماء هذه الصور المقرونة بصورة محمد ووصيه وذلك لما رأى من رفيع درجاتهم والتحاقهم بشكلي محمد ووصيه عليهم السلام ، فأوحى الله عزوجل إليه : هذه امتى والبقية من بنيى فاطمة الصديقة الزهراء وجعلتها مع خليلها عصبة لذرية نبيى ، هؤلاء وهذان الحسنان وهذا فلان وهذا فلان وهذا كلمتي التى انشر به رحمتى في بلادي وبه انتاش دينى وعبادي ذلك بعد اياس منهم وقنوط منهم من غياثي ، فإذا ذكرت محمدا نبيى لصلواتك فصل عليهم معه يا ابراهيم (1) . قال : فعندها صلى عليهم ابراهيم عليه السلام فقال : رب صل على محمد وآل محمد كما اجتبيتهم واخلصتهم اخلاصا ، فأوحى الله عز وجل لتهنك كرامتي وفضلي عليك فانى صائر بسلالة محمد صلى الله عليه وآله ومن اصطفيت معه منهم الى قناة (2) صلبك ومخرجهم منك ثم من بكرك (3) اسماعيل عليه السلام ، فابشر يا ابراهيم فانى واصل صلواتك بصلواتهم ومتبع ذلك بركاتي وترحمي عليك وعليهم وجاعل حناني (4) وحجتي الى الأمد المعدود واليوم الموعود الذى ارث فيه سمائي وارضى وابعث له خلقي لفصل قضائي وافاضة رحمتى وعدلي . قال : فلما سمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما افضى إليه القوم من تلاوة ما تضمنت الجامعة والصحف الدراسة من نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وصفة اهل بيته المذكورين معه بما هم به منه وبما شاهدوا من مكانتهم عنده ازداد القوم بذلك يقينا وايمانا واستطيروا (5) له فرحا . قال : ثم صار القوم الى ما نزل على موسى صلى الله عليه وآله فالفوا في السفر الثاني من التوراة انى باعث في الاميين من ولد اسماعيل رسولا انزل عليه كتابي وابعثه
بالشريعة القيمة الى جميع خلقي ، اوتيته حكمتي وايدته بملائكتي وجنودي يكون ذريته من ابنة له مباركة باركتها ثم من شبلين لهما كاسماعيل واسحاق ، اصلين لشعبتين عظيمتين اكثرهم جدا جدا ، يكون منهم اثنى عشر فيما اكمل بمحمد صلى الله عليه وآله وبما ارسله به من بلاغ وحكمة دينى واختم به انبيائي ورسلي فعلى محمد صلى الله عليه وآله وامته تقوم الساعة . فقال حارثة : الان اسفر الصبح لذى عينين ووضح الحق لمن رضى به دينا ، فهل في انفسكما من مرض تستشفيان به فلم يرجعا إليه قولا ، فقال أبو حارثة : اعتبروا الامارة الخاتمة من قول سيدكم المسيح عليه السلام فصار الى الكتب والاناجيل التى جاء بها عيسى عليه السلام ، فالفوا في المفتاح الرابع من الوحى الى المسيح عليه السلام : يا عيسى بن الطاهرة البتول اسمع قولى وجد في أمرى ، انى خلقتك من غير فحل وجعلتك آية للعالمين ، فاياى فاعبد وعلى فتوكل ، وخذ الكتاب بقوة ثم فسره لأهل سوريا واخبره انى أنا الله لا اله الا أنا الحى القيوم الذى لا أحول ولا أزول ، فآمنوا بى وبرسولي النبي الامي الذى يكون في آخر الزمان نبى الرحمة والملحمة الاول والاخر ، قال : اول النبيين خلقا وآخرهم مبعثا ، ذلك العاقب الحاشر فبشر به بنى اسرائيل . قال عيسى عليه السلام : يا مالك الدهور وعلام الغيوب من هذا العبد الصالح الذى قد احبه قلبى ولم تره عينى ، قال : ذلك خالصتي ورسولي المجاهد بيده في سبيلى يوافق قوله فعله وسريرته علانيته انزل عليه توراة (1) حديثة ، افتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ، فيها ينابيع العلم وفهم الحكمة وربيع القلوب وطوباه طوبى امته . قال : رب ما اسمه وعلامته وما أكمل امته - يقول : ملك امته (2) - وهل له من بقية - يعنى ذرية ؟ قال : سأنبئك بما سألت ، اسمه احمد صلى الله عليه وآله منتخب من ذرية ابراهيم ومصطفى من سلالة اسماعيل عليه السلام ، ذو الوجه الاقمر والجبين الأزهر راكب الجمل ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، يبعثه الله في امة امية ما بقى الليل والنهار مولده
في بلد ابيه اسماعيل - يعنى مكة - كثير الازواح قليل الاولاد نسله من مباركة صديقة ، يكون له منها ابنة ، لها فرحان سيدان يستشهدان ، اجعل نسل احمد منهما ، فطوباهما ولمن احبهما وشهد ايامهما فنصرهما . قال عيسى عليه السلام ، الهى وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة ساقها واغصانها من ذهب وورقها حلل وحملها كثدي الابكار ، احلى من العسل وألين من الزبد وماؤها من تسنيم لو ان غرابا طار وهو فرخ لا دركه الهرم من قبل ان يقطعها ، وليس منزل من منازل اهل الجنة الا وظلاله (1) فنن (2) من تلك الشجرة ، قال : فلما أتى القوم على دراسة ما أوحى الله عز وجل الى المسيح عليه السلام من نعت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته وملك امته وذكر ذريته واهل بيته ، امسك الرجلان مخصومين وانقطع التحاور بينهم في ذلك . قال : فلما فلج حارثة على السيد والعاقب بالجامعة وما تبينوه بينوه في الصحف القديمة ولم يتم لهما ما قدروا من تحريفها ولم يمكنهما ان يلتبسا (3) على الناس في تأويلهما امسكا عن المنازعة من هذا الوجه وعلما انهما قد اخطأ سبيل الصواب فصار الى معبدهم (4) آسفين (5) لينظرا ويرتئيا (6) ، وفزع اليهما نصارى نجران ، فسألوهما عن رأيهما وما يعملان في دينهما ، فقالا : ما معناه تمسكوا بدينكم حتى يكشف دين محمد وسنسير الى بنى قريش الى يثرب وننظر الى ما جاء به والى ما يدعوا إليه . قال : فلما تجهز السيد والعاقب للمسير الى رسول الله بالمدينة انتدب (7) معهما اربعة عشر راكبا من نصارى نجران هم من اكابرهم فضلا وعلما في انفسهم وسبعون رجلا
من اشراف بنى الحارث بن كعب وسادتهم ، قال : وكان قيس بن الحصين ذو الغصة ويزيد بن عبدالمدان ببلاد حضرموت فقدما نجران على بقية مسير قومهم فشخصا معهم ، فاغترز (1) القوم في ظهور مطاياهم وجنبوا خيلهم واقبلوا لوجوههم حتى وردوا المدينة ، قال : ولما استرات (2) رسول الله صلى الله عليه وآله خبر اصحابه انفذ إليهم خالد بن الوليد في خيل سرجها معه لمشارفة امرهم ، فالفوهم وهم عامدون الى رسول الله صلى الله عليه وآله . قال : ولما دنوا من المدينة احب السيد والعاقب ان يباهيا المسلمين واهل المدينة بأصحابهما وبمن حف من بني الحارث معهما فاعترضاهم ، فقالا : لو كففتم صدور ركابكم ومسستم الارض فالقيتم عنكم تفثكم (3) وثياب سفركم ، وشننتم (4) عليكم من باقي مياهكم كان ذلك أمثل ، فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا (5) من شعثهم والقوا عنهم ثياب بذلتم (6) ولبسوا ثياب صونهم من الاتحميات (7) والحرير ، وذروا (8) المسك في لممهم (9) ومفارقهم ، ثم ركبوا الخيل واعترضوا بالرماح على مناسج خيلهم واقبلوا يسيرون رذقا (11) واحدا وكانوا من أجمل العرب صورا واتمهم اجساما وخلقا . فلما تشرفهم الناس اقبلوا نحوهم فقالوا : ما رأينا وفدا اجمل من هؤلاء ، فأقبل القوم حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده وحانت (12) وقت صلاتهم ، فقاموا
يصلون الى المشرق ، فاراد الناس ان ينهوهم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ثم امهلهم وامهلوه ثلاثا فلم يدعهم ولم يسألوه لينظروا الى هديه ويعتبروا ما يشاهدون منه مما يجدون من صفته . فلما كان بعد ثالثة دعاهم صلى الله عليه وآله الى الاسلام فقالوا : يا ابا القاسم ما اخبرتنا كتب الله عزوجل بشئ من صفة النبي المبعوث بعد الروح عيسى عليه السلام الا وقد تعرفناه فيك الا خلة هي اعظم الخلال آية ومنزلة واجلاها امارة ودلالة . قال صلى الله عليه وآله : وما هي ؟ قالوا : انا نجد في الانجيل من صفة النبي الغابر (1) من بعد المسيح انه يصدق به ويؤمن به وانت تسبه وتكذب به وتزعم انه عبد ، قال : فلم تكن خصومتهم ولا منازعتهم للنبى صلى الله عليه وآله الا في عيسى عليه السلام . فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا ، بل اصدقه واصدق به وأؤمن به واشهد انه النبي المرسل من ربه عز وجل واقول : انه عبد لا يملك لنفسه نفعا ولاضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، قالوا : وهل يستطيع العبد ان يفعل ماكان يفعل وهل جائت الانبياء بما جاء به من القدرة القاهرة ألم يكن يحيى الموتى ويبرى الأكمه والابرص وينبئهم بما يكنون (2) في صدورهم وما يدخرون في بيوتهم ، فهل يستطيع هذا الا الله عزو جل أو ابن الله ، وقالوا في الغلو فيه واكثروا ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ؟ فقال صلى الله عليه وآله : قد كان عيسى اخى كما قلتم يحيى الموتى ويبرى الأكمه والأبرص ويخبر قومه بما في نفوسهم وبما يدخرون في بيوتهم ، وكل ذلك باذن الله عز وجل وهو لله عز وجل عبد وذلك عليه غير عار وهو منه غير مستنكف ، فقد كان لحما ودما وشعرا وعظما وعصبا وامشاجا (3) يأكل الطعام ويظمى وينصب باربه (4) وربه
الاحد الحق الذى ليس كمثله شئ وليس له ند ، فارنا مثله من جاء من غير فحل ولا اب ؟ قال : هذا آدم عليه السلام اعجب منه خلقا ، جاء من غير اب ولا ام وليس شئ من الخلق بأهون على الله عزوجل في قدرته من شئ ولا اصعب ، ( انما أمره إذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) (1) ، وتلا عليهم : ( ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) (2) ، قالا : فما نزداد منك في امر صاحبنا الا تباينا وهذا الأمر الذى لانقر لك فهلم فلنلاعنك اينا أولى بالحق فنجعل لعنة الله على الكاذبين ، فانها مثلة وآية معجلة . فأنزل الله عز وجل آية المباهلة على رسول الله صلى الله عليه وآله : ( فمن حاجك فيه بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابنائنا وابناءكم ونساءكم وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (3) ، فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما نزل عليه في ذلك من القرآن ، فقال صلى الله عليه وآله : ان الله قد امرني اصير الى ملتمسكم وامرني بمباهلتكم ان اقمتم واصررتم على قولكم ، قالا : وذلك آية ما بيننا وبينك إذا كان غدا باهلناك . ثم قاما واصحابهما من النصارى معهما فلما ابعدا وقد كانوا انزلوا بالحرة (4) اقبل بعضهم على بعض فقالوا : قد جاءكم هذا بالفصل من امره وامركم فانظروا اولا بمن يباهلكم ابكافة اتباعه ، أم بأهل الكتاب من اصحابه ، أو بذوى التخشع والتمسك (5) والصفوة دينا وهم القليل منهم عددا ، فان جاءكم بالكثرة وذوى الشدة منهم ، فانما جاءكم مباهيا كما يصنع الملوك ، فالفج (6) إذا لكم دونه ، وان اتاكم بنفر قليل من
ذوى تخشع ، فهؤلاء سجية الانبياء وصفوتهم وموضع بهلتهم ، فاياكم والاقدام إذا على مباهلتهم ، فهذه لكم امارة ، وانظروا حينئذ ما تصنعون ما بينكم وبينه ، فقد اعذار من انذر . فامر صلى الله عليه وآله بشجرتين فقصدتا وكسح (1) ما بينهما ، وامهل حتى إذا كان من الغد امر بكساء اسود رقيق فنشر على الشجرتين ، فلما ابصر السيد والعاقب ذلك خرجا بولديهما صبغة المحسن وعبد المنعم وسارة ومريم وخرج معهما نصارى نجران وركب فرسان بنى الحرث بن الكعب في احسن هيئة ، واقبل الناس من اهل المدينة مز المهاجرين والانصار وغير هم من الناس في قبائلهم وشعارهم من راياتهم والويتهم واحسن شارتهم (2) وهيئتهم ، لينظروا ما يكون من الأمر . ولبث رسول الله صلى الله عليه وآله في حجرته حتى متع (3) النهار ، ثم خرج آخذا بيد على والحسن والحسين امامه وفاطمة عليهم السلام من خلفهم ، فأقبل بهم حتى أتى الشجرتين فوقف من بينهما من تحت الكساء على مثل الهيئة التى خرج بها من حجرته ، فأرسل اليهما يدعوهما الى ما دعاه إليه من المباهلة . فاقبلا إليه فقالا : بمن تباهلنا يا ابا القاسم ؟ قال : بخير اهل الأرض واكرمهم على الله عزوجل ، بهؤلاء واشار لهما الى على وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، قالا : فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولامن الكثر ولا اهل الشارة ممن نرى ممن آمن بك واتبعك ، وما نرى هاهنا معك الا هذا الشاب المرأة والصبيين ، أفبهؤلاء تباهلنا ؟ قال صلى الله عليه وآله : نعم ، أو لم أخبركم بذلك آنفا ، نعم بهؤلاء امرت والذى بعثنى بالحق ان اباهلكم . فاصفارت حينئذ ألوانهما وكرا وعادا الى أصحابنا وموقفهما ، فلما رأى اصحابهما ما بهما وما دخلهما ، قالوا : ما خطبكما ؟ فتماسكا ، وقالا ماكان ثمة من خطب ، فنخبركم
وأقبل عليهم شاب كان من خيارهم قد أوتى فيهم علما ، فقال : ويحكم لا تفعلوا واذكروا ما عثرتم عليه في الجامعة من صفته فوالله انكم لتعلمون حق العلم انه الصادق وانما عهدكم باخوانكم حديث قد مسخوا قردة وخنازير ، فعلموا انه قد نصح لهم فأمسكوا . قال : وكان للمنذرين علقمة اخى اسقفهم أبى حارثة حظ من العلم فيهم يعرفونه له وكان نازحا (1) عن نجران في وقت تنازعهم ، فقدم وقد اجتمع القوم على الرحلة الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فشخص معهم ، فلما رأى المنذر انتشار امر القوم يومئذ وترددهم في رأيهم اخذ بيد السيد والعاقب على اصحابه فقال : اخلوني وهذين ، فاعتزل بهما . ثم أقبل عليهما فقال : ان الرائد (2) لا يكذب أهله وأنا لكما جد شفيق ، فان نظرتما لأنفسكما نجوتما وان تركتما ذلك هلكتما وأهلكتما ، قالا : انت الناصح حبيبا (3) المأمون عيبا فهات ، قال : أتعلمان انه ما باهل يوم نبيا قط الا كان مهلكم ان محمدا ابا القاسم هذا هو الرسول الذى بشرت به الانبياء عليهم السلام وأفصحت ببيعتهم واهل بيتهم الامناء ، واخرى انذركما بها فلا تعشوا عنها ، قالا : وما هي يا ابا المثنا ؟ قال : انظرا الى النجم قد استطلع الى الأرض والى خشوع الشجر وتساقط الطير بارائكما (5) لوجوههما قد نشرت على الأرض اجتحتها وفات ما في حواصلها وما عليها لله عز وجل من تبعة ، ليس ذلك الا ما قد اظل من العذاب وانظر الى اقشعرار الجبال والى الدخان المنتشر وقزع (6) السحاب ، هذا ونحن في حمارة (7) القيظ وابان الهجير (8) ، وانظروا
الى محمد صلى الله عليه وآله رافعا يده والأربعة من أهل معه انما ينتظر ماتحبيبان به ، ثم اعلموا انه ان نطق فوه بكلمة من بهلة لم نتدارك هلاكا ولم نرجع الى اهل ولامال . فنظرا فابصرا امرا عظيما فايقنا انه الحق من الله تعالى ، فزلزت اقدامها وكادت ان تطيش عقولهما واستعشرا ان العذاب واقع بهما ، فلما ابصر المنذر بن علقمة ما قد لقيا من الخيفة والرهبة قال لهما : انكما ان اسلمتها له سلمتها في عاجله وآجله وان آثرتما دينكما وغضارة (1) ملتكما وشححتما (2) بمنزلتكم من الشرف في قومكما ، فلست احجر (3) عليكما الضنين (4) بما نلتما من ذلك ، ولكنكما بدهتما (5) محمدا صلى الله عليه وآله بتطلب المباهلة وجعلتماها حجازا وآية بينكما وبينه وشخصتما من نجران ، وذلك من تاليكما (6) ، فأسرع محمد صلى الله عليه وآله الى ما بغيتما منه والانبياء إذا اظهرت بامر لم نرجع الا بقضائه وفعله ، فإذ نكلتما (7) عن ذلك واذ هلتكما مخافة ماتريان فالحظ في النكول لكما ، فالوحا (8) يا اخوتى الوحا صالحا محمدا صلى الله عليه وآله وارضياه ولا ترجيا (9) ذلك ، فانكما وانا معكما بمنزلة قوم يونس لما غشيهم العذاب . قالا : فكن أنت يا أبا المثنى أنت الذى تلقى محمدا صلى الله عليه وآله بكفالة ما يبتغيه (10) لدينا والتمس لنا إليه ابن عمه هذا ليكون هو الذى يبرم الأمر بيننا وبينه ، فانه ذو الوجه والزعيم عنده ولا تبطئن به ما ترجع الينا به . وانطلق المنذر الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : السلام عليك يارسول الله
اشهد ان لا اله الا الله الذى ابتعثك وانك وعيسى عبدان لله عز وجل مرسلان ، فأسلم وبلغه ما جاء له ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام مصالحة القوم ، فقال على عليه السلام : بأبى أنت على ما أصحالهم ؟ فقال له : رأيك يا أبا الحسن فيما تبرم معهم معه رأيى ، فصار إليهم فصالحاه على ألف حلة وألف دينار خرجا في كل عام يؤديان شطر ذلك في المحرم وشطرا في رجب . فصار على عليه السلام بهما الى رسول الله صلى الله عليه وآله ذليلين صاغرين واخبره بما صالحهما عليه واقرا له بالخرج والصغار ، فقال له رسول صلى الله عليه وآله : قد قبلت ذلك منكم اما انكم لو باهلتمونى بمن تحت الكساء لأضرم (1) الله عليكم الوادي نارا تأجج (2) ثم لساقها الله عز وجل الى من ورائكم في أسرع من طرف العين ، فحرقهم تأججا . فلما رجع النبي صلى الله عليه وآله بأهل بيته وصار الى مسجده هبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد ان الله عزوجل يقرؤك السلام ويقول : ان عبدى موسى عليه السلام باهل عدوه قارون بأخيه هارون وبنيه ، فخسفت بقارون وأهله وماله وبمن آزره من قومه ، وبعزتي أقسم وبجلالي ، يا احمد لو باهلت بك وبمن تحت الكساء من أهلك أهل الأرض والخلائق جميعا لتقطعت السماء كسفا (3) والجبال زبرا ولساخت (4) الأرض فلم تستقر ابدا ، الا ان اشاء ذلك . فسجد النبي صلى الله عليه وآله ووضع على الأرض وجهه ثم رفع يديه حتى تبين للناس عفرة ابطيه (5) فقال : شكرا للمنعم - قالها ثلاثا ، فسئل النبي صلى الله عليه وآله عن سجدتته ومما رأى من تباشير السرور في وجهه ، فقال : شكرا لله عز وجل لما ابلانى من الكرامة في اهل بيتى ، ثم حدثهم بما جاء به جبرئيل عليه السلام .
|
|