|
|
فصل ( 5 ) فيما نذكره من فضل عيد الغدير عند اهل العقول من طريق المنقول
قال : أخبرنا جماعة ، عن أبى محمد هارون بن موسى التلعكبرى ، قال : حدثنا أبو الحسن على بن احمد الخراساني الحاجب في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وثلاثمائمة ، قال : حدثنا سعيد بن هارون ابو عمرو المروزى - وقد زاد على الثمانين سنة - قال : حدثنا الفياض بن محمد بن عمر الطوسى بطوس سنة تسع وخمسين ومأتين ، وقد بلغ التسعين ، انه شهد ابا الحسن على بن موسى الرضا عليهم السلام في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته قد احتسبهم للافطار ، وقد قدم الى منازلهم الطعام والبر والصلات والكسوة حتى الخواتيم والنعال ، وقد غير احوالهم واحوال حاشيته وجددت له الالة غير الا لة التى جرى الرسم بابتذالها قبل يومه ، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه ، فكان من قوله عليه السلام : حدثنى الهادى أبى ، قال : حدثنى جدى الصادق ، قال : حدثنى الباقر ، قال : حدثنى
سيد العابدين ، قال : حدثنى أبى الحسين ، قال :
اتفق في بعض سنى أمير المؤمنين عليه السلام الجمعة والغدير ، فصعد المنبر على خمس ساعات من نهار ذلك اليوم ، فحمد الله حمدا لم يسمع بمثله ، وأثنى عليه بما لا يتوجه الى غيره ، فكان ما حفظ من ذلك : الحمد لله الذى جعل الحمد من غير حاجة منه الى حامديه ، وطريقا من طرق الاعتراف بلا هويته وصمدانيته وفردانيته ، وسببا الى المزيد من رحمته ، ومحجة للطالب من فضله ، وكمن في ابطان حقيقة الاعتراف له بانه المنعم على كل حمد باللفظ وان عظم . واشهد ان لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة نزعت عن اخلاص الطوى ونطق اللسان بها عبارة عن صدق خفى ، انه الخالق الباري المصور له الاسماء الحسنى ، ليس كمثله شئ ، إذ كان الشئ من مشيته وكان لا يشبهه مكونه . واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، استخلصه في القدم على سائر الامم ، على علم منه ، بانه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس ، وانتجبه آمرا وناهيا عنه ، اقامه في سائر عالمه في الاداء مقامه ، إذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ، ولا تمثله غوامض الظنون في الاسرار . لا اله الا هو الملك الجبار ، قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلا هويته ، واختصه من تكرمته بما لم يلحقه فيه احد من بريته ، فهو اهل ذلك بخاصته وخلته ، إذ لا يختص من يشوبه التغير ، ولايخالل من يلحقه التظنين ، وأمر بالصلاة عليه ، مزيدا في تكرمته ، وطريقا للداعى الى اجابته ، فصلى الله عليه وكرم وشرف وعظم ، مزيدا لا تلحقه التفنية ولا ينقطع على التأكيد . وان الله تعالى اختص لنفسه بعد نبيه صلى الله عليه وآله بريته خاصة ، علاهم بتعليته ، وسمى بهم الى رتبته بهم الى رتبته ، وجعلهم الدعاة بالحق إليه ، والاداء بالارشاد عليه ، لقرن قرن ، وزمن وزمن ، انشأهم في القدم قبل كل مذر ومبر ، وانورا انطقها بتحميده وألهمها على شكره وتمجيده . وجعلها الحجج على كل معترف له بملكوت الربوبيته ،
وسلطان العبودية ، واستنطق
بها الخرسات بانواع اللغات ، بخوعا (1) له بانه فاطر الارضين والسماوات ، واستشهدهم خلقه وولاهم ما شاء من أمره . جعلهم تراجم مشيته وألسن ارادته ، عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ولا يشفعون الالمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون ، يحكمون باحكامه ويستنون بسنته ، ويعتمدون حدوده ، ويؤدون فرضه . ولم يدع الخلق في بهم صما ولا في عمى بكما ، بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم ، وتفرقت في هياكلهم ، حققها في نفوسهم واستعد لها حواسهم ، فقرر بها على اسماع ونواظر وافكار وخواطر ، الزمهم بها حجته واراهم بها محجته وانطقهم عما شهدته بألسن ذرية بما قام فيها من قدرته وحكمته ، وبين عندهم بها ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة ) (2)، وان الله لسميع عليم ، بصير شاهد خبير . وان الله تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين ، لا يقوم احدهما الا بصاحبه ، ليكمل لكم عندكم ، جميل صنعه ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفوا بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويسلك بكم منهاج قصده ، ويوفر عليكم هنيى رفده . فجعل الجمعة مجمعا ندب إليه (3) لتطهير ماكان قبله ، وغسل ما أوقعته مكاسب السوء من مثله الى مثله ، وذكرى للمؤمنين وتبيان خشية المتقين ، ووهب لأهل طاعته في الايام قبله وجعله لا يتم الا بالايتمار لما امر به ، والانتهاء عما نهى عنه ، والبخوع بطاعته فيما حث عليه وندب إليه ، ولا يقبل توحيده الا بالاعتراف لنبيه صلى الله عليه وآله بنبوته ، ولا يقبل دينا الا بولاية من أمر بولايته ، ولا ينتظم أسباب طاعته الا بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته . فانزل على نبيه صلى الله
عليه وآله في يوم الدوح مابين فيه عن ارادته في خلصائه
وذوى اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق ، وضمن له عصمته منهم وكشف عن خبايا أهل الريب وضمائر أهل الارتداد مارمز فيه . فعقله المؤمن والمنافق فاذعن مذعن وثبت على الحق ثابت ، وازدادت جهالة المنافق ، وحمية المارق (1) ، ووقع العض على النواخذ (2) والعمر على السواعد ، ونطق ناطق ، ونعق ناعق ، ونشق ناشق ، واستمر على مارقته مارق ، ووقع الاذعان من طائفة باللسان دون حقائق الايمان ، ومن طائفة باللسان وصدق الايمان . واكمل الله دينه ، واقر عين نبيه والمؤمنين والمتابعين ، وكان ما قد شهده بعضكم وبلغ بعضكم ، وتمت كلمة الله الحسنى على الصابرين ، ودمر (3) الله ما صنع فرعون وهامان وقارون وجنوده وما كانوا يعرشون (4) ، وبقيت حثالة (5) من الضلال ، لا يألون الناس خبالا (6) . فيقصدهم الله في ديارهم ، ويمحوا آثارهم ، ويبيد معالمهم ، ويعقبهم عن قرب الحسرات ، ويلحقهم عن بسط أكفهم ، ومد أعناقهم ، ومكنهم من دين الله حتى بدلوه ومن حكمه حتى غيروه ، وسيأتى نصرالله على عدوه لحينه ، والله لطيف خبير وفى دون ما سمعتم كفاية وبلاغ . فتأملوا رحمكم الله ما ندبكم الله اليكم ، وحثكم عليه ، واقصدوا شرعه ، واسلكوا نخجه ، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله . هذا يوم عظيم الشأن فيه وقع الفرج ، ورفعت الدرج ، ووضحت الحجج ، وهو يوم الايضاح والافصاح عن المقام
الصراح ، ويوم كمال الدين ، ويوم العهد المعهود ، ويوم
الشاهد والمشهود ، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود ، ويوم البيان عن حقائق الايمان ، ويوم دحر (1) الشيطان ، ويوم البرهان . هذا يوم الفصل الذى كنتم به توعدون ، هذا يوم الملأ الأعلى الذى انتم عنه معرضون ، هذا يوم الارشاد ، ويوم محنة العباد ويوم الدليل على الرواد ، هذا يوم ابداء خفايا الصدور ، ومضمرات الاموم ، هذا يوم النصوص على أهل المخصوص . هذا يوم شيث ، هذا يوم ادريس ، هذا يوم اظهار يوشع ، هذا يوم شمعون ، هذا يوم الأمن المأمون ، هذا يوم اظهار المصون من المكنون ، هذا يوم ابداء السرائر . فلم يزل عليه السلام يقول : هذا يوم هذا يوم ، فراقبوا الله واتقوه ، واسمعوا له واطيعوه ، واحذروا المكر ولا تخادعوه ، وفتشوا ضمائركم ، ولاتواربوه ، وتقربوا الى الله بتوحيده ، وطاعة من أمركم ان تطيعوه ، ولا تمسكوا بعصم الكوافر . ولا ينجح (2) بكم الغى فتضلوا عن سبيل الرشاد ، باتباع اولئك الذين ضلوا واضلوا ، قال الله تعالى عز من قائل في طائفة ذكرهم بالذم في كتابه : ( انا اطعنا سادتنا وكبر اءنا فاضلونا السبيلا * ربا اتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) (3) ، وقال الله تعالى : ( واذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للدين استكبروا انا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا من عذاب الله من شئ ، قالوا لو هدينا الله لهدينا ) 4 ، أفتدرون استكبار ما هو ترك الطاعة لمن أمر الله بطاعته والترفع عمن ندبوا الى متابعته ، والقرآن ينطق من هذا عن كثير ، ان تدبره متدبر زجره ووعظه . واعلموا ايها المؤمنون ان الله عز وجل قال : ( ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) (5) ، أتدرون ما سبيل الله ومن
سبيله ومن صراط الله ومن طريقه .
انا صراط الذى من لا يسلكه بطاعة الله فيه هوى به (1) الى النار ، انا سبيله الذى نصبي للاتباع بعد نبيه صلى الله عليه وآله ، أنا قسيم النار ، أنا حجة الله على الفجار ، أنا نور الأنوار . فانتبهوا من رقدة الغفلة ، وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل ، وسابقوا الى مغفرة من ربكم قبل ان يضرب بالسور بباطن الرحمة وظاهر العذاب ، فتنادون فلا يسمع نداؤكم ، وتضجون فلا يحفل (2) بضجبجكم ، وئقبل ان تستغيثوا فلا تغاثوا ، سارعوا الى الطاعات قبل فوات الاوقات ، فكان قد جاء هادم اللذات فلا مناص نجات ولا محيص تخليص . عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، والبر باخوانكم ، والشكر لله عز وجل على ما منحكم ، واجمعوا يجمع الله شملكم ، وتباروا يصل الله ألفتكم ، وتهانوا نعمة الله كما هناكم بالصواب فيه على أضعاف الاعياد قبله وبعده الا في مثله ، والبر فيه يثمر المال ويزيد في العمر ، والتعاطف فيه يقتضى رحمة الله وعطفه ، وهبوا لاخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من جودكم ، وبما تناله القدرة من استطاعتكم ، وأظهروا البشرى فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم . واحمدوا الله على ما منحكم وعودوا بالمزيد على أهل التأميل لكم ، وساووا بكم ضعفاء كم ومن ملككم وما تناله القدرة من استطاعتكم وعلى حسب امكانكم ، فالدرهم فيه بمأتى ألف درهم والمزيد من الله عز وجل . وصوم هذا يوم مما ندب الله إليه ، وجعل العظيم كفالة عنه ، حتى لو تعبد له عبد من العبيد في التشبيه من ابتداء الدنيا الى تقضيها (3) صائما نهارها قائما ليلها ، إذا خلص المخلص في صومه لقصرت ايام الدنيا عن كفايته ، ومن اضف فيه أخاه مبتدئا وبره راغبا ، فله كأجر من صام هذا اليوم وقام ليلة ، ومن فطر مؤمنا في ليلة فكأنما فطر
فئاما (1) فئاما ، يعدها بيده عشرة . فنهض ناهض فقال : يا امير المؤمنين وماالفئام ؟ قال : مأتى ألف نبى وصديق وشهيد ، فكيف بمن يكفل عددا من المؤمنين والمؤمنات ، فانا ضمينه على الله تعالى الامان من الكفر والفقر . وان مات في ليلته أو بعده الى مثله ، من غير ارتكاب كبيرة ، فأجره على الله ، ومن استدان لاخوانه واعانهم ، فأنا الضامن على الله ان أبقاه وان قبضه حمله عنه ، وإذا تلاقيتم فتصافحوا بألسنتكم وتهانوا بالنعمة في هذا اليوم ، وليبلغ الحاضر الغائب والشاهد البائن ، وليعد الغنى على الفقير والقوى على الضعيف ، أمرنى رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك . ثم اخذ صلوات الله عليه في خطبته الجمعة ، وجعل صلاته جمعة صلاة عيد ، وانصرف بولده وشيعته الى منزل أبى محمد الحسن بن على عليهما السلام ، بما اعد له من طعامه ، وانصرف غنيهم وفقيرهمه برفده الى
عياله (2) .
|
|