اختر اللون المناسب لأرضية الصفحة

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 2 ص 349 : -

فصل ( 2 ) فيما نذكره من زيادة في فضل أهل المباهلة والسعادة


اعلم ان شهادة اهل الخلاف لأهل المباهلة بشرف الأوصاف ، مع ما يعاملونهم به من الانحراف أبلغ من شهادة شيعتهم وأظهر في أنوار حجتهم .

فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحة ان الذين باهل بهم النبي صلى الله عليه وآله على وفاطمة والحسن والحسين (1) .

ورواه أيضا الثعلبي ومقاتل والكلبي والحافظ ابن مردويه وعبد الله بن عباس وجابربن عبد الله الأنصاري والحسن البصري والشعبى والسدى وغيرهم ممن لا يحضرني ذكر اسمائهم (2) .

ورواه ايضا الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير القرآن عند تفسير قوله تعالى : ( فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابنائنا وابنائكم ونساءكم ونساءنا ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين ) (3) .

فقال الزمخشري ماهذا لفظه : انه لما دعاهم الى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر ، فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبى مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر

صاحبكم ، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولانبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكن ، فان أبيتم الا ألف دينكم والاقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا . فاتوا رسول الله عليه وآله وقد غدا محتضنا للحسين ، آخذا بيد الحسن ،

وفاطمة تمشى خلفه ، وعلى خلفهما ، وهو يقول : إذ أنا دعوت فامنوا ، فقال اسقف 

 

* هامش *

 

 

(1) صحيح مسلم 4 : 1871 .
(2) ذخائر العقبى : 25 ، الجامع للترمذي : 4 : 82 ، المستدرك للحاكم 3 : 150 ، المسند لاحمد بن حنبل 1 : 185 ،
    العمدة : 95 عن تفسير الثعلبي ، التفسير لفخر الرازي 8 : 85 ، المناقب لابن المغازلى : 263 ، در المنثور 4 : 38 .

(3)
آل عمران : 61 . ( * )

 

- ص 350 -

نجران : يا معشر النصارى انى لأرى وجوها لو شاء الله ان يزيل جبلا عن مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولم يبق على وجه الأرض نصراني الى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم رأينا اننا لانباهلك وان نقرك على دينك ونثبت على ديننا .

قال : فإذا أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم ، فأبوا ، قال : فانى أنا جزكم (1) ، فقالوا : مالنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخفينا ولا تردنا عن ديننا ، على ان نؤدى اليك في كل عام ألفى

حلة ، ألف في صفر وألف في رجب ، وثلاثين درعا عادية من حديد . فصالحهم على ذلك وقال : والذى نفسي بيده ان الهلاك قد تدلى على نجران ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولا ضطرم الوادي عليهم نارا ، ولأستأصل الله نجران

واهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا .


وعن عائشة : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج وعليه مرط مرحل (2) من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ، ثم فاطمة ، ثم على ، ثم قال : ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (3) .

فان قلت : كان ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حيث استجرء على تعريض اعزته وافلاذ كبده ، واحب الناس إليه بذلك ، ولم ينتصر على تعرض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلكه مع احبته واعزته ، هلاك

الاستيصال ، ان تمت المباهلة ، وخص الابناء والنساء ، لأنهم اعز الأهل والصقهم بالقلوب ، وربما بدأهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ، ومن ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الضغائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق ،

 

* هامش *

 

 

(1) ناجزه : بارزه وقاتله .
(2) المرط : كساء من صوف أو خز ، المرحل - بالحاء المهملة - ما ينقش عليه صورة رحل الابل .
(3)
الاحزاب : 33 . ( * )

 

- ص 351 -

وقدمهم في الذكر على انفسهم ، لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مقدمون بها ، وفيه دليل لا شئ أقوى منه على فضل اصحاب الكساء عليهم السلام ، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله لأنه لم يرو احد من موافق ولا مخالف انهم اجابوا الى ذلك - هذا آخر كلام الزمخشري . ) (1) .



فصل ( 3 ) فيما نذكره من فضل يوم المباهلة من طريق المعقول

اعلم ان يوم مباهلة النبي صلوات الله عليه وآله لنصارى نجران كان يوما عظيم الشأن اشتمل على عدة آيات وكرامات : فمن آياته : انه كان اول مقام فتح الله جل جلاله فيه باب المباهلة الفاصلة ، في هذه الملة الفاضلة ، عند جحود حججه وبيناته .

ومن آياته : انه اول يوم ظهرت لله جل جلاله ولرسوله صلوات الله عليه وآله العزة ، بالزام اهل الكتاب من النصارى الذلة والجزية ، ودخولهم عند حكم نبوته ومراداته .


ومن آياته : انه اول يوم احاطت فيه سرادقات القوة الالهية والقدرة النبوته ، بمن كان يحتج عليه بالمعقول . ومن آياته : انه يوم الظهر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله تخصيص أهل بيته بعلو مقاماتهم .


ومن آياته : انه يوم كشف الله جل جلاله لعباده ، ان الحسن والحسين عليهما أفضل السلام ، مع ما كانا عليه من صغر السن ، احق بالمباهلة من صحابة رسول الله صلوات الله عليه والمجاهدين في رسالاته . *
 

 

* هامش *

 

 

(1) الكشاف 1 : 368 - 370 ، عنه الطرائف : 43 . ( * )

 

 

- ص 352 -

ومن آياته : انه يوم اظهر الله جل جلاله فيه ان ابنته المعظمة ، فاطمة صلوات الله عليها ، ارجح في مقام المباهلة ، من اتباعه وذوى الصلاح من رجاله واهل عناياته .


ومن آياته : انه يوم اظهر الله جل جلاله فيه ان مولانا على بن أبى طالب عليه السلام نفس رسول الله صلوات الله عليهما ، وانه من معدن ذاته وصفاته ، وان مراده من مراداته ، وان افترقت الصورة فالمعنى واحد في الفضل من سائر جهاته .


ومن آياته : انه يوم وسم كل من تأخر عن مقام المباهلة بوسم ، يقتضى انه دون من قدم عليه في الاحتجاج لله عز وجل ونشر علاماته . ومن آياته : انه يوم لم يجر مثله قبل الاسلام ، فيما عرفنا من صحيح النقل ورواياته .


ومن آياته : انه يوم اخرس السنة الدعوى وعرس في مجلس منطق الفتوى ، بان اهل المباهلة اكرم على الله جل جلاله من كل من لم يصلح لما صلحوا له من المتقربين بطاعاته وعباداته .


ومن آياته : ان يوم المباهلة يوم بيان برهان الصادقين ، الذين أمر الله جل جلاله باتباعهم في مقدس قرآنه وآياته .


ومن آياته : ان يوم المباهلة ابلغ في تصديق صاحب النبوة والرسالة من التحدي بالقرآن ، وأظهر في الدلالة الذين تحداهم صلوات الله عليه بالقرآن قالوا : ( لو نشاء لقلنا مثل هذا ) (1) ، وان كان قولهم في مقام البهتان ويوم المباهلة ، فما اقدموا على دعوى الجحود للعجز عن مباهلة لظهورهم حجته وعلاماته .


ومن آياته : ان يوم المباهلة اطفأ الله به نار الحرب وصان وجوه المسلمين من الجهاد ومن الكرب ، وخلصهم من هيجان المخاطرة بالنفوس والرؤوس ، وعتقها من رق الغزو والبؤس ، لشرف اهل الموصوفين فيها بصفاته .
 

 

* هامش *

 

 

(1) الانفال : 31 . ( * )

 

 

- ص 353 -

ومن آياته : ان البيان واللسان والجنان اعترفوا بالعجز عن شرح كمال كراماته .


فصل ( 4 ) فيما نذكره مما ينبغى ان يكون اهل المعرفة بحقوق
المباهلة من الاعتراف بنعم الله جل جلاله الشاملة


اعلم ان يوم المباهلة اعظم مما اشرنا إليه ، وانما ذكرنا من فضله بحسب ما دلنا الله جل جلاله عليه . وكن انت مفكرا في ان الله جل جلاله اختار لنا في الأزل ، من غير وسيلة منا ولا فضيلة صدرت عنا ، انورا تباهل بها جاحدين كفارا ،

وشموسا تكشف بنورها دعوى اليهود والنصارى ، وتمحو آثار استمرار شرعهم وشموسهم ، ويخسف ببدورها دعوى الجاهلية بعبادة اصنامهم وتخليطهم (1) بها من نحوسهم ، وتخلع به خلع التشريف بالتكليف للتراب ، ويحيى بهدايتها موات

الألباب ، وتعم لأجلها دوام نعيم دار الثواب ، ويأتى بها الى نار ، قد علا لهبها وسعيرها ، وحروب قد اشتد كلبها (2) وزفيرها ، فخفف بها عنا وعن سائر البشر هول ذلك الخطر والضرر ، واطفاء شررها بمباهلة ساعة بأهل الطاعة ،

وقرب جموعها وهدم ربوعها ، بثبوت اقدام ارباب المباهلة ، ورايات اخلاصهم ، وحمى حوزة الاسلام والمسلمين بتلك المباهلة الصادرة عن امر رب العالمين . فلهذا اليوم المباهلة من حق التشريف وتعظيم اهل المقام الشريف ، وتخفيف

المالك اللطيف ، يقتضى ان يكون هذا اليوم من اعظم ايام البشارات واكرم ايام السعادات ، معمور المجالس والمحافل بالثناء على الله جل جلاله ، وذكر ما فيه من الفضائل ، معروفا به جل جلاله حقوق ملوك اهل المباهلة وما دفع الله جل جلاله

بهم من الأمور الهائلة ، وما نفع بمباهلتهم في العاجلة والاجلة ، وان يتوجه بهم فيه الى كشاف الكربات وواهب ألطاف الكرامات ، فيما يكون العبد محتاجا إليه ، وعلى قدر تعظيم اليوم المذكور وعزة أهله عليه .
 

 

* هامش *

 

 

(1) تخليطهم ( خ ل ) .

(2) كلب الزمان : اشتد . ( * )

 

- ص 354 -

فصل ( 5 ) فيما نذكره من عمل يوم باهل الله فيه باهل السعادات
وندب الى صوم أو صلوات أو دعوات


روينا ذلك أبى الفرج محمد بن على بن أبى قرة ، باسناده الى على بن محمد القمى رفعه في خبر المباهلة ، وهى يوم اربع وعشرين من ذى الحجة ، وقد قيل : يوم احدى وعشرين ، وقيل : يوم سبعة وعشرين ، واصح الروايات يوم اربعة وعشرين

، والزيارة فيه قال : إذا اردت ذلك فابدء بصوم ذلك اليوم شكرا لله تعالى ، واغتسل والبس أنظف ثيابك ، وتطيب بما قدرت عليه ، وعليك السكينة والوقار ، والذى يعمله من يزور أن يمضى الى مشهد ولى من أولياء الله ، أو موضع خال ، أو جبل

عال ، أو واد خضر ، وعليه الا يقيم في منزله ، ويخرج بعد ان يغتسل ، ويلبس أحسن ثيابه . فإذا وصل الى المقام الذى يريد فيه اداء الحق وطلب الحاجة والمسألة بهم صلى ساعة يدخل ركعتين بقراءة وتسبيح ، فإذا جلس في التشهد وسلم

استغفر الله سبعين مرة ، ثم يقوم قائما ويرفع يديه ويرم طرفه نحو الهواء ، ويقول :
 

 

الحمد لله الذى عرفني ماكنت به جاهلا ، ولولا تعريفك اياى لكنت من الهالكين ، إذ قلت وقولك الحق : ( قل لا اسئلكم

عليه اجرا الا المودة في القربى ) ، فبينت لى القرابة ، وقلت : ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت

ويطهركم تطهيرا ) ، فبينت لى البيت بعد القرابة . ثم قلت وقولك الحق بتفضلك على خلقك واردت معرفتهم بالبيت

والقرابة ، فقلت وقولك الحق : ( قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت

الله على الكاذبين ) . فلك الشكر يا رب ولك المن حيث هديتني وارشدتني ، حتى لم يخف على الأهل والبيت والقرابة ،

حتى عرفتني نسائهم واولادهم ورجالهم . اللهم انى أتقرب اليك بذلك المقام الذى لا يكون اعظم فضلا منه للمؤمنين ولا

اكثر رحمة بمعرفتك اياهم ، فلولا هذا المقام المحمود الذى انقذتنا ، ودللتنا الى اتباع المحققين من اهل بيت نبيك

وعترته ، فلك الحمد والمن والشكر على نعمائك واياديك . اللهم فصل على محمد وآل محمد ، الذين افترضت علينا

طاعتهم ، وثبتنا بالقول الذى عرفونا ، واجز محمدا وآله عليهم السلام منا افضل الجزاء ، وادخلنا في شفاعتهم دار

كرامتك ، يا ارحم الراحمين . اللهم هؤلاء اهل الكساء والعباء يوم المباهلة ، ومن دخل من الانس والملائكة المقربين ،

اجعلهم شفعاءنا ، اسألك بحق ذلك المقام ان تغفر لى وترحمني وتتوب على ، انك انت التواب الرحيم . اللهم انى

اشهدك ان ارواحهم وطينتهم واحدة ، وهم الشجرة التى طاب اصلها واغصانها واوراقها . اللهم فارحمنا بحقهم ، فانك

اقمتهم حججا على خلقك ، ودلائل على ما يستدل بوحدانيتك ، وبابا الى المعجزات بعلمك الذى يعجز عنه الخلق

غيرهم ، وانت المتفضل عليهم حيث اقمتهم من بين خلقك ونقلتهم من عبادك . فجعلتهم مطهرين اصولا وفروعا ومنبتا ،

ثم اكرمتهم بنورك ، حتى فضلتهم من بين اهل زمانهم والاقربين إليهم ، فخصصتهم بوحيك ، وانزلت عليهم كتابك ،

وامرتنا بالتمسك بهما . اللهم فانا قد تمسكنا بكتابك وبعترة نبيك ، الذين اقمتهم لنا دليلا وعلما ، وامرتنا باتباعهم ، اللهم

انا قد تمسكنا فارزقنا شفاعتهم ، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا ، آمين رب العالمين .
 

 

 ثم تصلى عندكل دعاء ركعتين وتقيم الى انتصاف النهار ، أو زوال الشمس ، وقد قيل الى اصفرار الشمس ، وكل ذلك حسن . وهذا ما جاء من الروايات في انصراف القوم عن مقامهم في يوم المباهلة .
 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

أعمال أشهر السنة

 

فهرس الكتاب