|
|
الباب الرابع فيما نذكره مما يتعلق بليلة الاضحى ويوم عيدها وفيه فصول : فصل ( 1 ) فيما نذكره من فضل احياء ليلة عيد الاضحى
ما بينك وبين الله جل جلاله ، من طهارة الاسرار وزوال ظلمة
الاصرار ، وما يحتاج مثلك إليه من الأذكار وسعادة الدنيا ودار القرار . وان
غلبك النوم فليكن نومك على نية التقرب الى العظمة الألهية ، لتستعين به على
النشاط والاقبال على زيادة العبادات للابواب الربانية ، فإذا عملت على هذا
النظام تكون قد ظفرت باحياء تلك الليلة على التمام ان شاء الله جل جلاله .
روينا ذلك باسنادنا الى جدى أبى جعفر الطوسى ، عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيدالله واحمد بن عبدون ، جميعا ، عن الشيخ محمد بن احمد بن داود القمى ، شيخ القميين وفقيهم وعالمهم ، قال : حدثنا محمد بن محمد النحوي ، قال : حدثنا أبو القاسم على بن محمد ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبى سنان ، عن ابان ، عن أبى عبد الله عليه السلام قال : من زار الحسين عليه السلام ليلة من ثلاث غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال : قلت : وأى الليالى ؟ فذكر ليلة الاضحى (1) .
اعلم ان عمل الشيعة على زيارته عليه السلام في هذا الميقات ، يغنى عن ذكر الروات ، وقد كنا قدمنا عند ذكر ليلة عرفة حديث مولانا الباقر عليه السلام بما معناه : ان الاقامة عند الحسين عليه السلام حتى يعيد للاضحى يحفظ المقيم عنده من شر سنته (2) .
واما لفظ ما نذكره في هذا اليوم من زيارته ، فقد كنا ذكرنا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر زيارتين يختص بهذا الميقات ، وليس هذا الكتاب مما نقصد به ذكر الزيارات ، فان وجدت تلك الزيارتين ، والا فزر الحسين عليه السلام ليلة الاضحى ويوم الاضحى بما ذكرناه في هذا الكتاب من الزيارة ليوم عرفة ، فانها كافية عند اهل المعرفة .
اعلم أننا قد ذكرنا في عيد شهر رمضان ما فتحه علينا مالك القلب واللسان ، من الاداب عند استقبال ذلك العيد وآداب ذلك النهار ، ما تستغنى به الان عن التكرار ، لكن يمكن أنك لا تقدر على نظر ما قدمناه ، أو لا تعرف معناه ، فنذكر ما يفتح الله جل جلاله عليه ويحسن به الينا ، فنقول : اذكر أيها الانسان أن الله جل جلاله سبقك بالاحسان قبل أن
تعرفه ، وقبل أن تتقرب إليه بشئ من الطاعات ، فهيأ لك كلما كنت محتاجا إليه من
المهمات ، حتى بعث لك رسولا من أعز الخلائق عليه ، يزيل ملوك الكفار ويقطع دابر
الأشرار ، الذين يحولون بينك وبين فوائد أسراره ، ويشغونك عن الاهتداء
فأطفأ نار الكافرين ، وأذل رقاب ملوك اليهود والنصارى والحدين . ولم يكلف أن
تكون في تلك الأوقات من المجاهدين ، ولاتكلف خطرا ، ولا تحملت ضررا في استقامة
هذا الدين ، وجاءتك العبادات في عافية ونعمة صافية ، مما كان فيه سيد المرسلين ، وخواص عترته الطاهرين ، صلوات الله عليه أجمعين ، ومما جاهد عليه ووصل إليه السلف من المسلمين .
في مصلحتك وهدايتك من أهل الكفر ومن أهل الاسلام ، حتى ظفرت أنت بسعادتك ، وكم حزب من بلاد عامرة ، واهلك من امم غابرة . ثم اذكر ابراز الله جل جلاله أسراره بيوم العيد ، وأظهر لك أنواره بذلك الوقت السعيد ، من مخزون ماكان مستورا عن الامم الماضية ، والقرون الخالية ، وجعلت أهلا أن تزور عظمته وحضرته فيه ، وتحدثه بغير واسطة وتناجيه . فهل كان هذا في حسنات نطفتك أو علقتك أو مضغتك ؟ أو لما كنت جنينا ضيفا ؟ أو لما صرت رضيعا لطيفا ؟ أو لما كنت ناشئا صغيرا ؟ أو هل وجدت لك في ذلك تدبيرا ؟ فكن رحمك الله عبدا مطيعا ومملوكا سميعا لذلك المالك السالك بك في تلك المسالك ، الواقى لك من المهالك ، فوالله ليقبح بك مع سلامة عقلك ، وما وهب لك من فضله ، الذى صرت تعتقده من فضلك أن تعمى أو تتعامى عن هذا الاحسان الخارق للألباب ، أو أن تشغل عنه ، أو تؤثر عليه شيئا من الأسباب ؟
النشأة الاولى وما كان فيها من الأخطار ، وترددك في الأصلاب والأرحام الوفا كثيرة من الأعوام ، يسار بك في تلك المضائق على مركب السلامة من العوائق ، حتى وصلت الى هذه المسافة ، وأنت مشمول بالرحمة والرأفة ، موصول بموائد الضيافة ، آمنا من المخالفة .
|
|