|
|
فصل ( 6 ) فيما نذكره من فضل اول يوم من ذى الحجة
يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة الفاضل ، رضى الدين ركن الاسلام ، ابو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن الطاوسى قدس الله روحه ونور ضريحه : وحيث قد ذكرنا آيات برائة ، فينبغي ان نذكر بعض مارويناه من شرح الحال : فمن ذلك ما رواه حسن بن اشناس رحمه الله ، قال : حدثنا ابن أبى الثلج الكاتب ، قال : حدثنا جعفر بن محمد العلوى ، قال : حدثنا على بن عبدل الصوفى ، قال : حدثنا طريف مولى محمد بن اسماعيل بن موسى وعبيدالله (1) بن يسار ، عن عمرو بن أبى المقدام ، عن أبى اسحاق السبيعى ، عن الحارث الهمداني ، وعن جابر ، عن أبى جعفر ، عن محمد بن الحنيفة ، عن على عليه السلام : ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح مكة احب ان يعذر إليهم وان يدعوهم الى الله عز وجل اخيرا كما دعاهم اولا ، فكتب إليهم كتابا يحذرهم بأسه وينذرهم عذاب ربه ، ويعدهم الصفح ويمنيهم مغفرة ربهم ، ونسخ لهم اول سورة برائة ليقرأ عليهم ، ثم عرض على جميع اصحابه المضى إليهم ، فكلهم يرى فيه التثاقل ، فلما رأى ذلك منهم ندب (2) إليهم رجلا لينوجه به . فهبط إليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد انه لا يؤدي عنك الا رجل منك ، فانبأنى رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك ووجهني بكتابه ورسالته الى اهل مكة ، فأتيت مكة - واهلها من قد عرفت ليس منهم احد الا ان لو قدر ان يضيع على جبل منى اربا
(3) لفعل ، ولو ان يبذل في ذلك نفسه واهله وولده
وماله . فابلغتهم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وقرأت كتابه عليهم ، وكلهم
يلقانى بالتهديد والوعيد ، ويبدى البغضاء ويظهر لى الشحناء
(4) من رجالهم ونسائهم ، فلم يتسنى
(5) ذلك
حتى نفذت لما وجهنى رسول الله صلى الله عليه وآله (1) .
كتابه ايضا فقال : وحدثنا احمد بن محمد ، قال : حدثنا احمد بن يحيى بن زكريا ، قال : حدثنا مالك بن ابراهيم النخعي ، قال : حدثنا حسين بن زيد ، قال : حدثنى جعفر بن محمد ، عن ابيه عليهم السلام قال : لما سرح (3) رسول الله صلى الله عليه وآله ابا بكر باول سورة براءة الى اهل مكة ، اتاه جبرئيل عليه
السلام فقال : يا محمدان الله يأمرك ان لا تبعث هذا وان تبعث على بن أبى طالب ،
وانه ال يؤديها عنك غيره ، وقال : ارجع الى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال
ابو بكر : هل حدث في شئ ؟ فقال على عليه السلام : سيخبرك رسول الله صلى الله
عليه وآله .
على بن أبى طالب ، فاكثر أبو بكر عليه من الكلام ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : كيف تؤديها وانت صاحبي في الغار (1) . قال : فانطلق على عليه السلام حتى قدم مكة ثم وافى عرفات ، ثم رجع الى جمع ، ثم الى منى ، ثم ذبح وحلق ، وضعد على الجبل المشرف المعروف بالشعب ، فاذن ثلاث مرات : الا تسمعون يا ايها الناس انى رسول الله صلى الله عليه وآله اليكم ، ثم قال : ( براءة من الله ورسوله الى الدين عاهدتم من المشركين فسبحوا في الارض اربعة اشهر واعلموا انكم غير معجزى الله وان الله مخزي الكافرين ، واذان من الله ورسوله - الى قوله - ان الله غفور رحيم ) . تسع آيات من اولها ، ثم لمع (2) بسفه فاسمع الناس وكررها ، فقال الناس : من هذا الذى ينادى في الناس ؟ فقالوا : على بن أبى طالب ، وقال من عرفه من الناس : هذا ابن عم محمد ، وما كان ليجترى على هذا غير عشيرة محمد . فأقام ايام التشريق ثلاثة ينادى بذلك ويقرء على الناس غدوة وعشية ، فناداه الناس من المشركين : ابلغ ابن عمك ان ليس له عندنا الا ضربا بالسيف وطعنا بالرماح . ثم انصرف على عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وآله ويقصد في السير ، وابطأ الوحى عن رسول الله صلى الله عليه وآله في أمر على عليه السلام وما كان
منه ، فاغتم النبي صلى الله عليه وآله لذلك غما شديدا حتى رئى ذلك في وجهه ،
وكف عن النساء من الهم والغم . فقال بعضهم لبعض : لعل قد نعيت إليه نفسه
(3) أو عرض له مرض ، فقالوا لأبى ذر :
قد نعلم منزلتك من رسول الله عليه وآله وقد ترى ما به ، فنحن نحب أن يعلم لنا أمره ، فسأل أبو ذر رحمه الله النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك . فقال النبي صلى الله عليه وآله : مانعيت الى نفسي وانى لميت ، وما وجدت في أمتى الا خيرا ، وما بي من مرض ولكن من شدة وجدى لعلى بن أبى طالب وابطاء الوحى عنى في امره ، وان الله عز وجل قد اعطاني في على تسع خصال : ثلاثة لدنياى واثنتان لاخرتي ، واثنتان انا منهما آمن واثنتان أنا منهما خائف . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى الغداة استقبل القبلة بوجهه الى طلوع الشمس يذكر الله عزوجل ، ويتقدم على بن أبى طالب عليه السلام خلف النبي صلى الله عليه وآله ويستقبل الناس بوجهه ، فيستأذن في حوائجهم ، وبذلك أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله . فلما توجه على عليه السلام الى ذلك الوجه لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وآله مكان على لاحد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى وسلم استقبل القبلة بوجهه ، فاذن للناس ، فقام أبو ذر فقال : يارسول الله لى حاجة ، قال : انطلق في حاجتك . فخرج أبو ذر من المدينة يستقبل على بن أبى طالب عليه السلام ، فلما كان ببعض الطريق إذا هو براكب مقبل على ناقته ، فإذا هو على عليه السلام ، فاستقبله والتزمه وقبله ، وقال : بأبى أنت وأمى اقصد في مسيرك حتى اكون أنا الذى ابشر رسول الله صلى الله عليه وآله ، فان رسول الله صلى الله عليه وآله من أمرك في غم شديد وهم ، فقال له على عليه السلام : نعم . فانطلق أبو ذر مسرعا حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال : البشرى ، قال : وما بشراك يا اباذر ؟ ، قال : قدم على بن أبى طالب ، فقال له : لك
بذلك الجنة ، ثم ركب النبي عليه السلام وركب معه الناس ، فلما رآه اناخ ناقته،
ونزل رسول الله صلى الله
عليه وآله فتلقاه والتزمه وعانقه ، ووضع خده على منكب على ، وبكى النبي عليه السلام فرحا بقدومه ، وبكى على عليه السلام معه . ثم قال له رسول الله عليه وآله : ما صنعت بأبى انت وامى ، فان الوحى ابطى على في أمرك ، فأخبره بما صنع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كان الله عز وجل اعلم بك منى حين أمرنى بارسالك (1) .
وشعبة بن عبد الله اخوه ، فقال لعلى عليه السلام : ما تيسرنا يا على اربعة أشهر ، بل برئنا منك ومن ابن عمك ان شئت الا من الطعن والضرب ، وقال شعبة : ليس بيننا وبين ابن عمك الا السيف والرمح ، وان شئت بدأ بك ، فقال على عليه السلام : أجل أجل ان شئت فهملوا (2) .
وما كان قد دنا شر لقاء المشركين ، وما كان لك اسوة بنفسى (1) ، فكيف تقوى على لقاء الكفار بسورة برائة ، وما أنا معك وأنت وحدك ؟ ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله ممن يخاف على أبى بكر من الكفار اكثر من خوفه على علي عليه السلام ، لأن أبا بكر ماكان جرى منه أكثر من الهرب منهم ، ولم يعرف له قتيل فيهم ولا جريح ، وانما كان علي عليه السلام هو الذى يحتمل (2) في المبيت على الفراش حتى سلم النبي منهم ، وهو الذى قتل منهم في كل حرب ، فكان الخوف على عليه السلام من القتل اقرب الى العقل .
وغيرها ان النبي صلى الله عليه وآله فتح مكة سنة ثمان من الهجرة واستعمل على اهلها عتاب بن اسيد بن العيص بن امية بن عبد شمس ، ثم اجتمعت هوازن وقدموا لحربه عليه السلام ، فخرج من مكة الى هوازن فغنم اموالهم . ثم مضى الى الطائف ، ثم رجع من الطائف الى الجعرانة (3) ، فقسم بها غنائمهم ، ثم دخل مكة ليلا معتمرا ، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وقضى عمرته وعاد الى الجعرانة ، ومنها توجه الى المدينة ولم يحج عليه السلام تلك السنة . فلما حج الناس سنة ثمان ولم يحج النبي صلوات الله عليه وآله فيها ، حج المسلمون
وعليهم عتاب بن اسيد ، لانه امير مكة ، وحج المشركون من أهل مكة وغيرها ممن
اراد الحج من الذين كان لهم عهدته مع النبي صلى الله عليه وآله ومن انضم إليهم
من
الكفار ومتقدمهم أبو سيارة العدواني على اتان اعور رسنها (1) ليف . فلما دخلت سنة تسمع من الهجرة وقرب وقت الحج فيها امر الله جل جلاله رسوله صلوات الله وسلامه عليه وآله ان ينابذ (2) المشركين ، ويظهر اعزاز الاسلام والمسلمين ، فبعث عليا عليه السلام لرد أبى بكر كما رويناه . والمسلمون من اهل مكة بين حاسد لمولانا على عليه السلام وبين مطالب له بقتل من قتلهم من اهلهم ، والمشركون في موسم الحج اعداء له عليه السلام ، فتوجه وحده لكلهم ، فاعز الله جل جلاله ورسوله امر الاسلام على يد مولانا على عليه السلام ، واذل رقاب الكفار والطغاة . فلما دخلت ستة عشر وقرب وقت الحج خرج النبي صلى الله عليه وآله لحجة الوداع وابلاغ ما امره الله جل جلاله بابلاغه ، فأقام الناس بسنن الحج والاسلام ، ونص الانام ، وتوجه الى المدينة ، ثم دعاه الله جل جلاله الى دار السلام في ذلك العام . يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام جمال العارفين ، افضل السادة أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس : اعلم ان الله جل جلاله قد كان عالما قبل ان يتوجه أبو بكر بسورة برائة انه لا يصلح لتأديتها ، وانه ينزل على نبيه صلوات الله عليه جبرئيل ، ويأمره باعادته أبى بكر ، وان أبا بكر يعزل عن ذلك المقام . فظهر من هذا لذوى الافهام ان قد كان مراد الله جل جلاله اظهار ان أبا بكر لا
يصلح لهذا الأمر الجزئي من امور الرياسة ، فكيف يصلح للأمر الكلى ، وانه لا
ينفعه اختيار صاحب ( الأمر ) (3) لحمل الايات معه
، فكيف ينفعه . اختيار بعض اهل السقيفة
له ، وان الله لم يستصلحه لايات من كتابه ، فكيف يستصلح لجمع الشتات . وان الله اظهر عزله على اليقين ، فكيف يجوز الاختيار لولايته على الظن من بعض المسلمين ، وانه لم يصلح للابلاغ عن الله تعالى ورسوله عليه السلام لفريق من الناس ، وفى هذا الحديث المعلوم كشف لأهل العلوم ان على بن ابى طالب عليه السلام يسد مسد رسول الله صلى الله عليه وآله فيما لا يمكن القيام فيه بغير نفسه الشريفة ، وفيه تنبيه ونص صريح على ولاية على عليه السلام من الله ، وفيه تنبيه على ما اشتملت عليه تلك الولاية من اعزاز دين الله واظهار ناموس الاسلام ، ورفع التقية والذل عما كان مستورا من تلك الشرائع والأحكام .
مرة ( قل هو الله احد ) وسبح عقيبها تسبيح الزهراء عليها السلام وتقول : سبحان الله ذى العز الشامخ المنيف ، سبحان ذى الجلال الباذخ العظيم ، سبحان ذى الملك الفاخر القديم ، سبحان من يرى أثر النملة في الصفا ، سبحان من يرى وقع الطير في الهواء ، سبحان من هو هكذا لا هكذا غيره . (1)
رحمه الله ، قالا : اخبرنا أبو على محمد بن همام الاسكافي ، قال : حدثنا خالي احمد بن مابنداد ، قال : حدثنى احمد بن هلال ، قال : حدثنى محمد بن ابى عمير ، عن ابن مسكان ، عن بكربن عبيدالله شريك ابى حمزة الثمالى ، قال : كان أبو عبد الله - يعنى جعفر بن محمد الصادق عليه
السلام وعلى آبائه وابنائه الطاهرين - يدعو بهذا الدعاء في اول يوم من عشرذى
الحجة الى عشية عرفة في دبر صلاة الصبح وقبل المغرب يقول :
، عن أبى الحسن الفازى ، قال : حدثنا سهل بن ابراهيم بن هشام بن عبيدالله ، قال : حدثنا جدى هشام بن عبيدالله بن عمير ، قال : حدثنا محمد بن الفضل ، عن ابيه ، عن عبد الله بن عبد بن عمير ، عن أبى جعفر عليه السلام قال : ان الله تعالى اهدى الى عيسى بن مريم عليه السلام خمس دعوات جاء بها جبرئيل عليه السلام في ايام العشر ، فقال : يا عيسى ادع بهذه الخمس الدعوات فانه ليست عبادة احب الى الله عبادته في ايام العشر - يعنى عشر ذى الحجة : اولهن : اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير . والثانية : اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، احدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا . والثالثة : اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، احدا صمدا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد . والرابعة : اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت ، وهو حي لا يموت بيده الخير ، وهو على كل شئ قدير .
والخامسة : حسبى الله وكفى سمع الله لمن دعا ، ليس وراء الله منتهى ، اشهد لله بما دعى ، وانه برى ممن تبرى ، وان لله الاخرة والاولى .
قال : اما من قال الاولى مائة
مرة ، لا يكون لأهل الأرض عمل أفضل من عمله ذلك اليوم ، وكان أكثر العباد حسنات
يوم القيامة . ومن قال الثانية مائة مرة
فكأنما قرء التوراة والانجيل اثنتى عشرة مرة وأعطى ثوابها ، قال عيسى عليه
السلام : يا جبرئيل وما ثوابها ؟ قال : لا يطيق أن يحمل حرفا واحدا من التوراة
والانجيل من في السماوات السبع من الملائكة حتى ابعث انا واسرافيل لانه اول عبد
قال : لا حول ولا قوة الا بالله . ومن قال الثالثة مائة مرة كتب
الله عشرة آلاف حسنة ومحى عنه بها عشرة آلاف سيئة ، ورفع له بها عشرة آلاف درجة
، ونزل سبعون الف ملك من السماء ، رافعي ايديهم يصلون على من قالها ، فقال عيسى
عليه السلام : يا جبرئيل هل تصلون الملائكة الا على الانبياء وقال : انه من آمن
بما جائت به الرسل والانبياء ولم يبدل اعطى ثواب الانبياء . ومن قال الرابعة مائة مرة تلقاها ملك حتى يصعد بين يدى الجبار عز وجل فينظر الله عز وجل الى قائلها ، ومن نظر الله تعالى إليه فلا يشقى .
|
|