- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 2 ص 189 : -

الباب الرابع فيما نذكره مما يتعلق بليلة الاضحى ويوم عيدها وفيه فصول :

فصل ( 1 ) فيما نذكره من فضل احياء ليلة عيد الاضحى


روينا ذلك باسنادنا الى جدى أبى جعفر الطوسى رحمه الله فيما رواه عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن جده ، عن على عليه السلام قال : كان يعجبه ان يفرغ نفسه أربع ليال في السنة ، وهى اول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلة الفطر ، وليلة الأضحى (1) .


واعلم ان احياء الليالى بالعبادات هو أن تكون حركاتك وسكناتك ، واراداتك وكراهاتك جميعا معاملاة لله جل جلاله ، وتقصد بها التقرب إليه والاقبال عليه والأدب بين يديه فيما يكرهه أو يرضاه ، كما يكون العبد بين يدى مولاه إذا كان المولى يراه .


فان كانت فيها عبادات متعينات فاعمل عليها ، وان لم يكن فيها عبادة متعينة ، أو كانت فيها عبادات مرويات ، ولكن يبقى من الليل ما ليس له وظائف متعينات ، فليكن احياء ما يتخلف من الليلة التى يراد احياؤها بالعبادات بالاستغفار ، واصلاح
 

 

* هامش *

 

 

(1) مصباح المتهجد : 648 ، رواه في دعائم الاسلام 1 : 184 ، قرب الاسناد : 177 ،
    عنه البحار 91 : 122 ، فضائل الأشهر الثلاثة : 46 . ( * )

 

- ص 190 -

ما بينك وبين الله جل جلاله ، من طهارة الاسرار وزوال ظلمة الاصرار ، وما يحتاج مثلك إليه من الأذكار وسعادة الدنيا ودار القرار . وان غلبك النوم فليكن نومك على نية التقرب الى العظمة الألهية ، لتستعين به على النشاط والاقبال على زيادة العبادات للابواب الربانية ، فإذا عملت على هذا النظام تكون قد ظفرت باحياء تلك الليلة على التمام ان شاء الله جل جلاله .
 


فصل ( 2 ) فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام عيد الاضحى

روينا ذلك باسنادنا الى جدى أبى جعفر الطوسى ، عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيدالله واحمد بن عبدون ، جميعا ، عن الشيخ محمد بن احمد بن داود القمى ، شيخ القميين وفقيهم وعالمهم ، قال : حدثنا محمد بن محمد

النحوي ، قال : حدثنا أبو القاسم على بن محمد ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبى سنان ، عن ابان ، عن أبى عبد الله عليه السلام قال : من زار الحسين عليه السلام ليلة من ثلاث غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال : قلت : وأى الليالى ؟ فذكر ليلة الاضحى (1) .



فصل ( 3 ) فيما نذكره من الاشارة الى فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم الاضحى ، وبماذا يزار

اعلم ان عمل الشيعة على زيارته عليه السلام في هذا الميقات ، يغنى عن ذكر الروات ، وقد كنا قدمنا عند ذكر ليلة عرفة حديث مولانا الباقر عليه السلام بما معناه : ان الاقامة عند الحسين عليه السلام حتى يعيد للاضحى يحفظ المقيم عنده من شر سنته (2) .

 

* هامش *

 

 

(1) عنه البحار 91 : 126 ، رواه في مصباح المتهجد : 716 ، عنه البحار 101 : 91 .
(2) مصباح المتهجد : 715 . ( * )

 

- ص 191 -

واما لفظ ما نذكره في هذا اليوم من زيارته ، فقد كنا ذكرنا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر زيارتين يختص بهذا الميقات ، وليس هذا الكتاب مما نقصد به ذكر الزيارات ، فان وجدت تلك الزيارتين ، والا فزر الحسين عليه السلام ليلة الاضحى ويوم الاضحى بما ذكرناه في هذا الكتاب من الزيارة ليوم عرفة ، فانها كافية عند اهل المعرفة .



فصل ( 4 ) فيما نذكره مما ينبغي أن يكون اهل السعادات والاقبال عليه يوم الاضحى من الاحوال

اعلم أننا قد ذكرنا في عيد شهر رمضان ما فتحه علينا مالك القلب واللسان ، من الاداب عند استقبال ذلك العيد وآداب ذلك النهار ، ما تستغنى به الان عن التكرار ، لكن يمكن أنك لا تقدر على نظر ما قدمناه ، أو لا تعرف معناه ، فنذكر ما يفتح الله جل جلاله عليه ويحسن به الينا ، فنقول :

اذكر أيها الانسان أن الله جل جلاله سبقك بالاحسان قبل أن تعرفه ، وقبل أن تتقرب إليه بشئ من الطاعات ، فهيأ لك كلما كنت محتاجا إليه من المهمات ، حتى بعث لك رسولا من أعز الخلائق عليه ، يزيل ملوك الكفار ويقطع دابر الأشرار ،
 

الذين يحولون بينك وبين فوائد أسراره ، ويشغونك عن الاهتداء فأطفأ نار الكافرين ، وأذل رقاب ملوك اليهود والنصارى والحدين . ولم يكلف أن تكون في تلك الأوقات من المجاهدين ، ولاتكلف خطرا ، ولا تحملت ضررا في استقامة هذا الدين ،
 

وجاءتك العبادات في عافية ونعمة صافية ، مما كان فيه سيد المرسلين ، وخواص عترته الطاهرين ، صلوات الله عليه أجمعين ، ومما جاهد عليه ووصل إليه السلف من المسلمين .


فلا تنس المنة عليك في سلامتك من تلك الأهوال وما ظفرت به من الامال والاقبال ، وجر بلسان الحال بنظرك ، واذكر بخاطرك القتلى ، الذين سفكت دماؤهم

- ص 192 -

في مصلحتك وهدايتك من أهل الكفر ومن أهل الاسلام ، حتى ظفرت أنت بسعادتك ، وكم حزب من بلاد عامرة ، واهلك من امم غابرة .

ثم اذكر ابراز الله جل جلاله أسراره بيوم العيد ، وأظهر لك أنواره بذلك الوقت السعيد ، من مخزون ماكان مستورا عن الامم الماضية ، والقرون الخالية ، وجعلت أهلا أن تزور عظمته وحضرته فيه ، وتحدثه بغير واسطة وتناجيه .

فهل كان هذا في حسنات نطفتك أو علقتك أو مضغتك ؟ أو لما كنت جنينا ضيفا ؟ أو لما صرت رضيعا لطيفا ؟ أو لما كنت ناشئا صغيرا ؟ أو هل وجدت لك في ذلك تدبيرا ؟ فكن رحمك الله عبدا مطيعا ومملوكا سميعا لذلك المالك السالك بك في

تلك المسالك ، الواقى لك من المهالك ، فوالله ليقبح بك مع سلامة عقلك ، وما وهب لك من فضله ، الذى صرت تعتقده من فضلك أن تعمى أو تتعامى عن هذا الاحسان الخارق للألباب ، أو أن تشغل عنه ، أو تؤثر عليه شيئا من الأسباب ؟


أقول : فاستقبل هداية الله جل جلاله اليك يوم عيده ، بتعظيمه وتمجيده ، والقيام بحق وعوده ، والخوف من وعيده ، وفرحك وسرورك بما في ذلك من المسار والمبار على قدر الواهب جل جلاله ، وعلى قدر ما كنت عليه من ذل التراب ، وعقبات

النشأة الاولى وما كان فيها من الأخطار ، وترددك في الأصلاب والأرحام الوفا كثيرة من الأعوام ، يسار بك في تلك المضائق على مركب السلامة من العوائق ، حتى وصلت الى هذه المسافة ، وأنت مشمول بالرحمة والرأفة ، موصول بموائد الضيافة ، آمنا من المخالفة .


فالعجب كل العجب لك ان جهلت قدر المنة عليك فيما تولاه الله جل جلاله من الاحسان اليك ، فاشتغل بما يريد ، وقد كفاك كل هول شديد ، وهو جل جلاله كافيك ما قد بقى بذلك اللطف والعطف الذى أجراه على المماليك والعبيد .


 

 

الصفحة الرئيسية

 

أعمال أشهر السنة

 

فهرس الكتاب