|
|
فصل ( 2 ) فيما نذكره من زيادة في فضل أهل المباهلة والسعادة
فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحة ان الذين باهل بهم النبي صلى الله عليه وآله على وفاطمة والحسن والحسين (1) . ورواه أيضا الثعلبي ومقاتل والكلبي والحافظ ابن مردويه وعبد الله بن عباس وجابربن عبد الله الأنصاري والحسن البصري والشعبى والسدى وغيرهم ممن لا يحضرني ذكر اسمائهم (2) . ورواه ايضا الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير القرآن عند تفسير قوله تعالى : ( فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابنائنا وابنائكم ونساءكم ونساءنا ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين ) (3) . فقال الزمخشري ماهذا لفظه : انه لما دعاهم الى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر ، فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبى مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولانبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكن ، فان أبيتم الا ألف دينكم والاقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا . فاتوا رسول الله عليه وآله وقد غدا محتضنا للحسين ، آخذا بيد الحسن ، وفاطمة تمشى خلفه ، وعلى خلفهما ، وهو يقول : إذ أنا دعوت فامنوا ، فقال اسقف
نجران : يا معشر النصارى انى لأرى وجوها لو شاء الله ان يزيل جبلا عن مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولم يبق على وجه الأرض نصراني الى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم رأينا اننا لانباهلك وان نقرك على دينك ونثبت على ديننا . قال : فإذا أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم ، فأبوا ، قال : فانى أنا جزكم (1) ، فقالوا : مالنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخفينا ولا تردنا عن ديننا ، على ان نؤدى اليك في كل عام ألفى حلة ، ألف في صفر وألف في رجب ، وثلاثين درعا عادية من حديد . فصالحهم على ذلك وقال : والذى نفسي بيده ان الهلاك قد تدلى على نجران ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولا ضطرم الوادي عليهم نارا ، ولأستأصل الله نجران واهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا .
فان قلت : كان ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حيث استجرء على تعريض اعزته وافلاذ كبده ، واحب الناس إليه بذلك ، ولم ينتصر على تعرض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلكه مع احبته واعزته ، هلاك الاستيصال ، ان تمت المباهلة ، وخص الابناء والنساء ، لأنهم اعز الأهل والصقهم بالقلوب ، وربما بدأهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ، ومن ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الضغائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق ،
وقدمهم في الذكر على انفسهم ، لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مقدمون بها ، وفيه دليل لا شئ أقوى منه على فضل اصحاب الكساء عليهم السلام ، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله لأنه لم يرو احد من موافق ولا مخالف انهم اجابوا الى ذلك - هذا آخر كلام الزمخشري . ) (1) .
اعلم ان يوم مباهلة النبي صلوات الله عليه وآله لنصارى نجران كان يوما عظيم الشأن اشتمل على عدة آيات وكرامات : فمن آياته : انه كان اول مقام فتح الله جل جلاله فيه باب المباهلة الفاصلة ، في هذه الملة الفاضلة ، عند جحود حججه وبيناته . ومن آياته : انه اول يوم ظهرت لله جل جلاله ولرسوله صلوات الله عليه وآله العزة ، بالزام اهل الكتاب من النصارى الذلة والجزية ، ودخولهم عند حكم نبوته ومراداته .
ومن آياته : انه يوم اظهر الله جل جلاله فيه ان ابنته المعظمة ، فاطمة صلوات الله عليها ، ارجح في مقام المباهلة ، من اتباعه وذوى الصلاح من رجاله واهل عناياته .
ومن آياته : ان البيان واللسان والجنان اعترفوا بالعجز عن شرح كمال كراماته .
وشموسا تكشف بنورها دعوى اليهود والنصارى ، وتمحو آثار استمرار شرعهم وشموسهم ، ويخسف ببدورها دعوى الجاهلية بعبادة اصنامهم وتخليطهم (1) بها من نحوسهم ، وتخلع به خلع التشريف بالتكليف للتراب ، ويحيى بهدايتها موات الألباب ، وتعم لأجلها دوام نعيم دار الثواب ، ويأتى بها الى نار ، قد علا لهبها وسعيرها ، وحروب قد اشتد كلبها (2) وزفيرها ، فخفف بها عنا وعن سائر البشر هول ذلك الخطر والضرر ، واطفاء شررها بمباهلة ساعة بأهل الطاعة ، وقرب جموعها وهدم ربوعها ، بثبوت اقدام ارباب المباهلة ، ورايات اخلاصهم ، وحمى حوزة الاسلام والمسلمين بتلك المباهلة الصادرة عن امر رب العالمين . فلهذا اليوم المباهلة من حق التشريف وتعظيم اهل المقام الشريف ، وتخفيف المالك اللطيف ، يقتضى ان يكون هذا اليوم من اعظم ايام البشارات واكرم ايام السعادات ، معمور المجالس والمحافل بالثناء على الله جل جلاله ، وذكر ما فيه من الفضائل ، معروفا به جل جلاله حقوق ملوك اهل المباهلة وما دفع الله جل جلاله بهم من الأمور الهائلة ، وما نفع بمباهلتهم في العاجلة
والاجلة ، وان يتوجه بهم فيه الى كشاف الكربات وواهب ألطاف الكرامات ، فيما
يكون العبد محتاجا إليه ، وعلى قدر تعظيم اليوم المذكور وعزة أهله عليه .
فصل ( 5 ) فيما نذكره من عمل يوم باهل الله فيه
باهل السعادات
، والزيارة فيه قال : إذا اردت ذلك فابدء بصوم ذلك اليوم شكرا لله تعالى ، واغتسل والبس أنظف ثيابك ، وتطيب بما قدرت عليه ، وعليك السكينة والوقار ، والذى يعمله من يزور أن يمضى الى مشهد ولى من أولياء الله ، أو موضع خال ، أو جبل عال ، أو واد خضر ، وعليه الا يقيم في منزله ، ويخرج بعد ان يغتسل ، ويلبس أحسن ثيابه . فإذا وصل الى المقام الذى يريد فيه اداء الحق وطلب الحاجة والمسألة بهم صلى ساعة يدخل ركعتين بقراءة وتسبيح ، فإذا جلس في التشهد وسلم استغفر الله سبعين مرة ، ثم يقوم قائما ويرفع
يديه ويرم طرفه نحو الهواء ، ويقول :
ثم تصلى عندكل دعاء ركعتين وتقيم الى انتصاف النهار ،
أو زوال الشمس ، وقد قيل الى اصفرار الشمس ، وكل ذلك حسن . وهذا ما جاء من
الروايات في انصراف القوم عن مقامهم في يوم المباهلة .
|
|