|
|
الباب الثامن فيما نذكره مما يختص بشهر رجب وبركاته وما نختاره من عباداته وخيراته وفيه فصول : فصل ( 1 ) فيما نذكره بالمعقول من تعظيم شهر رجب والتنبيه على شرف محله وتحف فضله اعلم اننا كنا ذكرنا في اوائل هذا الجزء وبعد اثبات ابواب هذا الكتاب ان الشهور كالمراحل الى الموت وما بعده من المنازل ، وان كل منزل ينزله العبد في دنياه في شهوره وايامه ، فينبغي أنى كون محله على قدر ما يتفضل الله جل جلاله فيه من اكرامه وانعامه .
ولأجل حرماته التي يأتي ذكرها في روايات بركاته وخيراته . فكن مقبلا على مواسم ( 1 ) هذا الشهر بعقلك وقلبك ، ومعترفا بالمراحل والمكارم المودعة فيك من ربك ، واملأ ظهور مطاياه من ذخائر طاعتك لمولاه ورضاه ومما يسرك ان تلقاه ، واجتهد ان لا تبقى في المنزل الذي تعلم انك راحل عنه ما تندم على تركه اولا بذلك منه ، فكلما انت تاركه منهوب مسلوب وانت مطلوب مغلوب ، وسائر عن قليل وراء مطايا اعمالك ، ونازل حيث حملت ما قدمت من قماشك ورحالك ، فاحذر نفسي واياك ان يكون المقتول من الذخائر ندما وشرابه علقما ( 2 ) وعافيته سقما . فهل تجد انك تقدر على اعادة المطايا الى دار الرزايا تعيد عليك ما مضى من حياتك ، وتستدرك ما فرطت فيه من طاعاتك ونقل مهماتك وسعاداتك ، هيهات هيهات لقد كنت تسمع وانت في الدنيا بلسان الحال تلهف النادمين وتأسف المفرطين وصارت الحجة عليك لرب العالمين ، فاستظهر رحمك الله استظهار اهل الامكان في الظفر بالامان والرضوان .
اقول : ومن ذلك ما رويناه باسنادنا الى محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله من كتاب الكافي ، في باب من بلغه ثواب من الله تعالى على عمل فصنعه فقال ما هذا لفظه : علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان له وان لم يكن كما بلغه ( 1 ) .
ورأيت اخبارا لابن الفرات الوزير وغيره انهم زور عليهم جماعة رقاعا بالعطاب ، فعلموا انها زور عليهم واطلقوا ما وقع في التزوير ، وهي من الاحاديث المشهورة عند الاعيان فلا اطيل بذكرها في هذا المكان . وقد جائت شريعتنا المعظمة بنحو
الاسلام كلمة اعتقدها كافر انه قد امنه بذلك الكلام ، لكان ذلك الكافر امانا من القتل ودرعا له من دروع الاسلام والفضل ، وقد تناصر ورود الروايات : ( ادرؤوا الحدود بالشبهات ) ( 1 ) ، فكن فيما نورده عاملا على اليقين بالظفر ومعترفا بحق محمد صلوات الله عليه سيد البشر .
ومن فضل هذه الليلة ان الانسان لما خرج شهر محرم عنه ، وكأنه
قد فارق الامان الذي جعله الله جل جلاله بالاشهر الحرم ، واخذ ذلك الامان منه ،
فإذا دخلت اول ليلة من شهر رجب المقبل عليه ، فقد انعم الله جل جلاله عليه
بالامان الذي ذهب منه ، وادخله في الحمى والحرم الذي كان قد خرج عنه . وما يخفى
عن ذوى الالباب الفرق بين الخروج عن حمى الملوك الحاكمين في الرقاب ومفارقة ما
جعلوه امانا عند خوف العتاب أو العقاب ، وبين الدخول في التشريف بالمقام في
معاينة الثواب ، فليكن الانسان معترفا لله جل جلاله في اول ليلة من شهر رجب بهذا الفضل الذي غير محتسب ومتمسكا بقوة هذا السبب .
اضعاف ذلك بين العبد وبين مالك امره كله ، فالحذر الحذر من
التهوين بالله في هذه الاوقات المحرمة ، وان يهتك العبد شيئا من شهورها المعظمة
.
|
|