- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 3 ص 193 : -

 فصل ( 19 ) فيما نذكره من صوم يوم من رجب مطلقا روينا ذلك باسنادنا عن أبي جعفر بن بابويه من كتاب ثواب الأعمال والى جدي أبي جعفر الطوسي من كتاب تهذيب الأحكام باسنادهما الى أبي الحسن موسى عليه السلام انه قال : رجب نهر في الجنة اشد بياضنا من اللبن وأحلى من العسل ، من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر ( 2 ) .


فصل ( 20 ) فيما نذكره من كيفية النية فيما يصام من رجب وغيره من الاوقات المرضية اعلم انا كنا ذكرنا في كتاب المضمار من تحرير النيات للصيام ما فيه كفاية لذوي الافهام ، ونقول هاهنا : ان من شروط الصيام والمهام ان تكون ذاكرا

قبل دخولك في الصيام ، ان المنة لله جل جلاله عليك في استخدامك في الشرائع والاحكام وتأهيلك لما لم تكن له اهلا من الانعام والاكرام وسعادة الدنيا ودار المقام . فأنت تعرف من نفسك انه لو استحضرك بعض الملوك المعظمين ، وشغلك

بمهماته وكلامه يوما طول النهار بين الحاضرين ، سهل عليك ترك الطعام والشراب في ذلك اليوم لأجله ، واعتقدت ان المنة له عليك حيث ادخلك تحت ظله وشملك بفضله ، مع علمك ان الملك ما خلقك ولا رباك ، ولا خلق لك دنياك ولا اخراك ، فلا يحل في العقل والنقل ان يكون الله جل جلاله دون احد من عباده ، وقد قام لك بما لم يقدر عليه غيره
 

 

* ( هامش ) *
 2 - التهذيب 4 : 306 ، ثواب الاعمال : 78 ، فضائل الاشهر الثلاثة : عنهما البحار 97 : 37 . ( * )

 

 

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 3 ص 194 : -

من اسعاده وارفاده . ومتى نقصت الله جل جلاله في صومك عما تجده في خدمة الملك ، من نشاطك وسرورك واهتمامك واعتقاد المنة له في اكرامك ، والذنب لك ان ضاع منك صوم نهارك ، وتكون انت قد هونت بالله جل جلاله وعملت ما

يقتضي هجرانه لك وغضبه عليك واستعادة ما وهبك من مسارك ومبارك وطول اعمارك . اقول : وان اشتبه عليك صوم اخلاص النيات بصوم الرياء والشبهات فاعتبر ذلك بعدة اشارات :

منها : ان تعرض على نفسك حضور الافطار في ذلك النهار بمحضر الصائمين من الاخيار ، فان وجدت نفسك تستحيي ( 1 ) من مشاهدتهم لافطارك بين الصيام ، فاعلم ان في صومك شبهة تريد بها التقرب الى قلوب الأنام .
 

ومنها : ان تعتبر نفسك ايما اسر لها واحب إليها ، ان يطلع الله جل جلاله وحده عليها ، أو تريد ان يعلم بها ويطلع عليها مع الله تعالى سواه ، ممن يمدحها أو ينفعها اطلاعه في دنياه ، فان وجدت نفسك تريد مع اطلاع الله عز وجل على صيامك

معرفة احد غير الله تعالى بصومك ليزيد في اكرامك ، أو وجدت اطلاع احد على صومك احل في قلبك من اطلاع ربك ، فاعلم ان صومك سقيم وانك عبد لئيم .


ومنها : انك تعتبر نفسك في صومها هل تجدها مع كثرة الصائمين هي أنشط في الصوم لرب العالمين ، ومع قلة الصائمين أو عدمهم هي أضعف وأكسل عن الصوم لمالك يوم الدين ، فان وجدتها تنشط للصوم عند صومهم وتتكاسل عند افطارهم ، فاعلم انك تصوم طلبا لموافقتهم وتبعا لارادتهم ، وصومك سقيم بقدر اشتغالك باتباعهم عن اتباع مالك ناصيتك وناصيتهم .


ومنها : ان تعتبر هل صومك لأجل مجرد الثواب أو لأجل مراد رب الأرباب ، فان وجدت نفسك لو لا الثواب الذي ورد في الاخبار ، وانه يدفع اخطار النار ، ما كنت
 

 

* ( هامش ) *
1 - مستحييا ( خ ل ) . ( * )

 

 

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 3 ص 195 : -

صمت ، ولا تكلفت الامتناع بالصوم من الطعام والشراب والمسار ، فأنت قد عزلت الله جل جلاله عن انه يستحق الصوم لامتثال أمره ، وعن انه جل جلاله أهل عبادة لعظيم قدره ، ولولا الرشوة والبرطيل ( 1 ) ما عبدته ولا راعيت حق احسانه السالف الجزيل ، ولا حرمة مقامه الاعظم الجليل .


ومنها : ان تعتبر صومك إذا كان لك سعة وثروة في طعام الفطور نشطت لسعته وطيبته ، وإذا كان طعام فطورك يكفيك ولكنه ما هم بلحم ولا ألوان مختلفة في لذته ، فتكون غير نشيط في الصوم لعبادة الله جل جلاله به وطاعته ، فانت انما نشطت لأجل الطعام ، فذلك النشاط الزائد لغير الله مالك الانعام شبهة في تمام الصيام .


ومنها : ان تراعي عقلك وقلبك وجوارحك في زمان الصيام ، فتكون مستمر النية الخالصة الموصوفة بالتمام ، ومثال العوارض المانعة من استمرار النيات كثيرة في العبادات :


ومنها : ان تصوم بعض النهار باخلاص النية ثم يعرض لك طعام طيب ، أو زوجة قد تجملت لك وانت تحبها ، أو سفر فيه نفع ، أو ما جرى هذه الامور الدنيوية ، يصير اتمام صيام ذلك النهار عندك مستثقلا ما تصدق متى تخلص منه وتوعد عنه ، وانت تعلم انك لو خدمك غلامك ، وهو مستثقل لخدمتك ومستثقل من طاعتك ، كان اقرب الى طردك له وهجرانك وتغير احسانك .


ومنها : انه إذا عرض لك من فضل الافطار ما يكون ارجح من صيام المندوب فلا تستحيي من متابعة مراد علام الغيوب ، وافطر بمقتضي مراده ولا تلتفت الى من يأخذ ذلك عليك من عباده .

ومثال هذا ان تكون صائما مندوبا فيدعوك أخ لك في الله جل جلاله الى طعام قد دعاك إليه ، فأجب داعي الله جل جلاله وامتثل امر رسوله ( 2 ) صلوات الله عليه وآله في ترجيح الافطار على الصيام .
 

 

* ( هامش ) *
 1 - البرطيل : الرشوة . 2 - رسول الله ( خ ل ) . ( * )

 

 

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 3 ص 196 : -

ومثال آخر ان تكون صائما مندوبا فترى صومك في بعض النهار قد اضعفك عن بعض الفروض الواجبة أو ما هو أهم من صوم المندوب ، فابدء بالأهم الى ترك الصيام ، وعظم ما عظم الله جل جلاله وصغر ما صغر من شريعة الاسلام ، ولا تقل : ان الذين رأوني صائما ما يعلمون عذري في الافطار ، يكون صومك في ذلك النهار لأجلهم رياء وكالعبادة لهم من الذنوب الكبار .


ومنها : انه متى عرض لك صارف عن استمرار النية من الامور الدنيوية التي ليست عذرا صحيحا عند المراضي الإلهية ، فبادر الى استدراك هذا الخطر بالتوبة والندم واصلاح استمرار نية الاخلاص في الصيام والاستغاثة بالله جل جلاله على القوة والتوفيق للتمام ، فانك متى اهملت تعجيل استدراك الاصلاح ( 1 ) ، صارت تلك الاوقات المهملة سقما في تلك العبادة المرضية .

اقول : وإذا عرض لك ما يحول بينك وبين استمرار نيتك ، فتذكر ان كلما ينقلك عن طاعتك فانه كالعدو لك ولمولاك ، فكيف تؤثر عدوك وعدوه عليه ، وسيدك يراك ، وإذا آثرت غيره عليه فمن يقوم لك بما تحتاج إليه في دنياك واخراك .

اقول : ويكون نية صومك انك تعبد الله جل جلاله به ، لأنه عز وجل أهل للعبادة فهذا صوم أهل السعادة .
 

 

* ( هامش ) *
 1 - الصلاح ( خ ل ) . ( * )

 


 

 

الصفحة الرئيسية

 

أعمال شهر رجب