|
|
فصل ( 19 ) فيما نذكره من صوم يوم من رجب مطلقا روينا ذلك باسنادنا عن أبي جعفر بن بابويه من كتاب ثواب الأعمال والى جدي أبي جعفر الطوسي من كتاب تهذيب الأحكام باسنادهما الى أبي الحسن موسى عليه السلام انه قال : رجب نهر في الجنة اشد بياضنا من اللبن وأحلى من العسل ، من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر ( 2 ) .
قبل دخولك في الصيام ، ان المنة لله جل جلاله عليك في استخدامك في الشرائع والاحكام وتأهيلك لما لم تكن له اهلا من الانعام والاكرام وسعادة الدنيا ودار المقام . فأنت تعرف من نفسك انه لو استحضرك بعض الملوك المعظمين ، وشغلك بمهماته وكلامه يوما طول النهار بين الحاضرين ، سهل عليك ترك
الطعام والشراب في ذلك اليوم لأجله ، واعتقدت ان المنة له عليك حيث ادخلك تحت
ظله وشملك بفضله ، مع علمك ان الملك ما خلقك ولا رباك ، ولا خلق لك دنياك ولا
اخراك ، فلا يحل في العقل والنقل ان يكون الله جل جلاله دون احد من عباده ، وقد
قام لك بما لم يقدر عليه غيره
من اسعاده وارفاده . ومتى نقصت الله جل جلاله في صومك عما تجده في خدمة الملك ، من نشاطك وسرورك واهتمامك واعتقاد المنة له في اكرامك ، والذنب لك ان ضاع منك صوم نهارك ، وتكون انت قد هونت بالله جل جلاله وعملت ما يقتضي هجرانه لك وغضبه عليك واستعادة ما وهبك من مسارك ومبارك وطول اعمارك . اقول : وان اشتبه عليك صوم اخلاص النيات بصوم الرياء والشبهات فاعتبر ذلك بعدة اشارات : منها : ان تعرض على نفسك حضور الافطار في ذلك النهار بمحضر
الصائمين من الاخيار ، فان وجدت نفسك تستحيي ( 1 ) من مشاهدتهم لافطارك بين
الصيام ، فاعلم ان في صومك شبهة تريد بها التقرب الى قلوب الأنام . ومنها : ان تعتبر نفسك ايما اسر لها واحب إليها ، ان يطلع الله جل جلاله وحده عليها ، أو تريد ان يعلم بها ويطلع عليها مع الله تعالى سواه ، ممن يمدحها أو ينفعها اطلاعه في دنياه ، فان وجدت نفسك تريد مع اطلاع الله عز وجل على صيامك معرفة احد غير الله تعالى بصومك ليزيد في اكرامك ، أو وجدت اطلاع احد على صومك احل في قلبك من اطلاع ربك ، فاعلم ان صومك سقيم وانك عبد لئيم .
صمت ، ولا تكلفت الامتناع بالصوم من الطعام والشراب والمسار ، فأنت قد عزلت الله جل جلاله عن انه يستحق الصوم لامتثال أمره ، وعن انه جل جلاله أهل عبادة لعظيم قدره ، ولولا الرشوة والبرطيل ( 1 ) ما عبدته ولا راعيت حق احسانه السالف الجزيل ، ولا حرمة مقامه الاعظم الجليل .
ومثال هذا ان تكون صائما مندوبا فيدعوك أخ لك في الله جل
جلاله الى طعام قد دعاك إليه ، فأجب داعي الله جل جلاله وامتثل امر رسوله ( 2 )
صلوات الله عليه وآله في ترجيح الافطار على الصيام .
ومثال آخر ان تكون صائما مندوبا فترى صومك في بعض النهار قد اضعفك عن بعض الفروض الواجبة أو ما هو أهم من صوم المندوب ، فابدء بالأهم الى ترك الصيام ، وعظم ما عظم الله جل جلاله وصغر ما صغر من شريعة الاسلام ، ولا تقل : ان الذين رأوني صائما ما يعلمون عذري في الافطار ، يكون صومك في ذلك النهار لأجلهم رياء وكالعبادة لهم من الذنوب الكبار .
اقول : وإذا عرض لك ما يحول بينك وبين استمرار نيتك ، فتذكر ان كلما ينقلك عن طاعتك فانه كالعدو لك ولمولاك ، فكيف تؤثر عدوك وعدوه عليه ، وسيدك يراك ، وإذا آثرت غيره عليه فمن يقوم لك بما تحتاج إليه في دنياك واخراك . اقول : ويكون نية صومك انك تعبد الله جل جلاله به ، لأنه عز
وجل أهل للعبادة فهذا صوم أهل السعادة .
|
|