|
|
فصل ( 65 ) فيما نذكره من دعاء يوم النصف من رجب الموصوف بالاجابة وما فيه من صفات الانابة اعلم أن هذا الدعاء الذي نذكره في هذا الفصل دعاء عظيم الفضل ، معروف بدعاء ام داود ، وهي جدتنا الصالحة المعروفة بام خالد البربرية ، ام جدنا داود بن الحسن بن الحسن ابن مولانا علي بن أبي طالب
أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان خليفة ذلك الوقت قد خافه على خلافته ، ثم ظهر
له براءة ساحته فأطلقه من دون آل أبي
طالب الذين قبض ( 1 ) عليهم ، وسيأتي شرح حال قبضها ولدها جدنا داود ، وحديث الدعاء الذي استجابه الله جل جلاله منها رضي الله عنها ، وجمع شملها به ، بعد بعد العهود . فأما حديث أنها ام داود جدنا ، وأن اسمها ام خالد البربرية كمل الله لها مراضيه الإلهية ، فانه معلوم عند العلماء ومتواتر بين الفضلاء . منهم أبو نصر سهل بن عبد الله البخاري النسابة فقال في كتاب سر أنساب العلويين ما هذا لفظه : وأبو سليمان داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام امه ام ولد تدعا ام خالد البربرية . اقول : وكتب الأنساب وغيرها من الطرق العليد قد تضمنت وصف ذلك على الوجوه المرضية . وأما حديث أن جدتنا هذه ام داود ، وهي صاحبة دعاء يوم النصف من رجب ، فهو أيضا من الامور المعلومات عند العارفين بالأنساب والروايات ، ولكنا نذكر منه كلمات عن أفضل علماء الأنساب في زمانه علي بن محمد العمري تغمده الله بغفرانه فقال في الكتاب المبسوط في الأنساب ما هذا لفظه : وولد داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام امه ام ولد ، وكانت امرأة صالحة ، وإليها ينسب دعاء ام داود . قال شيخ الشرف في كتاب تشجير تهذيب الأنساب أيضا ، ونقلته من خطه عند ذكر جدنا داود ما هذا لفظه : لام ولد ، إليها ينسب دعاء ام داود . وقال ابن ميمون النسابة الواسطي في
مشجره إلى ذكر جدتنا ام داود : أنها تكنى ام خالد ، إليها يعزى دعاء ام داود .
وأما رواية هذا دعاء يوم النصف من رجب : فاننا رويناه عن خلق كثير قد تضمن ذكر
أسمائهم كتاب الاجازات فيما يخصني من الاجازات بطرقهم المؤتلفة والمختلفة .
وهو دعاء جليل مشهور بين أهل الروايات ، وقد صار موسما عظيما في يوم النصف من رجب معروفا بالاجابات وتفريج الكربات ، ووجدت في بعض طرق من يرويه زيادات ، وسوف أذكر أكمل روايته احتياطا للظفر بفائدته . فمن الرواة من يرفعه إلى مولانا موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله عليه ، ومنهم من يرويه عن ام داود جدتنا رضوان الله عليها وعليه . فمن الروايات في ذلك أن المنصور لما حبس عبد الله بن الحسن وجماعة من آل أبي طالب وقتل ولديه محمدا وإبراهيم ، أخذ داود بن الحسن بن الحسن - وهو ابن داية أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليه ، لأن ام داود أرضعت الصادق عليه السلام منها بلبن ولدها داود - وحمله مكبلا بالحديد . قالت ام داود : فغاب عني حينا بالعراق ولم أسمع له خبرا ، ولم أزل أدعو وأتضرع إلى الله جل اسمه وأسأل إخواني من أهل الديانة والجد والاجتهاد أن يدعو الله تعالى لي وأنا في ذلك كله لا أرى في دعائي الاجابة . فدخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه يوما أعوده من ( 1 ) علة وجدها ، فسألته عن حاله ودعوت له فقال لي : يا ام داود ! ما فعل داود ، وكنت قد أرضعته بلبنه ؟ فقلت : يا سيدي ؟ وأين داود وقد فارقني منذ مدة طويلة وهو محبوس بالعراق ، فقال : وأين أنت عن دعاء الاستفتاح ، وهو الدعاء الذي تفتح له أبواب السماء ، ويلقى صاحبه الاجابة من ساعته ، وليس لصاحبه عند الله تعالى جزاء إلا الجنة ، فقلت له : كيف ذلك يا ابن الصادقين ؟ فقال لي : يا ام داود قد دنا الشهر الحرام العظيم شهر رجب ، وهو شهر مسموع فيه الدعاء ، شهر الله الأصم ، فصومي الثلاثة الأيام البيض ، وهو يوم
الثالث عشر والرابع عشر ، والخامس عشر ، واغتسلي في يوم ( 2 ) الخامس عشر وقت
الزوال وصلى الزوال ثماني
ركعات وفي إحدى الروايات : تحسني ( 1 ) قنوتهن وركوعهن وسجودهن . ثم صلي الظهر وتركعين بعد الظهر ، وتقولين بعد الركعتين : يا قاضى حوائج السائلين ( 2 ) مائة مرة ، ثم تصلين بعد ذلك ثماني ركعات - وفي رواية اخرى : تقرئين في كل ركعة ، يعني من نوافل العصر بعد الفاتحة ثلاث مرات ( قل هو الله احد ) وسورة الكوثر مرة ، ثم صلى العصر . ولتكن صلاتك في ثوب نظيف واجتهدي أن لا يدخل عليك أحد يكلمك ، وفي رواية : وإذا فرغت . من العصر فالبسي اطهر ثيابك ، واجلسي في بيت نظيف على حصير نظيف ، واجتهدي أن لا
يدخل عليك أحد يشغلك . ثم استقبلي القبلة واقرئي الكهف ولقمان ويس والصافات ، وحم السجد وحم عسق وحم الدخان ،
والفتح والواقعة وسورة الملك ون والقلم ، وإذا ألف مرة . قال شيخنا المفيد : إذا لم تحسن قراءة السور المخصوصة في يوم النصف من رجب أو لم تطق قراءة ذلك فلتقرء الحمد مائة مرة وآية الكرسي عشر مرات ثم تقرء الاخلاص ألف مرة .
ثم قال الصادق عليه السلام في إحدى الروايات : فإذا فرغت من ذلك وأنت مستقبل القبلة فقولي : بسم الله الرحمن الرحيم ، صدق الله [ العلي ] العظيم ، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ذو الجلال والاكرام ، الرحمان الرحيم ، الحليم الكريم ، الذي ليس كمثله شئ وهو السميع العليم ، البصير الخبير ، شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، ان الدين عند الله الاسلام وبلغت رسله الكرام ، وأنا على ذلك من الشاهدين . اللهم لك الحمد ولك المجد ، ولك العز ، ولك القهر ، ولك النعمة ، ولك العظمة ، ولك الرحمة ، ولك المهابة ، ولك السلطان ، ولك البهاء ، ولك الامتنان ، ولك التسبيح ، ولك التقديس ، ولك التهليل ، ولك التكبير ، ولك ما يرى ، ولك مالا يرى ، ولك ما فوق السماوات العلى ، ولك ما تحت الثرى ، ولك الأرضون السفلى ، ولك الاخرة والاولى ، ولك ما ترضى به من الثناء والحمد والشكر والنعماء . اللهم صل على جبرئيل أمينك على وحيك والقوي على أمرك ، والمطاع في سماواتك ، ومحال كراماتك ، الناصر لأوليائك المدمر لأعدائك ، اللهم صل على ميكائيل ملك الرحمتك والمخلوق لرأفتك والمستغفر المعين لأهل طاعتك . اللهم صل على إسرافيل حامل عرشك ، وصاحب الصور ، المنتظر لأمرك والوجل المشفق من خيفتك ، اللهم صل على عزرائيل ملك الرحمة ، الموكل على عبيدك وإمامك ، المطيع في أرضك وسمائك ، قابض أرواح جميع خلقك بأمرك . اللهم صل على حملة العرش لطاهرين ، وعلى السفرة الكرام البررة الطيبين ، وعلى ملائكتك الكرام الكاتبين ، وعلى ملائكة الجنان وخزنة النيران ، وملك الموت والأعوان يا ذا الجلال والاكرام . اللهم صل على أبينا آدم بديع فطرتك الذي كرمتك بسجود ملائكتك وأبحته جنتك ، اللهم صل على امنا حواء المطهرة من الرجس المصفاة من الدنس ، المفضلة من الانس ، المترددة بين محال القدس . اللهم صل على هابيل وشيث وإدريس ، ونوح وهود وصالح ، وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ويعقوب ويوسف والأسباط ، ولوط وشعيب ، وأيوب وموسى وهارون ، ويوشع وميشا والخضر وذي القرنين ، ويونس وإلياس ، واليسع وذي الكفل ، وطالوت وداود وسليمان ، وزكريا وشعيا ويحيى ، وتورخ ومتى وإرميا وحيقوق ، ودانيال وعزير وعيسى وشمعون وجرجيس ، والحواريين والأتباع وخالد وحنظلة و ( لقمان ) . اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وال محمد ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم صل على الأوصياء والسعداء والشهداء وأئمة الهدى ، اللهم صل على الأبدال والأوتاد والسياح والعباد والمخلصين والزهاد ، وأهل الجد والاجتهاد ، واخصص محمدا وأهل بيته بأفضل صلواتك ، وأجزل كراماتك ، وبلغ روحه وجسده مني تحية وسلاما ، وزده فضلا وشرفا وإكراما ، حتى تبلغه أعلى درجات أهل الشرف من النبيين والمرسلين والأفاضل المقربين . اللهم وصل على من سميت ومن لم اسم ، من ملائكتك وأنبيائك ورسلك وأهل طاعتك ، وأوصل صلواتي إليهم وإلى أرواحهم ، واجعلهم إخواني فيك وأعواني على دعائك ، اللهم إني استشفع بك إليك ، وبكرمك إلى كرمك ، وبجودك إلى جودك ، وبرحمتك إلى رحمتك ، وبأهل طاعتك إليك . وأسألك اللهم بكل ما سألك به أحد منهم ، من مسألة شريفة مسموعة غير مردودة ، وبما دعوك به من دعوة مجابة غير مخيبة . يا الله يا رحمان يا رحيم ، يا حليم يا كريم يا عظيم ، يا جليل يا منيل ، يا جميل يا كفيل يا وكيل يا مقيل ، يا مجير يا خبير ، يا منير يا مبير ، يا منيع يا مديل يا محيل ، يا كبير يا قدير ، يا بصير يا شكور ، يا بر يا طهر ، يا طاهر يا قاهر ، يا ظاهر يا باطن . يا ساتر يا محيط ، يا مقتدر يا حفيظ ، يا مجير يا قريب ، يا ودود يا حميد يا مجيد ، يا مبدى يا معيد يا شهيد ، يا محسن يا مجمل يا منعم يا مفضل ، يا قابض يا باسط ، يا هادي يا مرسل ، يا مرشد يا مسدد ، يا معطي يا مانع ، يا دافع يا رافع يا باقي يا واقي يا خلاق يا وهاب يا تواب يا فتاح يا نفاح يا مرتاح يا من بيده كل مفتاح ، يا نفاع يا رؤوف يا عطوف ، يا كافي يا شافي ، يا معافي يا مكافي ، يا وفي يا مهيمن ، يا عزيز يا جبار يا متكبر ، يا سلام يا مومن يا أحد يا صمد ، يا نور يا مدبر ، يا فرد يا وتر يا قدوس ، يا ناصر يا مونس ، يا باعث يا وارث يا عالم يا حاكم ، يا بادئ يا متعالي ، يا مصور يا مسلم يا متحبب ، يا قائم يا دائم يا عليم يا حكيم يا جواد يا بارئ ، يا بار يا سار ، يا عدل يا فاضل يا ديان ، يا حنان يا منان . يا سميع يا بديع يا خفير يا مغير يا مفتي يا ناشر يا غافر يا قديم ، يا مسهل يا ميسر ، يا مميت يا محيي ، يا رافع يا رازق يا مقتدر ، يا مسبب يا مغيث ، يا مغني يا مقني ، يا خالق يا راصد يا واحد يا حاضر يا جابر يا حافظ ، يا شديد يا غياث يا عائذ يا قابض . وفي بعض الروايات : يا منيب يا مبين يا طاهر يا مجيب يا متفضل يا مستجيب ، يا عادل يا بصير ، يا مؤمل يا مسدد ، يا أواب يا وافي ، يا راشد يا ملك يا رب ، يا معز يا مذل ، يا ماجد يا رازق ، يا ولي يا فاضل يا سبحان . يا من على فاستعلى ، فكان بالمنظر الأعلى ، يا من قرب فدنى ، وبعد فنأى ، وعلم السر وأخفى ، يا من إليه التدبير وله المقادير ، يا من العسير عليه سهل يسير ، يا من هو على ما يشاء قدير . يا مرسل الرياح ، يا فالق الاصباح ، يا باعث الأرواح ، يا ذا الجود والسماح يا راد ما قد فات ، يا ناشر الأموات ، يا جامع الشتات ، يا رازق من يشاء وفاعل ما يشاء كيف يشاء ويا ذا الجلال والاكرام ، يا حي يا قيوم ، يا حي حين لا حي ، يا حي يا محيي الموتى ، يا حي لا إله إلا أنت بديع السماوات والأرض . يا إلهي صل على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما صليت وباركت ورحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وارحم ذلي وفاقتي وفقري ، وانفرادي ووحدتي ، وخضوعي بين يديك ، واعتمادي عليك وتضرعي إليك . أدعوك دعاء الخاضع ، الذليل الخاشع ، الخائف المشفق ، البائس المهين الحقير ، الجائع الفقير ، العائذ المستجير ، المقر بذنبه ، المستغفر منه ، المستكين لربه ، دعاء من أسلمته ثقته ، ورفضته أحبته ، وعظمت فجعته ، دعاء حرق حزين ضعيف مهين ، بائس مسكين ، بك مستجير . اللهم وأسألك بأنك مليك وأنك ما تشاء من أمر يكون ، وأنك على ما تشاء قدير ، وأسألك بحرمة هذا الشهر الحرام ، والبيت الحرام والبلد الحرام والركن والمقام ، والمشاعر العظام ، وبحق نبيك محمد عليه وآله السلام . يا من وهب لادم شيث ، ولابراهيم إسماعيل وإسحاق ، ويا من رد يوسف على يعقوب ، ويا من كشف بعد البلاء ضر أيوب ، ويا راد موسى على امه ، وزائد الخضر في علمه ، ويا من وهب لداود سليمان ، ولزكريا يحيى ، ولمريم عيسى ، يا حافظ بنت شعيب ، ويا كافل ولد أم موسى عن والدته . أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تغفر لي ذنوبي كلها ، وتجيرني من عذابك ، وتوجب لي رضوانك وأمانك واحسانك وغفرانك وجنانك ، وأسألك أن تفك عني كل حلقة ضيق بيني وبين من يؤذيني ، وتفتح لي كل باب ، وتلين لي كل صعب ، وتسهل لي كل عسير ، وتخرس عني كل ناطق بشر ، وتكف عني كل باغ وتكبت عني كل عدو لي واحاسد ، وتمنع عني كل ظالم ، وتكفيني كل عائق يحول بيني وبين ولدي ويحاول أن يفرق بيني وبين طاعتك ، ويثبطني عن عبادتك . يا من ألجم الجن المتمردين ، وقهر عتاة الشياطين ، وأذل رقاب المتجبرين ، ورد كيد المتسلطين عن المستضعفين ، أسألك بقدرتك على ما تشاء وتسهيلك لما تشاء كيف تشاء أن تجعل قضاء حاجتي فيما تشاء . ثم اسجدي على الأرض وعفري خديك وقولي : ( اللهم لك سجدت وبك آمنت ، فارحم ذلي وفاقتي واجتهادي وتضرعي ومسكنتي وفقري إليك يا رب ) . واجتهدي أن تسح عيناك ولو بقدر رأس الذبابة دموعا ، فان ذلك علامة الاجابة.
واجتهدي في الدعاء أن تسح عيناك ولو قدر رأس الابرة فان ذلك
علامة الاجابة إن شاء الله . رواية اخرى في سجدة هذا الدعاء ما هذا لفظه : ثم
اسجدي على الأرض وعفري خديك وقولي : ( اللهم لك سجدت وبك آمنت ، فارحم ذلي
وخضوعي بين يديك ،
وفقري وفاقتي إليك ، وارحم انفرادي وخشوعي واجتهادي بين يديك وتوكلي عليك ، اللهم بك أستفتح وبك أستنجح وبمحمد عبدك ورسولك ( 1 ) أتوجه إليك . اللهم سهل لي كل حزونة ( 2 ) ، وذلل لي كل صعوبة ، وأعطني من الخير أكثر مما أرجو وعافني من الشر ، واصرف عني السوء . ثم قولي مائة مرة : يا قاضي حوائج الطالبين ، اقض حاجتي بلطفك يا خفي الألطاف ) .
رواية اخرى في سجدة هذا الدعاء ما هذا لفظها : ثم اسجدي على الأرض وعفري خديك ثم قولي في سجودك : ( اللهم لك سجدت ولك صليت وبك آمنت وعليك توكلت ، واحرم ذلي وفاقتي وخضوعي وانفرادي ومسكنتي وفقري وكبوتي لوجهك وإليك يا رب يا رب ) .
أن السماوات والأرض كانتا رتقا والبحار من دونها كان ذلك عند
الله دون حاجتك لسهل الله تعالى الوصول إلى ذلك ، ولو أن الجن والأنس أعداؤك
لكفاك الله مؤونتهم وذلل ( 4 ) رقابهم .
اقول : فإذا علمت ما ذكرنا من هذا الإحتياطات للعبادات والاستظهار في الروايات والسجدات ، ولم يسمح عقلك بالخضوع ولا قلبك بالخشوع ، ولا عينك بالدموع ، فاشتغل بالبكاء على قساوة قلبك ، وغفلتك عن ربك وما أحاط بك من ذنبك ، عن الطمع في قضاء حاجتك التي ذكرتها في دعواتك ، وبادر رحمك الله إلى معالجة داءك وتحصيل شفائك ، فأنت مدنف المرض على شفاء وتب من كل ذنب ، واطلب العفو ممن عودك أنك إذا طلبت العفو منه عفى .
والنساء رعايا للعقلاء ، والرجال قوامون على النساء ، وقبيح بالرئيس أن يكون دون واحد من رعيته . فقال ام جدنا داود رضوان الله عليه : فكتبت هذا الدعاء وانصرفت ودخل شهر رجب وفعلت مثل ما أمرني به ( تعني الصادق عليه السلام - ثم رقدت تلك الليلة ، فلما كان في آخر الليل رأيت محمدا صلى الله عليه وآله وكل من صليت عليهم من الملائكة والنبيين ، ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم يقول ( 1 ) : يا ام داود أبشري وكل منترين من إخوانك - وفي رواية اخرى : من أعوانك وإخوانك وكلهم يشفعون لك ، ويبشرونك بنجح حاجتك وأبشري فان الله تعالى يحفظك ويحفظ ولدك ويرده عليك . قالت : فانتبهت فما لبثت إلا قدر مسافة الطريق من العراق إلى المدينة للراكب المجد المسرع العجل ، حتى قدم علي داود ، فسألته عن حاله فقال : إني كنت محبوسا في أضيق حبس وأثقل حديد
- وفي رواية : وأثقل قيد ( إلى يوم النصف من رجب . فلما كان الليل رأيت في
منامي كأن الأرض قد قبضت لي ، فرأيتك على حصير صلاتك ، وحولك رجال رؤوسهم في
السماء ، وأرجلهم في الأرض يسبحون الله تعالى
حولك ، فقال لي قائل منهم حسن الوجه ، نظيف الثوب ، طيب الرائحة خلت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله : ابشر يا بن العجوزة الصالحة ، فقد استجاب الله لامك فيك دعاءها . فانتبهت ورسل المنصور على الباب ، فادخلت عليه في جوف الليل فأمر بفك الحديد عني والاحسان إلي وأمر لي بعشرة آلاف درهم ، وحملت على نجيب وسوقت بأشد السير وأسرعه ، حتى دخلت المدينة ، قالت أم داود : فمضيت به إلى أبي عبد الله ( 1 ) عليه السلام ، فقال عليه السلام : إن المنصور رأى أمير المؤمنين عليا عليه السلام في المنام يقول له : أطلق ولدي وإلا القيتك في النار ، ورأى كأن تحت قدميه النار ، فاستيقظ وقد سقط في يديه فأطلقك يا داود . قالت ام داود : فقلت لأبي عبد الله عليه السلام : يا سيدي أيدعي بهذا الدعاء في غير رجب ؟ قال : نعم ، يوم عرفة ، وإن وافق ذلك يوم الجمعة لم يفرغ صاحبه منه حتى يغفر الله له ، وفي كل شهر إذا أراد ذلك صام الأيام البيض ودعا به في آخرها كما وصفت . وفي روايتين : قال : نعم في يوم عرفة ، وفي كل يوم دعا ، فان الله يجيب إن شاء الله تعالى ( 2 ) .
الاجابة على بساط الانابة ، فهو في حكم الآية الباهرة لقدرة
الله جل جلاله القاهرة والمعجزة لمحمد صلى الله عليه وآله وتصديق رسالته
الطاهرة . ومن المعجزات : ان سرعة اجابتها على مراها من حاجتها ( 1 ) فيه تصديق للقرآن الشريف باجابة الداعي إذا دعاه وتصديق رسول الله ( 2 ) صلوات الله عليه وآله الذي أتى به القرآن ودعاه ( 3 ) ورعاه . ومن المعجزات : تعريف الصادق عن الله جل جلاله باسرار الدعاء المشار إليه قبل اظهار اسراره وتصديق الله جل جلاله بما تفضل به سبحانه من مباره ومساره . ومن العنايات بجدنا داود وامه جدتنا رضوان الله جل جلاله عليهما وظهور توفيقهما والعناية بنا بطريقهما ، تعريف جدنا داود وهو بالعراق جواب دعاء والدته بالمدينة الشريفة في سرعة تلك الأوقات اللطيفة . ومن العنايات بها : ان هذا السر الإلهي المودع في هذا
الاستفتاح كان مصونا عند اهل الفلاح ، حتى وجد مولانا الصادق وآية في صلاح أمرها وجبر كسرها . ومن العنايات بها : ان ام
موسى عليه السلام خصها الله جل جلاله بالوحي إليها ووقفها كانت لما القته في البحر قد علمت انه حصل ولدها في يد الأعداء
بل في وديعة ربها ، وام داود لم تكن ممن يحصل لها الانس بالوحي إليها ولا الثقة
بسلامة ولدها واعادته عليها ، وربط الله جل جلاله على قلبها عند ظفر الأعداء بولدها وهو واحدها وقطعة كبدها . اقول : وام موسى عليه السلام أفضل من أم داود في غير هذه العنايات وابلغ في السعادات لتخصيص الله جل جلاله بالوحي إليها ولقبولها والقاء ولدها الى هول البحر بيديها ، ولأجل ولادتها لموسى عليه السلام العظيم الشأن وصيانتها لاسرار الله تعالى في السر والاعلان .
فانها من جملة الآيات لله جل جلاله والمعجزات لرسوله صلوات الله عليه والكرامات للصادقين عليهم افضل الصلوات ، فنور هذه المنيعة باق مع بقاء العاملين بها والموفقين لها .
|
|