|
|
فصل ( 21 ) فيما نذكره من فضل السحور في شهر رمضان فمن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني ، وإلى
أبي جعفر بن بابويه رحمهما الله ، باسنادهما الى جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم
السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تدع
امتي السحور ، ولو على حشفة تمرة ( 1 )
فمن ذلك ما رويناه باسنادنا الى محمد بن يعقوب باسناده الى
أبى يحيى الصنعاني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما من مؤمن صام فقرء :
( إنا أنزلناه في ليلة
القدر ) عند سحوره وعند افطاره ، الا كان
فيما بينهما كالمتشحط بدمه في سبيل الله .
واما آداب السحور : فمنها : أن يكون لك حال مع الله جل جلاله ، تعرف بها انه يريد انك تتسحر ، وبماذا تتسحر ، ومقدار ما تتسحر به ، فذلك يكون من اعظم سعادتك ، حيث نقلك الله جل جلاله برحمته من معاملة شهوتك وطبيعتك الى تدبيره جل جلاله في ارادتك . ومنها : ان لا يكون لك معرفة بهذه الحال ولا تصدق بها حتى تطلبها من باب الكرم والافضال ، فلا تتسحر سحورا يثقلك عن تمام وظائف الاسحار ، وعن لطائف الطاعات في اقبال النهار .
أقول : فاما قصد الصائم في السحور ، فأن يكون مراده امتثال امر الله جل جلاله بسحوره ، وشكره الله له على ما جعله اهلا له بتدبيره ، وان يتقوى بذلك الطعام على مهام الصيام ، وان يعبد الله تعالى بهذه المرادات ، لانه جل جلاله اهل للعبادات .
أقول : اني وجدت في بعض الاخبار ان النية تكون أوائل اول ليلة من شهر رمضان ، وإذا كان الصوم نهارا فان مقتضى الاستظهار ان تكون النية قبل ابتداء النهار لتكون في وجه الصوم ، وقبل ان تدخل بين النية وبين الدخول في الصوم شواغل الغفلة وسوء معاملات الاسرار . ويكون القصد بنية الصوم انك
تعبد الله جل جلاله بصومك واجبا لانه اهل للعبادة ، وتعتقد انه من اعظم المنة
عليك ، حيث جعلك الله اهلا لهذه السعادة ، سواء
قصدت بالنية الواحدة صوم الشهر كله ، أو جددت كل يوم نية لصوم ذلك اليوم ، ليكون ابلغ لك في الظفر بفضله ، وان تهيأ ان تكون نيتك ان تصوم عن كل ما شغل عن الله ، فذلك الصوم الذي تنافس المخلصون في مثله .
التجارة المربحة ، والمطالب المنجحة . أقول : وقد يدخل في نيات اهل الصيام اخطار ، بعضها يفسد حال
الصيام ، وبعضها ينقصه عن التمام ، وبعضها يدنيه من باب القبول ، وبعضها يكمل
له شرف المأمول ، وهم أصناف : صنف منهم : الذين يقصدون بالصوم طلب الثواب ، ولولاه ما صاموا ولا عاملوا به رب الأرباب ، فهؤلاء معدودون من عبيد السوء ، الذين اعرضوا عما سبق لمولاهم ، من الانعام عليهم وعما حضر من احسانه إليهم ، وكأنهم انما يعبدون الثواب المطلوب وليسوا في الحقيقة عابدين لعلام الغيوب ، وقد كان العقل قاضيا ان يبذلوا ما يقدرون عليه من الوسائل ، حتى يصلحوا للخدمة لمالك النعم الجلائل .
وصنف : صاموا لأجل أنهم سمعوا ان الصوم واجب في الشريعة المحمدية صلى الله عليه وآله ، فكأن صومهم بمجرد هذه النية من غير معرفة بسبب الايجاب ، ولا ما عليهم لله جل جلاله من المنة في تعريضهم بسعادة الدنيا ويوم الحساب ، فلا يبعد ان يكونوا متعرضين للعتاب .
فحالهم في الدرجات على قدر استمرار المراقبات ، فهم بين متصل
الاقبال مكاشف ذلك الجلال ، وبين متعثر باذيال الاهمال اختلاف ارادتهم . فارحم روحك ايها العبد الضعيف الذي قد احاط به التهديد والتخويف ، وعرض عليه التعظيم والتبجيل والتشريف .
|
|