|
|
فصل ( 3 ) فيما نذكره من علل التشريف بتكليف الصيام اعلم ان اصل علة التكليف انه تشريف لعبادة من يستحق العبادة ، لانه جل جلاله أهل لها ، فهذه العلة الاصلية في التكاليف الإلهية . واما تعيين وجه اختيار الله جل جلاله من العبد ان تكون خدمته له بجنس من الطاعات وعلى وجه متعين في بعض الأوقات ، فهذا طريقة عن العالم بالغائبات على لسان رسله عليهم السلام ، وعلى لسان ملائكته ومن شاء من خاصته عليهم افضل الصلوات . فمما رويناه في علة التشريف بالصيام بطرق كثيرة في عدة احاديث : منها ما رويناه باسنادنا الى جدي أبي جعفر الطوسي ، باسناده الى الشيخين المعتمدين علي بن حاتم القزويني في كتابه كتاب علل الشريعة ، الى الشيخ أبي جعفر
محمد بن بابويه مما ذكره في كتاب من لا يحضره الفقيه ، فقالا جميعا باسنادهما الى هشام بن الحكم انه سئل ابا عبد الله عليه السلام عن علة الصيام فقال : انما فرض الله الصيام ليستوي ( 1 ) به الغني والفقير ، وذلك ان الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير ، لان الغني كلما اراد شيئا قدر عليه ، فاراد الله عزوجل ان يسوي بين خلقه ، وان يذيق الغني مس الجوع والالم ، ليرق على الضعيف ويرحم الجائع . ( 2 )
لاي شئ فرض الله عزوجل الصوم على امتك بالنهار ثلاثين يوما ، وفرض على الامم أكثر من ذلك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : ان آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ، ففرض الله على ذريته الجوع والعطش ، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزوجل عليهم ، وكذلك كان
على آدم ، ففرض الله ذلك على امتي ، ثم تلا هذه الآية : فما جزاء من صامها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا الا اوجب الله عزوجل له سبع خصال : اولها : يذوب ( 4 ) الحرام في جسده ، والثانية : لا يبعد من رحمة الله تعالى ، والثالثة : يكون قد كفر خطيئة ابيه آدم ، والرابعة : يهون الله عزوجل عليه سكرات الموت ، والخامسة : امان من الجوع والعطش يوم القيامة ، والسادسة : يعطيه الله عزوجل براءة من النار ، والسابعة : يطعمه الله من طيبات الجنة ، قالت اليهود : صدقت يا محمد . ( 5 )
الباب الثاني فيما نذكره من الرواية بان اول السنة شهر رمضان واختلاف القول في الكمال والنقصان فمما رويناه في ذلك بعدة اسانيد الى مولانا الصادق عليه السلام انه قال : إذا سلم شهر رمضان سلمت السنة ، وقال : رأس شهر رمضان . ( 1 ) وروينا باسنادنا الى محمد بن يعقوب الكليني من كتاب الكافي باسناده الى أبي عبد الله عليه السلام قال : ان الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض ، فغرة الشهور ( 2 ) شهر الله عزوجل وهو شهر رمضان ، وقلب شهر رمضان ليلة القدر ، ونزل القران في اوله ليلة شهر رمضان ، وقلب شهر رمضان ليلة القدر ، ونزل القرآن في اول ليلة شهر رمضان ، فاستقبل ( 3 ) الشهر بالقرآن . ( 4 ) رويناه ايضا عن أبي جعفر بابويه من كتاب لا يحضره الفقيه . ( 5 ) ومن ذلك ما رويناه باسنادنا الى علي بن فضال من كتاب الصيام باسناده الى ابن
أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : شهر رمضان رأس السنة . ( 1 ) وبهذا الاسناد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا سلم شهر رمضان سلمت السنة .
واعلم انني وجدت الروايات مختلفات في انه هل اول السنة المحرم
أو شهر رمضان ، لكنني رأيت من عمل من أدركته الصيام اول العام في عبادات الاسلام ، والمحرم اول السنة في غير ذلك من
التواريخ ومهام الانام . لان ( 3 ) الله جل فلسان حال هذا التعظيم كالشاهد لشهر رمضان بالتقديم . ولانه لم يجر لشهر من شهور السنة ذكر باسمه في القرآن وتعظيم امره الا لهذا الشهر ، شهر الصيام ، وهذا الاختصاص بذكره كأنه ينبه - والله اعلم - على تقديم امره . ولانه إذا كان اول السنة شهر الصيام ، وفيه ما قد اختص به من العبادات التي ليست في
غيره من الشهور والايام ، فكأن ( 5 ) الانسان قد
استقبل اول السنة بذلك الاستعداد والاجتهاد ، فيرجى ان يكون باقي السنة جاريا
على السداد والمراد ، ظاهر دلائل المعقول وكثير من المنقول ان ابتداءات الدخول
في الاعمال ، هي اوقات التأهب والاستظهار لأوساطها ولأواخرها على كل حال .
ولان فيه ليلة القدر التي يكتب فيها مقدار الآجال واطلاق الآمال ، وذلك منبه على ان شهر الصيام هو اول السنة ، فكأنه فتح لعباده في اول دخولها أن يطلبوا اطول ( 1 ) آجالهم وبلوغ آمالهم ، ليدركوا آخرها ويحمدوا مواردها ومصادرها .
النبوية ، وحسبك شاهدا وتنبيها وآكدا ، ما تضمنته
الادعية المنقولة في اول شهر رمضان بانه اول السنة على التعيين ينقص ابد الآبدين ، فانهم كانوا قبل الآن مختلفين ، واما الان فلم اجد ممن شاهدته أو سمعت به في زماننا ، وان كنت ما رأيته انهم يذهبون الى ان شهر رمضان لا يصح عليه النقصان ، بل هو كسائر الشهور في سائر الازمان . ولكنني اذكر بعض ما عرفته مما كان جماعة من علماء اصحابنا معتقدين له وعاملين
عليه ، من ان شهر رمضان لا ينقص ابدا عن ادعى وحدث هذا القول وقلة القائلين به ما هذا لفظه المفيد : مما يدل على كذبه وعظم بهته أن فقهاء عصرنا هذا ، وهو سنة ثلاث وستين وثلاثماة ، ورواته وفضلاؤه ، وان كانوا اقل عددا منهم في كل عصر مجمعون عليه ويتدينون به ويفتون بصحته وداعون الى صوابه ، كسيدنا وشيخنا الشريف الزكي ابي محمد الحسيني ادام
الله عزه ، وشيخنا الثقة الفقيه ابي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه
ايده الله تعالى ، وشيخنا الفقيه ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، وشيخنا ابي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين ايدهما الله ، وشيخنا ابي محمد هارون بن موسى ايده الله . أقول أنا : ومن أبلغ ما رأيته ورويته في كتاب الخصال للشيخ أبي جعفر محمد بن بابويه رحمه الله ، وقد أورد أحاديث بان شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوما ، وقال ما هذا لفظه : قال مصنف هذا الكتاب : مذهب خواص الشيعة واهل الاستبصار منهم في شهر رمضان انه لا ينقص عن ثلاثين يوما ابدا ، والاخبار في ذلك موافقة لكتاب ومخالفة للعامة ، فمن ذهب من ضعفة الشيعة الى الأخبار التي وردت للتقية في انه ينقص ويصيبه ما يصيب الشهور من النقصان والتمام ، اتقي كما تتقي العامة ، ولم يكلم الا بما يكلم به العامة ولا حول ولا قوة الا بالله - هذا آخر لفظه . ( 1 )
قدمنا ذكره قد انتصر فيه لاستاده وشيخه جعفر بن قولويه ، ويرد على محمد بن احمد بن داود القمي ، وذكر فيه ان شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين وتأول اخبارا ذكرها تتضمن انه يجوز ان يكون تسعا وعشرين .
ووجدت تصنيفا للشيخ محمد بن علي الكراجكي يقتضي انه قد كان في اول امره قائلا بقول جعفر بن قولويه في العمل على ان شهر الصيام لا يزال ثلاثين على التمام ، ثم رأيت له مصنفا آخر سماه الكافي في الاستدلال ، قد نقض فيه على من قال بانه لا ينقص عن ثلاثين واعتذر عما كان يذهب إليه ، ويذهب الى انه يجوز ان يكون تسعا وعشرين .
عصره في معرفة العلوم القديمة باسرها ، ثم ذكر كتبه في فنون عظيمة من العلوم ، وقال في كتبه النجوميات كتاب رسالته في ان رؤية الهلال لا تنضبط بالحقيقة وانما القول فيها بالتقريب - هذا آخر لفظه . أقول : وقد روينا من كتاب من لا يحضره الفقيه لأبي جعفر محمد بن بابويه رضوان
الله عليه ، ان الهلال قد يستتر عن الناس عقوبة لهم في عيد شهر رمضان وفي عيد الأضحى ، فقال ما هذا لفظه باسناده عن رزين قال : قال أبو عبد الله عليه السلام . لما ضرب الحسين بن علي عليهما السلام بالسيف وسقط ثم ابتدروا قطع رأسه ، نادى مناد من بطنان العرش : الا ايتها الامة المتحيرة الضالة بعد نبيها لاوفقكم الله لأضحى ولا فطر - وفي خبر آخر : لصوم ولا فطر - قال : ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : فلا جرم والله ما وفقوا ولا يوفقون حتى يثور ثائر ( 1 ) الحسين عليه السلام . ( 2 ) .
|
|