- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 193 : -

الباب الخامس فيما نذكره من سياقة عمل الصائم في نهاره وفيه فصول :

فصل ( 1 ) فيما نذكره في اول يوم من الشهر من الرواية بالغسل فيه وهو ما رويناه باسنادنا الى سعد بن عبد الله ، عن علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم انه قال : من اغتسل اول يوم من السنة ، في ماء جار ، وصب على رأسه ثلاثين غرفة ، كان دواء لسنته ، وان اول كل سنة اول يوم من شهر رمضان . ( 1 )


ورويت من كتاب جعفر بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام : ان من ضرب وجهه بكف ماء ورد أمن ذلك اليوم من المذلة والفقر ، ومن وضع على رأسه من ماء ورد ، أمن تلك السنة من البرسام ، فلا تدعوا ما نوصيكم به . ( 2 )


أقول : لعل خاطر بعض من يقف على هذه الرواية يستبعد ما تضمنته من العناية ، ويقول : كيف يقتضي ثلاثون غرفة من الماء استمرار العافية طول سنته وزوال اخطار الأدواء .
 

 

* ( هامش ) *
 1 - عنه الوسائل 3 : 326 ، البحار 97 : 350 .
 2 - عنه الوسائل 3 : 326 ، البحار 76 : 144 ، 97 : 350 ، رواه السيد في امان الاخطار : 36 . ( * )

 

 

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 194 : -

فاعلم ان كل مسلم فانه يعتقد ان الله جل جلاله يعطي على الحسنة الواحدة في دار البقاء ، من الخلود ودوام العافية وكمال النعماء ، ما يحتمل أن يقدم لهذا العبد المغتسل في دار الفناء بعض ذلك العطاء ، وهو ما ذكره من العافية والشفاء .



فصل ( 2 ) فيما نذكره من صوم الاخلاص وحال اهل الاختصاص من طريق الاعتبار

اعلم ان اصل الاعمال والذي عليه مدار الأفعال ، ينبغي ان يكون هو محل التنزيه عن الشوائب والنقصان ، ولما كان صوم شهر رمضان مداره على معاملة العقول والقلوب لعلام الغيوب ، وجب أن يكون اهتمام خاصته جل جلاله وخالصته بصيام

العقل والقلب عن كلما يشغل عن الرب . فان تعذر استمرار هذه المراقبة في سائر الأوقات لكثرة الشواغل والغفلات ، فلا اقل ان يكون الانسان طالبا من الله جل جلاله ان يقويه على هذه الحال ، ويبلغه صفات أهل الكمال ، وان يكون خائفا من

التخلف عن درجات أهل السباق ، مع علمه بامكان اللحاق . فانه قد عرف ان جماعة كانوا مثله من الرعية للسياسة العظيمة النبوية ، بلغوا غايات من المقامات العاليات ، وفيهم من كان غلاما ، ما يخدم اولياء الله جل جلاه في الابواب ، وما كان

جليسا ولا نديما لهم ، ولا ملازما في جميع الاسباب ، فما الذي يقتضي ان يرضي من جاء بعدهم بالدون وبصفقة المغبون ، واقل مراتب المراد منه ان يجري الله جل جلاله ورسوله صلوات الله عليه ، مجرى صديق يحب القرب منه ، ويستحيي منه

، وهو حاذر من الاعراض عنه . فإذا قال العبد : ما اقدر على هذا التوفيق ، وهو يقدر عليه مع التصديق ، فهو يعلم من نفسه انه ما كفاه الرضا بالنقصان والخسران ، حتى صار يتلقى الله جل جلاله ورسوله وآله عليهم السلام ، بالبهتان الكذب والعدوان .
 

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 195 : -

فصل ( 3 ) فيما نذكره من صفات كمال الصوم من طريق الاخبار

رويت ذلك عن جماعة من الشيوخ المعتبرين الى جماعة من العلماء الماضين ، وانا أذكر لفظ محمد بن يعقوب الكليني
رضي الله عنه وعنهم اجمعين ، فقال باسناده في كتاب الصوم من كتاب الكافي الى محمد بن مسلم ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك ، وعد اشياء غير هذا ، وقال : لا يكون يوم صومك كيوم فطرك . ( 1 )


وباسنادنا محمد بن يعقوب في كتابه الى جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ان الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، ثم قال : قالت مريم : ( إني نذرت للرحمن صوما ) ( 2 ) أي صمتا ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم

وغضوا أبصاركم ، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ، قال : وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تسب جارية لها وهي صائمة ، فدعا رسول صلى الله عليه وآله بطعام فقال : كلي ، فقالت : اني صائمة ، فقال : كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك ، ان الصوم ليس من الطعام والشراب .


قال : وقال أبو عبد الله عليه السلام : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح ، ودع المراء وأذى الخادم ، وليكن عليك وقار الصيام ، ولا تجعل يوم صومك يوم فطرك . ( 3 )


ورأيت في اصل من كتب اصحابنا قال : وسمعت ابا جعفر عليه السلام يقول : ان الكذبة ليفطر الصيام ، والنظرة والظلم كله ، قليله وكثيره . ( 4 )
 

 

* ( هامش ) *
 1 - عنه البحار 97 : 351 ، أورده الكليني في الكافي 4 : 87 ، رواه الصدوق في الفقيه 2 : 109 ، والشيخ في التهذيب 4 : 194 ،
      المفيد في المقنعة : 49 ، عنهم الوسائل 10 : 161 . رواه في البحار 96 : 292 ، عن كتاب حسين بن سعيد .
 2 - مريم : 26 .
 3 -
عنه البحار 97 : 351 رواه الشيخ في مصباح المتهجد 2 : 627 ، والكليني في الكافي 4 : 87 ،
      ذكر صدره الشيخ في اماليه ، عنه البحار 96 : 294 ، عن كتاب حسين بن سعيد .
 4 - عنه الوسائل 10 : 34 ، 10 : 165 ، البحار 97 : 351 . ( * )

 

 

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 196 : -

ومن كتاب علي بن عبد الواحد النهدي رحمه الله باسناده الى عثمان بن عيسى ، عن محمد بن عجلان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ليس الصيام من الطعام والشراب أن لا يأكل الانسان ولا يشرب فقط ، ولكن إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك وبطنك وفرجك ، واحفظ يدك وفرجك ، واكثر السكوت الا من خير ، وارفق بخادمك . ( 1 )


ومن كتاب النهدي باسناده الى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيسر ما افترض الله على الصائم في صيامه ترك الطعام والشراب . ( 2 )


أقول : فانظر الى قول النبي صلى الله عليه وآله : ان أيسر واجبات الصوم ترك المطعوم والمشروب ، وانت تقول : أهمه ترك ذلك ، ففارقت سبيل علام الغيوب . أقول : والاخبار كثيرة في هذا الباب ، فينبغي لذوي الألباب حيث قد عرفوا ان

صوم الجوارح وصونها عن السيئات من جملة المهمات ان يراعوا جوارحهم مراعات الراعي الشفيق على رعيته ، وان يحفظوها من كل ما يفطرها ، ويخرجها عن قبول عبادته ، والا فليعلم من كان عارفا بشروط كمال الصيام ويرضى لنفسه

بالاهمال ، انه مستخف بصومه ومخاطره بما يتعب فيه من الاعمال . وليكن على خاطره ان بقسم الغفلة والذنوب يطوف
حول أعماله ، ويحاول أن يحول بينه وبين مالك إقباله ، فيمسي في صيامه في كثير من الأوقات ، وقلبه قد أفطر بالخيانات

والغفلات ، ولسانه قد أفطر بالكلام بالغيبة ، أو بمعونة ظالم أو بكذب أو تعمد إثم ، وبما لا يليق بالمراقبات ، وعينه قد أفطرت بالنظر إلى ما لا يحل عليه ، أو بالغفلة عن مراعات المنعم الذي يتواصل إحسانه إليه . وسمعه قد أفطر بسماع ما

لا يجوز الاصغاء إليه ، ويده قد أفطرت باستعمالها فيما لم تخلق لأجله ، وقدمه قد افطرت بالسعي بما لا يقربه الى مولاه والدخول تحت ظله ، وهو
 

 

* ( هامش ) *
 1 - عنه الوسائل 10 : 165 ، البحار 97 : 352 .
 2 - عنه الوسائل 10 : 365 ، 10 : 165 ، رواه المفيد في المقنعة : 50 ، عنه الوسائل 10 : 164 . ( * )

 

 

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 197 : -

مع هذا لا يرى افطار جوارحه وتلف مصالحه واشتهاره عند الله جل جلاله وعند خاصته بفضائحه .

فليحذر عبد من مولاه أن ينفذ في شغل ليقضيه ، ونفعه عائد الى العبد في دنياه وآخرته ، فيخون في أكثر الشغل الذي نفذ فيه وسيده ينظر إليه ، وهو يعلم انه مطلع عليه وعلى سوء مساعيه .



 
 

الصفحة الرئيسية

 

أعمال شهر رمضان