|
|
الباب الخامس فيما نذكره من سياقة عمل الصائم في نهاره وفيه فصول : فصل ( 1 ) فيما نذكره في اول يوم من الشهر من الرواية بالغسل فيه وهو ما رويناه باسنادنا الى سعد بن عبد الله ، عن علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم انه قال : من اغتسل اول يوم من السنة ، في ماء جار ، وصب على رأسه ثلاثين غرفة ، كان دواء لسنته ، وان اول كل سنة اول يوم من شهر رمضان . ( 1 )
فاعلم ان كل مسلم فانه يعتقد ان الله جل جلاله يعطي على الحسنة الواحدة في دار البقاء ، من الخلود ودوام العافية وكمال النعماء ، ما يحتمل أن يقدم لهذا العبد المغتسل في دار الفناء بعض ذلك العطاء ، وهو ما ذكره من العافية والشفاء .
اعلم ان اصل الاعمال والذي عليه مدار الأفعال ، ينبغي ان يكون هو محل التنزيه عن الشوائب والنقصان ، ولما كان صوم شهر رمضان مداره على معاملة العقول والقلوب لعلام الغيوب ، وجب أن يكون اهتمام خاصته جل جلاله وخالصته بصيام العقل والقلب عن كلما يشغل عن الرب . فان تعذر استمرار هذه المراقبة في سائر الأوقات لكثرة الشواغل والغفلات ، فلا اقل ان يكون الانسان طالبا من الله جل جلاله ان يقويه على هذه الحال ، ويبلغه صفات أهل الكمال ، وان يكون خائفا من التخلف عن درجات أهل السباق ، مع علمه بامكان اللحاق . فانه قد عرف ان جماعة كانوا مثله من الرعية للسياسة العظيمة النبوية ، بلغوا غايات من المقامات العاليات ، وفيهم من كان غلاما ، ما يخدم اولياء الله جل جلاه في الابواب ، وما كان جليسا ولا نديما لهم ، ولا ملازما في جميع الاسباب ، فما الذي يقتضي ان يرضي من جاء بعدهم بالدون وبصفقة المغبون ، واقل مراتب المراد منه ان يجري الله جل جلاله ورسوله صلوات الله عليه ، مجرى صديق يحب القرب منه ، ويستحيي منه ، وهو حاذر من الاعراض عنه . فإذا قال العبد : ما اقدر على
هذا التوفيق ، وهو يقدر عليه مع التصديق ، فهو يعلم من نفسه انه ما كفاه الرضا
بالنقصان والخسران ، حتى صار يتلقى الله جل جلاله ورسوله وآله عليهم السلام ،
بالبهتان الكذب والعدوان .
فصل ( 3 ) فيما نذكره من صفات كمال الصوم من طريق الاخبار رويت ذلك عن جماعة من الشيوخ المعتبرين الى جماعة من العلماء
الماضين ، وانا أذكر لفظ محمد بن يعقوب الكليني
وغضوا أبصاركم ، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ، قال : وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تسب جارية لها وهي صائمة ، فدعا رسول صلى الله عليه وآله بطعام فقال : كلي ، فقالت : اني صائمة ، فقال : كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك ، ان الصوم ليس من الطعام والشراب .
ومن كتاب علي بن عبد الواحد النهدي رحمه الله باسناده الى عثمان بن عيسى ، عن محمد بن عجلان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ليس الصيام من الطعام والشراب أن لا يأكل الانسان ولا يشرب فقط ، ولكن إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك وبطنك وفرجك ، واحفظ يدك وفرجك ، واكثر السكوت الا من خير ، وارفق بخادمك . ( 1 )
صوم الجوارح وصونها عن السيئات من جملة المهمات ان يراعوا جوارحهم مراعات الراعي الشفيق على رعيته ، وان يحفظوها من كل ما يفطرها ، ويخرجها عن قبول عبادته ، والا فليعلم من كان عارفا بشروط كمال الصيام ويرضى لنفسه بالاهمال ، انه مستخف
بصومه ومخاطره بما يتعب فيه من الاعمال . وليكن على خاطره ان بقسم الغفلة
والذنوب يطوف والغفلات ، ولسانه قد أفطر بالكلام بالغيبة ، أو بمعونة ظالم أو بكذب أو تعمد إثم ، وبما لا يليق بالمراقبات ، وعينه قد أفطرت بالنظر إلى ما لا يحل عليه ، أو بالغفلة عن مراعات المنعم الذي يتواصل إحسانه إليه . وسمعه قد أفطر بسماع ما لا يجوز الاصغاء إليه ، ويده قد أفطرت باستعمالها فيما لم
تخلق لأجله ، وقدمه قد افطرت بالسعي بما لا يقربه الى مولاه والدخول تحت ظله ،
وهو
مع هذا لا يرى افطار جوارحه وتلف مصالحه واشتهاره عند الله جل جلاله وعند خاصته بفضائحه . فليحذر عبد من مولاه أن ينفذ في شغل ليقضيه ، ونفعه عائد الى العبد في دنياه وآخرته ، فيخون في أكثر الشغل الذي نفذ فيه وسيده ينظر إليه ، وهو يعلم انه مطلع عليه وعلى سوء مساعيه .
|
|