|
|
الباب السادس فيما نذكره من وظائف الليلة الثانية من شهر رمضان ويومها وفيه فصول :
اعلم أن للصائم معاملة كلف باستمرارها قبل صومه ، ومع صومه ، وبعد صومه ، فهي مطلوبة منه قبل الافطار ، ومعه وبعده ، في الليل والنهار ، وهي طهارة قلبه مما يكرهه مولاه ، واستعمال جوارحه فيما يقربه من رضاه ، فهذا أمر مراد من العبد مدة مقامه في دنياه . وأما المعاملة المختصة بزيادة شهر رمضان ، فان العبد إذا كان مع الله جل جلاله ، يتصرف بأمره في الصوم والافطار ، في السر والاعلان ، فصومه طاعة سعيدة ، وإفطاره بأمر الله جل جلاله عبادة أيضا جديدة . فيكون خروجه من الصوم إلى حكم الافطار ، خروج ممتثل أمر الله
جل جلاله ، وتابع لما يريده منه من الاختيار ، متشرفا ومتلذذا ، كيف ارتضاه
سلطان الدنيا والآخرة أن يكون في بابه ، ومتعلقا على خدمته ، ومنسوبا إلى دولته
القاهرة ، وكيف وفقه للقبول منه ، وسلمه من خطر الاعراض عنه .
وإياه وأن يعتقد أنه بدخول وقت الافطار قد تشمر من حضرة المطالبة بطهارة الأسرار ، واصلاح الأعمال في الليل والنهار ، وهو يعلم أن الله جل جلاله ما شمره إلا مزيد دوام إحسانه إليه ، وإقباله بالرحمة عليه . وكيف يكون العبد مهونا باقبال مالك حاضر محسن إليه ، ويهون من ذلك ما لم يهون ، ألم يسمع مولاه يقول : ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) .
اعلم أنه إذا دخل صلاة المغرب على اليقين ، فقد جاز إفطار الصائمين ما لم يشغل الافطار عما هو أهم منه من عبادات رب العالمين . فان اجتمعت مراسم الله جل جلاله على العبد عند دخول وقت العشاء ، فليبدء بالأهم فالأهم ، متابعة لمالك الأشياء ، ولئلا يكون المملوك متصرفا في ملك مالكه بغير رضاه ، فكأنه يكون قد غصب الوقت ، وما يعمله فيه من يد صاحبه ، وتصرف فيما لم يعطه إياه ، فاياه أن يهون بهذا وأمثاله ثم إياه .
أقول : قد وردت الروايات متناصرة عن الأئمة عليهم أفضل
الصلوات ، أن إفطار الانسان في شهر رمضان بعد تأدية صلاته أفضل له وأقرب إلى
قبول عباداته . فمن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى علي بن فضال ، من كتاب الصيام ،
عن أبي عبد الله
عليه السلام قال : يستحب للصائم إن قوي على ذلك أن يصلي قبل أن يفطر ( 1 ) .
|
|