- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 237 : - |
فصل ( 4 ) فيما نذكر من آداب أو دعاء وقراءة
يعملها ويقولها قبل الافطار .
فمن الاداب عند الطعام : ما رويناه باسنادنا إلى أبي علي
الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، من كتاب الاداب الدينية ، فيما رواه عن جدنا
الحسن السبط الممتحن بمقاساة الدولة الاموية ، صلوات الله على روحه العظيمة
العلية ، فقال : قال
الحسن ابن علي بن أبي طالب عليه السلام : في المائدة أثنتا
عشرة خصلة تجب على كل مسلم أن يعرفها : أربع منها فرض ، وأربع منها سنة وأربع
منها تأديب . فأما الفرض : فالمعرفة ، والرضا ، والتسمية ، والشكر ، وأما السنة
: فالوضوء قبل
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 238 : - |
الطعام ، والجلوس على الجانب الأيسر ، والأكل بثلاث أصابع ،
ولعق الاصابع ، وأما التأديب : فالأكل مما يليه ، وتصغير اللقمة ، والمضغ
الشديد ، وقلة النظر في وجوه الناس . ( 1 )
أقول : ومن آداب شرب الذي يريد الشراب وأكل الطعام أن يستحضر المنة لله جل
جلاله عليه ، كيف أكرمه أو أزاحه
( 2 )عن استخدامه في كل ما احتاج إلى الطعام والشراب إليه ، مذ يوم خلق
ذلك إلى حين يتقدم بين يديه . فانه جل جلاله
استخدم فيما يحتاج الانسان إليه الملائكة الموكلين بتدبير الأفلاك
والأرضين ، والأنبياء والأوصياء ، ونوابهم الموكلين بتدبير مصالح الادميين
والملوك . والسلاطين ، ونوابهم وجنودهم الذين يحفظون بيضة الاسلام ، حتى يتهيأ
الوصول إلى الطعام ،
واستخدام كل من تعب في طعامه من أكار ( 3 )
ونجار وحدادين ، وحطابين ، وخبازين ، وطباخين ، ومن يقصر عن حصرهم بيان الأقلام
ولسان حال الأفهام . وكيف يحسن من عبد يريحه سيده من جميع هذا التعب والعناء ،
ويحمل إليه
طعامه ، وهو مستريح من هذا الشقاء ، فلا يرى له في ذلك منة كبيرة ولا
صغيرة ، أفما يكون كأنه ميت القلب والعقل ، أعمى عن نظر
هذه النعم الكثيرة .
ومن الدعاء عند أكل الطعام :
ما رويناه باسنادنا إلى الطبرسي ، عمن رواه عن الأئمة عليهم
أفضل الصلاة والسلام ، قال : يقول عند تناول الطعام :
|
الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، ويجير
ولا يجار عليه ، ويستغني ويفتقر إليه ، اللهم لك الحمد على ما رزقني من
طعام
وادام ، في يسر منك وعافية ، من غير
كد مني ومشقة . بسم الله خير الأسماء ، بسم الله رب الأرض والسماء ،
بسم
الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض
ولا في السماء ، وهو السميع العليم ، اللهم أسعدني من مطعمي هذا بخيره
، وأعذني من شره ، وأمتعني بنفعه ،
وسلمني من ضره . ( 3 )
3
- عنه البحار 98 : 10 .
|
|
|
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 239 : - |
ومن الدعاء المختص بالافطار في شهر
الصيام :
وما رويناه باسنادنا إلى المفضل بن عمر رحمه الله قال : قال
الصادق عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين عليه
السلام : يا أبا الحسن هذا شهر رمضان قد أقبل ، فاجعل دعاءك قبل فطورك ، فان
جبرئيل عليه السلام
جاءني فقال : يا محمد من دعا بهذا الدعاء في شهر رمضان قبل أن
يفطر ، استجاب الله تعالى دعاءه ، وقبل صومه وصلاته ، واستجاب له عشر دعوات ،
وغفر له ذنبه ، وفرج همه ، ونفس كربته ، وقضى حوائجه ، وأنجح طلبته ، ورفع عمله
مع أعمال النبيين والصديقين ، وجاء يوم القيامة ووجهه أضواء
من القمر ليلة البدر ، فقلت : ما هو يا جبرئيل ؟ فقال : قل :
|
اللهم رب النور العظيم ، ورب
الكرسي الرفيع ، ورب البحر المسجور ، ورب الشفع الكبير ، والنور العزيز
، ورب
التوراة والإنجيل والزبور ، والفرقان
العظيم . أنت إله من في السموات وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك ،
وإنت جبار من في السموات وجبار من في
الأرض لا جبار فيهما غيرك ، أنت ملك من في السموات ، وملك من في
الأرض ، لا ملك فيهما غيرك ، أسألك
باسمك الكبير ، ونور وجهك المنير ، وبملكك القديم . يا حي يا قيوم ، يا
حي
يا قيوم يا حي يا قيوم ، أسألك باسمك
الذي أشرق به كل شئ ، وباسمك الذي أشرقت به السموات والأرض ، وباسمك
الذي صلح به الأولون ، وبه يصلح
الاخرون . يا حيا قبل كل حي ، ويا حيا بعد كل حي ، ويا حي لا إله إلا
أنت صل
على محمد وآل محمد ، واغفر لي ذنوبي ،
واجعل لي من أمري يسرا وفرجا قريبا ، وثبتني على دين محمد وآل محمد
، وعلى هدى محمد وآل محمد ، وعلى سنة
محمد وآل محمد ، وعليه وعليهم السلام . واجعل عملي في المرفوع
المتقبل ، وهب لي كما وهبت لأوليائك
وأهل طاعتك ، فاني مؤمن بك ، ومتوكل عليك ، منيب إليك ، مع مصيري إليك
، وتجمع لي ولأهلي ولولدي الخير كله ،
وتصرف عني وعن ولدي وأهلي الشر كله . أنت الحنان المنان بديع السموات
والأرض ، تعطي الخير من تشاء ، وتصرفه
عمن تشاء ، فامنن علي برحمتك يا أرحم الراحمين (
2 ) .
2 - عنه
البحار 98 : 10 ، المستدرك 7 :
360 . |
|
|
ومن الدعاء عند الافطار : ما وجدناه في كتب أصحابنا عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه قال : ما من عبد يصوم فيقول عند إفطاره :
يا عظيم يا عظيم أنت إلهي لا إله لي
غيرك ، اغفر لي الذنب العظيم ، إنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم .
إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه ( 3 ) . وأما
القراءة عند الافطار : فاننا رويناها ووجدناها مروية عن مولانا زين العابدين
عليه السلام أنه قال : من
|
* ( هامش ) *
3 - عنه
البحار 98 : 11 ، الوسائل
10 : 169 . ( * )
|
|
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس
الحسني ج 1 ص 241 : - |
قرء (
إنا أنزلناه في ليلة القدر ) عند فطوره
وعند سحوره ، كان فيما بينهما كالمتشحط ( 1 )
بدمه في سبيل الله تعالى ( 2 )
فصل ( 5 ) فيما نذكره مما يستحب ان يفطر عليه
اعلم أننا قد ذكرنا فيما تقدم من هذا الكتاب كيفية الاستظهار
في الطعام والشراب ، ونزيد هاهنا بأن نقول : ينبغي أن يكون الطعام والشراب الذي
يفطر عليه مع طهارته من الحرام والشبهات ، قد تنزهت طرق تهيأت لمن يفطر عليه ،
من أن يكون
قد اشتغل به من هيأه عن عبادة لله جل جلاله ، وهي أهم منه ،
فربما يصير ذلك شبهة في الطعام والشراب ، لكونه عمل في وقت كان الله جل جلاله
كارها للعمل فيه ، ومعرضا عنه .
وحسبك في سقم طعام أو شراب أن يكون صاحبه رب الأرباب ، كارها لتهيأته على تلك
الوجوه والأسباب ، فما يؤمن المستعمل له أن يكون سقما في القلوب والأجسام
والألباب .
أقول : وأما تعيين ما يفطر عليه من طريق الأخبار ، فقد رويناه بعدة أسانيد :
فمن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى الفقيه علي بن الحسن بن فضال التبلمي
( 3 ) الكوفي من كتاب الصيام ، باسناده إلى جابر
، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يفطر على الأسودين ، قلت : رحمتك الله ! وما
الأسودين ؟ قال : التمر والماء ، والرطب والماء
( 4 ) .
ورأيت في حديث من غير كتاب علي بن الحسن بن فضال عن النبي صلى الله عليه
|
* ( هامش ) *
1 - عنه
البحار 98 : 11 ، الوسائل
10 : 149 .
2 - شحطه : ضرجه بالدم .
3 - في الاصل : التميمي ، ما اثبتناه هو الصحيح ، نسبة الى تيم الله
بن ثعلبة .
4 - عنه الوسائل 10 : 160 ، رواه الشيخ
في التهذيب 4 : 198 ، عنه
البحار : 98 : 12 ، الوسائل 10 : 146 . (
* )
|
|
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس
الحسني ج 1 ص 242 : - |
وآله أنه قال : أفطر على تمر حلال زيد في صلاته
أربعمائة صلاة ( 1 ) .
ومن ذلك ما رويناه أيضا باسنادنا إلى علي بن الحسن بن فضال من
كتاب الصيام ، باسناده إلى غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ،
أن عليا عليه السلام كان يستحب أن يفطر على اللبن
( 2 ) .
ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى أبي جعفر ابن بابويه باسناده
إلى الصادق عليه السلام أنه قال : الافطار على الماء
يغسل ذنوب القلب ( 3 ) .
أقول : ولعل المقاصد من الأبرار في الافطار ، كانت لحال يخصهم أو لامتثال أمر
يتعلق بهم من التطلع على الأسرار ، وكلما كان الذي يفطر عليه الانسان أبعد من
الشبهات ، وأقرب إلى المراقبات كان أفضل أن يفطر به ، ويجعله مطية ينهض بها في
الطاعات ، وكسوة لجسده يقف بها بين يدي سيده .
|
* ( هامش ) *
1 - عنه
البحار 98 : 12 ، الوسائل
10 : 168 .
2 - عنه الوسائل
10 : 161 ، رواه البرقي في المحاسن : 491 ،
والشيخ في التهذيب 4 : 199 ،
عنهما البحار 98 : 12
، الوسائل 10 : 158 .
3 - رواه الصدوق في ثواب
الأعمال : 104 ، الشيخ في التهذيب 4 : 199
، عنهما الوسائل 10 : 157 ،
البحار 98 : 12 . ( * )
|
|
فصل ( 6 ) فيما نذكره من دعاء انشأناه ، نذكره عند تناول
الطعام
نرجو به تطهيره من الشبهات والحرام نقول :
|
اللهم إني أسألك بالرحمة التي سبقت
غضبك ، وبالرحمة التي ذكرتني بها ولم أك شيئا مذكورا ، وبالرحمة التي
أنشأتني
وربيتني صغيرا وكبيرا ، وبالرحمة التي
نقلتني بها من ظهور الاباء إلى بطون الامهات من لدن آدم عليه السلام
إلى
آخر الغايات ، وأقمت للاباء والامهات
بالأقوات والكسوات والمهمات ، ووقيتهم مما جرى على الامم الهالكة من
النكبات والافات . وبالرحمة التي
دللتني بها عليك ، وبالرحمة التي شرفتني بها بطاعتك والتقرب إليك ،
وبالرحمة التي
جعلتني بها من ذرية أعز الأنبياء عليك
، وبالرحمة التي حلمت بها عني عند سوء أدبي بين يديك . وبالمراحم
والمكارم
التي أنت أعلم بتفصيلها وقبولها
وتكميلها ، وبما أنت أهله أن تصلي على محمد وآل محمد ، أن تطهرنا من
العيوب
والذنوب ، بالعافية منها والعفو عنها
، حتى نصلح للتشريف بمجالستك ، والجلوس على مائدة ضيافتك ، وأن تطهر
طعامنا هذا وشرابنا وكل ما نتقلب فيه
من فوائد رحمتك ، من الأدناس والأرجاس وحقوق الناس ، ومن الحرامات
والشبهات . وأن تصانع عنه أصحابه من
الأحياء والأموات ، وتجعله طاهرا مطهرا ، وشفاء لأدياننا ، ودواء
لأبداننا ،
وطهارة لسرائرنا وظواهرنا ، ونورا
لعقولنا ، ونورا لأرواحنا ، ومقويا لنا على خدمتك ، باعثا لنا على
مراقبتك ،
واجعلنا بعد ذلك ممن أغنيته بعلمك عن
المقال ، وبكرمك عن السؤال ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
( 2 )
2 - عنه
البحار 98 : 12 .
|
|
|
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس
الحسني ج 1 ص 243 : - |
فصل ( 7 ) فيما نذكره من القصد بالافطار
اعلم أن الافطار عمل يقوم به ديوان العبادات ، ومطلب يظفر
بالسعادات ، فلا بد له من قصد يليق بتلك المرادات ، ومن أهم ما قصد الصائم
بافطاره ، وختم به تلك العبادة مع العالم بأسراره ، امتثال أمر الله جل جلاله
بحفظ حياته على باب طاعة
مالك مباره ومساره . وإذا لم يقصد بذلك حفطها على باب الطاعة
، فكأنه قد ضيع الطعام وأتلفه ، وأتلفها وعرضها للاضاعة ، وخسر في البضاعة ،
وتصير الطاعات عنه عن قوة سقيمة
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس
الحسني ج 1 ص 244 : - |
النيات ، كانسان يركب دابة في الحج أو الزيارات بغير إذن
صاحبها أو بمخالفة في مسالكها ومذاهبها ، أو فيها شئ من الشبهات . وأي كلفة أو
مشقة فيما ذكرناه من صلاح النية ، ومعاملة الجلالة الإلهية ، حتى يهرب من تلك
المراتب
والمناصب ، وشرف المواهب ، إلى معاملة الشهوة البهيمية والطبع
الخائب الذاهب ، لولا رضاه لنفسه بذل المصائب والشماتة به بما حصل فيه من
النوائب .
|