|
|
الباب الثالث فيما نذكره من الاستعداد لدخول شهر رمضان وفيه فصول : فصل ( 1 ) فيما نذكره من فضل بذل الطعام لافطار الصوم والاستظهار للصيام باصلاح الطعام اعلم ان فضل اطعام الطعام معقول فضله بانوار العقول المصدقة للانبياء والمرسلين صلوات الله عليهم اجمعين ، ذلك : ان القيام لأهل الصيام بالطعام كأنه تملك لطاعتهم وسلب منهم لعبادتهم ، فان القوة الموجودة في الاجساد الذين تؤثرهم بالزاد ، تصير كأنها قوة العبد المطعم لهم التي في جسد مهجته . فكما ان قوة جسده كلما حصل بها كان معدودا من عبادته ، فكذا
يكون كلما صدر عن القوة بتفطير الصائم تكون مكتوبة لمن يطعمه في ديوان طاعته ،
فكأنك قد اتخذتهم مماليك يتعبون في خدمتك ، وانت ساكن ، ويحملون ذخائرك الى دار
اقامتك ، وانت قاطن ، ويخافون في مصلحتك ، وانت آمن ، وحسبك ان تبتاع كل مملوك
منهم بمقدار
طعامه وشرابه ، وهذا فضل عظيم يعجز القلم عن شرح ابوابه وثوابه . أقول : واما من طريق المنقول : فقد روينا باسنادنا الى محمد بن يعقوب الكليني ، وابي جعفر محمد بن بابويه ، وجدي ابي جعفر الطوسي رضي الله عنهم ، باسنادهم الى الصادق عليه السلام انه قال : من فطر صائما فله اجر مثله . ( 1 ) وبالاسناد عن ابي الحسن عليه السلام انه قال : تفطيرك اخاك الصائم افضل من صيامك . ( 2 ) وبالاسناد المقدم ايضا عن الصادق عليه السلام انه قال لسدير :
هل تدري أي ليال هذه ؟ قال : نعم جعلت فداك هذه ليالي له : بأبي أنت وامي لا يبلغ مالي ذلك ، فما يزال ينقص حتى بلغ
به رقبة واحدة ، في كل ذلك يقول : لا أقدر عليه ، فقال
ماء عذب ، أو تميرات لا يقدر على اكثر من ذلك . ( 1 ) أقول : واقتد في هذا الشهر بملك اهل الفضائل ، فقد رويت عن جماعة منهم ابن بابويه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل شهر رمضان اطلق كل اسير واعطى كل سائل . ( 2 )
صنف منهم : كانت قوته على الصوم من طعام حرام ، فدخوله في الصيام كنحو من وجب عليه الحج وفرط فيه ، فاخذ جملا حراما حج عليه . وصنف منهم : كانت قوته على الصوم من طعام حرام مختلطا ، فان دخوله في الصيام كمن وجب عليه الحج وفرط فيه ، فاخذ جملا له بعضه بقدر الحلال من الطعام ولغيره بعضه بقدر الحرام وحج عليه . وصنف منهم : كانت قوته على الصيام بطعام حرام لا يعلم كونه حراما أو مختلطا من حلال وحرام ، لا يعلم ذلك ويعتقد حلالا ، فهو كنحو من وجب عليه الحج ففرط فيه واستأجر جملا لا يعلم ان الجمال غصبه ، أو كان ثمنه من حلال أو حرام ، واشتراه بعين الذهب ، فإذا ظفر صاحب الجمل أو الشريك بالجمل استعاده ومنعه من العمل أو شركه فيما حصل من الامل . وصنف : كانت قوته على الصيام بطعام حلال ، لكنه كان يأكله اكل الدواب بمجرد الشهوات ، فحاله كحال من دخل حضرة الملوك ، حين استدعوه للحضور لمجالستهم وضيافتهم
وكرامتهم ، وما تأدب في المجئ إليهم في دوابه وثيابه واسبابه ، وكان في طريقه
غافلا عنهم ومهونا بآداب السلوك إليهم ، وقد كان قادرا ان يركب من الدواب ويلبس
من الثياب ، ويستعمل من الاسباب ما يقربه إليهم فلم يفعل ، واتلف ما اكله بالشهوات واتلف ساعات من عمره كانت من بضائع السعادات ، وخاصة إذا كان السلطان مطلعا عليه في طريقه ، ناظرا الى سوء توفيقه ، فان عاتبوه فبعدلهم ، وان اكرموه فبفضلهم ، وحسبه انه نزل عن ان يكون ملكا يقر بعين رب الارباب ، ورضي ان يكون كالدواب .
وصنف : لما كان طعامه على مقتضى الشهوات وكان فطوره كذلك ، فهو قريب من الدواب في تلك الحركات والسكنات . والصنف : الذي عامل الله جل جلاله في الطعام والفطور وجميع الامور ، فهو الذي ظفر برضا مولاه وتلقاه بالسرور .
وصنف : لما كان طعامه على طرق مختلفة : تارة معاملة لله جل جلاله ، وتارة للشهوة وفطوره كذلك ، فحاله كما قلناه في طعامه في نقصه وتمامه . وصنف : لما كان طعامه اما حراما أو مختلطا أو للشهوة ، لكنه هذب فطوره ، فكان في فطوره على حال معاملة لله جل جلاله ، فحاله حال المراقبين أو التائبين ، وهو قريب من المسعودين . وصنف : لما كان طعامه معاملة لله وكان فطوره للشهوة ، فحاله كحال من كان مجالسا للملوك أو قريبا منهم ، ثم فارقهم وقنع ان يكون بهيمة من الانعام أو مفارقا للانام وبعيدا عنهم .
محمد بن الحسن : قال محمد بن هارون الجلاب : قلت له : روينا عن آبائك انه يأتي على الناس زمان لا يكون شئ اعز من أخ أنيس أو كسب درهم من حلال ؟ فقال لي : يا ابا محمد ان العزيز موجود ، ولكنك في زمان ليس فيه شئ اعسر من درهم حلال أو أخ في الله عزوجل .
|
|