- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 37 -

الباب الثالث فيما نذكره من الاستعداد لدخول شهر رمضان وفيه فصول :

فصل ( 1 ) فيما نذكره من فضل بذل الطعام لافطار الصوم والاستظهار للصيام باصلاح الطعام

اعلم ان فضل اطعام الطعام معقول فضله بانوار العقول المصدقة للانبياء والمرسلين صلوات الله عليهم اجمعين ، ذلك : ان القيام لأهل الصيام بالطعام كأنه تملك لطاعتهم وسلب منهم لعبادتهم ، فان القوة الموجودة في الاجساد الذين تؤثرهم بالزاد ، تصير كأنها قوة العبد المطعم لهم التي في جسد مهجته .

فكما ان قوة جسده كلما حصل بها كان معدودا من عبادته ، فكذا يكون كلما صدر عن القوة بتفطير الصائم تكون مكتوبة لمن يطعمه في ديوان طاعته ، فكأنك قد اتخذتهم مماليك يتعبون في خدمتك ، وانت ساكن ، ويحملون ذخائرك الى دار اقامتك ، وانت قاطن ، ويخافون في مصلحتك ، وانت آمن ، وحسبك ان تبتاع كل مملوك منهم بمقدار
 

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 38 -

طعامه وشرابه ، وهذا فضل عظيم يعجز القلم عن شرح ابوابه وثوابه .

أقول : واما من طريق المنقول : فقد روينا باسنادنا الى محمد بن يعقوب الكليني ، وابي جعفر محمد بن بابويه ، وجدي ابي جعفر الطوسي رضي الله عنهم ، باسنادهم الى الصادق عليه السلام انه قال : من فطر صائما فله اجر مثله . ( 1 )

وبالاسناد عن ابي الحسن عليه السلام انه قال : تفطيرك اخاك الصائم افضل من صيامك . ( 2 )

وبالاسناد المقدم ايضا عن الصادق عليه السلام انه قال لسدير : هل تدري أي ليال هذه ؟ قال : نعم جعلت فداك هذه ليالي
شهر رمضان ، فما ذاك ؟ فقال له : أتقدر على ان تعتق في كل ليلة من هذه الليالي عشر رقاب من ولد اسماعيل ؟ فقال

له : بأبي أنت وامي لا يبلغ مالي ذلك ، فما يزال ينقص حتى بلغ به رقبة واحدة ، في كل ذلك يقول : لا أقدر عليه ، فقال
له : أفما تقدر ان تفطر في كل ليلة رجلا مسلما ؟ فقال له : بلى وعشرة ، فقال عليه السلام له : فذلك الذي اردت يا سدير ، افطارك اخاك المسلم يعدل رقبة من ولد اسماعيل . ( 3 )


والاسناد ايضا عن النبي صلى الله عليه وآله قال : من فطر في هذا الشهر مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عزوجل عتق رقبة مؤمنة ، ومغفرة لما مضى من ذنوبه ، فقيل له : يا رسول الله ليس كلنا نقدر ان نفطر صائما ؟ فقال : ان الله تبارك وتعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم من لم يقدر الا على مذقة ( 4 ) من لبن يفطر بها صائما ، أو شربة من
 

 

* ( هامش ) *
 1 - الفقيه 2 : 134 ، الكافي 4 : 68 ، التهذيب 4 : 201 ، مصباح المتهجد 2 : 626 ، أخرجه عن المصادر والوسائل 10 : 138 .
 2 - الفقيه 2 : 134 ، الكافي 4 : 68 ، التهذيب 4 : 201 ، عنهم الوسائل 1 : 140 ، رواه في مصباح المتهجد 2 : 626 ،
      المحاسن : 396 ، عنه البحار 96 : 317 ، ورواه في البحار 96 : 317 عن مكارم الأخلاق : 157 .
 3 - الفقيه 2 : 134 ، الكافي 4 : 68 ، التهذيب 4 : 201 ، المقنعة : 54 ، عنهم الوسائل 10 : 139 .
 4 - مذقة اللبن : مزجه بالماء ، سقاه المذق أو المذقة : أي اللبن الممزوج بالماء . ( * )

 

 

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 39 -

ماء عذب ، أو تميرات لا يقدر على اكثر من ذلك . ( 1 )

أقول : واقتد في هذا الشهر بملك اهل الفضائل ، فقد رويت عن جماعة منهم ابن بابويه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل شهر رمضان اطلق كل اسير واعطى كل سائل . ( 2 )


واما الاستظهار للصيام باصلاح الطعام : فاعلم انني انما ذكرت ان ذلك من المهام ، لانني وجدت الداخلين في الصيام شهر رمضان ، باعتبار ما تقووا به من الطعام والشراب عدة اصناف :

صنف منهم : كانت قوته على الصوم من طعام حرام ، فدخوله في الصيام كنحو من وجب عليه الحج وفرط فيه ، فاخذ جملا حراما حج عليه .

وصنف منهم : كانت قوته على الصوم من طعام حرام مختلطا ، فان دخوله في الصيام كمن وجب عليه الحج وفرط فيه ، فاخذ جملا له بعضه بقدر الحلال من الطعام ولغيره بعضه بقدر الحرام وحج عليه .

وصنف منهم : كانت قوته على الصيام بطعام حرام لا يعلم كونه حراما أو مختلطا من حلال وحرام ، لا يعلم ذلك ويعتقد حلالا ، فهو كنحو من وجب عليه الحج ففرط فيه واستأجر جملا لا يعلم ان الجمال غصبه ، أو كان ثمنه من حلال أو حرام

، واشتراه بعين الذهب ، فإذا ظفر صاحب الجمل أو الشريك بالجمل استعاده ومنعه من العمل أو شركه فيما حصل من الامل . وصنف : كانت قوته على الصيام بطعام حلال ، لكنه كان يأكله اكل الدواب بمجرد الشهوات ، فحاله كحال من دخل

حضرة الملوك ، حين استدعوه للحضور لمجالستهم وضيافتهم وكرامتهم ، وما تأدب في المجئ إليهم في دوابه وثيابه واسبابه ، وكان في طريقه غافلا عنهم ومهونا بآداب السلوك إليهم ، وقد كان قادرا ان يركب من الدواب ويلبس
 

 

* ( هامش ) *
 1 - الفقيه 2 : 135 ، الكافي 4 : 68 ، التهذيب 3 : 57 و 4 : 201 ، مصباح المتهجد 2 : 627 ،
      المحاسن : 396 ، عنهم الوسائل 10 : 138 .
 2 - رواه الصدوق في اماليه : 57 ، ثواب الاعمال : 96 ، فضائل الأشهر الثلاثة : 75 ، عنهم الوسائل 10 : 315 . ( * )

 

 

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 40 -

من الثياب ، ويستعمل من الاسباب ما يقربه إليهم فلم يفعل ، واتلف ما اكله بالشهوات واتلف ساعات من عمره كانت من بضائع السعادات ، وخاصة إذا كان السلطان مطلعا عليه في طريقه ، ناظرا الى سوء توفيقه ، فان عاتبوه فبعدلهم ، وان اكرموه فبفضلهم ، وحسبه انه نزل عن ان يكون ملكا يقر  بعين رب الارباب ، ورضي ان يكون كالدواب .


وصنف  : دخل في شهر رمضان بقوة طعام كان اكتسبه بالمعاملة لمولاه جل جلاله ، وعمل فيه برضاه ، واكل منه بحسب ما يقويه على خدمة مالكه ، فهذا دخل دار ضيافتهم وكرامتهم من الباب الذي ارادوه ، واقتضى عدلهم وفضلهم ان يكرموه .


وصنف  : دخل في الصيام من طعام كان تارة يكون فيه معاملة لله جل جلاله ، وتارة معاملا للشهوات ، فله معاملة المراقبة فيما عامل مولاه به ، وعليه خطرات المعاتبة فيما ترك فيه معاملة مولاه بسوء ادبه .


واعلم ان هذه الاصناف المذكورين على اصناف آخر : صنف : لما كان دخوله بطعام حرام وكان فطوره على حرام أو مختلط من حلال وحرام ، فله حكم الاصرار .


وصنف : لما كان طعامه على ما لا يعلمه حراما أو مختلطا وفطوره على مثل الذي ذكرنا ، فله وسيلة العذر بانه ما تعمد سخط مولاه .

وصنف : لما كان طعامه على مقتضى الشهوات وكان فطوره كذلك ، فهو قريب من الدواب في تلك الحركات والسكنات .

والصنف : الذي عامل الله جل جلاله في الطعام والفطور وجميع الامور ، فهو الذي ظفر برضا مولاه وتلقاه بالسرور .

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 41 -

وصنف : لما كان طعامه على طرق مختلفة : تارة معاملة لله جل جلاله ، وتارة للشهوة وفطوره كذلك ، فحاله كما قلناه في طعامه في نقصه وتمامه .

وصنف : لما كان طعامه اما حراما أو مختلطا أو للشهوة ، لكنه هذب فطوره ، فكان في فطوره على حال معاملة لله جل جلاله ، فحاله حال المراقبين أو التائبين ، وهو قريب من المسعودين .

وصنف : لما كان طعامه معاملة لله وكان فطوره للشهوة ، فحاله كحال من كان مجالسا للملوك أو قريبا منهم ، ثم فارقهم وقنع ان يكون بهيمة من الانعام أو مفارقا للانام وبعيدا عنهم .


أقول : وإذا كان الامر هكذا في خطر الطعام ، وكان قد تغلب بنو امية وولاة كثيرون على فساد اموال اهل الاسلام ، ونقلها عن وجوهها الشرعية . حتى لقد روينا من كتاب مسائل الرجال لمولانا أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السلام ، قال

محمد بن الحسن : قال محمد بن هارون الجلاب : قلت له : روينا عن آبائك انه يأتي على الناس زمان لا يكون شئ اعز من أخ أنيس أو كسب درهم من حلال ؟ فقال لي : يا ابا محمد ان العزيز موجود ، ولكنك في زمان ليس فيه شئ اعسر من درهم حلال أو أخ في الله عزوجل .


أقول : فقد روي عن خواص العترة النبوية ان اخراج الخمس من الاموال المشتبهات ، سبب لتطهيرها من الشبهات ، وهذا الوجه ظاهر في التأويل ، لان جميع الاموال ومن هي في يده مماليك لله جل جلاله ، فله سبحانه ان يجعل تطهيرها باخراج هذا القدر القليل ، ويوصل الى كل ذي حق حقه ، لاجل الايثار بالخمس لرسوله صلوات الله عليه وآله ولعترته ، ولاجل معونتهم على مقامهم الجليل .


أقول : وقد نص الله جل جلاله في القرآن الشريف على لسان رسوله صلوات الله عليه وآله ، ان الدعاء طريق الى القبول وبلوغ المأمول ، فينبغي ان يدعو بعد الاستظهار باخراج الخمس من كلما يتقلب فيه ، بما سنذكره عند وقت الافطار من دعوات لزوال الشبهات .

 

 

الصفحة الرئيسية

 

أعمال شهر رمضان