|
|
الباب الثالث والعشرون فيما نذكره من زيادات ودعوات وصلوات في الليلة التاسعة عشر منه ويومها واعلم أنك إن عبدته لأجل طلب أجرة عبادتك ، كنت في مخاطرتك ، كرجل كان عليه لبعض الغرماء الأقوياء الأغنياء ديون لا يقوم لها حكم العدد والاحصاء ، فاجتاز هذا الذي عليه الديون الكثيرة ، مع غريمه صاحب الحقوق الكثيرة ، على سوق فيه حلاوة ، فاقتضى إنعام الغريم أنه اشترى لهذا الذي عليه الدين العظيم ، طبقا من تلك الحلاوة العظيمة اللذات ، وكلفه حملها إلى دار الغريم ليأكلها الذي عليه الديون وحده على أبلغ الشهوات . فلما أكلها الذي عليه الديون الكثيرة وفرغ من أكلها ، قال للغريم : إن هذه الحلاوة قد حملتها معك ، فأعطني رغيفا اجرة حملها ، فقال له الغريم : إنما حملتها على سبيل المنة عليك ، ولتصل هذه الحلاوة إليك ، وما كنت محتاجا إنا إليها ، ولي ديون كثيرة عليك ما طلبتك بها . فكيف اقتضى عقلك أن تطالب رغيفا أجرة حلاوة ما كلفتك وزن ثمن لها ، فهل يسترضي أحد من ذوي العقول السليمة ما فعله الذي عليه الديون من طلب تلك الاجرة الذميمة . فكذا حال العبد مع الله جل جلاله ، فان القوة التي عمل بها الطاعات من مولاه ، والعقل والنقل الذي عمل به العبادات من ربه مالك دنياه واخراه ، والعمل الذي
كلفه إياه ، إنما يحصل نفعه للعبد على اليقين ، والله جل جلاله مستغن عن عبادة
العالمين ، ولله جل جلاله على عباده من النعم بانشائه وإبقائه وإرفاده وإسعاده
ما لا يحصيها الإنسان ، ولو بالغ في اجتهاده . فلا يقتضي العقل والنقل أن يعبد لأجل طلب الثواب ، بل يعبد اله جل جلاله لأنه أهل للعبادة ، وله المنة عليك كيف رفعك عن مقام التراب والدواب وجعلك أهلا للخطاب والجواب ووعدك بدوام نعيم دار الثواب . واعلم أن من مكاسب إحدى هذه الليالي المشار إليها لمن عبد الله جل جلاله ، على ما ذكرناه من النية التي نبهنا عليها ، ما رويناه باسنادنا إلى ابن فضال باسناده إلى عبد الله بن سنان قال : سألته عن النصف من شعبان ، فقال : ما عندي فيه شئ ، ولكن إذا كان ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قسم فيه الأرزاق ، وكتب فيها الاجال ، وخرج فيها صكاك الحاج ، واطلع الله عزوجل إلى عباده ، فغفر لمن يشاء إلا شارب مسكر ، فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين فيها يفرق كل امر حكيم ، ثم ينتهي ذلك ويقضى ، قال : قلت : إلى من ؟ قال : إلى صاحبكم ولولا ذلك لم يعلم ( 1 ) ، وباسنادنا إلى علي بن فضال فقال أيضا باسناده إلى منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ، ينزل فيها ما يكون في السنة إلى مثلها من خير أو شر أو رزق أو أمر أو موت أو
حياة ، ويكتب فيها وفد مكة ، فمن كان في تلك السنة مكتوبا لم يستطع أن يحبس ،
وإن كان فقيرا مريضا ، ومن لم يكن فيها لم يستطع أن يحج وإن كان غنيا صحيحا
( 2 ) . أقول : فهل يحسن من مصدق بالاسلام ، وبما نقل عن الرسول
وعترته عليه وعليهم أفضل السلام ، أن ليلة واحدة من ثلاث ليال ، يكون فيها
تدبير السنة كلها ، وإطلاق العطايا ودفع البلايا ، وتدبير الامور ، وهي أشرف
ليلة في السنة عند القادر على نفع كل سرور ، ودفع كل محذور ، فلا يكون نشيطا
لها ، لا مهتما بها .
فهل تجد العقل قاضيا أن سلطانا يختار ليلة من سنة للاطلاق والعتاق ، والمواهب ونجاح المطالب ، ويأذن إذنا عاما في الطلب منه لكل حاضر وغائب ، فيختلف أحد من ذلك المجلس العام وعن تلك الليلة المختصة بذلك الأنعام التي ما يعود مثلها الا بعد عام ، مع أن الذين دعاهم إلى سؤاله ، محتاجون مضطرون إلى ما بذله لهم ، من نواله وإقباله وإفضاله . ماذا تقول لو أنك بعد الفراغ من هذه المائة ركعة أو مائة وعشرين ، سمعت أن قد حضر ببابك رسول بعض ملوك الادميين ، قد عرض عليك مائة دينار أو شيئا مما تحتاج إليها من المسار ،
ودفع الأخطار . فكيف كان نشاطك وسرورك بالرسول الذي قد بذل لك السعادة الدنيوية والاخروية ، لقد افتضح ابن آدم المسكين بتهوينه بمالك الأولين والآخرين . فارحم يا أيها المسعود نفسك ، ولا يكن محمد رسول سلطان العالمين ، وما وعد به عن مالك يوم الدين ، دون رسول عبد من العباد ، يجوز أن يخلف في الميعاد وأمره يزول إلى الفناء والنفاد ، ولا تشهد على نفسك أنك ما أنت مصدق بوعد ( 2 ) سلطان المعاد ، بتثاقلك عن حبه وقربه ووعده ( 3 ) ، ونشاطك من عبيده . ومن مهمات ليلة تسع عشرة ما قدمناه في أول ليلة منه ، مما يتكرر كل ليلة ، فلا تعرض عنه .
إذا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان انزلت صكاك الحاج ، وكتبت الاجال والأرزاق ، وأطلع الله على ( 1 ) خلقه ، فغفر ( 2 ) لكل مؤمن ما خلا شارب مسكر ، أو صارم رحم ماسة مؤمنة ( 3 ) . أقول : وقد مضى في كتابنا هذا وغيره ، أن ليلة النصف من شعبان يكتب الاجال ويقسم الأرزاق ، ويكتب أعمال السنة . ويحتمل أن يكون في ليلة نصف شعبان تكون البشارة بأن في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان يكتب الاجال ويقسم الأرزاق ، فتكون ليلة نصف شعبان ليلة البشارة بالوعد ، وليلة تسع عشرة من شهر رمضان ، وقت إنجاز ذلك الوعد ، أو يكون في تلك الليلة يكتب آجال قوم ويقسم أرزاق قوم وفي هذه ليلة تسع عشرة يكتب آجال الجميع وأرزاقهم ، أو غير لك مما لم نذكره . فان الخبر ورد صحيحا صريحا بأن الاجال والأرزاق [ تكتب ] ( 4 ) في ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين من شهر رمضان .
بطة ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمرات الأشعري ، عن محمد بن عيسى ، عن زكريا المؤمن ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول وناس
يسألونه ، يقولون : إن الأرزاق تقسم ليلة النصف من شعبان
، فقال : لا والله ما ذلك إلا في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ، وإحدى وعشرين ،
وثلاث
وعشرين ، فان في ليلة تسع عشرة يلتقي الجمعان ، وفي ليلة إحدى وعشرين يفرق كل أمر حكيم ، وفي ليلة ثلاث وعشرين يمضي ما أراد الله جل جلاله ذلك ، وهي ليلة القدر التي قال الله : ( خير من ألف شهر ) ( 1 ) . قلت : ما معنى قول : ( يلتقى الجمعان ) ؟ قال : قال يجمع الله فيها ما أراد الله من تقديمه وتأخيرها وإرادته وقضائه ، قلت : وما معنى يمضيه في ليلة ثلاث وعشرين ؟ قال : إنه يفرق في ليلة إحدى وعشرين ، ويكون له فيه البداء ، وإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين أمضاه فيكون من المحتوم الذي لا يبدو له فيه تبارك وتعالى ( 2 ) .
ذكر الصلاة المروية : في الكتاب المذكور عن النبي صلى الله
عليه وآله انه قال : من صلى ركعتين في ليلة القدر ، يقرأ
من مقامه حتى يغفر الله له ولأبويه ، وبعث
( 6 ) الله ملائكة يكتبون له الحسنات إلى سنة
أخرى ، وبعث ( 7 ) الله ملائكة إلى الجنان يغرسون
له الأشجار ، ويبنون له القصور ، ويجرون له الأنهار ، ولا يخرج
من الدنيا حتى يرى ذلك كله ( 1 ) . ومن الكتاب المذكور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : من أحيا ليلة القدر حول عنه العذاب الى السنة القابلة ( 2 ) . ومن الكتاب المذكور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : قال موسب : إلهي اريد قربك ، قال : قربي لمن يستيقظ ( 3 ) ليلة القدر ، قال : إلهي اريد رحمتك ، قال : رحمتي لمن رحم المساكين ليلة القدر ، قال : إلهي اريد الجواز على الصراط ، قال : ذلك لمن تصدق بصدقة في ليلة القدر . قال : إلهي اريد أشجار الجنة وثمارها ، قال : ذلك لمن سبح تسبيحة في ليلة القدر ، قال : إلهي اريد النجاة من النار ، قال : ذلك لمن استغفر في ليلة القدر ، قال : إلهي اريد رضاك ، قال : رضاي لمن صلى ركعتين في ليلة القدر ( 4 ) .
الجنة من در وياقوت وزبرجد ولؤلؤ ، وبكل آية تاجا من تيجان الجنة ، وبكل تسبيحة طائرا من النجب ، وبكل جلسة درجة من درجات الجنة ، وبكل تشهد غرفة من غرفات الجنة ، وبكل تسليمة حلة من حلل الجنة . فإذا انفجر عمود الصبح أعطاه الله من الكواعب المألفات
( 6 ) والجواري المهذبات ،
والغلمان المخلدين ، والنجائب المطيرات ، والرياحين المعطرات ، والأنهار
الجاريات ، والنعيم الراضيات ، والتحف والهديات ، والخلع والكرامات ، وما تشتهي
الأنفس وتلذ
الأعين ، وأنتم فيها خالدون
( 1 ) . ومن هذا الكتاب عن الباقر عليه السلام : من أحيا ليلة القدر غفرت له ذنوبه ، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء ومثاقيل الجبال ، ومكائيل البحار ( 2 ) . 2 - عنه المستدرك 7 : 457 ، الوسائل 8 : 21 ، البحار 98 : 146 ، رواه الصدوق في فضائل الأشهر الثلاثة : 118 ، عنه الوسائل 10 : 358 .
ذكر دعاء آخر للمصحف الشريف : ذكرنا إسناده وحديثه في كتاب إغاثة الداعي ، ونذكر هاهنا المراد منه ، وهو عن مولانا الصادق صلوات الله عليه ، قال : خذ المصحف فدعه على رأسك وقل :
ذكر دعاء آخر للمصحف الشريف : ذكرناه باسنادنا إليه في كتاب إغاثة الداعي عن علي بن يقطين رحمه الله ، عن مولانا موسى بن جعفر صلوات الله عليهما يقول فيه : خذ المصحف في يدك وارفعه فوق رأسك وقل :
دعاء آخر في ليلة تسع عشرة منه :
وهذا الدعاء ذكرنا نحوه في دعاء كل ليلة ، ولكن بينهما تفاوت . دعاء آخر في ليلة تسع عشرة منه :
دعاء آخر في هذا اليوم :
أقول : واعلم أن الرواية من عدة جهات عن الصادقين ، عن الله جل جلاله عليهم أفضل الصلوات ، أن يوم ليلة القدر مثل ليلته ، فاياك أن تهون بنهار تسع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين ، وتتكل على ما عملته في ليلتها وتستكثره لمولاك ، وأنت غافل عن عظيم نعمته ، وحقوق ربوبيته . وكن في هذه الأيام الثلاثة المعظمات على أبلغ الغايات ، في العبادات والدعوات ، واغتنام الحياة قبل الممات .
فمن الرواية ( 1 ) في ذلك باسنادنا عن هشام بن الحكم رضوان الله عليه عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله عليه أنه قال : يومها مثل ليلتها - يعني ليلة القدر ( 2 ) .
وفي حديث آخر عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله بعض
أصحابنا ، ولا أعلمه إلا سعيد السمان : كيف تكون ليلة القدر خيرا من ألف شهر ؟
قال : العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ، ليس فيه ليلة القدر ، وقال أبو عبد
الله عليه السلام : يومها مثل ليلتها - يعني ليلة القدر ، وهي تكون في كل سنة
( 4 ) .
|
|