|
|
الباب الرابع والثلاثون فيما نذكره من زيادات ودعوات في آخر ليلة منه
ومن ذلك ما يتعلق بوداع شهر رمضان ، فنقول : إن سأل سائل فقال
: ما معنى الوداع لشهر رمضان وليس هو من الحيوان فاعلم أن عادة ذوي العقول قبل الرسول ومع الرسول وبعد الرسول ، يخاطبون الديار والأوطان ، والشباب وأوقات الصفا والأمان والاحسان ببيان المقال ، وهو محادثة لها بلسان الحال . فلما جاء أدب الإسلام أمضى ما شهدت بجوازه من ذلك أحكام العقول والأفهام ، ونطق به مقدس القرآن المجيد ، فقال جل جلاله : ( يوم نقول لجهنم هل امتلئت وتقول هل من مزيد ) . فأخبر أن جهنم رد الجواب بالمقال ، وهو إشارة إلى لسان الحال ، وذكر كثيرا في القرآن الشريف المجيد وفي كلام النبي والأئمة صلوات الله عليه وعليهم السلام وكلام أهل التعريف ، فلا يحتاج ذوو الألباب إلى الاطالة في الجواب . فلما كان
شهر رمضان قد صاحبه ذوو العناية به من أهل الاسلام والايمان ، أفضل لهم من صحبة
الديار والمنازل ، وأنفع من الأهل وأرفع من الأعيان والأمثال ، اقتضت دواعي
لسان الحال أن يودع عند الفراق والانفصال . ذكر ما نورده من طبقات أهل الوداع لشهر الصيام فنقول : اعلم أن الوداع لشهر رمضان يحتاج إلى زيادة بيان ، والناس فيه على طبقات : طبقة منهم : كانوا في شهر رمضان على مراد الله جل جلاله
وآدابه فيه في السر والاعلان ، فهؤلاء يودعون شهر الصيام وداع من صاحبه بالصفاء
والوفاء وحفظ الذمام ، كما تضمنه وداع مولانا زين العابدين عليه أفضل السلام .
وطبقة منهم : صاحبوا شهر رمضان تارة يكونون معه على مراد الله
جل جلاله في بعض الأزمان ، وتارة يفارقون شروطه بالغفلة أو بالعصيان ، فهؤلاء
إن اتفق خروج شهر رمضان وهم مفارقون له في الاداب والاصطحاب ، فالمفارقون لا
يودعون ولا هم مجتمعون ، وإنما الوداع لمن كان مرافقا وموافقا في مقتضى العقول
والألباب ، وإن اتفق خروج شهر رمضان وهم وفي حال حسن صحبته . فلهم أن يودعوه
على قدر ما عاملوه في حفظ حرمته ، وأن يستغفروا ويندموا على ما فرطوا فيه من
إضاعة شروط الصحبة والوفاء ، ويبالغوا عند والوداع في التلهف والتأسف كيف
عاملوه بوقت من الأوقات بالجفاء . وطبقة : ما كانوا في شهر رمضان مصاحبين له بالقلوب ، بل كان فيهم من هو كاره لشهر الصيام ، لأنه كان يقطعهم عن عادتهم في التهوين ، ومراقبة علام الغيوب ، فهؤلاء ما كانوا مع شهر رمضان حتى يودعوه عند الانفصال ، ولا أحسنوا المجاورة له لما نزل بالقرب من دارهم ، وتكرهوا به واستقبلوه بسوء اختيارهم ، فلا معنى لوداعهم له عند انفصاله ، ولا يلتفت إلى ما يتضمنه لفظ وداعهم وسوء مقالهم .
لضيافته ، وبقي الذي نزل به في فضيحة تقصيره وسوء مجاورته ، أو في عار تأسفه وندامته . فكن إما محسنا في الضيافة والمعرفة بحقوق ما وصل به هذا الضيف من السعادة والرحمة ، والرأفة والأمن من المخافة ، أو كن لا له ولا عليه ، فلا تصاحبه بالكراهة وسوء الأدب عليه ، وإنما تهلك بأعمالك السخيفة نفسك الضعيفة ، وتشهرها بالفضائح والنقصان ، في ديوان الملوك والأعيان ، الذين ظفروا بالأمان والرضوان .
فقد اختلف أصحابنا فبعضهم قال : هو في آخر ليلة منه ، وبعضهم قال : هو في آخر يوم منه ، إذا رأي هلال شوال ؟ الجواب : العمل في شهر رمضان في لياليه ، والوداع يقع في آخر ليلة منه ، فان خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين . ) ( 1 )
منه ، كما رويناه ، فان فاتك الوداع في آخر ليلة ، ففي أواخر نهار المفارقة له والانفصال عنه . فمتى وجدت في تلك الليلة أو ذلك اليوم نفسك على حال صالحة في صحبة شهر رمضان فودعه في ذلك الأوان ، وداع أهل الصفا والوفاء ، الذين يعرفون حق الضيف العظيم الاحسان ، واقض من حق التأسف على
مفارقته وبعده ، بقدر ما فاتك من شرف ضيافته ، وفوائد رفده ، وأطلق من ذخائر
دموع الوداع ما جرت به عوائد الأحبة إذا تفرقوا بعد الاجتماع .
وقل ما رواه الشيخ جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس بن محمد الدوريستي في كتاب الحسنى باسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر جمعة من شهر رمضان ، فلما بصر بي قال لي : يا جابر هذا آخر جمعة من شهر رمضان فودعه وقل :
اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه ، فان جعلته
فاجعلني مرحوما ، ولا تجعلني محروما . فانه من قال ذلك ظفر باحدى
الحسنيين : إما ببلوغ شهر رمضان من قابل ، وإما بغفران 1 - عنه البحار 98 : 172 ، الوسائل 10 : 365 رواه الصدوق في فضائل الأشهر الثلاثة : 139 ، عنه المستدرك 7 : 480 .
وداع آخر لشهر رمضان ، وقد رويناه عن مولانا علي بن الحسين عليه السلام صاحب الأنفاس المقدسة الشريفة ، فيما تضمنه إسناد الصحيفة ، فقال : وكان من دعائه عليه السلام في وداع شهر رمضان :
|
|