- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 411 : -

الباب الرابع والثلاثون فيما نذكره من زيادات ودعوات في آخر ليلة منه


فمن ذلك الغسل المشار إليه بالحديث الذي رويناه عن النبي صلوات الله عليه أنه كان يغتسل في كل ليلة من العشر الأواخر .

ومن ذلك زيارة الحسين صلوات الله عليه في آخر ليلة من شهر رمضان ، وقد قدمنا الرواية بذلك في عمل أول ليلة منه .

ومن ذلك صلاة ثلاثين ركعة ، وقد تقدمت الإشارة إليها .
 

ومن ذلك الأدعية التي يختص بهذه الليلة وقراءة شئ معين واستغفار : فمن الأدعية في هذه الليلة دعاء وجدناه في كتب أصحابنا العتيقة ، وهو دعاء ليلة الثلاثين :

  الحمد لله الذي كمل صيامي أيام شهره الشريف من غير إفطار ، وأقبل بوجهي فيه إلى طاعته من غير إدبار ،

واستنهضني إليه للاعتراف بذنوبي من غير إصرار ، وأوجب لي بانعامه الاقالة من العثار ، ووفقني للقيام في لياليه

إليه داعيا وله مناديا ، أستوهب وأستميح العيوب ، وأتقرب بأسمائه وأستشفع بآلائه ، وأتذلل بكبريائه . وهو تبارك اسمه

في كل يصرفني بقوة الرجاء والتأميل ، عن الشك في رحمته ، لتضرعي إلى التحصيل ، ثقة بجوده ورأفته ، وسعيا

لاشفاقه وعطفه . اللهم هذا شهرك وقد كمل ومضى ، وهذا الصيام قد تم وانقضى ، قدم وكره قدومه تمكن ما في

النفوس ، من لذاتها ونفورها من مفارقة عاداتها ، فما ورد حتى ذللها بطاعته ، وأشخصها إلى طلب رحمته . فكان نهار

صيامنا يذكر لديك ، وليلة قيامنا يوقد عليك ، وارهب القلوب ، وعادل الذنوب ، وأخضع الخدود ، ورفع إليك الراحات

، واستدر العبرات ، بالنحيب والزفرات ، أسفا على الزلات ، واعترافا بالهفوات ، واستقالة للعثرات . فرحمت

وعطفت ، وسترت وغفرت ، وأقلت وأنعمت ، فعاد حبيبا مألوفا قربه ، وقادما يكره فراقه . فعليه السلام من شهر

ودعته بخير أودعته ، وبعد منك قربه ، وغنم من فضلك استجلبه ، وفضائح تقدمت عندك هدرها ، وقبائح محاها ونثرها

، وخيرات نشرها ، ومنافع نثرها ، ومنن منك وفرها ، وعطايا كثرها ، وداع مفارق خلف خيراته ، وأسعد بركاته ،

وجاد بعطاياه . اللهم فلك الحمد مني حمد من لا يخادع نفسه تقدم جزعها منه ، ولا يجحد نعمتك في الذي أفدته

ومحوته عنه ، سائل لك أن تعرض عما اعتمدته فيه ، ولم يعتمده من زلله ، إعراض المتجافي العظيم ، وأن تقبل علي

بتيسير ما تقربت به إقبال الراضي الكريم ، أن ينظر إلي بنظرة البر الرؤوف الرحيم . اللهم عقب علي بغفرانك في

عقباه ، وآمني من عذابك ما أخشاه ، وقني من صنوفه ما أتوقاه ، واختم لي في خاتمته بخير تجزل منه عطيتي ،

وتشفع فيه مسألتي ، وتسد به فاقتي ، وتنفي به شقوتي ، وتقرب به سعادتي ، وتملأ يدي من خيرات الدارين ، بأفضل

ما ملأت به يد سائل ، ورجعت به أمل آمل . وتمنحني في والدي وفي جميع المؤمنين والمؤمنات الغفران والرضوان ،

وتذكرهم منك بإحسان تنيل أرواحهم مسرة رضوانك ، وتوصل إليها لذة غفرانك ، ترعاها في رياض جنانك ، بين

ظلال أشجارها ، وجداول أنهارها ، وهنيئ ثمارها ، وكثير خيراتها ، واستواء أقواتها ، وصنوف لذاتها ، وسائغ

بركاتها . وأحينا لورود هذا الشهر عائدا في قابل عامنا بهدم أوزارنا وآثامنا إلى القربات منك سبيلا ، وعليها وإليها

رسيلا ، يا أقدر القادرين ، يا أجود المسؤولين . اللهم اني كل ما لفظت به إليك جل ثناؤك ، من تمجيد ، وتحميد

ووصف لقدرتك وإقرار بوحدانيتك ، وإرضائك من نضيبي إليك ، ومن إقبالي بالثناء عليك ، فهو بتوفيقك . فلك الحمد

يا قاضي ما يرضيك ، وإن كان من أيسر نعمك لانكافيك ، ثم بهداية محمد نبيك صلى الله عليه وآله وسفارته وإرشاده

ودلالته ، فقد أوجبت له بذلك من الحق عندك وعلينا ما شرفته به ، وأوعزت به إلينا . اللهم فكما جعلته لهدايتنا علما ،

وإليك لنا طريقا وسلما ، ومن سخطك ملجا ومعتصما ، وفينا شفيعا مقدما ، ومشفعا مكرما ، وكان لا مكافاة له إلا منك

، ولا اتكال من مجازاته إلا عليك ، وكنا عن حقه بأنفسنا وأموالنا مقصرين ، وكان فيها من الزاهدين ، عنها من

الراغبين ، ولسنا إلى تأتيه بواصلين ، ولا عليها بقادرين ، فاجزه عنا بأفضل صلواتك ، وأطيب تحياتك . اللهم صل

عليه صلاة تمد منك بشرائف حبواتك ، وكرائم عطياتك ، وموفور خيراتك ، وميسور هباتك ، صلاة تكثر وتكشف حتى

لا تنقطع ، ولا تضعف ، صلاة تتدارك وتتصل حتى لا تختل ولا تنفصل ، صلاة تتوالى وتتسق حتى لا تتشعب ولا

تفترق ، صلاة تدوم وتتواتر ، وتتضاعف وتتكاثر ، وتزن الجبال ، وتعاد الرمال . صلاة تجاري النيرات في أفلاكها ،

والقدرة التي قامت بأسماكها ، صلاة تنافي الرياح والنجوم والشموس والغيوم ، وورق الشجر وألفاظ البشر وتسبيح

جميع المخلوقين من الماضين والباقين ، ومن يخلق إلى يوم الدين ، ثم استودعها تعارف العالمين ، الذي ليس له فناء ،

ولا حد ولا انتهاء . اللهم فأوصل ذلك إليه وإلى أهل بيته الطاهرين ، وإلى آبائه وآباء إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ،

وإلى جميع النبيين والشهداء والصالحين ، وإلى جبرئيل وميكائيل ، وحملة عرشك والملائكة صلى الله عليه وعليهم

أجمعين ، وحسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ( 2 ) .
 2 - عنه البحار 98 : 68 - 70 .

 

 

ومن ذلك ما يختص بهذه الليلة من الدعاء برواية محمد بن أبي قرة رحمه الله ، وهو دعاء ليلة الثلاثين :

 

الحمد لله لا شريك له - ثلاثا ، الحمد لله كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ، وكما هو أهله ، يا قدوس يا نور القدس

يا سبوح ، يا منتهى التسبيح ، يا رحمان يا فاعل الرحمة . يا الله يا عليم ، يا الله يا عظيم ، يا الله يا كبير ، يا الله

يا لطيف ، يا الله يا جليل ، يا الله يا سميع ، يا الله يا بصير ، يا الله يا الله ، يا الله يا الله ، يا الله يا الله يا الله ، لك

الأسماء الحسنى والأمثال العليا ، والكبرياء والالاء والنعماء . أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم إن كنت قضيت

في هذه الليلة تنزل الملائكة والروح من كل أمر حكيم ، فصل على محمد وآل محمد واجعل اسمي في السعداء ،

وروحي مع الشهداء وإحساني في عليين ، وإساءتي مغفورة ، وأن تهب لي يقينا تباشر به قلبي ، وإيمانا يذهب الشك

عني ، وترضيني بما قسمت لي ، وآتني في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقني عذاب النار . وارزقني يا رب فيها

ذكرك وشكرك ، والرغبة والإنابة إليك ، والتوبة والتوفيق لما تحبه وترضاه ، ولما وفقت له شيعة آل محمد يا أرحم

الراحمين ، ولا تفتني بطلب ما زويت عني بحولك وقوتك ، وأغنني يا رب برزق منك واسع بحلالك عن حرامك .

وارزقني العفة في بطني وفرجي ، وفرج عني كل هو وغم ، ولا تشمت بي عدوي ، ووفق لي ليلة القدر على أفضل

ما رآها أحد ، ووفقني لما وفقت له محمدا وآل محمد ، عليه وعليهم السلام وافعل بي كذا وكذا ، الساعة الساعة -

حتى ينقطع النفس ( 1 ) .

 1 - رواه الشيخ في المصباح مع اختصار 2 : 634 ، والكليني في الكافي 4 : 164 ، والصدوق في الفقيه 2 : 164 .

 


وأكثر أن تقول وأنت قائم وقاعد وراكع وساجد :

  ويا مدبر الامور ، يا باعث من في القبور يا مجري البحور ، يا ملين الحديد لداود عليه السلام ، صل على محمد وآل محمد ، وافعل بي كذا وكذا ، الساعة الساعة ، الليلة الليلة - حتى ينقطع النفس .  

زيادة بغير الرواية :

  اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلني من أوفر عبادك نصيبا من كل خير أنزلته في هذه الليلة أو أنت منزله ،

من نور تهدي به ، أو رحمة تنشرها ، أو رزق تقسمه ، أو بلاء تدفعه ، أو مرض تكشفه ، واكتب لي فيها ما كتبت

لأوليائك الصالحين ، الذين استوجبوا منك الثواب ، وأمنوا برضاك عنهم العذاب . يا كريم يا كريم يا كريم ، صل على

محمد وآل محمد ، وافعل بي ذلك برحمتك ، وارزقني بعد انقضاء شهر رمضان العصمة والتوبة والانابة ، والتمسك

بولاية محمد وآل محمد ، ومن علي أبدا ما أبقيتني بذكرك وشكرك للرغبة ، والثبات على دينك ، والتوفيق لما وفقت له

محمدا وآل محمد عليه وعليهم السلام . اللهم إنك قلت في كتابك المنزل وقولك الحق : ( شهر رمضان الذي انزل فيه

القرآن ) ، وهذا شهر رمضان وقد تصرمت لياليه وأيامه . فأسألك بوجهك الكريم وكلماتك التامة ، وبحق محمد وآل

محمد ، إن كا بقي علي ذنب واحد لم تغفره لي ، أو تريد أن تحاسبني عليه ، أو تعاقبني عليه ، أو تقايسني به ، ان

يطلع فجر هذه الليلة ، أو يتصرم هذا الشهر إلا وقد غفرته يا أرحم الراحمين . أي ملين الحديد لداود ، أي كاشف

الكرب عن محمد ، صل على محمد وآل محمد ، واستجب دعائي ، وأعطني سؤلي ، واجعل هواي لي سخطا إلا ما

رضيته ، واجعل جميع طاعتك لي رضا ، وإن خالف ما هويت على ما أحببت أو كرهت . حتى أكون لك في جميع ما

أمرتني متابعا مطيعا سامعا ، وعن كل ما نهيتني عنه منتهيا ، وفي كل ما قضيت علي ولي راضيا ، وعلى كل ما

أنعمت به علي شاكرا ، وفي كل حالاتي لك ذاكرا ، من حال عافية أو بلاء ، أو شدة أو رخاء ، أو سخط أو رضى .

إلهي فصل على محمد وآل محمد ، وانظر إلي في جميع اموري نظرة رحيمة شريفة كريمة ، تقويني بها على ما

أمرتني به ، وتسددني لها ولجميع ما كلفتني فعله ، وتزيدني لها بصرا ويقينا في جميع ما عرفتني من آلائك عندي

وإنعامك علي ، وإحسانك إلي ، وتفضيلك إياي . إلهي حاجتي العظمى التي إن قضيتها لم يضرني ما منعتني ، وإن

منعتنيها لم ينفعني ، ما أعطيتني ، أسألك فكاك رقبتي من النار . يا سيدي ارحمني من السلاسل والإغلال والسعير ،

ارحمني من الطعام الزقوم ، وشرب الحميم ، ارحمني من جهنم إن عذابها كان غراما ، إنها سائت مستقرا ومقاما ،

ولا تعذبني وأنا أستغفرك ، ولا تحرمني وأنا أسألك ، أسألك الجنة وما فيها ، وأعوذ بك من النار وما جمعت . اللهم

فزوجني من الحور العين ، واجعلني ممن يأتي آمنا يوم القيامة ، إني لما أنزلت إلي من خير فقير ، فصل على محمد

وآل محمد ، وابدأ بمحمد وآل محمد ، في كل خير من خير الدنيا والاخرة .

 


من دعاء ليلة الثلاثين مروي عن النبي صلى الله عليه وآله :

  ربنا فاتنا الشهر المبارك ، الذي أمرتنا فيه بالصيام والقيام ، ولا تجعله آخر العهد منا ، ربنا فاغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا

وما تأخر ، ربنا ولا تخذلنا ولا تحرمنا المغفرة ، واعف واغفر لنا وارحمنا وتب علينا وارزقنا ، وارض منا واجعلنا

من أوليائك المتقين برحمتك يا أرحم الراحمين ( 6 ) .

 6 - عنه البحار 98 : 72 .

 

 

ومن ذلك ما قدمناه من الدعوات أول ليلة منه مما يتكرر في كل ليلة : ذكر صلاة ليلة ثلاثين :

ومن ذلك ما رواه جعفر بن محمد الدوريستى من كتاب الحسنى بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : من صلى
آخر ليلة من شهر رمضان عشر ركعات ، يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة واحدة ، و ( قل هو الله أحد ) عشر مرات

، ويقول في ركوعه وسجوده عشر مرات : ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) ، ويتشهد في كل ركعتين ثم يسلم . فإذا فرغ من آخر عشر ركعات ، قال بعد فراغه من التسليم : ( أستغفر الله ) ألف مرة ، فإذا فرغ من الاستغفار سجد ويقول في سجوده :

  يا حي يا قيوم ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا رحمان الدنيا والاخرة ورحيمهما يا ارحم الراحمين ، يا إله الأولين والاخرين ، اغفر لنا ذنوبنا ، وتقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا .  

قال النبي صلى الله عليه وآله : والذي بعثني بالحق نبيا ، إن جبرئيل أخبرني عن إسرافيل ، عن ربه تبارك وتعالى أنه لا يرفع رأسه من السجود حتى يغفر الله له ويتقبل منه شهر رمضان ، ويتجاوز عن ذنوبه ، وإن كان قد أذنب سبعين ذنبا كل

ذنب أعظم من ذنوب العباد ، ويتقبل من جميع أهل الكورة التي هو فيها . فقال النبي صلى الله عليه وآله لجبرئيل عليه
السلام : يا جبرئيل يتقبل الله منه خاصة شهر رمضان ومن أهل بلاده عامة ؟ فقال : نعم والذي بعثك ، إنه من كرامته عليه

وعظم منزلته لديه ، يتقبل الله منه ومنهم صلاتهم وصيامهم وقيامنهم ، ويغفر لهم ذنوبهم ، ويستجيب لهم دعاءهم . والذي بعثني بالحق إنه من صلى هذه الصلاة واستغفر هذا الاستغفار يتقبل الله منه صلاته وصيامه وقيامه ، ويغفر له ويستجيب له

دعاءه لديه . لأنه الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( واستغفروا ربكم إنه كان غفارا )  ،

ويقول : ( واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه ) ،

وقال : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ) .

ويقول عزوجل : ( واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله )

ويقول عزوجل : ( واستغفره إنه كان توابا )  .

ثم قال النبي صلى الله عليه وآله : هذه هدية لي خاصة ولامتي من الرجال والنساء ، لم يعطها الله عزوجل أحدا ممن كان قبلي من الأنبياء وغيرهم . ( 4 )

 4 - عنه البحار 98 : 73 - 74 .


أقول : وروي أنه يقرأ آخر ليلة من شهر رمضان سورة الأنعام ، والكهف ، ويس ، ويقول : مائة مرة : أستغفر الله وأتوب إليه .

 

 

الصفحة الرئيسية

 

أعمال شهر رمضان