|
|
الباب الخامس والثلاثون فيما نذكره من عمل آخر يوم من شهر رمضان وفيه عدة دعوات وزيادات منها : الدعوات المتكررة كل يوم من شهر الصيام ، وقد قدمنا ذكرها في اول يوم من الشهر . ومنها : ما يختص بيوم الثلاثين من الفصول الثلاثين : فمن ذلك ما وجدناه في نسخة عتيقة من كتب الدعوات ، ما يقال آخر يوم من شهر رمضان :
دعاء آخر في آخر منه : اللهم اجعل صيامي فيه بالشكر والقبول ، على ما ترضاه ويرضاه الرسول ، محكمة فروعه بالاصول ، بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين الأخيار الأبرار صلى الله عليهم . ومنها : اعتبار جريدة اعمالك من اول الشهر الى آخر يوم منه
وقبل انفصاله . فيجلس بين يدي مالك يوم الحساب على على الكبير والصغير . فينظر ما كان عليه من حيث دخل دار ضيافة الله جل جلاله والحضور بين يديه ، ويعتبر معارفه بالله جل جلاله وبرسوله صلوات الله عليه وآله ، وبخاصته وبما عرفته من الامور التي هي من مهام تكليفه في دنياه وتشريفه في آخرته . وهل ازداد معرفة بها وحبا هلا واقبالا عليها ونشاطا وميلا إليها ، أم حاله في التقصير على ما دخل عليه في أول الشهر من سوء التدبير ، وكذلك حال رضاه بتدبير الله جل جلاله هل هو قام في جميع اموره ، أو تارة يرضى وتارة يكره ما يختاره الله جل جلاله من تدبيره . وكيف توكله على الله جل جلاله ، هل هو على غاية ما يراد منه من السكون الى مولاه ، أو يحتاج الى الثقة بالله جل جلاله الى غير الله جل جلاله من علائق دنياه . وكيف تفويضه الى مالك أمره ، وكيف استحضاره بمراقبة اطلاع الله جل جلاله على سره ، وكيف انسه
بالله في خلواته وجلواته ، وكيف وثوقه بوعود الله جل جلاله وتصديقه لانجاز
عداته ، وكيف ايثاره لله جل جلاله على من سواه . وكيف حبه له وطلب قربه منه
واهتمامه بتحصيل رضاه ، وكيف شوقه الى
الخلاص من دار الابتلاء والانتقال الى منازل الأمان من الجفاء . وهل هو مستثقل من التكليف ، أو يعتقد ان ذلك من أفضل التشريف ، وكيف كراهته لما كره الله جل جلاله من الغيبة والكذب ، والنميمة والحسد ، وحب الرياسة ، وكلما يشغله عن مالك دنياه ومعاده . وغير ذلك من الاسقام للأديان التي تعرض لإنسان دون انسان ، وفي زمان دون زمان ، بكل مرض كان قد زال حمد الله جل جلاله على زواله ، وقام بما يتهيأ له من قضاء حق انعام الله جل جلاله وإفضاله . وليكن سروره بزوال أمراض الأديان اهم عنده من زوال أمراض الأبدان ، وأكمل من المسار بالظفر بالغنى بالدرهم والدينار ، ليكون عليه شعار التصديق بمقدار التفاوت بين الانتفاع بالدنيا الفانية والآخرة الباقية .
ومنها : دعاء ختم القرآن : فلا اقل ان يكون قد ختم واحدة في طول شهر رمضان ، كما تقدم ذكره في بعض الاخبار ، لمن يريد ان يقرء بتفكر وتدبر واعتبار . وسيأتي في هذا الفصل كلمات تختص بالنبي والأئمة وعليه وعليهم السلام ، فإذا أراد غيرهم تلاوتها فيبدلهما بما يناسب حاله من الكلام ، وهي قوله عليه السلام : ( وورثتنا علمه مفسرا - الى قوله : - فصل على محمد الخطيب به ) . وروى باسناد متصل الى ابي المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني باسناده الى مولانا علي بن الحسين عليهما السلام قال : وكان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن :
الاسرار ، فيطلب من ارحم الراحمين واكرم الاكرمين عفوه الذي عامل به المسيئين وبسط به آمال المسرفين ، فقد يعفو المولى عن عبده وهو غير راض عنه . وليكن طلبه للعفو على قدر ما وقع منه ، فان طلب العفو عن الذنب الكبير ما يكون مثل طلب العفو من عبد من الصغير ، ولا يكون طلب العفو من مالك
الدنيا والآخرة ، مثل طلب العفو من عبد من عبيده تؤل حاله الى القبور الداثرة .
أقول : فان صدق في طلب العفو على قدر سوء حاله ، وعلى قدر عظمة الله جل جلاله ،
فان الله جل جلاله اهل أن يرحمه ويصدقه في آماله .
أقول : وان جنحت نفس العبد عن طلب العفو على قدر الذنب ومقدار ما يليق بالرب ، فليفد نفسه الى مجلس القود منه ، إذا لم يطمع في العفو عنه ، ويكون عليه آثار صدق الحضور بين يدي من يستقيد من مهجته ونفسه ، خاضعة خائفة من الاستقصاء عليه في مؤاخذته .
ابليس المصر على الذنوب ، حيث قال عنه علام الغيوب في سؤاله : اجعلني من المنظرين ، فقال له في حال الغضب عليه : ( إنك من المنظرين * إلى يوم الوقت الملعوم ) . ويجتهد على عبرات تطفئ نيران الغضب ، وعلى دعوات معروفة بلزوم الأدب ، وتسليم العمل الذي عمله في شهره ، الى من كان قد جعله خفيرا وحاميا ومالكا لأمره ، فلعل الله جل جلاله لعنايته بخاصته يقبل العمل من يد نائبه الحافظ لشريعته ، ويتمم ما فيه من النقصان وتربح ما اشتملت عليه بضاعته من الخسران ان شاء الله تعالى .
الشهر ، وتمكنهم من الانسان . فليكن على وجه العبد الصائم
وظاهر احواله اثر التصديق بقول النبي صلى الله عليه وآله ، ويتصل في السلامة عن
الاعداء المطلقين على قدر ضررهم واجتهادهم في افساد الدنيا والدين ، على صفة ما
لو كان جيش الاعداء قد هجم عليه ، فاعتقلهم سلطان
أقوى منهم ، ومنعهم من الاساءة إليه ، ثم عاد السلطان القوى اطلقهم ومكنهم منه ، وهم يقصدون هذا العبد ولا يرجعون عنه ، فليرجع الى باب ذلك السلطان القاهر . فالذل له في منعهم عن هلاكه في الوقت الحاضر أيسر وأكمل وأحمد عاقبة من الاشتغال بالذل لهم أو بمحاربتهم ، وهو أقوى منه ، فيشغلونه
عن صلاح اعماله ، ومالا بد له منه ، فان الله جل جلاله قادر أن يقويه ، وان كان
ضعيفا ، كما اخرجه من العدم الى الوجود ولم يزل به برا لطيفا .
|
|