- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 69
- |
فصل ( 5 ) فيما نذكره من كيفية الدخول
على كرم الله جل جلاله في حضرة ضيافته
ودار رحمته التي فتحها بدخول شهر رمضان
روينا باسنادنا الى المسمعي والى معاوية بن عمار انهما سمعا
ابا عبد الله عليه السلام يوصي ولده ويقول : إذا دخل شهر رمضان اجهدوا انفسكم
في هذا الشهر ، فان فيه تقسيم الارزاق وتكتب الآجال ، وفيه يكتب وفد الله الذي
يفدون إليه ( 1 ) ، وفيه ليلة ، العمل فيها خير
من العمل في الف شهر . ( 2 )
وروى علي بن عبد الواحد في كتاب عمل شهر رمضان باسناده الى أبي عبد الله عليه
السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : عليكم في شهر رمضان بالاستغفار
والدعاء ، اما الدعاء فيدفع ( 3 ) عنكم البلاء ،
واما الاستغفار فيمحو ذنوبكم ( 4 ) .
ورأيت في الجزء الثاني من تاريخ نيسابور في ترجمة خلف بن ايوب العامري باسناده
الى النبي صلى الله عليه وآله : انه
كان إذا دخل شهر رمضان تغير لونه وكثرت صلاته ، وابتهل في الدعاء واشفق منه .
واعلم ان شهر الصيام مثل دار
ضيافة فتحت للانام ، فيها من سائر اصناف الاكرام والانعام ، ومن ذخائر خلع
الامان والرضوان ، واطلاق كثير من الاسراء بالعصيان ، وتواقيع بممالك وولايات
ربانيات حاضرات ومستقبلات ، ومراتب عاليات
|
* ( هامش ) *
1 - أي
يقدر فيه حاج بيت الله ، وفد جمع وافد ، يقال : وفد فلان على الأمير أي ورد
رسولا ، فكان الحاج
وفد الله وأضيافه نزلوا عليه رجاء بره واكرامه -
مرآت العقول .
2 - رواه الصدوق في
الفقيه 2 : 99 ، والكليني في الكافي 4 :
66 ، والشيخ في التهذيب 4 : 192 ، عنهم
الوسائل 10 : 305 .
3 - فان الدعاء ليدفع ( خ ل ) .
4 - رواه مع اختلاف في الفقيه 2 : 108 ،
فضائل الأشهر الثلاثة : 76 ، الامالي : 59 عنهما
الوسائل 10 : 304 ،
رواه الكليني في الكافي 4 :
88 ، عنه الوسائل 10 : 309 ، وفيهم : ( فتمحى به
ذنوبكم ) . ( * ) |
|
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس
الحسني ج 1 ص 70 - |
ومواهب غاليات ، وطي بساط الغضب والعتاب والعقاب ،
والاقبال على صلح اهل الجفاء لرب الارباب . فينبغي ان يكون نهوض المسلم العارف
المصدق بهذه المواهب الى دخول دار الضيافة بها على فوائد تلك المطالب بالنشاط
والاقبال والسرور
وانشراح الصدور ، وان كان قد عامل الله جل جلاله قبل الشهر
المشار إليه معاملة لا يرضاها ، وهو خجلان من دخول دار ضيافته ابواب كثيرة
بلسان الحال : ولدار هذه الضيافة ابواب كثيرة بلسان الحال : منها باب الغفلة
فلا تلم به ( 1 ) ولا تدخل
منه ، لانه باب لا يصلح الا لأهل الاهمال ، وانما
يدخل من الباب الذي دخل منه قوم ادريس وقوم يونس عليهما السلام ، ومن كان على
مثل سوء اعمالهم وظفروا منه بآمالهم . ويدخل من الباب الذي دخل منه اعظم
المذنبين ابليس ، قال جل جلاله
: ( اخرج منها فانك رجيم
* وان عليك لعنتي الى يوم الدين
) ( 2 ) ، فدخل عليه جل جلاله من باب تحريم الاياس والقنوط من رحمته
وقال : اجعلني من المنظرين ، فظفر منه جل جلاله بقضاء حاجته واجابة مسألته .
ويدخل اهل العصيان من كل
باب منه عاص ، انصلحت بالدخول منه حاله وتلقاه فيه
سعوده واقباله ، ويجلس على بساط الرحمة التي اجلس عليه سحرة فرعون لما حضروا
لمحاربة رب الارباب ، فظفروا منه جل جلاله بما لم يكن في الحساب من سعادة دار
الثواب . ويكون
على الجالس المخالف لصاحب الرسالة آثار الحياء والخجالة ، لأجل ما كان قد اسلف
من سوء المعاملة لمالك الجلالة ، وليظهر عليه من حسن الظن والشكر للمالك الرحيم
الشفيق كيف شرفه بالاذن له في الدخول والجلوس مع اهل الاقبال والتوفيق ان شاء
الله تعالى .
|
* ( هامش ) *
1 - ألم به : إذا نزل به .
2 - ص : 77 - 78 . ( * ) |
|
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس
الحسني ج 1 ص 71 - |
فصل : واعلم انني لما رأيت ان
شهر رمضان اول سنة السعادات بالعبادات ، وان فيه ليلة القدر التي فيها تدبير
امور السنة واجابة الدعوات ، اقتضى ذلك اني اودع السنة الماضي وشرفني بخلع
التراضي واغناني عن التقاضي ، وفرغني لاستقبال هذا العام الحاضر ، ولم يمنعني
من الظفر بالسعادة والعبادة فيه بمرض ولا عرض باطن ولا ظاهر .
فصل : ثم انني احضر هذا الكتاب ، عمل شهر الصيام ، واقبله
واجعله على رأسي وعيني ، واضمه الى صدري وقلبي ، واراه قد وصل الي من مالك امري
ليفتح به علي ابواب خيري وبري ونصري ، واتلقاه بحمدي وشكري وشكر الرسول الذي
كان سببا لصلاح امري ، كما اقتضى حكم الاسلام تعظيم المشاعر في البيت الحرام
وتقبيلها بفم الاحترام والاكرام .
فصل : ثم انني ابدأ بالفعل ، فاسأل الله جل
جلاله العفو عما جرى من ظلمي له وحيفي عليه ، وكلما هونت به من تطهير القلب
واصلاحه لنظر الله جل جلاله إليه ، والعفو عن كل جارحة اهملت شيئا من مهماتها
وعباداتها والاجتهاد في التوبة
النصوح من جناياتها والصدقة عن كل جارحة بما
تهيأ من الصدقات ، لقول الله جل جلاله : (
ان الحسنات يذهبن السيئات )
، اتصدق عن ايام السنة المستقبلة عن كل يوم وليلة برغيف ، لأجل ما
رويناه من فضل الصدقة وفائدته .
|