- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس
الحسني ج 1 ص 72 - |
فصل ( 6 ) فيما نذكره من شكر الله جل
جلاله على تقييد الشياطين ومنعهم من الصائمين في شهر رمضان
اعلم ان الرواية وردت بذلك متظاهرة ومعانيها متواترة متناصرة ، ونحن نذكر من
طرقنا إليه ألفاظ الشيخ محمد بن يعقوب ، فان كتبه كلها معتمد عليها .
فروى باسناده عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه
السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل بوجهه الى الناس فيقول :
يا معشر الناس ( 1 ) إذا طلع هلال شهر رمضان غلت
مردة ( 2 ) الشياطين ، وفتحت [ ابواب
السماء و ] ( 3 ) ابواب الجنان
وابواب الرحمة ، وغلقت ابواب النار ، واستجيب الدعاء ، وكان لله فيه عند كل فطر
عتقاء يعتقهم الله من النار ، ومناد ينادي كل ليلة : هل من سائل ، هل من مستغفر
، اللهم اعط كل منفق خلفا واعط كل ممسك تلفا
( 4 ) ، حتى إذا طلع هلال شوال
نودي المؤمنون ان اغدوا الى جوائزكم فهو يوم الجائزة ، ثم قال أبو جعفر عليه
السلام : اما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير والدراهم
( 5 ) .
ورأيت حديث خطبة النبي صلى الله عليه وآله رواية احمد بن محمد بن عياش في كتاب
الاغسال ، بنسخة تاريخ كتابتها ربيع الآخر سنة سبع وعشرين واربعمأة ، يقول
باسناده الى مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام انه قال : لما كان اول ليلة من
شهر رمضان قام رسول الله صلى الله عليه وآله ، فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال : ايها الناس قد كفاكم الله عدوكم من الجن والانس ، ووعدكم
الاجابة وقال : ( ادعوني
استجب لكم ) ( 6 ) ، الا
وقد وكل الله سبحانه وتعالى بكل شيطان مريد سبعة
من الملائكة ، فليس بمحلول حتى ينقضي شهر رمضان ، الا وابواب
السماء مفتحة من اول ليلة منه الى آخر ليلة منه ، الا والدعاء فيه مقبول . حتى
إذا كان اول ليلة من العشر قام فحمد الله وأثنى عليه وقال مثل ذلك ثم قام ،
|
* ( هامش ) *
1 - في
الأصل : المسلمين ، ما أثبتناه من الكافي .
2 - مردة جمع مارد : العاتي ، أو جمع مريد :
الذي لا ينقاد ولا يطيع .
3 - من الكافي .
4 - خلفا - بالتحريك - أي عوضا عظيما في الدنيا
والآخرة ، تلفا أي المال والنفس .
5 - رواه في الكافي
4 : 67 ، الفقيه 2 : 97 ،
التهذيب 4 : 193 ، أخرجه الصدوق في أماليه
: 48 ،
ثواب الأعمال : 89 ، عنهم
الوسائل 10 : 310 .
6 - الفرقان : 60 . ( * ) |
|
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس
الحسني ج 1 ص 73 - |
وشمر ( 1 ) وشد المئزر وبرز من بيته واعتكف واحيا
الليل كله ، وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشائين ، فقلت : ما معنى شد المئزر
(
2 ) ؟ فقال : كان يعتزل النساء فيهن - وفي رواية اخرى : انه ما كان يعتزلهن
( 3
) .
أقول : سألني بعض اهل الدين فقال : ما يظهر لي زيادة انتفاع بمنع الشياطين
، لأنني أرى الحال التي كنت عليها من الغفلة قبل شهر رمضان ، كأنها على حالها
ما نقصت بمنع اعوان الشيطان . فقلت له : يحتمل ان الشياطين لو تركوا على حالهم
في اطلاق العنان كانوا يحسدونكم على هذا شهر الصيام ، فيجتهدون في هلاككم مع
الله جل جلاله أو في الدنيا بغاية الامكان ، فيكون الانتفاع بمنعهم من زايادات
الاذيات والمضرات ، ودفعهم عما يعجز الانسان عليه من المحذورات .
ويحتمل ان
يكون لكل شهر شياطين به دون سائر الشهور ، فيكون منع الشياطين في شهر رمضان
يراد به شياطين هذا الشهر المذكور ، وغيرهم من الشياطين على حالهم ، مطلقين
فيما يريدونه بالانسان من الامور ، فلذلك ما يظهر للانسان سلامتهن من وسوسة
الصدور .
ويحتمل ان يكون منع الشياطين عن قوم مخصوصين ، بحسب ما يقتضيه مصلحتهم
ورحمة رب العالمين ، والا فان الكفار وغيرهم ربما لا تغل عنهم الشياطين في شهر
رمضان ولا في غيره من الأزمان .
ومن الجواب انه يحتمل ان العبد معه ابليس والشياطين ، فإذا غلت الشياطين كفاه
ابليس في غروره للمكلفين . ومن الجواب انه يحتمل ان العبد معه نفسه وطبعه
وقرناء السوء ، وإذا غلت
|
* ( هامش ) *
1 - شمر
للأمر : اراده وتهيأ له .
2 - في النهاية : المئزر : الأزار ، وكني بشدة عن
اعتزال النساء .
3 - الوسائل 3 : 326 ، روى صدره الصدوق في
الفقيه 2 : 98 ،
ثواب الأعمال : 90 ، عنهما الوسائل 10 : 304 ،
روى ذيله الصدوق في الفقيه 2 :
156 ، والكليني في الكافي 4 : 155 ، عنهما
الوسائل 10 : 312 . ( * ) |
|
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس
الحسني ج 1 ص 74 - |
الشياطين فكفاه هؤلاء في غرورهم وعداوتهم للمكلف المسكين .
ومن الجواب ان العبد له قبل شهر رمضان ذنوب قد سودت قلبه وعقله وصارت حجابا
بينه وبين الله جل جلاله ، فلا يبعد منه ان تكون ذنوبه السالفة كافية له في
استمرار غفلته ، فلا يؤثر منع الشياطين عند الانسان لعظيم مصيبته ، ويمكن غير
ذلك من الجواب ، وفي هذا كفاية لذوي الالباب .
|