فصل ( 49 ) فيما نذكره من ولادة مولانا
المهدي عليه السلام في ليلة النصف من شعبان وما يفتح الله جل جلاله علينا من
تعظيمها بالقلب والقلم واللسان
اعلم اننا ذكرنا في كتاب التعريف للمولد الشريف تفصيل هذه
الولادة الشريفة ، وروينا ما يتعلق بها في فصول لطيفة ، فذكرنا فصلا في كشف
شراء والدته عليها افضل التحيات .
وفصلا في حديث الولادة والقابلة ومن ساعدها من نساء الجيران ، ومن هاهنا نساء
من الدار ، بولدها العظيم الشأن عليه افضل الصلوات .
وفصلا في حديث عرض مولانا الامام الحسن العسكري لولده المهدي صلوات الله عليهما
بعد الولادة بثلاثة ايام على من يثق به من خاصته الصالحين لحفظ اسرار الاسلام .
وفصلا فيمن بشر هاهنا صلوات الله عليه بولادة المهدي عليه السلام . وفصلا بذكر
العقيقة الجسيمة عن تلك الولادة العظيمة خبزا ولحما .
وفصلا فيمن اهدى إليه مولانا الحسن العسكري رأسا من جملة
الغنم المتقرب بذبحها ، لأجل عقيقة الولادة التي شهد المعقول والمنقول بمدحها .
وفصلا في حديث اقامة الحسن العسكري عليه السلام وكيلا في حياته يكون في خدمة
مولانا المهدي عليه السلام بعد انتقال والده الى الله جل جلاله ووفاته .
وأوضحنا تحقيق هذه الاحوال لم أعرف ان احدا سبقنا الى
كشفها كما رتبناه من صدق المقال .
فصل ( 50 ) فيما نذكره [ في بشارة النبي جده صلى الله
عليه وآله بولادته وعظيم انتفاع الاسلام برئاسته ] ان مولانا المهدي
عليه السلام ممن اطبق اهل الصدق ممن يعتمد على قوله ، بان النبي جده صلى الله
عليه وآله بشر الامة بولادته وعظيم انتفاع الاسلام برئاسته
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 3 ص 328 : - |
ودولته ، وذكر شرح كمالها وما يبلغ إليه حال جلالها الى ما لم
يظفر نبي سابق ولا وصي لا حق ، ولا بلغ إليه ملك سليمان عليه السلام الذي حكم
في ملكه على الانس والجن . لان سليمان عليه السلام لما قال :
( هب لي ملكا لا ينبغي
لاحد من بعدي انك انت الوهاب ) ( 1 ) .
ما قيل له : قد اجبنا سؤالك في اننا لا نعطي احدا من بعدك اكثر منه في سبب من
الاسباب ، انما قال الله جل جلاله :
( فسخرنا له الريح تجري بامره رخاء حيث اصاب
والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الاصفاد
) ( 2 ) .
والمسلمون مجمعون على ان محمدا صلى الله عليه وآله سيد المرسلين وخاتم النبيين
اعطى من الفضل العظيم والمكان الجسيم ، ما لم يعط احد من الانبياء في الأزمان
ولا سليمان . ومن البيان على تفصيل منطق اللسان والبيان ان المهدي عليه السلام
يأتي في اواخر الزمان وقد تهدمت اركان اديان الانبياء ودرست
معالم مراسم الاوصياء وطمست آثار انوار الأولياء ، فيملأ الارض قسطا وعدلا
وحكما كما ملئت جورا وجهلا وظلما . فبعث الله جل جلاله رسوله محمدا صلى الله
عليه وآله ليجدد
سائر مراسم الانبياء والمرسلين ويحيي به معالم الصادقين من
الاولين والآخرين ولم يبلغ أحدا منهم صلوات الله عليهم وعليه الى انه قام احد
منهم بجميع امرهم بعدد رؤوسه ويبلغ به ما يبلغ هو عليه السلام إليه .
وقد ذكره أبو نعيم الحافظ وغيره من رجال المحافظ وغيره من رجال المخالفين وذكر
ابن المنادي في كتاب الملاحم وهو عندهم ثقة امين ، وذكره أبو العلى الهمداني
وله المقام المكين ، وذكرت شيعته من آيات ظهوره وانتظام اموره عن سيد المرسلين
صلى الله عليه وآله ما لم يبلغ إليه احد من العالمين .
|
* ( هامش ) *
1 -
ص : 35 . 2 -
ص : 36 . ( * ) |
|
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 3 ص 329 : - |
وذلك من جملة آيات خاتم النبيين وتصديق ما خصه الله جل جلاله
( 1 ) ، انه من فضله في قوله جل جلاله : ( ليظهره
على الدين كله ) ( 2 ) .
اقول : فينبغي ان يكون تعظيم هذه الليلة لأجل ولادته عند
المسلمين والمعترفين بحقوق امامته على قدر ما ذكره جده محمد صلى الله عليه وآله
وبشر به المسعودين من امته ، كما لو كان المسلمون قد اظلمت عليهم ايام حياتهم ،
واشرفت عليهم جيوش اهل عداوتهم ، واحاطت بهم نحوس خطيئاتهم .
فأنشأ الله تعالى مولودا يعتق رقابهم من رقها ، ويمكن كل يد مغلولة من حقها ،
ويعطي كل نفس ما تستحقه من سبقها ، ويبسط للخلائق في المشارق والمغارب بساطا
متساوي الاطراف مكمل الألطاف مجمل الأوصاف ، ويجلس الجميع عليه
اجلاس الوالد الشفيق لأولاده العزيزين عليه ، أو اجلاس الملك الرحيم الكريم لمن
تحت يديه ويريهم من مقدمات آيات المسرات وبشارات المبرات في دار السعادات
الباقية ما يشهد حاضرها لغائبها وتقود القلوب والاعناق الى طاعة واهبها .
اقول : وليقم كل انسان لله جل جلاله في هذه الليلة بقدر شكر ما من الله عز وجل
عليه بهذا السلطان وانه جعله من رعاياه والمذكورين في ديوان جنده والمسمين
بالاعوان على تمهيد الاسلام والايمان واستيصال الكفر الطغيان والعدوان ومد
سرادقات
على تمهيد الاسلام والايمان واستيصال الكفر والطغيان والعدوان
ومد سرادقات السعادات على سائر الجهات من حيث تطلع شموس السماوات والى حيث تغرب
الى اقصى الغايات والنهايات . ويجعل من خدمته لله جل جلاله الذي لا يقوم
الاجساد
بمعانيها خدمة لرسوله صلى الله عليه وآله ، الذي كان سبب هذه الولادة والسعادة
وشرف رئاستها وخدمة لابائه الطاهرين الذين كانوا اصلا لها واعوانا على اقامة
حرمتها وخدمة له صلوات الله عليه وآله ، كما يجب على الرعية لمالك ازمتها
والقيم لها باستقامتها وادراك سعادتها . ولست اجد القوة
البشرية قادرة على القيام بهذه الحقوق المعظمة المرضية الا بقوة من
|
* ( هامش ) *
1 - إليه (
خ ل ) . 2 - التوبة
: 33 ، الفتح : 28 ، الصف
: 9 . ( * ) |
|