- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 467 : -

الباب السابع والثلاثون فيما نذكره من وظائف يوم عيد الفطر وفيه عدة فصول :

فصل ( 1 ) فيما نذكره من الآداب في استقبال ذلك النهار اعلم ان نهار يوم العيد فتح باب سعيد وتجديد فضل جديد لم يجر مثله منذ سنة ماضية ويمضي ، فلا يعود مثله الى نحو سنة آتية . وما يخفى على ذوي الالباب ان فتح الابواب التي تكون

في الأوقات المتباعدات بزيادات السعادات لها حق التعظيم والاحترام ، وحق الاعتراف لصاحب الانعام ولزوم الآداب في سائر الاسباب مع مالك يوم الحساب . كما رويناه باسنادنا الى أبي جعفر محمد بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه

فقال : ونظر الحسن بن علي عليهما السلام الى الناس يوم الفطر يضحكون ويلعبون ، فقال لأصحابه - والتفت إليهم - : ان
الله عزوجل خلق شهر رمضان مضمارا لخلقه ، يستبقون فيه بطاعته ورضوانه ، فسبق فيه قوم ففازوا ، وتخلف آخرون

فخابوا ، بالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المقصرون ، وايم الله لو كشف

 ج 1 ص 468

الغطاء لشغل محسن بإحسانه ومسئ باساءته ( 1 ) .

ورواه ايضا أبو عبد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني في الجزء السابع من كتاب الأزمنة فقال : حدثني عبد الله بن جعفر أبو العباس عن محمد بن يزيد النحوي قال : خرج الحسن بن علي عليهما السلام في يوم فطر والناس يضحكون فقال :

ان الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه الى طاعته ، فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا ، والعجب من الضاحك في هذا اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون ، والله لو كشف الغطاء لشغل محسن

باحسانه ومسئ باساءته عن ترجيل شعر ( 2 ) وتصقيل ( 3 ) ثوب ( 4 ) .
 


فصل ( 2 ) فيما نذكره من صلاة الفجر يوم العيد وما يختص تعقيبها في اليوم المذكور أقول :

ان التكبير الذي ذكرناه بعد العشاء والمغرب ليلة عيد الفطر ، ينبغي أن يكون عقيب صلاة الفجر .

ويدعو ايضا فيقول ما رواه محمد بن أبي قرة في كتابه باسناده الى أبي عمرو محمد بن محمد بن نصر السكوني رضي الله عنه . قال : سألت أبا بكر احمد بن محمد بن عثمان البغدادي رحمه الله ان يخرج الي دعاء شهر رمضان الذي كان عمه
 

 

* ( هامش ) *
 1 - رواه الصدوق في الفقيه 1 : 324 ، والكليني في الكافي 4 : 181 ، عنهما الوسائل 7 : 480 .
 2 -
شعره ، ثوبه ( خ ل ) . 3 - صقلت السيف والمراة : جلوته . 4 - عنه البحار 91 : 119 . ( * )

 

الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه وارضاه يدعو به ، فاخرج الي دفترا مجلدا باحمر فيه
ادعية شهر رمضان ، من جملتها الدعاء بعد صلاة الفجر يوم الفطر :

 

اللهم إني توجهت إليك بمحمد صلى الله عليه وآله أمامي ، وعلي من خلفي وعن يميني ، وأئمتي عن يساري ، أستتر
بهم من عذابك ، وأتقرب إليك زلفى ، لا أجد أحدا أقرب إليك منهم ، فهم أئمتي ، فآمن بهم خوفي من عقابك وسخطك ،

وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين . أصبحت بالله مؤمنا مخلصا على دين محمد صلى الله عليه وآله وسنته ، وعلى دين علي وسنته ، وعلى دين الأوصياء وسنتهم . آمنت بسرهم وعلانيتهم ، وأرغب الى الله تعالى فيما رغب فيه محمد

وعلي والأوصياء ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا عزة ولا منعة ولا سلطان إلا لله الواحد القهار ، العزيز الجبار ، توكلت على الله ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، إن الله بالغ أمره . اللهم إني اريدك فأردني ، وأطلب ما عندك

فيسره لي ، واقض لي حوائجي ، فانك قلت في كتابك ، وقولك الحق : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) . فعظمت حرمة شهر رمضان بما انزلت فيه من القرآن ، وخصصته وعظمته

بتصييرك فيه ليلة القدر ، فقلت : ( ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر ) . اللهم وهذه أيام شهر رمضان قد انقضت ، ولياليه قد تصرمت ، وقد صرت منه يا الهي

الى ما انت اعلم به مني ، واحصى لعدده من عددي . فأسألك يا الهي بما سألك به عبادك الصالحون أن تصلي على محمد وأهل بيت محمد وأن تتقبل مني ما تقربت به إليك ، وتتفضل علي بتضعيف عملي ، وقبول تقربي وقرباتي ،

واستجابة دعائي ، وهب لي منك عتق رقبتي من النار ، ومن علي بالفوز بالجنة ، والأمن يوم الخوف ، من كل فزع ومن كل هول ، أعددته ليوم القيامة . أعوذ بحرمة وجهك الكريم ، وبحرمة نبيك ، وحرمة الصالحين أن ينصرم هذا

اليوم ، ولك قبلي تبعة تريد أن تؤاخذني بها ، أو ذنب تريد أن تقايسني به ، ويشقيني وتفضحني به ، أو خطيئة تريد أن تقايسني بها وتقتصها مني لم تغفرها لي . وأسألك بحرمة وجهك الكريم الفعال لما تريد ، الذي يقول للشئ كن فيكون ،

لا إله إلا هو . اللهم إني أسألك بلا إله إلا أنت ، إن كنت رضيت عني في هذا الشهر أن تزيدني  فيما بقي من عمري رضى ، وإن كنت لم ترض عني في هذا الشهر فمن الان فارض عني ، الساعة الساعة الساعة ، واجعلني في هذه

الساعة ، وفي هذا المجلس من عتقائك من النار ، وطلقائك من جهنم ، وسعداء خلقك ، بمغفرتك ورحمتك ، يا أرحم الراحمين . اللهم إني أسألك بحرمة وجهك الكريم ، أن تجعل شهري هذا ، خير شهر رمضان عبدتك فيه ، وصمته لك

، وتقربت به إليك ، منذ أسكنتني فيه ، أعظمه أجرا ، وأتمه نعمة ، وأعمه عافية ، وأوسعه رزقا ، وأفضله عتقا من النار ، وأوجبه رحمة ، وأعظمه مغفرة ، وأكمله رضوانا ، وأقربه إلى ما تحب وترضى . اللهم لا تجعله آخر شهر

رمضان صمته لك ، وارزقني العود ثم العود ، حتى ترضى وبعد الرضا ، وحتى تخرجني من الدنيا سالما ، وأنت عنى راض وانا لك مرضي . اللهم اجعل فيما تقضي وتقدر من الأمر المحتوم الذي لا يرد ولا يبدل أن تكتبني من حجاج

بيتك الحرام في هذا العام وفي كل عام ، المبرور حجهم ، المشكور سعيهم ، المغفور ذنوبهم ، المتقبل عنهم مناسكهم ، المعافين في أسفارهم ، المقبلين على نسكهم ، المحفوظين في أنفسهم وأموالهم وذراريهم وكل ما أنعمت به عليهم . اللهم

اقلبني من مجلسي هذا ، في شهري هذا ، في يومي هذا ، في ساعتي هذه ، مفلحا منجحا مستجابا لي ، مغفورا ذنبي ، معافا من النار ، ومعتقا منها ، عتقا لا رق بعد أبدا ولا رهبة ، يا رب الأرباب . اللهم إني أسألك أن تجعل فيما شئت

وأردت ، ، وقضيت وقدرت ، وحتمت وأنفدذت ، أن تطيل عمري ، وأن تنسأني في أجلي ، وأن تقوي ضعفي ، وأن تغني فقري ، وأن تجبر فاقتي ، وأن ترحم مسكنتي ، وأن تعز ذلي ، وأن ترفع ضعتي ، وأن تغني عائلتي ، وأن تؤنس

وحشتي ، وأن تكثر قلتي ، وأن تدر رزقي ، في عافية ويسر وخفض ، وأن تكفيني ما أهمني من أمر دنياي وآخرتي . ولا تكلني الى نفسي فاعجز عنها ، ولا الى الناس فيرفضوني ، وأن تعافيني في ديني وبدني ، وجسدي وروحي ،

وولدي وأهلي ، وأهل مودتي ، واخواني وجيراني ، من المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، وأن تمن علي بالأمن والايمان ما أبقيتني . فانك وليي ومولاي ، وثقتي ورجائي ، ومعدن مسألتي ،

وموضع شكواي ، ومنتهى رغبتي ، فلا تخيبني رجايي يا سيدي ومولاي ، ولا تبطل طمعي ورجائي . فقد توجهت إليك بمحمد وآل محمد ، وقدمتهم إليك أمامي وأمام حاجتي وطلبتي ، وتضرعي ومسألتي ، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا

والآخرة ومن المقربين ، فانك مننت علي بمعرفتهم ، فاختم لي بهم السعادة ، إنك على كل شئ قدير .

 زيادة فيه : مننت علي بهم ، فاختم لي بالسعادة والأمن ، والسلامة والايمان ، والمغفرة والرضوان ، والسعادة والحفظ . يا الله أنت لكل حاجة لنا ، فصل على محمد وآله وعافنا ، ولا تسلط علينا أحدا من خلقك لا طاقة لنا به ، واكفنا كل أمر من أمر الدنيا والاخرة يا ذا الجلال والاكرام ، صل على محمد وآل محمد ، وترحم على محمد وآل محمد ، وسلم على محمد وآل محمد ، كافضل ما صليت وباركت وترحمت ، وسلمت وتحننت ، على ابراهيم وآل ابراهيم ، انك حميد مجيد ( 2 ) .

 2 - عنه البحار 91 : 2 - 4 ، رواه الكفعمي في بلد الأمين : 269 ، عنه البحار 98 : 203 ، ورواه الشيخ في مصباحه : 655 - 658 . ( * )

 

 
فصل : أقول : وان اراد المتشرف باستقبال يوم العيد ، أن يخاطب كرم المالك للتأييد والمزيد ، فيقول : اللهم إن الملوك و الامراء قد وهبوا خلعا لمماليكهم وعبيدهم وجنودهم ، ولو كان المماليك من الأغنياء ، والعبد المملوك رأسه مكشوف من

عمائم المراقبة التي تليق بكم ، ومن ميازر الاخلاص التي تجب لكم ، ومن ستر الاقبال عليكم ، ومن الخلع التي تصلح للحضور بين يديكم ، وثياب العبد المملوك خلقة بيد الغفلات ، ودنسة من وسخ الشهوات ، ولباس ستر عيوبه
 

 ج 1 ص 473

ممزق بيد ايثاره عليكم ، ومغفر غفران ذنوبه مكسر بيد تهوينه بالاستغفار الذي يقربه اليكم ، وعوراته مكشوفة وعثراته مخوفة . فهو متهتك  في هذا العيد السعيد بسوء ملبوسه ، وخجلان خزيان من ثياب نحوسه ، فما انتم صانعون بمملوك

يقول بلسان حاله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وأنتم علمتم الملوك مكارم الاخلاق ، وعنكم ومنكم عرف إبتداء الخلع ،
وإطلاق الأعناق والأرزاق .


وقد كان العبد المملوك لما ابتدأتم بانشائه عرفتم ما يقع منه من سوء إبائه ، ووسعه حلمكم ، حتى خلعتم عليه خلع البقاء ، وخلع سلامة الأعضاء ، وخلع الشفاء من الأدواء ، وكسوتموه لحما وجلدا ، وبالغتم معه انعاما رفدا . فيبقى العبد المملوك

عريانا بحضرتكم ، فمن ذا يستره ويكسوه إذا رآه ، وقد ضاقت عنه سعة رحمتك ، ومن يأويه إذا نودي عليه : أي طريد نقمتكم ، فيامن خلع عليه ، وقد عرف يا ما ينتهي حاله إليه ، ورباه وغذاه وآواه ، فقد أحاط علما بجرأته عليه ، وما كان قد

تشرف بمعرفة مولاه ، ولا ارتضاه أن يخدمه في دنياه . إرحم استغاثته بك ، واستكانته لك ، واستجارته بظلك ، ووسيلته بفضلك إلى عدلك ، واكسر من خلع العفو والغفران ، والأمان والرضوان ، ما يكون ذكرها وشكرها ونشرها ، منسوبا إلى

مجرد رحمتك وجودك . فقد انكسر قلبه ، وخجل واستحيا من وقوفه عريانا في يوم عيدك ، مع كثرة من خلعت عليه من عبيدك ، ووفودك ، وما له باب غير بابك ، وهو عاجز عن عتابك ، فكيف يقوى على حرمانك وعقابك .


 

 

الصفحة الرئيسية

 

فهرس الكتاب