- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 489 : -

فصل ( 16 ) فيما نذكره من دعاء مروي عن مولانا زين العابدين صلوات الله عليه وسلامه قبل صلاة العيد


رويناه باسنادنا الى الشيخ أبي محمد بن هارون بن موسى التلعكبري رضي الله عنه ، باسناده الى جابر بن يزيد الجعفي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : كنت بالمدينة وقد ولاها مروان بن الحكم من قبل يزيد بن معاوية ، وكان شهر رمضان ،

فلما كان في آخر ليلة منه أمر مناديه أن ينادي بالناس في الخروج الى البقيع لصلاة العيد ، فغدوت من منزلي اريد الى
سيدي علي بن الحسين عليهما السلام غلسا . فما مررت بسكة من سكك المدينة الا رأيت أهلها خارجين الى البقيع ،

فيقولون : إلى أين تريد يا جابر ؟ فأقول : الى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتى أتيت المسجد ، فدخلته ، فما وجدت فيه الا سيدي علي بن الحسين عليهما السلام قائم يصلي صلاة الفجر وحده ، فوقفت وصليت بصلاته ، فلما ان

فرغ من صلاته سجد سجدة الشكر . ثم انه جلس يدعو وجعلت اؤمن على دعائه ، فما أتي آخر دعائه حتى بزغت الشمس ، فوثب قائما على قدميه تجاه القبلة وتجاه قبر رسول الله صلى الله عليه وآله .

ثم انه رفع يديه حتى صارتا بإزاء وجهه وقال :

  إلهي وسيدي أنت فطرتني وابتدأت خلقي ، لا لحاجة منك إلي بل تفضلا منك علي ، وقدرت لي أجلا ورزقا لا أتعداهما

، ولا ينقصني أحد منهما شيئا ، وكنفتني منك بأنواع النعم والكفاية طفلا وناشئا ، من غير عمل عملته ، فعلمته مني

فجازيتني عليه ، بل كان ذلك منك تطولا علي وامتنانا . فلما بلغت بي أجل الكتاب من علمك بي ووفقتني لمعرفة

وحدانيتك والاقرار بربوبيتك ، فوحدتك مخلصا لم أدع لك شريكا في ملكك ، ولا معينا على قدرتك ، ولم أنسب إليك

صاحبة ولا ولدا . فلما بلغت بي تناهي الرحمة منك علي ، مننت بمن هديتني به من الضلالة ، واستنقذتني به من الهلكة

، واستخلصتني به من الحيرة ، وفككتني به من الجهالة ، وهو حبيبك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله ، أزلف خلقك

عندك ، وأكرمهم منزلة لديك ، فشهدت معه بالوحدانية ، وأقررت لك بالربوبية والرسالة ، وأوجبت له على الطاعة .

فأطعته كما أمرت ، وصدقته فيما حتمت ، وخصصته بالكتاب المنزل عليه والسبع المثاني الموحات إليه ، وأسميته

القرآن ، وأكنيته الفرقان العظيم . فقلت جل اسمك : ( ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) وقلت جل قولك له

، حين اختصصته بما سميته به من الأسماء : ( طه * ما انزلنا عليك القرآن لتشقى ) ، وقلت عز قولك : ( يس *

والقرآن الحكيم ) ، وقلت تقدست أسماؤك : ( ص * والقرآن ذي الذكر ) ، وقلت عظمت آلاؤك : ( ق * والقرآن

المجيد ) . فخصصته أن جعلته قسمك حين أسميته ، وقرنت القرآن معه ، فما في كتابك من شاهد قسم ، والقرآن

مردف به ، الا وهو اسمه ، وذلك شرف شرفته به وفضل بعثته إليه ، تعجز الألسن والأفهام عن وصف مرادك به ،

وتكل عن علم ثنائك عليه . فقلت عز جلالك في تأكيد الكتاب وقبول ما جاء فيه : ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) ،

وقلت عززت وجللت : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) ، وقلت تباركت وتعاليت في عامة ابتدائه : ( آلر * تلك آيات

الكتاب الحكيم ) ، و ( آلر * كتاب احكمت آياته ) ، و ( آلر * كتاب أنزلناه إليك ) ، و ( آلر * تلك آيات الكتاب

المبين ) ، و ( آلم * ذلك الكتاب لا ريب فيه ) ، وفي أمثالها من سور الطواسين والحواميم . في كل ذلك ثنيت بالكتاب

مع القسم الذي هو اسم من اختصصته لوحيك ، واستودعته سر غيبك ، فأوضح لنا منه شروط فرائضك ، وأبان لنا عن

واضح سنتك ، وأفصح لنا عن الحلال والحرام ، وأنار لنا مدلهمات الظلام ، وجنبنا ركوب الاثام ، وألزمنا الطاعة ،

ووعدنا من بعدها الشفاعة . فكنت ممن أطاع أمره ، وأجاب دعوته ، واستمسك بحبله ، فأقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ،

والتزمت الصيام الذي جعلته حقا فقلت جل اسمك : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) . ثم إنك أبنته

فقلت عززت وجللت من قائل : ( شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن ) ، وقلت : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )  .

ورغبت في الحج بعد إذ فرضته الى بيتك الذي حرمته ، فقلت جل اسمك : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه

سبيلا ) ، وقلت عززت وجللت : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق *

ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) . اللهم إني أسألك أن تجعلني

من الذين يستطيعون إليه سبيلا ، ومن الرجال الذين يأتونه ليشهدوا منافع لهم ، وليكبروا الله على ما هدايهم . وأعني

اللهم على جهاد عدوك في سبيلك مع وليك ، كما قلت جل قولك : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم

الجنة يقاتلون في سبيل الله ) ، وقلت جلت أسماؤك : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم )

. اللهم فأرني ذلك السبيل ، حتى اقاتل فيه بنفسي ومالي طلب رضاك ، فأكون من الفائزين . إلهي أين المفر عنك ، فلا

يسعني بعد ذلك إلا حلمك ، فكن بي رؤوفا رحيما ، وأقبلني وتقبل مني ، وأعظم لي فيه بركة المغفرة ومثوبة الأجر ،

وأرني صحة التصديق بما سألت ، وإن أنت عمرتني إلى عام مثله ، ويوم مثله ، ولم تجعله آخر العهد مني ، فأعني

بالتوفيق على بلوغ رضاك . وأشركني يا إلهي في هذا اليوم ، في جميع دعاء من أجبته ، من المؤمنين والمؤمنات ،

وأشركهم في دعائي إذا أجبتني في مقامي هذا بين يديك ، فاني راغب إليك لي ولهم ، وعائد بك لي ولهم ، فاستجب لي

يا أرحم الراحمين ( 7 ) .

 7 - عنه البحار 91 : 7 - 9 ، مستدرك الوسائل 6 : 151 و 455 مختصرا ، أورده الكفعمي في البلد الأمين : 238 ، وفي مصباحه : 649 ، و 651 ( الهامش ) ، أخرجه في الصحيفة السجادية الجامعة : 310 ، الدعاء : 144 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

فهرس الكتاب