- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 2 ص 70 : -

فصل ( 22 ) فيما نذكره من ادعية يوم عرفة


اعلم اننى وجدت في الروايات اختلافا فيما نذكره قبل الشروع في الدعوات . فقال جدى أبو جعفر الطوسى : فإذا وقفت للدعاء فعليك بالسكينة والوقار واحمد الله تعالى وهلله ومجده ، وكبره مائة تكبيرة ، واحمده مائة مرة ، وسبحه مائة واقرء ( قل هو الله احد ) مائة مرة (1) .


وقال محمد بن على الطرازى في كتابه باسناده عن الصادق عليه السلام مثل هذا العدد في التكبير والتحميد والتسبيح ، مائة مرة كما قدمناه ، ثم قال : وان احببت ان تزيد على ذلك فزد واقرء سورة القدر مائة مرة .


ووجدت في رواية اخرى عن مولانا الصادق عليه السلام ما هذا لفظه : تكبر الله تعالى مائة مرة وتهلله مائة مرة وتسبيحه مائة مرة وتقدسه مائة مرة وتقرء آية الكرسي مائة مرة وتصلى على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة .


أقول : فليكن الاستظهار لاخراك ارجح عندك من الاحتياط لدنياك . فلو ان سلطانا جعل لرعيته يوما يحضرون بين يديه ويعرضون حوائجهم عليه ، وكانت الرعية مفتقرة في كل شئ إليه واختلف عليهم خواص السلطان فيما عينه الملك من لفظ

الكلام الذى يعرض عليه وقت الحضور بين يديه ، لطلب ما يحتاجون إليه من الاحسان ، اما كانوا يستظهرون لكل طريق في الاحتياط والاستظهار بذكر الالفاظ في جميعها التى ذكرها لهم الخواص عن الشفيق .
 

 

* هامش *

 

 

(1) مصباح المتهجد : 678 . ( * )

 

 

- ص 71 -

وأقول : يا أيها الرجل المتشرف بنور المعقول والمنقول وهداية الرسول ، انت تعلم انك لو تعلمت تلك الالفاظ جميعها على التفصيل ، ثم دخلت بين يدى ذلك السلطان الجليل وتلوتها بلسانك ، وكنت معرض عنه أو مشغول بغيره عن الالتفات إليه وادب القرب منه ، فانك تشهد على نفسك بالجهل بقدر السلطان ، وانك قد عرضت نفسك للحرمان أو الهوان .


فإذا لا يجوز ان تدخل حضرة السلطان الا وانك مقبل عليه بالقلب واللسان وجميع الجنان والاركان ، فكذا ينبغى ان يكون حالك مع الله جل جلاله المطلع على الاسرار ، فتكون عند تلاوة هذه الاذكار حاضرا بعقلك ولبك ، ومعظما للالفاظ والمعاني بلسانك وقلبك ومجتهدا ان يصدق فعالك مقالك .


فإذا تلوت : الله اكبر ، فيكون على سرائرك وظواهرك ، آثار انه لا شئ أعظم من الله جل جلاله الذى تتلفظ بتكبيرة ، فلا تشغل قلبك في تلك الحال بشئ غيره من قليل امرك وكثيره .


وإذا تلوت تحميده وقلت : الحمدلله ، فقد شهدت ان الحمد ملكه وانه احق به من سواه ، فلا يكن في خاطرك محمود عندك ممن احسن اليك في دنياك أرجح مقالا ولا أصلح اخلاصا واقبالا .


وإذا تلوت تسبيحه وتنزيهه فليكن خاطرك منزها له عن أن تؤثر عليه سواه ، وان يشغلك عنه في تلك الحال غيره ممن ترجوه أو تراه .


وإذا تلوت تهليله وقرأت آية الكرسي و ( قل هو الله احد ) فليكن عليك تصديق الاعتراف له ، بانه الهك الذى لا يشغلك عنه هواك ولا دنياك ، وانك مملوكه ، وعبده المفتقر إليه ، المشغول به اشتغالا يشهد بتحقيقه سرك ونجواك .


وإذا قرأت سورة القدر فليكن قلبك معظما للفظه الشريف ، الذى جعلك نائبا لتلاوته بين يديه ، وكأنك تقرء لفظه المقدس عليه معترفا بحقها بأبلغ ما يصل جهدك إليه .


وإذا صليت على النبي صلوات الله عليه وآله ، فاذكر انهم غير محتاجين الى دعاءك لهم بالصلاة عليهم ، بعد ما تعرفه من ان الله تعالى جل جلاله صلى هو وملائكته عليهم ،
 

- ص 72 -

لكن قدورد في الحديث ان ابواب الاجابات تفتح لطلب الصلوات عليهم في الدعوات . وإذا فتحها الله جل جلاله لقبول الصلاة عليهم في مناجاتك كان أرحم وأكرم ان يغلقها عما تدعوه عقيب ذلك من حاجاتك ومهماتك .


أقول : فإذا عملت في تلاوة هذه الامور على ما ذكرناه ، رجوت لنفسك ان تكون عبدا عرف حق مولاه وقبل منه فيما يدعوه ، ودعاه وظفر برضاه ، وكان مسعودا في دنياه واخراه ، وها نحن ذاكرون ما نختاره من الدعوات المختصة بهذا اليوم المتفق على تعظ يمه بين الفرق المختلفات .


فمن ذلك ما رويناه باسنادنا الى جدى أبى جعفر الطوسى رضى الله عنه ، فيما ذكره في كتاب تهذيب الأحكام ، باسنادنا الى مولانا الصادق صلوات الله عليه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام : ألا اعلمك دعاء يوم عرفة ، وهو دعاء من كان قبلى من الأنبياء ؟ قال : تقول :

 

لا اله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ، وهو حى لا يموت بيده الخير ، وهو على كل

شئ قدير . اللهم لك الحمد كالذى تقول وخيرا مما نقول ، وفوق ما يقول القائلون ، اللهم لك صلاتي ونسكى ومحياى

ومماتي ، ولك برأتي وبك حولي ومنك قوتي . اللهم انى أعوذ بك من الفقر ومن وسواس الصدر ، ومن شتات الأمر ،

ومنت عذاب القبر ، اللهم انى أسألك خير الرياح ، وأعوذ بك من شر ماتجى به الرياح ، وأسألك خير الليل والنهار .

اللهم اجعل في قلبى نورا ، وفى سمعي وبصرى نورا ، وفى لحمى وعظامي نورا ، وفى عروقي ومقعدى ومقامى

ومدخلي ومخرجي نورا ، وأعظم لى نورا ، يا رب يوم ألقاك ، انك على كل شئ قدير (1) .

(1) عنه البحار 98 : 215 ، رواه الشيخ في التهذيب 5 : 183 ، مصباح المتهجد : 8 67 ، والصدوق في الفقيه 2 : 542 . ( * )

 

 

- ص 73 -

أقول : وقد كنا ذكرنا في كتاب عمل اليوم ولليلة في صفات المخلصين في الدعوات عدة روايات ، وسوف نذكر في هذا الموضع مايلق منها .


فمن ذلك مارويناه باسنادنا الى محمد بن الحسن بن الوليد ، باسناده الى القاسم بن حسين النيسابوري قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام عندما وقف بالموقف مد يديه جميعا ، فما زالتا ممدوتين الى أن أفاض ، فما رأيت أحدا أقدر على ذلك منه (1) .


ومن ذلك ما رويته باسنادى الى محمد بن الحسن الصفار ، باسناده الى على بن داود قال : رأيت أبا عبد الله عليه السلام في الوقف آخذ بلحيته ومجامع ثوبه وهو يقول باصبعه اليمنى منكس الرأس : هذه رمتى بما جنيت (2) .


ومن ذلك ما رويته باسنادى عن محمد بن الحسن بن الوليد أيضا ، باسناده الى حمادبن عبد الله قال : كنت قريبا من أبى الحسن موسى عليه السلام بالموقف ، فلما همت الشمس للغروب أخذ بيده اليسرى بمجامع ثوبه ثم قال : اللهم انى عبدك وابن عبدك ان تعذبني فبامور قد سلفت منى ، وأنا بين يديك برمتى ، وان تعف عنى فأهل العفو أنت يا اهل العفو ، يا أحق من عفى اغفر لى ولأصحابي ، وحرك دابته فمر (3) .


ومن ذلك مما لم نذكره في عمل اليوم والليلة ، عن مولانا على بن موسى الرضا صلوات الله عليه في يوم عرفة : اللهم كما سترت على ما لم أعلم ، فاغفر لى ما تعلم ، وكما وسعنى علمك فليسعنى عفوك ، وكما بدأتني بالاحسان فأتم نعمتك بالغفران ، وكما أكرمتني بمعرفتك فاشفعها بمغفرتك .


وكما عرفتني وحدانيتك فأكرمني بطاعتك ، وكما عصمتني ما لم أكن أعتصم منه الا بعصمتك ، فاغفر لي مالو شئت عصمتني منه ، يا جواد يا كريم ، يا ذاالجلال والاكرام (4) .


أقول : فانظر رحمك الله الى القوم الذين تقتدي بآثارهم ، وتهتدى بأنوارهم ، فكن عند دعواتك وفى محل مناجاتك على صفاتهم في ضراعاتهم .
 

 

* هامش *

 

 

(1) (2) عنه البحار 98 : 215 .

(3)(4) عنه البحار 98 : 216 . ( * )


 

 

الصفحة الرئيسية

 

أعمال أشهر السنة

 

فهرس الكتاب