فصل ( 22 )
فيما نذكره من ادعية يوم عرفة
اعلم اننى وجدت في الروايات اختلافا فيما نذكره قبل الشروع في الدعوات . فقال
جدى أبو جعفر الطوسى : فإذا وقفت للدعاء فعليك بالسكينة والوقار واحمد الله
تعالى وهلله ومجده ، وكبره مائة تكبيرة ، واحمده مائة مرة ، وسبحه مائة واقرء (
قل هو الله احد ) مائة مرة (1) .
وقال محمد بن على الطرازى في كتابه باسناده عن الصادق عليه السلام مثل هذا
العدد في التكبير والتحميد والتسبيح ، مائة مرة كما قدمناه ، ثم قال : وان
احببت ان تزيد على ذلك فزد واقرء سورة القدر مائة مرة .
ووجدت في رواية اخرى عن مولانا الصادق عليه السلام ما هذا لفظه : تكبر الله
تعالى مائة مرة وتهلله مائة مرة وتسبيحه مائة مرة وتقدسه مائة مرة وتقرء آية
الكرسي مائة مرة وتصلى على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة .
أقول : فليكن الاستظهار لاخراك ارجح عندك من الاحتياط لدنياك . فلو ان سلطانا
جعل لرعيته يوما يحضرون بين يديه ويعرضون حوائجهم عليه ، وكانت الرعية مفتقرة
في كل شئ إليه واختلف عليهم خواص السلطان فيما عينه الملك من لفظ
الكلام الذى يعرض عليه وقت الحضور بين يديه ، لطلب ما يحتاجون
إليه من الاحسان ، اما كانوا يستظهرون لكل طريق في الاحتياط والاستظهار بذكر
الالفاظ في جميعها التى ذكرها لهم الخواص عن الشفيق .
|
* هامش * |
|
|
(1)
مصباح المتهجد :
678 . ( * )
|
|
وأقول : يا أيها الرجل المتشرف بنور المعقول والمنقول وهداية
الرسول ، انت تعلم انك لو تعلمت تلك الالفاظ جميعها على التفصيل ، ثم دخلت بين
يدى ذلك السلطان الجليل وتلوتها بلسانك ، وكنت معرض عنه أو مشغول بغيره عن
الالتفات إليه وادب القرب منه ، فانك تشهد على نفسك بالجهل بقدر السلطان ، وانك
قد عرضت نفسك للحرمان أو الهوان .
فإذا لا يجوز ان تدخل حضرة السلطان الا وانك مقبل عليه بالقلب واللسان وجميع
الجنان والاركان ، فكذا ينبغى ان يكون حالك مع الله جل جلاله المطلع على
الاسرار ، فتكون عند تلاوة هذه الاذكار حاضرا بعقلك ولبك ، ومعظما للالفاظ
والمعاني بلسانك وقلبك ومجتهدا ان يصدق فعالك مقالك .
فإذا تلوت : الله اكبر ، فيكون على سرائرك وظواهرك ، آثار انه لا شئ أعظم من
الله جل جلاله الذى تتلفظ بتكبيرة ، فلا تشغل قلبك في تلك الحال بشئ غيره من
قليل امرك وكثيره .
وإذا تلوت تحميده وقلت : الحمدلله ، فقد شهدت ان الحمد ملكه وانه احق به من
سواه ، فلا يكن في خاطرك محمود عندك ممن احسن اليك في دنياك أرجح مقالا ولا
أصلح اخلاصا واقبالا .
وإذا تلوت تسبيحه وتنزيهه فليكن خاطرك منزها له عن أن تؤثر عليه سواه ، وان
يشغلك عنه في تلك الحال غيره ممن ترجوه أو تراه .
وإذا تلوت تهليله وقرأت آية الكرسي و ( قل هو الله احد ) فليكن عليك تصديق
الاعتراف له ، بانه الهك الذى لا يشغلك عنه هواك ولا دنياك ، وانك مملوكه ،
وعبده المفتقر إليه ، المشغول به اشتغالا يشهد بتحقيقه سرك ونجواك .
وإذا قرأت سورة القدر فليكن قلبك معظما للفظه الشريف ، الذى جعلك نائبا لتلاوته
بين يديه ، وكأنك تقرء لفظه المقدس عليه معترفا بحقها بأبلغ ما يصل جهدك إليه .
وإذا صليت على النبي صلوات الله عليه وآله ، فاذكر انهم غير محتاجين الى دعاءك
لهم بالصلاة عليهم ، بعد ما تعرفه من ان الله تعالى جل جلاله صلى هو وملائكته
عليهم ،
لكن قدورد في الحديث ان ابواب الاجابات تفتح لطلب الصلوات
عليهم في الدعوات . وإذا فتحها الله جل جلاله لقبول الصلاة عليهم في مناجاتك
كان أرحم وأكرم ان يغلقها عما تدعوه عقيب ذلك من حاجاتك ومهماتك .
أقول : فإذا عملت في تلاوة هذه الامور على ما ذكرناه ، رجوت لنفسك ان تكون عبدا
عرف حق مولاه وقبل منه فيما يدعوه ، ودعاه وظفر برضاه ، وكان مسعودا في دنياه
واخراه ، وها نحن ذاكرون ما نختاره من الدعوات المختصة بهذا اليوم المتفق على
تعظ يمه بين الفرق المختلفات .
فمن ذلك ما رويناه باسنادنا الى جدى أبى جعفر الطوسى رضى الله عنه ، فيما ذكره
في كتاب تهذيب الأحكام ، باسنادنا الى مولانا الصادق صلوات الله عليه ، قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام : ألا اعلمك دعاء يوم عرفة
، وهو دعاء من كان قبلى من الأنبياء ؟ قال : تقول :
|
لا اله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى
ويميت ، وهو حى لا يموت بيده الخير ، وهو على كل
شئ قدير . اللهم لك الحمد كالذى تقول وخيرا مما نقول ، وفوق
ما يقول القائلون ، اللهم لك صلاتي ونسكى ومحياى
ومماتي ، ولك برأتي وبك حولي ومنك قوتي . اللهم انى أعوذ بك
من الفقر ومن وسواس الصدر ، ومن شتات الأمر ،
ومنت عذاب القبر ، اللهم انى أسألك خير الرياح ، وأعوذ بك من
شر ماتجى به الرياح ، وأسألك خير الليل والنهار .
اللهم اجعل في قلبى نورا ، وفى سمعي وبصرى نورا ، وفى لحمى
وعظامي نورا ، وفى عروقي ومقعدى ومقامى
ومدخلي ومخرجي نورا ، وأعظم لى نورا ، يا رب يوم ألقاك ، انك
على كل شئ قدير (1) .
(1)
عنه البحار 98 : 215 ، رواه الشيخ في
التهذيب 5 : 183 ، مصباح
المتهجد : 8 67 ، والصدوق في الفقيه 2 :
542 . ( * )
|
|
|
أقول : وقد كنا ذكرنا في كتاب عمل اليوم ولليلة في صفات
المخلصين في الدعوات عدة روايات ، وسوف نذكر في هذا الموضع مايلق منها .
فمن ذلك مارويناه باسنادنا الى محمد بن الحسن بن الوليد ، باسناده الى القاسم
بن حسين النيسابوري قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام عندما وقف بالموقف مد يديه
جميعا ، فما زالتا ممدوتين الى أن أفاض ، فما رأيت أحدا أقدر على ذلك منه
(1) .
ومن ذلك ما رويته باسنادى الى محمد بن الحسن الصفار ، باسناده الى على بن داود
قال : رأيت أبا عبد الله عليه السلام في الوقف آخذ بلحيته ومجامع ثوبه وهو يقول
باصبعه اليمنى منكس الرأس : هذه رمتى بما جنيت (2)
.
ومن ذلك ما رويته باسنادى عن محمد بن الحسن بن الوليد أيضا ، باسناده الى
حمادبن عبد الله قال : كنت قريبا من أبى الحسن موسى عليه السلام بالموقف ، فلما
همت الشمس للغروب أخذ بيده اليسرى بمجامع ثوبه ثم قال : اللهم انى عبدك وابن
عبدك ان تعذبني فبامور قد سلفت منى ، وأنا بين يديك برمتى ، وان تعف عنى فأهل
العفو أنت يا اهل العفو ، يا أحق من عفى اغفر لى ولأصحابي ، وحرك دابته فمر
(3) .
ومن ذلك مما لم نذكره في عمل اليوم والليلة ، عن مولانا على بن موسى الرضا
صلوات الله عليه في يوم عرفة : اللهم كما سترت على ما لم أعلم ، فاغفر لى ما
تعلم ، وكما وسعنى علمك فليسعنى عفوك ، وكما بدأتني بالاحسان فأتم نعمتك
بالغفران ، وكما أكرمتني بمعرفتك فاشفعها بمغفرتك .
وكما عرفتني وحدانيتك فأكرمني بطاعتك ، وكما عصمتني ما لم أكن أعتصم منه الا
بعصمتك ، فاغفر لي مالو شئت عصمتني منه ، يا جواد يا كريم ، يا ذاالجلال
والاكرام (4) .
أقول : فانظر رحمك الله الى القوم الذين تقتدي بآثارهم ، وتهتدى بأنوارهم ، فكن
عند دعواتك وفى محل مناجاتك على صفاتهم في ضراعاتهم .
|
* هامش * |
|
|
(1) (2)
عنه البحار 98 : 215 .
|
(3)(4) عنه
البحار 98 : 216 . ( * )
|