- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 2 ص 113 : -

ومن أدعية يوم عرفة دعاء لمولانا زين العابدين صلوات الله عليه ،
وهو دعاء اشتمل على المعاني الربانية وأدب العبودية مع الجلالة الالهية :
 

 

اللهم ان ملائكتك مشفقون من خشيتك ، سامعون مطيعون لك وهم بأمرك يعملون ، لا يفترون الليل والنهار يسبحون ،

وأنا أحق بالخوف الدائم لاساءتي على نفسي ، وتفريطها الى اقتراب أجلى ، فكم لى يا رب من ذنب أنا فيه مغرور

متحير . اللهم انى قد أكثرت على نفسي من الذنوب والاساءة وأكثرت على من المعافاة ، سترت على ولم تفضحني بما

أحسنت لى النظر وأقلتني العثرة ، . وأخاف أن أكون فيها مستدرجا ، فقد ينبغى لى أن أستحيى من كثرة معاصي

معاصي ، ثم لم تهتك لى سرا ، ولم تبد لى عورة ، ولم تقطع عنى الرزق ، ولم تسلط على جبارا ، ولم تكشف عنى

غطاء مجازاة لذنوبي ، تركتني كأنى لا ذنب لى ، كففت عن خطيئتي وزكيتني بما ليس في ، أنا المقر على نفسي بما

جنت على يداى ، ومشت إليه رجلاى ، وباشر جسدي ونظرت إليه عيناى وسمعته اذناى ، وعملته جوارحي ، ونطق

به لساني ، وعقد عليه قلبى . فأنا المستوجب يا الهى زوال نعمتك ، ومفاجاة نقمتك وتحليل عقوبتك ، لما اجترأت عليه

من معاصيك ، وضيعت من حقوقك ، أنا صاحب الذنوب الكبيرة التى لا تحصى عددها ، وصاحب الجرم العظيم ، أنا

الذى أحللت العقوبة بنفسى وأوبقتها بالمعاصى جهدي وطاقتي وعرضتها للمهالك بكل قوتي . الهى أنا الذى لم أشكر

نعمك عند معاصي اياك ولم أدعها عند حلول البلية ولم أقف عند الهوى ولم اراقبك ، يا الهى أنا الذى لم أعقل عند

الذنوب نهيك ، ولم اراقب عند اللذات زجرك ، ولم أقبل عند الشوة نصيحتك ، وركبت الجهل بعد الحلم ، وغدوت الى

الظلم بعد العلم . اللهم فكما حلمت عنى فيما اجترأت عليه من معاصيك ، وعرفت تضييعى حقك ، وضعفى عن شكر

نعمتك ، وركوبي معصيتك ، اللهم انى لست ذا عذر فأعتذر ولاذا حيلة فأنتصر . اللهم قد أسأت وظلمت ، وبئس ما

صنعت ، عملت سوء لم تضرك ذنوبي ، فأستغفرك يا سيدى ومولاى ، سبحانك لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من

الظالمين . اللهم انك تجد من تعذبه غيرى ولا أجد من يرحمنى سواك ، اللهم فلو كان لى مهرب لهربت ، ولو كان لى

مصعد في السماء أو مسلك في الأرض لسلكت ، ولكنه لا مهرب لى ولا منجأ ولا منننننجأ ولا مأوى منك الا اليك .

اللهم ان تعذبني فأهل ذلك أنا وان ترحمني فأهل ذلك أنت ، بمنك وفضلك ووحدانيتك وجلالك وكبريائك وعظمتك

وسلطانك ، فقديما ما مننت على أوليائك ومستحقى عقوبتك بالعفو والمغفرة ، سيدى عافية من أرجو إذا لم أرج عافيتك

وعفو من أرجو إذا لم أرج عفوك ، ورحمة من أرجو إذا لم أرج رحمتك ، ومغفرة من أرجوا إذا لم أرج مغفرتك ،

ورزق من أرجو إذا لم أرج رزقك ، وفضل من أرجو إذا لم أرج فضلك . سيدى أكثرت على من النعم وأقللت لك من

الشكر ، فكم لك عندي من نعمة لا يحصيها أحد غيرك ، ما أحسن بلاءك عندي ، وأحسن فعالك ، ناديتك مستغيثا

مستصرخا فأغثتني ، وسألتك عائلا فأغنيتني ، ونأيت فكنت قريبا مجيبا ، واستعنت بك مضطرا فأعنتني ووسعت على ،

وهتفت اليك في مرضى فكشفته عنى ، وانتصرت بك في رفع البلاء . فوجدتك يا مولاى نعم المولى ونعم النصير ،

وكيف لا أشكرك ، يا الهى أطلقت لساني بذكرك رحمة لى منك ، واضأت لى بصرى بلطفك حجة منك على ، وسمعت

اذناى بقدرتك نظرا منك ، ودللت عقلي على توبيخ نفسي . اليك أشكو ذنوبي فانها لا مجرى لبثها الا اليك ، ففرج عنى

ما ضاق به صدري ، وخلصني من كل ما أخاف على نفسي ، من أمر دينى ودنياى وأهلي ومالى ، فقد استصعب على

شأني ، وشتت على أمرى وقد أشرفت على هلكتي نفسي ، وإذا تداركتني منك برحمة تنقذني بها ، فمن لى بعدك يا

مولاى . أنت الكريم العواد بالغفرة ، وأنا اللئيم العواد بالمعاصى ، فاحلم يا حليم عن جهلى وأقلني يا مقيل عثرتي ،

وتقبل يا رحيم توبتي ، سيدى ومولاى ، لابد من لقائك على كل حال . وكيف يستغنى العبد عن ربه ، وكيف يستغنى

المذنب عمن يملك عقوبته ومغفرته ، سيدى لم أزدد اليك الا فقرا ، ولم تزدد عنى الا غنى ، ولم تزدد ذنوبي الا كثرة ،

ولم يزدد عفوك الا سعة . سيدى ، ارحم تضرعي اليك وانتصابي بين يديك ، وطلبي ما لديك ، توبة فيما بينى وبينك ،

سيدى متعوذا بك متضرعا اليك بائسا فقيرا تائبا ، غير مستنكف ولا مستكبر ، ولا مستسخط ، بل مستسلم لأمرك راض

بقضائك ، لا آيس من روحك ، ولا آمن من مكرك ولا قانط من رحمتك ، سيدى بل مشفق من عذابك ، راج لرحمتك ،

لعلمي بك يا سيدى ومولاى ، فانه لن يجيرني منك أحدا ولا أجد من دونك ملتحدا . اللهم انى أعوذ بك أن تحسبن في

رامقة العيون علانيتي ، وتفتح فيما أخلو لك سريرتي ، محافظا على رئاء الناس من نفسي ، مضيعا ما أنت مطلع عليه

منى فابدى لك بأحسن أمرى ، وأخلو لك بشر فعلى تقربا الى المخلوقين بحسناتي ، وفرارا منهم اليك بسيئاتي ، حتى

كأن الثواب ليس منك ، وكأن العقاب ليس اليك ، قسوة من مخالفتك من قلبى وزللا عن قدرتك من جهلى فيحل بى

غضبك وينالنى مقتك فأعذني من ذلك كله ، وقنى بوقايتك التى وقيت بها عبادك الصالحين . اللهم تقبل منى ما كان

صالحا ، وأصلح منى ما كان فاسدا ، ولا تسلط على من لا يرحمنى ولا باغيا ولا حاسدا . اللهم أذهب عنى كل هم ،

وفرج عنى كل غم ، وثبتنى في كل مقام ، واهدنى في كل سبيل من سبل الحق ، وحط عين كل خطيئة ، وأنقذنى من

كل هلكة وبلية ، وعافنى أبدا ما أبلقتنى واغفر لى إذا توفيتنى ، ولقنى روحا وريحانا وجنة نعيم ، أبدا الابدين ، يا أرحم

الراحمين ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين (1) .


(1) عنه البحار 98 : 236 - 239 ، رواه في الصحيفة السجادية الجامعة : 333 ، الدعاء : 148 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

أعمال أشهر السنة

 

فهرس الكتاب