- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 2 ص 149 : -

دعاء آخر في يوم عرفة مروى عن الصادق عليه السلام :

 

 

اللهم أنت الله لا اله الا أنت رب العالمين ، وأنت الله لا اله الا أنت العزيز الحكيم ، وأنت الله الا أنت العلى العظيم ،

وأنت الله لا اله الا أنت الغفور الرحيم ، وأنت الله لا اله الا أنت الرحمان الرحيم . وأنت الله لا اله الا أنت مالك يوم

الدين ، بدى كل شئ واليك يعود ، لم تزل ولا تزال الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ،

الكبرياء رداؤك ، سابغ النعماء ، جزيل العطاء ، باسط اليدين بالرحمة ، نفاخ الخيرات ، كاشف الكربات ، منزل الايات

، مبدل السيئات ، جاعل الحسنات درجات . دنوت في علوك وعلوت في دنوك ، دنوت فلا شئ دونك ، وارتفعت فلا

شئ فوقك ، ترى ولا ترى ، وأنت بالمنظر الأعلى ، فالق الحب والنوى ، لك مافى السماواتت العلى ، ولك الكبرياء

في الاخرة والاولى ، غافر الذنب ، وقابل التوب شديد العقاب . لا اله الا أنت اليك المأوى ، واليك المصير ، وسعت

رحمتك كل شئ ، وبلغت حجتك ، ولا معقب لحكمك ، ولا يخيب سائلك ، أحطت كل شئ بعلمك ، وأحصيت كل شئ

عددا ، وجعلت لكل شئ أمدا ، وقدرت كل شئ تقديرا . بلوت فقهرت ، ونظرت فخبرت ، وبطنت وعلمت فسترت ،

وعلى كل شئ ظهرت تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، ولا تنسى من ذكرك ولا تحب من سألك ، ولا تضيع من

توكل عليك . أنت الذى لا يشعلك ما في جو سماواتك عما في جو أرضك ، تعززت في ملكك وتقويت في سلطانك ،

وغلب على كل شئ قضاؤك ، وملك كل شئ أمرك ، وقهرت قدرتك كل شئ ، لا يستطاع وصفك ، ولا يحاط بعلمك ،

ولا منتهى لما عندك ، ولا تصف العقول صفة ذاتك . عجزت الأوهام عن كيفيتك ، ولا تدرك الأبصار موضع أينيك ،

ولاتحد فتكون محدودا ، ولا تمثل فتكون موجودا ، ولا تلد فتكون مولودا ، أنت الذى لا ضد معك فيعاندك ، ولا عديل

لك فيكاثرك ، ولاند لك فيعارضك ، أنت ابتدأت واخترعت واستحدثت فما أحسن ما صنعت . سبحانك ما أجل ثناؤك

وأسنى في الأماكن مكانك ، وأصدع بالحق فرقانك ، سبحانك من لطيف ما ألطف ، وحكيم ما أعرفك ، ومليك ما

أسمحك ، بسطت بالخيرات يدك ، وعرفت الهداية من عندك ، خضع لك كل شئ ، وانقاد للتسليم لك كل شئ ، سبيلك

جدد ، وأمرك رشد . وأنت حى صمد ، وأنت الماجد الجواد ، الواحد الأحد ، العليم الكريم القديم ، القريب المجيب ،

تباركت وتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، تقدست أسماؤك وجل ثناؤك ، فصل على محمد عبدك ورسولك الذى

صدع بأمرك ، وبالغ في اظهار دينك ، وأكد ميثاقك ، ونصح لعبادك ، وبذل جهده في مرضاتك ، اللهم شرف بنيانه

وعظم برهانه . اللهم وصل على ولاة الأمر بعد نبيك تراجمه وحيك ، وخزان علمك ، وامنائك في بلادك الذين أمرت

بمودتهم ، وفرضت طاعتهم على بريتك ، اللهم وصل على السياح والعباد ، وأهل الجد والاجتهاد ، واجعلني في هذه

العشية ممن نظرت إليه فرحمته ، وسمعت دهاءه فأجبته ، وآمن بك فهديته ، وسألك فأعطيته ، ورغب اليك فأرضيته ،

وهب لى في يومى هذا صلاحا لقلبي وديني ودنياى ومغفرة لذنوبي يا أرحم الراحمين . أسألك الرحمة يا سيدى ومولاى

وثقتى ، يا رجائي يا معتمدي ، وملجائى وذخري ، وظهري وعدتي ، وأملى وغايتي ، وأسألك بنور وجهك الذى

أشرقت له السماوات والأرض أن تغفر لى ذنوبي وعيوبي ، واساءتي وظلمي وجرمي واسرافي على نفسي ، فهذا مقام

العائذ بك من النار ، هذا مقام الهارب اليك من النار . اللهم وهذا يوم عرفة ، كرمته وشرفته وعظمته ، نشرت فيه

رحمتك ومننت فيه بعفوك ، وأجزلت فيه عطيتك ، وتفضلت فيه على عبادك . اللهم وهذه العشية من عشايا رحمتك

واحدى أيام زلفتك ، وليلة عيد من أعيادك ، فيها يفضى اليك لهم من الحوائج من قصدك مؤملا راجيا فضلك ، طالبا

معروفك الذى تمن به على من تشاء من خلقك . وأنت فيها بكل لسان تدعى ، ولكل خير تبتغى وترجى ، ولك فيها

جوائز ومواهب وعطايا ، تمن بها على من تشاء من عبادك ، وتشمل بها أهل العناية منك ، وقد قصدناك مؤملين راجين

وأتيناك طالبين ، نرجو مالا خلف له من وعدك ، ولا مترك له من عظيم أجرك ، قد أبرزت ذوو الامال اليك وجوهها

المصونة ، ومدوا اليك أكفهم طلبا لما عندك ليدركوا بذلك رضوانك . يا غفار يا مستراش من نيله ، ومستعاش من

فضله ، يا ملك في عظمته ، يا جبار في قوته ، يا لطيف في قدرته ، يا متكفل يا رازق النعاب في عشه ، يا أكرم

مسؤول ، ويا خير مأمول ، ويا أجود من نزلت بفنائه الركائب ، وطلب عنده نيل الرغائب ، وأناخت به الوفود . يا ذا

الجود ، يا أعظم من كل مقصود ، أنا عبدك الذى أمرتنى فلم أئتمر ، ونهيتني عن معصيتك . وزجرتني فلم أنزجر ،

فخالفت أمرك ونهيك ، لا معاندة لك ولا استكبارا عليك ، بل دعاني هواى واستزلني عدوك وعدوى ، فأقدمت على ما

فعلت عارفا بوعيدك ، راجيا لعفوك ، واثقا بتجاوزك وصفحك . فيا أكرم من اقر له بالذنوب ، هاأنا ذا بين يديك

صاغرا ذليلا خاضعا خاشعا خائفا ، معترفا عظيم ذنوبي وخطاياى ، فما أعظم ذنوبي التى تحملتها وأوزاري التى

اجترمتها ، مستجيرا فيها بصفحك ، لائذا برحمتك ، موقنا أنه لا يجيرني منك مجير ولا يمنعنى منك مانع . فعد على

بما تعود به على من اقترب من تغمدك ، وجد على بما تجود به على من ألقى بيده اليك من عبادك ، وامنن على بما لا

يتعاظمك أن تمن به على من أملك لغفرانك له . يا كريم ، ارحم صوت حزين نخفى ماسترت عن خلقك من مساويه ،

يسألك في هذه العشية رحمة تنجيه من كرب موقف المسألة ومكروه يوم  هول المعاينة حين تفرده عمله ، ويشغله عن

أهله وولده . فارحم عبدك الضعيف عملا الجسيم أملا ، خرجت من يدى أسباب الوصلات الا ما وصله رحمتك ،

وتقطعت عنى عصم الامال الا ما أنا معتصم به من عفوك ، قل عندي ما أعتد به من طاعتك ، وكبر عندي ما أبوه به

من معصيتك ، ولن يضيق عفوك عن عبدك وان أساء ، فاعف عنى فقد أشرف على خفايا الأعمال علمك ، وانكشف كل

مستور عند خبرك ، ولا ينطوى عليك دقائق الامور ، ولا يغرب عنك غيبات السرائر . وقد استحوذ على عدوك الذى

استنظرك لغوايتي ، فأنظرته ، واستمهلك الى يوم الدين لاضلالي فأمهلته ، وأوقعني بصغائر ذنوب موبقة ، وكبائر

أعمال مردية ، حتى إذا قارفت معصيتك ، واستوجبت بسوء فعلى سخطك ، تولى عنى بالبراءة منى وادبر موليا عنى

فأصحرنى لغضبك فريدا ، وأخرجنى الى فناء نقمتك طريدا . لا شفيع يشفع لى اليك ، ولا خفير يقيني منك ، ولا

حصن يحجبني عنك ، ولا ملاذ ألجأ إليه منك ، فهذا مقام العائذ بك من النار ، ومحل المعترف لك ، ولا يضيقن عنى

فضلك ، ولا يقصرن دوني عفوك ، ولا أكن أخيب وفدك من عبادك التائبين ، ولا أقنط وفودك الاملين . اللهم اغفر لي

انك أرحم الراحمين ، فطال ما أغفلت من وظائف فروضك وتعديت عن مقامات حدودك ، فهذا مقام من استحيا لنفسه

منك ، وسخط عليها ورضى عنك ، وتلقاك بنفس خاشعة ، ورقبة خاضعة ، وظهر مثقل من الذنوب ، واقفا بين الرغبة

اليك والرهبة منك ، فأنت أولى من وثق به من رجاه ، وآمن من خشية واتقاه . اللهم فصل على محمد وآله ، وأعطني

مارجوت وآمنى مما حذرت ، وعد على بعائدة من رحمتك ، اللهم واذ سترتني بفضلك ، وتغمدتني بعفرك ، في دار

الحياة والفناء بحضرة الأكفاء ، فأجرنى من فضيحات دار البقاء عند مواقف الأشهاد ، من الملائكة المقربين ، والرسل

المكرمين ، والشهداء والصالحين . فحق رجائي فأنت أصدق القائلين : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا

من رحمة الله ) . اللهم انى سائلك القاصد ، ومسكينك المستجير الوافد ، وضعيفك الفقير ، ناصيتى بيدك وأجلى بعلمك

أسألك أن توفقني لما يرضيك عنى ، وأن تبارك لى في يومى هذا الذى فزعت فيه اليك الأصوات ، وتقربوا اليك عبادك

بالقربات . أسألك بعظيم ما سألك به أحد من خلقك من كريم أسمائك ، وجميل ثنائك ، وخاصة دعائك بالائك ، أن تصلى

على محمد وآله ، وأن تجعل يومى هذا أعظم يوم مر على منذ أنزلتني الى الدنيا بركة في عصمة دينى ، وخاصة نفسي

وقضاء حاجتى ، وتشفيعي في مسائلي ، واتمام النعمة على ، وصرف السوء عنى يا أرحم الراحمين ، افتح على أبواب

رحمتك ، ورضني بعادل قسمك ، واستعملني بخالص طاعتك . يا أملى ويارجائى ، حاجتى التى ان أعطيتنيها لم

يضرنى ما منعتني ، وان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني ، فكاك رقبتي من النار . الهى لا تقطعرحائى ، ولا تخيب

دعائي ، يا منان من على بالجنة ، يا عفو أعف عنى ، ياتواب تب على ، وتجاوز عنى ، واصفح عن ذنوبي ، يا من

رضى لنفسه العفو ، يا من أمر بالعفو ، يا من يجزى على العفو ، يا من استحسن العفو ، أسألك اليوم العفو العفو

- يقولها عشرين مرة - . أنت أنت انقطع الرجاء الا منك ، وخابت الامال الا فيك ، فلا تقطع رجائي يا مولاى ، ان لك

في هذه الليلة أضيافا فاجعلني من أضيافك ، فقد نزلت بفنائك راجيا معروفك ، يا ذا المعروف الدائم الذى لا ينقضى أبدا

يا ذا النعماء التى لا تحصى عددا . اللهم ان لك حقوقا فتصدق بها على ، وللناس قبلى تبعات فتحملها عنى ، وقد

أوجبت يا رب لكل ضيف قرى ، وأنا ضيفك ، فاجعل قراى الليلة الجنة . يا وهاب الجنة ، يا وهاب المغفرة ، اقلبني

مفلحا منجحا مستجابا لى ، مرحوما صوتي ، مغفورا ذنبي ، بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وفدك وزوارك ، وبارك

لى فيما أرجع إليه من مال - الى هاهنا ما وجد في الأصل (1) .

(1) عنه البحار 98 : 262 - 266 .

 


 

 

الصفحة الرئيسية

 

أعمال أشهر السنة

 

فهرس الكتاب