اختر اللون المناسب لأرضية الصفحة

- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 2 ص 252 : -

 فصل ( 4 ) فيما نذكره من فضل الله جل جلاله بعيد الغدير على سائر
الاعياد ، وما فيه من المنة على العباد


اعلم ان كل عيد جديد أطلق الله جل جلاله فيه شيئا من الجود لعبد سعيد ، فانما يكون اطلاقه جل جلاله لذلك الاحسان لمن ظفر بمعرفة الله جل جلاله ومعرفة رسوله صلوات الله عليه وامام الزمان ، وكان صحيح الايمان ، فان النقل عن صاحب الشريعة النبوية ورد متظاهرا انه من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية .


وهذا عيد يوم الغدير الثامن عشر من ذى الحجة ، فيه كشف الله ورسوله عن واضح الحجة ، ونص بها على من اختاره للامامة والحجة ، وكل عبد علاقة عليه كالعبد الذى يخدم بين يديه ويتقرب إليه . واعلم ان المنة بكشفه والمحنة بلطفه ،

تكاد ان تزيد على الامتحان بصاحب النبوة العظيم الشأن ، لأن الرسول المبعوث صلوات الله وسلامه عليه ، بعث في اول امره بمكة الى قوم يعبدون احجارا واخشابا لا تدفع ولا تنفع ولا تسمع خطابا ولا ترد جوابا . قد شهدت عقول اهل الوجود بجهل من اتخذ آلهة من دون الله المعبود ، ولم يكن
 

- ص 253 -

بين أهل مكة وبين رسول الله صلى الله عليه وآله عداوة قبل رسالته ، ولا بينهم وبينه قتل ولا دماء قد سفكها ، تمنع طبعا وعقلا من قبول نبوته .

واما مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل السلام ، الذى نص الله جل جلاله عليه على لسان رسوله عليه اعظم الصلاة والسلام في يوم الغدير ، فان اهل الاسلام كانوا قد اتسعت عليهم شبهات العقول والاحلام وتأويل ما يقدرون فيه على التأويل ، وكان

مولانا على عليه السلام قد عادى كثيرا في الله جل جلاله وفى طاعة الرسول الجليل ، فسفك دماء عظيمة من أسلافهم وعظمائهم وأمثالهم ، وسار مع رسول الله عليه السلام سيرة واحدة في معاداة من عاداه من اول امره الى آخره ، من غير

مراعات لحفظ قلوب من كان عاداه من رجالهم ، وظهرت له من العنايات والكرامات ما اقتضت حسد أهل المقاماة .


فحصل لامامته من المعاداة والحسد له على الحياة ونفور الطبايع ، بأنه ما يسير الا سيرة واحدة من غير مداهات زيادة على ماكان عند بعثة النبي عليه افضل الصلوات ، بلغ الأمر الى ما قدمناه قبل هذا الفصل من العداوات .


فصل : ولقد حكى أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل ، وهو من المخالفين المعاندين ، كلاما جليلا في سبب عداوة الناس لمولانا على بن أبى طالب عليه السلام فقال في مدح أبو الهيثم بن التيهان انه اول من ضرب على يد رسول الله صلى الله

عليه وآله في ابتداء أمر نبوته ، ثم قال باسناده الى أبو الهيثم بن التيهان انه قام خطيبا بين يدى أمير المؤمنين على بن أبى طالب فقال : ان حسد قريش اياك على وجهين : اما خيارهم فتمنوا ان يكونوا مثلك منافسة (1) في الملأ وارتفاع الدرجة ،

واما شرارهم فحسدوا حسدا أثقل القلوب وأحبط الأعمال ، وذلك انهم رأوا عليك نعمة قدمها اليك الحظ وأخرهم عنها الحرمان ، فلم يرضوا ان يلحقوا حتى طلبوا ان يسبقوك ، فبعدت والله عليهم الغاية واسقط المضمار .


فلما تقدمهم بالسبق وعجزوا عن اللحاق بلغوا منك ما رأيت ، وكنت والله احق

 

* هامش *

 

 

(1) نافس فلانا في أمر : فاخره وباراه فيه . ( * )

 

 

- ص 254 -

قريش بشكر قريش ، نصرت نبيهم حيا وقضيت عنه الحقوق ميتا ، والله ما بغيهم الا على انفسهم ولانكثوا الا بيعة الله ، يد الله فوق ايديهم فيها ، ونحن معاشر الانصار أيدينا وألسنتنا معك ، فأيدينا على من شهد وألسنتنا على من غاب .


أقول : فهذا أبو الهيثم بن التيهان من اشرف الانصار ، وقد حضر اول أمر النبوة وما جرت الحال عليه ، وقوله حجة على قريش وغيرهم فيما اشار رحمه الله .


فليكن تعظيم عيد اهل الشرايع على قد ما فيه من المنافع ، وعلى قدر ما سلم الله جل جلاله الظافر بما فيه من الحوائل والقواطع ، فان كل نعمة لله على عباده ، على قدر ما سلمهم فيها من أخطار غضبه وابعاده ، وعلى قدر مفارقتهم لأهل عناده وموافقتهم لمراده .


 

 

الصفحة الرئيسية

 

أعمال أشهر السنة

 

فهرس الكتاب