يـبويه الگوم بـعدك
لوعوني إجـو لـلباب بويه أوروعوني وره الـباب يا بويه
اعصروني وطحت بويه وتجري منّي العين
|
*****
ــــــــــــــ
سُئل الحاج
جواد بَذقت ـ أبرع شعراء كربلاء المشهورين في عصر الكواز ـ عن أشعر من رثى
الإمام الحسين (عليه السّلام) .
فقال : أشعرهم مَنْ شبّه الحسين بنبيّين من أولى العزم في بيت
واحد ، وهو الشيخ صالح الكواز بقوله :
كأنَّ جسمَك
موسى مذ هوى صعقا وأنَّ رأسك روح الله مذ رُفعا
( أدب الطفّ 7 /
214 ـ 217 ) .
الصفحة (43)
قال تعالى في محكم كتابه الكريم :
( هُوَ الَّذِيَ
أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ
الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ
تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا
يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ )(1) .
السبب المذكور في نزول هذه الآية المباركة هو : أنّ نفراً من اليهود ومعهم ( حي بن
أخطب ) وأخوه جاؤوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واحتجّوا بالحروف المقطّعة
( الم ) وقالوا :
بموجب حساب الحروف الأبجدية ، فإنّ الألف في الحساب الأبجدي تساوي الواحد ، واللام
تساوي الثلاثين ، والميم تساوي الأربعين ، وبهذه فإنّ فترة بقاء أُمّتك لا تزيد على
إحدى وسبعين سنة .
ومن أجل أن يلجمهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تسائل، وقال ما معناه : لماذا
حسبتم ( ألم ) وحدها ؟ ألم تروا أنّ في القرآن ( المص ) و ( الر ) ونظائرها من الحروف
المقطّعة ، فإذا كانت هذه الحروف تدلّ على مدّة بقاء أُمّتي فلماذا لا تحسبونها ؟
وعندئذٍ نزلت هذه الآية تردّ عليهم(2) .
والخطاب موجّه للنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، فتقول الآية :
( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ
الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ ) أي آيات صريحة وواضحة ، والتي تعتبر
الأساس والأصل لهذا الكتاب السماوي ( هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
) ، ثُمَّ إنّ هناك
آيات أُخرى غامضة بسبب علوّ مفاهيمها وعمق معارفها ، أو جهات أُخرى
ـــــــــــــــ
1ـ سورة آل عمران /
7 .
2ـ معاني الأخبار / 23 ـ 24 . عنه تفسير الأمثل 2 / 385 ـ 395 .
الصفحة (44)
( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ
) .
والمُلفت للنظر أنَّ هناك آية قرآنية دلّت على أنَّ القُرآنَ بكلّيته محكم ،
وأُخرى دلّت على أنّه بكلّيته متشابه ، وثالثة دلّت على أنَّ بعضَه مُحكم وبعضَه
مُتشابه .
أمّا التي دلّت على أنَّ القُرآنَ بكلّيته مُحكم فهي قوله تعالى :
( الَر كِتَابٌ
أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ )(1) ، وهو ظاهر في أنّ جميعه
محكم .
وأمّا التي دلّت على أنَّ جميع القرآن متشابه
، فهي قوله تعالى : ( كِتَاباً
مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ )(2) ، وهي ظاهرة في كون
القُرآن الكريم متشابهاً يشبه بعضه بعضاً .
أمّا الآية التي دلّت على أن بعضه محكم ، وبعضه متشابه فهي الآية محلّ البحث .
وللجمع بين الآيتين والآية محلّ البحث يُقال : أنّ الآية التي بيّنت أنّ القرآن
جميعه محكم ، معناها أنّ القرآن فصيح الألفاظ ، صحيح المعاني ، ولا يتمكّن أحد من
الإتيان بكلام يُساويه مهما بلغت رتبته ، فهذا معنى وصفه جميعاً بأنّه محكم .
والآية التي ذكرت أنّ القرآن متشابه ، أنّه يشبه بعضه بعضاً في الحسن والصدق
، وإليه الإشارة بقوله تعالى :
( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُواْ فِيه
ـــــــــــــــــ
1ـ سورة هود / 1 .
2ـ سورة الزمر / 23 .
الصفحة (45)
اخْتِلاَفاً كَثِيراً
)(1) ،
أي لكان بعضه وارداً على نقض الآخر ، ولتفاوت نسق الكلام في الفصاحة والركاكة(2) .
ما المقصود بالآيات المحكمة والمتشابهة؟
المحكم : من الإحكام وهو المنع ؛ ولهذا يُقال
للمواضع الثابتة القويّة : ( محكمة ) ، أي أنّها تمنع عن نفسها عوامل الزوال ، كما أنّ
كلّ قولٍ واضح وصريح لا يعتريه أيّ احتمال للخلاف يُقال له ( قول محكم ) .
وعليه فالآيات المحكمات هي الآيات ذات المفاهيم الواضحة التي لا مجال للجدل
والخلاف بشأنها ، كآية : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وغيرها .
وهذه الآيات المحكمات تسمّى في القرآن الكريم ( أُمّ الكتاب ) ، أي هي الأصل والمرجع
، والمفسِّرة والموضِّحة للآيات الأُخرى .
( والمتشابه ) : هو ما تشابهت أجزاؤه المختلفة ؛ ولذلك فالجُمَل والكلمات التي تكون
معانيها معقّدة ، وتنطوي على احتمالات مختلفة توصف بأنّها ( متشابهة ) ، وهذا هو
المقصود من وصف بعض آيات القرآن بأنّها ( متشابهات ) ، أي الآيات التي تبدو معانيها
لأوّل وهلة معقّدة ، وذات احتمالات متعدّدة ، ولكنّها تتّضح معانيها بعرضها على
الآيات المحكمات ،
ـــــــــــــــ
1ـ سورة النساء /
82 .
2ـ التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) 7 / 179 .
الصفحة (46)
ومن أمثلة الآيات المتشابهة قوله تبارك وتعالى :
( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ
أَيْدِيهِمْ )(1) .
وتعتبر الآيات المحكمات بمثابة الطريق الرئيسي ، والمتشابهات أشبه بالشوارع
الفرعية ، ولا شك أنّ الإنسان إذا ضلّ في طريق فرعي يسعى جاهداً للوصول إلى
الطريق الرئيسي ؛ ليتبيّن طريقه الصحيح فيسلكه .
ومن هنا عبّر القرآن عن المحكمات بـ ( أُمّ الكتاب ) ؛ إذ أنّ لفظة
( أُمّ ) في اللغة تعني الأصل والأساس ، وإطلاق الكلمة
على ( الأُمّ ) أي الوالدة ؛ لأنّها أصل الأسرة والعائلة ، والملجأ الذي يفزع إليه
أبناؤها لحلّ مشاكلهم ، وعلى هذا فالمحكمات هي الأساس الجذر ، والأُمّ بالنسبة للآيات
الأُخرى(2) .
لماذا تشابهت بعض آيات القرآن ؟
إنّ القرآن جاء نوراً لهداية عموم الناس ، فما سبب احتوائه على آيات متشابهات
فيها إبهام وتعقيد بحيث يستغلها المفسدون لإثارة الفتنة ؟
ويمكن الجواب عن هذا التساؤل بالوجوه التالية :
أوّلاً : أنّ الألفاظ والكلمات التي يستعملها الإنسان للحوار هي لرفع حاجته
اليومية في التفاهم ، ولكن ما إن نخرج من نطاق حياتنا المادية وحدودها ، كأن نتحدث
عن الخالق الذي لا يحدّه أيّ لون من الحدود ، نجد
ــــــــــــــــ
1ـ سورة الفتح /
10 .
2ـ تفسير الأمثل 2 / 396 ـ 398 . باختصار وتصرّفٍ يسير جدّاً .
الصفحة (47)
بوضوح أنّ ألفاظنا تلك لا تستوعب هذه المعاني ،
فنضطر إلى استخدام ألفاظ أُخرى ، وإن كانت قاصرة لا تفي بالغرض تماماً من مختلف
الجهات ، وهذا القصور في الألفاظ عندنا هو منشأ الكثير من متشابهات القرآن .
ثانياً : أنّ كثيراً من الحقائق تختصّ بالعالَم الآخر ، أو بعالَم ما وراء الطبيعة
ممّا هو بعيد عن أفق تفكيرنا ، وإنّنا بحكم وجودنا ضمن حدود سجن الزمان
والمكان غير قادرين على إدراك كُنهها العميق ؛ لقصور أفق تفكيرنا من جهة ، وسموّ
تلك المعاني من جهة أُخرى .
وهذا سبب آخر من أسباب التشابه في بعض الآيات كالتي
تتعلّق بيوم القيامة مثلاً .
وهذا أشبه بالذي يريد أن يشرح لجنين في بطن أُمّه مسائل هذا العالم الذي لم يره
بعد ، فهو إذا لم يقل شيئاً يكون مقصِّراً ، وإذا قال كان لا بدّ له أن يتحدّث
بأسلوب يتناسب مع إدراكه .
ثالثاً : من أسرار وجود المتشابهات في القرآن إثارة الحركة في الأذهان والعقول ،
وإيجاد نهضة فكرية بين الناس .
وهذا أشبه بالمسائل الفكرية المعقّدة التي
يعالجها العلماء ؛ لتقوية أفكارهم ، ولتعميق دقتهم في المسائل .
رابعاً : النقطة الأُخرى التي ترد بشأن وجود المتشابهات في القرآن وتؤيّدها أخبار
أهل البيت (عليهم السّلام) هي : أنّ وجود هذه الآيات في القرآن يُصوّر حاجة الناس إلى القادة
الإلهيين والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) والأوصياء ، فتكون سبباً يدعو الناس إلى البحث عن هؤلاء ،
واعتراف بقيادتهم عملياً ، والاستفادة من
الصفحة (48)
علومهم الأُخرى أيضاً ، وهذا أشبه ببعض الكتب
المدرسية التي أُنِيطَ فيها شرح بعض المواضيع إلى المدرّس نفسه ؛ لكي لا تنقطع
علاقة التلاميذ بأستاذهم ، ولكن يستمروا بسبب حاجاتهم هذه في التزوّد منه على
مختلف الأصعدة .
وهذا أيضاً مصداق وصية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، حيث قال :
(( إنّي تارك فيكم الثقلين ؛ كتاب الله
وأهل بيتي ، وأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ))(1) .
ثمّ انتقلت الآية المباركة بعد هذا التفصيل للآيات بأنّ منها محكم ومنها متشابه ،
فذكرت أنّ الذين في قلوبهم زيغ لا يتّبعون الآيات المحكمة ؛ لوضوحها وعدم
انطلائها على الناس ، فيتّخذون أسلوباً آخر وهو ما أشارت إليه الآية ، حيث قالت :
( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ
مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) .
فهذه الآيات
المتشابهة إنّما ذُكِرت لاختبار العلماء الحقيقيين ، وتميّزهم عن الأشخاص
المعاندين اللجوجين ، الذين يطلبون الفتنة ؛ فلذا يفسّرون هذه الآيات المتشابهة
وفقاً لأهوائهم ، ويضلّون الناس ويشبّهون عليهم ، بسبب الانحراف عن الخطّ المستقيم
والتمايل إلى جهة .
والزيغ في القلب : بمعنى الانحراف العقائدي عن الصراط المستقيم .
ــــــــــــــــــ
1ـ الإرشاد 1
/ 176 ، كنز الفوائد / 152 ، أمالي الشيخ الطوسي / 255 ح52 ، الطبقات الكبرى 2
/
194 ، الكامل 6 / 67 ، تاريخ مدينة دمشق 54 / 92 ، سير أعلام النبلاء 9 / 365 ،
مناقب الخوارزمي / 154 ، فضائل الصحابة / 15 ، مسند أحمد 5 / 182 ، والحديث
متواتر ،
وانظر تفسير الأمثل 2 / 398 ـ 400 .
الصفحة (49)
فهم بعقولهم المنحرفة يحاولون أن يؤوّلوا الآيات
بصورة تخالف حقيقتها ، وكما ذكرنا في سبب نزول هذه الآية أنّ بعض اليهود أوّلوا
تلك الحروف المقطّعة في القرآن تأويلاً لا يتّفق مع الحقيقة ، فقالوا إنّها تحدّد
عمر الإسلام .
وما هذا التأويل إلاّ لأجل إثارة الفتنة بين الناس
، غير أنّ الله
تبارك وتعالى والراسخين في العلم ـ وهم خلفاء الله في الأرض ـ يعرفون أسرار هذه
الآيات ويشرحونها للناس ، فهم بعلمهم الواسع يفهمون المتشابهات ، كما يفهمون
المحكمات ؛ ولذ انتقلت الآية وقالت : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ
رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ).
وهناك نقاش بين المفسّرين والعلماء حول الواو في هذه الآية في قوله ( والراسخون
)
هل هي حرف عطف ، أم حرف استئناف وتكون الجملة مستقلة ؟
ولكلِّ واحد من الفريقين
أدلّته وشواهده ، غير أنَّ الروايات المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة ذكرت أنّ
الراسخين في العلم يعلمون تأويله ، وأوضحت مصداقهم وأنّهم مُحَمّد وآلُ
مُحَمّد (عليهم السّلام) ، كما في رواية أبي الصباح الكناني قال : قال أبو عبد الله (عليه السّلام) :
(( نحن قوم
فرض الله (عزّ وجلّ) طاعتنا ، لنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، ونحن الراسخون في العلم
)) .
وفي
رواية أُخرى أنّه (عليه السّلام) قال : (( آل مُحَمّد الراسخون في العلم
))(1) .
ــــــــــــــــــ
1ـ انظر
تفسير البرهان 2 / 8 ـ 9 ح5 وح7 ، تفسير كنز الدقائق 2 / 17 .
الصفحة (50)
ويمكن الاستدلال على ذلك :
أوّلاً : يستبعد كثيراً أن تكون في القرآن آيات لا
يعلم أسرارها إلاّ الله وحده ، ألم تنزل هذه الآيات لهداية البشر وتربيتهم ؟ فكيف
يمكن أن لا يعلم بمعانيها وتأويلها حتى النبيّ الذي نزلت عليه ؟
وثانياً : إذا كان القصد هو أنّ الراسخين في العلم يسلّمون لما لا يعرفونه ، لكان
الأولى أن يُقال : والراسخون في الإيمان يقولون آمنّا به ؛ لأنّ الرسوخ في العلم
يتناسب مع العلم بتأويل القرآن ، ولا يتناسب مع عدم العلم به والتسليم له .
ثمّ انتقلت الآية وختمت ذلك بقوله تعالى : ( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ
الألْبَابِ ) تشير هذه الجملة في ختام الآية إلى أنّ هذه الحقائق يعرفها
المفكّرون وحدهم ، فهم الذين يدركون لماذا ينبغي أن يكون في القرآن ( محكمات )
و ( متشابهات ) ، وهم الذين يعلمون أنّه يجب وضع المتشابهات إلى جانب المحكمات
لكشفها ؛ لذلك روي عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) أنّه قال :
(( مَنْ ردّ متشابه
القرآن إلى محكمه هُدِيَ إلى صراط مستقيم )) .
ثمّ قال : (( إنّ في أخبارنا متشابهاً كتشابه القرآن فردّوا متشابهها إلى محكمها
، ولا تتّبعوا متشابهها فتضلّوا ))(1) .
لكن للأسف ترى
بعض مَنْ يدّعي
ــــــــــــــــــــ
1ـ عيون
أخبار الرضا (عليه السّلام) 2 / 261 ح39 ، وسائل الشيعة 27 / 115 ح22 ، الاحتجاج 2
/ 192 ، بحار
الأنوار 2 / 185 ح9 .