مجالس المؤمنين

 
 

الصفحة (91)

المجلس السادس

في الإمام علي السجّاد (عليه السّلام)


الصفحة (92)

 


الصفحة (93)

المجلس السادس : في الإمام علي السجّاد (عليه السّلام)

مـا  لِـلِهمُومِ تـراكمتْ بفؤُادي     أظعونُ  مَنْ أهوى حَداها الحادي
وديـارُهم ظـلّتْ غواسقَ 
بعَدَما     كانتْ  شوارقَ مِن سنَاها  الوادي
 فـكأنّها أبـياتُ آلِ 
الـمُصطفى     لـمّا خَـلتْ عَـنْ أهلِها الأمجادِ
حَـيرانَ  حرّانَ الحَشى ممّا 
لَقِي     مِـنْ مِحنةٍ هَارتْ ذُرى  الأطوادِ
أعـني بهِ زينَ العبادِ ومَنْ 
دُعِي     دُونَ  الـوَرى بـالسّيِّدِ الـسّجّادِ
هُـوَ حُـجّةُ اللهِ ارتـضاهُ لخلقهِ     وأبُـو  الأئـمّةِ عِـلّةِ 
الإيـجادِ
ومَـنْ  الـذّي عاشتْ بنيلِ 
أكفّهِ     أهـلُ الرجا من عاكفٍ أو  بادي
ويُـنيلُها الأقـواتَ لا 
يـدرونها     مـن أيّ بـيتٍ قدْ أتَتْ أو  نَادي
حـتّى  سـقتْه الـسُمَّ آلُ أُمـيّةٍ     فقضى سَميمَ الضّغنِ والأحقادِ
(1)

*****

ــــــــــــــــ
1ـ من قصيدة للشيخ محمد رضا الغراوي النجفي (رحمه الله) ، قال عنه السيّد جواد شبّر (رحمه الله) في أدب الطفّ : هو الشيخ محمد رضا بن قاسم ابن الشيخ محمد بن أحمد بن عيسى بن أحمد بن محمد الغرّاوي النجفي .
ولد في النجف الأشرف سنة 1303هـ ، ترجم له الشيخ محمد حرز الدين في (معارف الرّجال) فقال : عالم فقيه أصولي ، عارف بأخبار أهل البيت (عليهم السّلام) وسيرهم ، تقي صالح ثقة .
كانت له ندوة علمية وأدبية تجمع فيها نخبة من أهل الفضل في أيام التعطيل للمذاكرات العلمية ، وكان أديباً شاعراً ، ويعدّ من الطبقة المتوسّطة في متانة شعره ورقّته .
له ولعٌ في التأليف والتصنيف ، وكان محيطه وبيئته لا يقدران له ولأمثاله من المؤلّفين جهودهم .
حضر المترجم له دروس أعلام عصره ، منهم الشيخ محمد جواد الحولاوي ، والسيّد كاظم الطباطبائي اليزدي وغيرهم .
ألّف كُتباً كثيرة تنوف على الخمسين مؤلّفاً ومصنّفاً منها : (أدلّة الأحكام في شرح كتاب شرائع الإسلام) ، لم يتم وغيرها الكثير .
له ديوان شعر اسمه (محاسن الكواكب) . توفّي في يوم الأثنين 19 ربيع الأوّل سنة 1385هـ . (أدب الطفّ 10 / 188 ـ 189) .

الصفحة (94)

( موشّح )

هـم  مـصايب كـربله أوهـم  علّته     وفگد  إخـوته أوذبـح أبوه أو  غربته
 وگطَّـعـوا  بـالسّم يـويلي 
چبـدته     لـيش  إبـن حـامي الـحمه يسمّونه
يـا عـلي الـسجّاد تـبگه 
امصيبتك     أوكـل وكـت تـنصب مناحه شيعتك
سـيـدي أولازم نـشـيّد 
حـضرتك     أونـوصلك  رغـم الـذي  ايـمنعونه
بـعد يـا جـرح البقيع انزف 
أوجور     أشوكت يخمد غضب حسرات الصدور
يـا وسـافه مـوحشه أربـع اگبـور     ابـحـكم  زمـره حـاقده 
أومـلعونه

*****


الصفحة (95)

روى ابن عباس عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : (( إذا كان يومُ القيامةِ يُنادي منادٍ : أينَ زينُ العابدينَ ؟ فكأنّي انظرُ إلى ولدي عليِ بنِ الحُسينِ بنِ عليِ بنِ أبي طالبٍ يخطرُ بينَ الصّفوفِ ))(1) .
الكلام عن حياة الإمام زينِ العابدين وسيّدِ الساجدين (عليه السّلام) كلام ذو أبعاد عديدة ، منوّعة بسبب تنوّع الأحداث التي عاشها الإمام (عليه السّلام) ، فقد عاصر الإمام السجّاد (عليه السّلام) ستة من أئمّة الجور والطغيان من حكّام بني أُميّة وهم :
1ـ يزيد بن معاوية (61 ـ 64) هـ .
2ـ عبد الله بن الزبير ( 61 ـ 73) هـ .
3ـ معاوية بن يزيد ( بضعة أشهر من عام64) هـ .
4ـ مروان بن الحكم ( تسعة أشهر من عام65) هـ .
5ـ عبد الملك بن مروان ( 65 ـ 86) هـ .
6ـ الوليد بن عبد الملك ( 86 ـ 96) هـ .
وكلّ واحد من هؤلاء الستة ـ ما عدا ابن الزبير الذي يتظاهر بالخروج على بني أُميّة ـ له سياسته الخاصّة تجاه الإمام (عليه السّلام) ، مع الحفاظ على الخطّ العام لسياستهم الطاغوتية .
وأمّا عبد الله بن الزبير فقد كان من أولئك الذين لم يبايعوا يزيد ، وليس

ـــــــــــــــ
1ـ علل الشرايع 1 / 229 ـ 230 ح1 ، مدينة المعاجز 4 / 241 ح17 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 304 ، بحار الأنوار 46 / 2 ـ 3 ح1 عن علل الشرايع .

الصفحة (96)

ذلك إلاّ لكونه يرى نفسه خليفة قائماً بنفسه ، وقد هرب إلى مكّة بعد موت معاوية ، وقبل انطلاق الإمام الحسين (عليه السّلام) بقليل نشط سياسيّاً هناك ، وبعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ ولعدم وجود مَنْ ينافسه هناك حصل على بعض الأنصار ، وادّعى لنفسه الخلافة ، ولم يتمكّن يزيد حتى أواخر حكمه من القضاء عليه ، وظلّ رافعاً راية خلافته حتى عام ثلاث وسبعين للهجرة حيث أخضع عبد الله الحجاز والعراق ومصر وبعضاً من الشرق الإسلامي لحكمه .

وانحصر حكم الأُمويين داخل حدود الشام وبعض المناطق ، فقد كان يحكم من عام 61 ـ 73 خليفتان في منطقتين من العالم الإسلامي ، ولكن خضعت جميع البلاد الإسلامية بعد هزيمة عبد الله بن الزبير على يد قوّات عبد الملك عام 73 لحكم المروانيين ؛ فعادت إلى الشام مركزيتها مرّة أُخرى(1) .
فلأجل هذه الأحداث التاريخية صارت حياة الإمام زين العابدين (عليه السّلام) مليئة بالتنوّع والتشكّل بأشكال متعدّدة .
ولو تأمّلنا في الكلمة المأثورة عن نبيّ الرحمة (صلّى الله عليه وآله) لوجدنا الشيء العجيب ، فالنبيّ يُخبِر عن الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام) أنّه ( ينادي منادٍ يوم القيامة : أين زين العابدين ؟ ) ، ثُمَّ بيّن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّ زين العابدين هذا هو علي بن الحسين (عليه السّلام) .

هذا والحسين لازال في عمر الصبا ، ولم يتزوّج ، ولم يولَد

ــــــــــــــــ
1ـ سيرة الأئمّة (عليهم السّلام) للبيشوائي / 210 ، الأصل والهامش مع تصرّف يسير .

الصفحة (97)

له ولد بعدُ ، ولم يعرف الناس لهذا الولد الذي سيُرزق به الإمام الحسين (عليه السّلام) صفة من صفات العبودية أبداً .

ولكن بعد ما يعرف السامع أنّ القائل هو النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يصدّق ؛ لأنّ المُخبَر عنه هو الله تعالى ، والمُخبِر هو النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) .
وأمّا السبب في تسميته (عليه السّلام) بزين العبدين وسيّد الساجدين وذي الثَّفِنَات فهو راجع لما ذكره ولدُه الإمامُ الباقر (عليه السّلام) .

حيث قال (عليه السّلام) : (( إنّ أبي علي بنَ الحسين (عليه السّلام) ما ذكر نعمة الله عليه إلاّ سجد ، ولا قرأ آية من كتاب الله (عزّ وجلّ) فيها سجود إلاّ سجد ، ولا دفع الله تعالى عنه سوء يخشاه أو كيد كايد إلاّ سجد ، ولا فَرِغ من صلاة مفروضة إلاّ سجد ، ولا وُفِّق لإصلاح بين اثنين إلاّ سجد ، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده ، فسُمِّي السّجّاد لذلك )) .
وقال (عليه السّلام) أيضاً : (( كان لأبي (عليه السّلام) في موضع سجوده آثار ناتئة ، وكان يقطعها في السنة مرّتين في كلِّ مرّة خمس ثفنات ، فسُمِّي ذا الثفنات لذلك ))(1) .
وفي كشف الغمّة : أنّ سبب لقبه بزين العابدين أنّه كان ليلة في محرابه قائماً في تهجّده ، فتمثّل له الشيطان في صورة ثعبان ؛ ليشغله عن عبادته ، فلم يلتفت إليه ، فجاء إلى إبهام رجله فالتقمها ، فلم يلتفت إليه فآلمه ، فلم يقطع

ــــــــــــــــ
1ـ علل الشرايع 1 / 232 ـ 233 ح1 وح2 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 304 .

الصفحة (98)

صلاته ، فلمّا فَرِغ منها ، وقد كشف الله له ، فعَلِم أنّه شيطان ، فسبّه ولطمه ، وقال له : (( اخسأ يا ملعون )) ، فذهب وقام إلى تمام وِرْدِه ، فسُمِع صوتٌ لا يُرى قائله وهو يقول : ( أنت زين العابدين حقّاً ) ثلاثاً فظهرت هذه الكلمة ، واشتهرت لقباً له (عليه السّلام) (1) .

أمّا الزهري وهو من أكابر علماء العامّة فكان إذا حدّث عن الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام) قال : حدّثني زين العابدين علي بن الحسين .

فقال له سفيان بن عيينه : ولِمَ تقول له زين العابدين ؟

قال : لأنّي سمعت سعيد بن المسيّب يحدّث عن ابن عباس أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : (( إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ : أين زين العابدين ؟ )) . وذكر الحديث المتقدّم .
والمهم في المقام أنّ عبادته (عليه السّلام) كانت مَضرَباً للمثل ، وأشهر من أن تُذكر أو تسطّر ؛ فإنّه (عليه السّلام) أمير أهل زمانه ، ويكفي في ذلك عدم تمكّن أحد من الناس على مضاهاة أمير المؤمنين (عليه السّلام) في العبادة إلاّ هو ؛ فإنّه كان يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة ، فإذا دخل وقت الصلاة ارتعش جسمه الشريف ، واصفرّ لونه ، وإذا شرع فيها كان كجذع الشجرة لا يتحرّك إلاّ ما حرّكت منه الريح ، وإذا وصل في القراءة إلى ( مالك يوم الدين ) ظلَّ يكرّرها إلى أن يوشك على الموت ، وإذا سجد لم يرفع رأسه الشريف حتى يتصبّب عرقاً ، وإذا أصبح أصبح صائماً ، وإذا أمسى أمسى عابداً ، وكان يستمر في صلاته ليلاً حتى يصيبه التعب إلى درجة أنّه لا يقدر على

ـــــــــــــــ
1ـ كشف الغمّة 2 / 286 .

الصفحة (99)

النهوض إلى الفراش ، فكان يذهب إليه كهيئة الأطفال الذين لا يقدرون على المشي ، وإذا دخل شهر رمضان لم يتكلّم إلاّ بالدعاء والتسبيح والاستغفار ، وكانت لديه صُرّة فيها تراب قبر الحسين (عليه السّلام) ، فإذا أراد السجود سجد عليها(1) .
وأمّا قراءته للقرآن ، فكان السقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته(2) .
وعن سفيان بن عيينة قال : حجّ علي بن الحسين ، فلمّا أراد الإحرام وقفت راحلته ، واصفرّ لونه ، وأخذته رعشة ، ولم يقدر على التلبية ، فقلت : لِمَ لا تلبّي ؟

فأجابني بأنّه يخاف أن يقول له الله تعالى لا لبيك ولا سعديك ، فلمّا لبّى أُغمِيَ عليه ، وسقط عن راحلته ، وكان هذا حاله إلى أن فرغ من الحجّ(3) .
وقال طاووس اليماني : دخلت حجر إسماعيل ليلة ، فرأيت علي بن الحسين (عليه السّلام) في السجود وهو يكرّر كلاماً ، فأصغيت جيداً ، فإذا هو يقول : (( إلهي ، عُبيدُك بفنائك ، مسكينُك بفنائك ، فقيرك بفنائك )) .

فما أصابني بلاء ، أو

ــــــــــــــ
1ـ منتهى الآمال 2 / 17 .
2ـ الكافي 2 / 616 باب ترتيل القرآن بصوتٍ حسن ح11 ، التفسير الصافي 1 / 71 ، وسائل الشيعة 6 / 211 ح4 ، بحار الأنوار 46 / 70 ح45 ، عن الكافي .
3ـ تاريخ مدينة دمشق 41 / 378 ، مناقب آل أبي طالب 4 / 35 ح121، عوالي اللئالي 4 / 35 ح121 .

الصفحة (100)

مرض أو ألم ، فصلّيت وسجدت وقلتها إلاّ كشف عنّي وفرّج بي(1) .
وممّا روي عن حاله (عليه السّلام) في العبادة أنّه سقط بعض ولده في بعض الليالي فانكسرت يده ، فصاح أهل الدار ، وأتاهم الجيران ، وجِيءَ بالمجبِّر ، فجبَّر الصبي وهو يصيح من الألم ، وكلّ ذلك لا يسمعه ، فلمّا أصبح رأى الصبي يده مربوطة إلى عنقه فقال : (( ما هذا ؟ )) . فأخبروه .
ووقع حريق في بيت هو فيه ساجد ، فجعلوا يقولون : يابن رسول الله النار النار ، فما رفع رأسه حتى أُطْفِئَتْ ، فقيل له بعد قعوده : ما الذي ألهاك عنها ؟

قال : (( ألهتني عنها النار الكبرى ))(2) .
وهناك شواهد كثيرة من هذا القبيل في عبادته وكثرة دعائه ، ويكفي دليلاً على ذلك ما سطّره الإمام في أدعيته المباركة في الصحيفة السجّادية ، زبور آل مُحَمّد (صلّى الله عليه وآله) ، وأخت القرآن ، وما اشتهر بين الناس وعُرف به فضلاً وكرامة عند الله تعالى .
ولذا ترى الناس قد انفرجت له في استلام الحجر الأسود ، مع أنّه لا سلطان له ، ولا سيف ولا نطع ، فانفرجت له لا لشيء إلاّ لكونه أقرب الناس إلى الله تعالى ، مع أنّ هشام بن عبد الملك يملك هذه الأمور ، ولم يقدر على استلام الحجر الأسود ؛ لشدّة الزّحام ، فما كان من الشاميّين إلاّ أن ينصبوا

ـــــــــــــــــ
1ـ الإرشاد 2 / 143 ، سير أعلام النبلاء 4 / 393 ، البداية والنهاية 9 / 123 ، إعلام الورى 1 / 489 ، روضة الواعظين / 198 .
2ـ مناقب آل أبي طالب 3 / 290 ، بحار الأنوار 46 / 80 .
 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةأعلى