الصفحة (151)
حَليفِ السجدةِ الطويلةِ ، والدموعِ الغزيرةِ ، والمناجاتِ الكثيرةِ
، والضراعةِ
المتّصلةِ .
وهذه هي الفقرة الأخيرة من المقطع الذي اقتطعناه من الزيارة ، والفقرة بكاملها تشير
إلى الكم والكيف الذي كان عليه الإمام في عبادته (عليه السّلام) لله جلّ جلالُه ، حتى قال عنه
الخطيب البغدادي : كان موسى بن جعفر يُدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده .
وروى
أصحابنا أنّه دخل مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسجد سجدة في أوّل الليل ، وسُمِع وهو يقول في
سجوده : (( عَظُمَ الذنبُ عندي ، فليَحْسُنِ العفوُ عندك ، يا أهلَ التقوى ويا أهل
المغفرة )) .
فجعل يردّدها حتى أصبح(1) .
وروى الشيخ الصدوق عن عبد الله القروي أنّه قال : دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس
على سطح ، فقال لي : ادْنُ ، فدنوتُ حتى حاذيته .
ثُمَّ قال لي : اشرفُ على البيت في
الدار ، فأشرفت .
فقال : ما ترى في البيت ؟
قلت : ثوباً مطروحاً .
فقال : انظر حسناً .
فتأمّلت ونظرت ، فتيقّنت فقلت : رجلاً ساجداً .
فقال لي : تعرفُه ؟
قلت : لا .
قال : هذا مولاك .
قلت : ومَنْ مولاي ؟
فقال : تتجاهل عليَّ ؟
فقلت : ما أتجاهل ، ولكنّي لا أعرف لي مولى .
فقال : هذا أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) ، إنّي
أتفقّده الليل والنهار ، فلم أجده في وقت
ــــــــــــــــ
1ـ تاريخ بغداد 13
/ 29 .
الصفحة (152)
من الأوقات إلاّ على الحال التي أخبرك بها .
إنّه يصلّي الفجر ، فيعقّب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ، ثُمَّ يسجد سجدة
فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس ، وقد وَكّل مَنْ يترصّد له الزوال ، فلست أدري متى
يقول الغلام : قد زالت الشمس إذ يثب ، فيبتدي بالصلاة من غير أن يجدّد وضوءاً ، فأعلمُ
أنّه لم ينم في سجوده ولا أغفى .
فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، فإذا
صلّى العصر سجد سجدة ، فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس ، فإذا غابت الشمس وثب من
سجدته فصلّى المغرب من غير أن يحدث حدثاً ، ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلّي
العتمة ، فإذا صلّى العتمة أفطر على شوي يُؤتَى به ، ثُمَّ يجدّد الوضوء ، ثُمَّ يسجد ،
ثُمَّ يرفع رأسه ، فينام نومة خفيفة .
ثُمَّ يقوم فيجدد الوضوء ، ثُمَّ يقوم فلا يزال
يصلّي في جوف الليل حتى يطلع الفجر ، فلست أدري متى يقول الغلام : إنّ الفجر قد طلع ،
إذ قد وثب هو لصلاة الفجر ، فهذا دأبه منذ حُوِّل لي .
فقلت : اتقّ الله ولا
تُحدِثَنَّ في أمره حدثاً يكون منه زوال النعمة ، فقد تعلم أنّه لم يفعل أحدٌ بأحدٍ
منهم سوءاً إلاّ كانت نعمته زائلة(1)
.
وهكذا كان ديدنه في السجن ، ويدعو كثيراً بهذا
الدعاء : (( عظم
ـــــــــــــــ
1ـ عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2
/ 98 ـ 99 ح15 ، روضة الواعظين / 216 ـ 217 ، مناقب آل أبي طالب
3 / 433 ، مدينة المعاجز 6 / 360 ـ 361 ح117 ، بحار الأنوار 48 / 107 و48 / 210 ح9 عن
العيون و79 / 363 ـ 364 ح50 ، و82 / 317 ـ 318 ح1 .
الصفحة (153)
الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك ))(1) .
وكانت ضراعته متصلة إلى الله بأن يفرّج عنه بما يحبّه الباري (عزّ وجلّ) بعد أن اعتاد على
السجن والتنقّل فيه .
ولم يزل يُنقَل من سجن إلى سجن ، فقد نُقِل من سجن الفضل بن
الربيع إلى سجن الفضل بن يحيى ، وفي كلِّ مرّةٍ كان الطاغية يأمر جلاوزته أن يضيّقوا
على الإمام ، ثُمَّ نُقِل إلى سجن أشدّ وأظلم ، وهو سجن السندي ، وقد عانى الإمام في
هذا السجن أشدّ الآلام والأذى ، وكان إذا ضاق نفس الإمام لضيق الطامورة يأتي إلى
بابها ، وكان فيها فتحة ؛ ليستنشق الهواء منها ، فإذا رآه السندي لطم الإمام على وجهه ،
وأرجعه إلى داخل الطامورة .
أفي أيِّ كفٍّ يلطمُ الرجسُ وجهَهُ ومـا هـي إلاّ فرعُ لطمةِ
فاطم
|
وكتب الإمام من تلك الطامورة إلى علي بن سويد ، وكان ابن سويد قد سأل الإمام عن
مسائل كثيرة ، فكتب إليه الإمام بعد ما أجابه عن مسائله : (( إنّي أنعى إليك نفسي في
الليالي هذه غير جازعٍ ولا نادم ، ولا شاكّ فيما هو كائن من قضاء الله (جلّ وعزّ)
وحتم ، فاستمسك بعروة الدين آل مُحَمّد ))(2)
. فما مضت تلك الليالي حتى بعث الطاغية
هارون إلى السندي رطباً مسموماً ؛
ــــــــــــــــ
1ـ الإرشاد 2 / 231 ، كشف الغمة 3 / 20 ، بحار الأنوار 48
/ 101 .
2ـ مدينة المعاجز 6 / 283 ح8 ، بحار الأنوار 48 / 229 ح34 .
الصفحة (154)
لكي يُقدِّمه للإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام) ، فامتثل اللعين أمر طاغيته وقدّم الرطب إلى
الإمام ، وأجبره على أكله .
فرفع باب الحوائج يده إلى السماء وقال :
(( يا ربّ ، إنّك
تعلم أنّي لو أكلتُ قبل اليوم كنت قد أعنتُ على نفسي )) .
ثُمَّ تناول رطبات فأكلها
ثُمَّ أمتنع ، فقال له السندي : زد على ذلك .
فرمقه الإمام بطرفه وقال : (( حسبك قد بلغت
ما تحتاج إليه )) .
فأخذ السّم يسري في بدن الإمام ، وأخذ يعاني أشدّ الآلام في تلك الطامورة ، وأحاط به
الأسى والحزن ؛ حيث لا أحد من أولاده وأهله وأحبّته عنده ، وبقي على هذهِ الحال إلى أن
فارقت روحُه الدنيا .
أي وا سيداه ! وا إماماه ! وا مسموماه !
عـليه ضاگ الهوه ومل من حياته ولا يـعرف وكـت بـيه
الصلاته
لـمن سـمّوه أوبيه صارت
وفاته عگب مـا ذاب چبده وخلص بالسّم
ثـلث تـيام ظـل من غير
تغسيل مـا عـنده عـشيره النعشه اتشيل شـالوه لـلجسر أربـع حـماميل أو بـيه سمعت الناس أوغدت تلتم اشـحال ابنه الرضا لمّن گصد ليه أوعـاين لـلحديد أوشـاف
رجليه ظل يبچي اعله حاله أوينحني اعليه حـتى انچتـل بـخريسان
بـالسّم
|
ثمّ جاؤوا بجنازته ، فنادوا عليها بذلّ الاستخفاف : هذا إمام الرافضة
.
الصفحة (155)
ووضعوها على جسر الرصافة ، وجاؤوا بالطبيب النصراني فأخبرهم أنّه مسموم :
ألف يا حيف ألف وأكثر
وسافه يظل نعشك على جسر الرصافه
وطـبيب الگلّب ابچفك
وشافه ايگول أولا عشيره الهاذا تظهر
|
( أبوذية )
ابسجن يالكاظم العدوان
سمّوك وأنـته قاضي الحاجات سمّوك
بالله يـالتشيل النعش
ساموك صدگ ظل ابحديده ابن الزچيه
|
لكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله
؛ ولذا يقول الشاعر :
يـصرخ الـناعي بگلب
مالوم يـنده ودمـع الـعين
مسجوم
مـوسى بن جعفر مات
مسموم أو ودّع الـدنيه مـثل ها ليوم لاچن أكـول اتـخفّ
الـهموم مـامات ومـن الماي
محروم ولا سـلبوا مـن عنده
الهدوم أولا بـالحوافر سحگته
الگوم أويـلاه يـبو الـيمه يـمظلوم العگبه انسبت زينب وچلثوم(1)
|
*****
ــــــــــــــــ
1ـ الأبيات للحاج معين السبّاك (رحمه الله) (وقد تقدّمت
ترجمته) .
الصفحة (156)
بـعضٌ بـطيبةَ مدفونٌ
وبعضُهُمُ بـكـربلاءَ وبـعضٌ
بـالغريّينِ وأرضُ طوسٍ وسامرا وقد ضَمِنَتْ بـغدادُ بـدرينِ حلاّ وسطَ
قبرينِ
|
إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول
ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ،
وسيعلم الذين ظلموا آل مُحَمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون
والعاقبة للمتقين .
الصفحة (157)
المجلس العاشر
في الإمام علي الرضا (عليه السّلام)
الصفحة (158)
الصفحة (159)
المجلس العاشر : في الإمام علي الرضا (عليه السّلام)
لِـلهِ رُزءٌ هـدَّ أركـانَ
الهُدى مـن بـعدِه قُـل للرّزايا
هُوني حُـطِمَتْ قَناةُ الشّرعِ حُزناً
بعدَه وبـكتْ بِقَاني الدّمعِ عينُ
الدّينِ
لِلهِ يومٌ لابنِ مُوسى زَلْزَلَ
السّـ ـبعَ الطِّباقَ فـأعـولَتْ
بِـرَنينِ يـومٌ بهِ أضحى الرّضا
متجرِّعا سُـمّاً بـكأسِ عَـداوةٍ
وظُغونِ جَـعلُوه فـي عِنَبٍ ورُمّانٍ
لكي يَـخفى عـلى علاّمِ كُلِّ
مَصونِ
أَومـا دروا أنَّ الـخلائقَ
طَوعُه فـي عـالمِ الـتكوينِ والتّدوينِ
لـكنَّهُ لـمّا دعـاهُ مَن
ارتضى مـثوىً لـه فـي دارِ
عـليّيِّنِ فقضى عليه المجدُ حُزناً إذ قضى والـدّينُ نـاحَ ومُـحكمُ
التبيينِ فَـمَنِ الـمُعزِّي في نَزارٍ
أُسرةً أَلِـفَتْ شَـبا بيضٍ وقبّ
بُطونِ هُـبَّوا مِـنَ الأجداثِ أنَّ
عِداكُم سَخِطَتْ لكم ضيماً على
العِرنينِ تـركتْ بـني طهِ وهُمْ
أُمراؤُكم قـد غـيبّتْ منكُم شُموسَ الدّينِ وبـطوسَ قـبرٌ ضمَّ أيَّ
مُعظّمٍ أبكى الأمينَ عليه أيُّ
خَئونِ(1)
|
*****
ـــــــــــــــــــ
1ـ القصيدة للشيخ عبد الحسين شكر (رحمه الله) ، قال
عنه السيّد جواد شبّر (رحمه الله) في أدب الطفّ : الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ
أحمد بن
شكر النجفي ابن الشيخ أحمد ابن الحسن بن محمد بن شكر الجباوي النجفي .
توفّي
بطهران سنة 1285 ، وكان والده الشيخ أحمد من العلماء المصنّفين .
رثى أهل البيت
(عليهم السّلام) بقصائد كثيرة تزيد على الخمسين ، منها روضة مرتّبة على الحروف ، وشعره يرويه
رجال المنبر الحسيني في المحافل الحسينية .
وقد تصدّى الخطيب الشهير الشيخ
محمد علي اليعقوبي لجمع ما نظمه الشاعر في أهل البيت (عليهم السّلام) من القصائد والمقاطيع
من مديح ورثاء ، فنشره في كراسة تناهز المئة
الصفحة (160)
( نصّاري )
يعيني اعلى الرضا صبِّي الدمع دم عـزيز الروح بفراش المرض
تم
خـلص گلبه ابونينه أو مرّده
السّم وگع مـن ساعته او مدّد
الرجلين وگع مــن سـاعته الله
وكـبر عـلى افراش المرض گلبه
تفسّر ونّ ونـين طرّ گلب الصخر
طر عـلى صـوب المدينه مدّ اليمين شـبح عينه اونظر صوب
المدينه چنّــه يـومي إعـليها ابـيمينه لـن إبـنه دخـل لـيه
ابـونينه هـو فـوگه يـحبّه على
الخدين شـبك فوگه الجواد ابگلب ملهوف اوعـاين حـالته واللون
مخطوف يـبويه مـوتكم بـسموم واسيوف او لا بـد مـا نـواسيكم
الـعِدْلِين
|
*****
ــــــــــــــــــــــ
صفحة .
وآل شكر أسرة قديمة من الأسر
العربية الشهيرة بالنجف ، عرفت باسم (شكر) أحد أجدادها الأقدمين ، وأصلهم
من عرب الحجاز . (أدب الطفّ 7 / 187 ـ 188) .
|