الطليعة

من شعراء الشيعة

تأليف

محمد بن طاهر السماوي

تحقيق

كامل سلمان الجبوري

 

 

بطاقة الكتاب

الكتاب: الطليعة من شعراء الشيعة.

المؤلّف: الشيخ محمّد السَّماوي ( 1292 ـ 1370 هـ ).

المحقّق: كامل سلمان الجبوري.

الناشر: دار المؤرّخ العربي ـ لبنان.

الطبعة: الأُولى ـ سنة 1422 هـ / 2001 م.

إعداد نسخ الكتاب: علي صراط حق

تنبيه: رقم صفحات الكتاب غير موافق للمطبوع

 

ترجمة المؤلف

محمد السماوي (1293 - 1370 هـ = 1876 - 1950 م)

محمد بن طاهر السماوي: شاعر أديب، من القضاة. من أعضاء المجمع العلمي العراقي.

ولد ونشأ بالسماوة (على الفرات، شرقي الكوفة، وهي غير السماوة القديمة) وتعلم بالنجف.

وأقام مدة في بغداد (أيام الحرب العامة الأولى) قبل الاحتلال البريطاني وعاد بعده إلى النجف، وعين فيه قاضيا شرعيا. أكثر في شبابه من نظم الغزل والإخوانيات، وانقطع في كهولته إلى المدائح النبوية وما يتصل بها من مدح الحسين السبط وعلي السجاد ومحمد المهدي ابن الحسن وآخرين من المتقدمين. وصنف كتبا، منها (الطليعة في شعراء الشيعة - خ) [ثم طُبع] يقع في ثلاثة مجلدات، و (إبصار العين في أحوال أنصار الحسين - ط) و (شجرة الرياض في مدح النبي الفياض - ط) و (ثمرة الشجرة في مدح العترة المطهرة - ط) وله (أرجوزة في الربع المجيب) سماها (قرط السمع). وتوفي بالنجف

نقلا عن : الأعلام للزركلي

مقدّمة المحقّق

وهي في خمسين صفحةً تقريباً، تناولت ثلاثة محاور:

الأوّل ـ ترجمة المؤلف.

الثاني ـ تعريف بكتاب ( الطليعة ).

الثالث ـ منهج التحقيق.

وإذا مشينا مع المحقّق عرَّفَنا أوّلاً بفضيلة الشيخ محمّد بن الشيخ طاهر السماوي الفضلي، أنّه من أعلام الأدب والتاريخ، ذاكراً أنّه:

وُلد في السماوة ـ بالعراق ـ سنة 1292 هـ / 1876م، فدرس فيها مقدّمات العلوم، ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1302 هـ لإكمال تحصيله العلمي على يد جملةٍ من أعلام عصره قُدّروا بخمسين شيخاً من أكابر العلماء. وقد أجازه أساتذته بالاجتهاد، وروى عنهم. عاد إلى السماوة سنة 1322 إلى سنة 1330 هـ، ثمّ طُلِب من بغداد ليكون عضواً في مجلس الولاية، وبعد سقوط بغداد بيد الجيش البريطاني عُيّن قاضياً في النجف الأشرف إلى أن استقال، عندها تفرّغ للبحث والكتابة والتأليف والنَّسخ، فكان مِن أهم

مؤلّفاته:

إبصار العين في أحوال أنصار الحسين، أجمل الآداب في نظم كتاب ابن داب ـ في فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام ( وهو منظومة في 200 بيت ) ـ بلوغ الأُمّة في تأريخ النبيّ والأئمّة، ثمرة الشجرة في مدائح العترة المطهَّرة، جذوة السلام في مسائل علم الكلام، ديوان شعره، صدى الفؤاد في تأريخ بلد الكاظم والجواد، ظرافة الأحلام فيمن رأى أحدَ المعصومين في المنام، عنوان الشرف في تأريخ النجف، غُنية الطلاّب في الإصطرلاب، فرائد الأسلاك في علم الأفلاك، وشائح السرّاء في شأن سامرّاء، الكواكب السماويّة في شرح قصيدة الفرزدق العلوية، نظم السمط في علم الخطّ، مجالي اللُّطف في تأريخ الطفّ ( منظومة في 1250 بيتاً )، مناهج الوصول إلى علم الأصول.. وهذا الكتاب، وغيره كثير.

أثنى عليه: أُستاذه السيّد إبراهيم الطباطبائي، والشيخ جعفر النقدي في ( الروض النضير )، والأستاذ علي الخاقاني في ( شعراء الغري )، والأستاذ عبدالكريم الدجيلي في ( جريدة اليقظة البغدادية )، والأستاذ جعفر الخليلي في ( موسوعة العتبات المقدّسة ).

نظم الشعرَ في أيّام الشباب، ثمّ تركه فلم ينظم في غير مدائح النبيّ وآله صلّى الله عليه وآله، وقد طُبع له من ذلك مجموعاتٌ ومنظومات، وله نحو عشرين ألف بيت غير مطبوعة، ودواوين مخطوطة ما تزال محفوظةً لدى أحفاده.

أشهر ما عُرِف به الشيخ السماوي هو جمعُه للكتب، وأكثرها ممّا كان يكتبه بخطّه حتّى قيل أنه كتب أكثر من ( 260 ) كتاباً. ثمّ تتبّع النوادر من المخطوطات، ولمّا حَسُنَت حاله أخذ يجمع أُمهات الكتب المطبوعة والمراجع والموسوعات، وقد كتب عن مكتبته الشخصيّة المعنيّون بالآثار، أمثال جُرجي زيدان في كتابه ( تاريخ آداب اللغة العربية ).

وكان الشيخ السماوي مرجعاً في تقييم الكتب القديمة ومظانِّ وجودها، بل كان فهرساً يحتاجه المؤلّفون والمحقّقون، فقد ضمّت مكتبته أندرَ النسخ القديمة الثمينة، ومنها المخطوطات المكتوبة بخطوط أصحابها، واستخدم عدداً غير قليلٍ من الخطاطين في استنساخ بعض الكتب التي لم يظفر بشرائها، أمّا الكتب المنحصرة بمكتبته، فقد كان ينقلها بخطّه، ولأجلها تعلّم التجليد. وحين تُوفّي الشيخ السماوي انحصرت الوراثة بابنته، فعرضت المكتبة للبيع، فتنافس على شراء كتبها عددٌ من الأفاضل وأرباب الخزانات الخاصة، فاشترت مكتبة السيد الحكيم ( 450 ) مخطوطة ومئات الكتب المطبوعة، أمّا الدواوين الشعرية فإنّ أغلبها انتقل إلى مكتبة الشيخ محمّد علي اليعقوبي وآخرين.

كانت وفاته رحمه الله بالنجف الأشرف في 2 محرّم ـ سنة 1370 هـ / 1950 م، فدُفن في الصحن الشريف لأمير المؤمنين عليه السلام في غرفة الشيخ محمد جواد البلاغي رضوان الله عليه.

وهذا الكتاب ( الطليعة من شعراء الشيعة ) هو من أشهر مؤلّفات الشيخ محمّد السماوي، حيث تردّد ذِكرُه في الأوساط الثقافية والأدبية كمصدرٍ أدبيٍّ لا يُستغنى عنه. عرضَ فيه تراجم الشعراء الشيعة وبعض أخبارهم بشكل موجز، مركّزاً على إيراد نماذج من أشعارهم، وقدّم كلّ ترجمة بموجزٍ من التعريف، كتَبَ أغلبه بالسجع، ووشّاه بما عُرِف من القدرة على الاستطرادات الأدبية الرائعة، في منهجيّةٍ خاصّة.

وللكتاب أهميّةٌ خاصّة، يدلُّنا عليها كثرة الناقلين عنه والمعتمدين عليه أو المشيرين إليه من الباحثين، ومنهم من أصحاب الموسوعات الرجالية:

ـ السيّد محسن الأمين في ( أعيان الشيعة ).

ـ الشيخ آغا بزرك الطهراني في نقولاته وتراجمه في ( الذريعة 9 / قسم الدواوين ).

ـ الشيخ علي الخاقاني في كتابَيه: ( شعراء الحلّة )، و ( شعراء الغري ).

ـ الشيخ محمّد علي اليعقوبي في ( البابليّات ).

ـ الشيخ جعفر باقر محبوبة في كتابه ( ماضي النجف وحاضرها ).

ـ السيّد سلمان هادي آل طعمة في كتابه ( شعراء كربلاء ).. وغيرهم.

وكان الشيخ السماويّ قد اعتمد في تأليفه على ( 41 ) مصدراً من عيون مصادر الأنساب والرجال والتاريخ والأدب والعقيدة والسيرة والطبقات.. وغيرها.

قال الأستاذ المحقق الجبوري: والنسخة التي قمت بتحقيقها هي النسخة الوحيدة التي بخطّ المؤلف، ولا نسخةَ سواها، وهي محفوظةٌ لدى حفيده الأستاذ أحمد عبدالرزّاق محمّد السماوي في بغداد، عدا نسختين مصوَّرتين: إحداهما ـ في مكتبة كلّية الآداب ـ الدارسات العليا ـ بجامعة بغداد، والأخرى ـ في مكتبة أمير المؤمنين العامّة في النجف، وهي نسخة جيّدة الخطّ، وقد حَمّل المؤلفُ حواشيها بما أضاف إليها فيما بعد فأصبحت مملوءةً بالإشارات والأسهم والأرقام.

فبعد أن أتمّ المؤلّف كتابه أخذ يُضيف إليه ما يحصل عليه من تراجم أو تكملة للتراجم السابقة، فيضع علاماتٍ في الأصل ويكملها في الهوامش، حتّى أصبحت الهوامش أضعافَ ما في المتن وهي تحمل علاماتٍ كثيرةً ومتنوّعة قد تتشابه في بعض الصفحات، ممّا تعذّر كتابتها دون الرجوع إلى الدواوين والمراجع الأخرى لوضعها في محلّها الذي أضمره المؤلّف، فكان عملنا هو: المراجعة، وإعادتها في محلّها.

وهكذا يدخل المحقّق في الحديث حول منهجة في تحقيق هذا الكتاب ( الطليعة )، فيذكر مقابلتَه للنصوص مع أصولها، ومعاناتَه في قراءة الكلمات غير الواضح إلاّ بواسطة الدواوين والمراجع الأخرى، وترجمتَه في بداية الأمر لكلّ عَلَمٍ من أعلام الكتاب والتعريفَ بكلّ كتابٍ يُذكر أو موضعٍ ورد فيه ذكره في الكتاب، والقيامَ بضبط إعراب المقطوعات الشعريّة، ذاكراً وزنَها الشعريّ بين معقوفين، ومستعملاً لجملةٍ من الرموز الدالّة، مثل: خ ـ للمخطوط، ومج ـ للمجلّد، ط ـ للطبعة، ت ـ للمتوفّى، ص ـ للصفحة..

من مقدّمة المؤلّف

حيث قال حول كتابه هذا ( الطليعة ):

هذا ما تُنازعني نفسي إلى إثباته وجمعِه من شَتاته، من تراجم أدباء الشيعة البارعين في النظائم وشعرائهم الذين مَدَحوا ـ على تمكُّنهم ـ آلَ محمّدٍ عليه وعليهم الصلاة والسلام، بعد معرفتي بطبقاتهم، وأزمنة وَفَياتهم... وسمّيته ( الطليعة مِن شعراء الشيعة )؛ لأنّ المذكور فيه جملةٌ من السابقين إلى مدائح الأئمّة المتقين، ونبذة مِن أحوالهم على حسب ما اقتضاه الحال الموصوف، بكثرة الخُطوب والصُّروف، ورتّبتُهم في أوائل أسمائهم وأسماء آبائهم على الحروف، وأسقطت الألقاب الجديدة إلاّ ما كان الاسم بها هو المعروف، وذكرتُ مِن نظمه ما يُوقِف على طريقة المألوف، فإن وَفّق اللهُ لإتمامه رأيتُه سبحةَ ناسك، وشمامة فاتك، وخدمتُ به الإمامينِ الهمامَين، السيّدين السندين، فرعَيِ الشجرة الأحمديّة، وغُصنَيِ الدَّوحة العلويّة: موسى الكاظم، ومحمّد الجواد ـ عليهما السلام ـ، إذ كنتُ لائذاً بقبريهما أيّامَ سُكناي في بغداد، ونقشي هذه الطُّروسَ بهذا المداد. واللهُ المسؤول أن ينفعني به وإخواني.

ختاماً

طُبع هذا الكتاب النافع طبعاتٍ عديدة، ولعلّ هذه الطبعة المحقّقة تحقيقاً جيّداً هي الطبعة الأخيرة، فكانت في جزءين بلغا معاً ( 1148 ) صفحة، ضَمّا تراجم ( 340 ) شاعراً انتهت بخاتمة، ذكر فيها الشيخ السماويّ مصادر كتابه، وتاريخ انتهائه من تأليفه هذا الكتاب وهو: غرّة ربيع الأوّل من سنة 1335 هجريّة. ثمّ كتب في آخر سطرَيه: بقلم مصنّفه القاصر: محمّد بن الشيخ طاهر، السَّماوي، عُفيَ له عن المَساوي، حامداً ومصلّياً مسلمّاً له، وعلى نبيّه وآله الطاهرين ).

ثمّ بعد ذلك تقع عين القارئ على باب الفهارس العامة، وهي: ـ فهرس الأعلام، فهرس الأعلام المترجَمين في الهامش، فهرس الشعراء المترجَمين في المتن، فهرس الأشعار، فهرس الأماكن والبقاع، فهرس مصادر التحقيق، فهرس الموضوعات.

رحم الله الشيخَ السماويَّ في جهده هذا وقد أدّى به حقّاً لشعراء أهل البيت عليهم السلام على هذه الأمّة؛ لِما نهضوا به من نشر فضائل آل الله ومعارف العقيدة وعواطف الولاء.

الفهرس

المحتويات رقم الصفحة
حرف الألف 1
حرف الباء 56
حرف الجيم 63
حرف الحاء 100
حرف الخاء 165
حرف الدال 168
حرف الراء 178
حرف الزاي 199
حرف السين 205
حرف الشين 221
حرف الصاد 226
حرف الطاء 264
حرف الظاء 268
حرف العين 271
حرف الفاء 418
حرف القاف 426
حرف الكاف 432
حرف اللام 448
حرف الميم 449
حرف النون 625
حرف الهاء 644
حرف الواو 661
حرف الياء 665
 

الفهرس التفصيلي

حرف الألف
إبراهيم بن الحسن بن علي بن عبد الحسين السعدي الرباحي الشهير بابن قفطان
إبراهيم بن الحسن بن الرضا بن المهدي بحر العلوم الحسن الطباطبائي النجفي
إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى العاملي الخيامي الطيبي:
إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول تكين المعروف بالصولي:
إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل العاملي الكفعمي:
إبراهيم بن محمد بن علي بن سيف الدين ابن رضاء الدين بن سيف الدين بن رميثة بن رضاء الدين بن محمد بن علي بن عطيفة بن رضاء الدين ابن علاء الدين بن مرتضى بن محمد بن حميضة بن محمد بن نجم الدين أبي نمي الشريف الشهير.
إبراهيم بن يحيى بن محمد العاملي الخيامي
تسميط لقصيدة أبي فراس
أحمد بن إبراهيم، أبو العباس الضبي
أحمد بن الحسن النحوي، أبو الرضا المعروف بالشيخ أحمد النحوي الحلي الخياط الشاعر:
أحمد بن الحسن بن علي بن أبي قفطان، أخو إبراهيم المعروف بأبي سهل الأصم
أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمذاني، أبو الفضل، بديع الزمان
أحمد بن الصالح بن المهدي بن الحسن الحسيني القزويني النجفي الحلي
أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسن، أبو الناصر جمال الدين بن المتوج البحراني
أحمد بن علوية الكاتب الأصفهاني البصري أبو الأسود
أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الزبير المصري الغساني الأسواني
أحمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن حسن بن علي بن محمد بن سبع ابن سالم بن رفاعة الرفاعي السبعي، فخر الدين
أحمد بن محمد بن علي الحسني البغدادي الشهير بالسيد أحمد العطار.
أحمد بن منصور بن علي القطيفي القطان البغدادي
أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح مهذب الدين أبو الحسين الطرابلسي الشامي
أحمد بن يوسف السليكي المنازي أبو نصر
أسامة بن مرشد بن علي بن المقلد بن نصر الكناني الكلبي الشيزري أبو المظفر، مؤيد الدولة.
أسلم بن مهوز، أبو الغوث الطهوي المنبجي
إسماعيل بن الحسن العودي العاملي، المعروف بشهاب الدين بن شرف الدين:
إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد بن أحمد بن إدريس الطالقاني الوزير، أبو القاسم الصاحب كافي الكفاة:
إسماعيل بن محمد بن زيد بن ربيعة المعروف بالسيد الحميري، أبو هاشم:
أشجع بن عمرو السلمي، من أولاد الشريد بن مطرود السلمي الشهير:
أبو الفضل بن أبي القاسم المعروف بكلانتر، نائب درس الشيخ مرتضى الأنصاري:
أبو هريرة بن نزار الأبار العجلي:
حرف الباء
الباقر بن إبراهيم بن محمد الحسني البغدادي:
الباقر بن أسد الله بن الباقر بن التقي الحسيني الأصفهاني المعروف بالآقا:
الباقر بن علي بن حيدر المنتفقي:
الباقر بن محمد بن هاشم النقوي الهندي النجفي، أبو الصادق:
بشر بن منقذ المعروف بالأعور الشني العبدي من عبد القيس:
حرف الجيم
جابر بن عبد الحسين بن عبد الحميد بن الجواد ابن أحمد بن الخضر بن العباس بن محمد بن المرتضى بن أحمد بن محمود بن محمد بن الربيع الربعي من ربيعة، المعروف بالشيخ جابر الكاظمي، وجده الجواد أبو قبيلة الجوادات في بلد بين بغداد وسامراء.
جعفر بن محمد حسن بن عيسى بن كامل ابن منصور بن كمال الدين بن منصور بن زوبع بن منصور بن كمال بن محمد بن منصور بن أحمد بن نجم بن منصور بن شكر الحسيني الحلي النجفي، أبو يحيى
جعفر بن صادق بن أحمد الحائري المعروف بالهر:
جعفر بن عفان بن جبير بن صغير بن سحير ابن مالك بن شراحيل بن بحيرة بن الحارث بن ثمامة بن مالك جدعاء بن ذهل بن رومان جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة بن طيء، الطائي:
جعفر بن علي بن جعفر بن خضر الجناجي المالكي،
جعفر بن محمد العماري نسبة إلى عمارة البصرة، المعروف بالشيخ جعفر النقدي:
جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما بن علي بن حمدون المشهور بابن نما الحلي:
جعفر بن محمد الحسن بن أحمد بن موسى الشرقي النجفي:
جعفر بن محمد بن حسن بن ناصر بن عبيد من عبد القيس بن شن بن قصي الخطي أبو البحر:
جعفر بن محمد بن ورقاء الشيباني، أبو محمد:
جعفر بن المهدي بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني النجفي الحلي. أبو الهادي المعروف بميرزا جعفر:
الجواد بن حسن بن طالب بن عباس ابن إبراهيم بن الحسين بن عباس بن حسن بن عباس بن حسن بن محمد علي بن محمد البلاغي الربعي النجفي، نزيل سامرا اليوم:
الجواد بن عبد الرضا بن عوادج البغدادي المعروف بمحمد جواد عواد:
الجواد بن محمد بن زين الدين الحسني الحسيني المعروف بسياه بوش:
الجواد بن محمد الحسين بن عبد النبي ابن مهدي بن صالح بن علي الأسدي الحائري المعروف بالحاج بدكت بالكاف الأعجمية، وهو لقب لجدهم مهدي، لأنه أراد أن يقول بزغت فقالها لتمتمة فيه:
الجواد بن محمد بن شبيب النجفي المعروف بالشبيبي أبو الرضا الآتي ذكره:
الجواد بن محمد علي الحسيني الأصفهاني الحائري الشهير بالهندي:
الجواد بن محمد بن محمد بن [حيدر بن إبراهيم بن] أحمد بن قاسم بن علي بن علاء الدين الأعرج الحسيني العاملي، صاحب مفتاح الكرامة:
حرف الحاء
الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث الحمداني، الأمير أبو فراس:
حبيب بن أوس بن الحارث ابن قيس بن الأشيخ بن مروان بن مر بن سعد بن كاهل، بن عمرو بن عدي بن عمرو بالغوث بن طيء. أبو تمام الطائي الشهير:
حبيب بن مهدي من آل شعبان النجفي، المعروف بالشيخ حبيب شعبان:
الحسن بن راشد بن عبد الكريم المخزومي الحلي:
الحسن بن زين الدين الشهيد بن علي بن أحمد بن كمال الدين بن تقي الدين:
الحسن بن علي بن إبراهيم بن الزبير، أبو محمد، مهذب الدين الغساني الأسواني المصري:
الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد الضبي المعروف بابن وكيع البغدادي التنيسي
الحسن بن علي بن داود الحلي:
الحسن بن علي بن عبد الحسين بن نجم الرباحي النجفي الشهير بأبي قفطان:
الحسن بن علي بن نصر بن عقيل، أبو علي العبدي، الواسطي:
الحسن بن محمد بن علي بن خلف بن إبراهيم بن ضيف الله الدمستاني البحراني:
الحسن بن محمد بن القيم الحلي المعروف بالشيخ حسن القيم:
الحسن بن المظفر، أبو علي الضرير النيشابوري ثم الخوارزمي:
الحسن بن هاني بن عبد الأول الحكمي، مولى الجراح بن عبيد الله الحكمي عامل خراسان، الشاعر المعروف بأبي نواس الحكمي:
الحسين بن إبراهيم الجاويش الحلي، المعروف بملا حسين الجاويش:
الحسين بن أحمد بن الحجاج النيلي الشهير بابن الحجاج، أبو عبد الله الكاتب:
الحسين بن أحمد بن سليمان الحسيني الشاخوري الغريفي البحراني
الحسين بن داود البشنوي الكردي، أبو عبد الله:
الحسين بن الراضي بن الجواد بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني النجفي:
الحسين بن راشد بن القاسم الحسيني الرضوي النجفي الحائري:
الحسين بن الرضا بن المهدي بحر العلوم الحسني الطباطبائي النجفي:
الحسين بن شهاب الدين بن الحسين بن محمد بن حيدر العاملي الكركي الحكيم:
الحسين بن صالح بن المهدي الحسيني القزويني النجفي البغدادي:
الحسين بن الضحاك بن ياسر، أبو علي، الشاعر البصري المعروف بالخليع:
الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمذاني العاملي الجبعي، أبو البهائي:
الحسين بن علي بن الحسن بن شدقم الحسيني المدني:
الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد بن يوسف بن بحر بن بهرام، أبو القاسم، الوزير المغربي:
الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد، مؤيد الدين الطغرائي الأصفهاني الوزير:
الحسين بن محمد نجف النجفي، أبو الجواد، وجد آل نجف المشهورين:
الحسين بن مساعد بن حسن بن مخزوم بن أبي القاسم بن عيسى الحسيني الحائري.
الحسين بن المهدي بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني النجفي الحلي:
حمادي بن سلمان بن نوح الكعبي الحلي الشهير:
حمادي بن المهدي بن حمزة الشمري الحلي المعروف بالشيخ حمادي الكواز:
حميد بن نصار الشيباني اللملومي النجفي:
حيدر بن إبراهيم بن محمد بن علي الحسني البغدادي الكاظمي:
حيدر بن سليمان بن داود بن سليمان بن داود الحسيني الحلي، أبو سليمان:
حرف الخاء
خالد بن معدان الطائي:
خلف بن عبد المطلب الموسوي المشعشعي، أمير الحويزة ومولاها:
حرف الدال
داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الجعفري، أبو هاشم:
داود بن محمد بن عبد الله بن أبي شافيز - بالزاي - البحراني:
دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي:
حرف الراء
الراضي بن الصالح بن المهدي بن الرضا الحسيني القزويني البغدادي النجفي:
رجب بن محمد بن رجب الحافظ البرسي الحلي، نسبة إلى برس قرية:
الرشيد بن القاسم العاملي:
الرضا بن أحمد بن خليفة المقري الكاظمي، أبو الحسن المعروف بعبد الرضا:
الرضا بن محمد الحسين بن محمد الباقر الأصفهاني النجفي، أبو المجد:
الرضا بن محمد بن هاشم النقوي الهندي النجفي، أبو أحمد:
حرف الزاي
زيد بن سهل المرزكي الموصلي:
زين الدين بن علي بن أحمد بن محمد بن علي بن جمال الدين بن تقي ابن صالح بن رف العاملي الجبعي، أبو محمد المعروف بالشهيد الثاني:
زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد العالمي:
زين العابدين بن الحسن بن علي بن محمد الحر العاملي المشغري:
حرف السين
سالم بن محمد علي الطريحي المعروف بالحاج سالم
السر بن أحمد بن السري الكندي الموصلي الشهير بالسري الرفاء:
سعد بن أحمد بن مكي النيلي المؤدب، الشاعر المعروف بابن مكي:
سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي شهاب الدين أبو الفوارس المعروف بحيص بيص، لأنه سمع غوغاء بالحلة فقال: ما للناس في حيص بيص:
سعيد بن قيس بن زيد بن حرب بن معد يكرب بن سيف بن عمرو بن سبع السبيعي الهمداني:
سعيد بن هبة الله بن الحسن، قطب الدين الراوندي:
سفيان بن مصعب، أبو عبد الله العبدي:
سلامة بن يحيى، أبو الفرج الموصلي القاضي:
سليمان بن داود بن حيدر الحسني الحلي، جد المتقدم أبو داود:
سليمان بن داود بن سليمان بن داود بن حيدر الحسيني الحلي أبو حيدر المتقدم الذكر.
سليمان بن عبد الله بن علي بن الحسن بن أحمد بن يوسف بن عمار الستري الماحوزي، أبو الحسن شمس الدين:
سليمان بن قتة القرشي، بالولاء لتيم بن مرة من قريش:
سليمان بن محمد، أبو الفضل الإسكافي:
حرف الشين
شداد بن إبراهيم، أبو النجيب الطاهر الجزري:
الشريف ابن فلاح الكاظمي، الشهير بالسيد الشريف الكاظمي:
شهاب الدين بن أحمد بن ناصر بن حوزي بن لاوي بن حيدر بن الحسم الموسوي الحويزي، أبو معتوق:
حرف الصاد
الصادق بن إبراهيم بن يحيى العاملي: أبو إبراهيم، وابن إبراهيم المتقدم الذكر.
الصادق بن علي بن الحسين بن هاشم الأعرجي الحسيني النجفي الشهير بالفحام
الصادق بن محمد بن أحمد من آل أطميش الربعي، المعروف بالشيخ صادق أطميش:
صالح بن درويش بن علي، المعروف بالشيخ صالح التميمي الكاظمي النجفي الحلي البغدادي:
صالح بن قاسم بن محمد بن أحمد الحويزي النجفي الشهير بصالح حجي:
صالح بن محمد الجواد الحريري البغدادي الشهير بالشيخ صالح الحريري:
صالح بن محمد الحسين الحسيني العاملي الحلي الذاكر المعروف بالسيد صالح الحلي:
صالح بن المهدي بن الحسن القزويني الحلي النجفي أبو الهادي:
صالح بن مهدي بن حمزة الكواز الحلي أخو حمادي الكواز المتقدم:
علي لربع المجد وقفة ماجد
صالح بن المهدي بن الرضا الحسيني القزويني النجفي البغدادي:
صفوان بن إدريس بن عبد الرحمن بن عيسى بن إدريس التجيبي المرسي، أبو بحر:
حرف الطاء
طلائع بن رزيك، الملك الصالح، أبو الغارات المصري:
طلحة بن عبيد الله بن محمد بن أبي عون، أبو محمد الغساني العوني المصري:
حرف الظاء
ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن نفاثه بن عدي بن الدئل، أبو الأسود:
حرف العين
عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي، أبو الطفيل الصحابي:
العباس بن الحسن بن جعفر كاشف الغطاء النجفي، أبو المرتضى:
عباس بن عبد السادة بن عبد بن مرتضى بن قاسم بن إبراهيم بن موسى ابن محمد الأعصم:
عباس بن علي بن ياسين البغدادي أبو الأمين، المعروف بالشيخ عباس بن الملا علي:
عباس بن قاسم بن إبراهيم بن زكريا بن حسن بن كريم بن علي بن كريم بن علي بن عقله الكندي من ذرية المقداد، أو الغفاري من ذرية أبي ذر على الخلاف، البغدادي، المعروف بالزيوري:
عبدان بن محمد الأصفهاني الخوزي:
عبد الحسين بن إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى العاملي النباطي، المتقدم ذكر أبيه وجده:
عبد الحسين بن أحمد بن شكر النجفي، المعروف بالشيخ عبد الحسين شكر، أبو المرتضى:
عبد الحسين بن عبد علي بن محمد الحسن صاحب الجواهر في الفقه ابن الباقر النجفي:
عبد الحسين بن عمران الحويزي النجفي، الشهير بالخياط:
عبد الحسين بن قاسم بن الحسين من آل محي الدين بن أبي جامع العاملي النجفي:
عبد الحسين بن القاسم بن صالح بن القاسم بن محمد علي بن هليل الحلي النجفي:
عبد الحسين بن قاعد الواسطي المعروف بعبد الحسين الحياوي:
عبد الحسين بن محمد التقي بن الحسن بن أسد الله بن إسماعيل الكاظمي:
عبد الحسين بن محمد بن علي الأعسمي النجفي الزبيدي، زبيد الحجاز:
عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان ابن مزيد بن تميم الكلبي المعروف بديك الجن، الشاعر الشهير:
عبد العزيز بن سرايا بن أبي القاسم بن أحمد بن نصر بن عبد العزيز ابن عبد الله العريضي السنبسي الطائي، صفي الدين الحلي، الشاعر الشهير:
عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن أبي نصر الحسيني السريجي الأوالي:
عبد علي بن ناصر بن رحمه الحويزي:
عبد الله بن أحمد بن الذهبة البحراني المعروف بابن الذهبة:
عبد الله بن داود الدرمكي:
عبد الله بن سعيد بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي
عبد الله بن أبي طالب القمي:
عبد الله بن عمار، أبو محمد البرقي:
عبد الله بن قيس بن جعدة بن كعب، من ربيعة، المعروف بالنابغة الجعدي:
عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد الشويكي الخطي، أبو محمد:
عبد المجيد بن محمد أمين البغدادي الحلي:
عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون، أبو محمد الصوري:
علي بن موسى خير يمم العلى
عبد المحسن بن محمد بن علي بن المحسن الكاظمي المعروف بالبوست فروش:
عبد المطلب بن المهدي بن سليمان بن داود الحسيني الحلي:
عبد الملك بن يحيى، أبو بكر البعلبكي:
عبد المهدي بن صالح بن حبيب بن حافظ الحائري:
عبد الوهاب بن خلف بن عبد المطلب المشعشعي الحويزي:
عبد الوهاب بن علي بن سليمان بن عبد الوهاب الحسيني الزحيكي الحائري:
عبد الهادي بن العباس بن علي بن جعفر كاشف الغطاء النجفي:
عدنان بن شبر بن علي بن محمد بن علي بن مشعل بن أحمد بن محمد ابن الحسين الغريفي الستري البحراني:
عطاء بن ملك بن محمد بن محمد المعروف بالصاحب علاء الدين الجويني، أخو شمس الدين:
علي بن أبي معاذ، أبو الحسن البغدادي
علي بن أحمد نظام الدين بن محمد معصوم الشيرازي المدني الحسيني، المشهور بالسيد علي خان:
علي بن أحمد، أبو الحسن الجوهري الجرجاني الكاتب
علي بن أحمد الفنجكردي النيشابوري المعروف بشيخ الأفاضل:
علي بن إسحاق بن خلف، أبو القاسم المعروف بالزاهي البغدادي:
علي بن جعفر كاشف الغطاء بن خضر المالكي الجناجي النجفي المعروف بالشيخ علي:
علي بن الحسن بن [علي بن] الفضل، أبو منصور المعروف بصردر
علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم عليه السلام
علي بن الحسين، أبو الحسن علاء الدين الشفهيني الحلي
علي بن الحسين من آل عوض الأسدي الحلي
علي بن خلف بن عبد المطلب الموسوي المشعشي، أمير الحويزة الحويزي
علي بن رستم بن هارون، بهاء الدين، أبو الحسن ابن الساعاتي
علي بن زيدان العاملي
علي بن سعد، أبو طاهر القمي
علي بن العباس بن جريح، أبو الحسن المعروف بابن الرومي
علي بن عبد الحميد بن فخار بن معد الموسوي الحلي، المعروف بالمرتضى
علي بن عبد الحميد النيلي
علي بن عبد العزيز بن أبي محمد، أبو الحسن الخليعي الموصلي الحلي الشهير
علي بن عبد الله بن حمدان
علي بن عبد الله بن محمد بن الهيصم، أبو الحسن الهروي
علي بن عبد الله بن المقرب العيوني الأحسائي
علي بن عبد الله بن وصيف الحلاء، المعروف بالناشئ الصغير
علي بن عيسى بن أبي الفتح، الصاحب بهاء الدين بن الأمير فخر الدين المعروف ببهاء الدين الأربلي، صاحب كشف الغمة
علي بن عيسى الصائغ الرامهرمزي
علي بن القاسم الحلي المعروف بعلي القاسم
علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي، القاضي الشهير
علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام، أبو الحسن الحماني
علي بن محمد بن زين العابدين الشهير بالزيني
علي بن أبي زيد محمد بن علي الإسترابادي المعروف بأبي الحسن الفصيحي
علي بن محمد بن محمد بن علي بن السكون الحلي النيلي، أبو الحسن الكاتب
علي بن محمد بن المقلد بن نصر بن منقذ، أبو الحسن سديد الملك ابن مخلص الدولة، صاحب قلعة شيزر
علي بن محمد الأمين بن أبي الحسن العاملي الحسيني القشاقشي
علي بن محمد بن مكي، نجيب الدين العاملي الجبيلي الجبعي
علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام البغدادي
علي بن محمود بن علي بن محمد بن الأمين الحسيني العاملي
علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمرو بن زيد الكندي، كاتب ابن وداعة، المعروف بالوادعي،
علي بن ياسين بن مطر الحسني النجفي المعروف بالعلاق
عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحضين المذحجي العنسي
عيسى بن جعفر بن الحسن بن المحسن الحسيني الأعرجي الكاظمي
حرف الفاء
فارس بن محمد بن عنان، الأمير، أبو الشوك، حسام الدولة، مالك الجبل من الدينور وقرميسين وغيرهما
فخر الدين بن محمد بن علي بن أحمد بن طريح المسلمي الرماحي النجفي
فرج الله بن محمد بن درويش بن محمد بن حسين بن جمال بن أكبر الحويزي الخطي
الفضل بن جعفر بن الفضل بن يونس، أبو علي البصير النخعي
الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب الهاشمي
فضل الله بن علي بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله الحسني الراوندي القاشاني
فناخسرو بن الحسن بن بويه المعروف بأبي شجاع عضد الدولة بن ركن الدولة، أبي علي البويهي
حرف القاف
القاسم بن أحمد، أبو نصر الحروري
القاسم بن محمد بن حمزة بن حسين بن نور علي التستري الحلي.
القاسم بن محمد علي بن أحمد الحائري، الشهير بالهر البصير
قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب المعروف بالنجاشي
حرف الكاف
الكاظم بن أحمد بن محمد الأمين الحسيني العاملي، أبو الهادي النجفي
الكاظم بن الحسن بن سبتي، النائح الذاكر النجفي
الكاظم بن الصادق بن أحمد الحائري المعروف بالهر
كاظم بن محمد بن عبد الصمد بن مراد البغدادي الأرزي
كعب بن زهير بن أبي سلمى بن رباح بن قوة بن الحارث بن مازن ابن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن الأصم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار
الكميت بن زيد بن حبيش بن مجالد بن وهب بن عمرو بن سبيع بن مالك ابن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد، أبو المستهل الأسدي
حرف اللام
لطف الله بن عبد الكريم بن إبراهيم بن علي بن عبد العالي العاملي الميسي الأصفهاني
حرف الميم
ماجد بن هاشم بن علي بن المرتضى بن ماجد الحسيني العريضي البحراني، أبو علي
مالك بن التيهان ابن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعوراء بن جشم ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، أبو الهيثم بن التيهان
مالك بن الحارث بن عبد بن يغوث ابن مسلمة بن ربيعة بن خزيمة بن سعد بن مالك بن النخع بن علة بن خالد بن مالك بن أدد، المعروف بالأشتر
مبارك بن رميثة بن أبي نمي الحسني
محسن بن الحسن الحسيني الأعرجي الكاظمي،
محسن بن عبد الكريم بن علي بن محمد الأمين الحسيني العاملي
محسن بن فرج النجفي الجزائري
محسن بن محمد حسن الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب
محسن بن محمد بن موسى بن الحسين بن خضر المالكي الجناجي النجفي
محسن بن محمود خنفر الباهلي العفكاوي النجفي
محفوظ بن وشاح بن محمد شمس الدين الحلي الأسدي
محمد بن إبراهيم أبو العلاء السروي القادري
محمد بن أحمد بن زين الدين الحسني الحسيني النجفي البغدادي، المعروف بالسيد محمد زيني
محمد بن أحمد، أبو العباس، الصقر الموصلي
محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن إبراهيم الحتاتي العاملي
محمد بن ادريس بن مطر الحلي الشهير بابن مطر
محمد بن إسماعيل الحلي المعروف بابن الخلفة
محمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري
محمد بن حبيب الضبي
محمد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري، أبو بكر اللغوي
محمد بن حسن بن حمادي بن مهدي، من آل علي، أبو المحاسن الجناجي الحائري
محمد بن الحسن بن زيد الدين، الشهيد العاملي
محمد بن الحسن بن علي محمد المعروف بالحر العاملي المشغري
محمد الحسن بن محمد الصالح بن المصطفى من آل كبة البغدادي
محمد بن الحسين بن الخليل الرازي المعروف بالشيخ محمد بن ميرزا حسن
محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي، بهاء الدين المعروف بالبهائي
محمد الحسين بن علي بن محمد الرضا بن موسى بن جعفر كاشف الغطاء النجفي
محمد الحسين بن الكاظم بن علي بن أحمد الموسوي النجفي الشهير بالكيشوان
محمد بن الحسين بن محمد بن الأمير محسن بن عبد الجبار بن إسماعيل بن عبد المطلب بن علي بن فاخر بن أسعد بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد أمير الحاج الحسيني النجفي
محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم عليه السلام، الشريف الرضي، أبو الحسن النقيب
محمد بن حمزة بن الحسين بن نور علي التستري الحلي، الشهير بابن الملا
محمد الرضا بن أحمد بن الحسن النحوي الحلي النجفي
محمد الرضا بن إدريس بن محمد بن جفال بن عبد المنعم بن سعدون بن حمد بن حمود الخزاعي النجفي
محمد الرضا بن الجواد بن محمد بن شبيب الشهير بالشبيبي النجفي
محمد الرضا بن محمد بن عبد الصمد بن مراد الأزري البغدادي الربعي
محمد سعيد بن محمود الحسني العطيفي الشهير بابن حبوبي النجفي
محمد سعيد بن محمود [بن] سعيد نائب خازن الروضة الحيدرية النجفي الحائري
محمد بن صالح بن محمد بن إبراهيم بن زين العابدين الموسوي المعروف بصدر الدين العاملي
محمد بن العباس، أبو بكر الخوارزمي الطبري
محمد بن عبد الرحمن القاضي، المعروف بأبي بكر بن قريعة البغدادي
محمد بن عبد العزيز السوسي الكاتب، أبو عبد الله شهاب الدين
محمد بن عبد العظيم القزاز التبريزي
محمد بن عبد الله بن علي بن حسن بن علي بن محمد بن سبع بن سالم بن نفاعة السبع البحراني، أبو أحمد، فخر الدين المعروف بالسبعي
محمد بن عبد الله الكاتب البصري المعروف بأبي عبد الله المفجع
محمد بن عبيد الله بن عبد الله الكاتب الشهير بسبط ابن التعاويذي البغدادي
محمد بن عبيد الله بن علي بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أبو الحسن الحسيني البلخي
محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن نصار الشيباني اللملومي، أبو علي
محمد علي بن الحسين بن محمد الأعسم النجفي الزبيدي زبيد الحجاز من حرب
محمد بن علي بن حمزة الأقساسي الحسيني، نقيب الكوفة، عز الدين
محمد بن علي بن شهرآشوب بن أبي نصر بن أبي الحبيش السروي المازندراني
محمد علي بن محمد بن عيسى النجفي الحائري الشهير بابن كمونة لجدهم الأعلى
محمد علي بن الشيخ أبي القاسم بن محمد تقي بن محمد قاسم الأوردبادي التبريزي النجفي
محمد بن علي الحرفوشي الحريري العاملي الكركي الشامي
محمد بن علي بن الحسن بن حسول الوزير الرازي الهمداني
محمد بن علي بن محمد بن الحسين، الحر العاملي المشغري:
محمد بن مال بن معصوم الموسوي القطيفي الحائري
محمد بن محمد بن حماد الجزائري، أبو الحسن بن حماد
محمد خان بن محمد علي خان بن عبد الله خان أمين الدولة بن محمد حسين خان الصدر الأصفهاني النجفي الطهراني، المعروف ببهاء الدين بن نظام الدين
محمد بن محمد بن الحسن الطوسي، نصير الدين المعروف بالخواجة
محمد بن محمد بن الحسين بن قاسم الحسيني العاملي العينائي الجزيني
محمد بن مكي العاملي الجزيني، شمس الدين، المعروف بالشهيد بالأول
محمد بن المهدي بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني النجفي الحلي
محمد بن النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيول، أبو عبد الله بن أبي حنيفة، قاضي مصر وابن قاضيها، النعمان، صاحب دعائم الإسلام
محمد بن هاشم بن وعلة الخالدي، أبو بكر:
محمد بن هاني، أبو القاسم الأزدي الأندلسي، المشهور بمتنبي الغرب
محمد بن وهيب الحميري، أبو القاسم
محمد بن إسماعيل بن قادوس الدمياطي المصري
محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك، أبو الفتح الرملي المعروف بكشاجم
محي الدين بن محمود بن أحمد بن طريح المسلمي الرماحي
المرتضى بن عبد الحسين بن الباقر بن محمد الحسن بن ياسين الكاظمي
مرتضى قلي خان بن محمد علي خان بن عبد الله خان أمين الدولة ابن محمد خان الصدر الأصفهاني النجفي
مروان بن محمد السروجي الحلبي البغدادي الأموي
مسلم بن عقيل بن يحيى بن عبدان بن سليمان الوائلي الكناني اليثربي الجصاني النجفي
مصطفى بن الحسنى بن الباقر بن أحمد التبريزي، المشهور بمصطفى آغا
المصطفى بن الحسين الحسيني الكاشاني الطهراني النجفي
مغامس بن داغر الحلي، المعروف بالشيخ مغامس
مفلح بن الحسن الصيمري
منصور بن الزبرقان بن سلمة بن شريك بن مطعم الكبش، من النمر ابن قاسط النمري الجزري، أبو عبد الله
موسى بن أمير العاملي، من آل شرارة، بيت في الجبل
موسى بن جعفر الحسيني الطالقاني النجفي
موسى بن شريف بن محمد بن يوسف بن جعفر بن علي بن محيي الدين، من آل أبي جامع العاملي، المعروف بالشيخ موسى شريف
موسى بن عمير، أبو هارون المكفوف الكوفي، من موالي جعدة بن هبيرة المخزومي
المهدي بن الباقر بن الحسين الحسيني النقوي الهندي
المهدي بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني النجفي
المهدي بن داود بن سليمان الحسيني الحلي عم السيد حيدر.
المهدي بن الرضا بن أحمد الحسيني الطالقاني النجفي
المهدي بن الصالح الكاظمي الشهير بالشيخ مهدي المراياتي
المهدي بن محمد بن الحسن بن إبراهيم بن ناصر بن قاسم بن محمد ابن كاسب بن فاتك بن أحمد بن نصر الله بن ربيع بن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن محمد بن جعفر الطويل ابن علي بن الحسين بن إبراهيم المجاب الموسوي البغدادي النجفي
المهدي بن المرتضى بحر العلوم الحسني الطاطبائي النجفي
المهيار بن مرزويه الديلمي، تلميذ الشريف الرضي
حرف النون
ناصر بن أحمد بن عبد الصمد الموسوي الشباني البحراني البصري
نجيب الدين بن محيي الدين بن نصر الله بن محمد بن علي بن يوسف من آل فضل الله الحسني العاملي العيناثي
نصر الله بن إبراهيم يحيى العاملي
نصر الله بن الحسين بن علي بن إسماعيل الموسوي الفائزي الحائري، أبو الفتح
نصر بن الصباح البلخي، أبو القاسم
نصر بن المنتصر الدؤلي، أبو مقاتل
حرف الهاء
الهادي بن أحمد بن الحسن النحوي الحلي، أبو محمد الرضا النحوي
هاشم بن حردان الكعبي الحويزي المعروف بالحاج هاشم
همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، أبو فراس التميمي الدرامي
حرف الواو
الورد بن زيد الأسدي، أخو الكميت الأسدي
وهب بن زمعة بن أسيد بن أحيحة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، أبو دهبل الجمحي
حرف الياء
يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد البطريق الأسدي الحلي
يحيى بن سلامة بن الحسن بن محمد، معين الدين، أبو الفضل الخطيب الحصكفي
يحيى بن عبد العظيم، أبو الحسين الجزار المصري المعروف بالجزار
يعقوب بن جعفر النجفي الحلي، الذاكر المشهور بالشيخ يعقوب
يوسف بن أحمد بن إبراهيم العصفوري الدارازي البحراني، صاحب الحدائق:
يوسف بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم، أبو المحاسن، شهاب الدين المعروف بالشواء الكوفي الحلبي
يوسف بن محمد بن أبي ذيب البحراني
يوسف بن محمد بن عبد الصمد بن مراد الأزدي البغدادي

  

1

حرف الألف

إبراهيم بن الحسن بن علي بن عبد الحسين السعدي الرباحي

الشهير بابن قفطان

كان أديبا حسن الخط، شاعرا، له إلمام بالعلوم الدينية، وله مراجعات ومطارحات مع شعراء عصره كعبد الباقي العمري وغيره، ومدائح لأشراف وقته ومراثيهم، وشعره من الطبقة الوسطى، فمنه قوله:
ربـوع الجامعيـن استوقفتنـي سقاك مضاعف الدمـع الهتـون
أجـدد لهـوى عهـدا وأقضـي على رغـم العـذول شؤونـي
يحركني الهـوى شوقـا إليهـم فيمسي فـي معالمهـا سكونـي
ألا مـن مبلـغ عنـي سلامـا إلـى حـي بجانبهـا قطيــن
أنستـه بأهلـه وأقمـت فيهـم زمانــا أتقيــه ويتقينـــي
وقوله يتشوق للعسكريين عليهم السلام والحجة عليه السلام:
يا راكبا تطوي المهامـة عيسـه وتجـوب كـل تنوفـه ومكـان
يقتادها الشوق الملح على السرى بأزمة فضـلا عـن الأرسـان
فكأنـه البـدر بيـن نجومــه في فتيـة مـن أكـرم الفتيـان
ومسافرا نحو المكـارم قاصـدا هلا مننت على الكئيـب العانـي
ببلـوغ مالكـة إلـى ساداتــه خيـر البريـة إنسهـا والجـان
لعلـي الهـادي المكـرم وابنـه والقائم الخلـف العظيـم الشـان
سيف الإله المنتضى، فصل القضا ء المرتضى، فرج الإله الدانـي
خزان علم الله أبـواب الهـدى ركـن الـولاء معالـم الإيمـان
سفن النجا غيث المكارم عصمة الجانين غوث الوالـه الحيـران
قسما بهم وبجدهـم لا أختشـي هول الحساب وحبهـم بجنانـي
2
فإذا حضرت بحضرة القدس التي تسمو بهام شرفا علـى كيـوان
فقل السلام عليكـم يـا سادتـي من عبد عبدكم المسيء الجانـي
من وامق عدم الوفـاق أعاقـه عنكـم وأخـره عـن الإتيـان
لا زال يسـأل ربـه ويـود أن مـن الإلـه عليـه بالإمكــان
فعساهم بـك يقبلـون مقصـرا في حقهم مستوجـب الحرمـان
وله في رثاء الحسين عليه السلام شعر كثير شهير، فمنه قوله من قصيدة أولها:
سفه وقوفك بين تلـك الأرسـم وسؤال رسـم دارس مستعجـم
يقول فيها:
قد جل بأس ابن النبي لدى الوغا من أن يحيط بـه فـم المتظلـم
إذ هـد ركنهـم بكـل مهنــد وأقـام مائلهـم بكـل مقــوم
وأفاض ضاحكة القتيـر كأنهـا برد يلوح علـى شجـاع أرقـم
ينحو العدى فتفر عنـه كأنهـم حمر تنافر من زئيـر الضيغـم
وإذا العـداة تنظمـت فرسانهـا في كل سطـر بالأسنـة معجـم
وافاهم فمحا صحائـف خطهـم مسحـا بكـل مقـوم ومصمـم
حتى إذا ضاق الفضاء بعزمـه ألـوى بـه للـه غيـر مذمـم
سهم رمى أحشاك يا بن المصطفى سهم به كبد الهدايـة قـد رمـي
توفي سنة ألف ومائتين وتسع وسبعين، عن ثمانين سنة، ودفن بالنجف في الصحن الشريف عند بابه المسمى بباب الطوسي عند أبيه وأخيه الآتية ترجمتاهما.

والقفطان اسم أعجمي لنوع من اللباس كان يلبسه جدهم فقيل له أبو قفطان، هكذا سمعت من أحفادهم، والله أعلم.

إبراهيم بن الحسن بن الرضا بن المهدي

بحر العلوم الحسن الطباطبائي النجفي

3
من أكبر بيت شيد بالفضل والأدب، وهو يتلقى ذلك عن أب فأب، عاشرته فوجدته ((شيخا في ظرافة كهل، وأريحية فتى، وكان عفيف النفس، شريف الهمة، معتدل القامة إلى الطول، أسمر، أقنى، يترنم إذا أنشد شعره، فأنشد يوما قصيدته التائية التي يرثي بها الفاضل الشيخ جعفر التستري، المتوفى سنة الثلاثمائة والثلث، سنة تساقط النجوم، ويترنم بقوله من تلك القصيدة:
فمن استزل النجم من أبراجهـا واستنزل الأقمار مـن هالاتهـا
بمحفل في حجرة من حجر الصحن العلوي فيه جملة من الأدباء، منهم السيد جعفر الحلي فأراد السيد جعفر سيكارة من بعض الجالسين فأنشده:
ألا مــن يقتـــل البـــق فـــإن البـــق آذانـــي
إذا طنطــن فــي الجـــو يصــم الصــوت آذانــي
معرضا بالسيد إبراهيم، ففطن لذلك وقطع الإنشاد وأنشد مغضبا:
فقــل زمجــرة الليـــث بهـــا وقـــر آذانـــي
ودع طنطنــــة البــــق لكابــي الشعــر خزيــان
ثم قبض على يده وأراد منعه، فارتجل السيد جعفر معتذرا:
رأيـت إبراهيـم رؤيـا بهــا أضحـى كإسماعيلهـا جعفــر
هـا أنـذا جئتـك مستسلمــا يا أبت إفعـل بـي مـا تؤمـر
فضحك لحسن اعتذاره وسرعته.

وله ديوان شعر مطبوع، فمنه قوله:
اتبعته النظـر الحديـد ورائـه صلتان جاب روابيـا وبطاحـا
ورد العذيب فصحت يا قناصـه ظبي العريب على الأباطح طاحا
وقوله:
نسيم البان في الروض الأريض أمط لي زفرة القلـب الرميـض
4
لعلـك سابـر بحشـاي جرحـا أمض بسابر الجرح المضيـض
أريـد لأحلـب الأجفـان دمعـا فترعف مقلتـي بـدم غريـض
وبعـض يستحيـل دم البرايـا ويزعـم لا يحـل دم البعـوض
ومن يركن إلى خلـق بغيـض فلم أركن إلى الخلـق البغيـض
وقوله في الحسين من قصيدة:
غداة البسط وهـو نبيـل فهـر غـدا غرضـا لغاشيـة النبـال
فصـار إذا أصابتــه سهــام تكسرت النصال على النصـال
تعسفها وضرب الهـام يرغـو كما ترغـو مخطمـة الجمـال
يمـوج السـرج منـه بمستقـر عليه يجول في ضنـك المجـال
فكيف أعتاق في شـرك المنايـا فتى دق الرعال علـى الرعـال
فتى فقـدت نسـاء نـزار فيـه فتـى فتيانهـا رجـل الرجـال
لمن بعد الحسيـن يشـد رحـل حـرام بعـده شـد الرحــال
وله في مراثي الأئمة وأصحابهم شعر كثير وكله بهذه الفخامة وعلو الطبقة، وإذا كان ديوانه مطبوعا فلا حاجة إلى الإكثار منه.

ولد سنة ألف وثمان وأربعين.

وتوفي سنة ألف وثلاثمائة وتسع عشرة في النجف، عقيب مرض لحقه لا يخرج منه عن بيته مدة سنة، ودفن مع أبيه وجده عند مقبرة الشيخ الطوسي رحمهم الله.

إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى العاملي الخيامي الطيبي:

كان فقيها أصوليا، أديبا شاعرا، خفيف الروح، رقيق الحاشية، ورد النجف طالبا للعلم فبقي عدة أعوام يستفيد ويفيد ويطارح بالكمال، ثم رجع إلى محله، فتصدى
5
للفتوى وبث الأحكام الشرعية هناك، وأفاد، وله شعر كثير مجموع في أيام إقامته بالعراق وبقائه في جبل [عامل].

فمن شعره قصيدة مدح بها الشيخ الفاضل الشيخ حسن بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء، وبناها على لفظة خال، معارضا بها قصيدة الشيخ عبد الحسين محي الدين وقصيدة الشيخ موسى شريف محي الدين في مديح الشيخ المذكور وذلك عندما وردت قصيدة بطرس كرامة المسيحي لداود باشا وطلب معارضتها من أدباء العصر فمدحه بعضهم بمعارضتها كعبد الباقي العمري وغيره. ومدح الشيخ المذكور بعضهم كالمترجم والمذكورين، وستأتي خاليان الباقيين في ترجمتيهما إن شاء الله تعالى، والقصيدة هي:
أشاقك من أطلال ميـة بالخـال رباع تعفى رسمها راجف الخال
ونبه منك الوجد إيماض بـارق سرى من ثنايا الأبرقين وذي خال
أجل قد سرى وهنا فنبه لوعتـي فرحت أخا وجد وما كنت بالخال
وذكرني مر الصبا أعصر الصبا وعهدا قديما فات بالزمان الخالي
ليالي ريعـان الشبـاب مسلـط يقود زمامي حيثما شاء كالخـال
وإذ أنا خـدان للغرانـق تـارة وأخرى لدى المريخ ذي اللهو والخال
وللخود تقتـاد النفـوس بفاتـك من اللحظ أمضي من شبا الصارم الخال
وناصعة ريا البـرى ومعاضـد أسيلة خـد كالوذيلـة ذي خـال
وباخلة وهي الكريمة لـم تجـد بوصل وجدت دونهما أنمل الخال
إذا رئمت أرضا رئمت رباعهـا وردت مغانيها كذي الرتبة الخال
حملت لها قلب الجبان ولـم أزل شجاع الهوى ما كنت بالرعش الخال
وبت بمستن الظباء علـى شفـا رذي الأماني خائب السعي والخال
ورحت أفدي من يعين على الهوى بعمي من فرط الصبابة والخـال
6
غداة صغت للعاذلين وروعـت لما اتهم الواشي الخنا كبدي الخالي
وصالت على حلمي بجيش عرمرم من اللحظ منصور الكتائب والخال
ولا عجب أن يقذف الشيب شادن له عند أرباب الهوى رتبة الخال
وقد علمت لا أبعد اللـه دارهـا غرامي وأني لست بالسمج الخال
وإني عزيز بين قومي وأسرتـي ولست بحاد للعـروج ولا خـال
سقى حيائها نوء من الدمع هامع إذا ضن يوما بالحيا طالع الخال
وروح معتـل النسيـم قوامهـا وإن لاح في أعطافها شيم الخال
فيا راكبا يفري نحورا من الفـلا على سابح عبل الشوامت أو خال
وزيافة إن هجهج المعتلـي بهـا فما هي بالواني القطوف ولا الخال
حناها السرى حتى الأهان وما يرى بها من لجان يستبـا ولا خـال
تلف الفيافي سبسبا بعد سبسـب إذا لمحت غب الظما خافق الخال
وساحرة الأقطـار يخفـق آلهـا فيغتر من روادها سيء الخـال
رويدا إذا شاهدت لبنـان عامـل وشمت من الجولان لامعة الخال
وحيتك هاتيك الربـاع وأهلهـا بنفحة نور النرجس الغض والخال
قضيت بها عهد التصابي ولم يكن زمان تعاطيت الصبابـة خـال
ورحت بها دهر الشبيبة مارحـا كما راح مفصوم الشكيمة والخال
وما أنس لا أنسى عهودا بربعها تقضت ولو أرخى إلى الزمن الخال
تحالف جسمي والضنا بعد بعدها كما احتلفت عبس وذبيان بالخال
وللحسن الحسني فإن جاد غيـره فذلك جود لا يبل لـدى الخـال
إمام له القدح المعلـى وفضلـه لأشهر من نار تشب على خـال
وبحر علوم أن تقس غيـره بـه تكن كمقياس الطود ويحك بالخال
فتى لم يزل يجري لأشرف غاية تقاصر عن إدراكها نظر الخـال
7
من القوم شادوا للمعالي دعائمـا فما شئت من برتقي ومن خـال
تلامع سيماء الهدى مـن جبينـه وفي وجهه الزاكي علا موضع الخال
ولا يرتدي إلا الفضائـل حلـة إذا فخر الأقوام بالعصب والخال
عليه لنا ما لمحبين مـن هـوى وشوق وإن طال المدى في الحشى خال
ومن شعره في المذهب قوله من عينية مرسومة في الشباك الحديدي على مشرفة السلام أولها:
هذا ثرى خـط الأثيـر لقـدره ولعـزه هـام الثريـا يخضـع
وضريح قدس دون غاية مجـده وجلاله خفض الضراح الأرفـع
أنى يقاس به الضراح علا وفي مكنونه سـر المهيمـن مـودع
وهي طويلة تزيد على المائة والخمسين.

وقوله في حسينية:
ما أنس لا أنس مسراهم غداة غدوا إلى الكريهة في جـد وتشميـر
ثاروا وقد ثوب الداعي كما حملت أسد العرين على سرب اليعافيـر
من كل معتصم بالحـق ملتـزم بالصدق متسم بالخيـر مذكـور
فلا تعاين منهـم غيـر مندفـع كالسيل يخبط مثبـورا بمبثـور
كل يرى العز كل العز مصرعه بالسيف كي لا يعاني ذل مأسور
وحين جاء الردى يبغي القرى سقطوا على الثرى ما بين مذبوح ومنحور
طوبى لهم فلقد نالـوا بصبرهـم أجرا وأي صبور غير مأجـور
كريهة شكر البـاري مساعيهـم فيها ويا رب سعي غير مشكور
مبرئين عـن الآثـام طهرهـم دم الشهـادة منهـا أي تطهيـر
وله غير ذلك من المدح والرثاء في الأئمة عليهم السلام.

توفي في الطيبة - قرية من جبل عامل - سنة ألف ومائتين وثمان وثمانين عن
8
عمر يناهز الثمانين ودفن هناك رحمه الله تعالى بمنه وكرمه.

إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول تكين المعروف بالصولي:

كان كاتبا في الديوان، وتولى بعض الأعمال في أيام المتوكل، وكان شارعا بارعا، وكان مديد القامة.

قال المرتضى: روى أحمد بن عبد الله بن العباس الصولي المعروف بطماس قال: كنت عند ابن عمي إبراهيم فدخل إليه رجل فرفعه حتى جلس إلى جانبه أو قريبا منه، ثم حادثه إلى أن قال عمي: يا أبا تمام ومن بقي ممن يعتصم به أو يلتجئ إليه، فقال: أنت لا عدمت - وكان طوالا - أنت والله كما قال القائل:
يمد نجاد السيـف حتـى كأنـه بأعلى سنامـي فالـج يتطـوح
ويدلج في حاجات من هو نائـم ويوري كريمات الندى حين يقدح
إذا اعتم بالبـرد اليمانـي خلتـه هلالا بدا في جانب الأفق ييلمح
يزيد على فضل الرجال فضيلـة ويقصر عنه فضل من يتمـدح
فقال له عمي: أنت تحسن قائلا ومتمثلا وراويا، فلما خرد تبعته وقلت: اكتبني هذه الأبيات، فقال: هي لأبي الجويرية العبدي فخذها من شعره.

قال: ومن شعره الذي استحسنه البحتري قوله:
أحســب النــوم حكاكـــا إذ حكــى منــك جفاكـــا
منـي الصبـر ومنـك الهجـر فابلـــغ بـــي مداكـــا
بعــدت همـــة عينـــي طمعــت فــي أن تراكــا
ليـت حظـي منـك أن تعلـم مــا بــي مــن جفاكــا
ومن شعره قوله:
9
ولرب نازلة يضيق بهـا الفتـى ذرعا وعند الله منهـا المخـرج
كملت فلما استحكمـت حلقاتهـا فرجت وكان يظنهـا لا تفـرج
قال: وكان صديقا لأحمد بن أبي داود، فعتب على ابنه بعد موت أبيه فقال:
عفـت مسـاو منـك واضحـة على محاسن أبقاها أبـوك لكـا
لأن تقدمت أبنـاء الكـرام بـه فقـد تقـدم أبنـاء اللئـام بكـا
ومن شعره قوله:
ثمر الصبا صفحا بساكن ذي الغضا ويصدع قلبي أن يهب جنوبهـا
هوى تذرف العينان منه وإنمـا هوى كل نفس حيث حل حبيبها
وقوله:
دنت بأناس عـن ثنـاء زيـارة وشط بليلي عن دنـو مزارهـا
وإن مقيمـات بمنقطـع اللـوى لأقرب من ليلى وهاتيك دارهـا
وقوله هاجي:
كن كيف شئـت وأنـى تشـاء وأبرق يمينـا وأرعـد شمـالا
نجا بك لومـك منجـي الذبـاب حمتـه مقاديــره أن ينــالا
ومن نثره ما كتبه عن المتوكل مهدد: أما بعد، فإن لأمير المؤمنين أناة، فإن لم تغن عقب بعدها وعيدا، فإن لم يغن أغنت عزائمه، والسلام.

فهذا كما تراه يخرج منه بيت شعر وهو:
أناة فإن لم تغن عقـب بعدهـا وعيدا فإن لم تغن أغنت عزائـم
قال ابن خلكان: وله ديوان شعر كله غرر وملح.

وقال المرتضى: أخبرنا علي بن محمد الكاتب، قال: أخبرني محمد ابن يحيى الصولي قال: لما بايع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السلام وأمر الناس
10
بلباس الخضرة، صار إليه دعبل بن علي وإبراهيم بن العباس وكانا صديقين لا يفترقام، فأنشده دعبل قصيدته التي أوله:
مدارس آيات خلت مـن تلـاوة ومنزل وحي مقفـر العرصـات
وأنشده إبراهيم قصيدة على مذهبها أوله:
أزالت عزاء القلب بعـد التجلـد مصارع أبنـاء النبـي محمـد
فوهب لهما عشرين ألف درهم من الدراهم التي ضرب عليها اسمه، وكان المأمون أمر بضربها في ذلك الوقت، فأما دعبل فصار بالشطر منها إلى قم فاشترى أهلها كل درهم منه بعشرة دراهم فباع حصته بمائة ألف درهم، وأما إبراهيم فلم يزل عنده بعضها إلى أن مات.

قال الصولي: ولم أقف من هذه القصيدة على أكثر من هذا البيت.

قال المرتضى: والسبب في إذهاب هذا الفن من شعره ما حدثني به أبو العباس أحمد بن محمد بن الفرات والحسن بن علي الباقطاني قالا: كان إبراهيم بن العباس صديقا لإسحاق بن إبراهيم أخي زيدان الكاتب المعروف بالزمن فأنسخه شعره في علي الرضا عليه السلام وقد انصرف من خراسان ودفعه إليه بخطه فكانت النسخة عنده إلى أن ولي التوكل، وولي إبراهيم ابن العباس ديوان الضياع وقد كان تباعد ما بينه وبين أخي زيدان، فعزله عن ضياع كانت بيده في حلوان وغيرها، وطالبه بمال ولح عليه وأساء مطالبته فدعا إسحق بعض من يثق به من إخوانه، وقال له: امض إلى إبراهيم وأعلمه أن شعره في علي الرضا عليه السلام بخطي عندي وبغير خطه، فوالله لئن استمر على ظلمي ولم يزل على المطالبة لأوصلن الشعر إلى المتوكل، قال: فصار الرجل إلى إبراهيم فأخبره بذلك فاضطرب اضطرابا شديدا وجعل الأمر في ذلك إلى الواسطة، حتى أسقط جميع ما طالبه به وأخذ الشعر منه وأحلفه أنه لم يبق منه عنده شيء، فلما حصل عنده
11
أحرقه بحضرته.

قال الصولي: وما عرفت في هذا المعنى شيئا نمن شعر إبراهيم إلا أبياتا وجدتها بخط أبي قال: أنشدني أخي لعمه في الرضا عليه السلام قوله:
كفـى بفعـال امـرئ عالــم علـى أهلـه عـادلا شاهــدا
أرى لهــم طارفــا موثقــا ولا يشبـه الطـارف التالــدا
يمــن عليكــم بأموالكـــم وتعطـون مـن مائـة واحـدا
فـلا حمـد اللـه مستبصــر يكــون لأعدائكــم حامــدا
فضلـت قسيمـك فـي قعـدد كمـا فضـل الوالـد الوالــدا
قال الصولي: فنظرت في قوله: ((فضلت قسيمك))، فوجدت الرضا عليه السلام والمأمون متساويين في قعدد النسب وهاشم التاسع من آبائهما جميعا انتهى ملخصا.

ولد إبراهيم سنة مائة وإحدى وسبعين.

وتوفي سنة مائتين وثلاثة وأربعين في نصف شعبان، وهو يتولى ديوان الضياع والنفقات بسر من رأى، ودفن بها، رحمه الله تعالى.

إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل العاملي الكفعمي:

كان عالما فاضلا ناسكا أديبا شاعرا، له مصنفات كثيرة، جاء من جبل عامل لزيارة المشاهد المقدسة فسكن كربلاء. وذكره صاحب نفح الطيب وأثنى عليه وذكر شيئا من شعره ونطارحاته أيام كان بجبل عامل، فمن شعره قوله فيما يقرأ طردا في المدح وعكسا في الذم:
شكروا وما نكثـت لهـم ذمـم ستروا وما هتكـت لهـم حـرم
12
صبروا ومـا كلـت لهـم قمـم نصروا وما هانـت لهـم همـم
وقوله في المراجعة:
وقائلة: ما الحال؟ قلت لها: ارحمي قتيل الهوى فالوجه أصفر فاقـع
فقالت: وصالي لا يليق بناقـص فهل لك فضل قلت: كالشمس شائع
فقالت: وفضل، قلت: كالبدر ظاهر فقالت: وذكر، قلت: كالمسك ذائع
فقال: وعز، قلت: كالحصن مانع فقالت: ومال، قلت: كالبحر واسع
فقالت: وفكر، قلت: كالسهم صائب فقالت: وسيف، قلت: كالبيض قاطع
فقالت: وجند، قلت: إي وهو آفل فقالت: وجد، قلت: بالسعد طالع
فأضحت تفديني وبـت منعمـا بحبي وعيشـي باللـذاذة جامـع
ومن شعره في المذهب قوله:
سألتكـم باللــه أن تدفنونــي إذا مت في قبر بـأرض عقيـر
فإني بها جار الشهيـد بكربـلا سلسل رسول الله خيـر مجيـر
وإني به في حفرتي غير خائف بلا مريـة مـن منكـر ونكيـر
أمنت به في موقفـي وقيامتـي إذا الناس خافوا من لظى وسعير
فإني رأيت العرب تحمي نزيلها وتمنعه من أن يضـام بضيـر
فكيف بسبط المصطفى أن ينال من بحائـه ثـاو بغيـر نصيــر
وعار على حامي الحمى وهو بالحمى إذا ضل في البيدا عقـال بعيـر
وله قصيدة في أمير المؤمنين عليه السلام غديرية أوله:
هنيئـا هنيئـاً ليـوم الغديــر ويوم السـرور ويـوم الحبـور
وهي طويلة مذكورة في الصباح، وله أيضا بديعية في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشرحها.

توفي سنة تسعمائة بكربلاء، ودفن بها، وظهر له قبر بجبشيث من جبل عامل
13
وعليه صخرة مكتوب فيها اسمه، فبني وصار مزارا متبركا به والله سبحانه أعلم حيث دفن.

إبراهيم بن محمد بن علي بن سيف الدين ابن رضاء الدين بن سيف الدين بن رميثة بن رضاء الدين بن محمد بن علي بن عطيفة بن رضاء الدين ابن علاء الدين بن مرتضى بن محمد بن حميضة بن محمد بن نجم الدين أبي نمي الشريف الشهير.

أبو الباقر وحيدر الآتيين، وأخو أحمد الآتي أيضا.

كان فاضلا فقيها مشاركا، وتقيا زاهدا صالحا، وله شعر إلى أدب ومعرفة باللغة، ومحاضرات لأدباء وقته كالسيد محمد الشهير بالزيني.

فمن شعره قوله في حسينية أوله:
لم أبـك ذكـر معالـم وديـار قـد أصبحـت ممحـوة الآثـار
يقول في أوله:
يا مدرك الأوتار أدركنـا فقـد عظم البلا يـا مـدرك الأوتـار
فإليك يا غوث العباد المشتكـى ممـا ألـم بنـا مـن الأشـرار
يا سيدا بكت الوحوش عليه فـي الفلوات والأطيار في الأشجـار
يا ابن النبي الهاشمي ومن أتـى للعالميـن بأصـدق الأخبــار
يا منية الكرار بـل يـا مهجـة المختار بل يا صفـوة الجبـار
أتزل بـي قـدم ومثلـك آخـذ بيدي وأنت غدا مقيـل عثـاري
ويذوق حر النار من ينمي إلـى الكرار وهو غـدا قسيـم النـار
أو يختشي منهـا ونـار سميـة بكم خبت في سالف الأعصـار
صلـى الإلـه عليكـم وأحلكـم دار السلام فنعـم عقبـى الـدار
وقوله:
14
لهفي لتلـك الـرؤوس يرفعهـا على رؤوس الرمـاح أوضعهـا
لهفـي لتلـك الجسـوم عاريـة وذاريـات الصبــا تلفعهــا
لهفي لتلـك الصـدور توطأهـا الخيل وفيهـا العلـوم أجمعهـا
لهفي لتلـك الأوصـال تنهبهـا السمر وبيـض الظبـا تقطعهـا
لهفي لتلك الأسود وقد ظفـرت بهـا كلـاب الشقـا وأضبعهـا
لهفي لتلك البـدور تأفـل فـي الترب وأوج الجمـال مطلعهـا
لهفي لتلك البحور قـد نضبـت وكـم طمـى دافقـا تدفعهــا
لهفـي لتلـك الجبـال تنسفهـا من عاصفات الضلال تزعزعها
لهفـي لتلـك الغصـون ذاويـة ومن أصـول التقـى تفرعهـا
لهفـي لتلـك الديـار موحشـة تبكـي لفقـد الأنيـس أربعهـا
ما عـذر عيـن لمثـل رزئهـم لـم تنبعـث بالدمـاء أدمعهـا
وأي عذر مـن بعدهـم لحشـا لم يك سيـف الأسـى يقطعهـا
لا متعـت بالبقـا نفـس فتـى من بعدهم في الحيـاة مطمعهـا
وهي طويلة، وله شعر كثير في المجالس الحيدرية نبذة منه.

توفي سنة ألف ومائتين وثلاثين، ودفن بالنجف رحمه الله تعالى.

إبراهيم بن يحيى بن محمد العاملي الخيامي جد إبراهيم بن صادق.

كان فاضلا أديبا مشاركا في العلوم، مصنفا في جملة منها، وكان ورد العراق فحضر على السيد بحر العلوم، وعلى الشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيرهم، ورأيت له منظومة في علم الكلام أجاد فيها كل الإجادة، وكان شاعرا بارعا، له مطارحات مع الأدباء في العراق والشام، وكان مكثرا في مديح الأئمة عليهم السلام حتى أنه أكثر من تسميط الأبيات المستحسنة التي تذكر في مدح أمير
15
المؤمنين عليه السلام وسمط التترية بتسميط جيد، وسمط قصيدة أبي الفراس الحمداني تسميطا حينا، وسأذكره، وله بيتان بديعان في علي:
علـي مواليـه فـي النشأتيـن لـه منـزل ومقــام علــي
تصب المكـارم فـي ذي وذي عليـه مباركـة مـن علــي
وهذا تسميط لقصيادة أبي فراس:
يا للرجال لجـرح ليـس يلتئـم عمر الزمان وداء ليس ينحسـم
حتى متى أيها الأقـوام والأمـم (الحق مهتضم والديـن مختـرم
وفي آل الرسول مقتسم)
أودى هدى الناس حتى ان أحفظهم للخير صار بفول السوء ألفظهم
فكيف توقظهم أن كنت موقظهم (والناس عندك لا ناس فيحفظهم
سوء الرعاء ولا شاء ولا نعم)
يا ليت شعري أيدري من تعرقني بعذله وبطـوق الهـم طوقنـي
ونام عن ليل أوصابي وأقلقنـي (أنى أبيت قليـل النـوم أرقنـي
قلب تصارع فيه الهم والهمم)
ألقى الليالي وقد آلـت غياهبهـا أن لا تروح ولا تغدو كواكبهـا
بهمـه يستبيـح الهـم قاضبهـا (وعزمة لا ينام الليل صاحبهـا
إلا على ظفر في طيه كرم)
قالوا أيرضى له عادي منصبـه بصون صارمه الماضي وسلهبه
فقلت كلا وأمري غيـر مشتبـه (يصان مهري لأمر لا أبوح بـه
والدرع والرمح والصمصامة الخذم)
وسابقات جياد ليـس يفضحهـا مهارها يوم مجراهـا وقرحهـا
لنا ذراهـا وللأعـداء مذبحهـا (وكل مأثرة الضبعين مسرحهـا
16
رمث الجزيرة والخدراف والعنم)
تا الله إن بني العباس قد كفـروا يا ويلهم نعم الباري وما شكـروا
وكم عمود لفسطاط الهدى كسروا (يا للرجال أمـا للـه منتصـر
من الطغاة ولا للدين منتقم)
تعرقوا آل حرب في وجارهـم حرصا على الملك لا أخذا بثأرهم
وأصبحت خيفة من حر نارهـم (بنو علي رعايا فـي ديارهـم
والأمر تملكه النسوان والخدم)
مفرقيـن فـلا دار مجمحــة وخائفين فـلا أمـن ولا دعـة
فكيف تعذب للأبـرار مشرعـة (والأرض إلا على ملاكها سعـة
والمال إلا على أربابه ديم)
يا للحمية هذا الحـادث الجلـل أيصبح العل للأوغـاد والهبـل
وعترة المصطفى والسادة الأول (محلأون فأصفى وردهم وسـل
عند الورود وأوفى شربهم لمم)
فقل لأعدائها اللاتـي تحاربهـا على العلى وهي تاج لا يناسبهـا
ويزدهي من حواها وهو غاصبها (للمتقين مـن الدنيـا عواقبهـا
وإن تعجل منها الظالم الغشم)
لقد فشا في بني المختار نسكهـم كما فشى في بني العباس إفكهـم
فقال من كان لا يحويه سلكهـم (لا يطغين بني العبـاس ملكهـم
بنو علي مواليهم وإن رغموا)
بني نثيلـة لا واللـه مـا لكـم فخر على معشر كانوا جمالكـم
لـو اتقيتـم وخالفتـم ضلالكـم (أتفخرون عليهـم لا أبـا لكـم
حتى كأن رسول الله جدكم)
17
كانوا بدورا بها الظلماء تنكشف وأبحر بالنـدى راحاتهـا تكـف
فكيف تحكونهم والحال مختلـف (وما توازن يوما بينكم شـرف
ولا تساون بكم في موطن قدم)
ولا يحاكي بنو العباس لو عـدلا زين الورى ملهم علما ولا عملا
ولا أبو جعفـر كالباقيـن عـلا (ولا الرشيد كموس في القياس ولا
مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم)
أفاضل ربهم في الخلق فضلهـم واختارهم للهدى والعلم حملهـم
وبالخلافة دون النـاس بجلهـم (قام النبي بها يوم الغديـر لهـم
والله يشهد والأملاك والأمم)
فكان ما كان من تضييع واجبها بعد النبي ومن تأخيـر طالبهـا
إرثا وحقا ومن تقديم غاصبهـا (حتى إذا أصبحت في غير صاحبها
باتت تنازعها الذؤبان والرخم)
ما أحسنوا بولـي اللـه ظنهـم فضيوها وقـد كانـت مجنهـم
وشاركوا حرهـم فيهـا وقنهـم (وصيرت بينهم شورى كأنهـم
لا يعلمون ولاة الحق أين هم)
يا ليت شعري لا يدرون موقعها أم لا يرون بعين العقل مطلعهـا
أم كافل الملة الغـراء ضيعهـا (تالله ما جهل الأقوام موضعهـا
لكنهم ستروا وجه الذي علموا)
رياسة أظهرت للنـاس خبثهـم وأهلكت نسـل أقـوام وحرثهـم
فاجتاحهم عادل لم يرض مكثهم (ثم ادعاها بنو العبـاس إرثهـم
وما لهم قدم فيها ولا قدم)
إذا تمادى رجال الفخر وابتدرت بنو علي إلى الغايات وافتخـرت
18
رأيت منهم زرافات وإن كثـرت (لا يذكرون إذا ما عصبة ذكرت
ولا يحكم في أمرها لهم حكم)
قالوا لنا الملك حقـا لا نجاذبـه يومـا وطالعـه منـا وغاربـه
وما ترعرع فيهم مـن يناسبـه (ولا رآهم أبو بكـر وصاحبـه
أهلا لما طلبوا منها وما زعموا)
قالوا الأئمة كانت غير غاصبـة خلافـة ثـم ثنوهـا بكاذبــة
دعوى التراث سهاما غير صائبة (فهل هم مدعوها غيـر واجبـة
أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا)
لقد نشرتم على الدنيا ضبابتكـم ظلما وروفتـم فيهـا صبابتكـم
وكم حملتم على بعد صحابتكـم (أما علي فقـد أدنـى قرابتكـم
عند الولاية لكن تكفر النعم)
أولى أباكـم وصنويـه عطيتـه فضـلا وقلـده بالعفـو منتـه
وكم حدى لذوي الأرحام رحمته (أينكر الحبر عبد اللـه نعمتـه
أبوكم أم عبيد الله أم قثم)
ملكتم وجرحتـم كـل جارحـة من الهدى بسيوف أي جارحـة
يا عصبة للمعالي غير صالحـة (كم غدرة لكم في الدين واضحة
وكم دم لرسول الله عندكم)
خالفتم أمره في الـآل والخلـف وقلتم نحن أهل المجد والشـرف
ونحن آل نبـي بالعهـود وفـي (أنتم آلـه فيمـا تـرون وفـي
أظفاركم من بنيه الطاهرين دم)
إن القرابة إن لم تحفـظ الذمـم وجودها عند أرباب النهى عـدم
يا فاخرين بقرب وهـو منجـذم (هيهات لا قربت قربى ولا رحم
19
يوما إذا قضت الأخلاق والشيم)
بل القريب الذي لم يكفر النعمـا والأجنبي الذي لم يحفظ الذممـا
لذاك يا شرحبيل في الورى علما (كانت مودة سلمان لـه رحمـا
ولم يكن بين نوح وابنه رحم)
تلطخوا بدم الهـادي وبضعتـه حرصا على الملك في الدنيا ورفعته
لذاك يا ويـل مغبـون بسلعتـه (باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته
وأبصروا بعض يوم شرهم وعموا)
فلا رعى الله منهم أنفسا وردت موارد البغي إسرافا وما اقتصدت
ولا سقى الله منهم أربعا همـدت (يا عصبة شقيت من بعد ما سعدت
ومعشرا هلكوا من بعد ما سقموا)
لله كم من فؤاد للهـدى جرحـوا وزند شر تحاماه الورى قدحـوا
قوم أصابوا لواء الملك فافتضحوا (لاعن أبي مسلم في نصحه صفحوا
ولا الزبيري نجى الحلف والقسم)
ولولا لواء الهدى في عصرهم عقدوا ولا معارج أرباب الهدى صعدوا
ولا وفوا لذوي الآمال ما وعدوا (ولا الأمان لأزد الموصل اعتمدوا
فيه الآمان ولا عن عمهم حلموا)
فكيف جازيتم عن فعله الحسـن بنيه خير الورى بالقتل والمحـن
أيا عبيد الهوى في السر والعلـن (بئس الجزاء جزيتم في بني حسن
أباهم العلم الهادي وأمهم)
غادرتم القوم صرعى في فنائهم وآية النوح تتلـى فـي نسائهـم
والله طالب وتـر مـن ورائهـم (لا بيعة ردعتكم عـن دمائهـم
ولا يمين ولا قربى ولا ذمم)
20
تركتم خيـر أبنـاء لخيـر أب فرية لنصال السمـر والقضـب
يا أشام الناس من عجم ومن عرب (هلا صفحتم عن الأسرى بلا سبب
للصافحين ببدر عن أسيركم)
صيرتم البغي والعدوان معدنكـم ولو تحريتم الإحسـان أمكنكـم
فأبعد الله في الأزمـان أزمنكـم (هلا كففتم عن الديباج ألسنكـم
وعن بنات رسول الله شتمكم)
تصيح يا غيرة الإسلام زوجتـه والفاطميـات تبكيـه وجثتــه
تحت السياط فيـا للـه حرمتـه (ما نزهت لرسول الله مهجتـه
عن السياط فهلا نزه الحرم)
أشكو إلى الله أقواما قد اهتظمت ذرية المصطفى ظلما وما احترمت
إليه بالهدى يا عصبـة ظلمـت (ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت
تلك الجرائم إلا دون نسلكم)
أراذل قال ذو جهـل يعظمهـا لقد ذكرتـم أمـورا لا أسلمهـا
فقلت والنفـس يشفيهـا تكلمهـا (يا جاهدا في مساويهم يكتمهـا
غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم)
غداة نم بـه ذو إحنـة عرفـت في الدار في عهد آباء له سلفت
وحيـن سـاق يمينـا بالـردى (ذاق الزبيري غب الخنث وانكشفت
عن ابن فاطمة الأقوال والتهم)
وراكب صير الوجنـاء مدركـة بوخدها لبنـي العبـاس مملكـة
ناديتـه وقـاك اللـه مهلكــة (أبلغ إليك بني العبـاس مالكـة
لا يدعو ملكها ملاكها العجم)
تبوأوهـا فمـا أبقـوا لسائركـم إلا منابر تشكو جـور جائركـم
21
تفاخرون بها يا ويـح فاخركـم (أي المفاخر أمست في منابركم
وغيركم آمر فيهن يحتكم)
أتفخـرون إذا نابـت الخــدم عنكم بعقد اللوا والباس محتـدم
والعـرب تلهـج بالعصيــان (وهل يزيدكم من مفخـر علـم
وفي الخلاف عليكم يخفق العلم)
كم تدعون العلي يا أيها الهمـل وما لكم من ناقة فيها ولا جمـل
كيف الفخار ولا قول ولا عمـل (خلوا الفخار لعلامين إن سئلـوا
عند السؤال وعمالين إن علموا)
يزداد حلمهم إن نابـت النـوب منهم وللعود عرف وهو ملتهـب
شم الأنوف ملوك أمرهم عجـب (لا يغضبون لغير الله إن غضبوا
ولا يضيعون حكم الله إن حكموا)
غريـري إن أمعـن النظــرا شمس الضحى ونجوم الليل والقمرا
ولا تزال وسل عن ذاك من خبرا (تبدو التلاوة من أبياتهم سحـرا
ومن بيوتكم الأوتار والنغم)
هم الهـداة إذا زاغـت قلوبكـم والمحسنـون إذا زادت ذنوبكـم
نصيبهم كل فضـل لا نصيبكـم (إذا تلوا آيـة غنـى خطيبكـم
قف بالديار التي لم يعفها قدم)
قلتم لنا إن تاج الملـك فضلكـم على بني أحمد الهادي وبجلكـم
فيا دعاة العلي ما كان أجهلكـم (منكم علية أم منهم وكـان لكـم
شيخ المغنين إبراهيم أم لهم)
وأي فخر لقوم مـا لهـم وطـر إلا السلــاف. . . . والوتــر
بل الفخار لقوم بالهدى ظفـروا (ما في بيوتهم للخمر معتصـر
22
ولا بيوتكم للشر معتصم)
هم الأكارم لا تخفـى مكارمهـم ولا يهيم بغيـر المجـد هائمهـم
ولا تشد على سـوء حيازمهـم (ولا تبيت لهـم أنثـى تنادمهـم
ولا يرى لهم من مردهم حشم)
وهم بنو المصطفى إن كنت تجهلهم وأكرم الناس أعراقـا وأفضلهـم
فإن تسل أين مغناهـم وموئلهـم (فالركن والبيت والأستار منزلهم
وزمزم الصفا والحجر والحرم)
إن الكتاب الذي ما زال مرهفـه يحنى على كـل جبـار ويتلفـه
تثني عليهـم معانيـه وأحرفـه (وليس في قسم في الذكر نعرفه
إلا وهم غير شك ذلك القسم)
هذا الثناء وما وفيـت مجدهـم ولو كتبت بنور العيـن حمدهـم
وقد تحققت أن الفـوز عندهـم (فلا أخاف وقد أمسيت عبدهـم
والعبد يسلم إن ساداته سلموا)
توفي في النباطية سنة ألف ومائتين وأربع عشرة كما في الرحيق المختوم.

أحمد بن إبراهيم، أبو العباس الضبي

كان فاضلا كاتبا، وزر لفخر الدولة بعد الصاحب بن عباد ولقب الأستاذ والرئيس، وكان تلميذ الصاحب، وفيه يقول ابن الخازن من قصيدة يمدحه بها [من المنسرح]:
تزهـى بأترابهـا كمـا زهـت ضبـة بالماجـد ابـن ماجدهـا
سماؤهـا شمسهـا، غمامتهــا هلالهـا، بدرهـا عطاردهــا
يروي كتاب الفخار أجمع عـن كافي كفـاة الـورى وواحدهـا
وذكر ترجمته في اليتيمة والمعاجم، وشعره سهل ممتنع جزل فخم، فمن شعره
23
قوله [من مجزوء الكامل]:
لا تركنــن إلــى الفــراق فإنـــه مـــر المـــذاق
والشمــس عنــد غروبهــا تفـر مــن ألــم الفــراق
ومن شعره:
ومهفهـف قـال الإلـه لخـده كـن مجمعـا للطيبـان فكانـه
زعـم البنفسـج أنـه كعـذاره حسدا فسلوا مـن قفـاه لسانـه
لم يظلموا في الحكم إذ مثلوا بـه فلطالما رفـع البنفسـج شانـه
وقوله:
ألا يا ليت شعري مـا مـرادك فجسمي قد أضـر بـه بعـادك
وأي ثلاثـة لـك قـد سبانـي جمالـك أم كمالــك أم ودادك
وأي ثلاثـة أوفــى ســوادا أخالـك أم عـذارك أم فـؤادك
ومن شعره في المذهب قوله:
لعلــي الطهــر الشهيـــر مجـد أنـاف علــى ثبيــر
صنــو النبـــي محمـــد ووزيــره يــوم الغديـــر
وحليــل فاطمــة ووالــد شبـــر وأبـــو شبيـــر
وقوله:
حــب النبـــي أحمـــد والــآل فيــه متجـــري
أحنـو عليهــم مــا حنــا علــى حياتــي عمـــري
أعدهــــم لمفخـــــري فــي عمــري ومحشــري
وكـــل وزري محبــــط مـــا دام فيــــه وزري
وردي عليهـــم صاديـــا وليــس عنهــم صــدري
لعائـــن اللـــه علـــى مـن ضـل فيهــم أثــري
24
لعائـــــن تتركهـــــم معالمـــــا للخبـــــر
وله غير ذلك في المناقب. توفي في بروجرد سنة تسع أو ثمان أو سبع وتسعين وثلاثمائة، وأوصى أن يحمل نعشه إلى كربلاء على يد بكر الخوارزمي فورد تابوته فخاطب أبو بكر الشريف الطاهر في ابتياع تربة له بخمسمائة دينار، فقال الشريف: هذا الرجل التجأ إلى جوار جدي فلا آخذ منه شيئا، وكتب بنفسه له الموضع وخرج مع التابوت بنفسه إلى براثا ومعه الفقهاء والأشراف وصلى عليه وأصحبه بخمسين رجلا إلى كربلاء ورثاه المهيار بقصيدة ميمية من غرر القصائد أوله:
أجيراننا بالغور والركب متهم
ومن قبل ما مدحه بكثير رحمه الله.

أحمد بن الحسن النحوي، أبو الرضا المعروف بالشيخ أحمد النحوي الحلي الخياط الشاعر:

كان أحد الفضلاء في النجف، وأول الأدباء بها، هاجر إلى كربلاء لطلب العلم فيها فتتلمذ على يد السيد نصر الله الحائري، وبعد وفاته رحل إلى النجف فبقي فيها مدة ثم سكن الحلة وبقي بها حتى توفي، وله مطارحات مع أفاضل العراق وماجريات، وكان سهل الشعر فخمه منسجمه، وعمر كثيرا، وهو في خلال ذلك قوي البديهة، سالم الحاسة، وكان أبوه الحسن أيضا شاعرا، فلذا يقال لهم بيت الشاعر، كما يقال لهم بيت النحوي وبيت الخياط.

فمن شعره قوله في الغزل:

لولا لحاظك والقـوام الأهيـف ما بات طرفي بالمدامع يطـرف
من منصفي من جائر جعل الأسى حتما علي وجائـر لا ينصـف
25
ألف القطيعة والنفار وليس لـي في حبـه إلا الصبابـة مألـف
أدنـو فيبعـد لاهيـا بجمالــه عني وأعطفـه فـلا يتعطـف
يا عاذلي لو كنت شاهد حسنـه ما كنت يوما في هـواه تعنـف
أو ذقت يوما رشفة مـن ريقـه لا ذقتها لسبـاك ذاك المرشـف
وقوله في رثاء هرة له سماها شذرة، وسمى أمها بريش منه:
أشذرة لما ذهبت ولـم تعـودي فبعدك حف بعد الليـن عـودي
لمسنا الفرش ليس نـراك فيهـا وفتشنـاك فـي كـل المهـود
لديـك ملمـس يحكـي حريـرا ولـون مثـل ألـوان الـورود
فمـن ذا يدفـع الفئـران عنـا ويحرسنا مـن الجـرذ الشديـد
ألا يا بريش اصطبـري عليهـا فكـم للنـاس مـن ولـد فقيـد
وله غزل ومديح ورثاء كثير يمر عليك في غضون الكتاب.

ومن شعره في المذهب تخميس الرائية في نصر الله، ومقدمة الفرزدقية وهي:
يا رب كاتم فضل ليـس ينكتـم والشمس لم يمحها غيم ولا قتـم
والحاسدون لمـن زادت عنايتـه عقباه الخزي في الدنيا وإن رغموا
أما رأيت هشاما إذا أتى الحجر السا مي ليلمسـه والنـاس تزدحـم
أقام كرسيـه كيمـا يخـف لـه بعض الزحام عسى يدنو فيستلـم
فلم يفده وقـد سـدت مذاهبـه عنه ولم تستطع تخطو لـه قـدم
حتى أتى الحبر زين العابدين إما م التابعين الذي دانت لـه الأمـم
فأفرج الناس طرا هائبيـن لـه حتى كأن لم يكن منهم بهـا إرم
تجاهلا قال من هذا؟ فقـال لـه أبو فـراس مقـالا كلـه حكـم
وخمسها الرضا والهادي ابناه، وربما نذكر التخميس فيما بعد إن شاء الله.

وله كثير من المراثي الحسينية، فمنها قوله من قصيدة أوله:
26
لو كنت حين سلبت طيب رقادي عوضت غيـر مدامـع وسهـاد
أو كنت حين أردت بي هذا الضنا أبقيت لي جسدا مـع الأجسـاد
أعلمت يـا بيـن الأحبـة أنهـم قبل التفـرق اعنفـوا بفـؤادي
أم هل علمت بأنني من بعدهـم جسد بشف ضنـا عـن العـواد
يا صاحبي وأنا المكتـم لوعتـي أتظـن زادك بالصبابــة زادي
يقول فيه:
يا دهر كيف اقتاد صرفك للردى من كان ممتنعـا علـى المقتـاد
عجبا لأرضك لا تميد وقد هوى عن منكبيهـا أعظـم الأطـواد
عجبا بجارك لا تغور وقد مضى من راحتاه لهـا مـن الأمـداد
عجبا لصبحك لا يحول وقد مضى من في محيـاه ضيـاء النـادي
عجبا لشمس ضحاك لم لا كورت وتبرقعت مـن حزنهـا بسـواد
عجبا لبدر دجاك لمَ لـم يـدرع ثوب السرار إلى مـدى الآبـاد
عجبا جبالك لا تزول ألـم تكـن قامت قيامة مصـرع الأمجـاد
عجبا لذي الأفلاك لم لا عطلـت والشهب لم تبرز بثـوب حـداد
عجبا يقوم بها الوجود وقد ثوى في الترب منهـا علـة الإيجـاد
عجبا لمال الله أصبـح مقسمـا في رائـح للظالميـن وغـادي
عجبا عيال الله صـاروا مغنمـا لبنـي زيـاد هديـة وزيــاد
عجبا لحلـم اللـه جـل جلالـه هتكوا حجابك وهـو بالمرصـاد
عجبا لهذا الخلـق هـلا أقبلـوا كل إليـك بروحـه لـك فـادي
لكنهـم مـا وازنـوك نفاســة أنـى يقـاس الـذر بالأطـواد
اليوم أمحلـت البلـاد وأقفـرت ديم القطار وجف زرع الـوادي
توفي سنة ألف ومائة وثلاث وثمانين في الحلة ونقل إلى النجف، فدفن بها ورثاه
27
جماعة من العلماء والأدباء منهم السيد محمد الزيني بقصيدة أوله:
أرأيت شمل الفضل كيف يبـدد ومصائب الآداب كيـف تجـدد
أظهرت أحزاني وقلت مؤرخـا الفضـل بعـد أحمـد لا يحمـد

أحمد بن الحسن بن علي بن أبي قفطان، أخو إبراهيم المعروف بأبي سهل الأصم

كان آية في الذكاء والحفظ، وكان أصم، ولكنه يفهم المراد لأول وهلة من المتكلم بفهم حركات شفتيه، حتى أن المنشد قد يقرأ البيت فيسبقه إلى قافيته، وكان حسن الخط يعاني الكتابة بالأجرة.

أخبرني أبو الحسن إبراهيم الطباطبائي رحمه الله. المتقدم ذكره. قال: مدح الشيخ أحمد الأصم أبا الحسين الطباطبائي وكتبها في ورقة أعطاه إياه وهي:
يا بن الرضا بن محمد المهدي يا من عم أقطـار البريـة بالنـدى
ناداك أحمد صارخا من دهـره فأجب فديتك يا ضيا النادي الندا
فأخذ الورقة ونظرها وكتب تحتها لوكيل مصرفه موقعا: أعط الشّيخ أحمد بكل سطر دينارا (عشر قرانات) وسلمها بيده، فنظرها وأعادها عليه، وقال: يا مولانا أعجم شين شطر لئلا يشتبه عليه فيقرأه سطر، فضحك السيد لنادرته وأعجمها كما شاء.

وله في المدائح الأمامية والمراثي شعر كثير لا يخلو منه مجموع، ونحن نذكر منه نظم واقعة في النجف، وهي: أن أحد النصاب دخل الروضة بنعله مراغما فضرب دونها فوقع مغشيا عليه ومات، فقال الشيخ أحمد المذكور فيه:
وكرامـات الوصـي حيــدره ظاهرات عنـد أهـل التبصـره
كم وكم مـرت علـى أسلافنـا وحلـت نقـلا بنـادي التذكـرة
28
ذكــرت مكرمــة سابقــة وبـدت أخـرى لنـا مبتكــرة
ناصبـي رام أن يدخـل فــي نعلـه للروضـة المستمطــرة
صاحـب الروضـة أرخ أشـد قبـل أن يدخلهـا قـد سطـره
ونظمها الشيخ عبد الحسن شكر أيضا كما يأتي في ترجمته إن شاء الله.

توفي في النجف سنة ألف ومائتين وثلاث وتسعين، ودفن في الصحن الحيدري لدى باب الطوسي مع أخيه وأبيه رحمهم الله تعالى.

أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمذاني، أبو الفضل، بديع الزمان

كان فاضلا أديبا باهرا كاتبا شاعرا حافظا شهيرا، ذكره جملة المترجمين، وكانت بينه وبين أبي بكر الخوارزمي مهاترة نفع فعلها في المتعارضين، وهجاء ونسب إليه ياقوت في معجمه مزدوجة في هجاء أبي بكر أظنها منحولة لما يعلم من طريقته ونص أصحابه عليه ولم تكن في كتب ذلك الزمان من لداته.

فمن شعره وديوانه المطبوع قوله:
ذهــب الكــأس فعـــرف الفجـر قــد كــاد يلــوح
وهــو للنــاس صبـــاح ولــذي الــرأي صبــوح
والـذي يمـرح بــي فــي حلبــة اللهـــو جمـــوح
فاسقنيهـا مثـل مـا يلفظــه الديـــــك الذبيـــــح
أنـا يــا دهــر بأنبــاءك شـــــق وسطيـــــح
وهي طويلة. ومن شعره في المذهب قوله:
يـا لمـة ضــرب الزمــان علــى معرسهــا خيامــه
29
للــه درك مــن خزامــى روضــة عــادت ثغامــه
لبليـــة قامـــت بهـــا للديــن أشــراط القيامــة
بمطــرح فيــه النبـــوة ضــارب فيــه الإمامـــة
متقســم بظبــا السيــوف مجــرع فيهــا حمامـــة
ومقبــل كـــان النبـــي بلثمــه يشفـــي أوامـــه
قـرع ابـن هنـد بالقضيــب عذابــه فــرط استضامــه
يـا ويـح مـن ولـى الكتـاب قفــاه والدنيـــا أمامـــه
ليضرســن يــد الندامـــة حيــث لا تغنــي الندامــة
وحمـى أبـاح بنــو أميــة عــن غوائلهــم حرامـــه
لعنــوا أميــر المؤمنيـــن بمثــل إعلــان الإقامـــة
لـمَ لـم تخـري يـا سمــاء ولـم تصبـي يــا غمامــة
لها بقية.

توفي مسموما بهراة سنة ثلاثمائة وثمان وتسهين، وله رسائل مطبوعة كديوانه، فلا نحتاج إلى أكثر من هذا في ذكره رحمه الله تعالى.

أحمد بن الصالح بن المهدي بن الحسن الحسيني القزويني النجفي الحلي

كان كما شاهدته واجتمعت به، أديبا خفيف الروح، رقيق الطبع بادي الأريحية، ظريفا عفيفا إلى تقى وحسن معاشرة، ولطف مجلس، وكرم أحلاق

وله شعر في الغزل رقيق، وله مكاتبات مع إخوانه وذوي رحمه بديعة، فمن غزله قوله رحمه الله تعالى:
يقولون أعزب عن هوى من تحبه فقد لاح في خديه لـام عـذاره
30
فقلت لهم: لم تستطع قبل نظـرة إلى خده عينـي مخافـة نـاره
وحين بدا مخضـر آس عـذاره فقد آن لي أن أجتني من ثمـاره
وقوله:
لعمـرك أيهـا الرشـأ المفـدى لقد أخجلت غصـن البـان قـدا
وخف بك الدلـال فظـل يلقـى هضيم الخصر من ردفيك جهدا
لأن قلـق الوشـاح بـه فقلبـي غدا قلقـا لـه شغفـا ووجـدا
ومر بك النسيم فضقـت ذرعـا وقد أوسعتنـي هجـرا وصـدا
يقول لي العـذول وقـد رآنـي وبي لعب الهوى هـزلا وجـدا
إلى ما وخد من تهـواه أمسـى وقد أخفى العـذار بـه وأبـدى
فقلت له ومـلأ الصـدر غيـظ ومن رطب الدموع نثرت عقـدا
ترفـق إنمـا أبصـرت سيفـا له اتخذوا حـذار الفتـك غمـدا
وقوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:
يا أبا السبطين يا خيـر الـورى بعد مـن أرسلـه اللـه لخيـر
قد أمنا بـك فـي الدنيـا وفـي النشأة الأخرى فلم نخش لضيـر
أنت كهف الأمن ما بين الـورى أترانـا ننـزوي عنـه لغيــر
ما أتـى نحـوك راج قاصـدا ومضى إلا علـى أسعـد طيـر
وإذا أم لأبــواب الأولـــى خاب مسعاه ولم ينجـح بسيـر
وله غير ذلك من المدائح، ولم أسمع له بمرثية.

ولد في حدود سنة ألف ومائتين وتسعين.

وتوفي في أوائل محرم سنة ألف وثلاثمائة وأربع وعشرين بالنجف، ودفن بها مع أبيه وجده رحمهم الله تعالى.

أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسن، أبو

31

الناصر جمال الدين بن المتوج البحراني

كان عالما فاضلا مصنفا في علوم أديبا حسن المنظوم، من تلامذة فخر المحققين الحلي، وأساتذة ابن فهد الأسدي، ومعاصري المقداد.

فمن شعره قوله في حسينية:
ألا نوحـوا وضجـوا بالبكـاء على السبـط الشهيـد بكربـلاء
ألا نوحوا بسكب الدمـع حزنـا عليـه وامزجــوه بالدمــاء
ألا نوحوا على مـن قـد بكـاه رسـول اللـه خيـر الأنبيـاء
ألا نوحوا على مـن قـد بكـاه عليّ الطهـر خيـر الأوصيـاء
ألا نوحوا على مـن قـد بكتـه حبيبـة أحمـد خيـر النســاء
ألا نوحوا على مـن قـد بكـاه لعظم الشجـو أملـاك السمـاء
ألا نوحـوا علـى قمـر منيـر عراه الخسف من بعـد الضيـاء
ألا نوحـوا لخامـس آل طــه ويـس وأصحــاب الكســاء
ألا نوحوا على غصـن رطيـب ذوى بعـد النضـارة والبهـاء
ألا نوحوا على شرف القوافـي ومفتخـر المراثــي والثنــاء
يقول في آخره:
ألا يـا آل ياسيــن فــؤادي لذكر مصابكـم حلـف العنـاء
فأنتم عدتي لـي فـي معـادي إذا حضـر الخلائـق للجـزاء
فمـا أرجـو لآخرتـي سواكـم وحاشا أن يخيب بكـم رجائـي
أنـا ابـن متـوج توجتمونـي بتـاج الفخـر طـرا والبهـاء
صلاة الله ذي الألطـاف تتـرى عليكـم بالصبـاح وبالمســاء
ولعنتـه علـى قـوم أباحــوا دمائكــم بظلــم وافتــراء
32
وله غيرها كثير.

توفي سنة ثمانمائة وعشرين على ما يظهر من كتابه الناسخ والمنسوخ بخط ولده الناصر الحفظة المشهور رحمه الله.

أحمد بن علوية الكاتب الأصفهاني البصري أبو الأسود

كان عالما أديبا شاعرا لغويا

قال ياقوت: كان يتعامل بالتأديب، ويقول الشعر الجيد، وكان يصحب لغدة ثم صحب أحمد بن أبي دلف وله فيه شعر جيد وله رسائل مختارة

عمر أكثر من مائة سنة

وله القصيدة الألفية الموسومة بالمحبرة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام عرضت على أبي حاتم السجستاني فقال: يا أهل البصرة غلبكم أهل أصفهان.

وأول القصيدة الألفية قوله رحمه الله:
ما بان عينـك ثـرة الأجفـان عبرى اللحاظ سقيمـة الإنسـان
انتهى ملخصا وذكره الشيخ الطوسي في رجاله الكبير ذكر له رواية.

ومن شعره الذي مدح به أحمد بن أبي دلف قوله:
إذا مـا جنـى عليـه جنايــة عفا كرما عن ذنبـه أو تكرمـا
ويوسعـه رفقـا يكـاد لبسطـه يود برمي القوم لو كان مجرمـا
ومن شعره ما أنشده حمزة سنة 310ه وله ثمان وتسعون سنة:
دنيا مغبة من أثرى بهـا عـدم ولذة تنقضي مـن بعدهـا ألـم
وفي المنون لأهل اللـب معتبـر وفي تزودهم منها التقـى غنـم
33
وما أنشده إياه أيضا وقد أتت عليه مائة سنة:
حنى الضر من بعد استقامته ظهري وأفضى إلى ضحضحاح عيشته عمري
ودب البلا في كل عضو ومفصل ومن ذا الذي يبقى سليما على الدهر
ومن الألفية المحبرة قوله:
من ذا عليه الشمس ردت بعدمـا كسي الظلام معاطف الجـدران
حتى قضى ما فاته من صلواتـه في دبر يوم مشـرق ضحيـان
والناس من عجب رأوه وعاينوا يترجحـون ترجـح السكـران
ثـم انثنـت لمغيبهـا منحطـة كالسهم طار بريشـة الظهـران
وله إذا ذكـر الفخـار فضيلـة بلغت مدى الغايـات باستيقـان
إذ قال أحمد أن خاصـف نعلـه لمقاتــل بتــأول القــرآن
قوما كما قاتلـت عـن تنزيلـه فـإذا الوصـي بكفـه نعلــان
هل بعد ذاك على الرشاد دلالـة مـن قائـل بخلافـة ومعانـي
ولـه يقـول محمـد أقضاكـم هـذا وأعلمكـم لـدى التبيـان
إني مدينة علمكـم وأخـي لهـا باب وثيق الركـن مصراعـان
فأتوا بيوت العلـم مـن أبوابهـا فالبيت لا يؤتى مـن الحيطـان
لولا مخافة مفتـر مـن أمتـي ما في ابن مريم يفتري النصراني
أظهرت فيك مناقبا في فضلهـا قلب الأريـب يظـل كالحيـران
وأسارع الأقوام منك لأخـذ مـا وطأته منـك الثـرى العقبـان
متبركيـن بـذاك ترأمـه لهـم شـم المعاطـس أيمـا رئمـان
ولـه ببـدر إن ذكـرت بـلاءه يـوم يشيـب ذوائـب الولـدان
كم من كمي حل عقـدة بأسـه فيـه وكـان ممنـع الأركـان
فرأى به هصرا يهـاب حنابـه كالضيغم المستبسـل الغضبـان
34
يسقي مماصعـه بكـأس منيـة شيبت بطعم الصاب والخطبـان
وله بأحـد بعدمـا فـي وجهـه شـج النبـي وكلـم الشفتــان
وانفض عنه المسلمون وأجفلـوا متطايريـن تطايـر الخيفــان
ونداؤهـم قتـل النبـي وربنـا قتل النبي فكـان غيـر معـان
ويقـول قائلهـم ألا يـا ليتنـا نلنا أمانـا مـن أبـي سفيـان
وأبو دجانة والوصـي وصيـه بالـروح أحمـد منهمـا يقيـان
فروا وما فروا هنـاك وأدبـروا وهما بحبـل اللـه معتصمـان
حتى إذا ألـوى هنالـك مثخنـا يغشـى عليـه أيمـا غشيــان
وأخو النبي مطاعن ومضـارب عنه ومنه قد وهـى العضـدان
يدعو أنا القضم القضقاضة الذي يصمي العدو إذا دنـا الرجـوان
وله إذا ذكـر الغديـر فضيلـة لم ننسهـا مـا دامـت الملـوان
قام النبـي لـه بشـرح ولايـة نزل الكتاب بهـا مـن الديـان
إذ قال بلغ ما أمرت بـه وئـق منهـم بعصمـة كالـئ حنـان
فدعا الصلاة جماعـة وأقامهـا علمـا بفضـل مقالـة وبيـان
نادى: ألست وليكم؟ قالوا: بلـى حقا فقـال فـذا الولـي الثانـي
فدعا له ولمن أجـاب بنصـره ودعا الإله علـى ذوي الخذلـان
لمن الخلافة والوزارة هل همـا إلا لــه وعليــه يتفقـــان
أو ما همـا فيمـا تلـاه إلهنـا فـي محكـم الآيـات مكتوبـان
أدلوا بحجتكـم وقولـوا قولكـم ودعوا حديـث فلانـة وفلـان
أنا والله لا أشتهي أن يقف القلم عن جريانه في هذه المحبرة، ولا أرضى إلا أن أذكر لهذا العقد درره، ولكن ما عسى أن أذكر منها وهي ألف بيت منثورة في مناقب أهل البيت.
35
توفي سنة ثلاثمائة وعشرين تقريبا فيما ذكره ياقوت في ترجمته رحمه الله تعالى.

أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الزبير المصري الغساني الأسواني

أبو الحسين، القاضي، الرشيد بن أبي الحسن بن أبي إسحاق، ثلاثة قضاة في نسق.

كان فاضلا جم الفضل ذا يد في أغلب العلوم، مصنفا، له جنان الجنان في التراجم والأنساب، وفد على الخلفاء المصريين واختص بهم، وولأه الملك الصالح النظر في ثغر الإسكندرية، وبقي منعما مدة ولتهم. فمن شعره ما كتبه لأخيه:
رحلوا فلا خلت المنـازل منهـم ونأوا فلا سلت الجوانـح عنهـم
وسروا، وقد كتموا العداة مسيرهم وضياء نور الشمس ما لا يكتـم
وتبدلوا أرض العقيق على الحمى روت جفوني أي أرض يممـوا
نزلوا العذيب وإنما في مهجتـي نزلوا وفي قلبي المتيـم خيمـوا
ما ضرهم لو ودعوا من أودعوا نار الغرام وسلموا مـن أسلمـوا
هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا أو اءيمنوا أو أنجدوا أو أتهمـوا
وهم مجال الفكر من قلبـي وإن بعد المزار فصفو عيشي معهـم
وكان أخوه المهذب الآتي ذكره كتب إليه قوله:
يا ربع أين ترى الأحبـة يممـوا هل أنجدوا من بعدنا أو اتهمـوا
رحلوا وقد لاح الصبـاح وإنمـا يسري إذا جن الظلـام الأنجـم
وتعوضت بالأنس روحي وحشة لا أوحش اللـه المنـازل منهـم
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة حسينية في أيام الفائز أوله:
مـا للريـاض تميـل سكــرا هـل سقيـت بالمـزن خمـرا
36
ومنه:
أفكربــــلاء بالعــــراق وكربـلاء بمصــر أخــرى
لم يذكر منها ياقوت إلا هذا، وقال: لما وصل إلى هذا البيت ذرفت العيون وعج القصر بالبكاء والعويل وذلك أنهم كانوا يجلسون في أيام المحرم وتقام سوق الشعر كما ذكره المقريزي في الخطط. ومن شعره قوله:
خذوا بيدي يا آل بيـت محمـد إذا زلت الأقدام في غدوة الغـد
أبى القلب إلا حبكـم وولاءكـم وما ذاك غلا من طهارة مولدي
توفي قتلا سنة خمسمائة واثنتين أو ثلاث وستين في المحبس، وذلك أنه أرسل برسالة إلى اليمن فبقي بها مدة فحسده الداعي في عدن وكتب إلى الصلاح الأيوبي أنه يريد الخلافة وأرسله إليه، فبقي محبوسا عند شاور وزير العاضد فقتله شنقا وهو يتلو القرآن لا يفتر، ودفن بمكانه ومن العجب أن شاورا لما قتل دفن معه في قبره على غير علم من الحافر بل باتفاق ثم بعد ذلك بمدة نقل كل إلى تربة له هذا بقرافة مصر وهذا بالقاهرة كما ذكره ياقوت، وسيأتي ذكر أخيه الحسن في بابه إن شاء الله تعالى. أحمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن حسن بن علي بن محمد بن سبع ابن سالم بن رفاعة الرفاعي السبعي، فخر الدين كان فاضلا متفننا في أغلب العلوم، أديبا وشاعرا حسن المنثور والمنظوم جاء من بلاد البحرين إلى العراق ثم سكن في الهند حتى مات وهو من تلامذة ابن المتوج وقرناء ابن فهد الحلي فمن شعره في المذهب قوله
37
مخمسا قصيدة الشيخ رجب البرسي المشهورة في مدح علي عليه السلام:
أعيت صفاتك أهل الرأي والنظر وأوردتهم حياض العجز والحصر
أنت الـذي ذق معنـاه لمعتبـر (يا آية الله بل يا فتنـة البشـر
يا حجة الله بل يا منتهى القدر)
عن كشف معناك ذو الفكر الدقيق وهن وفيك رب العلى أهل العقول فتن
أنى تحدك يا نور الإلـه فطـن (يا من إليه إشارات العقول ومن
فيه الألباء بين العجز والخطر)
ففي حدوثك قوم في هواك غووا إذ أبصروا منك أمرا معجزا فغلوا
حيرت أذهانهم يا ذا العلى فعلوا (هيمت أفكاري ذي الأفكار حين رووا
آيات شانك في الأيام والعصر)
أوضحت للناس أحكاما محرفـة كمـا أبنـت أحاديثـا مصحفـة
أنـت المقـدم أسلافـا وأسلفـة (يا أولا آخـرا نـورا ومعرفـة
يا ظاهرا باطنا في العين والأثر)
يا مطعم القرص للعاني الأسير وما ذاق الطعام وأمسى صائما كرما
ومرجع القرص إذ بحر الظلام طما (لك العبارة بالنطق البليـغ كمـا
لك الإشارة في الآيات والسور)
أنوار فضلك لا تطفي لهن عـدا مهما يكتمه أهـل الضلـال بـدا
تخالفت فيك أفكار الورى أبـدا (كم خاض فيك ناس فانتهوا فغدا
مغناك محتجبا عن كل مقتدر)
لولاك ما اتسقت للطهـر ملتـه كلا ولا اتضحت للناس شرعتـه
ولا انتفت عن أسير الشك شبهته (أنت الدليل لمن حارت بصيرته
في طي مشتكلات القول والعبر)
38
أدركت مرتبة ما الوهم مدركهـا وخضت من غمرات الموت مهلكها
مولاي يا مالك الدنيـا وتاركهـا (أنت السفينة من صدق تمسكهـا
نجا ومن حاد عنها خاض في الشرر)
ضربت عن تالد الدنيا وطارفها صفحا ولاحظتها في لحظ عارفها
نقدتها فطنة في نقـد صيرفهـا (أنت الغني عن الدنيا وزخرفهـا
إذ أنت سام على تقوى من البشر)
من نور فضلك ذو الأنوار مقتبس ومن علومك رب العلم يلتمـس
لولا بيانك عـاد الأمـر يلتبـس (فليس مثلك للأفكـار ملتمـس
وليس بعد تحقيق لمعتبر)
جاءت بتأميرك الآيات والصحف فالبعض قد آمنوا والبعض قد وقفوا
لولاك ما اتفقوا يوما ولا اختلفوا (تفرق الناس إلا فيك فاختلفـوا
فالبعض في جنة والبعض في سقر)
خير الخليفة قوم نهجك اتبعـت وشرها على تنقيصك اجتمعـت
وفرقة أولت جهلا لمـا سمعـت (فالناس فيك ثلاث فرقة رفعـت
وفرقة وقعت بالجهل والغدر)
جاءت بتعظيمك الآيات والسور فالبعض قد آمنوا والبعض قد كفروا
والبعض قد وقفوا جهلا وما اختبروا (وكم أشاروا وكم أبدوا وكم ستروا
والحق يظهر من باد ومستتر)
أقسمت بالله بادي خلقنـا قسمـا لولاك ما سمك الله العظيم سمـا
يا من سماه بأعلى العرش قد رسما (أسماؤك الغر مثل النيرات كمـا
صفاتك السبع كالأفلاك والأكر)
أنت العليم إذا رب العلوم جهـل إذ كل علم فشا في الناس عنك نقل
39
وأنت باب الهدى تهدي لكل مضل (وولدك الغر كالأبراج في فلـك
المعنى وأنت مثال الشمس والقمر)
عليهم محكم القـرآن قـد نـزلا مفصلا من معاني فضلهم جملا
هم الهداة فلا نبغـي بهـم بـدلا (شطر الأمانة مواج النجاة إلـى
أوج العلوم وكم في الشطر من عبر)
للطف سرك موسى فجر الحجرا وأنت صاحبه إذ صاحب الخضرا
وفيك نوح نجا والفلك فيه جرى (يا سر كل نبي جـاء مشتهـرا
وسر كل نبي غير مشتهر)
يلومني فيك ذو بغي أخو سفـه ولا يضر محقا قـول ذي شبـه
ومـن تنـزه عـن نـد وشبـه (أجل قدرك عن قـول لمشتبـه
وأنت في العين مثل العين في الصور)
وله غير ذلك من المراثي الحسينية مما ذكرها الطريحي في المنتخب وغيره في غيره. توفي في الهند سنة تسعمائة ونيف وستين رحمه الله. أحمد بن محمد بن علي الحسني البغدادي الشهير بالسيد أحمد العطار. كان فاضلا مشاركا في العلوم، ناسكا أديبا شاعرا رحل إلى النجف لطلب العلم فتتلمذ على يد السيد بحر العلوم، ولما توفي أبوه المرتضى الطباطبائي رثاه بقصيدة اشتملت على جملة من التواريخ. وله أرجوزة في الرجال ونظم منقبة لأمير المؤمنين عليه السلام ومن شعره قوله:
40
لبينكم يـا نازليـن علـى نجـد جرى مدمعي وجدا وسال على الخد
وألبسني ثوب النحـول تذكـري منازل ليلي العامريـة أو هنـد
أحن إلى الوادي الذي تسكنونـه حنين المطايا الصاديات إلى الورد
وأهفو إذا غنى على الدوح صادح يذكرني ظـل الأراكـة والرنـد
ولي مهجة ذابت غداة ترحلـت ظعونكم عني وركب الهوى نجدي
رحلتـم وخلفتـم فـؤادا متيمـا أخا زفرات لا يفيق من الوجـد
بكيت دما لمـا استقـل فريقكـم وأم به الحادي إلى ساحة البعـد
وقلت لصبري يوم بنتم: هنيئـة فلم يتلبث ساعة بعدكـم عنـدي
ولم يبق عندي غير تذكار دمنـة عفاها البلى قدما وغيرها بعـدي
أسائل كثبان النقا عن ظعونكـم عسى خبر ممن ألم بـه يبـدي
وأستخبر البرق اللموع عسى به لكم خبر يا ساكني العلـم الفـرد
أيا برق إن جزت المنازل فابلغن أهيل التقى أني مقيم على العهـد
إذا مر لي ذكر العذيـب ومائـه تذكرت في أيـام قربكـم وردي
سقى منزلا بالسفح سفح مدامعي وحيا الحيا ربعا خصيبا على نجد
وقوله من قصيدة في رثاء المرتضى:
الوجد وافـى والمسـرة انتـأت إذ قال من أرخ: (مات المرتضى)
وأعطي الفردوس مقصى عن لظى تأريخه: (نال النعيم المرتضى)
وحيث لم يلـق عذابـا أرخـوا: (جوار مولانا الحسين المرتضى)
وحيث لم يلـق أثامـا أرخـوا: (قل لك عند الله مأوى مرتضى)
فليغتبـط وليهنـه أن قـد أتـى تأريخه: (حاز من الله الرضـا)
وقوله في المذهب:
هي سامراء قـد فـاح شذاهـا وتـراءى نـور أعلـام هداهـا
41
يـا لهـا مـن بلـدة طيبــة تربها مسك وياقـوت حصاهـا
حضرة تهوى سمـاوات العلـى أنهـا تصلـح أرضـا لسماهـا
فاستلـم أعابهــا مستعبــرا باكيا مستنشقـا طيـب ثراهـا
لائـذا بالعسكرييــن التقــي ين أوفى الخلق عند اللـه جاهـا
خازني علم رسـول اللـه مـن قد أبـى فضلهمـا أن يتناهـى
فرقدي أفق العلـى بـل قمـري فلك العلياء يا شمـس ضحاهـا
عيني اللـه تعالـى لـم يـزل بهما يرعى البرايا مـذ رعاهـا
ترجمانـي وحيـه مستودعـي سره أصدق من بالصدق فاهـا
عمدي سمك العلـى مـن بهمـا قامت الأفلاك فـي أوج علاهـا
من بني فاطمـة الغـر الألـى بهـم قـد باهـل اللـه وباهـى
وإذا ما اكتحلـت عينـاك مـن رؤية الميل وقـد لـاح تجاهـا
فاخلعن نعليـك تعظيمـا وسـل خاضعا تزدد به عـزا وجاهـا
واستجـر بالقائـم الذائـد عـن حوزة الإسلام والحامي حماهـا
حجـة اللـه الـذي قـوم مـن قنوات الدين مـن بعـد التواهـا
قطب آل الله بل قطـب رحـى سائر الأكوان بل قطب سماهـا
ذو النهى رب الحجى كهف الورى بدر أفلاك العلى شمـس هداهـا
عصمة الدين ملـاذ الشيعـة ال غر منجى هلكهـا فلـك نجاهـا
منقذ الفرق مـن أيـدي العـدى مطلق الأمة مـن أسـر عناهـا
مدرك الأوتار ساقـي واتـري عترة المختار كاسـات رداهـا
يا ولي الله هـل مـن رجعـة تشرق الأرض بأنـوار سناهـا
ويعـود الديـن دينـا واحــدا لا يرى فيه التباسـا واشتباهـا
ليت شعـري أو لـم يـأن لمـا نحن فيه من أسـى أن يتناهـى
42
ثم أخذ في رثاء الحسين عليه السلام بها وهي طويلة وله غير ذلك. توفي سنة ألف ومائتين وخمس عشر، وقد رثاه محمد رضا الأزري بقصيدة أوله:
مصاب تكاد الشـم منـه تميـد وتخبو له زهر النجـوم وتخمـد
يقول في آخره:
ولما نحا دار المقامـة أرخـوا: (له مقعد في محفل الخلد أحمد)
أبو بكر أحمد بن محمد الصنوبري الحلي الأنطاكي. كان فاضلا باهرا وأديبا شاعرا. قدم العراق ومدح بها الأمراء وله مع المرعي مطارحات، فمن شعره قوله من قصيدة:
ما أخطأت نوناته مـن صدغـه شيئـا ولا ألفاتـه مـن قــده
فكأنمـا أقلامـه مـن شعــره وكأنمـا قرطاسـه مـن خـده
وقوله:
ولم أنس ما عاينته مـن جمالـه وقد زرت في بعض الليالي مصلاه
ويقرأ في المحراب والناس خلفه (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله)
فقلت تأمـل مـا تقـول فإنـه فعالك يا من تقتل الناس عينـاه
وقوله في محمد بن سليمان عم أبي العلاء المعري، القاضي بحمص من أبيات:
بأبـي يــا بــن سليمــان لقـــد ســـدت تنوخـــا
وهــم الســـادة شبانـــا لعمــــري وشيوخــــا
أدرك البغيــــة مــــن أضحــى بناديــك منيخــا
واجـدا منـك متـى استصـر خ المجــــد صريخــــا
فـي زمـان غـادر الهمــات فــي النـــاس مسوخـــا
43
ومن شعره في المذهب قوله:
يـا خيـر مـن لبـس النبـوة مــن جميـــع الأنبيـــاء
وجـدي علـى سبطيـك وجـد ليــس يــؤذن بانقضـــاء
هــذا قتيـــل الأشقيـــاء وذا قتيـــل الأدعيــــاء
يـوم الحسيـن تركـت بــاب العــز مهجــور الفنـــاء
يـا كربـلاء خلقــت مــن كـرب علـي ومــن بــلاء
كم فيـك مـن وجـد تشـرب مـــاؤه مـــاء البهـــاء
نفســي فــداء المصطلــي نـار الوغــا أي اصطــلاء
حيـن الأسنـة فـي الجواشـن كالكواكــب فــي السمــاء
فاختـار درع الصبـر حيــث الصبـر مـن لبـس السنــاء
وأبــى إبــاء الأســـد إن الأســد صادقــة الإبـــاء
وقضـى كريمــا إذ قضــى ظمـآن فـي نفــر ظمــاء
منعــوه طعــم المـــاء لا وجـدوا لمـاء طعــم مــاء
مـن للطريـح الشلـو عريانـا علــى وجـــه العـــراء
مــن للمحنــط بالتـــراب وللمغســــل بالدمــــاء
مــن للقطيـــع الـــرأس يهـوي فـي حرائـر كالإمـاء
وقوله:
هل أضاخ كما عهدنـا أضاخـا حبـذا ذلـك المنـاخ مناخــا
يقول فيه:
ذكـر الحسيـن بألطـف أودى بصماخي فلم يدع لـي صماخـا
منعـوه مـاء الفـرات وظلـوا يتعاطونــه زلــالا نقاخــا
بأبـي عتـرة النبـي وأمــي سـد عنهـم معانـد أصماخـا
44
خير ذي الخلق صبيـة وشبابـا وكهـولا وخيرهــم أشياخــا
أخذوا صدر مفخر العز مذ كانوا وخلـوا للعالميــن المخاخــا
النقيـون حيـث كانـوا جيوبـا حيث لا تأمن الجيـوب اتساخـا
يألفون الطوى إذا ألـف النـاس اشتـواء مـن فيئهـم واطباخـا
خلقـوا أسخيـاء لا متساخيـن وليس السخـي مـن يتساخـى
أهل فضل تناسخوا الفضل شيبا وشبابا أكـرم بـذاك انتساخـا
بهواهم يزهو ويشمخ من قد كان في الناس زاهيا شماخا
يا بن بنت النبي أكرم بـه إبنـا وبأسنــاخ جــده أسناخــا
وابن مـن وازر النبـي ووالـاه وصاخاه فـي الغديـر وواخـى
وابن من كانت للكريهـة ركابـا وفـي وجـه هولهـا رساخـا
للطلى تحت قسطل الحرب ضرابا وللهـام فـي الوغـى شداخـا
ذو الدماء التـي يطـل مواليـه اختضابـا بطيبهـا والتطاخــا
ما عليكم أنـاخ كلكلـه الدهـر ولكـن علـى الأنـام أناخــا
وهي طويلة، وله غير ذلك على أكثر الحروف

ترجمه الكتبي ولم يستوفه

توفي سنة ثلاثمائة وأربع وثلاثين بحلب.

وذكره ابن النديم وقال: جمع ديوانه الصولي في مقدار مائتي ورقة.

أحمد بن منصور بن علي القطيفي القطان البغدادي

كان أديبا شاعرا، دخل بغداد ومدح الأمراء وسكنها حتى جاءه أجله.

فمن شعره قوله في قصيدة حسينية رواها عنه أحمد بن علي بن عامر الفقيه:
يـا أيهـا المنــزل المحيــل غاثـك مسخنفــر هطــول
أودى عليـك الزمــان لمــا شجـاك مـن أهلـك الرحيـل
45
لا تغتـرر بالزمـان واعلــم أن يــد الدهــر تستطيــل
فــإن آجالنـــا قصـــار وفيــه آمالنـــا تطـــول
لا صاحـب منصـف فأسلــو بــه ولا حافــظ وصــول
يـا قـوم مـا بالنـا جفينــا فــلا كتــاب ولا رســول
لو وجدوا بعـض مـا وجدنـا لكاتبونــا ولــم يحولـــوا
يـا قاتلـي بالصـدود رفقــا بمهجــة شفهــا غليـــل
قلبـي قريــح بــه كلــوم آفتــه طرفــك الجميـــل
أنحـل جسمـي هـواك حتـى كأنــه خصــرك النحيــل
غصن من البان حيـث مالـت ريـح الخزامـى بـه يميــل
يسطـو علينـا بغنـج لحــظ كأنــه مرهــف صقيـــل
كمـا سطـت بالحسيـن قـوم أراذل مــا لهــم أصــول
يا أهـل كوفـان لـم غدرتـم بــه وأنتــم لــه نكــول
أنتـم كتبتــم إليــه كتبــا وفــي طوياتــه دخـــول
قتلتمــوه بهـــا فريـــدا يـا بأبـي المفــرد القتيــل
ما عذركـم فـي غـد إذا مـا قامـت لـدى جـده الذحــول
أنا ابـن منصـور لـي لسـان علـى ذوي النصـب يستطيـل
ما الرفض دينـي ولا اعتقـادي لكننــي عنــه لا أحـــول
وهي طويلة تركت أكثرها. وكان القطيفي من الرافضية، ولكنه تستر بالتقية ثم خرق ذلك الستر المسدول بقوله: (لكنني عنه لا أحول) توفي في حدود الأربعمائة والثمانين ببغداد ودفن بمقابر قريش رحمه الله تعالى. أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح مهذب الدين أبو
46
الحسين الطرابلسي الشامي كان فاضلا مشاركا، أديبا شاعرا ترجمه غير واحد، وهو صاحب التترية التي نسجها على منوال الخالدية. فمن شعره قوله:
وإذا الكريم رأى الخمول نزيلـه في منزل فالحـزم أن يترجـلا
كالبدر لمـا أن تضـاءل نـوره طلب الكمـال فحـازه متنقـلا
سفها لرأيك إن رضيت بمشرب رنق ورزق الله قد مـلأ المـلا
ساهمت عيسك مر عيشك قاعدا أفلا فليت بهـن ناصيـة الفـلا
وهي طويلة. ومن شعره في المذاهب قوله في مهدوية:
أترى أراك وأنت في دست العلى كالبـدر فـي هالاتـه المتهللـة
فهناك انشر من مدائحـك التـي شهدت بها سور القرآن مرتلـه
وأجيل عيني في علـاك ناظـرا فأخيط منه على الثنا ما فصلـه
يا بن النبي وتلك أشرف رتبـة كانت من الله المهيمـن منزلـه
أن المدائح في ثنـاك وإن أتـت غاياتهـا وقفـا أراهـا مجملـة
وله شعر كثير في الأئمة ولم أقف منه إلا على هذا المقدار ومن ذلك هجاه بعضهم بقوله:
يـا بـن منيـر هجـوت منـي حبـرا أفـاد الـورى صوابـه
ولـم تضيـق بـذاك صـدري فـإن لـي أسـوة الصحابــة
توفي سنة خمسمائة وثمانية وأربعين رحمه الله تعالى. أحمد بن يوسف السليكي المنازي أبو نصر
47
كان فاضلا منشئا كاتبا أديبا شاعرا، وزر لأبي نصر أحمد بن مروان الكردي صاحب ميافارقين وديار بكر، وكان جماعة للكتب ووقفها بعده. فمن شرعه المشهور قوله:
وقانـا نفحـة الرمضــاء واد سقاه مضاعف الغيـث العميـم
نزلنـا روضـه فحنـا علينـا حنو المرضعات علـى الفطيـم
وأرشفنـا علـى ظمـأ مـرارا ألـذ مـن المدامــة للنديــم
يراعـي الشمـس أنـى قابلتنـا فيحجبهـا ويــؤذن للنسيــم
تروع حصاه حاليـة العـذارى فتلمـس جانـب العقـد النظيـم
وقرأ هذه الأبيات على أبي العلاء المعري فقال له: أنت أشعر من في الشام، وقرأ عليه في بغداد قوله:
لقد عرض الحمـام لنـا بسلـع إذا ما هبـت الـأرواح صاحـا
شجا قلب الخلي فقـال: غنـي وبرح بالشجـي فقـال: ناحـا
فقال له ومن بالعراف، وشكا إليه المعري الناس وقال له: ما لهم وما تركت لهم دنياهم أفلا يكتفون مني لهذا؟ فقال له: ودينهم أيضاً فسكت ولم يكمله ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة:
علقـت نفسـي وقـد عقلــت علــى المرتضــى سببــا
خير من صلـى وصـام ومـن مسـح الأركــان والحجبــا
ووصـي المصطفـى وأخــاه دون ذي القربـى وإن قربــا
وأميــر المؤمنيــن بـــه نؤثــر الأخبــار والكتبــا
زانـه الرحمـن فـي رتــب لـم تجــد أمثالهــا رتبــا
وذكر له في المناقب غير ذلك، وترجمه غير واحد من المترجمين. توفي سنة أربعمائة وسبع وثلاثين، رحمه الله تعالى.
48

أسامة بن مرشد بن علي بن المقلد بن نصر الكناني الكلبي الشيزري أبو المظفر، مؤيد الدولة.

كان جم الفضل، حسن التصنيف، من بيت تشيع أمراء، وكان أميرا في مصر إلى آخر أيام الملك الصالح، فنزل في دمشق وبقي فيها مكرما، وكان أديبا شاعرا وله ديوان فمن شعره قوله:
لا تستعر جلدا علـى هجرانهـم فقواك تضعف من صدود دائـم
واعلم بأنك إن رجعـت إليهـم طوعا وإلا عدت عـودة راغـم
وقوله:
شكا ألم الفـراق النـاس قبلـي وروع بالنـوى حـي وميــت
وأما مثل ما ضمـت ضلوعـي فإني مـا سمعـت ولا رأيـت
ومن شعره في المذهب قوله:
يــا حجــج اللــه التــي لا تستطــــاع تجحــــد
أنتـــم لنـــا لبانــــة فــي قصدنــا ومقصـــد
وعنكــــم لا صــــدر ودونكــــم لا مــــورد
أمكـــــم فاطمــــــة وجدكـــــم محمـــــد
وحيـــــدر أبوكـــــم طبتــم وطــاب المولـــد
وله في المناقب غير ذلك.

ترجمه العماد وابن خلكان وغيرهما.

ولد يوم الأحد السابع والعشرين من جمادى الأخرى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وتوفي ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة أربع وثمانين وخمسمائة بدمشق ودفن في سفح جبل قاسيون، وتوفي أبوه سنة إحدى وثلاثين.
49

أسلم بن مهوز، أبو الغوث الطهوي المنبجي

كان شاعرا محبا لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكان صاحب البحتري وكان البحتري يمدح الملوك من الناس، وأبو الغوث يمدح الأملاك من آل محمد عليهم السلام، وكان البحتري ينشد شعره، فمنه قوله وقد قدم سامراء يمدح العسكري عليه السلام:
ولهت إلى رؤياكم وله الصـادي يذاد عن الورد الـروي بـذواد
محلى عن الورد اللذيذ مساغـه إذا طـاف وراد بـه بعـد وراد
يقول فيه:
فأعملت فيكم كل هوجاء جسـرة ذمول السرى تقتاد في كل مقتاد
أجوب بها بيد الفلا وتجوب بـي إليك وما لي غير ذكراك من زاد
فلما تراءت سر من رآ تجشمت إليك تعوم الماء في مفعم الوادي
فآدت إلي تشتكي ألـم السـرى فقلت اقصري فالعزم ليس بمنآد
إذا ما بلغت الصادقين بني الرضا فحسبك من هاد يشير إلى هادي
مقاويل إن قالوا بها ليل إن دعوا وفـاة لميعـاد كفـاة لمرتــاد
إذا أوعدوا أعفوا وإن وعدوا وفوا فهل أهل فضل غير وعد وإيعاد
كرام إذا ما أنفقوا المال أنفـدوا وليـس لعلـم أنفقـوه بإنفــاد
ينابيع علم اللـه أطـواد دينـه فهل من نفاد إن علمت لأطـواد
نجوم متى نجم خبـا مثلـه بـدا فصلى على الخابي المهيمن والبادي
عباد لمولاهـم موالـي عبـاده شهود عليكم يوم حشر وإشهـاد
هم حجج الله اثنتي عشـر متـى عددت فثاني عشرهم خلف الهادي
بميلاده الأنباء جـاءت بشيـرة فأعظـم بمولـود وأرك بميلـاد
وهي طويلة ذكرها ابن عياش في المقتضب
50
توفي قبل البحتري في سنة مائتين وأربع وخمسين تقريبا، والله أعلم رحمه الله.

إسماعيل بن الحسن العودي العاملي، المعروف بشهاب الدين بن شرف الدين:

كان فاضلا متضلعا من العلم والفضل الجم، وكان أديبا شاعرا، خل العراق وزار المشاهد، حضر على علماء الحلة ثم رجع إلى بلاده (جزين)، وله نظم الياقوت، أرجوزة نظم بها الياقوت لابن نوبخت في علم الكلام، ولم أقف على شعر له غير ما أورده ابن شهرآشوب في المناقب، وكان له معاصرا، وهو قوله من قصيدة علوية:
أما قال إن اليوم أكملـت دينكـم وأتممت بالنعماء منـي عليكـم
وقال أطيعوا اللـه ثـم رسولـه تفوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم
وقام رسول الله في خـم قائـلا وكـل لـه مصـغ فـلا يتكلـم
علـي وصيـي فاتبعـوه فإنـه وليكم بعـدي إذا غبـت عنكـم
من ذا يساميه بمجد ولـم يـزل يقول سلوني ما يحـل ويحـرم
سلوني ففي جنبي علـم ورثتـه عن المصطفى ما فاه مني به الفم
سلوني عن طرق السموات إنني من سلوك الطرق في الأرض أعلم
فلو كشف الله الغطا لم أزد بـه يقينا على ما كنت أدري وأفهـم
وابن كزوج الطهر فاطمة أبـو الشهيدين أبناء الرسول وهم هـم
هم باهلوا نجران من داخل العبا فعاد المبادي عنهم وهـو مفحـم
وأقبل جبريـل يقـول مفاخـرا لميكال من مثلي وقد صرت منهم
فمن مثلي في العالمين وقد غـدا لهم سيد الأملاك جبريل يخـدم
وهي طويلة منشورة في المناقب وله غيرها.
51
توفي في الجبل سنة خمسمائة وثمانين تقريبا، وله ذرية فضلاء بقوا إلى الألف في الجبل.

إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد بن أحمد بن إدريس الطالقاني الوزير، أبو القاسم الصاحب كافي الكفاة:

كان نادرة العصر، وأعجوبة الدهر، وباكورة النظم والنثر، عالما فاضلا، متكلما لغويا مشاركا في أغلب الفنون، مصنفا في جملتها له النثر الحر، والشعر الرقيق، فمن شعره قوله:
رق الزجـاج وراقـت الخمـر فتشابهـا وتشاكــل الأمــر
فكأنمــا خمــر ولا قــدح فكأنمــا قــدح ولا خمــر
وله في مدح علي بن أبي طالب سبع وعشرون قصيدة، كل قصيدة أخلى منها حرفا من الحروف وبقيت عليه خالية الواو فأكملها سبطه وجعلها في مدحه هذا، غير ما لديه فيه عليه السلام وفي أولاده من الشعر الكثير، ومن شعره قوله فيه:
حب علـي بـن أبـي طالـب أحلى من الشهد إلـى الشـارب
لو فتشـوا قلبـي رأوا وسطـه سطران قد خطـا بـلا كاتـب
العـدل والتوحيـد فـي جانـب وحب أهل البيـت فـي جانـب
وله في الرضا عليه السلام قصيدتان الأولى قوله:
يا سائـرا زائـرا إلـى طـوس مشهـد طهـر وأرض تقديـس
أبلغ سلامي الرضا وحط علـى أكرم رمـس لخيـر مرمـوس
واللـه واللـهِ حلفـة صدقـت من مخلص في الولاء مغمـوس
إنـي لـو كنـت مالكـا إربـي كان بطـوس الغنـاء تعريسـي
52
وكنت أمضي العزيـم مرتحـلا متسفـا فيـه قــوة العيــس
لمشهـد بالزكــاء ملتحــف وبالثنــا والسنــا مأنــوس
يا سيدي وابن سـادة ضحكـت وجوه دهري من بعـد تعبيـس
لما رأيت النواصـب انتكسـت راياتهـا فـي ضمـان تنكيـس
صدعت بالحـق فـي ولائكـم والحق قد كان غيـر منحـوس
يا ابن النبـي الـذي بـه قمـع الله ظهـور الجبابـر الشـوس
وابن الوصي الذي تقدم في الفض ل علـى البــزل القناعيــس
وحائـز الفخـر فيـر منتقـص ولابـس الفخـر غيـر تلبيـس
إن بني النصب كاليهـود وقـد يخلـط تهويدهــم بتمجيــس
عالمهــم عندمــا أباحثــه في جلد ثور أو مسك جامـوس
إذا تأملــت شــؤم جبهتــه وجدت فيهـا اشتـراك إبليـس
لـم يعلمـوا والـأذان يرفعكـم صـوت أذان أم قـرع ناقـوس
أنتـم حبـال اليقيـن أعلقهــا ما وصل العمر حبـل تنفيـس
كـم فرقـة فيكــم تكفرنــي ذللــت هاماتهــا بفطيــس
قمعتهـا بالحجـاج فانخذلــت تجفـل عنـي بطيـر منحـوس
إن ابـن عبـاد استجـار بكـم فما يخاف الليوث فـي الخيـس
في أبيات:
يـا زائــرا قــد نهضــا مبتــــدرا أو ركضــــا
وقــد مضــى كأنـــه ال بــرق إذا مــا أومضـــا
أبلــغ سلامـــي زاكيـــا بطــوس مولــاي الرضــا
سبــط النبــي المصطفــى وابـن الوصــي المرتضــى
مـن شــاد عــزا أقعســا وشــاد فخــرا أبيضـــا
53
وقـل لــه مــن مخلــص يــرى الــولا مفترضـــا
فـي الصـدر لفــح حرقــة تتــرك نفســي حرضـــا
مــن ناصبيــن غــادروا قلــب الموالــي ممرضــا
صرحـت عنهــم معرصــا ولــم أكـــن معرضـــا
نابذتهـــم ولـــم أبـــل إن قيــل قــد ترفضـــا
يـا حبـذا رفضــي لمــن نابذكــــم وأبغضـــــا
فلــو قـــدرت زرتكـــم ولـو علـى جمــر الغضــا
لكننـــــي معتقـــــل بقيــد خطــب عرضـــا
جعلــت مدحــي بـــدلا مــن قصــده وعوضـــا
أمانـــــة مـــــوردة علــى الرضــا لترتضــى
رام ابــن عبـــاد بهـــا شفاعــــة لترحضــــا
وقد ذكرهما الشيخ الصدوق في العيون من أخبار الرضا عليه السلام التي صنفها له ومحاسنه تحتمل المجلدات.

ولد لأربع عشر ليلة خلت من ذي القعدة سنة ست وعشرين وثلاثمائة.

وتوفي ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة بالري ونقل إلى أصفهان، وكما مدحه جلة الشعراء في حياته، ورثوه بعد مماته، فمنهم الشري الرضي بقصيدة أوله:
أكذا المنـون تقطـر الأبطـالا أكذا الزمان يضعضع الأجبـالا
يا طالب المعروف حلق نجمـه حط الحمول وعطـل الأجمـالا
وأقم على بأس فقد ذهب الـذي كان الأنام علـى نـداه عيـالا
وهي طويلة ومن محاسن المراثي، مذكورة في ديوان السيد الرضي رحمه الله.

ومن أراد الإحاطة بما للصاحب من البدائع فلينظر إلى اليتيمة وغيرها.
54

إسماعيل بن محمد بن زيد بن ربيعة المعروف بالسيد الحميري، أبو هاشم:

كان فاضلا ذا رواية كيسانياً ثم استقام بدعوة جعفر بن محمد عليه السلام، وكان محترما عند المنصور فمن دونه.

قال المرتضى في الفصول المختارة من العيون والمحاسن: شهد السيد عند سوار القاضي، فقال له: أنت رافضي، فأنشده وقام عنه:
أبوك ابن سـارق عنـز النبـي وأنـت ابـن أم أبـي جحـدر
ونحن على رغمك الرافضـون لأهـل الضلالــة والمنكــر
ثم شكاه إلى المنصور فأصلح بينهما في خبر به طول.

وكان من المكثرين في مدح أمير المؤمنين عليه السلام حتى أن ابن المعتز قال: رأيت حمالا في بغداد يحمل جهده إضبارات، فسئل عنها فقال: ميميات السيد في مدح أمير المؤمنين عليه السلام.

وحتى أنه وقف في كناسة الكوفة على فرس وبيده سيف فقال: من روى لي منقبة في علي لم أكن نظمتها فله فرسي وسيفي، فتقدم إليه الناس يحدثونه وينشدهم إلى أن قام رجل فروي عن أبي الرحل المرادي: أنه قدم أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة فتطهر للصلاة فنزع خفه فانساب فيه أفعى، فلما دعا به ليلبسه انقض غراب فحلق به وألقاه، فخرجت الحية منه، فأعطاه السيد وعده وقال في ذلك:
ألا يـا قـوم للعجـب العجـاب لنعل أبـي الحسيـن وللحبـاب
عدو مـن عـداة الجـن عبـد بعيد في المـروة مـن صـواب
كريه اللون أسـود ذو بصيـص حديـد النـار أزرق ذو لعـاب
أتـى خفـا لـه فانسـاب فيـه لينهـش رجلـه منـه بنــاب
55
فطار بـه فحلـق ثـم أهـوى به للأرض مـن دون السحـاب
فصـك بخفـه فانسـاب منـه وولى هاربـا حـذر الحصـاب
فدوفع عن أبـي حسـن علـي نقيـع سمامـه بعـد انسيــاب
ثم تجاذب الشعراء هذا، فقال الناشئ من قصيدته: (بآل محمد عرف الصواب):
ومن في خفه طـرح الأعـادي حبابـا كـي يلبسـه الحبــاب
فحين أراد لبس الخـف وافـى يمانعـه مـن الخـف الغـراب
فطـار بـه وأوقعـه وفيــه حباب في الصعيد لـه انسيـاب
وقال ابن علوية في المحبرة التي قدمت بعضه:
وكقصة الأفعى التي فـي خفـه كمنت ومنها يصـرف النابـان
رقشاء تنفث بالسمـوم ضئيلـة صمـاء عاديـة لهـا قرنــان
لمـا تيمـم لبسـه ألـوى بـه في الجو منقض مـن الغربـان
حتى إذا ارتفعت به وتصعـدت أهـوى كمثـل مكائـد حـران
فهوى هوي الريح بين فروجـه متقطعا غلقـا علـى الصـوان
وقال الشريف الرضي من قصيدة:
أما في بـاب خيبـر معجـزات تصـدق أو مناجـات الحبـاب
أرادت كيـده واللــه يأبــى فجاء النصر من قبـل الغـراب
فطار بـه فحلـق ثـم أهـوى بصك الأرض من بعد السحـاب
ومن شعر السيد العينية التي شكره ودعا له أبو عبد الله وغيره من الأئمة عليهم السلام وهي مشروحة، والمذهبة التي شرحها الشريف المرتضى رضي الله عنه وهي:
هلا مررت على المكان المعشب بين الطويلع فاللوى من كوكـب
فنجاد توضع فالنضائد فالشظـا فرياض سنحة فالنقا من جودب
56
طال الثواء على منازل أقفـرت من بعد هند والربـاب وزينـب
أدم حللـن بهـا وهـن أوانـس كالعين ترعى في مسالك اهضب
يضحكن من طرب بهن تبسمـا عن كل أبيض ذي غروب أشنب
حور مدامعهـا كـأن ثغورهـا وهناً صوافي لؤلـؤ لـم تثقـب
أنس حللن بها نواعـم كالدمـى من بين محصنة وبكر خرعـب
لعساء واضحة الجبيـن أسيلـة وعث المـؤزر جثلـة المتنقـب
كنا وهن بنضـرة وغضاضـة في خفض عيش راغد مستعذب
أيام لي في بطن طيبـة منـزل عن ريب دهـر خائـن متقلـب
فهوى وصار إلى البلا بعد البنـا وأزال ذلك صرف دهـر قلـب
ولقد حلفت وقلت قولا صادقـا تاللـه لـم آثـم ولـم أتريـب
لمعاشر غلـب الشقـاء عليهـم وهـوى أمالهـم لأمـر متعـب
من حمير أهل الشجاعة والنـدى وقريش الغـر الكـرام وتغلـب
أين التطرب بالـولاء وبالهـوى أإلى الكواذب من بـروق خلـب
أإلى أمية أم إلـى الشيـع التـي جاءت على الجمل الحدبّ الشوقب
تهوى من البلد الحـرام فنبهـت بعد الهدو كلاب أهـل الحـوأب
يحدو الزبير بها وطلحة عسكرا يا للرجـال لـرأي أم مشجـب
ذئبان قادهمـا الشقـا، وقادهـا للحين فاقتحما بها فـي منشـب
في روضة لحجا بهـا فتحملـت منها على قتـب بإثـم محقـب
أم تـدبّ إلـى ابنهـا ووليهـا بالمؤذيات لـه دبيـب العقـرب
أما الزبير فحاص حين بدت لـه جأواء برق بالحديـد الأشهـب
حتى إذا أمن الحتوف وسما لـه عار بأسمر من رماح الشرعـب
أثوى ابن جرموز عمير شلـوه بالقاع منجـدلا كشلـو التولـب
57
وأعتر طلحة عند مختلف القنـا عبل الذراع شديد أصل المنكـب
فاختـل حبـة قلبـه بمذلــق ريان من دم جوفـه المتصبـب
والمارقون من الجماعة فارقـوا باب الهدى وحيا الربيع المخصب
خير البرية بعد أحمد مـن لـه مني الهوى وإلى بنيـه تطربـي
أمسي وأصبح معصما مني لـه بهوى وحبل ولاية لـم يقضـب
ومودة خلص الـولاء لـه بهـا مني وشاهد نصره لـم يعـزب
ردت عليه الشمـس لمـا فاتـه وقت الصلاة وقد دنت للمغـرب
حتى تبلج نورهـا فـي وقتهـا للعصر ثم هوت هوي الكوكـب
وعليه قد حبسـت ببابـل مـرة أخرى وما ردت لخلق معـرب
إلا ليوشـع أو لـه مـن بعـده ولردهـا تأويـل أمـر معجـب
ولقد سرى فيمـا يسيـر بليلـة بعد العشاء بكربلا فـي موكـب
حتى أتـى متبتـلا فـي قائـم ألقـى قواعـده بقـاع مجـدب
بانيه ليس بحيث يلقـى عامـرا غير الوحوش وغير أصلع أشيب
في مدمـج زلـج أشـم كأنـه حلقوم أبيض ضيق مستصعـب
فدنا فصاح به فأشـرف ماثـلا كالنسر فوق شظية من مرقـب
هل قرب قائمـك الـذي بوأتـه ماء يصب فقال ما من مشـرب
إلا بغاية فرسخيـن ومـن لنـا بالماء بين نقـا وقـيّ سبسـب
فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلـى ملساء تبرق كاللجيـن المذهـب
قـال اقلبوهـا إنكـم إن تقلبـوا ترووا ولا تروون إن لم تقلـب
فاعصوصبوا في قلبها فتمنعـت منهم تمنع صعبـة لـم تركـب
حتـى إذا أعيتهـم أهـوى لهـا كفا متى تـرد المغالـب تغلـب
فكأنهـا كـرة بكـف حـزور عبل الذراع رحابها في ملعـب
58
قال اشربوا من تحتها متسلسـلا عذبا يريد على الألـذ الأعـذب
حتى إذا شربوا جميعـا ردهـا ومضى فخلت مكانها لم يقـرب
أعني ابن فاطمة الوصي ومن يقل في فضله وفعالـه لـم يكـذب
ليست ببالغة عشيرُ عشيـر مـا قد كان أعطـاه مقالـة مطنـب
صهر النبي وجاره فـي مسجـد طهر بطيبـة للرسـول مطيـب
سيان فيـه عليـه غيـر مذمـم ممشاه إن جنبا وإن لـم يجنـب
وسرى بمكة حين بـات مبيتـه ومضى بروعة خائف مترقـب
خير البرية هاربا مـن شرهـا بالليل مكتتماً ولـم يستصحـب
باتوا يرون على الفراش ملفعـا ويرون أن محمـدا لـم يذهـب
حتى إذا طلـع الشميـط كأنـه في الليل صفحة خد أدهم مغرب
ثاروا لأخذ أخي الفراش فصادفت غير الذي طلبت أكـف الخيـب
فوقاه بـادرة الحتـوف بنفسـه حذرا عليه من العـدو المجلـب
حتى تغيب عنهـم فـي مدخـل صلى الإله عليـه مـن متغيـب
وجزاه خير جزاء مرسـل أمـة أدى رسالتـه ولــم يتهيــب
قالوا اطلبوه فوجهوا من راكـب في مبتغاه وطالـب لـم يركـب
حتى إذا قصدوا لبـاب مغـاره وجدوا عليه نسيج غزل العنكب
صنع الإله لـه فقـال زعيمهـم ما في المغار لطالب من مطلـب
ميلوا وصدهم المليك ومن يـرد عنه الدفـاع مليكـه لا يعطـب
حتى إذا أمن العيون رمـت بـه خوص الركاب إلى مدينة يثرب
فاحتل دار كرامة فـي معشـر آووه في سعة المحل الأرحـب
ولـه بخيـر إذ دعـاه لرايــة ردت عليه هناك أكـرم منقـب
إذ جاء حاملهـا فأقبـل متعبـا يهوي بها العدوي أو كالمتعـب
59
يهوي بها وفتى اليهـود يشلـه كالثور ولى من لواحـق أقـرب
غضب النبي لهـا فأنبـه بهـا ودعا أخا ثقـة لكهـل منجـب
رجلا كلا طرفيه من سام ومـا حـام لـه بـأب ولا بأبـي أب
من لا يفر ولا يرى فـي نجـدة إلا وصارمه خضيب المضـرب
فمشى بها قبل اليهـود مصممـا يرجو الشهادة لا كمشي الأنكـب
تهتز في يمنى يـدي متعـرض للموت أروع في الكريهة محرب
في فيلق فيـه السوابـغ والقنـا والبيض تلمع كالحريق الملهـب
والمشرقيـة بالأكـف كأنهــا لمع البروق بعـارض متحلـب
وذوو البصائر فوق كل مقلـص ضد المراكل ذي سبيب سلهـب
حتى إذا دنـت الأسنـة منهـم ورموا فنالهـم سهـام المقنـب
شدوا عليـه ليرجلـوه فردهـم عنه بأسمـر مستقيـم الثعلـب
ومضى فأقبل مرحـب متذمـرا بالسيف يخطر كالهزبر المغضب
فتخالسا مهـج النفـوس فأقلعـا عن جري أحمر سائل من مرحب
فهوى بمختلـف القنـا متجـدلا ودم الجبيـن بخـده المتتــرب
أجلى غوارسه وأجلـى رجلـه عن مقعص بدمائـه متخضـب
فكـأن زوره العواكـف حولـه من بين خامعة ونسـر أهـدب
شعث لعاطفـة دعـوا لوليمـة أو يأسرون تخالسوا في منهـب
فاسأل فإنك سوف تخبر عنهـم وعن ابن فاطمة الأغر الأغلـب
وعن ابن عبد الله عمـرو قبلـه وعن الوليد وعن أبيه الصقعـب
وبني قريضة يوم فرق جمعهـم من هاربين وما لهم من مهـرب
وموائليـن إلــى أزل ممنــع راسي القواعد مشمخر حوشـب
رد الخيـول عليهـم فتخضبـوا من بعد أرعن جحفل متحـزب
60
إن الضباع متـى تحـس بنبـأة من صوت أشوس تقشعر وتهرب
فدعوا ليمضي حكم أحمد فيهـم حكم العزيز على الذليل المذنـب
فرضوا بآخر كان أقرب منهـم دارا فمتـوا بالجـوار الأقـرب
قالوا الجوار من الكريم بمنـزل يجري لديـه كنسبـة المتنسـب
فقضى بما رضي الإله لهم بـه بالحرب والقتل الملح المخـرب
قتل الكهول وكل أمـرد منهـم وسبى عقائـل بدنـا كالربـرب
وقضى عقارهم لكـل مهاجـر دون الألى نصروا ولـم يتهيـب
وبخـم إذا قـال الإلـه بعزمـة قم يا محمد بالولايـة فاخطـب
جعـل الولايـة بعـده لمهـذب ما كان ليجعلهـا لغيـر مهـذب
وله مناقب لا ترام متـى يـرد ساع تنـاول بعضهـا بتذبـذب
إنـا نديـن بحـب آل محمــد دينا ومـن يحببهـم يستوجـب
منا المودة والولاء ومـن يـرد بدلا لـآل محمـد لـم يحبـب
ومتى يمت يرد الجحيم ولا يـرد حوض الرسول وإن يرده يضرب
ضرب المحاذر أن يعر ركابـه بالسوط سالفة البعيـر الأجـرب
وكأن قلبي حين يذكـر أحمـدا ووصي أحمد نيط من ذي مخلب
يذر القوادم من جنـاح مصعـد في الجو أو يذري جناح مصوب
هبة ومـا يهـب الإلـه لعبـده يزدد ومهما لم يهـب لا يوهـب
يمحو ويثبت ما يشـاء وعنـده علم الكتاب وعلم ما لـم يكتـب
توفي سنة ثلاث أو تسع وسبعين ومائة في بغداد، فأرسلت إليه الشيعة بسبعين كفنا فأبى الخليفة العباسي أن يكون كفنه إلا من ماله، وصلى ولده عليه ودفنه، وذكرت الرواة فيه أخبارا كثيرة عن الأئمة الأطهار في سعادة منقلبه رحمه الله.

أشجع بن عمرو السلمي، من أولاد الشريد بن

61

مطرود السلمي الشهير:

كان شاعرا مفلقا، نشأ بالبصرة وقال الشعر فأجاده حتى عد من الفحول، ومدح البرامكة فأجازوه وأوصلوه إلى الرشيد فأعجب به.

قال أشجع: شخصت؟ إلى الرقة فوجدت الرشيد غازيا فنالتني خلة، فخرجت فلقيته منصرفا من الغزو فأنا ببابه ثامن سبعة من الشعراء، إذ صاح صائح يوم الجمعة بنا فأدخلنا مرتبين على الأسنان، وكنت أحدث القوم سنا، فلما بلغ إلي حتى كان الصلاة أن تجب، فابتدأت من مديح قصيدة فضحك، وقال: خفت أن تفوت الصلاة ولم أستمع المديح، أنشدها من أولها، فأنشدته: فأمر لكل واحد من الشعراء بعشرة آلاف ولي بضعفها ومن شعره قوله:
ولقد طعنت الليل فـي إعجـازه بالكأس بين غطـارف كالأنجـم
يتمايلون علـى النعيـم كأنهـم قضب مـن الهنـدي لـم تتثلـم
وسعى بها الظبي الغرير يزيدها طيبا ويغشمهـا إذا لـم تغشـم
فـإذا أدارتهـا الأكـف رأيتهـا تثني الفصيح إلى اللسان الأعجم
وعلى بنـان مديرهـا عقيانـه من كسبها وعلى فضول المعصم
ومن شعره في المذهب قوله راثيا الرضا عليه السلام:
إقر السلام على قبر بطوس ولا تقري السلام ولا النعمى على طوس
فقد أصاب قلوب المسلمين بهـا روع وفرخ فيهـا روع إبليـس
اختلست راحـة الدنيـا وسيدنـا فأي مختلـس منـا ومخلـوس
ما زال مقتبسا من نـور والـده إلى النبي ضياء غيـر مقبـوس
في منبت نهضت فيه فروعهـم بشاهق في بطاح الملك مغروس
فالفرع لا يرتقي إلا علـى ثقـة من القواعـد والدنيـا لتأسيـس
62
لا يوم أولى بتمزيق الجيوب ولا لطم الخدود ولا جدع المعاطيس
من يوم طوس الذي ثارت بروعته لنا النعـاة وأفـواه القراطيـس
حقا بأن الرضا أودى الزمان به ما يطلب الموت إلا كل منفـوس
وهي كبيرة

توفي سنة المائتين وعشر تقريبا وترجمته طويلة في المعاجم

أبو الفضل بن أبي القاسم المعروف بكلانتر، نائب درس الشيخ مرتضى الأنصاري:

كان فاضلا مصنفا هاجر بعد أبيه إلى سامراء، وتتلمذ على يد السيد الحسن الشيرازي العالم الكبير المتوفى سنة 1312ه، وصنف وكان أديبا شاعرا له ديوان شعر كبير، وكان على عجمته عربي النظم حسن الأسلوب فمن شعره قوله في الخضاب بالحناء:
رنت إلى الشعرات الحمر لامعة في سودها لمعان البرق في الظلم
فقلت بغير مواضي الشيب قد سفكت دم الشباب وهذا منه بعض دمي
وقوله في الغزل:
الحذار الحذارِ من لحـظ عينـه إذا سلهـا الحــذار الحــذارا
والبـدار البـدار لا يعـد منكـم سقـم ألحاظـه البـدار البـدارا
وقوله:
فتنتنـي بعينهــا الحــوراء غادة بالـرواق فـي الـزوراء
بخيـال ممـن أحـب تـراءى يا لـه مـن خيالـه المترائـي
شمس حسن لو أن شمسا رأتهـا لتراءت تمشي علـى استحيـاء
إن تكن تنـزل الظبـاء كناسـا فهـو ظبـي كناسـه أحشائـي
63
صاد قلبي وهاج كربـي وأروى نار حبي عنـد ابتـداء اللقـاء
وقوله في المهدي عليه السلام:
يـا رحمــة اللــه الــذي عــم الأنـــام تطـــولا
وابـن الـذي فــي فضلــه نــزل الكتــاب مرتـــلا
لذنــا ببيتـــك طائفيـــن تخضعــــا وتذلـــــلا
فعســى نفــوز برحمـــة مــن ربنــا رب العـــلا
توفي بطهران وقد سكنها بعد وفاة أستاذه سنة ألف وثلاثمائة وسبع عشرة من الهجرة.

وكلانتر معناه الدهقان بالفارسية كما أخبرت به.

أبو هريرة بن نزار الأبار العجلي:

كان راوية شاعرا ناسكا لقي الباقر والصادق عليهما السلام، وكان يسكن البصرة، فمن شعره ما أنشده الباقر عليه السلام بقوله:
أبا جعفـر أنـت الإمـام أحبـه وأرضى الذي يرضى به وأتابع
أتانا رجـال يحملـون عليكمـو أحاديث قد ضاقت بهن الأضالع
وقوله لما أحرق الصادق عليه السلام كتاب أبي مسلم الخراساني في الدعوة له:
ولما دعى الدعوان مولاي لم يكن ليثني عليـه عزمـه بصـواب
ولما دعـوه بالكتـاب أجابهـم بحرق الكتـاب دون رد جـواب
وما كان مولائي كمشري ضلالة ولا ملبسا منها الـردى بثيـاب
ولكنه لله فـي الـأرض حجـة دليل إلى خيـر وحسـن مـآب
وقوله في رثاء الصادق عليه السلام:
أقول وقد راحوا بـه يحملونـه على كاهل من حامليـه وعاتـق
أتدرون ماذا تحملون إلى الثـرى ثبيرا ثوى من رأس علياء شاهق
64
غداة حثى الحاثون من فوق قبره ترابا وأولى كان فوق المفـارق
أيا صادق ابن الصادقيـن أليـة بآبائك الأطهار حلفـة صـادق
كفى بكم ذو العرش أقسم في الورى فقال تعالى اللـه رب المشـارق
في أبيات، وذكره الصادق عليه السلام فدعا له، فقيل له: إنه يشرب النبيذ فقال: وما شأن ذنب يغفره الله لمحبي علي عليه السلام.

توفي سنة المائة ونيف وخمسين رحمه الله تعالى.
65

حرف الباء

الباقر بن إبراهيم بن محمد الحسني البغدادي:

كان فاضلا أديبا مشاركا، وكان ناثرا شاعرا، قدم النجف لطلب العم وبقي بها مدة، ومدح علمائها كالشيخ موسى والشيخ علي ابني الشيخ جعفر كاشف الغطاء، فمن شعره قوله في حسينية:
إلى الله أشكو وقع دهياء معضل يشب لظى نيرانهـا بالضمائـر
يعز علـى الإسلـام أن حماتـه تئن لهم حزنـا قلـوب المنابـر
يعز على الدين الحنيفي أن غدت معارفـه مطموسـة بالمناكـر
يعز على الأشراف أن عميدهـا يغيب بعين الله عن كـل ناظـر
يعز علـى المختـار أن أميـة رمت ولده ظلما بأدهى الفواقـر
يعز علـى الكـرار أن رجالـه أبيدوا بأطراف القنـا والبواتـر
عجبت لشمي كورت من بروجها وبدر علا قد غاب بين الحفائـر
عجبت لذي الأفلاك لم لا تعطلت وغيب من آفاقهـا كـل زاهـر
عجبت لذي الإبحار لم لا تغورت وغيض من أمواجها كل زاخـر
عجبت لذي الأطواد لم لا تصدعت وهدم من أركانهـا كـل عامـر
ومن عجب أن يمنع البسط ورده وفيض يديه كالبحور الزواخـر
ومن عجب أن تكسف الشمس وجهه وقد كان بدرا مشرقا في الدياجر
وهي طويلة وله غيها الكثر.

وله ولد اسمه الحسن، وكان أصم شاعر أديب عاش بعده مدة

أما صاحب الترجمة فقد توفي سنة ألف ومائتين وخمس وثلاثين ودفن بالنجف رحمه الله.

الباقر بن أسد الله بن الباقر بن التقي الحسيني

66

الأصفهاني المعروف بالآق:

كان فاضلا أديبا ذكيا شاعرا، نشأ بالنجف ونال بها العلم والفضل، وكانت له مع أدبائها مطارحات، ومدحه شعراؤها بما هو مذكور في دواوينهم.

كتب إليه السيد جعفر الحلي الآتية ترجمته طالبا منه منا، وهو نوع من الحلوى الأصفهانية وجورب:
يا سيـداً بيـن الـورى عدلـه قد من حتى رفـع الجـور بـي
أحوجنـي الدهـر إلـى أن أرى أسأل فضـل المـن والجـورب
فأرسل إليه جوربا بلا من وكتب:
يا كوكب الفضل الذي مـا بـدا إلا وأخفـى كوكبــاً كوكبــا
لسـت بـذي مـن فأدلـي بـه فخذ بـلا مـن لـك الجوربـا
وحضرت يوما في مجلسه المشتمل على جملة من الأدباء، فذكر السيد جعفر الحلي واقعة الخطيري مع الصاحب بن عباد إذ بدت منه بادرة فخجل وأراد سترها، فقال: يا مولانا هذا صرير التخت، فقال الصاحب: بل صفير التحت فازداد خجله، ومضى وانقطع عن المجلس، فكتب إليه الصاحب:
قل للخطيري لا تذهب على خجل من ضرطة أشبهت نايا على عود
فإنها الريح لا تستطيع تمسكهـا إذ لست أنت سليمـان بـن داود
فرجع إلى الحضور وعاد إلى المثول. فذكر السيد جعفر قل للخطيري، فقال السيد المترجم الرواية، قل للبديعي، والواقعة مع بديع الزمان، فأنكر السيد جعفر وتنازعا وجعلا وليمة لمن غلب بحكم كتب الأدب، فحكمت اليتيمة بأن تكون على السيد المترجم الوليمة، فحضرناها ثاني يوم وتقدمت أواني الطعام وفيها آنية فيها ورقة قدمت للسيد جعفر فتطلع الجالسون إليها فسبقهم السيد جعفر ففتحها وإذا فيها:
67
قـل للشريـف أخـى العلــى ذي المجـد والشـرف الخطيـر
تهنيـــك منـــي أكلـــة جادت بهـا إسـت الخطيـري
فاستغربنا ضحكا، وخجل السيد جعفر وجعل يعترض على قوله: (جادت بها إست الخطيري) وأنه فيها إيهام ولكن قد تم عليه الدست فما أفاد الكلام.

وله في الأئمة شعر كثير، فمنه قوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:
يا بـن عـم النبـي أي معـال لك في أرفـع المدائـح تذكـر
بعدمـا أنـزل الإلـه كتابــا فيك لا يستطـاع للقـوم ينكـر
وثنـاه النبـي فيـك فأبــدى يـوم خـم ثنـا أثـاب وبكـر
هو في مطعم المعاديـن صـاب وبطعـم الـذي يـودك سكـر
أي فضل يزويـه عنـك معـاد أو تزوى شمس الضحى لو تفكر
كـذب العادلـون فيـك وقالـوا قول زور بهـم يحـاط ويمكـر
قد أتوا منكـرا فحسبهـم اللـه تعالـى يـوم اللقـاء ومنكــر
وهذه الأبيات أنشدنيها في الكاظميين عليهم السلام من لفظه.

وله مراث محفوظة بالنجف.

توفي في أصبهان وقد رحل إليها في الحرب العامة من العراق عند دخوله إليها سنة ألف وثلاثمائة وثلاثين من الهجرة، رحمه الله تعالى.

الباقر بن علي بن حيدر المنتفقي:

كان فاضلا مشاركا مصنفا، هاجر من بلدة سوق الشيخ إلى النجف فحضر على علمائها ثم هاجر إلى سامراء فحضر على العالم الكبير الشأن السيد الحسن الشيرازي، وبعد وفاته عاد إلى النجف ثم إلى محله، واستقل بالزعامة، وكان أديبا له مطارحات مع بعض الشعراء، ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة:
يا رسولي إلى الرسـول مغـذا فوق كوماء مثل قصـر مشيـد
68
ضمرا كالقسي تحنى وكالأسهـم تبـري فـي شـدة التسديــد
قف بها في البقيـع لـوث أزار مستفـزا بنـي نـزار الرقـود
يا أسود العرين، شـم العرانيـن وعـز الذليـل غيـظ الحسـود
إنّ حربا شنت عليكـم حروبـا شاب منها أو كـاد رأس الوليـد
وهي طويلة، وله غيرها في محله.

[توفي في الشعيبة] في محرم سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وثلاثين وحمل إلى النجف فدفن بها، رحمه الله.

الباقر بن محمد بن هاشم النقوي الهندي النجفي، أبو الصادق:

كان هذا السّيّد فاضلا في جملة من العلوم، أديبا حسن المنثور والمنظوم، ذكيّا حسن المعاشرة مع طبقات النّاس، لطيف المحاضرة، عاشرته فرأيته رجلا لا يميّ جليسه، وسافرت معه فأبصرت منه أحوذيا، وكان لا يكاد يذكر له شيء من المعارف إلا وبان له به معرفة، ولا تكاد تذكر صناعة إلا وظهر له فيها فكر.

وكان أبوه السّيّد محمّد من أفاضل العلماء المصنّفين، توفي قبله بنحو ستّ سنين، أعني سنة 1323 ه وبقي ولده هذا يعاني من مشاقّ دنياه.

وله شعر كثير متفرّق، فمن شعره قوله:
بزغت فلاح البشر من طلعاتهـا والسعد مكتوب علـى جبهاتهـا
بيض كواعب في شتيت ثغورها قد كان للعشّـاق جمـع شتاتهـا
وافت كأمثـال الظّبـاءة بينهـا ذات الدّلال دلالهـا مـن ذاتهـا
نجديّــة بدويّــة أجفانهــا سرقت من الآرام لحظ مهاتهـا
نشرت علـى أكتافهـا وفراتهـا شمس سمات الحسن دون سماتها
69
كالبيض في سطواتها والسّمر في وخزاتها والرّيـم فـي لفتاتهـا
سلت صفيحـة مقلـة وسنانـة حتّى رأينا الحتف في صفحاتهـا
وقوله:
ورق الهنا صدحت على أغصانها وتجاوبت بالبشر فـي ألحانهـا
والرّوض من نعمان باكره الحيا وسرى النّسيم الغضّ في نعمانها
فطفقت أقطف من ورود رياضها وأشمّ نشر الشّيح مـن كثبانهـا
ولقد مررت على ملاعب رامـة فتشوّقت نفسـي إلـى جيرانهـا
وبعثت طرفي في رياض المنحنى فرأى فنون الغنج من غزلانهـا
ومطاعة فينـا الفـؤاد يجيبهـا لـو أنّهـا أومـت لـه ببنانهـا
قد أرسلت فوق المتون غدائـراً الله في العشّـاق مـن ثعبانهـا
ومن شعره قوله في أمير المؤمنين عليه السّلام:
ليس يدري بكنه ذاتك مـا هـو يـا بـن عـمّ النبـيّ إلا اللـه
ممكـن واجـب قديـم حديـثٌ عنك تنفـى الانـداد والأشبـاه
لك معنى أجلى من الشمس لكـن خبط العارفـون فيـه وتاهـوا
أنت في منتهى الظّهـور خفـى جلّ معنـى علـاك مـا أخفـاه
صعدوا نحـو أوجـه خطـرات الوهم وهمـاً فكـلّ دون مـداه
قلت للقائليـن فـي أنـك اللـه استقيمـوا فاللـه قـد ســوّاه
هـو مشكـاة نـوره والتجلّـي سـر قـدس جهلتهـم معنــاه
قد براه من نـوره يـوم خلـق الخلـق طـراً وباسمـه سمّـاه
وجـاء بكـلّ فضـل عظيــم وبمقـدار مـا حبـاه ابتلــاه
كانت النّاس قبلـه تعبـد الطـا غوت ربا والجبـت فيهـم إلـه
ونبي الهدى إلى اللـه يدعوهـم ولا يسمعــون منــه نــداه
70
سله لما هاجـت عليـه قريـشٌ مـن وقـاه بنفســه وفــداه
من سـواه لكـلّ وجـه شديـد عنه قد ردنا كـلا مـن سـواه
لو رأى مثله النبي لمـا وخـاه حيــا وبعـــده وصـــاه
قام يوم الغدير يدعـو ألا مـن كنـت مولـى لـه فـذا مولـاه
ما ارتضـاه النبـي مـن قبـل النفس ولكنمـا الإلـه ارتضـاه
وهي طويلة.

وله في المديح والرّثاء شعر كثير محفوظ.

توفي سنة ألف وثلاثمائة وتسع وعشرين عن عمرٍ يقارب الخمسين ودفن بالنّجف مع أبيه، وله أخوة يذكر منهم الرّضا في بابه إن شاء الله تعالى.

بشر بن منقذ المعروف بالأعور الشني العبدي من عبد القيس:

كان فارسا شجاعا له في صفّين وغيرها مآثر وإخلاص لأمير المؤمنين عليه السّلام، ولّى عليه السلام المنذر بن الجارود أصطخر، فاقتطع منها مائة ألف فحبسه عليه السلام فضمنها صعصعة بن صرحان العبدي عنه، فقال الشني [من البسيط]:
ألا سألت بني الجارود أي فتـى عند الشّفاعة والباب ابن صوحانا
هل كان إلا كأم أرضعت ولـدا عقل قلم تجز بالإحسان إحسانـا
لا تأمنن امرءاً خان امرءاً أبـداً إنّ من الناس ذا وجهين خوّانـا
فمن شعره قوله [من الوافر]:
لقد علمـت عميـرة أن جـاري إذا ضن المثمـر مـن عيالـي
وإني لا أضن على ابـن عمـي بنصري في الخطوب ولا نوالي
71
ولسـت بقائـل قـولا لأحظـى بأمـر لا يصدقــه فعالــي
وما التقصير مـا علمـت معـد وأسبـاب الدنيـة مـن خلالـي
وأكرم ما تكـون علـي نفسـي إذا ما قل فـي اللزبـات مالـي
فتحسن صورتي وأصون عرضي وتجمل عند أهل الذكـر حالـي
وإن نلت الغنى لـم أغـل فيـه ولم أخصص ليجفوني الموالـي
وقد أصبحـت لا أحتـاج فيمـا بلوت من الأمـور إلـى سـؤال
وذلـك أننـي أدبـت نفســي وما حلت الرجال ذوي المحـال
إذا ما المرء قصر - ثمّ مـرّت عليه الأربعون - عن الرجـال
ولـم يلحـق بصالحهـم فدعـه فليس بلاحـق أخـرى الليالـي
ومن شعره في المذهب قوله لأمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة له بصفّين يمدحه ويمدح الحسنين [من المتقارب]:
أبا حسن أنـت شمـس النهـار وهـذا فـي الحادثـات القمـر
وأنت وهـذان حتـى الممـات بمنزلـة السمـع بعـد البصـر
وأنتـم أنـاس لكــم ســورة تقصـر عنهـا أكـف البشـر
يخبرنـا النـاس عـن فضلكـم وفضلكـم اليـوم فـوق الخبـر
ومن شعره ما بعثه لأبي موسى لدومة الجندل ففيها له من الخدعة [من الوافر]:
أبا موسى جـزاك اللـه خيـرا عراقك إن حظك فـي العـراق
وإن الشّام قـد نصبـوا إمامـا من الأحزاب معـروف النفـاق
وإنـا لا نـزال لهـم عــدواً أبا موسـى إلـى يـوم التلـاقِ
فلا تجعل معاويـة بـن حـرب إمامـا مـا مشـت قـد بسـاق
ولا يخدعك عمـرو إن عمـرا أبـا موسـى تحامـاه الرواقـي
فكن منه علـى حـذر وانهـج طريقك لا تـزل بـك المراقـي
72
ولا حكـم بـأن سـوى علـي إمامـا إن هـذا الشـر باقــي
في أبيات أخر

وله في مديح أمير المؤمنين شعر كثير.

توفي الشني في زمن معاوية وولاية زياد على الكوفة، وقيل: قتله زياد فيمن قتل من شيعة علي، وذلك في حدود سنة الخمسين من الهجرة.
73

حرف الجيم

جابر بن عبد الحسين بن عبد الحميد بن الجواد

ابن أحمد بن الخضر بن العباس بن محمد بن المرتضى بن أحمد بن محمود بن محمد بن الربيع الربعي من ربيعة، المعروف بالشيخ جابر الكاظمي، وجده الجواد أبو قبيلة الجوادات في بلد بين بغداد وسامراء.

كان أحد شعراء الزمن وأدبائه، ونديم ملكوه وأمرائه، سافر إلى طهران في زمن فتح علي شاه سلطانها، فامتدحه بقصيدة فأجازه ثم عاد إلى محله، وعاود في زمن محمد شاه ومدحه فأجازه وعاد أيضا، وله ديوان شعر بالعربية، ومجموع بالفارسية، وله مطارحات مع أدباء زمنه موجود بعضها في ديوان عبد الباقي، وله تخميس الأزرية المطبوع مرارا، ومن شعره قوله:
رب ليـال بوصــالٍ أتــت كأنهـا غــر لــآل غلــت
كم بردت غلـة وجـودي وكـم مراجـل الآمـال فيهـا غلـت
كم طردت عنـا الأسـى مثلمـا في القلب كم من طرب أوغلـت
قد حسب الدهر على عهدي الما ضي سواها قلـت هـذا غلـت
فاستحسنت قولي ليالي الرضـا وبالغت المـدح حتـى غلـت.
ولا سادس لها.

ومن شعره في المذهب قوله مخمسا قصيدة عبد الباقي في النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
نبـي الهـدى يـا أبـا القاسـم وعلــــة آدم والعالــــم
ويــا أي مبتــدأ خاتـــم (تخيــرك اللــه مــن آدم
وآدم لولاك لم يخلق)
بنورك لو لم يكـن يستضـيء لما كـان للرشـد يومـا يفـيء
74
لأنك في الغيب قبـل المجـيء (بجبهته كنـت نـورا تضـيء
كما ضاء تاج على مفرق)
علـاك وجـودا لــه سببــا كـذاك سجـودا لـه أوجبــا
ومن قد أبى بالشقاء اجتبى (لذاك إبليس غداة أبى
سجودا له بعد طرد شقي)
بـراك الإلـه سنــا ملكــه تشعشـع كالعقـد فـي سلكـه
فأنقــذت آدم مــن هلكــه (ومع نوح إذ كنـت فـي فلكـه
نجا ومن فيه لم يغرق)
أضاء سنـا نـورك المستطيـل لمن في نواحي السما من قبيـل
وجلــل آدم فيــه الجليــل (وخلل نـورك صلـب الخليـل
فبات وبالنار لم يحرق)
لقد كنـت أزكـى نبـي أميـن وآدم مـا بيـن مـاء وطيــن
تقلبت فـي الذكـر بالراكعيـن (ومنك القلـب فـي الساجديـن
به الذكر أفصح بالمنطق)
رقيـت لأعلـى مقـام العـلاء فجاوزت في فضلـك الأنبيـاء
أما والذي شاء سمـك السمـاء (سواك مع الرسل فـي إيليـاء
مع الروح والجسم لم يلتق)
حببت مـن الفضـل فـي فـذه فكـل النبييــن لــم تحــذه
وقد أوثـق العهـد مـن نبـذه (فجئت مـن اللـه فـي أخـذه
لك العهد منهم على موثق)
فأنـت زعيـم لـواء الثنــاء وفي ظـل إعـزازك الأنبيـاء
لهم عن لـواء سـواك التـواء (وفي الحشر للحمد ذاك اللـواء
75
على غير رأسك لم يخفق)
ولمـا عرجـت لمولـى الأنـام إلى قاب قوسيـن كـان المـرام
لذلـك لـم تعـد ذاك المقــام (وعن غرض القرب منك السهام
لدى قاب قوسين لم تمرق)
عن الحق كم قد كشفت الغطـاء وعن كل عين رفعـت الغشـاء
أما والذي فيـك مـد الضيـاء (لقد رمقت فيك عيـن العمـاء
وفي غير نورك لم ترمق)
خلقــت لأجفانهــا مطبقــا فعــدت بإنسانهــا محدقــا
ومثل المرايـا صنعـت رونقـا (فكنــت لمرآتهــا زئبقــا
وفو المرايا من الزئبق)
أما والذي فيك أولـى السعـود وأنشـأ وجـود للنـاس جـود
لقد أظهر الدهـر فيـك الـودود (لولـاك لأنظـم هـذا الوجـود
من العدم المحض في مطبق)
ولولا وجودك ما اخضر عـود ولا قـام للديـن يومـا عمـود
ولا رأت الغيب عيـن الشهـود (ولا شـم رائحــة للوجــود
وجود بعرنين مستنشق)
ولا قــد أعــدت لتمهيــده يـدا لصنـع آبــاء تعديــده
ولا الأمهـــات لتوليــــده (ولولــاك طفــل مواليــده
بمهد العناصر لم ينعق)
وإن السماء والثرى فـي الـأزل بك اللـه صانهمـا مـن خلـل
برتـق وفتـق وعقـد وحــل (ولولاك رتـق السمـاوات وال
أراضي لك الله لم يفتق)
76
ولولـاك مـا صـورت خلقنـا يد الصنـع وابتدعـت صنعنـا
ولا خفضت مـن ثـرى تحتنـا (ولولـاك مـا رفعـت فوقنـا
يد الله فسطاط استبرق)
ولا خلقـت لـج يـم يمــوج ولا فكـاً جــزوه بالعــروج
ولا نظمـت فيـك درا أجـوج (ولا نثرت كـف ذات البـروج
دنانير في لوحها الأزرق)
ولم تتراء السمـاء بحـر مـاء لثاليـه يسطـع منهـا الضيـاء
ولا كالسفينـة صـارت ذكـاء (ولا طاف من فوق موج السماء
هلال تقوس كالزورق)
ولا الروض ماس بأسنى حلـل ولا الزهـر مـد فمـا للقبــل
ولا رضع الطـل تـاج القلـل (ولولاك مـا كللـت وجنـة ال
بسيطة أيدي الحيا المغدق)
ولا أرضعت درهـا الغاديـات بنـات النبـات بمهـد الفلــاة
ولم تنض ثوب الثرى الغانيـات (ولا كست السحب طفل النبـات
من اللؤلؤ الرطب في بخنق)
ولا خيمـت ديمـة فـي ربـى ولا برزت حورهـا مـن خبـا
ولا رقت بنـت نبـت الصبـا (ولا اختال نبت ربى فـي قبـا
ولا راح يرفل في قرطق)
فلولاك ما كان سـت الجهـات ولا دار قطب رحـى الكائنـات
ولا اخضر دوح رجـاء العفـاة (ولولاك غصن نقا المكرمـات
وحق أياديك لم يورق)
ألانـت قنـاك القلـوب الغلـاظ من الشرك إذ خزرت باللحـاظ
77
فقـام بهـا لحفــاظ عكــاظ (ولولاك سوق عكـاظ الحفـاظ
على حوزة الدين لم تنفق)
علـوت السمـا فعـلا هامهـا وزاد بمـــرآك أعظامهـــا
فشعـت بجسمـك أجسامهــا (وسبـع السمـوات أجرامهــا
لغير عروجك لم تخرق)
فـآدم فيـك نجـا إذ عصــى وعيسـى بمعجـزه خصصــا
وداود فيـك رمـى بالحصــا (ولولـاك مثعنجـر بالعصــا
لموسى بن عمران لم يفلق)
فكم للسمـاوات حجبـا خرقـت وكم قد فتقت وكـم قـد رتقـت
وجبريل بالسير كم قـد سبقـت (وأسرى بك الله حتـى طرقـت
طرائق بالوهم لم تطرق)
نزلت بصلب رسـول رسـول وفقت بأصلك أزكـى الأصـول
فأهبطك اللـه لا عـن خمـول (ورقاك مولـاك بعـد النـزول
على رفرف حف بالنمرق)
لقـد عقمـت بعـد المهــات فما وضعت شبهـك الحاملـات
فإن علقت في المدى المحصنات (بمثلـك أرحامهـا الطاهـرات
من النطف الغر لم تعلق)
خلقـت وذا الدهـر لـم يخلـق ونطفــة آدم لــم تعلـــق
فجاوزت سبقـا مـدى الأسبـق (أيـا لاحقـا قـط لـم يسبـق
ويا سابقا قط لم يلحق)
صعدت علـي بالعلـى حائطـا غدا عنه هـام السمـا ساقطـا
ومذ كنت عـن هابـط شاحطـا (تصوبت مـن صاعـد هابطـا
78
إلى صلب كل تقي نقي)
ومذ كان يشكو نـواك الوجـود ويألم في الغيب منـك الشهـود
هبطـت فشرفتــه بالــورود (فكان هبوطك عيـن الصعـود
فلا زلت منحدرا ترتقي)
ولهذه القصيدة تخميس للسيد حيدر الحلي الآتية ترجمته مطبوع في الديوان.

ولد الشيخ جابر سنة ألف ومائتين واثنين وعشرين، ولحقه مرض المالخويا في آخر عمره وهو بحالة يرثى لها.

وتوفي في صفر سنة ألف وثلاثمائة وثلاث عشرة بالكاظميّة ودفن في الصحن الشريف رحمه الله ورضي عنه وأرضاه.

جعفر بن محمد حسن بن عيسى بن كامل

ابن منصور بن كمال الدين بن منصور بن زوبع بن منصور بن كمال بن محمد بن منصور بن أحمد بن نجم بن منصور بن شكر الحسيني الحلي النجفي، أبو يحيى

كان فاضلاً مشاركاً في العلوم الآلية والدينية، أديباً محاضراً شاعراً قوي البديهة، أسمر ربعة، عاشرته فرأيته حسن العشرة، رقيق القشرة، صافي السريرة، حسن السيرة، خفيف المونة، مدح السّلاطين والعلماء فمن دونهم ونال جوائزهم.

هنأ السيد إبراهيم الطباطبائي في عرس ولده السيد حسن بقصيدة فريدة من محاسن الشعر أوله:
عهد الفؤاد قريب مـن بواديـه وقد روين حديث البرق عن فيه
يقول فيه:
نسيت كيف الكرى قل لي بصورته فإن عيني بعيـد عهدهـا فيـه
رأيت من يدك الكف الخضيب بها فبات جفـن لجفـن لا يلاقيـه
79
وهنئته أنا بقصيدة على غير وزنها وقافيتها أوله:
أطلع ساقي الكـأس والليـل داج شمس الحميا من سماء الزجـاج
ثم سافرنا أنا والسيد جعفر زائرين الحسين فكتب إلى السيد إبراهيم قصيدة يفضل بها تهنئتي وأول القصيدة:
أهل أنت سقيت المنـازل بلقعـا معاهد أقـوت بالغميـم وأربعـا
يقول فيه:
ورب القوافي السائـرات كأنمـا أعاد بهـا عـادا واتبـع تبعـا
فأنى تجـار أو يشـق غبارهـا وقد وقفت عنها المجارون ضلعا
فأخفيتها عن السيد جعفر وكتبت له الجواب مجاريا بقولي:
ألاحي من أجل الأحبـة مربعـا غدا بعدما شطت أهاليـه بلقعـا
فاطلع السيد جعفر من حيث لا أدري على القصيدتين وكتب بعد قصيدتي في ورقتها قوله:
أيـا أخـوي السائلـي حكومـة إذا كنتمـا حكمتمانـي فاسمعـا
محمد قد جلـى بحلبـة شعـره سباقا وإبراهيم يشكـو التضلعـا
تخلف عن مجرى السماوي عاثرا فلا دعدعـا للعاثريـن ولا لعـا
وأصبح كالمبهوت في آخر المدى إذ أبصر المجتاز يسألـه الدعـا
وأرسل ذلك إلى السيد إبراهيم فغضب وجعل يهجونا معا بأبيات في ديوانه.

واغتصبت سبحة يسر منه أعطاها إياه بعض الحاج فكتب إلي:
محمـد يـا أخـا ودي وأنسـي ويا من فيه هم القلـب يسـرى
نسير نحوكـم غـرر القوافـي فيدلـج بالثنـا لكـم ويســرى
إذا ما الممحل استجـدى نداكـم تيقن أن بعـد العسـر يسـرى
أعد لي يا فـداك أبـي وكفـر يمينك سبحـة سـوداء يسـرى
80
وما تبغي بسـودا همـت فيهـا وكـم قلبتهـا يمنـى ويسـرى
ومحاسنه كثيرة، وديوانه مطبوع فلا حاجة إلى النقل منه، ولكن نذكر له قوله مشطرا للبيتين الشهيرين في مدح أمير المؤمنين عليه السلام تبرك:
(قل لمن عادى علي المرتضى) فزت في نيل المنى بعد الممـات
أنت في حصن ابن عم المصطفى (لا تخافـن عظيـم السيئـات)
(حبه الإكسيـر لـو ذر علـى) لهب النـار غـدا مـاء الحيـاة
وهـو الرحمـة لا يشفـع فـي (سيئات الخلق صارت حسنات)
ولد في نصف شعبان سنة ألف ومائتين وسبع وسبعين، وتوفي فجأة بالنجف لسبع بقين من شعبان سنة ألف وثلاثمائة وخمس عشرة، ورثته جملة من الشعراء ومنهم مصنف هذا الكتاب بقولي:
أي فـؤاد عليـك مـا احترقـا وأي دمـع عليـك مـا اندفقـا
يـا راحـلا والكمـال، يتبعـه ما أنت إلا الهلـال، قـد محقـا
بكى عليـك القريـض منفجعـا وانفجع الفضـل فيـك منمحقـا
وهي طويلة، ورأيته بعد موته ليلة في دارنا بالسماوة فقبضت على إبهام يده اليمنى، وسألته عن حاله فضج وقال: هذا وأنت تدعي المودة، فتراخيت عن قبضها إلى ظفرها، وسألته ثانية بخجل، فقال: أما نحن أصحاب السيد المهدي القزويني فكلنا من أهل الجنة أو الخير - الشك مني - وانتبهت، رحمة الله عليه.

جعفر بن صادق بن أحمد الحائري المعروف بالهر:

فاضل مشارك جامع، وأديب شاعر بارع، هو اليوم في كربلاء مدرس آهل، فكم تخرج عليه فاضل، وإمام جماعة تقام به الصلاة في حرم العباس عليه السلام وتزدحم عليه الأماثل.

ومن شعره قوله:
81
زارني الليل قد أرخـى الستـارا بدر تـم غـادر الليـل نهـارا
فارسـي ليـس يـدري ذممـا لا ولا يرعى عهـودا وذمـارا
فـإذا مـا حاولـت منـه قبلـة هز لـي الجيـد دلـالا ونفـارا
وإذا ما قلت: صلني، قال لـي: قد عددنا صلة الأعراب عـارا
يوسفـي الحسـن لمـا أن بـدا قطـع الأيـدي يمينـا ويسـارا
وقوله مشطرا البيتين المنسوبين إلى قيس العامري:
(أمر على الديار ديـار ليلـي) ونار الشـوق تستعـر استعـارا
أشـم ترابهـا طـورا وطـورا (أقبل ذا الجـدار وذا الجـدارا)
(وما حب الديار شغفـن قلبـي) ولا أضـر مـن جنبـي نـارا
ولا ربـع الغويـر وساكنيــه (ولكن حب من سكـن الديـارا)
ومن شعره في المذهب قوله من حسينية أنشد فيها من:
ولم أنس النسـاء غـداة فـرت إلى نعش الشهيـد ابـن الشهيـد
فقل ببنات نعـش قـد أقامـت مناح جوى على بـدر السعـود
تقبـل هـذه وتشــم هــذي خضيب الكف أو ورد الخـدود
إذا أم تنـوح تقــول أخــت (أعيدي النوح معولـة أعيـدي)
فهن علـى البكـا متساعـدات ألا فاعجب لـذي ثكـل سعيـد
وله غيرها.

ولد سنة ألف ومائتين وسبعين في كربلاء.

وهو اليوم بها حي يلم شمل الجماعة في الأوقات، وتأتم به كما قلنا الصلوات، وهو أصغر من أخيه الكاظم الآتي ذكره بنحو سنتين، وقد توفي أخوه فسلمه الله تعالى ورزقه نعما تتوالى.

ثم توفي سنة ألف وثلاثمائة وخمس وأربعين في كربلاء ودفن بها.
82

جعفر بن عفان بن جبير بن صغير بن سحير

ابن مالك بن شراحيل بن بحيرة بن الحارث بن ثمامة بن مالك جدعاء بن ذهل بن رومان جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة بن طيء، الطائي:

كان شاعرا مبرزا مكرما عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام، دخل عليه فرفع مجلسه واستنشده شعره في الحسين فبكى حتى اخضلت لحيته الشريفة، وقال له: من قال فينا بيتا من الشعر كان معنا في الجنة، ثم قال له: من أبكى عشرة على الحسين عليه السلام كتبت له الجنة، ثم نقضهم واحدا واحد حتى قال: من أبكى واحدا وجبت له الجنة، انتهى نقلاً المعنى.

فمن شعره في الحسين عليه السلام قوله:
ليبك على الإسلام من كان باكيا فقد ضيعت أحكامـه واستحلـت
غداة حسيـن والرمـاح تنوشـه وقد نهلت فيه السيـوف وعلـت
وغودر في الصحراء لحما مبددا عليه عتاق الطير باتت وظلـت
فما نصرته أمة السوء إذ رعـا لقد طاشت الأحلام منها وضلت
بلا قد محوا أنوارهـم بأكفهـم فلا سلمت تلك الأكـف وشلـت
وناداهـم جهـدا بحـق محمـد فإن ابنه من نفسه حيـث حلـت
فما حفظوا حزب الرسول ولا رعوا وزلت به أقدامهـم واستنزلـت
أذاقته حـر القتـل أمـة جـده هفت نعلها في كربـلاء وزلـت
فلا قدس الرحمن هاتيـك أمـة وإن هي صامت للإله وصلـت
كما فجعت بنت الرسول بنسلهـا وكانوا كماة الحرب حين استقلت
وله غير [ها].

توفي في حدود المائة والخمسين رحمه الله تعالى.

جعفر بن علي بن جعفر بن خضر الجناجي المالكي،

83

أحد أحفاد كاشف الغطاء:

كان ذكيا لسنا فاضلا حفظة أديبا شاعرا.

دخل السيد محمد القطيفي الآتية ترجمته إلى دارهم فأنشد قصيدة له رائية في رثاء الحسين وجعل يطريها ويثني عليها ويقول: هل يستطاع مجاراتها، فاعترضه الشيخ جعفر المترجم وكان غلاما لم يكد يبقل وجهه، وأخذ ينتقد أبياتها، فالتفت إليه السيد محمد وقال: هل لك علما بالشعر والعروض، كيف تقطع لي قول الشاعر:
حولــوا عنــا كنيستكـــم يـا بنـي حمالــة الحطــب
ففطن الشيخ جعفر لذلك فقال له: قطع لي هذا البيت الموازن له حتى أهتدي لتقطيعه، فقال: أنشده، فأنشد قوله ارتجال:
إن مــن تجلــى طبيعتــه ذاك امـرؤ مـن ذوي الحسـب
فأنشد يقطعه قائلا: أن من تج فاعلاتن، لا ط بي: فاعل، فقال الشيخ جعفر: ومن هذا الفاعل بك على هذا السن، فخجل السيد، فسأل عنه واعتذر منه بعد معرفته به.

ومن شعره ما أنشده في الشيخ إبراهيم بن صادق بن إبراهيم:
إن ابن يحيى وإن طال الورى شرفا ونال ما نال من فضل ومن أدب
إذا يقايس بي يومـا تلـوت لـه وفي الحمية معنى ليس في العنب
ومن شعره في علي عليه السلام:
إذا كنت تخشى منكرا وحسابـه وتفزع من لقيا نكيـر وترهـب
فلذ بالذي لو أذنب الناس كلهـم ولاذوا به لم يبق في الناس مذنب
وله غير ذلك في المدح والرثاء للأئمة عليهم السلام.
84

جعفر بن محمد العماري نسبة إلى عمارة البصرة، المعروف بالشيخ جعفر النقدي:

فاضل مشارك في جملة من العلوم، وأديب حسن المنثور والمنظوم. ولد في العمارة، وسمت به همته إلى التحصيل في النجف، وكان أبوه من ذوي اليسار ومحبي العلم فوافقه على ذلك وسكن معه في النجف، فجد بهمة سامية وفهم مستقيم، وصنف في علوم آلية ودينية، وله نظم حسن، فمنه قوله متغزلا من قصيدة:
لحاظـك أم سيـوف مرهفـات وقـدك فـي الغلالـة أم قنـاة
أتنكر فتك طرفك بـي وهـذي خدودك من دمـاي مضرجـات
فديتك هل تصدق لـي الأمانـي وإن قيـل الأمانـي كاذبــات
تسلسل في هواك حديث دمعـي فأسنـده عـن البحـر الـرواة.
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة في مدح علي عليه السلام:
عذرت الأولى قد صيروه إلههـم وإن وقعوا في خطة الغي والجهل
فقد أبصروا في ذاته كل معجـز يرى معه لولا الهوى شاهدا عدل
وقوله من حسينية أوله:
سرى يخبط البيدا بهم ذلك الركب وسار من المشتاق في إثرهم قلب
هوى للثرى من سرجه فتزلزلت له السبعة الأفلاك وارتجت الحجب
قضى نحبه ظامي الحشا بعدما ارتوى بفيض دماء القوم صارمه العضب
وما انكشفت من قبله الحرب عن فتى بمصرعه منه العدى نابها الرعب
وله غير ذلك فيهم عليهم السلام.

ولد سنة ألف وثلاثمائة وثلاث.
85
هو اليوم في النجف سلمه الله.

جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما بن علي بن حمدون المشهور بابن نما الحلي:

كان فاضلا جليلا، وعالما مصنفا مدرسا شهيرا، وكان أديبا شاعرا، فمن شعره قوله:
أنا ابن نما إما نطقت فمنطقـي فصيح إذا ما مصقع القوم أعجما
وإن قبضت كف امرئ عن فضيلة بسطت لها كفا طويلا ومعصمـا
بنى والـدي نهجا إلى ذلك العلى وأفعاله كانت إلى المجد سلما
كبنيان جدي جعفر خير ما جـد فقد كان بالإحسان والفضل مغرما
وجد أبي الحبر الفقيه أبي البقـا فما زال في نقل العلـوم مقدمـا
يود أناس هدم ما شيـد العلـى وهيهات للمعـروف أن يتهدمـا
يروم حسودي نيل شأوي سفاهة وهل يقدر الإنسان يرقى إلى السما
ومن شعره في المذهب قوله:
إذا كنت في آل الرسول مشككـا فاقرأ هداك اللـه فـي القـرآن
فهو الدليل علـى علـو محلهـم وعظيم فضلهم وعظـم الشـان
وهم الودائـع للرسـول محمـد بوصية نزلـت مـن الرحمـن
وقوله:
وقفت علـى دار النبـي محمـد فألفيتها قد أقفـرت عرصاتهـا
وأمست خلاء من تلـاوة قـارئ وعطل فيها صومها وصلاتهـا
فاقوت من السادات من آل هاشم ولم يجتمع بعد الحسين شتاتهـا
فعيني لقتل البسط عبرى ولوعتي على فقدهم ما تنقضي زفراتهـا
86
وقوله:
أضحت منازل آل البسط مقويـة من الأنيس فمـا فيهـن سكـان
باؤوا بمقتله ظلما فقـد هدمـت لفقده من ذرى الإسلـام أركـان
رزية عمـت الدنيـا وساكنهـا فالدمع من أعين الباكيـن هتـان
لم يبق من مرسل فيها ولا ملـك إلا عرتـه رزيـات وأشجـان
واسخطوا المصطفى الهادي بمقتله فقلبه من رسيس الوجـد ملـآن
وقوله:
يصلـي الإلـه علـى المرسـل وينعت فـي المحكـم المنـزل
ويغـزى الحسيــن وأبنــاؤه وهم منـه بالمنـزل الأفضـل
ألم يـك هـذا إذا مـا نظـرت إليـه مـن المعجـب المعضـل
وقوله في أصحاب الحسين عليه السلام:
إذا اعتقلوا سمر الرماح ويممـوا أسود الثرى فرت من الخوف والذعر
كماة رحى الحرب العوان فإن سطوا فأقرأنهم يوم الكريهة في خسـر
وإن أثبتوا في مأزق الحرب أرجلا فوعدهم منه إلى ملتقى الحشـر
وله غير ذلك ضمنه كتاب مثير الأحزان وغيره، وترجمه غير واحد، وله حفيد اسمه جعفر بن محمد بن جعفر وهذا يعاصر الشهيد وذوو رحم ينتمون لآل نما.

توفي سنة ستمائة وثمانين تقريبا، ويروي عنه العلامة، رحمه الله تعالى.

جعفر بن محمد الحسن بن أحمد بن موسى الشرقي النجفي:

كان فاضلا دقيق الفكرة، عظيم الخبرة، من بيت علم وفضل وتقى، رأيته في النجف قبل وفاته فرأيت منه رجلا محبوب الجانب، دقيق الجسم، وسيم الشكل، له
87
شعر رقيق أكثره في الغزل، فمنه قوله:
حــي أقمــار النصــارى تخـــذت بالكــــرخ دارا
وظبــاء فـــي كنـــاس مـــا تألفـــن النفـــارا
فـي شمـوس مــن وجــوه أبـــدا مـــا تتـــوارى
تحســب البذلــة صونـــا وتعــد الستـــر عـــارا
وكــذا الأنجـــم طـــرا لعلــى ديــن النصـــارى
وهي طويلة، وقوله:
شفني في الشوق والشوق يشـف شادن يبرق فـي أذنيـه شنـف
جـؤذر تعبـث فـي أجفانــه سنة الحسن إلى أن كـاد يعفـو
في يد الشمأل أو كـف الصبـا غصن منه لنـا اهتـز وحقـف
عجبا من ناحل الخصـر الـذي كاد من مر الصبا يعروه قصف
قـد تشكـى ثقـل زنـار لـه وعليـه حمـل ردفيـه يخـف
ريم رمـل نافـر عـن صبـه ومن المألوف أن ينفـر خشـف
ويك يا غصن النقى عطفا على صبك المضنى فللأغصان عطف
وقوله في قبتي الكاظميين عليهما السلام من قصيدة:
لعمر العلى هذا هو الطود في الورى وذا صعقا موسى بساحته خـرا
وماء دجلة الخضراء يمنى ويسرة سوى يده البيضا جرت مننا حمرا
وتلك عصا موسى أقيمت بجنبه وقد طلبت أقصى جوانبها بشـرا
فكيف بها فـذا تـراءت ثمانيـا أسحرا وحاشا أنها تلقف البحـر
أم العرش يغشى الطود فوق قوائم كما عدها في الذكر فاستنطق الذكرا
وحسب ابن لاوي بابن جعفر في العلى إذا ما حكاه أن ينال بـه فخـرا
فإن يك في هرون قد شـد أزره فقد شد موسى بالجواد لـه أزرا
88
جواد يمير السحب فيض يمينـه على أن فيض البحر راحته اليسرى
ضمين بعلم الغيب ما ذر شارق ولا بارق إلا وكـان بـه أدرى
تظل العقول العشر من دون كهنه حيارى كأن الله أودعـه سـرا
أجل هو سر الله والآيـة التـي بها نثبت الإسلام أو نكفر الكفرا
إمام يمد الشمس نورا فإن تغـب كسى بسنا أنواره الأنجم الزهـرا
وهي طويلة.

توفي سنة ألف وثلاثمائة وعشرة تقريبا بالنجف ودفن بها، رحمه الله تعالى.

جعفر بن محمد بن حسن بن ناصر بن عبيد من عبد القيس بن شن بن قصي الخطي أبو البحر:

كان فاضلا مشاركا في العلوم، أديبا شاعرا جزل اللفظ والمعنى، فخم الأسلوب، قوي العارضة، زار الرضا واجتمع بالشيخ بهاء الدين العاملي في أصفهان فأنشده الشيخ رائيته في المهدي التي أوله:
سرى البرق من نجد فجدد تذكاري عهود بحزوى والحطيم وذي قار
وطلب منه معارضتها وأجله مدة فاستأجل ثلاثا، ثم لم يقبل لنفسه إلا في المجلس، فارتجل قصيدته التي أولها قوله:
هي الدار تستسقيك مدمعك الجاري فسقيا فخير الدمع ما كان للـدار
ولا تستضع دمعا تريق مصونه لعزته ما بيـن نـؤي وأحجـار
فأنت امرؤ قد كنت بالأمس جارها وللجار حق قد علمت على الجار
عشوت إلى اللذات فيها على سنا سناء شموس ما يغبـن وأقمـار
فأصبحت قد أنفقت طيب ما مضى من العمر منها بين عون وأبكار
يقول فيها
89
وفج كما شاء المجـال حشوتـه بعزمة عواد على الهول كـرار
تمرس بالأسفار حتـى تركنـه لدقته كالقـدح أرهفـه البـاري
إلى ماجد يعزى إذا انتسب الورى إلى معشر بيض أماجـد أخيـار
ومضطلع بالفضل زر قميصـه على كنز آثار وعيبـة أسـرار
سمي النبي المصطفـى وأمينـه على الدين في إراد حكم وإصدار
به قام بعد الميل وانتصبت بـه دعائم قد كانت على جرف هار
ومنتظر مـا أخـر اللـه وقتـه لشيء سوى إبراز حق وإظهـار
له عزمة تثني القضـاء وهمـة تؤلف بين الشاة والأسد الضاري
أبا القاسم انهض واشف منا عصابة قضى وطرا من ظلمها كل كفار
إلى مَ وحتى مَ المنـى فرجاؤنـا سحائب قد أظللنـا دون أمطـار
ثم انتقل إلى مدح الشيخ فقال بعد أبيات:
فيا بن الأولى أثنى الوصي عليهم بما ليس يثني وجهه يـد إنكـار
لا ثقلت ظهري بالصنيع فلم أكد أنـوء بأعبـاء ثقلـن وأوقـار
وكلفتني جريـا وراءك بعدمـا بلغت مكانا دونه يقف الجـاري
فجشمتنيهـا خطـة لا ينالهــا توثب مستوفي الجناحين طيـار
وأين مجـاراة السكيـت مجليـا تناول شأو السبق في كل مضمار
جهلت على معروف فضلي ولم يكن سواك من الأقوام يعرف مقداري
على أنه لم يبـق فيمـا أظنـه من الأرض قطر لم تطبقه أخباري.
وهي طويلة، ولما بلغ في إنشادها قوله: ((جهلت على معروف فضلي. .)).

قال الشيخ: لكن هؤلاء - وأومى بيده إلى أصحابه الخطيين: يعرفون قدرك.

ومن شعره الرقيق قوله من قصيدة:
لي بالعقيق سقى العقق حشاشـة طاحت وراء الركب ساعة قوضوا
90
لم تلو راجعة ولـم تلحـق بهـم حتى وهت مما تطيح وتنهـض
ردوه أحيى بـرده أو فالحقـوا كلـي بـه فالكـل لا يتبعـض
ووراء عيسهم المثـارة عصبـة أكبادهم وهم وقـوف تركـض
قبضوا بأيديهـم علـى أكبادهـم والشوق ينزع من يد ما تقبـض
ومنه قوله وقد سافر من مري - قرية في البحرين - إلى بويهان قرية منه أيضا بسفينة فوثبت عليه سمكة يقال لها السبيطية وأسالت دمه:
برغم العوالي والمهنـدة البتـر دماء أراقتهـا سبيطيـة البحـر
ألا قد جنا بحر البلـاد وتوبلـي علي بما ضاقت به ساحة القصر
فويل بني سن بن أفصى وما الذي رمتهم به أيدي الحوادث من وتر
دم لم يرق من عهد نوح ولا جرى على حد ناب للعـدو ولا ظفـر
تحامته أطراف القنا وتعرضـت له الحوت يا بؤس الحوادث والدهر
وله في مراثي الحسين عليه السلام قصائد جزلة كثيرة، فمنها قوله:
معاهدهم في الأبرقيـن هوامـد رزقن عهاد المزن تلك المعاهـد
وقفت بها والوحش حولي كأنني بهن مليك حوله الجنـد حاشـد
أسرح في أكنافها الطرف لا أرى سوى أشعث شجته أمس الولائـد
وإلا ثلاثـا كالحمائـم جثمــا ونؤيا عفته الذاهبـات العوائـد
أناشدها عن أهلها وهي لم تحـر جوابا وهل يستنشد العجم ناشـد
لك الخير لا تذهب بحلمك دمنـة عفاها البلا واستوطنتها الأوابـد
ولكن هلم الخطب في رزء سيـد قضى ظمأ والماء جار وراكـد
كأني بهم بحـر الوغـا وكأنـه لواردهم عذب المجاجـة بـارد
إذا اعتقلوا سمر الرماح وجردوا سيوفا أعارتها البطون الأسـاود
فليس لها إلا الصـدود مراكـز وليس لهـا إلا النحـور مغامـد
91
أولئك أرباب الحفاظ سمت بهـم إلى الغاية القصوى النفوس الأماجد
وهي طويلة.

توفي سنة ألف وثمان وعشرين بفارس، رحمه الله تعالى.

جعفر بن محمد بن ورقاء الشيباني، أبو محمد:

كان فاضلا أديبا مصنفا، وكان أمير بني شيبان، وتقلد عدة ولايات للمقتدر، وكان شاعرا جيد البديهة، يأخذ القلم ويكتب ما يريد من نثر ونظم كأنما هو محفوظ له، وله مع سيف الدولة مكاتبات، ذكره النجاشي والعلامة والكتبي وغيرهم. فمن شعره قوله:
هززتك لا أنـي علمتـك ناسـا لحقي ولا أنـي أردت التقاضيـا
ولكن رأيت السيف من بعد سله إلى الهز محتاجا وإن كان ماضيا
ومن شعره في المذهب قوله:
رأس ابن بنت محمـد ووصيـه للناظريـن علـى قنـاة يرفـع
والمسلمـون بمنظـر وبمسمـع لا جـازع منهـم ولا متخشـع
كحلت بمنظرك العيـون عمايـة وأصم رزؤك كـل أذن تسمـع
أيقظت أجفانا وكنت لها كـرى وأنمت عينا لم تكن بـك تهجـع
مـا روضـة إلا تمنـت أنهـا لك تربة ولخط قبـرك موضـع
ولد بسامراء سنة مائتين واثنتين وتسعين

وتوفي في رمضان سنة ثلاثمائة واثنتين وخمسين كما في الفوات. رحمه الله تعالى.

جعفر بن المهدي بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني النجفي الحلي. أبو الهادي المعروف بميرزا

92

جعفر:

كان فاضلا مصنفا أديبا شهما غيورا رئيسا مطاعا، محترم الجانب عند الحكومة، بلغه أن بعض الجنديين ضرب طلبة من طلبة العلم في النجف على وجهه فأغضب ثم مضى إلى محل الحكومة فدعا بالجندي وبالطلبة، فأمره أن يقتص منه بمثل ما ضربته.

وكان شاعر يجمع شعره الرقة والمتانة والسهولة والانسجام، فمنه قوله في حسينية:
هي الدار ما بين اللوى فالنوائـج سقتها مصونات الدموع السوافح
وحي ثراها بعدما غيـر البـلا محاسنها هوج الريـاح النوائـح
وقفت بها صحبي أسائل ربعهـا متى عهده من شاحط الدار نازح
فمن بائح في حبه غيـر كاتـم ومن كاتم من شوقه غير بائـح
خبير بها أن لا جـواب لسائـل ولكن وجدا هاج بيـن الجوانـح
فيا دارهم أين استقلت يد النـوى بهم فغدوا ما بين غـاد ورائـح
وأين الأولى تزهو بهم أربع اللوى فأضحت بوارا بين باك ونائـح
فلا الدمع من فقد الأحبة جامـد ولا السقم من بعد الخليط بنـازح
تلاعبن بي الأيام حتى تركننـي أنوء بأحداث الزمـان الفـوادح
فما لي وللدنيا ينال بهـا الغنـى دني وكدحي عندها غير رابـح
وينعم فيها كـل أرعـن جاهـل وأنه منها بعد طي الصحاصـح
تمر الليالي ليس أمـري بنافـذ ولا مطلبي يوما لديهـا بناجـح
ولا زمني عز ولا العيش لي به أنيق ولا مـا أرتجيـه بصالـح
سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا جد في نيل العلى والمدائـح
93
واقتادها ظمئى النفوس إلى العلا على سابح بحر الوغى أثر سابح
فلا رمت أسباب المعالي ولا رقا بي الشرف الأقصى على كل طامح
إذا لم أقف مرمى الأسنة مثلمـا غدا ابن علي بين بيض الصفائح
يصول بعزم ما الحسـام ببالـغ مداه ولا سمـر القنـا بملامـح
وأبض مثل البرق لو شاهد الردى لأرداه واجتاحته أيدي الجوائـح
وقوله من أخرى:
سل عن أهيل الحي سكان النقى أمغربـا قـد ييمـوا أم مشرقـا
يقدح زند الشوق فـي قلبـي إذا ذكرت في زرود ما قـد سبقـا
وفي لهيـب لوعتـي وعبرتـي أكـاد أن أحـرق أو أن أغرقـا
ما أومض البرق بأكناف الحمى من أرضهـم إلا وقلبـي خفقـا
ولا انبرت ريح الصبا من نحوهم إلا شممت مـن شذاهـا عبقـا
من ناشد لي بالركـاب مهجـة قد تبعت يـوم الرحيـل الأينقـا
عهدتهـم أسيـرة فـي حيهـم فمن لهـا يـوم المسيـر أطلقـا
يا أيهـا الغـادون منـي لكـم شوقا أذاب الجسـم منـي قلقـا
أبقيتـم مضناكـم لا يرتجــى لـه الشفـا ولا تسليـه الرقـا
لو يحمد الدمع على غيـر بنـي أحمد منه الدمع حزنا مـا رقـا
القاتليـن المحـل إن تتابعــت شهـب السنيـن جمعـا وفرقـا
والقائدين الجيش يمـلأ الغضـا رعبا وسكـان البسيـط رهقـا
الباذليـن فـي الإلـه أنفســا لأجلها ما فـي الوجـود خلقـا
إذا ذكرت كـرب يـوم كربـلا تكاد نفسـي حزنـا أن تزهقـا
جـل فهـان كـل رزء بعـده يأتي وأنسـى كـل رزء سبقـا
ما سئموا ورد الردى ولا اتقـوا بـأس العـدا ولا تولـوا فرقـا
94
حتى تفانوا والأسى فـي بـارق به التقى الدين الحنيـف والتقـى
فكم خليل في بنـي أحمـد ألفـا ه بنار الحـرب نمـرود الشقـا
وكم كليـم قـد تجلـت للـورى أنواره مذ خـر يهـوي صعقـا
وكم ذبيـح مـن بنـي فاطمـة يرى القنا في رأيه عيـن البقـا
غص بهم فم الردى من بعدمـا كان بهم وجه الزمـان مشرقـا
وقوله من أخرى أوله:
أثنتـك عمـا رمتـه الأقــدار أم فل صارم عزمك الأخطـار
يقول فيه:
يا غيرة الرحمن حتى مَ النـوى غار التصبر واستخـف الثـار
فمتى أراك بفيلـق مـن دونـه تهوى النفوس وتخطف الأعمار
في معشر إن لاح بارق بيضهـم ماجت له الأقطـار والأمصـار
وفوارس خطبت نفوسهم العلـى ولهـا رؤوس الدارعيـن نثـار
فالأرض خيل والسماء فـوارس والشهب بيض والفضاء غبـار
ورحى المنون تديرها أسد الشرى ودقيقهـا مـا يحصـد البتـار
ولقد أقول وأنـت أعلـم بالـذي قد قلت لكـن القلـوب حـرار
الله كـم تقضـي وإنـك عالـم قد هتكت عـن دينـك الأستـار
أفأنت لم تعلـم بمـا قـد نابنـا أنى وقد ضاقت بنـا الأقطـار
أم لم تكن بالمؤمنين أبـر مـن يعقـوب حيـن تنالهـا أشـرار
توفي رحمه الله بأجله سنة ألف ومائتين وست وتسعين، وجيء به إلى النجف محمولا على الرؤوس فدفن بالصحن الشريف عند الرأس في قبره، ورثته الشعراء على طبقاتهم، كالسيد حيدر والسيد إبراهيم والسيد محمد سعيد والسيد جعفر.

الجواد بن حسن بن طالب بن عباس

95

ابن إبراهيم بن الحسين بن عباس بن حسن بن عباس بن حسن بن محمد علي بن محمد البلاغي الربعي النجفي، نزيل سامرا اليوم:

هذا الفاضل من سلسلة علماء أتقياء، وهو اليوم مقتد بهم سام عليهم بالتصانيف المطبوعة المفيدة، عاشرته فكان من خير عشير، يضم إلى الفضل أدبا، وإلى التقى إباً، وله شعر حسن الانسجام، فمنه قوله:
دعـا عبرتـي للنـوى تستهـل فما قـدر قلبـي ومـا يحتمـل
دعانـي وشأنـي ولا تحمــلا على القلب داء النـوى والعـذل
يمينـا بمهبـط وفـد الحجيـج ومطرح جنب الطلـاح البـزل
وبيت أطـاف بـه المحرمـون وطـاف بـه الناسـك المبتهـل
ومستلـم النســك الطائفيــن ومهـوى الشفـاه بـه للقبــل
لئن حـال بعـد النـوى بيننـا وشطت ديـار وأعيـت حيـل
فعـن حبكـم أبـدا لا أميــل وعـن ذكركـم أبـدا لا أمـل
وقوله في قصيدة:
مدت إلى رمل الحمـى أعناقهـا طلائح قد شاقنـي مـا شاقهـا
تـزف زفـاف الظليـم نافـرا حيث الغـرام قادهـا وساقهـا
تلـوي إلـى نسيمـه خياشمـا معللـات بالمنــى أحداقهــا
همي اختلـاس نظـرة وهمهـا تمـلأ مـن حوذانـه أشداقهـا
ويا بنفسي مـن ظباهـم طفلـة مـا أنكـرت ناشئـة أطواقهـا
من لظماي مـن بـرود ريقهـا برشفـة قـد حرمـت مذاقهـا
وما سوى المحسود من مسواكها حتى الخيال بالمنى مـا ذاقهـا
وله من قصيدة في الحجة عليه السلام:
رويدكمــا أيهــا الباكيــان فمـا أنتمــا أول الوالهينــا
96
فكـم لنـواه جــرت عبــرة تقـل لهـا أدمــع العالمينــا
جرت ولها قبـل يـوم الفـراق ولم ترحل العيـس بالمزمعينـا
فلا نهنه الوجد فيـض الدمـوع وقد شطـت الـدار بالظاعنينـا
وبــان وأودعنــا حســرة ومـن لوعـة البيـن داء فينـا
أطـال نـواه ومــن نأيــه رزينا بمـا يستخـف الرزينـا
نقضـي اليالـي انتظـارا لـه فيا حسرتـا ونقضـي السنينـا
نطيــل الحنيــن بتذكــاره ويا برحـا أن نطيـل الحنينـا
فمـا لقيـت فاقـدات الحمـام من الوجد في نوحها مـا لقينـا
وله قصيدة يرد بها على معروف الرصافي في قصيدته التي أوله:
أيا علماء العصر يا من لهم خبر بكل دقيق حار من دونه الفكـر
وأول قصيدته قوله:
أطعت الهوى فيهم وعاصاني الصبر فها أنا مالي فيه نهـي ولا أمـر
ألفت بهم سهل القفار ووعرهـا وما راعني منهم سهل ولا وعر
أخا سفر أسيان اغتنـم السـرى من الليل تغليساً إذا عرس السفر
وزيافـة أعديتهـا بصبابتــي إذا هاجها شوق الديار فلا نكـر
أروح وقلبـي للواعـج والجـى مباح وأجفاني عليها الكرى حجر
وأحمـل أوزار الغـرام وأنــه غرام به ينحط عن كاهلي الوزر
وكم لذلي خلع العذار وإن يكـن بحبي لآل المصطفى فهو لي عذر
علقت بهم طفلا فكانت تمائمـي مودتهـم لا مـا يقلـده النحـر
ومازج دري حبهم يوم ساغ لي فعن ناظري غابوا وفي خاطري قروا
فمن نازح قد غيب الرمس شخصه ومن غائب قد حال من دونه الستر
وهي طويلة.
97
ولد في النجف في حدود سنة ألف ومائتين واثنتين وثمانين وهو اليوم في سامراء مجد بتحصيل العلم وزبره، أبقاه الله

ثم عاد إلى النجف في سنة ألف وثلاثمائة وثلاثين تقريبا، وجد في التأليف والتصنيف والتدريس، وطبع من كتبه جملة منها جلدان في التفسير.

وتوفي بذات الجنب يوم الاثنين الثاني والعشرين من شعبان سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وخمسين في النجف ودفن فيها، رحمه الله تعالى.

الجواد بن عبد الرضا بن عوادج البغدادي المعروف بمحمد جواد عواد:

كان فاضلا سريا، أديبا شاعرا، وكان ذا يسرة ممدحاً تقصده الشعراء، وللسيد حسين بن المير رشيد فيه مدائح جيدة ضمنها ديوانه، وكان المترجم قوي العارضة، فمن شعره قوله في مدح أمير المؤمنين:
أما ولياي قد شجاني انصرامهـا لقد سح من عيني عليها انسجامها
تولت فما حالفت في العمر بعدها سوى لوعة أودى بقلبي كلامهـا
وصرت أمني النفس والقلب عالم بأن الأماني مخطئـات سهامهـا
فلا حالفت قدري المعالي ولا رعت ذمامي إن لم يرع عندي ذمامها
بها بلغت نفسي إلى جل قصدها على أنها في القصد صعب مرامها
وما كل من رام انقياد العلى لـه بملقى إليه حيث شـاء زمامهـا
ليال بأكناف الغـري تصرمـت فيا ليتها بالروح يشرى دوامهـا
سقى الله أكناف الغـري عهـاده وحياه من غر الغوادي ركامهـا
ربوع إذا ما الأرض أمست ركوبة فمـا هـي إلا أنفهـا وسنامهـا
يباهي دراي الشهب حصباء درها ويزري بنشر المسك طيبا رغامها
98
بها جيرة قد أرضعوا النفس وصلهم فأودى بها بعد الرّضاع فطامهـا
سأرعى لهم ما عشت محكم صحبة مدى العمر لا ينفض عنها ختامها
إذا شاق صبا ذكر سلع وحاجـر فنفسي إليهـم شوقهـا وهيامهـا
فكم غازلتني في حماهم غزالـة يليق عـواذاً للنحـور كلامهـا
أقول وقد أرخت لثاما بوجههـا هل البدر إلا ما حـواه لثامهـا
أو الليل إلا من غدائـر فرعهـا أو الصبح إلا ما جلاه ابتسامهـا
وما المشرفي العضب إلا لحاظها ولا السمهري اللدن إلا قوامهـا
فيا ليتهـا لمـا ألمـت تيقنـت بـأن سويـداء الفـؤاد مقامهـا
فوالله مالي عن هوى الغيد سلوة وإن جار قلبي الشجي احتكامهـا
ولله نفسي كيف تبلى وفي الحشا تباريح وجد لا يطـاق اكتتامهـا
وأنى لها تسلو الهوى وغريمهـا إذا أزمعت نحو السلو غرامهـا
ألا ليس ينجي النفس من غمرة الهوى ولا ركن يرجى في هواه اعتصامها
سوى حبها مولى البرية من غدا بحق هو الهادي لهـا وإمامهـا
علي أمير المؤمنيـن ومـن بـه تقوض من أهل الضلال خيامها
مقام الندى، ركن الهدى، كعبة غدا على الناس فرضا حجها واستلامها
هو العروة الوثقى فمستمسك بها لعمري لا يخشى عليه انفصامها
وصي النبي المصطفى ونصيره إذا اشتد من نار الهياج احتدامها
له الهمة القعساء والرتبـة التـي تطلع في أعلى السماكين هامهـا
ينير به المحراب إن بات قائمـا بجنـح ليـال خيفـة لا ينامهـا
وإن نار حرب يوم روع تسعرت وشق على قلب الجبان اقتحامها
سطا قاطعا هام الكماة بصـارم غدا فيه يغتال النفوس حمامهـا
فكم فل جيشـا للطغـاة بعزمـة يهد الجبال الراسيات اضطرامها
99
وأفناهـم غـزوا بكـل كتيبـة على منهل الأقدام يبدو زحامهـا
تثير رياح الخيل فيهـا سحائبـا من النقع يهمي بالنجيع ركامهـا
بكل فتى ماضي العزيمة قد غدت له السابغات الغمد وهو حسامهـا
ألا إنمـا أحكـام ديـن محمـد بحيدر أضحى مستقيما قوامهـا
له معجزات يعجز الحصر ذكرها ويسجع بالحق المبيـن حمامهـا
فمنها رجوع الشمس في أرض طيبة وفي بابل إذ كاد يغشى ظلامهـا
فيا نبأ الله العظيـم الـذي بـه قد اشتد ما بين البرايا خصامهـا
فمن فرقة في الخلد فازت بحبـه وأخرى رماها في الجحيم أثامها
فأنت لعمري فلك نوح وجـذوة لموسى بها من طور سينا ضرامها
لقد فزت في عهد النبـي برتبـة لهرون من موسى أتيح اغتنامها
وأعظم منها أن رقيـت مناكبـا له قد تناهى مجدها واحترامهـا
فكسرت أصناما خفضت دعاتها برضك حتى ليس يرجى انضمامها
وكنت له في ليلة الغـار واقيـا بنفس لنصر الحق طال اهتمامها
عشية قـد رام العـداة اغتيالـه فخابت ولم تدرك مراما لئامهـا
وبت ضجيع العزم فوق فراشـه ولم تخش سوءا أضمرته طغامها
وجود الفتى بالنفس غاية جـوده وأنفس من ساد الرجال كرامهـا
أبا حسن يا ملجأ الخائف الـذي خطاياه قد أعيى الأساة سقامهـا
أغث موثقا في قيد نفس شقيـة تعاظم منها إصرها واجترامهـا
فليس لها حسنى سوى حبها لكم سيغدو عليـه بعثهـا وقيامهـا
وكن مسعفا بالحشر منك بشربة يبل بهـا إذ يحتسيهـا أوامهـا
فأنت قسيم النار والخلد في غـد إذا آن ما بيـن العبـاد قيامهـا
إليك يا أبا السبطين مني مدحـة يفوق على سمط اللئالي نظامهـا
100
هي الروضة الغناء باكرها الحيا وذكرك زهر والمديـح كمامهـا
غدت دون مدح الله فيك وإنمـا بذكرك يبهى بدؤهـا وختامهـا
فصلى عليك الله ما أنهل بـارق وما ناح في أعلى الغصون حمامها
وله غير ذلك من مطارحات ومدائح.

توفي سنة ألف ومائة وخمس وستين في بغداد، ولنصر الله الحسيني والشيخ أحمد الخياط والشيخ محمد علي بشارة، معه مطارحات ضمها ديوانه، رحمه الله.

الجواد بن محمد بن زين الدين الحسني الحسيني المعروف بسياه بوش:

كان فاضلا مشاركا في الفنون، مصنفا متصوفا متحدثا، صنف دوحة الأنوار في الآداب، وكان حسن الخط، وله مطارحات مع فضلاء عصره، وكان شاعرا، فمن شعره قوله مشطرا بيتي السيد نصر الله الحائري بقوله:
(يا واضع السكيـن فيـه وقـد) سمحـت بلـألاء لهـا شنباتـه
وتمنت الموتـى ترشفهـا وقـد (أهدت لها ماء الحيـاة شفاتـه)
(ضعها على المذبوح ثاني مرة) وارفق بمن حانت لديك وفاتـه
هل كنت في شك بعـود حياتـه (وأنا الضمين بأن تعود حياتـه)
وقوله معرب:
أبـي آدم بـاع النعيـم بحنطـة فلست ابنه إن لـم أبـع بشعيـر
بدا الوعد منه والوفا صح من أبي أبي شبـر أكـرم بـه وشبيـر
ومن شعره في المذهب قوله مصدرا هو ومعجزا للهادي النحوي لتصدير أخيه الرضا وتعجيز السيد أحمد، لدن رؤية قبلة أمير المؤمنين عليه السلام وقد جاؤوا من الحلة، وأنا أذكر الجميع وأشير إلى الرضا بالضاد، وإلى أحمد بالحاء، وإلى
101
الجواد بالجيم المقطوعة، وإلى الهادي بالهاء، وهو:
ض (انظر إليها تلوح كالقبـس) ه من نار موسى بدت لمقتبـس
ج ضاءت شهابا لرجم عفريـت ح (وبرق غيث همى بمنبجـس)
ض (أو غرة السيد الإمام أبـي) ه الأنوار من بالأنام لـم يقـس
ج خامس أهل الكساء من ولد ال ح (أطهار من قد خلا من الدنس)
ض (يا حبـذا بقعـة مباركـة) ه حوت ضريحـا لعالـم نـدس
ج تاهت بتعظيمهـا علـى إرم ح (فاقت بتقديمها على قـدس)
ض (لي اشتياقي فمذ حللت بها) ه غنيت في أنسها عـن الأنـس
ج مذ سيط لحمي بحبـه ودمـي ح (لم تخل نفسي منه ولا نفسي)
ض (شاهدت فيها بد التمام بدا) ه فقلـت نـور الإلـه فاقتبـس
ج يهدي البرايا بنـور حكمتـه ح (يحلو سناه غياهب الغلـس)
ض (إن فاه نطقي بغير مدحته) ه فاه لسانـي بنطـق محتبـس
ج أو أنني في سواه قلـت ثنـا ح (أبدلني الله عنـه بالخـرس)
ض (من قام للضد فيه مأتمـه) ه ما بين ذاك النضال والدعـس
ج فأمست الوحش منه في فرح ح (وأصبح الطير منه في عرس)
ض (سل عنه بدرا فكم بحملته) ه طار شظايا فـؤاد ذي شـرس
ج سل عنه حدا فكـم بوقعتهـا ح (من طائح رائح ومن نكـس)
ض (وسل حنينا عشية اشتبهت) ه ظلمـة ذاك القتـام بالدمـس
ج يا بؤس يوم لهم به التبسـت ح (نعال أفراسه مـع القنـس)
ض (هذا عن السرج خر منجدلا) ه ثاو وعهد الحياة منـه نسـي
ج وذام بالترب قد مضى شرقـا ح (وذا قضى نحبه على الفرس)
ض (وأصبح البر وهو بحر دم) ه فالجرد فيه تعـوم لـم تطـس
102
ج لا غرو بالسابحات لو وسمت ح (فما جرى حافر على يبـس)
ض (يفترس الأسد وهي شيمته) ه أسد قراع الهيـاج لا الخيـس
ج يا فارسـا فارسـا لشلوهـم ح (كم فارس وهو غير مفترس)
ض (يكسو اليتامى وما لصارمه) ه عار وما بالغمود قـط كسـي
ج مجـرد باليميـن ليـس لـه ح (غير استلاب النفوس من هونس)
ض (اختاره الله للبتول كما أخ) ه تار لهذا السما ضيـا الكنـس
ج وخص من دونهم بها وقد اخ ح (تيرت له من حسانها الأنس)
ض (ردت له الشمس وهي منقبة) ه في يثرب قد محت دجى الغلس
ج كذاك في بابل ومذ رجعـت ح (سما بها جهرة على الشمس)
ض (جدد رسم الهدى وقد طمست) ه آثـاره واستـدام فـي نحـس
ج (منه استمد السعود واتضحت) ح (أعلامه وهو غير منطمـس
ض يكفيك فخرا ما جاء في خبر الطا ه ئـف تكليـم خالـق الأنـس
ج وكم أتى في علاك من مثل الطا ح (ئر صدق الحديث عن أنس)
ض (ودست كتف النبي أنت ومن ه باريت فيـه حظيـرة القـدس
ج أصبحت دون الورى الإمام لذا ح (سواك كتف النبي لم يـدس)
ض (كسرت أصنام معشر لبسوا الده) ر أمــور الأنــام بالبلــس
ج فزلت ريب الشكوك عن وضح الد ح (ين فقد صار غير ملتبـس)
ض (إليك وجهن همتي فعسـى) ه (أبدل حظا بحظـي التعـس)
ج يورق عود المنى لدي لكـي ح (أعود والحظ غيره منعكـس)
ض (يا حاضر الميت عند شدته) ه محك أهـل النقـاء والدنـس
ج تعرف سيماهم ومـا عملـوا ح (ما كان من محسن بها ومسي)
ض (عد بالجميل الذي تعود على) ه مستمسك في ولاك من مـرس
103
ج وجد علـى وامـق تضمنـه ح (أحداث قبـر بأربـع درس)
ض (عسى أرى سيئي غدا حسنا) ه من رهق لا أخاف أو بخـس
ج يماط سكر الغواء من دنسـي ح (فتطهر الراح من أذى النجس)
ض (فانت لي حارس وفيك قد اس) ه تكفيت من خيفة ومن وجـس
ج ما ضرني صرت مفردا وبك استغ ح (نيت عن عدتي وعن حرسي)
ض (كن شافعي عند مالكي فبها) ه تيك الخطايا العظام منغمسـي
ج حاشاكـم تتركـون مادحكـم ح (أحمدج بالذنب أي مرتمـس)
ض (رضا بها يرتجي لديك رضا) ه هاد يرجي الهدى لذي اللبـس
ج جواد يرجو جدواك ملتمسـا ح (فأقبل رجائي وعد بملتمسي)
وله غير ذلك. توفي سنة ألف ومائتين وسبع وأربعين ببغداد وستأتي ترجمة أبيه في المحمدين.

الجواد بن محمد الحسين بن عبد النبي

ابن مهدي بن صالح بن علي الأسدي الحائري المعروف بالحاج بدكت بالكاف الأعجمية، وهو لقب لجدهم مهدي، لأنه أراد أن يقول بزغت فقالها لتمتمة فيه:

كان فاضلا أديبا شاعرا محاضرا مشهور المحبة لأهل البيت، فمن شعره قوله [من الكامل]:
فـوق الحمولـة لؤلـؤ مكنـون زعم العـواذل أنهـن غصـون
لـم لقبوهـا بالظعـون وأنهـا عرف الجنان بهن حـور عيـن
يا أيهـا الرشـأ الـذي سميتـه قمـر السمـاء وإنـه لقميــن
مهما نظرت وأنت مرآة الهـوى بك بان لـي مـلا يكـاد يبيـن
لم تجر ذكـرى نيـر وصفاتـه إلا ذكرتـك والحديـث شجـون
وقوله مخمسا الأبيات المشهورة:
104
قلت لصحبي حيـن زاد الظمـا واشتد بي الشوق لـورد اللمـى
متى أرى المغنى وتلـك الدمـى (قالوا غدا تأتي ديـار الحمـى
وينزل الركب بمغناهم)
هم سـادة قـد أجزلـوا بذلهـم لمـن أتاهـم راجيـا فضلهـم
فمن عصاهم لم ينـل وصلهـم (وكل مـن كـان مطيعـا لهـم
أصبح مسرورا بلقياهم)
قد لامني صحبي علـى غفلتـي إذ نظـرت غيرهــم مقلتــي
فمذ أطالـوا اللـوم فـي زلتـي (قلت فلي ذنـب فمـا حيلتـي
بأي وجه أتلقاهم)
يا قـوم إنـي عبـد إحسانهـم ولـم أزل أدعـى بسلمانهــم
فاليوم هـل أحظـى بغفرانهـم (قالوا أليس العفو مـن شأنهـم
لا سيما عمن تولاهم)
فمــذ تفكــرت بآدابهـــم وإن حسن العفـو مـن دابهـم
ملـت إلـى تقبيـل أعتابهــم (فجئتهـم أسعـى إلـى بابهـم
أرجوهم طورا وأخشاهم)
جعلت زادي في السرى ودهـم ومـوردي فـي نيتـي وردهـم
وقلت هم لـم يخجلـوا عبدهـم (فحين ألقيـت العصـا عندهـم
واكتحل الطرف بمرآهم)
لـم أر فيهـم مــا تحذرتــه بل لـاح بشـر كنـت بشرتـه
كأنمــا فيمـــا تفكرتـــه (كـل قبيـح كنـت أصررتـه
حسنه حسن سجاياهم)
وله في المذهب شعر كثير مديحا ورثاء، ضمن مراثية الحسينية قوله من قصيدة:
105
وراكبـة ممـن أبوهـن أحمـد جرى الوجد في أحشائها جري سابق
تنادي بصوت يملأ الدهر حسرة ويوهي احتطام الراسيات الشواهق
لقد كنت مأوى كل من حط رحلها وفاجئها صرف الزمان بطـارق
ورحلي على المجد الأثيل موطئ وجارى القضا يندك دون سرادقي
فأصبحت لا ذو عزة فيحوطنـي ويصرف عني كيد كـل منافـق
أقلب طرفي لا حمي ولا حمـى سوى هفوات السوط ما بين عاتقي
أسبى ولا ذاك الحسام بمنتضـى أمامي ولا ذاك اللـواء بخافـق
توفي في حدود سنة ألف ومائتين ونيف وثمانين في كربلاء ثم دفن بها وله ذرية بها الآن متحرفون.

الجواد بن محمد بن شبيب النجفي المعروف بالشبيبي أبو الرضا الآتي ذكره:

قبلة الأدب التي تحج، وريحانته التي تشم ولا تزج، وجواده السابق في مضماري النثر والنظم، والباذل حيث وجد، فما عرف الضيم، عاشرته فوجدته حسن العشرة، مليح النادرة، صافي النية، حلو الفكاهة، قوي العارضة، مع تمسك بالدين، والتزام بالشرع، مودة لأهل الفضل، وله شعر سهل اللفظ، جزل المعنى، حلو الانسجام، فمنه قوله في قصيدة أوله:
دعهـا تلـف فــلا بنفنــف لتجوبهـا حزنـا وصفصــف
حــرف تكــاد لضعفهــا من خط سكر الركـب تحـذف
إن أذملــت فقــل الظليــم لمرتمـى البيــداء قــد زف
تسئـل مـن نفــس الصبــا روحـا بجسـم البـرق تقـذف
وتلـوح فـي لجــج الســرا ب كأنهـا صـرح مسجــف
ومنها في القلم:
106
أمشقــف القلــم الـــذي مـن دونـه الرمـح المثقــف
تجــري سلافــة ريقـــه فتعبهــا الأفكــار قرقــف
ورد الفصاحــة لــم يكــن لولــاه بالإمــلاء يقطــف
جـوف العـدو يضيـق مــن نفثـات أرقمــه المجــوف
فكأنــه قلـــم القضـــا إن يجـر يومـا مـا توقــف
وقوله من قصيدة:
أيا ظبي الصريم غضا فـؤادي مقيلك حيث تـأوى لا الصريـم
جرى فيك الغرام على اختلـاف فصبر ظاعـن وجـوى مقيـم
وشوق صح فـي قلـب سقيـم به من لحظك الماضـي كلـوم
سرى مـن مقلتيـك لـه سقـام فأعـداه وقـد يعـدى السقيـم
أيطعنني قوامـك وهـو خـوط ويصرعني هواك وأنـت ريـم
وقوله من قصيدة:
أعقيق ما شفـه الحسـن أم فـم شق قلب البـروق لمـا تبسـم
وعلى وجنتيك خـط يـراع ال حسن حرفا بمسكة الخال معجـم
بلدي المعطي من الأنـس لكـن وافـق الريـم طبعتـه فتريـم
أيهـا المجتلـي المحيـا أبـدرا مشرقا قد جلوت من مطلع التـم
أم صفات الضيا تجلـت فشمنـا أنجما من ثواقـب النجـم أنجـم
وهذه القصيدة هنأ بها الرضا الأصفهاني الآتي ذكره عن ولد له سماه غانما، وهنأه السيد جعفر الحلي أيضا بقصيدة أوله:
ألقت يميني السيـف لمـا رنـا وما عرفت الرمـح لمـا انثنـى
فتوفي المولود بعد سبعى أيام فعملت له قصيدة في التسلية أوله:
ذكـروه ريـم اللـوى وكناسـه فثنى طرفـه وأطـرق رأسـه
107
أقول فيه:
غصن ناضر الجني مـا جنينـا ورده لا ولا نظرنــا آســه
قبضتـه اليمنـى سيفـا وألقتـه كمـا قـال جعفـر بالفراسـه
وأحسن الجـواد منـه ابتسامـا شق قلبا ما كان أذكـى حواسـه
وله شعر في مدح الأئمة عليهم السلام ومراثيهم، فمنه قوله مخمسا لأبيات الحسين القزويني الآتي ذكره التي مدح بها أمير المؤمنين عليه السلام في الطيف:
بمدحك نصـا فـم الذكـر فـاه فكنت المصـب لمجـرى ثنـاه
ترى ما يرى اللـه فيمـا يـراه (أبا حسـن أنـت عيـن الإلـه
فهل عنك تغرب من خافيه)
بك اجتمع الدين بعـد الشتـات ولان لك الشـرك ليـن القنـاة
ولـاك المفـاز فأنـت النجـاة (وأنت مديـر رحـى الكائنـات
وإن شئت تسفع بالناصية)
وأنت المصرف مجرى القضـاء فتمحـو وتثبـت أنـى تشــاء
وأنـت المشفـع يـوم الجـزاء (وأنـت الـذي أمـم الأنبيـاء
لديك إذا حشرت جاثيه)
بـك الحـق أســس بنيانــه وعـن الهـدى شـع برهانــه
معـاد الـورى أنـت عنوانـه (فمـن بـك قـد تـم إيمانــه
يساق إلى جنة عالية)
حباك الإلـه بمـا قـد حبـاك فأسـرى بقـوم تحلـوا ولـاك
إلى جنة زخرفت فـي رضـاك (وأمـا الذيـن تولـوا سـواك
يساقون دعا إلى الهاوية)
وقوله مخمسا قصيدة الحسين أيضا في مدح الإمامين الجوادين عليهما السلام،
108
وستأتي في ترجمته مع تخميس السيد جعفر له:
لح بقلب الدجـى ملـاح سهيـل وتحـدر عـن الأكـام كسيـل
ولمسـراك شـد جيبـا بذيـل (أيهـا الراكـب المجـد بليـل
فوق وجناء من بنت العيد)
نصل الخف صافع البرق بالخف وتعيد النسيـم بالعجـز برسـف
هي حرف خطت على الوهد أحرف (قد أخفاها السرى طول ما تف
لي بأخفاها نواصي البيد)
كنها الليل فـي سويـداه سـرا فسرت كالعقاب يطلـب وكـرا
وأنيرت ترجع الكواكب حسـرى (فهي كالسهم أمكنتـه يـد الـرا
مي أو الريح هب بعد ركود)
لف منهـا الظلـام فتلـى ذراع قرحـت همـة بسـن جــذاع
هـي والبـرق جليـا بالتمـاع (لم يعقها جذب البرى عن زماع
لا ولا الشيح من ثنايا زرود)
أنبأتنـا عـن الجديـل وشدقـم بحشى مخطف ووطـأة منسـم
ما تراها تكاد تولج فـي السـم (تترامى ما بيـن أكثبـة الـرم
ل ترامي الصلال بين النجود)
ألهـب البـرق قلبـه حسـرات حين جـازت وميضـه بفـوات
أحرزت فـي سباقـه قصبـات (تلتـوي كالقسـي معطفــات
أو كشطن من الطوي البعيد)
هـي أدنتـك للرجـا وتنـاءت دع خطاها وسيرها كيف شاءت
ما سراهـا إلا للنـار أضـاءت (لا نقم صدرها إذا ما تـراءت
نار موسى من فوق طور الوجود)
109
نار رشد عين الهـدى خالستهـا ويـد الصبـح بالسنـا قابستهـا
لا تخل نفـس شـارق نافستهـا (تلك نـار الكليـم قـد آنستهـا
نفسه حين بالنبوة نودي)
قذف النون في سناها ابن متـى وابن عمران للهـدى فيـه متـا
شام مقباسها شأي الشهب سمتـا (وتجلـت لـه فأبهـت حتــى
صعقا خر فوق طور الوجود)
مشرف فوقـه النبـوة تفـرس شرفـا ريقـا لأنفـس أنفــس
حـل واديـه فهـو واد مقـدس (وترجل فذاك مزدحـم الـرس
ل وهم بين ركع وسجود)
حـرم فـاز بالمنـى منتحيــه ومطاف والرسل مـن طائفيـه
معكف جل عـن مثـال شبيـه (كيف لا تعكف الملائـك فيـه
وبه كنز علة الموجود)
كوثـر أسبـل المهيمـن فيــه سلسبيـل الثنــاء والتنويــه
شيع المرسليـن مـن وارديـه (فهي لولـاه لـم تـرد وأبيـه
صفو عذب من سلسل التوحي)
لم تحدده فكـرة خـوف لبـس فهو لم يتضح بفصـل وجنـس
أشكل الأمر منه سلطـان قـدس (ملك قائـم علـى كـل نفـس
بهدي المهتدي وكفر العنيد)
هو باب الله الـذي منـه يؤتـى صاغه الله مـن مناقـب شتـى
كم بدت من جلالـه جـل نعتـا (آيـة تمـلأ العوالـم حتــى
جاوزت بالصعود قوس الصعود)
دعم الديـن مـن علـاه بقـوة ورعى الأحكـام عهـد النبـوه
110
قصر الوهـم أن يدانـي علـوه (لم يحطه وهم وهل يرتقي الوه
م لأدنى طرافه الممدود)
سفرت عن سنـاه هالـة حـق توضح الرشد بين غرب وشرق
جـل معنـاه لا يحـد بنطــق (من تعدى عمن سـواه بسبـق
كنه معناه [عن] تحديد)
أنت يا متعبا من العيـس عنسـا كدت تردي في خوضك الآل نفسا
أن تطالع من مطلع الشمس قدسا (حي من مطلع الإمامـة شمسـا
هي عين القذى لطرف الحسود)
ضل من حاد عن سناها وتاهـا واهتدى النجد قابس من ضياهـا
فهي الشمس فـي قبـاب قباهـا (تبهـج الكائنـات روح سناهـا
ولقلب الجحود ذات الوقود)
زر حمى برجها ولا تخش وزرا واتخذها أن أعوز الذخر ذخـرا
واطو عما سوى الإمامة نشـرا (وانتشق من ثرى النبوة عطـرا
نشرة ضاع في جنان الخلود)
وأو منهـا لظـل أمـن مديـد فهـي كهـف للاجـئ وطريـد
واهو في ساحها هـوي سجـود (والتثـم للجـواد كعبـة جـود
تعتصم عندها بركن شديد)
هو بدر عن مبلج الحـق شعـا هو بحـر عـذب تدفـق نفعـا
هو سيـف أجـاده اللـه طبعـا (هو غيث الوجود إن قطب العا
م وغوث للخائف المطرود)
باسمه للسمـا تسامـى المسيـح وبأسـراره تفــادى الذبيــح
هو من جسم حكمـة اللـه روح (هو سـر الإلـه لولـاه نـوح
111
فلكه ما استقر فوق الجودي)
سيـد يأمـر العبـاد وينهــى وإليـه أمـر الخليقـة ينهــى
حبه نثـرة نبـا الشـرك عنهـا (جنـة أتقـن المهيمـن منهـا
محكم السرد لا يدا داود)
نبـذ اللـه بالعـرى نابذيهــا وكسـى حلـة الـولا لابسيهـا
مس بمنسوجها الجلالـي تيهـا (لا تبالـي إذا تحـرزت فيهـا
برقيب من زلة أو عتيد)
عن رضا الله قد تراءى رضاكم وسنـاه منـه استمـد سناكــم
عـز مـن شـد أزره بولاكـم (يا أميري لا أرى لـي سواكـم
آمرا ماسكا بحبل وريدي)
بالروا منكمـا الموالـي يخـص يوم لا النـزر ينتحـى فيمـص
أنتمـا سلسلـي فلسـت أغـص (أنتما عصمتي إذا نفـخ الصـو
ر وأمني من هول يوم الوعيد)
كنت والـذر عالـم مـا لديـه جسـد يسمـع النــدا أذنيــه
قائـلا والمقـال أصبـو إليـه (قـد تغذيـت حبكـم وعليــه
شد عطمي وابيض في الرأس فودي)
زدت فيكـم تمسكـا ووثوقــا وبكـم أنهـج المفـاز طريقـا
ذا ولاكم أعـاد عـودي وريقـا (كيف أخشى من الجحيم حريقـا
وبماء الولاء أورق عودي)
وله غير ذلك.

ولد سلمه الله سنة ألف ومائتين وثمانين فيما أخبرني هو به.

وهو اليوم حي أحيى الله به الكمال والفضل، آمين.
112
ثم توفي في بغداد يوم الأربعاء الخامس من ربيع الأول من سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وستين وجيء به إلى النجف في السادس والعشرين ودفن في المقبرة المحاذية لداره الواقعة قي البراق المنسوبة لجده، وكان دفنه ليلة الجمعة، وكان لاستقبال جنازته وتشييعها من أهل بغداد وكربلاء وغيرهما أمر عظيم.

الجواد بن محمد علي الحسيني الأصفهاني الحائري الشهير بالهندي:

كان فاضلا، تتلمذ على الشيخ زين العابدين الحائري بالفقه، وكان ذاكرا نائحا على الحسين عليه السلام خطيبا وقورا، طلق اللسان، يترجح المنبر إذا ارتقى منه الأعواد، فيتفوه بأطيب مما يتفوه به قس بن إياد، وكان أديبا شاعرا له مطارحات مع أدباء الحائر، فمن شعره قوله:
ألا هـل ليلـة، فيهـا اجتمعنـا ومـا إن جاءنـا فيهـا ثقــال
ثقـال حيثمـا جلسـوا تراهـم جبـالا، بـل ودونهـم الجبـال
ومن شعره في المذهب قوله من حسينية أوله:
رحلتـم ومـا بيننـا موعــد وأثركــم قلبــي المكمـــد
وبـت وحيـدا بعيـد البعــاد فـلا مسعـف لـي ولا مسعـد
وفارق طرفـي طيـب الرقـاد وفـي سهـده يشهـد الفرقــد
أعللـه نظـرة فـي النجــوم وشهـب النجـوم لـه تشهــد
أقـوم اشتياقـا لــه تــارة وأخـرى علـى خيبـة أقعــد
ويشمت بـي حاسـدي بعدكـم كما كنـت فـي قربكـم أحسـد
يكفكف كفـي دمعـي الغزيـر فيرسلــه طرفــي الأرمــد
يطـارح بالنـوح ورق الحمـام بتذكاركــم قلبــي الموقــد
113
ومـا كـان ينشـد مـن قبلكـم فقيـدا فـلا والــذي يعبــد
سوى من بقلبـي لـه مضجـع ومـن بالطفـوف لـه مشهـد
ومـن رزئـه مـلأ الخافقيـن وإن نفــد الدهــر لا ينفــد
فمن يسأل الطـف عـن حالـه بقــص عليــه ولا يجحــد
بــأن الحسيــن وفتيانـــه ظمايا بأكنافـه قـد استشهـدوا
أبا حسـن يـا قـوام الوجـود ويا من به الرسـل قـد سـددوا
وريـت وأنـت نزيـل الغـري وفوق السمـا خطبهـا الأمجـد
بـأن بنيـك برغـم العــدى على خطـة العـز قـد بـددوا
مضوا بشبا ماضيات السيـوف ومـا مـد للـذل منهـم يــد
رأوا عزهم في اعتنـاق الظبـا يـوم الوغـا والوغـا تشهــد
بأنهـم قـد رعــوا حقهــا بمشرعـة الحتـف مـذ أوردوا
وله غير ذلك شعر كثير، ولكنه كما تراه في الطبقة الوسطى.

توفي رحمه الله بعد مجيئه من الحج في كربلاء سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وثلاثين، ودفن في كربلاء وله ولدان سالكان مسلكه من النياحة على الحسين عليه السلام، وفقهما الله تعالى.

الجواد بن محمد بن محمد بن [حيدر بن إبراهيم بن] أحمد بن قاسم بن علي بن علاء الدين الأعرج الحسيني العاملي، صاحب مفتاح الكرامة:

كان فاضلا خبيرا بأقوال العلماء في الدين، تقيا مصنفا، حضر في النجف عند الشيخ جعفر كاشف الغطاء على السيد مهدي بحر العلوم، وكان أديبا شاعرا عالي الطبقة في الشعر، فمن شعره قوله رحمه الله:
114
وبرق ضئيل الطرتيـن تخالـه مخاريق مطرود بليـل وطـارد
ذكرت به صحبي عشية قوضوا على متن محمول على متن ساعد
ومن يرفض الدنيا الورود فزاهد ومن زهدت فيه فليـس بزاهـد
وأحسن شيء عفو من كان قادرا وأقبح شيء شاع خلق المواعـد
ومهما أسر المرء بـأن وجهـه كما بان في المرآة وجه المشاهد
وقد تدمع العينان من ذي مسـرة ويضحك ثغر المرء من قلب واحد
وللسيف نبـوات وللنـار خبـوة وللحر سقطـات وليـس بعامـد
ومن شعره في مدح أمير المؤمنين عليه السلام قوله:
تالله ما عرف الإله من الـورى غيـر النبـي محمـد ووصيـه
كلا ولا عـرف النبـي محمـدا غيـر الإلـه بكنهــه ولليــه
وكذاك ما عرف الوصي بكنهـه أحد سـوى رب السمـا ونبيـه
وله في الحسين عليه السلام شعر كثير فمنه قوله في حسينية يشطر بها الأبيات المشهورة في رثاء الحسين عليه السلام أوله:
زموا الركائب للرحيل وأزمعـوا فهي الدمـوع مـودع ومـودع
ومقام التشطير قوله:
(الله أكبـر والعجائـب جمـة) أيكون ما قـد كـان أو يتوقـع
رأس ابن بنت محمـد ووصيـه (كالبدر في أفق الأسنـة يطلـع)
(رأس به خلق السماء وأرضها ( للناظريـن علـى قنـاة يرفـع
والمسلمـون بمنظـر ومسمـع (فكأنهم لم ينظروا أو يسمعـوا)
(يتنعمون ويمرحـون غوايـة) لا جـازع منهـم ولا متوجـع
كحلت بمنظرك العيـون عمايـة (وجرت بمحمر النجيع الأدمـع)
(وأعاد يومك كل ألسـن أبكمـا وأصم رزؤك كـل أذن تسمـع
115
عين علاها الكحل فيك تفرقعت (ومعاطس شمخت تجد وتجدع)
وفم تبسـم بالسيـوف مخـذم) ويد تصافح في البريـة تقطـع
أيقظت أجفانا وكنت لها كـرى (وأهجت لاعج لوعـة لا تقلـع)
(وأمت قلبا كنت عيـن حياتـه) وأنمت عينا لم تكن بـم تهجـع
مـا روضـة إلا تمنـت أنهـا (لك موطئ ولترب نعلك موقع)
(والعرش والأفلاك ودت أنهـا) لك تربة ولخط قبـرك موضـع
وله غير ذلك كثير.

توفي سنة ألف ومائتين وست وعشرين بالنجف ودفن فيها بقبر معروف في الصحن، وله ذرية في النجف والجبل سلمهم الله.
116

حرف الحاء

الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث الحمداني، الأمير أبو فراس:

كان كما قال الثعالبي: ((فرد الدهر، وشمس العصر إباء وفضلا وكرما ونبلا ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة ومعه رواء الطبع وسمة الظرف، وعزة الملك، وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبرز، ورومياته التي قالها وهو أسير الروم لو سمعتها الوحش أنست، أو خوطبت بها الخرس نطقت، أو استدعيت بها الطير نزلت)).

فمن محاسن شعره قوله في الغزل:
أيــا مــن وجهــه بــدر وفــي ألحاظــه سحـــر
ويــا مــن حبــه مــاء ويـا مــن قلبــه صخــر
لقـد قــام لــدى العــاذل مـن وجهــك لــي عــذر
فكاشفتــك عــن وجــدي لمــا غرنـــي الصبـــر
ومـا بحــت بمــا ألقــاه حتــى أنهتـــك الستـــر
وقوله:
قد كنت عدتي التي أسطـو بهـا ويدي إذا اشتد الزمان وساعـدي
#فرميت منك بعكس مـا أملتـه والمرء يشرق بالزلـال البـارد
وقوله:
ولما صال سيف الديـن صلنـا كمـا هيجـت آسـادا غضابـا
أسنتــه إذا لاقــى طعانــا وأنصلـه إذ لاقــى ضرابــا
دعانـا والأسنـة مشرعــات فكنـا عنـد دعوتـه جوابــا
117
ومن شعره في المذهب قصيدته التي تقدمت مخمسة لإبراهيم بن يحيى وابن صادق العاملي حسينيته أوله:
الحق مهتضم والدين مخترم
وقد قالها لما سمع ما قاله ابن سكرة العباسي في الأئمة من قصيدته التي أوله:
بنـي علـي دعـوا مقالتكــم لا ينقص الدر وضع من وضعه
فغاظه ولم يحب أن يوازنها ترفعا منه عن معارضته لسفاهته.

وقوله في الحسين مما رواه ابن خالويه في شرح ديوانه:
يـوم بسفـح الـدار لا أنسـاه أرعى له دهـري الـذي أولـاه
يوم عمرت العمـر فيـه بفتيـة من نورهم أخـذ الزمـان بهـاه
فكأن أوجههـم ضيـاء نهـاره وكـأن أوجههـم نجـوم دجـاه
ومهفهف كالغصن حسن قوامـه والظبي منـه إذا رنـت عينـاه
نازعته كأسـا كـأن ضياءهـا لما تبدت فـي الظلـام ضيـاه
في ليلة حسنـت لنـا بوصالـه فكأن غدت مـن حسنهـا إيـاه
وكأنمـا فيهـا الثريـا إذ بـدت كف تشيـر إلـى الـذي تهـواه
والبدر منتصف الضيـاء كأنـه متبسـم للكـف يفتــح فــاه
ظبي لو أن الفكـر مـر بخـده من دون لحظـة ناظـر أدمـاه
إن لم أكن أهواه أو أهوى الردى في العالمين لكـل مـن يهـواه
فحرمت قرب الوصل منه مثلما حرم الحسين الماء وهـو يـراه
إذ قال اسقوني فعـوض بالقنـا من شرب عذب الماء مـا أرواه
واحتز رأسا طالما مـن حجـره أدنتـه كفــا جــده ويــداه
يـوم تغيـر كـان فيـه وإنمـا يملـي لظلـم الظالميـن اللــه
وكذاك لـو أردى عـداة نبيـه ذو العرش ما عرف النبي عـداه
118
يوم عليه تغيرت شمس الضحى وبكت دمـا ممـا رأتـه سمـاه
لا عذر فيه لمهجة لـم تنفطـر أوذي بطاء لـم تفـض عينـاه
تبـا لقـوم تابعـوا أهواءهــم فيمـا يسوءهـم غـدا عصبـاه
أتراهم لم يسمعـوا مـا خصـه فيه النبـي مـن المقـال أبـاه
إذ قال يوم غديـر خـم معلنـا من كنـت مولـاه فـذا مولـاه
هـذي وصيتـه إليـه فاعلمـوا يا من يقول بـأن مـا أوصـاه
أقروا من القرآن ما في فضلـه وتأملـوه وافهمــوا فحــواه
لو لم تنزل فيه إلا (هـل أتـى) مـن دون كـل منـزل لكفـاه
من كان أولى من جنى القرآن من لفـظ النبـي ونطقـه وتلــاه
من كان صاحب فتح خيبر من رمى بالكـف منـه بابـه ودحــاه
من عاضد المختار من دون الورى من آزر المختـار مـن آخـاه
من بات فوق فراشـه متنكـرا لمـا أطـل فراشــه أعــداه
مـن ذا أراد إلهنــا بمقالــه الصادقـون القانتـون ســواه
من خصه جبريل من رب العلى بتحيـة مـن ربــه وحبــاه
أظننتـم أن تقتلــوا أولــاده ويظلكـم يـوم المعـاد لــواه
أو تشربوا من حوضـه بيمينـه كأسا وقد شرب الحسيـن دمـاه
طوبى لمن ألفـاه يـوم أوامـة فاستـل يـوم حياتـه وسقــاه
قد قال قبلي من قريـض قائـل (ويل لمـن شفعـاؤه خصمـاه)
أنسيتـم يـوم الكسـاء وأنــه ممن حواه مـع النبـي كسـاء
يـا رب إنـي مهتـد بهداهـم لا أهتـدي يـوم الهـدى بـواه
أهوى الذي يهوى النبـي وآلـه أبدا وأشنـأ كـل مـن يشنـاه
وأقـول قـولا يستـدل بأنــه مستبصـر مـا قالــه ورواه
119
شعرا يود السامعـون لـو أنـه لا ينقضي طول الزمـان مـداه
يغري الرواة إذا روتـه بحفظـه ويـروق حسـن رويـه معنـاه
ولد سنة ثلاثمائة وعشرين أو إحدى وعشرين.

وتوفي قتلا في حرب جرت بينه وبين موالي أسرته سنة ثلاثمائة وسبع وخمسين ورثته الشعراء.

حبيب بن أوس بن الحارث

ابن قيس بن الأشيخ بن مروان بن مر بن سعد بن كاهل، بن عمرو بن عدي بن عمرو بالغوث بن طيء. أبو تمام الطائي الشهير:

كان حفظة يحفظ أربعة عشر أرجوزة للعرب غير القصائد والمقطعات، وشاعرا مفلقا، حسن البديهة، مدح أحمد بن المعتصم العباسي بقصيدة أوله:
ما في وقوفك ساعة مـن بـاس نقضي رسوم الأربـع الـأدراس
فأنشده إياها حتى وصل إلى قوله منه:
إقدام عمرو في سماحـة حاتـم في حلم أحنف في ذكـاء إيـاس
فقال أبو يوسف يعقوب بن الصباح الكندي وكان حاضرا: الأمير فوق ما وصفت، فأطرق قليلا ثم رفع رأسه فقال:
لا تنكروا ضربي له من دونـه مثلا شرودا في النـدى والبـاس
فالله قد ضـرب الأقـل لنـوره مقلا مـن المشكـاة والنبـراس
ثم استمر على إتمام القصيدة، ولما أخذت القصيدة منه لم ير فيها هذان البيتان، فعجب من بديهته.

وقال الكندي: إنه لقصير العمر، فإن هذا الذكاء قاتل.

وذكر له المؤرخون جملة من الأحاديث والماجريات وهي موجودة مطبوعة.

ومن رقائق أغزاله قوله رحمه الله:
120
يا شادنا صيـغ مـن الشمـس تـه بالملاحـات علـى الإنـس
واللـه لـولا اللـه لا غيــره وخوفـي النـار علـى نفسـي
صليت خمسا لـك مـن هيبـة وزدت ثنتيـن علـى الخمــس
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة:
ويوم الغدير استوضح الحق أهله بفيحاء لا فيها حجاب ولا ستـر
أقام رسول اللـه يدعوهـم بهـا ليقربهم عـرف وينهاهـم نكـر
يمـد بضبعيـه ويعلـم أنــه ولي ومولاكم فهـل لكـم خبـر
يروح ويغـدو بالبيـان لمعشـر يروح بهم غمر ويغدو بهم غمر
فكان لهم جهـر بإثبـات حقـه وكان لهم في بزهم حقـه ستـر
ومنه:
فعلتـم بأبنـاء النبـي ورهطـه أفاعيل أدناها الخيانـة والغـدر
ومـن قبلـه خلفتـم لوصيــه بداهية دهياء ليـس لهـا قـدر
أخوه إذا عد الفخـار وصهـره فلا مثلـه أخ ولا مثلـه صهـر
وشـد بـه أزر النبـي محمـد كما شد موسى بهارونـه الـأزر
طغى من عليها واستبدوا برأيهم وقولهـم إلا أقلهــم الكفــر
لكم ذخركم إن النبـي ورهطـه وحبلهم ذخري إذا التمس الذخـر
جعلت هواي الفاطمييـن زلفـة إلى خالقي ما دمت أو دام لي عمر
وهي طويلة. ولا حاجة لنقل شعره لأن ديوانه مطبوع.

ولد سنة ثمان وثمانين، أو تسعين، أو اثنتين وتسعين ومائة.

وتوفي بالموصل سنة إحدى، أو اثنتين وثلاثين ومائتين، ورثاه دعبلا وعبد السلام بن رغبان بأبيات أذكرها فيما بعد إن شاء الله.

حبيب بن مهدي من آل شعبان النجفي، المعروف

121

بالشيخ حبيب شعبان:

فاضل ذكي، وناسك زكي، وأديب حسن الحاضرة، ظريف المعاشرة.

كان أبوه في النجف ذا حرفة لم تتسع لإعاشة ولده وهو ذو همة سامية، فسافر إلى كربلاء وحضر على السيد محمد باقر الطباطبائي مدة ثم فارقها لإباء فيه وشهامة وعزة نفس فعزفت به همته إلى جهة الهند وهو اليوم بها منقطع عني خبره وكان أليفا لي في النجف وشريكي في بعض الدروس. وله شعر في الطبقة الوسطى لم يكد يمدح به إلا أهل البيت عليهم السلام، فمنهم قوله:
هي الغيد تسقي من لواحظها خمرا لذلك لا تنفك عشاقهـا سكـرى
ضعائف لا تقوى قلوب ذوي الهوى على هجرتها حتى تموت به صبرا
وما أنـا ممـن يستلبـن فـؤاده وينفثن بالألحاظ في عقله سحرا
يقول فيه:
عليك أبا السجاد ما أحسن البكـا وما أقبح الدنيا لفقدك والصبـرا
أتقضي ولم تشرب من الماء قطرة تريبا وفيك الناس تستنزل القطرا
وتعدو عليك العاديـات مجـردا ترض لك الصدر الذي استودع السرا
ويرفع فوق الرمح منك محجـب إذا ما تبدى حجب الشمس والبدرا
وقوله من أخرى:
يا أمـة نبـذت وراء ظهورهـا بعـد النبـي إمامهـا وكتابهـا
ماذا نقمت من الوصي ألم يكـن لمدينة العلـم الحصينـة بابهـا
أم هل سواه أخ لأحمد مرتضـى من دونه قاسي الكروب صعابها
يقول فيه:
منعته من ماء الفرات ومكنـت منهـا خنازيـر الفـلا وذئابهـا
122
حتى قضوا عطشا فلا تهمي السما أسفا ولا تزجي الرياح سحابهـا
أضحت بهم ثكلى شريعة أحمـد ويسبط أحمد ما أجـل مصابهـا
تبدي الحداد عليه وهـي حقيقـة لكن فيض دماه كـان خضابهـا
وله غير ذلك.

ولد في حدود سنة الألف والمائتين والتسعين.

الحسن بن راشد بن عبد الكريم المخزومي الحلي:

كان فاضلا مصنفا أديبا شاعرا، قرأ على المقداد في النجف، وذكر وفاته، ونظم ألفية الشهيد الأول، فمن شعره قوله من قصيدة علوية يعارض بها الشفهيني أوله:
فروع قريضي للبديـع أصـول لها في المعاني والبيان أصـول
وصارم فكري لا يفـل غـراره ومن دونه العضب الصقيل كليل
سجية نفسي إنهـا لـي سجيـة تميل إلى العليـاء حيـث أميـل
يقول فيه:
فيا خير مبعـوث بأعظـم منـة وأكرم منعـوت عنتـه أصـول
تقاصر عنك المدح في كل مادح فماذا عسى فيمـا أقـول أقـولُ
فقد قال فيك الله جـل جلالـه من الحمد مدحا لم ينله رسـول
لأنت على خلق عظيم كفى بهـا فماذا عسى بعـد الإلـه نقـول
مدينة علم بابها الصنـو حيـدر ومن غير ذاك الباب ليس دخول
إمام برى زند الضلال وقد روى زناد الهدى والمشركين خمـول
مولى له من فوق غارب أحمـد صعود بـه للحاسديـن نـزول
فكسر أصنام الطغـاة بصـارم بدت للمنايا فـي شبـاه نمـول
تصدق بالقرص الشعير لسائـل ورد عليه القرص وهـو أفـول
وقائعه في يـوم أحـد وخيبـر لها في حدود الحادثـات فلـول
123
وبيعـة خـم والنبـي خطيبهـا لها في قلوب المبغضين نصـول
فيا رافع الإسلام من بعد خفضه وناصب دين الله حيـث يميـل
أعزيك بالسبط الشهيـد فـرزؤه ثقيل على أهل السمـاء جليـل
دعته إلى كوفان شـر عصابـة عصاة وعن نهج الصواب عدول
فلمـا أتاهـم واثقـا بعهودهـم أمالوا وطبـع الغادريـن يميـل
ثم رثى فيها الحسين عليه السلام إلى أن قال:
له النسب الوضاح كالشمس في الضحى ومجد على هام السمـاء يطـول
لقد صدق الشيخ السعيد أبو العلى علي ونال الفخر حيـث يقـول
فما كل جد في الرجـال محمـد ولا كل أم فـي النسـاء بتـول
يعني الشفهيني في قوله:
له من علي في الحروف شجاعة ومن أحمد يوم الخطابـة قيـل
إلى آخر الأبيات التي في آخر ترجمته، ثم قال:
فيا آل طه الطاهريـن رجوتكـم ليوم به فصل الخطـاب طويـل
مدحتكم أرجو النجـاة بمدحكـم لعلمي بحكم إن الجـزاء جزيـل
فدونكـم مـن عبدكـم ووليكـم عروسا ولكن في الزمان ثكـول
أتت فوق أعواد المنابـر نادبـا لهـا رنـة محزونـة وعويـل
لسبع مئين بعـد سبعيـن حجـة وثنتيـن إيضـاح لهـا ودليـل
لها حسن المخزوم عبدكم السليل لآل أبـي عبـد الكريـم سليـل
وهي طويلة، وله كثير فيهم يسميها الحليات.

توفي سنة ثمانمائة وأربعين بالحلة، ونقل إلى النجف، رحمه الله تعالى.

الحسن بن زين الدين الشهيد بن علي بن أحمد بن كمال الدين بن تقي الدين:

124
كان آية في الفضل والعلم بالغة، وحجة سابقة، مصنفا حسن التصنيف، مليح الترصيف، ورد العراق مع صاحب المدارك، وحضر على علمائها كالأردبيلي فاستفاد وأفاد، وصنف المعالم والمنتقى وأجاد وكان شاعرا أديبا، فمن شعره قوله رحمه الله:
سقونـي فـي الهـوى كأســا معانــي حسنهــم راحــه
ولـي فـي مهجتـي أصــل لوجــد أيـــن سراحـــه
وقوله:
اختلف الأصحاب فـي محنتـي وما الذي أوجـب لـي البلـوى
فقيل طول الناي والبعـد عـن نيل المنى في وصل من أهـوى
وقيل لا بل صدغـه لـم يـزل بالسحر يرمي القلـب بالأسـوأ
وقيـل سهمـا لحظـه إن رنـا لم يخطيا من جسـدي عضـوا
وقيل ضعف الطرف والخصر إذ عليه قلـب الصـب لا يقـوى
وقيـل بـل كـل لـه مدخـل فيهـا وعنـدي أنـه الأقــوى
وقوله:
لحسن وجهك في العشاق آيـات ومن لحاظك قد قامت قيامـات
يا طالما في الهوى حكمت مقلته في مهجتي فبدت منها جنايـات
تفديك نفسي هل للهجر من أمـد يقضي وهل لاجتماع الشمل ميقات
ما العيش إلا ليال بالحمى سلفت يا لتها رجعـت تلـك الليلـات
نامت صروف الليالي في تقلبها بنا فكم قضيـت فيهـا لبانـات
ما كنت أحسب أن الدهر يسلبها وأنـه لحبـال الوصـل بتـات
ولم أكن قبل أن الهجـر معتقـدا أن الحبيب له بالوصل عـادات
كم قد شكوت له وجدي عليه فلم يسمع ولم تجدني تلك الشكايـات
125
وكم نثرت عقود الدمع مرتجيـا لعطفه وهو ثاني العطف بتـات
كيف احتيالي فيمـن لا يرققـه ذاك الصريح ولا هذي الإشارات
ظبي من الأنس في جنات وجنته تفتحت من زهور الروض جنات
يصطاد باللحظ منا كل جارحـة وكل قلب بـه منـا جراحـات
ومن شعره في المذهب قوله فيما نقله السيد بحر العلوم عن خط السيد نصر الله الحائري:
يا راكبا عج بالغري وقف علـى تلـك الربـوع مقبـلا أعتابهـا
وقل ابن زين الدين أصبح بعدكم قد ألبسته يـد الشجـون ثيابهـا
عبثت به الأشواق ثمـة أنشبـت فيه الصبابـة بعدكـم مخلابهـا
ودعت لواعجه الشديـدة جفنـه يوم الفراق إلى البكـا فأجابهـا
فدموعه إن دام حبـس طليقهـا غلبت عليه فلا يطيـق غلابهـا
وقوله:
عرج على الأحباب يا ذا الحادي وانبئهـم إنـي علـى الميعـاد
وقل الكئيـب لبعدكـم غادرتـه كالميت ملقى بيـن أهـل البـاد
ذا مقلـة أجفانهـا قـد كحلـت بعـد التفـرق والقلـى بسهـاد
بعـدت ديـار أحبتـي فلنأيهـم قـدح الزنـاد مسعـر بفـؤادي
ولقد نذرت صيام يـوم لقائهـم مـع أنـه مـن أكبـر الأعيـاد
روحي فدى لأحبة من وصلهـم ذهب الزمان وما بلغت مـرادي
أشكو الزمـان وأهلـه فكأنمـا خلـق الزمـان وأهلـه لنــاد
لكننـي مستمســك بهدايتــي لولاء أصحاب الكسـا الأمجـاد
أهل النبوة والرسالـة والهـدى للخلق بعـد الشـرك والإلحـاد
أعني النبي المصطفى المبعوث من أم القـرى بالحـق والإرشــاد
126
والطاهر الحبر الإمام المرتضى زوج البتول أخا النبـي الهـادي
والبضعة الزهراء والحسنين سادات الــورى بهــم وبالسجــاد
ومحمـد وبجعفـر وبكاظــم ثم الرضـا ومحمـد والهـادي
والعسكري ونجله المهـدي مـن نرجـوه يـروي غلـة الأكبـاد
يا آل أحمد حبكـم لـي منهـج خلـف عـن الآبـاء والأجـداد
وهي طويلة، وله غير ذلك.

توفي سنة ألف وإحدى عشرة بجبع من جبل عامل، وله بها ذرية.

الحسن بن علي بن إبراهيم بن الزبير، أبو محمد، مهذب الدين الغساني الأسواني المصري:

كان قاضيا فاضلا مصنفا عارفا بالعلوم، استقضاه الملك الصالح، وكان شاعرا مجيدا، فمن شعره قوله:
أعلمت حيـن تجـاور الحيـان أن القلـوب مواقـد النيــران
وعلمت أن صدورنا قد أصبحت في القوم وهي مرابط الغزلـان
وعيوننا عوض العيـون أمدهـا ما غادروا فيها مـن الغـدران
ما الوجد هز فنائهم بـل هزهـا قلبي لمـا فيـه مـن الخفقـان
وتراه يكره أن يـرى أظعانهـم فكأنما أصبحن فـي الأضعـان
ومنها وهو من المحاسن النادرة:
وترى المجرة والنجـوم كأنهـا تسقى الريـاض بجـدول ملـآن
لو لم تكن نهرا لما عامت بهـا أبدا نجوم الحـوت والسرطـان
وله ديوان شعر كما لأخيه أحمد ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة:
127
أمير المؤمنيـن وخيـر ملجـا يسار إلى حمـاه وخيـر حـام
كأني إن جعلت إليـك قصـدي قصدت اركن بالبيـت الحـرام
وخيل لـي بأنـي فـي مقامـي لديـه بيـن زمـزم والمقــام
أيا مولاي ذكرك فـي قعـودي ويا مولاي ذكرك فـي مقامـي
وأنت إذا انتبهت سميـر فكـري كذلك أنت أنسـي فـي منامـي
وحبك إن يكن قـد حـل قلبـي وفي لحمي استكن وفي عظامي
فلولا أنت لـم تقبـل صلاتـي ولولا أنت لـم يقبـل صيامـي
عسى أسقى بكأسك يوم حـري فيروي حيـن أشربهـا أوامـي
وأنعم في الجنان بخيـر عيـش بفضل ولـاك والنعـم الجسـام
صلـاة اللـه لا تعـدوك يومـا وتتبعهــا التحيــة بالسلــام
وقوله من أخرى:
خيـر العبـاد ومـن يعضــد ياسيــن فهــم طاسيـــن
والأولى لا تقـر منهـم جنـوب في الدياجـي ولا تنـام عيـون
ولهم في القرآن في غسق الليـل إذا طـرب السفيــه حنيــن
وبكـاء مـلأ العيـون غزيـر فتكـاد الصخـور منـه تليـن
قال ياقوت: ويقال أكثر شعر الصالح بن زريك له.

أقول: وذلك بعيد فإن كل [منهما] شاعر، وكل له ديوان.

توفي سنة خمسمائة وإحدى وستين في القاهرة.

ذكره ابن خلكان وياقوت وغيرهما من المترجمين، رحمه الله تعالى.

الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد الضبي المعروف بابن وكيع

128

البغدادي التنيسي

كان فاضلا جامعا وشاعرا بارعا، جيد النظم، حلو الانسجام، ذكره أهل التراجم، فمن شعره قوله [من الوافر]:
سلا عن حبك القلـب المشـوق فمـا يصبـو إليـك ولا يتـوق
جفاؤك كان عنـك لنـا عـزاء وقد يسلى عـن الولـد العقـوق
وقوله من [مخلع البسيط]:
أبصرنــي عاذلــي عليــه ولــم يكــن قبــل ذا رآه
فقـال لـي لـو هويـت هـذا ما لامـك النـاس فـي هـواه
قل لي إلى مـن عدلـت عنـه فليـس أهـل الهـوى ســواه
فظل من حيـث ليـس يـدري يأمـره بالحـب مــن نهــاه
وقوله [من الكامل]:
إن كان قد بعـد اللقـاء فودنـا باق ونحن على النـوى أحبـاب
كم قاطـع للوصـل يؤمـن وده ومواصـل بــوداده يرتــاب
ومن شعره في المذهب ما أنشده أبو الفتح الكراجكي له في كنز الفوائد:
قالوا علي لماذا لسـت تمدحـه فقلت أصبحت في ذا الفعل معذورا
صرفت مدحي إلى من نور مدحته يعده النـاس إسرافـا وتكثيـرا
ولم أطق مدح من فاقت فضائله قدر المدائح منظومـا ومنثـورا
ومن جواد قريضي أن بعثت به في مدحه من علاه عاد محسورا
أرغم الغيث يحيي الأرض وابله أم أرغم البدر قد عم الورى نورا
ما قلت ذاك وذا بالفضل مشهده ولا أتيت بفضل كـان مستـورا
متى صرفت إليه الشعر أمدحـه شهرت من وصفه ما كان مشهورا
129
وظلت أتعب فيمن ليس يرفعـه مدحي وأنثر مدحا كان منشـورا
سارت مآثره بالفضـل ظاهـرة فما تـرى لمديـح فيـه تأثيـرا
وأصبح الوصف منه لاستعاضته كاللفظ كرر في الأسماع تكريرا
يعد حمـدي تقصيـرا بمدحتـه ولست أرضى بحمد عد تقصيرا
توفي بتنيس سنة ثلاثمائة وثلاث وتسعين رحمه الله تعالى.

الحسن بن علي بن داود الحلي:

كان فاضلا جم المآثر، جليل المناقب، جامعا للعلوم، مصنفا في الفنون النقلية والعقلية تحقيقا وضبطا وفي كتب وأراجيز، حضر على المحقق وابن طاووس، وكان أستاذ ابن معية، وكان أديبا ناثرا شاعرا، فمن شعره في قصيدة يرثي بها محفوظ بن وشاح الآتي ذكره منها، وهو أوله:
لـك اللـه أي بنـاء تداعــى وقد كان فوق النجـوم ارتفاعـا
وأي عـزاء دعتـه الخطـوب قلبي ولولا الـردى مـا أطاعـا
وأي ضياء ثـوى فـي الثـرى وقد كان يخفي النجـوم التماعـا
لقد كان شمس الهـدى كاسمـه فأرخى الكسوف عليـه قناعـا
فـوا آسفـا أن ذاك اللســان إذا رام معنـى أجـاب اتباعـا
وتلك البحـوث التـي لا تمـل إذا مل صاحب بحـث سماعـا
فمن ذا يجيـب سـؤال الوفـود إذا أعرضوا وتعاطـوا نزاعـا
ومن لليتامـى ولابـن السبيـل إذا قصـدوه عــراة جياعــا
ومـن للوفـاء وحفـظ الإخـاء ورعي العهود إذا الغـدر شاعـا
سقـى اللـه مضجعـه رحمـة تروي ثـراه وتأبـى انقطاعـا
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة ذكرها صاحب ((الحجج القوية في إثبات الوصية)):
130
أفما نظرت إلـى كلـام محمـد يوم الغدير وقـد أقيـم المحمـل
من كنت مولـاه فهـذا حيـدر مولاه لا يرتاب فيـه محصـل
نص النبي عليه نصـا طاهـرا بخلافـة غــراء لا تتــأول
ولم أقف على غير ذلك.

ولد خامس جمادى الآخر سنة ستمائة وسبع وأربعين.

وتوفي سنة سبعمائة ونيف وأربعين بالحلة، رحمه الله تعالى.

الحسن بن علي بن عبد الحسين بن نجم الرباحي النجفي الشهير بأبي قفطان:

كان فاضلا تقيا ناسكا محبا للأئمة الطاهرين، وكان أكثر شعره في الأئمة وله مطارحات كثيرة مع أدباء زمانه، وتواريخ في أغلب الوقائع، وتقاريض، فمن شعره قوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:
لم تـدع مدحـة الإلـه تعالـى فـي علـي للمادحيـن مقــالا
هــل أتــى لغيــر ثنــاه فاسألنها عنـه تجبـك السـؤالا
والحظن الأعراف والحجج والأحزا ب هـودا والكهـف والأنفـالا
وطواسين والواميـم بـل طـه وياسيــن عــم والزلــزالا
والمثانـي فيهـا علـي حكيـم وإمــام يفصــل الإجمــالا
كلما في الوجود أحصـي فيـه وبـه اللـه يضـرب الأمثـالا
هو أمر الله الـذي أنزلـت فيـه أتـى لا تعجلــوا استعجــالا
هو أمر الله الذي صـدرت كـن عنه في كل حادث لـن يخـالا
وهو اللوح والـذي خـط اللـو ح بـلاء العبــاد والآجــالا
مظهر الكائنـات فـي مبتداهـا ومبيـن الأشيـاء حـالا فحـالا
131
وقديـم آثـاره كـل موجــود حديـث ولا تقولــن عــالا
علم الـروح جبرئيـل علومـا حيـن لا صـورة ولا تمثــالا
ممسك الأرض والسماء وهل ذا لســـواه إذ يشـــاء زوالا
وهو ميزانه الـذي قـدر اللـه بـه يـوم وزنــه الأعمــالا
وقسيم النار مـن كـان عـاداه ومولى الجنان من كـان والـى
ولـواء الحمـد العظيـم بكفيـه وساقي أهـل الـولا السلسـالا
وإيـاب الخلـق المعـاد إليــه وعليـه حسابهـم لـن يــدالا
مبدء الفيض منتهى الأمر يـوم العرض سبحان من له الأمر وإلى
وهـو نفـس النبـي لمـا أتـاه وفـد نجـران طالبيـه ابتهـالا
فدعـاه وبنتــه أم سبطيــه وسبطيـه لا يــرى أبــدالا
فاستهل القسيس والأسقف الـوا فد رعبـا إذا استبانـا الوبـالا
واستمالا رضاه بالجزية العظمى عليهــم مضروبــة إذلــالا
أزل اللـه ذا اعتمــاد إليــه آيـة تزعـج الوغـا أهــوالا
ما استطالت جموعهم يوم عرض الكفـاح إلا عليهـا استطــالا
وطواهم طي السجـل وطـورا لفهـم فيـه يمنــة وشمــالا
يغمد السيف في الرقاب وأخرى يتحـرى تقليدهــا الأغلــالا
صالح الجيش أن تكون له الأروا ح والنـاس تغنــم الأمــوالا
قاتل الناكثين والقاسطيـن البهـم والمارقيـن عنــه اعتــزالا
كرع السيف في دماهم بما حـا دوا عن الدين نزغـة وانتحـالا
من برى مرحبا بكـف اقتـدار أطعمته من ذي الفقـار الزيـالا
يوم شام الجبان من حيث ولـى رايـة الديـن ذلـة وانتحــالا
فرأت فخرهـا عليـا فماسـت فـي يديـه وخفقـت إقبــالا
132
قلع الباب بعدمـا هـي أعيـت عند تحريكهـا اليسيـر رجـالا
ثم مد الرتاج جسـرا فمـا تـم ولكـن بيميـن يمنـاه طــالا
وله في الأحزاب فتـح عظيـم إذ كفى اللـه المؤمنيـن القتـالا
حين سالت سيل الرمال بأعـلا م من الشرك خافقـات ضلـالا
فلــوى خافقاتهــا بيمــان ولواه الخفـاق يـذري الرمـالا
وبأحـد إذ أسلـم المسلمــون المصطفى فيه غـدرة وانخـذالا
فأحاطت بـه أعاديـه وانثالـت عليـه مـن الجهـات انثيــالا
فمشـى يرقـل اشتياقـا علـي للقــاه بسيفـــه أرقـــالا
وجثا بعد أن برى ساق عمـرو فوق عمرو تضرمـا واغتيـالا
ثم ثنى بـرأس عمـرو فأثنـى جبرئيــل مهلــلا إجلــالا
وهي طويلة.

وله من حسينية أوله:
لمن الخبا المضروب في ذاك العرى من كربلا جرى عليه ما جـرى
يقول فيه:
للـه يـوم ابـن البتـول فإنـه أشجى البتولة والنبـي وحيـدرا
يوم ابن أحمد والجنود محيطـة نجياه يدعو بالنصير فلن يـرى
إلا أعــادي فــي عـــوا د في عوال في قبـال متبـرى
فهناك دمدم طامنا فـي جأشـه بمهنـد يسـم العديـد الأكثـرا
متصرفا قي جمعهـم بعوامـل عادت بجيشهم الصحيح مكسـرا
باس وسيف أخرسا ضوضائهـم لكن أمـر اللـه كـان مقـدرا
فهوى على وجه الثرى روحي الفدا لك أيها الثاوي على وجه الثرى
أحسين هل وافاك جدك زائـرا فرآك مقطـوع الوتيـن معفـرا
133
أم هل درى بك حيدر في كربلا فردا غريبا ظامئـا أم مـا درى
من مبلـغ الزهـراء أن سليلهـا عار ثلاثا بالعـرى لـن يقبـرا
وفرى سنـان نحـره بحسامـه شلت يداه أكان بعلـم مـا فـرا
وهي أيضا طويلة وله في الأئمة شعر كثير، وهو أبو إبراهيم وأحمد المتقدمين.

توفي سنة تسع وسبعين ومائتين وألف عن عمر يناهز الثمانين، ودفن في النجف بالصحن الحيدري عند الإيوان الكبير خلف الضريح المتصل بمسجد عمران.

الحسن بن علي بن نصر بن عقيل، أبو علي العبدي، الواسطي:

كان فاضلا أديبا شاعرا مختصا بالملك الأمجد صاحب بعلبك، رحل إليه ومدحه وأكرمه، ذكره العماد والكتبي، فمن شعره قوله متغزل:
وما معي قلبي وليلى في الهـوى فكلاهما بالطيـف نـم وأخبـرا
ذا أيقظ الرقبـاء فـرط وجيبـه بين الضلوع وذاك أشرق إذ سرى
وقوله:
أيــن مــن ينشــد قلبــا ضـاع يـوم البيــن منــي
تــاه لمـــا راح يقفـــو أثــر الظبـــي الأغـــن
سكنــا البيـــد فعلمـــي فيهمــا لا رجــم ظنـــي
إن هـذا فـي لظـى حــزن وذا روض حســــــــن
نح معـي شوقـا إلـى البانـة يـــــا روق وغـــــن
كلنــا قــد علــم الحــب بنــا عاشـــق غصـــن
ومن شعره في المذهب قوله:
يـا بنـي طـه ونـون القلـم حبكم فرض علـى كـل الأمـم
134
مـن يدانيكـم ولولاكـم لمــا أخلق اللـوح ولا أجـرى القلـم
أنتـم أكـرم إن عـد الــورى أنتـم أعلــم مــاش بقــدم
أنتــم للديــن أعلـــام إذا غاب منكـم علـم لـاح علـم
فـوض اللـه إليكــم أمــره فحكمتـم حسبمـا كـان حكـم
فبكـم تفخـر أملـاك العلــى إذ لكم أضحـت عبيـدا وخـدم
وقوله في مقصورته العلوية:
ويوم عاد المرتضى الهادي وقد كان رسول الله حكـم واشتكـى
فمس صدر المصطفـى بكفـه فكاد أن يحرقهـا فـرط الحمـا
قـال النبـي الحمـد للـه لقـد عافانـي اللـه تعالـى وبـرى
شبهـه عيسـى فصـد قومـه كفر وقالوا ضل فيـه واعتـدى
فجـاءه الوحــي بتكذيبهــم وقال ما كـان حديثـا يفتـرى
من زالت الحمى عن الطهر بـه من درت الشمس له قبل العشـا
من صوب الطارف من سمائـه لبيتـه ليـلا وكـل قــد رأى
وهي طويلة تناهز الخمسمائة بيت. وله غيرها، وفي المناقب الكثير. توفي سنة خمسمائة وست وتسعين كما في الفوات عن الخريدة رحمه الله تعالى.

الحسن بن محمد بن علي بن خلف بن إبراهيم بن ضيف الله الدمستاني البحراني:

كان فاضلا مصنفا وأديبا شاعرا، ذكره صاحب أنوار البدرين وأثنى على فضله ونسكه، وروى أن حاكما من حكام أصفهان أرسل له مسائل بيد رسول إلى البحرين فدل عليه، فلم يكد يصدق الدليل إذ وقف عليه وهو يعمل بيديه لإعاشته،
135
خشن اللباس، ورأى ما عليه علماء إيران، فظن أن الدليل استخف به حتى ناداه وأخذ منه المسائل وأجاب عنها على تلك الحالة، فبقي مبهوتا.

فمن شعره قصيدة أوائله:
من يلهه المرديان المال والأمـل لم يدر ما المنجيان العلم والعمل
خذ رشد نفسك من مرآة عقلك لا بالوهم من قبل أن يغتالك الأجل
فالعقل معتصـم والوهـم متهـم والعمر منصرم والدهر مرتحـل
من لي بصقيل ألباب قد التصقت بها الرذائل والتاطت بها العلـل
مطى الأنام هي الأيـام تحملهـم إلى الحمام وإن حلوا أو ارتحلوا
لم يولد المرء إلا فوق غاربهـا يحدو به للمنايـا سائـق عجـل
يا منفق العمر في عصيان خالقه أفق فإنك من خمر الهوى ثمـل
تعصيه لا أنت في عصيانه وجل من العقاب ولا من منـه خجـل
أنفاس نفسك أفنـان تعـد فهـل تشري بها لهبا في الحشر يشتعل
تشح بالمال حرصا وهو منتقـل وأنت عنه برغم منـك منتقـل
ما عذر من بلغ العشرين إن هجعت عيناه أو عاقه عن طاعة كسـل
إن كنت منتهجا منهاج رب حجى فقم بجنـح دجـى للـه تبتهـل
ألا ترى أولياء الله قـد هجـرت طيب الكرى في الدياجي منهم المقل
يدعون ربهم فـي فـك عنقهـم من رق ذنبهم والدمـع منهمـل
نحف الجسوم فلا يدري إذا ركعوا قسي نبـل هـم أم ركـع بتـل
خمص البطون طوى ذبل الشفاه ظمى عمش العيون بكى ما غبها الحكل
يقال مرضى وما بالقوم من مرض أو خولطوا خبلا حاشاهم الخبـل
تعادل الخوف فيهم والرجاء فلم يفرط بهم طمع يوما ولا وجـل
إن ينطقوا ذكروا أو يسكتوا شكروا أو يغضبوا غفروا أو يقطعوا وصلوا
136
ولا يلم بهـم مـن ذنبهـم لمـم ولا يميل بهم عن وردهم ميـل
ولا يسيل لهم دمع علـى بشـر إلا على معشر في كربلا قتلـوا
ركب برغم العلى فوق الثرى نزلوا وقد أعد لهم في الجنـة النـزل
تنسي المواقف أهليهـا مواقفهـم بصبرهم في البرايا يضرب المثل
ذاقوا الحتوف بأكناف الطفوف على رغم الأنوف ولم تبرد لهم غلـل
أفدي الحسين صريعا لا صريخ له إلا صرير نصول فيه تنتصـل
وهي طويلة.

وقوله من أخرى أوله:
أتغتر من أهـل الثنـاء بتمجيـد وجيدك من عقد العلى عاطل الجيد
يقول فيه:
بخوض امنايا قد تسربـل قلبـه على مثل أحداق الأراقم مـردود
بعضب متى استنهضاه في وجه ضيغم هز بركساه الرعب رعشة رعديد
على سابق لم يحضر الحرب مدبرا وما زال فيها طاردا غير مطرود
في ذلة الإسلام من بعـد عـزه ويا لانهدام الدين من بعد تشييـد
أمثل حسين يركب الشمر صدره وما هو صدر بل خزانة توحيـد
ومثل حسبن يقطع الشمر رأسـه ويرفعه من فوق سمـر أملـود
وشعره كثير، وله ديوان.

توفي يوم الأربعاء لسبع بقين من ربيع الأول سنة ألف ومائة وإحدى وثمانين، ودفن بالحباكة من القطيف، وكان قد خرج عن دمستان البحرين لحوادث وقعت بها أوجبت خروجه.

الحسن بن محمد بن القيم الحلي المعروف بالشيخ حسن القيم:

137
كان أديبا شاعرا محاضرا يتحرف بالحلة لإعاشته بدان له، يجلس إليه أدباء وقته، وكان حسن الشعر، قوي الآسرة، مكثرا في مراثي الأئمة ومدائحهم، مقلا في غير ذلك، فمن شعره فيهم قوله من قصيدة أوله:
بأي حمى قلـب الخليـط مولـع وفي أي دار كاد صبرك ينـزع
إذا أنكرت منك الديـار صبابـة فقد عرفتهـا أدمـع لـك همـع
وقفنـا بهـا لكنهـا أي وقفـة وجدنا قلوبا قد جرت وهي أدمع
ترجع ورقاء الصدا في عراصها فتنسيك من بالأيك باتت ترجـع
كأن حنيـن وانصبـاب مدامـع زلازل أو عاد به الغيث يهمـع
يقول فيه:
فيا منجد الإسلام إن عز منجـد ويا مفزع الداعي إذا عز مفـزع
إذا حسرت سود المنايـا لثامهـا فللشمس وجـه بالغبـار مقنـع
فجمعت شمل الدين وهو مفـرق وفرقت شمل الشرك وهو مجمع
ولم أدر يوم الطعن من كل فارس قناتك أم طير الهوى فيه أطمـع
تشيع ذكر الطف وقفتـك التـي بقيت لديهـا عافـرا لا تشيـع
لقد طحنت أضلاعك الخيل والقنا بجنبيك يوم الطعن منهن أضلـع
فنحرك منحور وصدرك موطئ ورأسك مشهور وجسمك مـودع
وله من أخرى:
ومعنف باللوم ما عرف الجـوى سفهـا يعنـف واجـدا ويلـوم
فأجبته والنـار بيـن جوانحـي دعني فرزئي بالحسـن عظيـم
أنعاه مفطور الفؤاد من الظمـى وبنحره شجـر القنـا محطـوط
جم المناقب منه يضرب للعلـى عرق بأعياص الفخـار كريـم
فقلت تعاطـى والدمـاء مدامـة ولقـد تنـادم والحسـام نديــم
138
لباس محكمـة القتيـر مفاضـة يندق فيها الرمـح وهـو قويـم
يعدو وحبـات القلـوب كأنهـا عقـد بسلـك قناتـه منظــوم
فمضى بيوم كان في سمر القنـا قصد وفي بيـض الظبـا تثليـم
ثاو بظل السمـر تشكـر فعلـه في الحرب مصرعه به معلـوم
فدمـاؤه مسفوكـة وحريمــه مهتوكـة وتراثــه مقســوم
وقوله من أخرى:
وا صريعا بثوب هيجاه مدروجا وفـي درع صبـره مقبــورا
صار موسى وآل فرعون حربا والعصا السيف والجواد طـورا
كيف قرت في فقد مسكنهـا الأ رض وقد أذنت لـه أن تمـورا
صار سدرا لجسمه ورق البيض ونقـع الهيجـا لـه كافــورا
ونساء كادت بأجنحـة الرعـب شظايـا قلوبهــا أن تطيــرا
قد أداروا بسوطهم فلـك الضـر ب عليهـن فاغتـدى مستديـرا
لو يروم القطـا المثـار جناحـا لإعادتـه قلبهــا المذعــورا
أوقفوها على الجسـوم اللواتـي صرن للبيض روضة وغديـرا
فغمرن النحور دمعـا ولـو لـم يك قان غسلـن فيـه النحـورا
مـن صريـع مرمـل غسلتـه من دماء السيوف ماء طهـورا
توفي سنة ألف وثلاثمائة وسبع عشرة تقريبا بالحلة ودفن بالنجف.

الحسن بن المظفر، أبو علي الضرير النيشابوري ثم الخوارزمي:

كان فاضلا مصنفا، حسن التصنيف، أديبا شاعرا، له ديوان، سكن خوارزم فتصدر بها للتدريس والإفادة فمن شعره قوله متغزلا:
139
أريا شمال أم نسيم مـن الصبـا أتانا طروقـا أم خيـال لزينبـا
أم الطالع المسعود طالع أرضنـا فأطلـع فيهـا للسعـادة كوكبـا
ورأى ابن هودار بعد موته فقال له في الطيف:
لقد تحولـت مـن دار إلـى دار فهل رأيت قرار يا ابن هـودار
فأجابه:
لا بل وجدت عذابا لا انقطاع له مدى الليالي وربا غيـر غفـار
ومنزلا مظلما في قعـر هاويـة قرنـت فيهـا بكفـار وفجـار
فقل لأهلي موتوا مسلميـن فمـا للكافرين لدى الباري سوى النار
ومن شعره في المذهب قوله:
سبحان من ليس في السمـاء ولا في الـأرض نـد لـه وأشبـاه
أحـاط بالعالميــن مقتــدرا أشهـد أن لا إلــه إلا هــو
وخاتـم المرسليــن سيدنــا أحمـد رب السمــاء سمــاه
أشرقت الـأرض يـوم بعثتـه وحصحص الحق مـن محيـاه
اختـار يـوم الغديـر حيـدرة أخا لـه فـي الـورى وآخـاه
وباهل المشركيـن فيـه وفـي زوجتــه يقتفيهــا ابنـــاه
هم خمسة يرحـم الأنـام بهـم ويستجـاب الدعـا ويرجــاه
وفيها بقية لم أظفر بها.

توفي سنة أربعمائة واثنتين وأربعين رحمه الله تعالى.

الحسن بن هاني بن عبد الأول الحكمي، مولى الجراح بن عبيد الله الحكمي عامل خراسان، الشاعر المعروف بأبي نواس الحكمي:

140
كان أحد أدباء الدنيا وشعرائها المتفننين.

ولد بالبصرة وخرج منها إلى الكوفة مع والبة بن الحباب، ثم صار إلى بغداد فنادم الخلفاء فمن دونهم، وجمع شعره جماعة منهم حمزة الأصبهاني وهو مطبوع ولم يجمع واحد منهم شعره كله وإنما يجمع الرجل ما قدر عليه.

فمن نوادره: أنه شرب عند الأمين مع غلام له يدعى أبا طوق، حتى إذا أخذ النعاس منهم حذر عليه المأمون فأنامه على تخت وناما تحته، فدب أبو نؤاس عليه، فانتبه الأمين مغضبا ولامه على ذلك، فاعتذر بقوله:
ألا قــد هزنــي شوقـــي إلـى حــب أبــي طــوق
تدهدهـــت ومــــا أدري مـن تحتـي ومــن فوقــي
فضحك من هذا التدهده وعفا عنه. ومن شعره في مدح الرشيد قوله:
يا شقيـق النفـس مـن حكـم نمـت عـن ليلـى، ولـم أنـم
فاسقني الخمر التـي اعتجـرت بخمـار الشيـب فـي الرحـم
قرعتهــا بالمــزاج يـــد خلقــت للسيــف والقلـــم
فتمشــت فــي مفاصلهــم كتمشـي البـرء فـي السقــم
ومن شعره في المذهب قوله وقد بايع المأمون للرضا عليه السلام ومدحته الشعراء سواه، فليم على ذلك فقال، كما رواه جملة من الرواة والمؤرخين:
قيل لي أنت اشعر الناس طـرا في المعاني وفي الكلـام النبيـه
لك من جوهر القريـض بديـع يثمر الدر فـي يـدي مجتنيـه
فعلا ما تركت مدح ابن موسـى والخصال التـي تجمعـن فيـه
فقلت لا أستطيـع مـدح إمـام كـان جبريـل خادمـا لأبيـه
وقوله في لأئمة من قصيدة:
141
مطهـرون نقيــات ثيابهــم تجري الصلاة عليهم أين ما ذكروا
من لم يكن علويا حيـن تنسبـه فما له في قديم الدهـر مفتخـر
والله لمـا بـرى خلقـا وأتقنـه صفاكم واصطفاكم أيهـا الخيـر
فأنتم المـلأ الأعلـى وعندكـم علم الكتاب وما جاءت به السور
توفي ببغداد سنة خمس أو ست أو ثمان وتسعين ومائة، أو مائتين وهذا هو الظاهر، لأنه حضر ببيعة الرضا علي في الخبر المتقدم، والله أعلم.

الحسين بن إبراهيم الجاويش الحلي، المعروف بملا حسين الجاويش:

كان فاضلا أديبا، وشاعرا لبيبا، وناثرا حسن الأسلوب، لا يفتر عن مطارحة الادباء ومذاكرتهم، ولم تزل له قصيدة في المواقع التأريخية، وكان مع ذلك أكثر شعره في الأئمة الطاهرين. فمن ذلك قوله من قصيدة أوله:
هاج أحزان مهجتـي وشجاهـا خطب من جل في الأنام عزاهـا
يقول فيها بأمير المؤمنين عليه السلام:
أيولــى أمــر الخلافــة إلا من بنى أصلها وشـاد علاهـا
سيد الأوصياء في كـل عصـر تاجهـا عقدهـا منـار هداهـا
ذاك مولـى بسيفــه وهــداه آية الشـرك والضلـال محاهـا
من رقى منكب النبـي وصلـى معه فـي السمـاء لمـا رقاهـا
رد شمس الضحى وكلمه الميـت جهــارا ببابــل إذ أتاهــا
كم له في الكتـاب آيـة مـدح خصصت فيـه والنبـي تلاهـا
ولكم صـال فـي دجنـة نقـع فجـلا ليلهـا بفجـر ضياهــا
ذو أياد فيهـا المنـى والمنايـا فالورى بيـن حزنهـا ورجاهـا
142
يا إمام الهدى ومن فاق فضـلا وسمـا قـدرة وقـدرا وجاهـا
جل معناك أن تحيط به الأفكـار هيهـات حـار فيـه ذكاهــا
أنت خير الأنـام طـرا وأعلـى رتبة بعد سيـد الرسـل طاهـا
ليس سـر الغيـوب مولـاي إلا حكمـة أنـت كاشـف لغطاهـا
حاش لله أن تضاهـى بمخلـوق تعاليـت رفعـة أن تضاهــى
أنت لولا الحدوث فيـك عذرنـا من غلا فيـك سيـدي وتناهـى
وحكمنـا حقيقـة كـل نفــس فيك يقضـي بموتهـا وبقاهـا
وعلمنـا تيقنـا غيـر شــك أنت داء النهـى وأنـت دواهـا
بكم الأرض مهـدت واستقامـت حيث كنتم في الذكر خط استواها
وبكــم آدم دعــا فتلقـــى كلمات مـن ربـه قـد تلاهـا
يقول فيه:
دونكم من (حسينكم) بكر فكـر حكـت البـدر بهجـة وحكاهـا
هـي لـولا تشـوق وولــوع طاب في ربـع بابـل مثواهـا
ضاق رحب الفلا عليها فأمـت ربع حامي الحمى وألقت عصاها
وله شعر كثير لا يخلو مجموع منه.

توفي سنة ألف ومائتين وسبع وثلاثين تقريبا بالحلة، ودفن بالنجف، رحمه الله تعالى.

الحسين بن أحمد بن الحجاج النيلي الشهير بابن الحجاج، أبو عبد الله الكاتب:

كان فرد زمانه في حسن الأسلوب بنظم الجد والهزل، وكان يقال أنه في درجة امرئ القيس في اختراع الطريقة، ورؤيت فاطمة الزهراء عليها السلام معرضة
143
عمن إزدرى بشعره وأمرت بحبه وقالت إنه شاعرنا، ولما بنى مسعود بن بويه قبة أمير المؤمنين وسور النجف جلس ومعه الشريف المرتضى للتهنئة، فوقف ابن الحجاج لينشد قصيدته فأخذها الشريف فنظرها ومنعه لما فيها من المجون مع ابن سكرة الهاجي لآل علي عليهم السلام، فخرج منكسرا فرأى الشريف في منامه بليلته فاطمة عليها السلام معرضة عنه، فسألها فقالت: لم كسرت خاطر شاعرنا، فقال لها: احتراما للموضع، فقالت: أما علمت أن لكل قوم سفهاء، وسفيهنا أهل البيت ابن الحجاج، قم الآن فاعتذر منه ولينشدها صباحا، فانتبه ونهض من فوره إلى ابن الحجاج فطرق الباب، فخرجت الجارية تقول: ادخل أيها الشريف، فلما دخل ناداه ابن الحجاج قائلا: يا سيدي إن الذي أتى بك أمرني أن لا أقوم إليك حتى تعتذر، فاعتذر ورضي عنه وأنشدها صباحا بالروضة الشريفة وستأتي.

ومن جيد غزله الخالي من المجون قوله [من الكامل]:
يا صاحبي استيقظا مـن رقـدة تزري على عقل اللبيب الأكيـس
هذي المجـرة والنجـوم كأنهـا نهر تدفق في حديقـة نرجـس
قوما اسقيانـي قهـوة روميـة من عهد قيصر دنها لم يمسـس
صرفا تضيف إذا تسلط حكمهـا موت العقول إلى حياة الأنفـس
ومن شعره يهجو المتنبي:
ياديمــة الصفــع صبــي علــى قفـــا المتنبـــي
وأنـت يــا ريــح بطنــي علــى قذاليـــه هبـــي
ويـــا قفـــاه تقــــدم واقعــد قليــلا بجنبـــي
وإن صفعتــــك ألفــــا فــلا تقولـــن حسبـــي
إن كنــت أنـــت نبـــي فالقــرد لا شــك ربـــي
ومن شعره في المذهب قوله وهذه هي القصيدة التي تقدم ذكره:
144
يا صاحب القبة البيضاء في النجف من زار قبرك واستشفى لديك شفي
زوروا أبا الحسن الهادي لعلكـم تحظون بالأجر والإقبال والزلف
زوروا لمن تسمع النجوى لديه فمن يزره بالقبر ملهوفا لديـه كفـي
إذا وصلت فاحرم قبـل تداخلـه مليا واسع سبعا حولـه وطـف
حتى إذا طفت سبعا حول قبتـه تأمل الباب تلقا وجهـه وقـف
وقل سلام من الله السلـام علـى أهل السلام وأهل العلم والشرف
إني أتيتك يا مولاي مـن بلـدي مستمسكا من حبال الحق في طرف
راج منك يا مولاي تشفـع لـي وتسقني من رحيق مطفئ اللهف
لأنك العروة الوثقى فمن علقـت بها يداه فلن يشقى ولـم يخـف
وإن أسمائك الحسنـى إذا تليـت على مريض شفى من سقمه الدنف
لأن شأنك شأن غيـر منتقـص وإن نـورك غيـر منكســف
وإن آياتك الكبرى التي ظهـرت للعارفين بأنواع مـن الطـرف
هذي ملائكـة الرحمـن دائمـة يهبطن نحوك بالألطاف والتحف
كالسطل والجام والمنديل جاء به جبريل لا أحـد فيـه بمختلـف
كان النبي إذا استكفاك معضلـة من الأمور وقد أعيدت لديه كفي
وقصة الطائر المشوي عن أنس تنبئ بما نصه المختار من شرف
والحب والقضب والزيتون حين أتت تكرما من إله العرش ذي اللطف
والخيل راكعة في النقع ساجـدة والمشرفيات قد ضجت على الحجف
بعثت أغصان بان في جموعهـم فأصبحوا كرماد غير منتصـف
والموت طوعك والأرواح تملكه وقد حكمت فلم تظلم ولم تحـف
ثم صب ديمته واستمسك فقال:
قل لابن سكرة ذي البخل والخرف عن ابن حجاج قولا غير منحرف
145
يا ابن البغايا الزواني العاهرات ومن . . . . قد حضن مـن خلـف
يا من هجا بضعة الهادي لئن ظفرت كفاي منك على تمكين منتصـف
لا وردنك يا من بظـر زوجتـه شبيه عذق قريض يابس الحشف
موارد الحتف إن مكنت سوف ترى توسلي بالإمام الحجـة الخلـف
القائم العلـم المهـدي ناصرنـا وجثا على الشرك ذي ذل من التلف
من يملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا ويقمع أهل الزيغ والحنف
سقى البقيع وطوسـا والطفـوف وسامرا وبغداد والمدفون بالنجق
من مغرق مغدق صب غدا سجما مغدودق هاطل مستهطف وكف
من القوافي التي لو رامها خلف صبغن بالمائع الجاري قفا خلف
تنفي ولاء علـي يابـن زانيـة وتبتغي بدلا من أحسن السلـف
بحب حيدرة الكـرار مفتخـري به شرفت وهذا منتهـى شرفـي
توفي ليلة الثلاثاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة بالنيل وحمل إلى بغداد فدفن عند رجلي الإمامين الكاظم والجواد عليهما السلام وكتب على قبره بوصية منه: ((وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)).

ورثاه الرضي بقصيدة منه:
نعوه علـى حسـن ظنـي بـه فللـه مـاذا نعـى الناعيــان
رضيــع ولاء لــه شعبــه من القلب مثل رضيـع اللبـان
ومـا كنـت أعلـم أن الزمـان يفـل مضـارب ذاك اللســان
بكيتـك للشــرد السابقــات تعلـق ألفاظهــا بالمعانــي
ليبـك الزمـان طويـلا عليـك فقد كنـت خفـة روح الزمـان

الحسين بن أحمد بن سليمان الحسيني الشاخوري الغريفي البحراني

146
المذكور في أجداد السيد عدنان الآتي الذكر: كان فاضلا مصنفا، وفقيها متصفا، وكان أديبا شاعرا، ذكره السلافة، وذكر فضله معترفا.

فمن شعره قوله في قصيدة أوله:
ألا من لصب قلبه عنه واجـب حرام عليه النوم والندب واجـب
لواعج أحشـاه استعـرن توقـدا ومن دمع عينيه استعرن السحائب
يبيت على حـر الكآبـة ساهـدا تسامره حتى الصباح الكواكـب
ومن شعره في المذهب قوله:
سرى الظعن من قبل الوداع بأهلينا فهل بعد هذا اليوم يرجى تلاقينا
أيا حادي العيس المجـد برحلـه رويدا رعاك الله لـم لا تداعينـا
عسى وقفة تطفي غليل قلوبنـا فتقضي قبيل الموت بعض أمانينا
لنا مع حمام الأيك نـوح متيـم ودمعة محزون ولوعـة شاكينـا
فكم ليـد الرحـاء فينـا رزيـة بها من عظيم الحزن شابت نواصينا
ولا مثل رزء أثكل الدين والعلى وأضحت عليه سادة الخلق باكينا
مصاب سليل المصطفى ووصيه وفاطمة لغـر الهـداة الميامينـا
فلهفي لمقتول بعرصـة كربـلا لدى فئة ظلما على الشط ظامينا
سقوا كملا كأس المنون فأبحـوا نشاوى بلا خمر على الأرض ثاوينا
كأنهـم فـوق البسيطـة أنجـم زواهر خروا من على الأفق هاوينا
فيا حسرة كيف السلو وما العـزا على سادة كانوا مصابيح نادينـا
أيفرح قلبـي والحسيـن مجـدل على الأرض مقتول ونيف وسبعونا
يقول في آخره:
أيا آخذ الثار انهض الآن وانتدب لأجدادك الغـر الكـرام موالينـا
147
أغثنا فقد ضاقت بنا الأرض سيدي وأنت المحامي يا ابن طه وياسينا
أنظمأ وأنت العذب في كل منهل ونظلم في الدنيا وأنت محامينـا
وهي طويلة، وله غيرها في رثاء الأئمة عليهم السلام كثير.

توفي سنة ألف وواحدة، كما ذكر صاحب السلافة. ورثاه جعفر بن محمد الخطي بقصيدة أوله:
جذ الردى سبب الإسلام فانجذما وهد شامخ طود الدين فانهدمـا
وشام طرف العلى غضا فأغمضه وفل غرب حسام المجد فانثلمـا
الله أكبر ما دهـاك مـن زمـن قصمت ظهر التقى والدين فانقصما
إلى آخر ما قاله، رحمه الله.

الحسين بن داود البشنوي الكردي، أبو عبد الله:

كان فاضلا مصنفا باهرا، وأديبا محاضرا شاعرا، وكان من الطائفة المعروفة بالبشنوية أصحاب قلعة الفتك الذين خرجوا مع باذ الكردي أيام عضد الدولة وفي ذلك يقول الحسين المذكور:
البشنويـة أنصــار لدولتكــم وليس في ذا خفا في العجم والعرب
أنصار باذ بأرجيـش وشيعتـه بظاهر الموصل الحدباء في العطب
بباجلايا جلونـا عنـه غمغمـة ونحن في الروع جلاؤن للكرب
ومن شعره في المذهب قوله:
وقف الندا في موضـع عبـرت فيه البتـول عيونكـم غضـوا
فتمـر والأبصــار خاشعــة وعلـى بنـان الظالـم العـض
تســود حينئــذ وجوههــم ووجـوه أهـل الحـق تبيـض
وقوله:
لقد شهدوا عيد الغدير واسمعـوا مقال رسول الله من غير كتمان
148
ألست بكم أولـى النـاس كلهـم فقالوا بلي يا أفضل الأنس والجان
فقام خطيبا بين أعواد منبر ونادى بأعلى الصوت جهرا بإعلان
وشال بعضديه وقال وقد صغى إلى لاقول أقصى القوم بالحفل والداني
علي أخي لا فرق بينـي وبينـه كهرون من موسى الكليم بن عمران
ووارث علمي والخليفة في غـد على أمتي بعدي إذا رث جثماني
فيا رب مـن وال عليـا فوالـه وعاد معاديه ولا تنصر الشانـي
وقوله:
يا ناصبي بكل جهـدك فاجتهـد إني علقـت بحـب آل محمـد
الطيبين الطاهرين ذوي الهـدى طابوا وطاب وليهم في المولـد
واليتهم وبرئـت مـن أعدائهـم فاقلل ملامـك لا أبالـك أو زد
فهـم أمـان كالنجـوم وإنهـم سفن النجاة من الحديث المسنـد
وله غير ذلك، وفي المناقب شيء كثير

توفي سنة ثلاثمائة وسبعة تقريبا، رحمه الله.

الحسين بن الراضي بن الجواد بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني النجفي:

كان فاضلا مشاركا حفظه ظريفا إلى عفة ونسك، وكان خفيف الروح، حسن الصوت، اسمر، قرأت عليه علم البيان، وكان دقيق النظر شاعرا، فمن شعره قوله:
ناشــدا ركــب المصلــى أيــن لا أيـــن استقـــلا
بدلـــوا بالــــدور دورا أم رضـوا بالأهــل أهــلا
هزنــي الشــوق إليهـــم وأبــــى أن أتسلـــــى
149
وإليهــــم رق قلبــــي أيهــم مـــا بـــي أم لا
يــا لهيفـــاء تـــوارت بالنــوى عنـــي بخـــلا
مــا انثنــت إلا تشكـــى خصرهــا للــردف ثقــلا
تتهـــــادى بقـــــوام مثــل غصــن البــان دلا
لـم أجــد استغفــر اللــه لهـا فــي الحســن مثــلا
ومن شعره في المذهب قوله في الحجة عليه السلام:
أيـا قمـر الحـق حتـى متـى فشمـل التصبـر قـد شتتــا
هلـم وأنـت القريـب الخبيـر لتنظـر مـا مـر أو مـا أتـى
فديتـك عجـل فـإن الضلـال لعمـرك أوشــك أن يثبتــا
وبذر النفاق الذي فـي القلـوب سقتـه الغوايـة كــي يثبتــا
تـدارك أحبتـك المخلصيــن فحبــل بقائهـــم بتتـــا
وقوله فيه عليه السلام:
لعمرك يا بـن العسكـري إليـة وتلك لعمر الله من أعظم الحلف
لقد ذاب حب القلب من فرط وجده وقد كل عن تحديقه رامق الطرف
يمثلك لا شـوق الملـح فانثنـى على مثل وقد الجمر أو فجأة الحتف
فحتى متى روحي الفدا لك غائبا أحباه قد سميت على خطط الخسف
ترابيه طول الدهر حبـا وزلفـة إليه كما رابى أخو الصيد للخشف
في أبيات، وله غير ذلك.

توفي سنة ألف وثلاثمائة وثلاثين تقريبا عن عمر يقارب الخمسين، ودفن بالنجف مع جده المهدي القزويني رحمه الله تعالى.

الحسين بن راشد بن القاسم الحسيني الرضوي النجفي الحائري:

150
كان فاضلا جم المعارف، كثير العوارف، جاء به أبوه إلى النجف، فاشتغل بها مدة، ثم فارقها وحضر عند السيد نصر الله الحائري، واختص به، ثم عاد وتوفي بالنجف فدفنه، وتجول بالعراف، وكان شاعرا أيدبا رقيق النظم منسجمه سهله ممتنعه، يكاد شعره يذوب من رقته، وله ديوان صغير فمنه قوله:
يـا مخجـلا حــدق المهــا أوقعــت قلبــي بالمهالــك
ومعيــد صبحــي كالمســا ضاقـت علـي بـك المسالـك
يــا منيتــي دون المـــلا انحلـت جسمـي فـي ملالـك
هـب لــي رقــادي إنــه مذ بنـت أبخـل مـن خيالـك
للــه كــم لــك هالــك بشبـا اللواحـظ أثـر هالــك
يـا موقـف التوديــع كــم دمـع نثـرت علـى رمالــك
هل لـي مقيـل مـن ضلالـي أم مقيــل فــي ظلالـــك
لهفـي علـى عصـر مضـى لـي بالحبيـب علـى تلالــك
باللــه أيـــن غزالـــك الفتـان وزيلـي مـن غزالـك
لـم أنســه ويــد النــوى تستــل أنفسنــا هنالـــك
أومـى يسائـل كيـف حالـك قلـت أدجـي اللـون حالــك
فافتـر مـن عجـب وقــال بنـو الهـوى طــرا كذلــك
فأجبتـه لـو كنــت تعلــم قـدر مـن أصبحـت مالــك
لعلمــت إنــي عاشـــق مـا إن يقصـر عـن منالـك
أنـا كاتـب أظهـرت أسـرار الكتابــة مــن جمالـــك
ألــف حلـــت فكأنهـــا مـن حسـن قـدك واعتدالـك
ميــم كمبسمــك الشهــي ختامـه مـن مسـك خالــك
صــاد كغــدران جــرت مـن أدمعـي يـوم ارتحالـك
151
سيــن كطرتــك التـــي ألقـت فـؤادي فـي حبالــك
دال كصدغــك شوشـــت بيـد الدلـال وغيــر ذلــك
ومقطعــات قــد حكـــت قلبـي المـروع مـن زيالــك
ومركبـــات كالعقــــود تزيــن أجيــاد الممالـــك
وإذا تنافســـت السطـــور سوافــرا كنــا كمالـــك
ياقــوت أصبــح قائـــلا في الجمع ما أنا مـن رجالـك
قسمـا بهـا لــولا الهــوى ما كنـت مـن جرحـى نبالـك
وقوله مسمطا قصيدة ابن الساعاتي الآتية ترجمته في (العين) إن شاء الله:
على ورد خديـك كـأس أطـل فقلت قد اخضر روض الأمـل
فمـذ ملـت أقطـف بالقبــل (حميت الأسيـل بحـد الأسـل
أجل ما لحاظك إلا أجل)
تجنيــت وأنــت الحبيــب وأمرضت جسمي وأنت الطبيب
ولما سعى بـي إليـك الرقيـب (مللت وملت وأنـت القضيـب
فمل كالقضيب وخل الملل)
صبيا عشقتـك حتـى امتهلـت فطورا عدلت وطـورا عدلـت
ففي الحالتين علـى مـا فعلـت (لـذذت بحبـك لا بـل ذللـت
وحكم الصبابة من لذ ذل)
أسـرت فـؤادي فعـز العـزاء وأثخنتــه بسهــام الجفــاء
فما منـك مـن ولائـي فـداء (فلا تفرحيـن بطـول البقـاء
أخف العذاب عذاب قتل)
أحبـاي والبعـد مـر المـذاق وعبـأ التفـرق مـا لا يطـاق
فإن طاب هجري لديكـم وراق (أعيدوا اصطباري قبل الفـراق
152
فمالي بينكم من قبل)
أجيراننـا إن صـرف الزمـان قضـى للتفـرق أمـرا فكـان
فردوا فـؤادي فالصبـر خـان (نعم وخذوا من دموعي الأمـان
فقد قطع السيف تلك السبل)
ولما استقلـت حـداة الظعـون وباحت دموعي بسري المصون
وهاجت بقلبـي نـار الشجـون (بللت الصعيـد بمـاء الجفـون
وأما فؤادي فما إن أبل)
وقفنا وقـد حيـل دون المـراد ببيض الصفاح وسمر الصعـاد
عشية قـد ظـل منـي الفـؤاد (ودل علـى مقلتـي السهــاد
أشف البرية تيها ودل)
دنا فـي الحمـى بيـن أخدانـه فأخلــى مراتــع غزلانــه
رشأ صرعة الأسد مـن شانـه (تقلـد مــا بيــن أجفانــه
ومثل شمائله ما اعتقل)
بنفسي وصحبـي وقـل الفـداء لمحتكـم جائـر فـي القضـاء
يحـرم ظلمـا علـي اللقــاء (وناظـره يستحــل الدمــاء
هنيئا لناظره ما استحل)
ومن شعره في المذهب قوله رحمه الله:
يـا آل لبيـت الوحـي إنكــم أسمى الـورى قـدرا وأفضلهـا
وأدقهــا علمــا وأوفرهــا حلمــا وأزكاهــا وأكملهــا
تبـت يـدا فكــر بغيركــم نظمـت عقـود المـدح أنملهـا
إن الرسالـة فــي بيوتكــم واللـه أعلـم حيـث يجعلهــا
وقوله في أمير المؤمنين عليه السلام لدن ذهبت قبته سنة ألف ومائة وخمس
153
وخمسين:
أمطلع الشمس قد راق النواظر أم نار الكليم بدت من جانب الطور
أم قبة المرتضى الهادي بجانبها منارتـان لتقديــس وتكبيــر
وصدر إيوان عز راح منشرحـا صدر الوجود به في حسن تصوير
بشائر السعد أبدت مـن كتابتهـا آي الهدى ضمن تقدير وتحريـر
قد بان تذهيبها عن أمر معتضـد بالنصر للحق سامي القدر منصور
غوث البرايا شهنشاه الزمان علا النادر الملك مغـوار المغاويـر
فحين تمت وراقت بهجة ورقت على المرام بسعي منه مشكـور
ثنى الثناء ابتهاجا عطفه وشـدا شخص السرور بنجم منه مأثور
يا طالبا علم أبـداء البنـاء لهـا أرخ (تجلى لكم نور على نـور)
وقوله مسمط:
بنو المصطفى ينجو الأنام بحبهم وتزهو رياض الجود من فيض سحبهم
سنا نورهم قد تم من نور ربهـم (أناس إذا الدنيا دجت أشرقت بهم
وإن أجدبت يوما بهم نزل القطر)
بهم جملة الأشياء بان وجودهـا وضاءت بأجياد الكمال عقودهـا
فلاح شقاهـا فيهـم وسعودهـا (مشوا فوق ظهر الأرض فاخضر عودها
وحلوا ببطن الأرض فاستوحش الظهر)
وله في النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يربو على ثلث الديوان. توفي سنة ألف ومائة وسبع وخمسين من مرض علته. الحسين بن الرضا بن المهدي بحر العلوم الحسني الطباطبائي النجفي:
154
كان أحد مجتهدي الزمن الذين انتهى إليهم أمر التقليد، وكان مشاركا في أغلب العلوم، ناسكا ورعا، وكان خفيف الروح، رقيق الحاشية، نظيف القلب واللسان والبرد، صبيح الوجه بهي الشكل، أديبا شاعرا، ذهبت عيناه في آخر أيامه فعجز عنها الأطباء، فذهب إلى خراسان واكتحل بتراب قبر الرضا عليه السلام فبرأ ثم عاد، ورأيته في النجف قبل موته صحيح النظر، وله ديوان شعر مراسلات وإخوانيات ومدائح أجداده الطاهرين، فمنه قوله رحمه الله:
سل بالغوير فالغميـم فالغضـا من غادر الصب المعنى غرضا
حتـام يرمـي بالنـوى متيمـا قد أخلص الحب لـه وأمحضـا
يا خير أرام النقى رفقـا بمـن يرى هواك خير فرض فرضـا
هب أنه يغضي ولكـن الحشـا ملهبـة منـك بنيـران الغضـا
لو أنه يفضي إليك بعـض مـا يكتمه لضاق عـن ذاك الفضـا
يجرع ما يجرع بالهجـر وهـل لذي الهوى إلا الرضا إن رفضا
قد أضرم الأحشاء حب شـادن علقتـه دون الظبـاء عرضـا
لم أدر لما أن رنا بأسهم اللحـظ قضـت أم بأسيـاف القضــا
نواظر ترمي على البعد الحشـا أشد من وقع السهـام مضضـا
يعبث في سفك دمي لا عن رضى يا حبذا لو كان ذاك عن رضـا
ملكتـه كلـي طوعــا قلمــا غادرني يـوم النـوى مبعضـا
لم أنقض العهد ولـم أسـل وإن نسي العهـود ساليـا أو نقضـا
كم من عذول لامنـي فيـه ولا أراه إلا حاســدا أو مبغضــا
هيهات لا أصغـي للـوم لائـم أن صرح اللائم بي أو عرضـا
وليس لي عمر الزمان في الورى من غرض حسبي رضاه غرضا
فاحكم بما شئت علي لست فـي حكمك يا أحلى الورى معترضـا
155
غدوت من فرط الصدود والجفا أكابد الوجـد وأشكـو المرضـا
ولم يزل بعـد طرفـي ساهـرا فلا وعينيـك غفـا أو غمضـا
وطالما اعترضت دمعي مغريـا فهل ترى اليوم فتى لي معرضا
للـه أيـام مضـت بقربكــم وصفو عيش بالغضى قد انقضى
فلست أرضى أحدا من الـورى عنكم ورب المأزميـن عوضـا
أهل قضى الدهر علـي بالنـوى والدهر لا يعدل كيفمـا قضـى
أصبحت والمشيب يعلـو لمتـي مثل شهاب في دجى الليل أضـا
راع الظباء الراعيـات وخطـه بأبيض يحكي الحسام المنتضـى
متيـم فـرط الهـوى انحلــه فكاد لا يقوى علـى أن ينهضـا
بالرغم قد صوح روض حسنـه والروض يذوي بعدما قد روضا
شاب ولكـن لـم تشـب آمالـه أبعد شيب المرء عيش يرتضـى
يأمـل بعـد أربعيـن حجــة أن يرجع العمر له وقد مضـى
أما يـرى بـه الهمـوم طنبـت والشيب حل والشبـاب قوضـا
عالـج وداو داء حـب مزمـن أعياك يا صاح بمدح المرتضى
من كون الكون لـه ومـن لـه فصل القضا حتما بيوم الانقضا
من فاق آفـاق السمـاء رفعـة بها سوى الباري تعالى خفضـا
من كان نفس المصطفى فهل ترى يحكي علاه جوهرا أو عرضـا
من بات في مضجعه وقـا لـه فقام في عبء العلـى منتهضـا
من مرد الصـم العتـاة سيفـه سيف يهابه القضـا إن ومضـا
من بارئ الخلـق بفـرض وده في محكم الذكر عيانـا فرضـا
من بغديـر خـم فـي إمرتـه هادي البرايـا للبرايـا حرضـا
ثم استرسل رحمه الله ثم قال:
156
سـر الوجـود حجـة المعبـود إليـه أمـر النشأتيـن فوضـا
محض كمال نوره القدسي مـن أنوار بـارئ الـورى تمحضـا
جـدل كـل ضيغـم إذا سطـا بصارم يجلو الدياجـي أبيضـا
ما مسكت كف القضـا مقبضـه إلا وللـأرواح طـرا قبضــا
يا محرزا أسرار أعلام الـورى بأسرهـا وللضلـال مدحضــا
وماضـي العـزم فمـا ماثلـه قط نبي من أولي العزم مضـى
نور سامي ذكرك الأكوان أن ما أنار بدر فـي الدياجـي وأضـا
وهي طويلة موجودة في ديوانه. توفي رحمه الله سنة ألف وثلاثمائة وست، عن عمر يناهز لخمس والسبعين، ودفن بالنجف في مقبرة جده، رحمه الله. الحسين بن شهاب الدين بن الحسين بن محمد بن حيدر العاملي الكركي الحكيم: كان فاضلا جامعا مصنفا في فنون من العلوم، حسن المنظوم، سكن أصفهان مدة ثم رحل إلى حيدر آباد، فمن شعره قوله:
جـودي بوصــل أو ببيــن فاليـأس إحــدى الراحتيــن
أيحـل فـي شـرع الهــوى أن تذهبـي بــدم الحسيــن
وقوله:
كن قنوعا بحاضر العيش والبس من غنى النفس كل يوم غلالـه
واقصر النفس عن بروق الأماني فالأمانـي أدام خبـز البطالــة
ومن شعره في المذهب قوله:
رضيت لنفسي حـب آل محمـد طريقة حق لم يضع من يدينهـا
157
وحب علي منقذي حين تجتـوى لدى الحشر نفس لا يفادى رهينها
وقوله:
أبا حسن هـذا الـذي أستطيعـه بمدحك وهو المنهل السائغ العذب
فكن شافعي يوم المعاد ومؤنسي لدى ظلمات الحشر إن ضمني الترب
وقوله:
ما لاح برق من ربـى حاجـر ألا استهل الدمع مـن ناظـري
ولا تذكـرت عهـود الحمــى ألا وسـار القلـب عـن سائـر
أو آه كم أحمـل جـور الهـوى مـا أشبـه الــأول بالآخــر
يا هل ترى يدري نؤوم الضحى بحال ساه فـي الدجـى ساهـر
تهــب إن هبــت شماليــة أشواقــه للرشــأ النافـــر
يضرب فـي الآفـاق لا يأتلـي فـي جوبهـا كالمثـل السائـر
كـأن ممــا رابــه قلبــه علـق فـي قادمتـي طائــر
طـورا تهاميـا وطـورا عـرا قيـا إلـى الكوفـة والحائــر
يطيب عيشي في ربـى طيبـة بقـرب ذاك القمـر الزاهــر
محمـد البـدر الـذي أشــرق الكـون بباهـي نـوره الباهـر
كونـه الرحمـن مـن نــوره من قبـل كـون الفلـك الدائـر
يقول فيه:
حتــى إذا أرسلــه للهــدى كالشمس تغشى ناظـر المناظـر
أيــده بالمرتضــى حيــدر ليث الحروب الـأروع الكاسـر
فكـان إذ كـان نصيـرا لــه بورك في المنصـور والناصـر
مجدل الأبطـال يـوم الوغـى بـذي الفقـار الصـارم البائـر
وقوله من قصيدة:
158
خيـر الأنـام محمـد المختـار ذو المجــــد الأثيــــل
ماحي الضلـال بسيـف وارث علمــه بعـــل البتـــول
حامـي حمـى الإسلـام يــوم الـروع بالسيــف الصقيــل
لولـاه مـا نضـرت ريـاض الحـق مـن بعــد الذبــول
إن الأولــى جنحــوا إلــى طـرق الضلـال بـلا دليــل
لـو فكـروا فــي أمرهــم وجدوا السلامـة فـي العـدول
وله غير ذلك. توفي سنة ألف وست وسبعين في حيدر آباد عن عمر يناهز الثمان والستين. ذكره في السلافة والأمل. رحمه الله. الحسين بن صالح بن المهدي الحسيني القزويني النجفي البغدادي: أديب شاعر، كاتب خزنة لبعض تجار بغداد، رأيته فرأيت منه رجلا بهي الصورة على سن، ضخم المناكب، قوي العارضة، إذا أنشد شعره أخذته نشوة الطرب وسورة الحماسة، أنشدني من لفظه شعره وشعر أخيه الراضي وشعر أبيه الصالح، فمن شعره قوله متغزلا من قصيدة:
حيتـك تسحـب للهنـا أذيالهـا غيداء ما رأت العيـون مثالهـا
بيضاء ناعمة الشبيبـة غضـة رسمت بمـرآة الهـدى تمثالهـا
جعلت عقارب صدغها حراسها من لثمها وجعودها أفعـى لهـا
قد زين الزند البهـي سوارهـا حسنا وزيـن ساقيهـا خلخالهـا
حوراء حالية المعاصم والطلـى عشق المتيـم غنجهـا ودلالهـا
وقوله مشطرا بيتي الشيخ محمد النقاش النجفي في حدود سنة 1300 ه، في
159
السماور:
(نديـم كلمـا أججـت نــارا) بـه شوقـا يوانسنـي بأمــن
ومهما المـاء يصلـى للندامـى (بأحشـاه غـدا طربـا يغنـي)
(يغنـي ثـم يسقينـي كؤوسـا) معسلـة المـذاق بغيـر مــن
ويطربنـي بصـوت معبــدي (ألا أفديه مـن سـاق مغنـي)
ومن شعره في الحسين عليه السلام قوله:
ما لـي أرى الدمـن الخوالـي صـم المسامـع عـن سؤالـي
إنــي عهــدت ربوعهـــا كانــت محطــاً للرحــال
وفناؤهـا مـأوى الضيــوف مركــز السمــر الطــوال
ورواقهـا اأبـدا علـى الوفـاد ممــــدود الضلـــــال
وعهــدت مجمــع أنسهــا يزهـو علـى مــر الليالــي
مـا يالهــا حكــم البلــى بعراصهـا فغــدت خوالــي
قفــراء موحشــة الــذرى مـن ذلـك الحــي الحلــال
نســف البــلا أطلالهـــا نسـف العواصـف للرمــال
ومحــا الجديــد رسومهــا فغــدت مســارح للرئــال
واستبدلــت وحــش الفــلا سكنـا مـن البيـض الحوالـي
ورياضهـا قــد صوحــت بعـد الغضــارة والجمــال
وبهــا الطوائــح طوحــت بالبيـن حـالا بعــد حــال
شجـوا الخطـب قـد جــرى فــي آل أحمــد خيــر آل
أهــل المناقــب والفضــا ئـل والفواضــل والمعالــي
وذوي البلاغــة والفصاحــة والشجاعـــة والنــــوال
قـد غالهـم ريـب الزمــان فصرعـوا بشبــا النصــال
160
مـن كـل أشــوس باســل جـم العلـى سامـي المنــال
وأشـــم أغلــــب أروع شهـم لنـار الحـرب صالـي
تلقـاه فــي ليــل القتــام كأنــه بـــدر الكمـــال
فــإذا الجمــوع تكاثــرت دق الرعـال علـى الرعــال
وإذا الرمـــاح تشاجـــرت أروى الفــوارس بالنـــزال
ذو همــة يطــأ السهـــى لــو رام شــأوا بالنعــال
وقفــوا لعمــري وقفـــة أرسـى مـن الشـم الجبــال
حتـى قضـوا فـي كربــلا عطشـا علـى المـال الزلـال
وهي طويلة. وقوله في أخرى أوله:
مضى اليوم من عليا نزار عميدها وقوض عنها فخرها وسعودهـا
وقد جذ من عدنان عرنين عزها وراح لعمري جودها ووجودهـا
ومن مضر الحمرا هوى طود مجدها ومما عراها شاب شجوا وليدهـا
ومن غالب قد بان منها طريقها من المجد والعليا وبـان تليدهـا
فيا أيها القلب الجحاجحة الأولى على هامة الجوزا تسامى صعودها
دهاك من الأرزاء والخطب فادح له اسودت الأيام وأبيض فودهـا
فتلك بنو حرب بعرصة كربـلا أحاطت على سبط النبي جنودها
لقد حشدت من كل فـج لحربـه جيوش ضلال ليس يحصى عديدها
وذادته عن ورد الشريعة ظامئـا إلى أن قضى بالطف وهو شهيدها
فأين لك الرايات تقطـر بالدمـا إذا خفقت يوم الكفـاح بنودهـا
وأين لك البيض القواطع في الوغى تذعر قلب الموت رعبا حدودها
وأين لك السمر الطوال التي لها المراكز لبات العـدى وكبودهـا
161
وأين لك الجرد العتاق إذا جرت تزلزل أغوار الربـى ونجودهـا
وأين الإبا منكم وتلـك نساؤكـم يسير بهـا جبارهـا وعنيدهـا
وهي طويلة، وشعره في هذا الباب كثير، وهو كما ترى، ومن الغريب أنه سيلقي لا نحوي ولد في حدود سنة ألف ومائتين وثمانين، وهو اليوم في بغداد حي سلمه الله تعالى. الحسين بن الضحاك بن ياسر، أبو علي، الشاعر البصري المعروف بالخليع: كان من موالي آل سلمان بن ربيعة الباهلي، وأصله من خراسان، وكان شاعرا مطبوعا، حسن التفنن في ضروب الشعر، نادم الخلفاء من الأمين إلى المستعين فمن دونهم، وكان من الطبقة الأولى من الشعراء المجيدين، وبينه وبين أبي نؤاس نوادر ومطارحات شهيرة، وسمي بالخليع لمجونه، فمن شعره قوله:
صل بخدي خديك تلـق عجيبـا من معان يحار فهـا الضميـر
فبخديـك للربيــع ريــاض وبخــدي للدمــوع غديــر
وقوله:
لا وحبــــك لا أصــــا فــح بالدمـــع مدمعـــا
مـن بكـى شجــوه استــرا ح وإن كـــان مولعــــا
كبـدي فـي هــواك أسقــم مـــــن أن تقطعـــــا
لـم تـدع صـورة الضنــى فــي للسقـــم موضعـــا
وقوله في المذهب من حسينية:
هتكوا بحرمتـك التـي هتكـت حرم الرسول ودونهـا السجـف
سلبـت معاجرهـن واختلسـت ذات النقـاب ونـوزع الشنـف
162
قد كنـت كهفـا يستظـل بـه ومضى فـلا ظـل ولا كهـف
وقوله من أخرى:
ومما شجى قلبي ولو كف عبرتي محارم من آل النبـي استحلـت
ومهتوكة بالطف عنها سجوفهـا كعاب كقرن الشمس لما تبـدت
إذا حفزتها وزعة مـن منـازع لها المرط عاذت بالخضوع ورنت
وربات خدر من ذؤابـة هاشـم هتفن بدعوى خير حـي وميـت
أرد يـدا منـي إذا مـا ذكرتـه على كبد حـرى وقلـب مفتـت
فلا بات ليل الشامتيـن بغبطـة ولا بلغـت آمالهـا مـا تمنـت
وذكر ابن الأثير أن هاتين القصيدتين له في رثاء الأمين والمسلك يكذبه مع نص جملة. ولد سنة مائة واثنتين وستين. وتوفي سنة مائتين وخمسين ببغداد، وقيل: عمر أكثر من مائة سنة، والله أعلم بذلك. الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمذاني العاملي الجبعي، أبو البهائي: كان عالما فاضلا مصنفا أديبا، قدم العراق للزيارة، وسافر إلى البحرين وغيران، ونشر الفضل والعلم، وأفاد واستفاد، قم توفي في البحرين ومعه ابنه، فمن شعره قوله:
فاح ريح الصبا وصـاح الديـك فانتبه وأنف عنـك مـا ينفيـك
واستلمهـا سلافــة سلمــت من أذى من نعى لهـا تشريـك
وانتصـب رافعـا يديـك بهـا واخفض القـدر ساكنـا يعليـك
163
تدعي غيـر مـا وصفـت بـه والذي فيك ظاهـر مـن فيـك
تجتـري والجليــل مطلــع مـا كـأن النهـي إذن ناهيـك
وقوله:
مــا شممــت الـــورد إلا زادنــي شوقـــا إليـــك
وإذا مــا مــال غصـــن خلتــه يحنـــو عليـــك
لسـت تـدري مالــذي قــد حـل بــي مــن مقلتيــك
إن يكـن جسمــي تنــاءى فالحشــى بــاق لديـــك
كـل حسـن فــي البرايــا فهــو منســـوب إليـــك
رشــق القلـــب بسهـــم قوســه مــن حاجبيـــك
أتــرى أسقــى فأشفـــى خمــرة مـــن شفتيـــك
وقوله:
وأهيف القد لان العطف معتـدل بالطرف والظرف لا ينفك قفالا
إن جال أهدى لنا الآجال ناظره أوصال قطع بالهجران أوصـالا
وإن نظرت إلى مـران وجنتـه حسبت إنسان عيني فوقها خـالا
كأن عارضه بالمسك عارضني أو ليل طرته فـي خـده سـالا
أو طاف من نور خديه على بصري فخط بالليل فوق الصبح أشكـالا
ومن شعره في المذهب قوله:
ألؤلؤ نظم الثغـر منـك مبتسـم أم نرجس أم أقاح في صفا نشم
والخال مركز دور للعـذار بـدا أم ذاك نفح عثار الخـط بالقلـم
أم جنة وضعت كي ما تصد بها طير الفؤاد وقد صادته فاحتكـم
يقول فيه:
أرجو الخلاص وما أخلصت في عمل أرجو النجاة وما ناجيت في الظلم
164
لكن لي شافعا ذو العرش شفعـه أرجو الخلاص به من زلة القدم
محمد المصطفى الهادي البشير رسول الله أفضـل خلـق اللـه كلهـم
وفيه:
كفاك فخرا كمالات خصصت بها أخاك حتى دعوه بـارئ النسـم
رب اللواء ومخصوص الـولاء ومحفوف الكساء وصي المصطفى العلم
وفيها بالحجة عليه السلام:
يا مظهر الملة العظمى وناصرها لأنـت مهديهـا إلــى اللقــم
لم يبق غيرك إنسـان يلـاذ بـه فأنت إنسان غير الأمن والكـرم
فاسحب سحابة خيلا فوقها أسـد . . . . . نيلا عظيما ساكب الديم
ولا تقل قل أنصاري فناصـرك الباري ومن ينصر الرحمن لم يضم
وهي طويلة، وله غيرها فيهم عليهم السلام. ولد في جبع غرة محرم سنة تسعمائة وثماني عشر. وتوفي بالبحرين سنة تسعمائة وأربع وثمانين في ثامن ربيع الأول، ورثاه ابنه بقصيدة حسنة قال فيه:
أقمت يا بحر في البحرين فاجتمعت ثلاثـة كـن أمثـالا وأشباهـا
وأنت أغزرها فضلا وأكرمهـا أصلا وأطهرها نفسـا وأزكاهـا
حوين من در العلياء مـا حويـا لكـن درك أعلاهـا وأغلاهـا
وهي طويلة. الحسين بن علي بن الحسن بن شدقم الحسيني المدني: كان رحمه الله من سروات بني هاشم، فاضلا عظيم الهمة، رحلت به همته إلى
165
الهند فمدح نظام الدين أحمد بن معصوم، وبقي هناك مدة ثم سافر إلى إيران، وزار العتبات في العراق، ثم رجع إلى المدينة، وكان أديبا شاعرا، نظم الشعر بعدما اكتهل، وشعره في الطبقة الوسطى، فمنه قوله يمدح النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:
أقيما على الجرعاء في دومتي سعد وقولا لحادي العيس عيسك لا تخدي
فإن بـذاك الحـي ألفـا ألفتـه قديما ولم أبلغ برؤيتـه قصـدي
عسى نظرة منه أبل بها الصدى فيسكن ما ألقاه من لاعج الوجـد
وإلا فقـولا يـا أميــة إننــا تركنا قليلا من صدودك بالهنـد
يحن إلى مغناك بالطلح والفضـا ويصبو إلى تلك الأثيلات والرند
قفا نندب الأطلال أطلال عامـر ونبكي بها شوقا لعل البكا يجدي
إلى ذات دل يخجل البدر حسنها مرنحة الأعطاف مياسـة القـد
بـدوت لحبيهـا وإلا فإننــي من الساكنين المدن طفلا على مهد
وغادرت نخلا بالمدينـة يانعـا وملت إلى السرحات من عارضي نجد
فلا إثم في حبي لهـا ولقومهـا وإن قيل إن اللـه يغفـر للعبـد
ولا سيمـا إن جئتـه متوسـلا بمرسله خير النبيين ذي المجـد
أبي القاسم المبعوث من آل هاشم نبيا لإرشـاد الخلائـق بالرشـد
دنى فتدلى مـن مليـك مهيمـن كما القاب أو أدنى من الواحد الفرد
لأنت الذي فقت النبييـن زلفـة من الله رب العرش مستوجب الحمد
يناجيك عبد من عبيـدك نـازح عن الدار والأوطان بالأهل والولد
وسأل قربا من حماك فجـد لـه بقرب فقرب الدار خير من البعد
ليلثـم أعتابـا لمسجـدك الـذي به الروضة الفيحاء من جنة الخلد
فإن له سبعا وعشريـن حجـة غريب عن الأوطان في ساحة الهند
166
إذا الليل واراني أهيـم صبابـة إلى طيبة الغـراء طيبـة النـد
عليك سلام الله مـا ذر شـارق وما لاح في الخضراء من كوكب يهدي
كذلك أصحاب المناقـب حيـدر وبضعتك الزهراء زاكيـة الجـد
وسبطاك من حاز الفضائل كلها وسجادهم والباقر الصادق الوعد
وكاظمهم ثم الرضى وجوادهـم كذاك علي ذو المناقب والزهـد
كذا العسكري صاحب الفضل والعلى وقائمهم غوث الورى الحجة المهدي
وله شعر غير ذلك. توفي سنة ألف وتسعين تقريبا، رحمه الله تعالى. الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد بن يوسف بن بحر بن بهرام، أبو القاسم، الوزير المغربي: كان فاضلا مصنفا بارعا أديبا شاعرا، وكانت أمه بنت النعماني صاحب كتاب الغيبة، قتل الحاكم أباه وأخوته فهرب إلى الرملة، فحرك مفرجا بن دغفل الطائي وسار إلى الحجاز وأطمع صاحب مكة، ثم عاد إلى العراق فوزر لشرف الدولة وأغاظ محله منه القادر العباسي فزور عليه بقصيدة ينال فيها من شرف النبوة كما ذكره عبد الحميد الحديدي في شرح نهج اليلاغة وذكر جملة منها، ففر من العراق إلى ديار بكر فوزر لسلطانها أحمد بن مروان الكردي إلى وفاته، فمن شعره قوله:
أقول لها والعيس تحدج للسـرى أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر
سأنفـق ريعـان الشبيبـة آنفـا على طلب العلياء أو طلب الأجر
أليس مـن الخسـران أن لياليـا تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وقوله في غلام حلق سعره:
167
حلقـوا شعـره ليكسـوه قبحـا غيـرة منهـم عليـه وشحــا
كان قبل الحلاق ليـلا وصبحـا فمحـوا ليلـه وأبقـوه صبحـا
وقوله مرتجلا فيما حكاه في البدائع: عن الفرج بن إبراهيم الكاتب صاحب سريرة الألباب وذخيرة الكتاب، قال فيها: دخلت على الوزير أيام وزارته لشرف الدولة الديلمي وبيدي جزء من شعر شداد بن إبراهيم المعروف بالطاهر، فسألني عنه فأخبرته به، فقال أنشدني فأنشدته:
يـا منكــرا شغفــي بــه ومنكــدا طــول اشتياقــي
إلى آخر الأبيات التي ذكرت في ترجمة الطاهر في حرف الشين، فارتجل عليها قوله:
اللـــه يعلـــم أننــــي ألتــذ فيكــم باشتياقـــي
وأكـاد مـن أنــس التذكــر لا أذم يــــد الفــــراق
وأغــض طرفــي بعدمــا ملأتــه غزلــان العــراق
وأقـر مـن خجـل العتــاب إلــى مغالطــة العنـــاق
ومن شعره في المذهب قوله:
صلى عليك الله يـا مـن دنـا من قاب قوسيـن مقـام النبيـه
أخوك قـد خولفـت فيـه كمـا خولف في هرون موسى أخيـه
هل برسـول اللـه مـن أسـوة لم يقتد القـوم بمـا سـن فيـه
وهي أطول من هذا، وقوله:
أيا غامصيـن المزايـا الجليلـة من المرتضى والسجايا الجميلـة
ويا غامضين عـن الواضحـات كـأن العيـون لديهـا كليلــة
إذا كـان لا يعـرف الفاضليـن إلا شبيههـم فــي الفضيلــة
فمـن أيـن للأمـة الاختيــار عفـا لعقولكــم المستحيلــة
168
عرفنـا عليـا بطيـب النجـار وفصل الخطاب وحسن المخيلـة
تطلـع كالشمـس رأد الضحـى بفضـل عميـم وأيـد جزيلـة
فكـان المقـدم بعــد النبــي على كـل نفـس بكـل قبيلـة
لقـد نـص فـي نصبــه أولا بدعوته مـن قريـش الفصيلـة
ونـص أخيـرا بخـم عليــه وما زال حتى أفـاض رحيلـه
وله غيرها من المناقب. ولد فجر الأحد ثالث ذي الحجة سنة ثلاثمائة وسبعين كما وجد بخط والده، قتل والده وعمه وأخوه سنة أربعمائة. وتوفي منتصف شهر رمضان سنة أربعمائة وثمانية عشر بميافارقين، ونقل إلى النجف فدفن بظهرها بوصية منه، وكان خاف في مرضه أن تتعرض جنازته، فكتب إلى رؤساء القبائل الذين في طريقه إن لي حظية توفت وأرسلت جنازتها مع فلان وفلان - يعني أصحابه - فأكرموا مثواهم وأخفروهم، فلما مات نقل جنازته أولئك الأصحاب الذين ذكرهم فأكرمهم من مروا عليهم واحترمهم وأخفروهم لأجله، ولو عملوا غير ذلك لم يكن ذلك الإكرام. ترجمه العلامة والنجاشي وياقوت وابن خلكان وغيرهم، رحمه الله تعالى. الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد، مؤيد الدين الطغرائي الأصفهاني الوزير: كان عالما فاضلا منشئا، وكان أديبا متفننا، وشاعرا بارعا، استوزره السلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل، ثم قتل. فمن شعره قوله [من الكامل]:
يا قلب مالك في الهوى من بعدما طاب السلـو واقصـر العشـاق
169
أو ما بدا لك في الإفاقة والألـى نازعتهم كـأس الغـرام أفاقـوا
مرض النسيم وصح والداء الذي أشكـوه لا يرجـى لـه إفـراق
وهي قصيدة رقيقة في ديوانه المطبوع. وقوله وهي من رقائقه [من البسيط]:
بالله يا ريـح إن مكنـت ثانـي من صدغه فأقيمي فيه واستتري
وراقبي غفلـة منـه لتنتهـزي لي فرصة وتعودي منه بالظفـر
ويا كري ورد عذب من مقبلـه مقابل الطعم بين الطيب والخصر
ولا تمسي عذاريـه فتفتضحـي بنفحة المسك بين الورد والصدر
وإن قدرت على تشويش طرتـه فشوشيها ولا تبقـي ولا تـذري
ثم اسلكي بين برديه على عجـل واستبضعي الطيب وأتيني على قدر
لعل نفحة طيـب منـك ثانيـة تقضي لبانة قلب فاقـد الوطـر
وله لامية العجم المشهورة في الحكم. ومن شعره في المذهب قوله [من الطويل]:
أتوعدني في حب ((آل محمـد)) وحب ((ابن فضل الله)) قوم فأكثروا
فقلت لهم؛ لا تكثروا ودعوا دمي يراق على حبي لهم وهو يهـدر
فهذا نجـاح حاضـر لمعيشتـي وذاك نجاة أرتجي يـوم أحشـر
وقوله [من الكامل]:
حب اليهود ((لآل موسى)) ظاهر وولاؤهم لبني ((أخيـه)) بـادي
وإمامهم من نسل ((هارون)) الألى بهم اهتدوا ولكـل قـوم هـادي
وأرى النصارى يكرمون محبـة ((لنبيهم)) نجرا مـن الأعـواد
وإذا تولى ((آل محمـد)) مسلـم قتلـوه أو وسمـوه بالإلحــاد
هذا هـو الـداء العيـاء بمثلـه ضلت حلوم حواضـر وبـوادي
170
لم يحفظوا حـق النبـي محمـد في ((آلـه)) واللـه بالمرصـاد
وله شعر في هذا كثير أسقطه من ديوانه. قتل سنة خمسمائة وخمس عشرة أو ثمانية عشر بإربل، قتله أخوه السلطان بدعوى أنه شيعي ملحد عن عمر ناهز السبعين، رحمه الله تعالى. الحسين بن محمد نجف النجفي، أبو الجواد، وجد آل نجف المشهورين: كان فاضلا مشاركا بالعلوم فقهيا ناسكا مقدسا، وكان من أصحاب السيد مهدي بحر العلوم، ذا كرامات باهرة، روي أن السيد مهدي قال لأخته إني أحب أن يصلي علي إذا مت الشيخ حسين نجفي، ولكن لا يصلي علي إلا السيد مهدي الشهرستاني الحائري، وأنت إذا مت صلى عليك الشيخ حسين، فكان كذلك، فإنه لما توفي وحضرت العلماء للصلاة عليه جاء السيد مهدي من الحائر عائدا فوجده ميتا فصلى عليه إيثارا من الحاضرين، ولما توفيت أخته كان الشيخ حسين مقعدا زمنا فأخبر بوفاتها فأخذته حرارة الألم حتى نهض فصلى عليها وعاد، فعاد له مرضه. وكان أديبا شاعرا لم ينظم إلا في الأئمة عليهم السلام، وله ديوان شعر فيهم رأيته عند أحفاده، فمن مختاره قوله رحمه الله تعالى:
لعلـي مناقــب لا تضاهــى لا نبـي ولا وصـي حواهــا
من ترى في الورى يضاهي عليا أيضاهى فتى بـه اللـه باهـى
رتبـة نالهـا الوصـي علــي لـم تـرم أن تنالهـا أنبياهــا
مـا أتـى الأنبيـاء إلا قليــلا مـن كثيـر وذاك منـه أتاهـا
فضله الشمـس للأنـام تجلـت كـل راء بناظريــه يراهــا
171
ومراض القلوب عنـه تعامـت والتعامي قضـى لهـا بعماهـا
وجميع الدهور منـه استنـارت مبتداهـا ومنتهــى منتهاهــا
هو دون الإلـه، والخلـق طـرا دونـه إذ علـاه فـوق علاهـا
وهو نـور الإلـه يهـدي إليـه فاسأل المهتديـن عمـن هداهـا
وإذا قست فـي المعالـي عليـا بســواه رأيتــه بسماهـــا
وسـواه بأرضهــا وإذا مــا زاد قـدرا فمرتقــاه رباهــا
غير مـن كـان نفسـه ولهـذا خصـه دون غيـره بأخاهــا
وقوله في أوائل قصيدة في الحجة عليه السلام:
بك العيس قد بارت إلى نحو من تهوى فأضحى بساط الأرض في سيرها يطوى
وتجرب الرياح العاصفات وراءها تروم لحوق الخطو منها ولا تقوى
إذا هاج فيها كامن الشوق هزها فتحسبها من هز أعطافها نشوى
إلى روضة في أرضها ينبت الندى وأنهارها تجري بها الجود والجدوى
إلى بقعة فيها الذين اصطفاهـم على الناس طرا عالم السر والنجوى
إلى منهل عذب وأشرف مأمـن به الأمن في الدارين من سائر الأسوا
إلـى قبـة فيهـا قبـور أئمـة بهم وبها يستدفع الضر والبلـوى
وهي طويلة. وله غير ذلك. ولد سنة ألف ومائة وتسع وخمسين بتأريخ: (غلام حكيم). وتوفي سنة ألف ومائتين وإحدى وخمسين بتأريخ: (حللت حسين جنات النعيم). ودفن في الصحن الحيدري عند باب القبلة. رحمه الله. الحسين بن مساعد بن حسن بن مخزوم بن أبي القاسم بن عيسى الحسيني الحائري.
172
كان فاضلا عالما مصنفا له كتاب في المناقب اسمه [تحفة الأبرار في مناقب أبي الأئمة الأطهار] وكان حسن الخط، رأيت بخطه عمدة الطالب أحسن خطها. وكان حسن الشعر، له ديوان نقل منه شيخنا البهائي. فمن قوله في الغزل:
دعانـي والغـرام بحسنهنــه فلست عن الهوى ألوي الأعنـة
كفاني في المحبـة مـا ألاقـي وشاهـدي الدمـوع وسخنهنـه
ألا أبلـغ ظبـاء السعـد عنـي سلــام متيــم بفراقهنـــه
وإن مرت نياقـك فـي ذراهـا فقـف لـي سلاعـة لطلولهنـه
فسكناهــا بأفئــدة خــوال من التفريـق كانـت مطمئنـه
رعى اللـه الظبـاء وإن ظلـم أراق دمـي ظبـا ألحاظهنــه
فدعني والصبابـة يـا عذولـي فـإن اللـوم يغرينـي بهنــه
ومات الحائـري بهـن مضنـى صيــد فــي أشراكهنـــه
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة يرثي بها الحسين عليه السلام: الحسين بن المهدي بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني النجفي الحلي: كان ذها الفاضل موضع المثل (ملعا يا ظليم وإلا فالتخوية) فقد كان أخف طبعا من النسيم، وأرسى وقارا من ثهلان، وأبسط وجها من الروض المطلول، وأطلق كفا من السحاب الهتان، مجتهدا مشاركا في أغلب العلوم، أديبا شاعرا ناثرا ظريفا، أخبر عن هذا كله بالدراية لا بالرواية، وبالمشاهدة لا بالمساندة، فمن شعره في الغزل قوله رحمه الله:
نثرن نظيم الدمع لا الؤلؤ الرطبا عيون بغير النجم لم تعقد الهدبـا
173
تؤنبني حتـى تركـن جوانحـي لتضعف عن خدش النسيم إذا هبا
وما خلت أن البين أظفار غـدره تمزق أحشائـي وتستلـب اللبـا
إلى أن سرت خوض الركاب نوافحا تؤم من الوزراء منهلهـا العذبـا
تخـب لفتـان اللحـاظ مدعـج لو اعترضت للعضب كهمت العضبا
متى هتفت ذات الجناح بسحـرة تهيج مشوقا لم يزل دنفا صبـا
ربطت فـؤادي باليديـن وإنـه لينزو وراء الركب يتبع الركبـا
فيا لا جرى طير الفراق ببينكـم ولا ذعر التوديع من حبكم سربا
فـإن بأكنـاف الغرييـن ثاويـا على رمق قد كاد يقضي بكم نحبا
تقلبـه أيـدي الغـرام وإنــه على مثل أطراف القنا يطرح الجنبا
يهيم بمهضوم المخصر أهيـف ولكن بماضي العزم يقتحم الصعبا
وتضعف عن حمل الرداء متونه وبالهمة القعساء يقتلـع الهضبـا
وقوله:
كلما مر مـن صـدودك يحلـو صل معنى فالحب قطع ووصل
لك في شرعة الهوى معجـزات هن في فترة كمن الرسل رسـل
آمنت فيك أمـة العاشـق لكـن تحت داج من ليل شعرك ضلوا
قبلـة العاشقيـن أنـت ولكـن كـل وجـه توجهـوا فليصلـوا
أنت معنى الجمال والكـل وهـم ومن الوهـم قولهـم لـك مثـل
شـرع عاشقـوك فيـك ولكـن أنـا وحـدي بعبئهـم مستقـل
لك في النيرات أسنـى ظهـور وهي لولاك نورهـا مضمحـل
لاح للناس من جبينك في الأفـق هلـال فكبــروا واستهلــوا
سبقت فيـك للمحبيـن دعـوى حققـت مدعـى الأوائـل قبـل
وحدة في الجمـال كـل جمـال عرض زائـل ومعنـاك أصـل
174
أكثر العاذلـون فيـك ملامـي لا أبالـي إن أكثـروا أو أقلـوا
قد قرأنا صحف الجمال فصولا ليس فيها لغير وصفـك فصـل
يا معافى من ابتـلاء المعانـي وطليقا وهـو الأسيـر المغـل
عل بتلك الربـوع نهلـة ظـام إن عداه وبـل الوصـال فطـل
ومن شعره في المنام قوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام وقد رآه ليلة وعنده ولده السيد مهدي، فأتى يقبل يدي أمير المؤمنين عليه السلام فقال له أبوه: امدحه أولا، فوقف بين يديه قائل:
أبا حسـن أنـت عيـن الإلـه فهل عنك تنعزب مـن خافيـه
وأنت مديـر رحـى الكائنـات وإن شئـت تسفـع بالناصيــه
وأنـت الـذي أمـم الأنبيــاء لديـك إذا حشــرت جاثيــه
فمـن بـك قـد تـم إيمانــه يسـاق إلـى جنــة عاليــه
وأمـا الذيـن تولـوا ســواك يساقـون دعـا إلـى الهاويـة
فتبسم عليه السلام وقال له: أحسنت، فقبل يديه. ومن شعره قوله في مدح الجوادين عليهما السلام، وقد مرت بتخميس الجواد الشبيبي، وسأعيدها بتخميس السيد جعفر الحلي وهي:
سر على الرشد آمنا كـل ميـل بفلا لم تجـب بعيـس وخيـل
خذ على الجدي ناكبا عن سهيل (أيهـا الراكـب المجـد بليـل
فوق وجناء من بنات العيد)
جسرة شفها من الوجد ما شـف فاستطارت مثل الظليـم إذا زف
انعلت بالقتاد وهـي بـلا خـف (قد أخفاها السرى طول ما تف
لي بأخفافها نواصي البيد)
مـن رآهـا بالـدو ردد فكـرا أفبرق سـرى أم الطيـف مـرا
175
ترتمي تارة وتعصـف أخـرى (فهي كالسهم أمكنتـه يـد الـرا
مي أو الريح هب بعد ركود)
قد دعاهـا مـن الصبابـة داع فمشت عن زرود لا عـن وداع
وهي مذ أزمعـت لخيـر بقـاع (لم يعقها جذب البرى عن زماع
لا ولا الشيح من ثنايا زرود)
همها قصدهـا فلـم تـك تعلـم أتجلـى صبـح أم الليـل أظلـم
أي كوماء مـن كرائـم شدقـم (تترامى ما بيـن أكثبـة الـرم
ل ترامي الصلال بين النجود)
يممت للعـراق فـي عصفـات كم أحالت منها جميـل صفـات
لا تراها سـوى عظـام رفـات (ترتمـي كالقسـي منعطفـات
أو كشطن من الطوى البعيد)
وإذا فيك جانب الكـرخ جـاءت نلت ما شئت من مناك وشـاءت
خذ بها حيث لمعة القدس ضاءت (لا تقم صدرها إذا ما تـراءت
نار موسى من فوق طور الوجود)
تلـك أنـوار رحمـة حسبتهـا نفس موسى نارا وما اقتبستهـا
أي نار يـد الهـدى شعشعتهـا (تلك نـار الكليـم قـد آنستهـا
نفسه حين بالنبوة نودي)
أبصر الناس ليس كالنـار نعتـا بهـت القلـب بالتشعشـع بهتـا
أحدقت فيه من جوانـب شتـى (وتجلـت لـه فأبهـت حتــى
صعقا خر فوق وجه الصعيد)
أن يشارف سراك واديه فاحبس وبطهر الـولاء قلبـك فاغمـس
واخلع النعل فهـو واد مقـدس (وترجل فذاك مزدحـم الـرس
176
ل وهم بين ركع وسجود)
ذاك بيت جبريل مـن طائفيـه وكـرام الأملـك مـن عاكفيـه
ويحق العكـوف مـن عارفيـه (كيف لا تعكف الملائـك فيـه
وبه كنز علة الموجود)
لا تـزال الإسلـام تلجـأ فيـه إن باب الحاجات مـن قاطنيـه
صاحب اسم سام وجـاه وجيـه (وهي لولـاه لـم تـرد وأبيـه
صفو عذب من سلسل التوحيد)
هو نور الجلال من غير لبـس سيـد الخافقيـن جـن وأنـس
حد معنى الهدى بطرد وعكـس (ملك قائـم علـى كـل نفـس
بهدي المهتدي وكفر العنيد)
لا تخصص بـه مكانـا ووقتـا هو مليء الجهـات أنـى التفتـا
يمنـة وسيـرة وفوقـا وتحتـا (آيـة تمـلأ العوالـم حتــى
جاوزت بالصعود قوس الصعود)
جعفـر عنـده عهـود نبــوه قل لموسى خـذ الكتـاب بقـوه
فحبـاه السـر الخفـي الممـوه (لم يحطه وهم وهل يرتقي الوه
م لأدنى طرافة الممدود)
هو عـن ربـه معبـر صـدق ذو عرج بـلا التئـام وخـرق
لا تـرم حـده بممكـن نطـق (من تعرى عمن سـواه بسبـق
كنه معناه جل عن تحديد)
كاظم الغيظ منبع الفيض أمسـى لطفـه يمـلأ العوالـم قدســا
قف على رمسه ويا طاب رمسا (حي من مطلع الإمامـة شمسـا
هي عين القذى لعين الحسود)
177
تربـة مـا السمـا ولا نيراهـا بالغـات لـدون أدنـى ذراهـا
شرف الكاظميـن لمـا كساهـا (بهـج الكائنـات لمـع سناهـا
ولقلب الجحود ذات الوقود)
أيها المشتكي من الدهـر ضـرا ومن المذنب قـد تحمـل وزرا
زر لموسـى وللجـواد مقــرا (وانتشق من ثرى النبوة عطـرا
نشره ضاع في جنان الخلود)
أن تقبل الثـرى حـال سجـود خلـت أطيابـه مجامـر عـود
نل بباب المـراد أعلـى سعـود (والتثـم للجـواد كعبـة جـود
تعتصم عنده بركن شديد)
ربعه كعبة ويـا طـاب ربعـا موقف فيـه للحجيـج ومسعـى
هو ليث الجلاد أن يلـق جمعـا (هو غيث البلاد أن قطب العـا
م وغوث للخائف المطرود)
كان نورا في العرش زاه يلـوح حيث ليسـت بجسـم آدم روح
وبـه أنعـش الرفـات المسيـح (هو سـر الإلـه لولـاه نـوح
فلكه ما استقر فوق الجودي)
آية لم يصل لهـا الفكـر كنهـا مثل روح الإنسان إن لم يكنهـا
جنة خاب من لوى الجيد عنهـا (جنـة أتقـن المهيمـن منهـا
محكم السرد لا يدا داود)
من توقى الآثـام فيهـا كفيهـا فهـو لـم يخـش زلـة يتقيهـا
درع أمن بقـي الـذي يرتديهـا (لا تبالـي إذا تحـرزت فيهـا
برقيب من زلة أو عتيد)
أنـا واللـه مهتـدي بهداكــم سنتي حبكـم ورفـض عداكـم
178
ليس لي مسكـة بغيـر ولاكـم (يا أميري لا أرى لـي سواكـم
آمرا ماسكا بحبل وريدي)
فيكـم آيـة التباهــل نــص ولكـم آيـة السـؤال تخــص
لي على حبكم بني الوحي حرص (أنتم عصمتي إذا نفـخ الـص
ور وأمني من هول يوم الوعيد)
حبكـم مضغتـي تشيـر إليـه إن سـر الفتـى علـى أبويـه
لست أخشى غدا ضلالـة تيـه (قـد تغضيـت حبكـم وعليـه
شد عظمي وابيض بالرأس فودي)
مالك النار لم يجد لـي طريقـا حيث أعددت حبكم لـي رفيقـا
قد شربت الولاء كأسـا رحيقـا (كيف أخشى من الجحيم حريقـا
وبماء الولاء أورق عودي)
وله غير ذلك الطيب الكثير. توفي سنة ألف وخمس وعشرين بالنجف ودفن بها في مقبرة أبيه، ورثته الشعراء بما هو مثبت في دواوينهم المطبوع بعضها، فلا حاجة إلى ذكر ذلك، رحمه الله تعالى. حمادي بن سلمان بن نوح الكعبي الحلي الشهير: كان أديبا شاعرا متحرفا بشعره، رأيته في كربلاء شيحا قد جاوز التسعين، وقد أكل عليه الدهر وشرب، ولكن إذا تلا شعره انتعش له وظهرت عليه سورة الطرب. أخبرني يعقوب بن جعفر الذاكر - الآتي ذكره إن شاء الله - قال: كان لا يرى غير شاعرا، فقرأ له الشيخ محمد الملا شعرا فسكت عنه، ثم عاوده بعد سنة فقرأ له، فقال: الآن صرت لا تفهم الشهر، ذاهبا إلى أنه كان في السنة
179
السابقة لا يوصف بالفهم وعدمه، والآن نال رتبة الوصف، ولكثرة ما يندد قال فيه علي بن الظاهر الحلي الشاعر المتوفى سنة ألف ومائتين وتسعين في طريق واسط عطشا هاجيا له:
قل لابن نوح إذا ما رام منقصتي في النظم والنثر فيأو إلى جبلـي
بحر اقتداري طمى في النظم فانبجست عين النشائد منه كالحيا الهطـل
وله ديوان كبير فيه من المدائح والمراثي الغمامية شيء كثير، فمن شعره قوله:
وا حر قلباه كم أحني على كمـد هذي الضلوع وأطويها على شجن
يدي من المجد صفر لم تنل إربا وهذه فضلاء العصر تحسدنـي
وقوله من حسينية أوله:
أهاتفــة البــان بالأجــرع مليـا بفـرع الـأراك اسجعـي
وأمنا فما ريـع سـرب القطـا بنافحـة الـروض مـن لعلـع
يقـر المقيـل لـذات الهديــل بـدور البليـل علـى المرتـع
يقول فيه:
جزعت التياعا ليـوم الحسيـن فـإن كنـت والهـة فاجزعـي
ليـوم بـه انكسـف المشرقـان بغاشيــة الغســق الأسفــع
وغودر في الطف سبط الرسول صريع الظمـا بالقنـا الشـرع
بنفسـي نفـس نضاهـا الظمـا فسالـت علـى الأسـل اللمـع
نضاها الظمـا فأكلـن الضبـا جوارحهـا بثـرى المصــرع
أكلن الضبا مهجـة المصطفـى بشلـو ابـن فاطمـة الـأروع
بشلـو ابـن فاطمـة أغريـت غـراث الحديـد فلـم تشبــع
وهذا نموذج من شعره، وكله على هذا المنوال من اقتحام الألفاظ غير المألوفة. توفي سنة ألف وثلاثمائة وخمس وعشرين بالحلة، ونقل إلى النجف فدفن بها،
180
ويقدر عمره بمائة وخمس وأربعين كما أخبرني به الشيخ باقر نوح ابن ابن أخيه، وقال إن مولده محرر سنة 1180ه بعد قتل والي بغداد لأبيه. حمادي بن المهدي بن حمزة الشمري الحلي المعروف بالشيخ حمادي الكواز: كان أديبا شاعرا ناسكا تقيا، وكان مكثرا في مدائح الأئمة الطاهرين، وله شعر حسن رقيق، حسن السبك، حلو الانسجام، فمنه قوله رحمه الله:
أسهر جفنـي جفنـك الناعـس وقـد قلبـي قـدك المائــس
وأضحك الواشين يـوم النـوى أنـك منـي مغضـب عابـس
يـا رشــأ بستانــه خــده والخال فـي بستانـه حـارس
لم يمس مخضرا بهـا روضهـا إلا وقلبـي الذابـل الــدارس
أين فراري مـن هـوى شـادن غرامـة فـوق الحشـا جالـس
لقد أرانـا فـي وغـى حسنـه مـا لا يرينـا البطـل القابـس
فأسهـم يرمــي ولا نابــل وذبـل يرمــي ولا فــارس
وقوله:
دع ملام الفؤاد يـا بـن ودادي أنا أولـى بـأن ألـوم فـؤادي
جسمي المتلف المعذب لا جسـم سوائـي مـن سائـر الأجسـاد
وجفونـي المسهـدات وأجفــا نك لم يرمهـا الهـوى بسهـاد
يا بن ودي واللوم أبغض شـيء إن تلمني تكـن أشـر معـادي
خلنـي والهـوى ومـا يشتهيـه القلـب فالعمـر مـؤذن بنفـاد
واعص لاحيك فـي الهـوى و أجب داعيك فيه ولو دعا للفساد
إنما الدهر ضلـة بيـن أهليـه فمـاذا يريـد منـك الهــادي
181
كم ليال بالوصل تزهـر كالـأي يــام أيامهــن كالأعيـــاد
بات فيها منادمي كوكب بالحسن يـزري بالكوكــب الوقــاد
رشأ من (بنـي مـراد) رخيـم مـازج صفـو حبـه بنكــاد
لم يسؤنـي إلا وقلـت غرامـا يا مريدي بالسوء أنـت مـرادي
ومن شعره في المذهب قوله في حسينية:
أرأيـت يـوم دعـوا رحيــلا مـن حملـوا العبـأ الثقيــلا
ومــن استقادتــه النــوى بيـد الخطـوب ضحـى ذليـلا
صبــا يحــاول وصلهــم والبيـن يمنعــه الوصــولا
دنفــا يناشـــد عنهـــم ربعـا أهــاج بــه غليــلا
طلــل أخـــف عذابـــه أن تصبحــن بــه قتيــلا
جاف تخاف الوحـش وحشتـه وأنستــــه طويـــــلا
يـا صاحبـي هـلا تساعفنـي هلــى الجلـــى قليـــلا
إن الخليـــل إذا أحــــب وقـى عـن الخطـب الخليـلا
فلقـد وقـى العبـاس سبــط محمــد يومـــا مهـــولا
يقول فيه:
فسطــا وصــال بموقــف منــع المنيــة أن تصــولا
لــم يــرض عونـــا إلا السيـف والرمــح الطويــلا
وأغـر سبـاق الجيــاد بــه وأعلاهــــا صهيــــلا
فـإذا اعتلـى ونضـا وقــوم نـال منــه ونــال ســولا
حتــى إذا أبــت الــردى أن لا يبيــت لهــا جديــلا
حسـم القضـا منــه كفــا تخصــب العــام المحيــلا
وقوله من أرخى أوله:
182
حتى م تألف بيضكـم أجفانهـا وإلى م تنتظر الرمـاح طعانهـا
يابن الأولى شرعوا الهداية للورى بالمرهفـات وقومـوا أركانهـا
طال انتضار الدهر وثبتك التـي ما زال ينتظر الزمـان أوانهـا
أمعلـل الأيـام بعـد فسادهــا أن سوف يملأ بالصلاح زمانها
ما أنت منتظر وقد محض البـلا بمعاشـر محضتكـم إيمانهــا
وهي طويلة، وله الكثير الشائع. وكل شعره على هذا الأسلوب من السهولة، ويسمي نفسه في آخر قصائده الحسينية (محمدا) ولكن اسمه المعروف عند الناس ما ذكرته.

ولد سنة ألف ومائتين وخمس وأربعين.

وتوفي سنة ألف ومائتين وتسع وسبعين بالحلة، ونقل إلى النجف فدفن بها، وله أخ اسمه الصالح يذكر في بابه أكبر منه، أراد جمع ديوانه فلم يقدر له، وبقي شعره متفرقا، رحمه الله تعالى.

حميد بن نصار الشيباني اللملومي النجفي:

كان فاضلا مشاركا في العلوم، أديبا في المنثور والمنظوم، مكثرا من مدائح الأئمة عليهم السلام ومراثيهم، شاعرا عالي الطبقة بين أبناء قومه، فمن شعره قوله:
بذات الغضا أرض أحن لقربهـا حنين فصيـل فارقتـه علـوق
فعوجا خليلـي الغـداة بربعهـا وقولا شج بشكو النوى وفريـق
سقيـم بـداء ملـه منـه أهلـه وناء جفـاه صاحـب ورفيـق
تضيق علي الأرض وهي رحيبة وكل مكـان بالغريـب يضيـق
فلا يبعدنك الله يـا ليـل خلـة متى ما تلاقى شائـق ومشـوق
تسيل دموعي في الركاب إذا بدا من الشرق برق أو أضاء بريـق
وأصبو لركبان الجنوب كأننـي لكل جنوبـي المسيـر صديـق
183
فثم منى قد عاقني الدهر دونهـا وثم هوى مالـي إليـه طريـق
فهل عهد ليلى لا يغيره النـوى وثيق كما عهـدي إليـه وثيـق
وهل عادها ما عادني من صبابة لها بين أحنـاء الفـؤاد حريـق
فما بعدهـا إلا فـؤاد بوجدهـا حريق وجفن بالدمـوع غريـق
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة يرثي الحسين عليه السلام:
ما انتظـار الدمـع أن يستهـلا أو مـا تنظـر عاشـورا أهـلا
هـل عاشـور فقـم جـدد بـه مأتم الحزن ودع شربـا وأكـلا
كيف لا تحزن فـي شهـر بـه أصبحت آل رسول اللـه قتلـى
كيف لا تحزن فـي شهـر بـه غودرت فاطمة الزهراء ثكلـى
كيف لا تحزن فـي شهـر بـه رأس خير الخلق في رمح يعلـى
وإذا عاينـت أهليــه تــرى نوبا فيها رزايـا الخلـق تسلـى
من عليل وسدته البـزل حلسـا وقتيـل وسدتـه البيـد رمـلا
وهي طويلة، وله غيرها كثير. توفي سنة ألف ومائتين وخمس وعشرين أو ست وعشرين في النجف ودفن بها، وورثه إبراهيم بعد الطاعون بعد أن مات جملة من أرحامه كما ذكرت في ترجمة محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن نصار، فراجعه إن شئت.

حيدر بن إبراهيم بن محمد بن علي الحسني البغدادي الكاظمي:

كان فاضلا مشاركا، تقيا ناسكا، وكان مصنفا بارعا، وأديبا شاعرا، له المجالس الحيدرية في المراثي الحسينية ضمنها جملة من شعراء زمانه وغيرهم في رثاء الحسين عليه السلام، وكان قدم النجف وأقام به ثم رحل إلى الكاظميين فبقي بها
184
إلى أن فاجأه حمامه، وارتفع إلى ربه مقامه، وله ذرية في الكاظميين علماء صلحاء سلمهم الله، فمن شعره الذي ذكره في المجالس قوله:
أميـم ذرينـي والبكـاء فإننـي عن العيد واللبس الجديد بمعـزل
أميم أقلي من ملامـك واتركـي مقالك لا تهلـك أسـى وتجمـل
لأن سرك العيد الذي فيه زينـة لبعض أناس من ثياب ومن حلي
فقد عاد لي عيد الحـداد بعـوده ألا فاعذرني يا أميم أو اعذلـي
يذكرني فعل ابن هنـد وحزبـه يزيد وقد أنسى الورى فعل هرقل
فكم قد أطلـوا مـن دم بمحـرم وكم حللوا ما لم يكـن بمحلـل
أو لم يكتفوا حتى أصابوا ابن فاطم بسهم أصاب الدين فانقض من عل
وخر على حر الثـرى متبتـلا إلى ربـه أفديـه مـن متبتـل
ومذ كان للإيجاد وفي الخلق علة بكته البرايـا آخـرا بعـد أول
وخضبت السبع السماوات وجهها بقاني دم من نحـره المتسلسـل
وذا العالم العلوي زلزل إذ قضى كما العالم السفلـي أي تزلـزل
أبى رأسه إلا العلى فسما علـى ذرى ذابل يسمو على هام يذبـل
وله كثير غيرها.

توفي سنة ألف ومائتين واثنتين وخمسين بالكاظميين ودفن في باب الرواق عند قبر الشيخ المفيد رحمه الله تعالى.

حيدر بن سليمان بن داود بن سليمان بن داود الحسيني الحلي، أبو سليمان:

كان شاعرا بارعا غير منازع، وأديبا أريبا لم يدافع، وكان ذا إلمام بالعربية، مصنفا، ضم إلى الأدب نسكا وتقوى، وتقرب إلى الله في مدح أهل البيت بالسبب
185
الأقوى.

أخبرني السيد حسن بن السيد هادي الكاظمي سلمه الله قال: أخبرني السيد حيدر قال: رأيت في المنام فاطمة الزهراء عليها السلام فأتيت إليها مسلما عليها، مقبلا يديها، فالتفتت إلي وقالت:
أناعي قتلى الطف لا زلت ناعيا تهيج على طول الليالي البواكيـا
فجعلت أبكي، وانتبهت وأنا أردد بهذا البيت، فجعلت أتمشى في بهوي وأنا أبكي، وأحاول التتميم، ففتح الله سبحانه علي أن قلت متمما له:
أعد ذكرهم في كربلا إن ذكرهم طوى جزعا طي السجل فواديـا
إلى آخر ما قال في نظمه. قال: ثم إنه أوصى أن تكتب وتوضع معه في كفنه.

ومن محاسن شعره الذي لم يطبع في ديوانه قوله:
وأغيد منسوب إلى العرب لاح لي على خده خال إلى الزنج ينسـب
وما نظرت عيناي كالخال مبتلى مقيما على نار من الخد تلهـب
تنازعه أفعى من الجعـد تـارة وتلبسه طورا من الصدغ عقرب
وقوله:
ولما سرى الحادي بكم فاستفزني ونادى منادي البين أن لا تلاقيـا
ربطت الحشا بالراحتين ولم أخل تطيح شظايا مهجتي من بنانيـا
وعندي مما ثقف البيـن أضلـع غدون على جمر الفراق حوانيـا
وعين بلا غمض كأن جفونهـا حلفن بمن تهـواه أن لا تلاقيـا
ومن شعره في المذهب قوله مخمسا قصيدة عبد الباقي في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد مر لها تخميس:
تعاليـت مـن فاتــح خاتــم عليـم بمـا كـان فـي العالـم
فيا صفـوة اللـه مـن هاشـم (تخيــرك اللــه مــن آدم
186
وآدم لولاك لم يخلق)
بك الكـون آنـس منـه مجيئـا وفيـك غـدا لا بـه مستضيئـا
لأنك مذ جـاء طلقـا وضيئـا (بجبهته كنـت نـورا مضيئـا
كما ضاء تاج على مفرق
فمن أجـل نـورك قـد قربـا إلـه السمـاء آدمـا واجتبــى
نعـم والسجـود لـه أو جبــا (لذلـك إبليـس لمــا أبــى
سجودا له بعد طرد سقي)
وساعـة أغـداه فـي إفكــه بأكل الذي خـص فـي تركـه
عصى فنجـا بـك مـن هلكـه (ومع نوح إذ كنـت فـي فلكـه
نجا وبمن فيه لم يغرق)
وسارة فـي سـرك المستطيـل غـداة غـدا حملهـا مستحيـل
بإسحـاق بشرهــا جبرئيــل (وخلل نـورك صلـب الخليـل
فبات وبالنار لم يحرق)
حملـت بصلـب أميـن أميـن إلى أن بعثـت رسـولا مبيـن
وهل كيف تحمل في المشركيـن (ومنك التقلـب فـي الساجديـن
به الذكر أفصح في المنطق)
بـراك المهيمـن إذ لا سمــاء ولا أرض مدحـوة لا فضــاء
ومـن خلـق الخلـق والأنبيـاء (سواك مع الرسل فـي إيليـاء
مع الروح والجسم لم يلتق)
وكـل رأى اللـه لـم يحــذه عـلاء وعلمـك لــم يغــذه
فنـزه عهـدك عــن نبــذه (فجئت مـن اللـه فـي أخـذه
لك العهد منهم على موثق)
187
صدعت به والورى في عمـاء فحفت بمجـدك جنـد السمـاء
ورف عليـك لــواء الثنــاء (وفي الحشر للحمد ذاك اللـواء
على غير رأسك لم يخفق)
وحين عرجـت لأسمـى مقـام وأدنـاك منـه إلــه الأنــام
أصبت بمرقاك أعلـى المـرام (وعن غرض القرب منك السهام
لدى قاب قوسين لم تمرق)
وقدمـا بنـورك لمـا أضــاء رأت ظلمـة العـدم الانجـلاء
فمن فضل نورك كان الضيـاء (لقد رمقت بـك عيـن العمـاء
وفي غير نورك لم تمرق)
أضـاء سنـاك لهـا مبرقــا وقابــل مرآتهــا مشرقــا
إلـى أن شـاع لهـا رونقــا (فكنــت لمرآتهــا زئبقــا
وصفو المرايا من الزئبق)
بك الأرض مدت ليوم الـورود وأضحت عليها الرواسي ركـود
وسقف السما شيد لا في عمـود (فلولاك لا نظـم هـذا الوجـود
من العدم المحض في مطبق)
ولولاك ما كـان خلـق يعـود لـذات النعيـم وذات الوقــود
ولا بهمـا ذاق طعـم الخلــود (ولا شـم رائحــة للوجــود
وجود بعرنين مستنشق)
ولـو لـم يجــدك لمولــوده أبــا أم أركــان موجــوده
إذن عقمــت دون توليـــده (ولولــاك طفــل مواليــده
بحجر العناصر لم يبغق)
ولولاك ثوب الدجى ما انسـدل ونور سراج الضحى ما اشتعـل
188
ولولاك غيث السمـا مـا نـزل (ولولاك رتـق السمـاوات وال
أراضي لك الله لم يفتق)
ففيـك السمـاء علينـا بنــى وذي الأرض مـد فراشـا لنـا
فلولاك مـا انخفضـت تحتنـا (ولولـاك مـا رفعـت فوقنـا
يد الله فسطاط استبرق)
ولا كـان بينهمـا مـن ولـوج لغيـث تحمـل مـاء يمــوج
ولا انتظم الأرض ذات الفـروج (ولا نثرن أكـف ذات البـروج
دنانير في لوحها الأزرق)
ولا سير الشهـب ذات الضيـاء بنهـر المجـرة رب العــلاء
ولا نبش نوتـي زنـج المسـاء (ولا طاف من فوق موج السماء
هلال تقوس كالزورق)
ولولاك وشي الرياض اضمحـل ولا طـرز الطـل منـه حلـل
وفيهن بسم الثـر مـا اشتمـل (ولولاك مـا كللـت وجنـة ال
بسيطة أيدي الحيا المغدق)
ولولـاك مـا فلـت الغاديـات بأنمـل قطـر نواصـي الفلـاة
ولا الرغـد ناغـى الغضــاة (ولا كست السحب طفل النبـات
من الؤلؤ الرطب في نجنق)
ولا صدغ آس بـدا فـي ربـى علـى خـدور وغـدا مذهبــا
ولا رنحت قـد غصـن صبـا (ولا اختال نبت ربى فـي قبـا
ولا راح يرفل في قرطق)
أفضت نطـاق نـدى دافقـات بها اخضر غرس رجا الكائنات
فلولـاك لـم تخفـض هامهـا (وسبـع السمـاوات أجرامهـا
189
لغير عروجك لم تخرق)
ولولـاك يونـس مـا خلصـا من الحوت حين دعـا مخلصـا
وعيسـى لمـا أبـرأ الأبرصـا (ولولـاك مثعنجـر بالعصــا
لموسى بن عمران لم يفلق)
ولا يوم حرب على الشرك قاظ بسيف هدى مستطيـر الشـواظ
ولا أنفس الكفر أضحـت نفـاظ (ولولاك سوق عكـاظ الحفـاظ
على حوزة الدين لم ينفق)
#بحبل الهدى كم رقاب ربقـت وكم لبني الشرك هامـا فلقـت
وكم في العروج حجابا خرقـت (وأسرى بك الله حتـى طرقـت
طرائق بالوهم لم تطرق)
لقد كنت حيـث تحـار العقـول بشأو على مـا إليـه وصـول
فأنزلـك اللـه هـاد رســول (ورقاك مولـاك بعـد النـزول
على رفرف حف بالنمرق)
لـك اللـه أنشـأ مـن أمهـات كرائـم مـا مثلهـا محصنـات
ومذ زوجـت بالكـرام الهـدات (بمثلـك أرحامهـا الطاهـرات
من النطف الغر لم تعلق)
لحقـت وإن كنـت لـم تعنـق بشأو بـه الرسـل لـم تنطـق
وأحرزت قدمـا مـدى الأسبـق (فيـا لاحقـا قـط لـم تسبـق
ويا سابقا قط لم تلحق)
خلقـت لديـن الهـدى باسطـا لنــا وبأحكامــه قاسطــا
وحيث صعدت علـى شاحطـا (تصوبت مـن صاعـد هابطـا
إلى صلب كل نقي تقي)
190
هبطـت بأمـر العلـي الـودود إلـى عالـم عالـم بالسعــود
ونورك سـام لأعلـى الوجـود (فكان هبوطك غيـر الصعـود
فلا زلت منحدرا ترتقي)
وله في المراثي الحسينية ما بذ به من سبق، وتخلف عنه من لحق، وديوانه مطبوع، وشعره محفوظ في كل مجموع، فلا حاجة لنقل أكثر من هذا.

ولد منتصف شعبان سنة أف ومائتين وست وأربعين.

وتوفي لتسع مضين من ربيع الآخر سنة ألف وثلاثمائة وأربع بالحلة، وحمل إلى النجف فدفن بالصحن الحيدري أمام الرأس، ورثته الشعراء بما أثبت في ديوانه رحمه الله.
191

حرف الخاء

خالد بن معدان الطائي:

كان فاضلا سريا من التابعين المختصين بعلي أمير المؤمنين عليه السلام، وكان رئيس البعث الذي أرسله ابن عباس رضي الله عنه من البصرة نجدة لمعقل بن قيس في قتال بني ناجية، وكان أمير المؤمنين أمره أن يرسل رجلا من أهل الصلاح والبأس صليبا، فأرسله، كما ذكره الطبري في تاريخه.

وكان أديبا شاعرا من قدماء الشعراء، وكان أول من رثى الحسن عليه السلام في بعض الأقوال، فمن شعره قوله في الحسين عليه السلام:
جاءوا برأسك يابن بنت محمـد مترمــلا بدمائــه ترميــلا
ويكبـرون بـأن قتلـت وإنمـا قتلـوا بـك التكبيـر والتهليـلا
قتلوك عطشانـا ولمـا يرقبـوا في قتلـك التنزيـل والتأويـلا
وكأنما بك يابـن بنـت محمـد قتلوا جهـارا عامديـن رسـولا
نقضوا الكتاب المستبين وأبرموا ما ليـس مرضيـا ولا مقبـولا
وله قصائد غيرها، لم أقف عليها، أو وقفت ولم تلعق بحفظي.

توفي سنة مائة وثلاث من الهجرة، رحمه الله تعالى.

خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري، ذو الشهادتين:

كان صحابيا من كبار الصحابة، شهد بدرا وما بعدها، وكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وكان مع علي في حروبه.

وكان شاعر فحلا، فمن شعره يوم السقيفة قوله:
إذا نحن بايعنـا عليـا فحسبنـا أبو حسن مما نخاف من الفتـن
192
وجدناه أولى الناس بالناس أنـه أطب قريش بالكتـاب وبالسنـن
وفيه الذي فيهم من الخيـر كلـه وما فيهم مثل الذي فيه من حسن
وإن قريشـا لا تشـق غبـاره إذا ما جرى يوما على السبق البدن
وصي رسول الله من دون أهلـه وفارسه قد كان في أول الزمـن
وأول من صلى من الناس كلهـم سوى خيرة النسوان والله ذو منن
وصاحب كبش القوم في كل وقعة تكون لها نفس الشجاع لدى الذقن
فذاك الذي تثنى الخناصر باسمه إمامهم حتـى أغيـب بالكفـن.
وقوله يوم الجمل:
أعائش خلي عن علـي وعيبـه بما ليس فيه إنمـا أنـت والـده
وصي رسول الله من دون أهلـه وأنت على ما كان من ذاك شاهده
وحسبك منه بعض مـا تعلمينـه ويكفيك لو لم تعلمي غير واحده
إذا ما قيل ماذا عبت منه رميته بخذل ابن عفان وما تلـك أيـده
وليس سماء اللـه قاطـرة دمـا لذاك وما الأرض الفضاء بمائده.
وقوله في ذلك اليوم:
ليس بين الأنصار في حومة الحرب وبيـن العــداة إلا الطعــان
وقراع الكماة بالقضـب البيـض إذا مــا تحطــم المـــران
فادعها تستجب فليس من الخزرج والـأوس يـا علــي جبــان
يا وصي النبي قد أجلت الحرب الأعـادي وسـارت الأظعـان
واستقامت لك الأمور سوى الشام وفي الشـام تظهـر الأضغـان
حسبهم مـا رأوا وحسبـك مـا هكذا نحن حيـث كنـا وكانـوا
وقوله في صفين:
قد مـر يومـان وهـذا الثالـث كم ذا يرجى أن يعيـش الثالـث
193
والناس موروث ومنهـم وارث هذا علي مـن عصـاه ناكـث
هذا الذي يبحث فيه الباحث
وقتل في وقعة الخميس بصفين سنة سبع وثلاثين، ورثاه جملة من الشيعة في ذلك اليوم، ورثته ابنته ضبيعة فقالت:
عين جودي على خزيمة بالدمـع قتيل الأحـزاب يـوم الفـرات
قتلـوا ذا الشهادتيــن عتــوا أدرك اللـه منهـم بالتــارت
قتلوه فـي فتيـة غيـر عـزل يسرعون الركوب في الدعـوات
نصروا السيد الموفق ذا العـدل ودانـوا بـذاك حتـى الممـات
لعـن اللـه معشــرا قتلــوه ورماهـم بالخـزي والآفــات

خلف بن عبد المطلب الموسوي المشعشعي، أمير الحويزة ومولاه:

كان فاضلا، جمع أطرافه على الفضل، وتقدم بالقول الفصل، فصنف كتبا مفيدة، وألف تآليف عديدة، وكان أديبا شاعرا، نظم ودون وجمع وعنون، واجتمع بالشيخ بهاء الدين العاملي في فارس، وبالميرزا محمد الإسترابادي في الحجاز، وأضر في آخره عمره، وله شعر كثير في الغزل والحماسة ومديح الأئمة عليهم السلام، فمن محاسن غزله المشتمل على الفخر قوله:
وخريدة قـد زار ليـلا طيفهـا وإلى الخلافة صبحـه يترشـح
أعرضت عما دون أنس كلامها ثـم انتبهـت وعفتـي تترجـح
وقوله في مدح علي عليه السلام:
أبا حسن يـا حمـى المستجيـر إذا الخطب وافى علينـا وجـارا
لأنـت أبـر الــورى ذمــة وأكبـر قـدرا وأمنـع جــارا
194
فلا فخر للمرء مـا لـم يمـت إليك انتسابـا فينمـي النجـارا
توفي سنة ألف وأربع وسبعين، ورثاه الشهاب الحويزي بقوله:
مضى خلف الأبرار والسيد الطهر فصدر العلى من قلبه بعده صفر
وغيب منه في الثرى نير الهدى فغادرت ذكاء الدين وانكسف البدر
ومات الندى فلترثه السـن الثنـا وليث الوغى فلتبكه البيض والسمر
هو الحر يوم الحرب تثني حرابه عليه وفي المحراب يعرفه الذكر
فمن لليتامـى والأرامـل بعـده وممن نرجي النفع إن مسنا الضر.
وهي طويلة موجودة في ديوانه المطبوع مرارا، فمن شاءها فليطلبها منه.
195

حرف الدال

داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الجعفري، أبو هاشم:

كان عظيم المنزلة عند الأئمة عليهم السلام، فشاهد الإمام الرضا عليه السلام وأولاده حتى المهدي عليه السلام.

وكان فاضلا شاعرا دخل على محمد بن عبد الله بن طاهر وقد جلس للتهنئة بقتل يحيى بن عمر صاحب شاهي سنة خمس ومائتين في أيام المستعين، فخرج منه وهو يقول:
يـا بنـي طاهـر كلـوه وبيـا إن لحـم النبـي غيـر مـري
إن وتـرا يكـون طالبـه اللـه لوتـر بالفـوت غيـر حـري
دخل على الجواد عليه السلام، فقال عليه السلام: يا هؤلاء إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، فمن صلى في تلك الروضة ضمنت له على الجنة، وقد صلى فيها المخالف والموالف فما ترون؟ قلنا: الله ورسوله وابن عم رسوله أعلم، فقال: ليس الأمر كما تظنون، إنما القبر مولانا أمير المؤمنين لأنه قبر علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأما المنبر فقائمنا أهل البيت، وأما الروضة فنحن الأئمة.

قال داود: فقلت له: يا مولاي قد حضرني في هذا المقام شعر، فقال: أنشد، فأنشدته قولي:
يـا حجـة اللـه أبـا جعفــر وابن البشير المصطفى المنـذر
أنـت وآبـاؤك ممـن مضـى روضـة بيـن القبـر والمنبـر
تجلـو بتفسيـرك عنـا العمـى ونـورك الأشـرف والأنــور
صلى على المدفون فـي طيبـة جدك والمضمون بطـن الغـري
196
وأمـك الزهـراء مضمونــة أرض بقيـع الغرقـد الأزهـر
والسيد المدعـو شبيـرا ومـن يدعى بسبط المصطفـى شبـر
والتسعة الأطهار من لـم يكـن يعرفهم فـي الديـن لـم يعـذر
هم خلفـاء اللـه فـي أرضـه وهـم ولـاة البعـث والمحشـر
وهم سقاة النـاس يـوم الظمـا شيعتهـم ريـا مـن الكوثــر
وأنتــم الــذواد أعدائكـــم في مورد منـه وفـي مصـدر
وتدخلـون النـار مـن شئتـم مـن جاحـد حقكــم منكــر
وتدخلـون الجنــة المقتفــي آثاركـم فـي غابـر الأعصـر
إنـي مـوال مــن تولاكــم ومـن يعاديكـم فمنـه بــري
وله في قصيدة ختم الحصاة وقد شاهدها فقال في مدح العسكري عليه السلام:
بدرب الحصى مولى لنا يختم الحصى له الله أصفى بالدليـل وأخلصـا
وأعطاه آيـات الإمامـة كلهـا كموسى وفلق البحر والبدو العصى
وما قمص الله النبيين حجة (آية) ومعجزة إلا الوصييـن قمصـا
فمن كان مرتابا بـذاك فقصـره من الأمـر أن يتلـو ويفحصـا
مرض أبو الحسن الثالث عليه السلام فكتب إليه قصيدة منها قوله رحمه الله:
مادت الأرض بي وآدت فـؤادي واعترتنـي مـوارد العــرواء
حين قالوا الإمام نضـو عليـل قلت نفسي فدتـه كـل الفـداء
مرض الدين لاعتلالـك واعتـل وغـارت لـه نجـوم السمـاء
عجبا إن منيت بالـداء والسقـم وأنـت الإمـام حسـم الـدواء
أنت آسي الأدواء في الدين والد نيا ومحيي الأمـوات والأحيـاء
فمن محاسن شعره في الأئمة قوله:
يا آل أحمدى كيف أعدل عنكـم أعن السلامـة والنجـاة أحـول
197
ذخر الشفاعة جدكـم لكبائـري فيها على أهل الوعيـد أصـول
شغلي بمدحكم وغيـري عنكـم بعدوكـم ومديحـه مشغــول
يقول فيها وهم مما يدل على فضله:
ومجـادل لـي شائـل لأجيبـه موسى أحق بهـا أم إسماعيـل
قلت الدليل معي عليك وما على مـا تدعيـه للإمــام دليــل
موسى أطيل له البقاء فحازهـا إرثـا ونصـا والـرواة تقـول
إن الإمام الصادق ابـن محمـد عزي بإسماعيـل وهـو جديـل
وأتى الصلاة عليه يمشي راجلا أفجعفـر فـي وقتـه معـزول
وقوله:
أليس رسول الله آخـى بنفسـه عليا صغير السن يومئـذ طفـلا
فألا سواه كـان آخـى وفيهـم إذا ما عددت الشيخ والطفل والكهلا
فهل ذاك إلا أنـه كـان مثلـه لإألا جعلتم في اختياركم المثـلا
أليس رسول اللـه أكـد عقـده فكيف ملكتم بعده العقد والحـلا
ألم تسمعوا قول النبـي محمـد غداة علي قاعد يخصف النعـلا
فقـال عليـه بالإمامـة سلمـوا فقد أمر الرحمن أن تفعلوا كـلا
فيا أيها الحبل المتين الـذي بـه تمسكت لا أبغي سواه به حبـلا
وله ديوان جمعه العياشي فيما نقله النجاشي.

توفي سنة مائتين وإحدى وستين، كما ذكره ابن الأثير، رحمه الله تعالى.

داود بن محمد بن عبد الله بن أبي شافيز - بالزاي - البحراني:

كان واحد العصر في الفضل والأدب، وأعجوبة الزمن في الخطابة، وكان أستاذا
198
للسيد الحسن الغريفي البحراني، وله معه مكاتبات ورسائل ومطارحات، ذكره في السلافة وأثنى عليه وذكر جملة من مآثره، وكان كثير الجدل في المسائل العلمية، ولما اجتمع بالحسين بن عبد الصمد العاملي في البحرين أكثر من النزاع معه حتى أضجره، فقال فيه الحسين:
أنـاس فـي أول قـد تصـدوا لمحو العلم واشتغلـوا بلـم لـم
إذا باحثتهـم لـم تلـق منهــم سوى لفظـي لـم لـم لا نسلـم
وكان شاعرا رقيق الشعر سهله، لطيف المعنى جزله، فمن شعره قوله:
أنــا واللـــه المعانـــي بالهــوى شوقــي أعــرب
كلمـا غنـى الهــوى لــي أرقـص القلــب وأطــرب
وغــدا يسقيــه كاســـات صبابــــات فيشــــرب
فالـذي يطمـع فــي سلــب هــوى قلبـــي أشعـــب
قلــت للمحبــوب حتـــى الهــوى للقلــب ينهـــب
وبميــدان الصبــا واللهــو ســـــاه أن تلعـــــب
قـال مــا ذنبــي إذا شــا هـدت نـار الخــد تلهــب
فهــوى قلبـــك فيهـــا ذاهبـا فـي كــل مذهــب
قلـت هـب إن الهـوى هـب فألقـــــاه بهبهـــــب
أفـلا تنقــذ مــن يهــواك مـــن نـــار تلهــــب
وقوله في موشحة حيدرية:
سل غزال الجزع مـن سلسـل ريقـه رشـف لمـن سلســل
فـي قيـود الحـب لمـا سـل صارمـا مـن لحظـه أجفانـي
صير الناظـر، ساهـر الفاطـر قلبـه حائـر، حلـف أشجانـي
كلمـا صــاح مــن مــاح هـز مـن أعطافـه رمــاح
199
واستبـى الأمـوال والــأرواح كـم بـه مـن مغـرم عــان
في لظى الأشواق، ما له من راق دمعـه المهـراق، مـن قــان
قلت لمـا راح فـي المحضـر بلبـاس السنـدس الأخضــر
يوسـف الصديـق هـذا مــر أو هلــال وأعلــى بـــان
نشـره العنبـر، ريقـه السكـر ثغره الجوهـر، عقـد مرجـان
شعره مـن حنـدس الديجـور نحره قـد صيـغ مـن بلـور
صـدره نـور علــاه نــور لهــذه الماجــي كرمـــان
خده التفاح، منـه مسـك فـاح وجهـه مصبــاح، وهبــان
كم لـه فـي عرصـة العشـاق ميـت مـن لوعـة الأشــواق
ساهـر الأجفـان والأحــداق دمعــه يجــري بتهتـــان
قلب إذ بالباب، حاسر الجلبـاب ساحــر الألبــاب، فتــان
كـم وكـم يـا مائـس القــد محـرق فـي جمـرة الخــد
قلب صـب فـي لظـى صـد جاعــلا خــزان نيـــران
مالـك الحـب، ساكـن القلـب مسعـر كربــي، وأحزانــي
فانعمـن بالوصـل كـي ينعـم بـال بــال نــادر مغــرم
فيك حبـل الوصـل قـد أبـرم كيــف تصليــه بهجــران
فاسقني خمري، من لمى الثغـر وأذن يـا بـدري، وكيوانــي
نـازلا فـي بـرج إسعــادي منجـزا بالقــرب ميعــادي
جاليـا فـي روضـة الـوادي مــن قــدود ورد نعمــان
الغـض، باسـط فـي الـأرض سندسـا فـي عـرض، ميـدان
صفقـت بشـرا لنـا الـأوراق واغتدت مـن لاعـج الأشـواق
بالأغانـي تطـرب المشتــاق كلمــا غنــت بالحســـان
200
أرقص الأغصان، روحها النشوان وانجلـت أحــزان، ندمانــي
مثلمـا جلـى عـن الإسلــام سيـف سيـف الواحـد العلـام
غيهـب الاحــزان والآلــام خيــر ضــراب وطعــان
حيدر الكرار، ناصـر المختـار وارث الأســرار، ربانـــي
أهل بيـت المصطفـى الهـادي خيــر عبـــاد وزهـــاد
مـا لــداود مــن الــزاد غيــر حبــي آل عدنــان
خيـرة البـاري، خيـر أبـرار من لظى النار، انقـذوا الجانـي
واشفعـوا فـي صفـح زلاتـي والأخــلا مــع قراباتــي
والــذي يــروي فعالاتــي والـذي يصغــي لأوزانــي
من ذوي الحب، خصكـم ربـي غايـة القــرب، برضــوان
وقوله في أهل البيت عليهم السلام:
بدا يختال فـي ثـوب الحريـر فعم الكون مـن نشـر العبيـر
فقلنـا نـور فجـر مستطيــر جبينك أم سنـا القمـر المنيـر
وهـذا الـورد فــي الجنــه بــدا أم حمــرة الوجنـــة
ودعــج العيــن أم دخنــه بأصنــــاف العقاقيــــر
وقـد مائـل أم غصـن بــان تثنـى أم قضيـب خيزرانــي
عليـه بـدر تـم شعشعانــي بنور فـي الدياجـي مستطيـر
ونحــر مشــرق بالنــور أم إبريــق مــن بلـــور
وريــق الثغــر أم أحــور يجلــى فــي القواريـــر
ألا يا يوسفي الحسـن كـم كـم فؤادي من لهيب الشوق يضـرم
وكم يـا فتنـة العشـاق أظلـم ومالي في البرايا مـن نصيـر
وكـم مـن زفرتـي أحــرق وكـم مـن عبرتـي أشــرق
201
فقلبي في الهوى صلـى وسلـم وصحت وحر أشواقي ضميري
وأدعــى سيــد العشـــاق قيــس بــن الملــوح ذاق
خمـر الحـب مــن دفــاق راح مــــن مساطيــــر
وديـوان الهـوى أملـاه قلبـي وكل نافـذ مـن فـرط حبـي
وأهل البين من زفراتي كربـي هدوا كـل إلـى نـار السعيـر
أنـا الشاكـي أنــا الموجــع أنــا الهاجــر للمضجـــع
كأنـي فـي الدجــى ألســع بأشــــواك الزنابيــــر
فجد بالوصل يا بـدر الدياجـي وصب الراح في كأس الزجـاج
وغن بحق حسنك يـا سراجـي فإن الخيـل تشـرب بالصغيـر
وقـل يـا كامــل الحســن إذا رجعــت فــي اللحــن
حمائــم وصلنــا غنـــي وغربـان النــوى طيــري
وروح قلـب مشتـاق كئيــب بريحـان الأغانـي يـا حبيبـي
ورجع يا ليالي الوصـل طيبـي ومـن أقـداح أفراحـي ديـري
وجــودي يـــا ليالينـــا بطيــب مـــن تدانينـــا
واخـف شخــص واشينــا وأشخـــاص النواطيــــر
وقصر في الخطا عنـد التثنـي يعـذر عـاذر قـد نـال منـي
ويخجـل كـل ميـاس بغصـن ودع بحياة حسنـك يـا أميـري
مطــال العاشــق الهائــم وقــول العــاذل اللائـــم
واقنــع بالهــوى حاكـــم لكــي أبــدي معاذيـــري
أتعلـم أنـي أضحـي وأمسـي أكرر فيـك درسـا بعـد درس
وأصلي من لهيب الشوق نفسـي واتبع فيـض دمعـي بالزفيـر
وبـي مـا لـو بـه نــدري طيـور الجـو فــي البحــر
202
لحـن الطيـر فــي الوكــر وأدمــــت بالمناقيــــر
فإن ضيعت شيئـا مـن ودادي فحسبي حب احمـد خيـر هـاد
ومبعـوث إلـى كـل العبــاد شفيع الخلـق والهـادي البشيـر
وحــب العتــرة الأطهــار ينجـي مـن لهيــب النــار
حاشــا ربنـــا الغفـــار يجــزي فــي المقاديـــر
بأن أصلـى لظـى نـار توقـد وعندي حب خير الخلـق أحمـد
وحب المرتضى الطهر المسـدد وحب الآل باق فـي ضميـري
هواكـم يـا بنــي الهــادي بــه غنمــي وإسعـــادي
إذا وافيـــت ميعــــادي بإجرامـــي وتقصيـــري
بـه داود يجـزي فـي المعـاد نجـاة مـن لظـى ذات اتقـاد
وينجـو كـل عبــد ذي وداد بحب الـآل والهـادي البشيـر
سقاكــم كـــل أحيـــان مــن الوسمــي هتانـــي
مــن اللـــه برضـــوان علــى طــول الأعاصيــر
توفي رحمه الله سنة ألف وعشرين تقريبا بالبحرين، والله أعلم.

دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي:

كان عالما بأيام العرب وطبقات الشعراء، أديبا شاعرا لم يكد يمدح غير آل محمد عليهم السلام، سمع شعره فأحضره ولازمه وله اجتماعات مع فحول الشعراء من طبقته كأبي نواس، ومسلم بن الوليد، وابن عمه أبي الشيص.

فمن شعره في الغزل قوله المشهور:
أيـن الشبـاب وأيـة سلكــا؟ لا، أين يطلب، ضل مـن هلكـا
203
لا تطلبـوا بظلامتـي أحــدا طرفي وقلبي في دمي اشتركـا
لا تعجبي يا سلـم مـن رجـل ضحك المشيـب برأسـه فبكـا
وقوله في المذهب:
أنى يكـون وليـس ذاك بكائـن يرث الخلافة فاسق عن فاسـق
إن كان إبراهيم مضطلعـا بهـا فلتصلحن مـن بعـده لمخـارق
ولما سمع هذين البيتين المأمون وكان مغضبا عليه لهجائه آل عباس ضحك، وقال: صفحت عنه بكل ما هجانا، إذ قرن إبراهيم بمخارق.

وكتب أمان دعبل، فخرج وكان متخفيا عند أبي دلف واستنشده قصيدته في رثاء الرضا فأنكرها فأكد أمانه، وأنشده إياها، فلما أتمها ألقى عمامته عن رأسه وقال: والله لقد صدقت يا دعبل، نقل ذلك الشيخ الطوسي في الأمالي.

ومن شعره قصيدته التي أنشدها الرضا حين قصده هو وإبراهيم الصولي، كما تقدم في إبراهيم، وأول هذه القصيدة قوله:
مدارس آيات خلت مـن تلـاوة ومنزل وحي مقفـر العرصـات
وهي مشهورة فخلع عليه الرضا جبة خز وأعطاه دراهم مضروبة باسمه عليه السلام.

ومن شعره قصيدته التي رثى بها الرضا عليه السلام التي استنشده إياها المأمون كما تقدم وهي:
تأسفت جارتي لمـا رأت وزري وعدت الحلم ذنبا غير مغتفـر!
ترجو الصبا بعدما شابت ذوائبها وقد جرت طلقا في حلبة الكبـر
أجارتي! إن شيب الرأس أقلقني ذكر المعاد، وأرضاني من القدر
لو كنت أركن للدنيـا وزينتهـا إذا بكيت على الماضين من نفري
أخنى الزمان على أهلي فصدعهم تصدع الشعب لاقى صدمة الحجر
204
بعض أقام، وبعض قد أهاب به داعي المنية، والباقي على الأثر
أما المقيم فأخشـى أن يفارقنـي ولست أوبة من ولـى بمنتظـر
أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي كحالم قص رؤيـا بعـد مدكـر
لولا تشاغل عيني بالأولى سلفوا من أهل بيت رسول الله لم أقـر
وفي مواليك للمحـزون مشغلـة من أن يقيم بمقصود على أثـر
أمسى الحسين ومسراهم لمقتلـه وهم يقولون: هذا سيـد البشـر
يا أمة السوء ما جازيت أحمد عن حسن البلاء على التنزيل والسور
خلفتموه على الأبناء حين مضى خلافة الذئب في أنقاض ذي بقر
لم يبق حي من الأحيـاء نعلمـه من ذي يمان ومن بكر ومن مضر
إلا وهم شركـاء فـي دمائهـم كما تشارك أيسار علـى جـزر
قتل وأسـر وتحريـق ومنهبـة فعل الغزاة بأرض الروم والخزر
أرى أمية معذوريـن إن قتلـوا ولا أرى لبني العباس من عـذر
قوم قتلتم على الإسلـام أولهـم حتى إذا استملكوا جازوا على الكر
أبناء حرب ومـروان وأسرتهـم بنو معيط ولاة الحقـد والوغـر
أربع بطوس على أرض الزكي بها إن كنت تربهع من دين على وطر
قبران في طوس: خير الناس كلهم وقبر شرهم هـذا مـن العبـر!
ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما على الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت ياده منها، فخذ ما شئت أو فـذر
ولد سنة مائة وثمان وأربعين.

وتوفي قتيلا بالسم في الأهواز سنة ست وأربعين ومائتين، قيل لأنه هجا مالك بن طوق فأرسل إليه من ضربه ليلا بزج حربة مسموم في قدمه فمات منه رحمه الله، ورثاه وأبا تمام والبحتري فقال:
205
قد زاد في كلفي وأوقد لوعتـي مثوى حبيب يوم مات ودعبـل
أخوي! لا تزل السمـاء مخيلـة تغشاكما بسماء المـزن عسبـل
جدث على الأهواز يبعـد دونـه مسرى النعى، ورمة بالموصـل
ورؤي بعد مماته فسئل عن حاله فقال: استنشدني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله في آله عليهم السلام فأنشدته قولي فيهم عليهم السلام:
لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكن وآل أحمد مظلومون قد قهـروا
مشردون نفوا عن عقر دارهـم كأنهم قد جنوا ما ليـس يغتفـر
فقال صلى الله عليه وآله وسلم لي: أحسنت وشفع لي وأعطاني هذه الثياب والقلنسوة، وكان قد رآه الرائي بثياب وقلنسوة بيض، رحمه الله تعالى.
206

حرف الراء

الراضي بن الصالح بن المهدي بن الرضا الحسيني القزويني البغدادي النجفي:

كان أديبا شاعرا مفلقا، كثير التخاميس لما يستحسنه من الشعر، فكان إذا خمس يظن أن الشاعر ترك له معنى في البيت وأشار إليه، فمن شعره قوله وقد مر بالسماوة [قادما] من بغداد:
سقى الغيث أكتاف السماوة إنهـا مراح لـآرام النقـا وملاعـب
توهمها طرفي سمـاء محاسـن كواكبها البيض الحسان الكواعب
أجوب الفلا شرقا وشوقي مغرب ففي الغرب لي قلب وفي الشرق قالب
ومن شعره قوله مخمسا بيتي الشيخ محمد حسن بن الحاج محمد صالح كبة الآتي ذكره:
سقى الكرخ وكاف السحاب وجاده كما جـاد للمشتـاق فيمـا أراده
ونال من الظبي الغريـر مـراده (ورب غرير لم يـروع فـؤاده
أخو حنق في روضة الحسن يرتع)
وصب وروض الأنس يزهو نضارة مـوردة مـن خـده مستعـارة
وظل وقد فـاق الهلـال إنـارة (يناولني بالراح راحـا وتـارة
يرشفني من فيه والرشف أنفع)
وقوله مخمسا الأبيات المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام:
رب نفس رقت من العلم مرقـى تركـت أنفـس المعالـي أرقـا
فإذا رمت مفخـرا لـك يبقـى (هذب النفـس بالعلـوم لترقـى
وترى الكل فهي للكل بيت)
وهي كالنور في الزجاجة أشرق أو كتاج مرصع فـوق مفـرق
207
غير بدع إذا تجلـى بـه ألحـق (إنما النفس كالزجاجـة والعـق
ل سراج وحمة الله زيت)
وهي ذاك السـراج أمـا ملـي صحنها زيت حكمـة أو خلـي
لك فيهـا يلـوح رشـد وغـي (فـإذا أشرقـت فإنـك حــي
وإذا أظلمت فإنك ميت)
وقوله مخمسا قصيدة الكاظم الأزري الميمية المشهورة غزل:
صح قلبي سقما وجسمي سقامـا فإلـى مـا ألـام فيـك ألامـا
ليت شعري يا من به القلب هاما (أي عـذر لمـن رآك ولامــا
عميت عنك عتبه أم تعامى)
وهي مشهورة محفوظة فلا حاجة إلى نقلها. ومن شعره في المذهب قوله في رثاء العباس بن علي عليه السلام:
أبا الفضل يا من أسس الفضل والإبا أبى الفضل إلا أن تكون له أبـا
تطلبت أسبـاب العلـى فبلغتهـا وما كل ساع بالـغ مـا تطلبـا
ودون احتمال الضيم عزا ومنعة تخيرت أطراف الأسنـة مركبـا
لقد خضت تيار المنايا بموقـف تخال بـه بـرق المنيـة خلبـا
وفيت بعهد المشرفية في الوغى ضرابا وما أبقيت للسيف مضربا
وقفت بمستن النزال ولـم تجـد سوى الموت في الهيجا عن الضيم مهربا
إلى أن وردت الموت والموت عادة لكم عرفت تحت الأسنة والظبـا
ولا عار بالحر الكريم إذ قضـى بحد الظبا حـرا كريمـا مهذبـا
رعى الله جسما بالسيوف موزعا وقلبا على حـر الظبـا متقلبـا
ورأس فخار سيم خفضا فما ارتضى سوى الرفع فوق السمرية منصبا
عجبت لسيف قد نبا بعد ما مضى قراعا ولولا قدرة الله مـا نبـا
208
وطرف على قد أحرز السبق في الوغى فياليته في عرصة الطف ما كبا
وزندا خبا من بعد ما أضرم الوغى فأورى ضراما في حشى الدين ما خبا
بنفسي الذي واسى أخاه بنفسـه وقام بما سن الإخـاء وأوجبـا
وهي طويلة، وله غير ذلك من المدائح والمراثي في الأئمة عليهم السلام وغيرهم، وله مطارحات كثيرة وماجريات مع شعراء وقته.

توفي في تبريز سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين وكان سافر إليها مع أبيه فمرض هناك ومات، ورثاه أبوه بقصيدة مشجية وكان في سن الأربعين تقريبا.

رجب بن محمد بن رجب الحافظ البرسي الحلي،

نسبة إلى برس قرية:

كان فقيها محدثا حافظا، أديبا شاعرا، لم يعرف له شعرا إلا في أهل البيت، وكان مصنفا في الأخبار وغيرها، فمن شعره قوله:
أيهــا اللآئـــم دعنـــي واستمـع مـن وصـف حالـي
أنــا عبــد لعلــي المــر تضــى مولــى الموالــي
كلمـــا ازددت مديحــــا فيــه قالــوا لا تغالـــي
وإذا أبصـرت فــي الحــق يقينـــــا لا أبالـــــي
آيــة اللــه التــي فــي وصفهــا القــول حلالــي
كــم إلــى كــم أيهـــا العــاذل أكثــرت جدالــي
يـا عذولـي فــي غرامــي خلنــي عنــك وحالـــي
رح إذا مــا كنــت نــاج واطرحنـــي وضلالـــي
إن حبـي لعلـي المرتضــى عيـــــن الكمـــــال
وهـو زادي فــي معــادي ومعــاذي فـــي مآلـــي
209
وبــه أكملـــت دينـــي وبــه ختـــم مقالـــي.
وقوله:
العقـل نـور وأنـت معنــاه والكـون سـر وأنـت مبــداه
والخلق في جمعهـم إذا جمعـوا الكـل عبـد وأنــت مولــاه
أنـت الولـي الـذي مناقبــه ما لعلاهـا فـي الخلـق أشبـاه
يا آية اللـه فـي العبـاد ويـا سـر الـذي لا إلـه إلا هــو
فقـال قــوم بأنــه بشــر وقـال قــوم بأنــه اللــه
يا صاحب الحشر والمعاد ومـن مولـاه حكـم العبــاد ولــاه
يا قاسم النـار والجنـان غـدا أنـت ملـاذ الراجـي وملجـاه
كيف يخاف البرسي حر لظـى وأنت عنـد الحسـاب غوثـاه.
وقوله، وقد خمسه الإخوان محمد الرضا والهادي النحويان، فلنذكر تخميس الرضا هنا لكثرة ما يذكر للرضا في بابه، ونحيل تخميس الهادي إلى ترجمته:
ولائي لآل المصطفـى ونبيهـم وعترتهم أزكى الورى وذويهـم
لهم سمة مـن جدهـم وأبيهـم (هم القوم آثـار النبـوة فيهـم
تلوح وآثار الإمامة تلمع)
نجوم سماء الفضل أقمـار تمـه معالم دين اللـه أطـواد حلمـه
منازل ذكر الله حكـام حكمـه (مهابط وحي اله خـزان علمـه
وعندهم سر المهيمن مودع)
مديحهم في محكم الـذر محكـم وعندهـم مـا قـد تلقــاه آدم
فدع حكم باقي الناس فهو تحكـم (إذا جلسوا للحكم فالكـل أبكـم
وإن نطقوا فالدهر إذن ومسمع)
بحبهــم طاعاتنــا تتقبــل وفي فضلهم جاء الكتاب المنزل
210
يعم نداهم كـل أرض ويشمـل (وإن ذكروا فالكون ند ومنـدل
لهم أرج من طيبهم يتضوع)
دعى بهم موسى ففـرج كربـه وكلمه من جانب الطـور ربـه
إذا حاولوا سرا تسهـل صعبـه (وإن بارزوا فالدهر يخفق قلبـه
لسطوتهم والأسد في الغاب تفزع)
فلولاهم ما سار فلك ولا جـرى ولا ذرأ الله البرايـا ولا بـرى
كرام متى ما زرتهم عجلوا القرى (وإن ذكر المعروف والجود في الورى
فبحر نداهم زاخر يتدفع)
أبوهم أخو المختار طه ونفسـه وأمهم الزهـراء فاطـم عرسـه
وهم فرع دوح في الرسالة غرسه (أبوهم سماء المجد والأم شمسه
نجوم لهم برج الجلالة مطلع)
لهم نسب أضحى بأحمد معرقـا رقوا فيه للعلياء أبعـد مرتقـى
وزادهم من رونق القدس رونقـا (فيا نسبا كالشمس أبيض مشرقا
ويا شرفا من هامة النجم أرفع)
كـرام نماهـم طاهـر متطهـر ومن لهم من أحمد الطهر عنصر
وأمهم الزهـراء والـأب حيـدر (فمن مثلهم إن عد في الناس مفخر
أعد نظرا يا صاح إن كنت تسمع)
علي أميـر المؤمنيـن أميرهـم وشبرهم أصل الورى وشبيرهـم
بها ليل صوامون فاح عبيرهـم (ميامين قوامون عـز نظيرهـم
هداة ولاة للرسالة منبع)
مناجيب ظل الله في الأرض ظلهم وهم معدن الأفضال والعلم كلهم
وفضلهم أحيـا البرايـا وبذلهـم (فلا فضل إلا حين يذكر فضلهم
211
ولا علم إلا علمهم حين يرفع)
إليـه يفـر الخاطئـون بذنبهـم وهم شفعـاء المذنبيـن لربهـم
فلا طاعة ترضى لغير محبهـم (ولا عمل ينجي غدا غير حبهم
إذا قام يوم البعث للحشر مجمع)
حلفت بمن قـد أم مكـة وافـدا لقد خاب من قد كان للآل جاحدا
ولو أنه قد قطع العمـر ساجـدا (ولو أن عبدا جاء للـه عابـدا
بغير ولا أهل العباليس ينفع)
بني أحمد مالي سوى حبكم غـدا إذا جئت في قيد الذنوب مقيـدا
أناديكم يا خير من يسمـع النـدا (فيا عترة المختار يا راية الهدى
إليكم غدا في محشري أتطلع)
فوالله لا أخشى من الذنب في غد وأنتم ولاة الأمر يـا آل أحمـد
فها أنا ذا أدعوكم رافعـا يـدي (خذوا بيدي يا آل بيـت محمـد
فمن غيركم يوم القيامة يشفع)
وله غير ذلك.

توفي بأجله في حدود الثمانمائة تقريبا.

وتصنيف كتاب مشارق الأنوار من مصنفاته قريب من ذلك، والله أعلم.

الرشيد بن القاسم العاملي:

كان أبوه ذكيا متحرفا يسكن زبدين من جبل عامل فأحب أن يكون ابنه هذا من ذوي العلم لما رأى من فهمه وذكائه في أول نشأته فأتى به إلى النجف طفلا، فأخذ يعاني العلوم ويرقى بفهمه وذكائه ويدرجه جده وحرصه حتى نال من العلم وهو في سن الشبيبة ما لم ينل أخو الشيب إلى تقى وديانة وورع وسكون، وكان ينظم الشعر الجيد، فما وقع لي من شعره في المذهب قوله في علي ثم فاطمة:
212
حتام تنظـر والغـرور يحـول فيعود منك الطرف وهو كليـل
مر الزمان لديـك حلـو طعمـه وحقيـر لذتـه لديـك جليــل
في كل يـوم لحـوادث غـارة شعوا بها حبل الردى موصـول
لا وازر منهـا ولا ذو نجــدة يقـوى لوطئتهـا ولا بهلــول
تتكثر الأعوان عندك في الرخـا وكثير أعـوان الرخـاء قليـل
تبغي مسالمـة الزمـان سفاهـة وتروم منه الـود وهـو ملـول
يلقي إلى الغمـر الذليـل قيـاده فيتيـه بالإعـزاز وهـو ذليـل
ويحط منزلـة الشريـف كأنمـا ملؤ الحشى فيـه عليـه ذحـول
كم ذي مدى قصر الورى عن نيله هـو بالعنـاء ملفـع مشمـول
هذا الذي باهـى الجليـل بفعلـه وبفضله السمـي أتـى التنزيـل
وبصبره عجب الورى وبمدحـه نـادى بآفـاق السمـا جبريـل
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتـى إلا علـي إذا اشتبكـن نصـول
والمصطفى الطهر الأمين مصرح ومعرض بالقول حيـث يقـول
ما انفك يعرض بالحديث ويتقي إن صد عن ذاك الحديث جهول
حتى أتته مـن المليـك عزيمـة والركب من نصب المسير يميل
بلغ عن الله الذي أوحـى فـإن جاشوا فأنت من الأذى مكفـول
فأقام في جمع تغص بـه الفـلا ويضيق عنه عرضها والطـول
ورقى من الأقتاب منبـر غـرة طال السما وله الوصـي عديـل
ودعـا لبيعتـه فقالـوا كلهــم سمعا وأضغان القلـوب تجـول
حتى إذا وجدوا لذلـك فرصـة وثبوا وسيف عنادهـم مسلـول
وتوازروا ظلما عليه ومـا دروا أن الـذي قـد أحدثـوه جليـل
غصبوه إمرته التي شهدوا بهـا والكل عنها فـي غـد مسـؤول
213
وتقمصوها وهو قطب رحى لها ينحط عنه السيل حيـث يسيـل
وعدوا عليـه يجلبـون بخيلهـم فكأنـه مـا بينهـم مجهــول
قادوه قهـرا والعيـون شواهـد فانقـاد وهـو ملبـب مغلـول
وهي طويلة. وله غيرها.

توفي بالنجف شابا لم يبلغ الثلاثين فيما أحسب بمرض الدق سنة ألف وثلاثمائة وسبع عشرة، ودفن في الصحن الشريف، ومن قبله بسنين قلائل توفي أبوه، رحمهما الله جميعا، آمين.

الرضا بن أحمد بن خليفة المقري الكاظمي، أبو الحسن المعروف بعبد الرضا:

كان أديبا شاعرا كثير الشعر في الأئمة الأطهار، رأيت له ديوانا مرتبا على الحروف كله في مدائح النبي وأهل بيته، ولم أقف له على غير ذلك، ومن عادته أن يذكر اسمه في آخر كل قصيدة من شعره، فمن محاسن قوله:
حتى متى لا تفكنـي الغصـص ولي بحبي للمصطفى حصـص
شـاع غرامـي بآلـه وفشــا فللورى فـي محبتـي قصـص
وقوله:
يا آل بيـت محمـد أنتـم لمـن والآكـم بيـن الأنــام ملــاذ
كم تسبغون على الموالي ظلكـم حتـى تطـوف بذيلـه الشـذاذ
صلى عليكـم ربكـم فصلواتنـا قصـرت لطولكـم فهـن رذاذ
توفي في حدود الألف والمائة والست والثلاثين، والله سبحانه أعلم.

الرضا بن محمد الحسين بن محمد الباقر الأصفهاني النجفي، أبو المجد:

214
فاضل تلقى الفضل عن أب فجد، ونشأ بحجر العلم، ولم يكفه ذلك. حتى سعى في تحصيله فجد إلى ذكاء ثاقب، ونظر صائب، وروح خفيفة، وحاشية طبع رقيقة، أتى النجف فارتقى معارج الكمال، وزاحم بمناكب الفضل الرجال، حتى بلغ فيه الآمال، وصنف ما تطيب به النفس، وتجد به القلوب أمنيتها، والأفكار ضالتها، ونظم فأصاب شاكلة الغرض، ونثر فامتاز جوهر كلامه عن كل عرض، فمن نظمه قوله:
يا در ثغر الحبيب مـن نظمـك وأودع الـراح والأقـاح فمـك
أصبح من قد رآك فـي طـرب يتيه سكرا فكيـف مـن لثمـك
وقوله:
سلطان حسـن طرغـه عامـل بالكر في قلبي فكيـف الحـذار
أدرك فـي عامــل أجفانــه ضعفـا فقـواه بلـام العــذار
وقوله في ساعة:
وذات لهــو وغنــاء معــا وما درت للقصـف أوضاعـه
لهـا فـؤاد خافــق دائمــا ولـم تكـن بالبيـن مرتاعــه
تحمل بالرغـم علـى وجههـا عقاربــا ليســت بلساعــه
جاهلـة بالوقـت كـم عرفـت أثلاثــه النــاس وأرباعــه
إن الـذي يحملهــا ساعــة يسألـه النـاس عـن الساعـة
وقوله:
ببدائعــي نظمــا ونثـــرا حليـت فيـك فمــا ونحــرا
وكنزت شعـري فـي الجفـون فخالــه الــراؤون سحــرا
هل صيغ مـن قلبـي الخفـوق لـك الرعـاث فمـا استقــرا
أحببـــت در مدامعــــي فنظمتــه عقــدا وثغـــرا
215
وسهـام لحـظ قــد بــرت جسدي وعهـدي السهـم يبـرا
دع يا عذول ملام من في مثله من لام أغرى
قدمـت فـي طـرف الهـوى رجـلا ومـا أخـرت أخـرى
رشــأ بصفحـــة خـــده خـط الهـوى لشقـاي سطـرا
وعـــذاره لمـــا بـــدا لم يبق لي فـي الحـب عـذرا
لحظاتــه رســل الهــوى فـي فتـرة الأجفـان تتــرى
شهـدي ريــق لــم غــدا عيشـي بحلـو لمــاه مــرا
مـا ذقـت خمــرة ريقــه فيهـا لمـاذا تهــت سكــرا
وضعيـف خصـر قـد غـدا متحمــلا للــردف وقــرا
ونتيجــة الهــم الطويـــل همـا لـه صغـرى وكبــرى
أوشاحــه مــن خصــره أظهــرت للعشــاق ســرا
للـــه ليلـــة زارنـــي فهصرت غـض القـد هصـرا
وفتحــت ضمــة ثغـــره ورشفتــه وهلــم جـــرا
جاهـدت فـي ديـن الغــرام وقـد فتحـت اليــوم ثغــرا
وشهـــدت ذات سلاســـل مـن شعـره وشهـدت بــدرا
فأنـا الشهيـد فــلا تــرى لسـواي فـي العشـاق ذكـرا
لا تأخــــذا ألحاظــــه بـدم أراقـت فهـي سكــرى
وشربــت قرقــف ريقــه مـن ثغـره اللهــم غفــرا
لـم أدر هـل شهـدا حويــت بريقــه أم ذقــت خمــرا
هــي شهــدة أو خمـــرة والحــد بالشبهــات يــدرا
فأطعــت نهيــا للتقـــى وعصيـت للشهـوات أمــرا
وقوله من قصيدة:
216
قلبـي بشـرع الهـوى تنصـر شوقـا إلـى خصـره المزنـر
كنيســة تلــك أم كنــاس وغلمـة أم قطيــع جــؤذر
فكـم بهـم مـن مليـك حسـن جـار علـى النـاس إذ تأمـر
لــه بأجفانـــه جنـــود تظفـر بالفتـح حيـن تكســر
ورب وعــد بلثــم خـــد جـاد بــه بعدمــا تعــذر
سقـاه مـاء الجمـال حتــى أينـع نبـت العـذار واخضـر
عرفــه لــام عارضيـــه علـى لــم بعدهــا تنكــر
هويـت أحـوي اللثـات ألمـى أهيف ساجـي اللحـاظ أحـور
كالليث والظبـي حيـن يسطـو وحيـن يعطـو وحيـن ينظـر
عنـاي منـه ومـن عذولــي يهجـر هــذا وذاك يهجــر
صغــره عاذلــي ولمـــا شاهـد ذاك الجمــال كبــر
يا غصن بان ودعـص رمـل وجيـد ريـم وطـرف جـؤذر
خصرك هـذا الضعيـف يعبـا مـن حملـه قامـة وخنجــر
مؤنث الطـرف منـك أمضـى شبـا مـن الصـارم المذكــر
أغمـد شبــاه فــأي قــرم من بأس جفنيـك ليـس يذعـر
وقوله من موشحة يهنئ بها الشيخ علي بن محمد رضا كاشف الغطاء في عرس:
بــدر يطــوف بكوكـــب يرمـي بــه مــارد الهــم
فـي الكـأس نــار تلهــب أم تلــك نـــور تجســـم
الـروض قـد رشـه الطــل والزهــر بالــدر كلـــل
والـورق فـي الـدوح حيعـل إلــى الصبــوح وثـــوب
وقام للهو موسم
مدامــــة خندريـــــس بكــر عجــوز عـــروس
217
إذا جلتهـــا الكــــؤوس تريــك وهــي تقطـــب

لئالئا تتبسم

تــرى لدينـــا غلامـــا يسقيــك جامــا فجامـــا
يجلــو سنــاه الظلامـــا يعطــو بسالــف ربــرب

في جفنه بأس ضيغم

فــي جنــب آس العــذار كالــــورد والجلنــــار
خــد زهـــا باحمـــرار عــن دم قلــب تخضــب
فصح لو قيل عندم
أفديــه غصنــا نضيـــرا يقــل وجهـــا غريـــرا
يريــك بـــدرا منيـــرا مـن صدغـة تحـت غيهـب
فقسه بالبدر إن تم
ثغــر هنــي المشـــارب محفوفـــة بالمعاطــــب
مـا رامـه غيــر شــارب كخائــــف يترقـــــب
رام الورود فاحجم
مـن تحـت تلــك الأسنــة كيانــع الـــورد جنـــه
تجمــع نـــارا وجنـــه القلــب فيهـــا يعـــذب
والطرف فيها ينعم
شكــواي قلبــي وطرفــي قــد عرضانــي لحتفــي
كـم قلـت رفقــا بضعفــي الغـض يـا طـرف أصـوب
والسلم يا قلب أسلم
يـا قلـب كيــف الخلــاص عليــك عــز المنـــاص
فهــل تقيـــك دلـــاص والطـرف سيــف مجــرب
218
والقد رمح مقوم
بالمرسلـــات دموعــــي والموريـــات ضلوعـــي
إن بـات يومــا ضجيعــي شفيــت قلبــي المعـــذب
باللثم منه وبالضم
ليــس التقيـــة دينـــي لقــد بـــررت يمينـــي
مـذ بـات طــوع يمينــي مـا زالـي يسقـي وأشــرب
مشمولة جامها الفم
سكــر الهــوى والسلــاف وللرقيــــب تغافـــــي
فكــدت لــولا عفافـــي وليــس مثلــي يكـــذب
عففت والله أعلم
وهي طويلة، وكل شعره على هذا الأسلوب.

ومن شعره في المذهب قوله:
في الدار بيـن الغميـم والسنـد أيام وصل مضـت ولـم تعـد
ضاع بها القلـب وهـي آهلـة وضاع مذ أقفرت بهـا جلـدي
جرى علينا جور الزمـان كمـا من قبلها قد جـرى علـى لبـد
طال عنائي بين الرسـوم وهـل للحـر غيـر العنـاء والنكــد
ألا ترى ابن النبـي مضطهـدا في الطف أضحى لشر مضطهد
يوم بقـي ابـن النبـي منفـردا وهو من العـزم غيـر منفـرد
بماضــي سيفــه ومقولــه فـرق بيـن الضلـال والرشـد
فقال لا أطلـب الحيـاة وهـل فـراق دنياكـم سـوى ولــد
لما قعدتم عـن نصـر دينكـم وآل شمل الهـدى إلـى البـدد
بقائـم السيـف قمـت أنصـره مقومـا مـا دهـاه مــن أود
219
ولسـت أعطـي مقـادة بيـدي وقائـم السيـف ثابـت بيـدي
واليوم وصل الحبيـب موعـده فكيـف أرضـى تأخيـره لغـد
بشراي إن الحبيب شـاء يـرى في الطف ميدان خيلكم جسـدي
والرأس مني على القنـاة غـدا يسـار مـن بلـدة إلـى بلــد
لو قدنـي فـي هـواه مختبـرا قد الهوى لم أكـن أقـول قـدي
أو قـال للعـذب لا تـرد أبـدا وحسبـه لــم أرد ولــم أرد
لو جاز لي أن أكـون مقترحـا لقلـت لا تنقـص البــلا وزد
إن لم تصلـو علـي فـي نفـر صلـى علـي المهيمـن الأحـد
ولا تشقـوا لنـا اللحـود فمـا تصنـع قتلـى الغـرام بالحـد
فإن يكن قد قتلـت فهـو يـدي وإن يكن قد قتلـت فهـو يـدي
وسـل مـن غمـده زبانيــة تقول يا جمـرة الوغـا اتقـدي
كحاملي اليوم صـرت ذا ظمـأ إن لـم يـرد مـن دمائكـم أرد
وأصنع اليوم في الطفوف كمـا صنعت في خيبـر وفـي أحـد
إن لم يكت أسندوا لكـم خبـري فإن متنـي يغنـي عـن السنـد
أفديه مـن وارد حيـاض ردى على ظمـأ للفـرات لـم يـرد
أصبـت فـي قلبـه بأسهمهـم مذ قالت القوس خذه من كبـدي
فيـا مطايـا الآمـال واخــدة قفي وبعـد الحسيـن لا تخـدي
ويا جفون العدى ألا اغتمضـي فطالمـا قـد كحلـت بالسهـد
وهي طويلة وله غيرها.

ولد سلمه الله في سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين تقريبا في أصفهان، وجاء إلى النجف لدن بلوغه الحلم وبقي إلى سنة ألف وثلاثمائة وثلاثة وثمانين فسافر إلى أصفهان في أثناء الحرب العامة، وهو اليوم هناك أباه الله تعالى، فإن ببقائه الكمال
220
والفضل، والأدب الغض والقول الفصل.

ثم جاء خبر نعيه إلى النجف في أوائل صفر سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف، وأنه توفي في أصفهان أواخر شهر محرم من هذه السنة، وعقد له السيد تاج السيادة ودوحة الفضل والإفادة، حجة الإسلام السيد أبو الحسن الأصفهاني دام ظله العام فاتحة معظمة كعادته فيمن يعقد لهم الفواتح، رحمه الله تعالى.

الرضا بن محمد بن هاشم النقوي الهندي النجفي، أبو أحمد:

فاضل له في كل قدر من العلوم مغرفة، وبكل رمز مكتوم معرفة، وله في الفقه والأصول يد ذات صفة،، عاشرته فرأيته أديبا رقيق الشعر بديعه، سهله ممتنعه، وشاعرا خفيف الروح قوي الشعور، منسجم الطبع سياله، وكاتبا سن الكتابة سديد الإصابة.

فمن نثره ما كتبه إلى الرضا الأصفهاني الآتي بعد ذكره من كتاب كتبه ووداد له: لو كنت يا قلمي، تطيق الوصف عن ألمي، وتنبي مما أقاسيه، بكيت لما ألقيه، وحسبي من موجع الآلام، أن تجري مع الأيام، صحبي وأقاربي ومباعدي ومقاربي، فالكل حربي من بعد سلم، هل فؤادي طود حلم، أم لقلبي صبر على هجر (الرضا) وجفاه، بعد زوال كربي بوفاه، لا أدري تناسى عهده ليكون عتابي إياه، ينجز وعده، أم مال عن عهد الحب فيضيع فيه العتب، كيف ودأبه في الحب دأبي فيه، وليس يحول عما يصطفيه، فإن حبي إياه، لو لم يقترن بوفاه، كنت قضيت نحبي هما، وذابت مهجتي غما، وها قد جئت أنبي رب المعالي، مجملا من شرح أحوالي، وربي بالحال أعلم، وهو أرحم، وهو أكرم وهو حسبي.

فهذا كما تراه نثر مسجع، ويخرج منه شعر مبني على قافية الباء وهو:
221
لـو كنـت يـا قلبـي تطيـق الوصـف عـن حالـي وتنبـي
عمــا أقاسيـــه بكيـــت لمــا ألاقيــه وحسبـــي
إلى آخر النثر، فيخرج أربعة عشر بيتا هذا أولها.

ومن شعره موشحة مدح بها الرضا المذكور وأرسلها إليه مع النثر السابق عليها وهي:
مـا لـك يـا قاتلـي ومالــي حملتنـي مـن جفـاك مــالا
أترمــي بــي المرامـــي ولــم تعطنــي المرامـــا
ودمعــي عليــك هامـــي وفيــك الفـــؤاد هامـــا
هـب القلـب فيـك دوامــي وفيــه الغـــرام دامـــا
فالجور في الحب قـد حلالـي وإن يصيـر دمــي حلــال
فيـا مــن سبــى المعنــى بعينيــه سحـــر بابـــل
وغصنــا متــى تثنـــى يهيـج فـي الحشــا بلابــل
لــأن جــار أو تجنـــى فمـا القلـب عنــه عــادل
أنفقـت صبـري بـه ومالـي وليتــه رق لــي ومـــالا
بنفســي فديـــت بـــدرا بــه العارفــون تاهـــوا
حمــى باللحــاظ ثغـــرا روا القلــب فــي لمـــاه
أحــال الوصــل هجـــرا ومـا حلــت عــن هــواه
هيهـات يغـدو الفـؤاد سالـي دمـي ودمعـي عليـه ســالا
حمانــي عــن الرقـــاد وشمــل الوصــال شتــت
وأصفيتــــــــه ودادي ولكــن لحبلـــه شتـــت
وذي حبــــة الفــــؤاد علــى وجنتيـــه فتـــت
مـا زال منهـا الفـؤاد خالـي حتـى تـراءت عليـه خــالا
222
رشـأ مــن نــواه خفــت لـــأن اللقـــا أمانـــي
رمانــي وقـــد ألفـــت هــواه إلـــى هوانـــي
ولكـــن بـــه شغفـــت وإن كــان قــد قلانـــي
لـم أستمـع فيـه وهـو قالـي قبــلا لعذالـــه وقـــالا
دعونــي فطــل صـــب بــذا العيســوي يعـــذر
ففــي وجنتيـــه لبـــي كمــا الصبـــا تحيـــر
ومــا حيلتـــي وقلبـــي بشــرع الهــوى تنصــر
ليـس لعينـي سـواه حالــي فالرشـد والنسـك فيـه حـالا
فعطفــا علـــى مولـــه بديــن الهــوى يدينـــك
أغصـن الـأراك لــن لــه فقــد جـــاء يستلينـــك
لــه فــي حمــاك قبلــه وقرآنــــه جبينـــــك
في وجهك الحسـن قـد تلالـي ســورة الشمــس إذ تلــالا
بشهــد ملئـــت فاكـــا وعوضتنـــي بصبــــر
فـإن مــت فــي جفاكــا فدعنــي هــواي عــذري
وإن استمــــل وفاكــــا بشعــري فليــت شعــري
تنعـم لـي خاطـري وبالــي أم فيـك يغـدو والمنـى وبـالا
تعللـــت عـــن لقـــاه بطيــف مـــن الخيـــال
ولــم يبــق مــن جفــاه بقلبــي ســوى نوالـــي
قضـى اللــه لــي نــواه رضـا بالـذي قضـى لــي
عسى الرضـا منعشـا توالـي قلبـي يجـود لــه توالــى
بحبــل الرضــا تمســـك وكــن ماسكـــا عـــراه
وفــي ذكـــره تمســـك فمـا المسـك مــن شــذاه
223
حمــى الدهــر إن تمســك عواديــه فـــي حمـــاه
لأنــه للأمـــور وإلـــى لــه الزمــان العنيــد والا
نمـــاه إلـــى الجلـــال أب ماجــــد وجـــــد
وخصــــال بالكمــــال لـــه همـــة وجــــد
مجــاروه فــي المعالــي وإن شمـــروا وجــــدوا
تسافلـوا عـن أشـم عالــي سمـح بكـل الأنــام عــالا
بمـا فيــك مــن معانــي بديــع الزمـــان كـــلا
وكلفتهــــا لسانـــــي فكانــت عليـــه كـــلا
ومـا العجـز فــي بيانــي لفــرط القصــور كـــلا
بل يا أبا المجـد أنـت عالـي معنـاك عـن وهمنـا تعالـى
هذا لعمري هم السحر الحلال، والثنايا المبتسمة عن الجربال، وفي قوله: (وما حيلتي وقلبي. . . الخ) تضمين لقول ممدوحه في قصيدة له: (قلبي بشرع الهوى تنصر) وسيأتي بعضها في ترجمته، ولما كتبت هذه الموشحة وافق كتابتها في أيام الغدير فصنف موشحة توازنها والتزمت فيها نظم حروف الهجاء في أواخر الأشطر، ولم ألتزم الجناس المذيل، وخدمت بها أمير المؤمنين عليه السلام فأنا اذكرها هنا غير خجل:
أطلــع بــدر علــى أراك ومـا سمنـه علــى حنيــن
غـــزال غـــزا فهيـــأ لــه عـــدة الحـــروب
محيـــــاه إذ تلـــــألأ سبــى أوثــق القلـــوب
بفـــــرع إذ تكفـــــأ رمـى الشمــس بالغــروب
ومعطـف ناضــر يحاكــي بمتنــه الذابــل الردينــي
فيـــا شادنـــا تلفـــت فناديــت يـــا مغيـــث
224
قديــم النهـــى تشتـــت ومــا للعـــزا حديـــث
وحــب الحشــا تفتـــت فكــم يعـــذل الخبيـــث
يلــوم مشتضحكــا لبــاك بـذوب قلـب ودمـع عيــن
إذا أعتــــم أو تتــــوج فمــا للنهــى وضـــوح
وإن لــــاح أو تبلــــج فهـــل نيـــر يلـــوح
وإن مـــاس أو ترجـــرج فمـن أنــت يــا نصــوح
أنـت جـو فكـره اشتراكــي لا تسـع مـا بينــه وبينــي
فكــم يستغيــث صــارخ إذا مــا اللحــاظ جـــرد
ومـا العقـل منــك راســخ إذا سلهــــا وأغمـــــد
رشــأ للسلـــو ناســـخ بفرقانــــه المـــــردد
يدعـــو بعشاقــــه وراك مالك فـي البيـن غيـر حيـن
فسهــم اللحـــاظ نافـــذ بقلــــب وراء صــــدر
ومـا كــان عنــد عائــذ فــؤاد بـــدرع صبـــر
فمــن راح منــه آخـــذ بسهمــي قضــا وقـــدر
نستريــح مــن التشاكــي عـاد يخفـي مــن حنيــن
فيـــا ذلـــة العزيـــز إذا رام بعـــض أنــــس
ومــا العقــل بالمجيـــز بلــوغ السهــى لشمـــس
ولا الــدر مــن غريـــز بمــــس ولا بلمـــــس
فمـن الصـب بـلا حــراك يطعمـه الوصــل باليديــن
ويــا طائــر الحشاشـــه عزيــز علــي تفحـــص
أترجــو لــك البشاشـــه مـن المعـرض الـذي نـص
فــإن تبتغــي الأراشـــه فمــن حبـــه تخلـــص
225
لمـدح مولـى بــه فكاكــي من كـل شـيء وكـل شيـن
علــى العــلاء الممحــض مـن الخيـر خيــر رهــط
ومــن بالفخــار بيـــض عناويــن كـــل خـــط
ورب الـــولا المفـــوض بحـــل لـــه وربـــط
وفــارج الهــم والضنــاك فـي بـدر أو أحـد أو حنيـن
هـو الــدر قــد تشظــى مــن المصطفــى الشفيــع
مواليــه ســوف يحظــى بفــرد وســـر الرفيـــع
وقاليــــه إن تلظـــــى فللنــــار والضريــــع
جـرت لغاياتهــا المذاكــي وأغلـق الرهـن فضـل ديـن
فيــا مــن أتــى بلاغــا لمــن ســار أو تخلـــف
وبحــرا حلــى وساغـــا لمــن حبـــه ترشـــف
وجبريــل منــه ناغـــى وليـد بـه حيــن رفــرف
لخيـــر مستشهـــد وزاك الحسـن السبــط والحسيــن
ويــا آتيــا مــع الحــق فمـن حــاد عنــه يهلــك
ومــن بالــولاء أخلـــق ومــن بالعــلاء أسلـــك
ومــن بالكمــال أليـــق ومــن بالجلــال أملـــك
ومـن غـدا صاحـب الملـاك لكـل خيــر وكــل زيــن
وصــي النبــي الأولـــى بــه فــي جمــع حكــم
ومـن قــال يفــه قــولا عـلا فــي غديــر خــم
ألا مــن أكــون مولـــى لــه فليــك ابــن عمــي
فضـل بعـض علـى تبــاك وظـل بعـض قريـر عيــن
عــلا فيــه ثــم أعلــن بفضـــل لـــه ونبـــه
226
وأبــدى النبـــا وبيـــن ومــا كـــان بالمشبـــه
فكيــف السنــاء بكمـــن وكيــف المسيــل يجبـــه
قضيـة مــا لهــا محــاك لـولا قلـوب بــدت بريــن
تعاليـــــت بالعلـــــو وخلفــت كـــل غايـــه
فمـــن قـــال بالغلـــو لــه مــن سنــاك آيــة
ومـن لــي علــى الدنــو أحييــــك بالنهايـــــة
فـإن هـذا هــو امتلاكــي لا ذاهـب التبــر واللجيــن
وللسيد المذكور شعر في أهل البيت كثير مطبوع، فمن محاسنه قوله في قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام:
أمفلـج ثغــرك أم جوهــر ورحيق رضـا بـك أم سكـر
قـد قـال لثغـرك صانعــه (إنــا أعطينــاك الكوثــر)
والخـــال بخـــدك أم ورد قـد نقـط بالمسـك الإذفــر
أم ذاك الخـال بـذاك الخــد فتيـت النـد علــى مجمــر
عجبـا مـن جمرتـه تذكــو وبهــا لا يحتــرق العنبــر
يـا مـن تبـدو لـي طرتــه فـي صبـح محيـاه الأزهـر
فأجــن لــه بالليـــل إذا يغشـى والصبـح إذا أسفــر
ارحم أرقـا لـو لـم يمـرض بنعـاس جفونـك لـم يسهــر
تبيــض لهجــرك هينــاه حزنــا ومدامعــه تحمــر
يــا للعشـــاق لمفتـــون بهـوى رشـأ أحـوى أحـور
إن يبـدو لـذي طـرب غنـى أولـاح لـذي نســك كبــر
آمنــت هــوى بنبوتـــه وبعينيــه سحــر يؤثـــر
أصفيـت الـود لـذي ملــل عيشــي بقطبتــه كـــدر
227
أقسمـت عليـك بمـا أولتــك النضـرة مـن حسـن المنظـر
وبوجهـك إذ يحمــر حيــا وبجـه محبــك إذ يصفــر
وبلؤلـؤ مبسمــك المنظــوم ولؤلــؤ دمعــي إذ ينثــر
أن تترك هـذا الهجـر فليـس يليــق بمثلــي أن يهجــر
فالسعـد وفـي النحـس خفـا والوقت ضفا والروض اخضـر
فأجل الأقداح يصـرف الـراح عسـى الأفـراح بهـا تنشــر
واشغل يمنـاك بصـب الكـاس وخــل يســارك للمزهــر
فـدم العنقـود ولحـن العــود يعيـد الخيـر وينفـي الشــر
بكـر للسكـر قبيـل الفجــر فصفـو الدهـر لمـن بكــر
هـذا عملـي فاسلـك سبلــي إن كنـت تقـر علـى المنكـر
سـودت صحيفــة أعمالــي ووكلـت الأمـر إلـى حيـدر
هو كهفـي مـن نـوب الدنيـا وشفيعـي فـي يـوم المحشـر
قـد تمــت لــي بولايتــه نعـم جمـت عـن أن تشكـر
لأصيـب بهـا الحـظ الأوفـى وأخصـص بالسهـم الأوفــر
بالحفـظ مـن النـار الكبـرى والأمـن مـن الفـزع الأكبـر
هـل يمنعنـي وهـو الساقـي أن أشرب من حـوض الكوثـر
يا من قـد أنكـر مـن آيـات أبـي حسـن مــا لا ينكــر
إن كنـت لجهلــك بالأيــام جحـدت مقـام أبــي شبــر
فاسـأل بـدرا واسـأل أحــدا وسل الأحـزاب وسـل خيبـر
من دبـر فيهـا الأمـر ومـن أردى الأبطـال ومـن دمــر
من هد حصون الشـرك ومـن شـاد الإسلـام ومـن عمــر
مـن قدمــه طــه وعلــى أهـل الإيمــان لــه أمــر
228
قاسـوك أبـا حسـن بسـواك وهـل بالطـود يقـاس الــذر
أنـى سـاووك بمـن نـاووك وهـل سـاووا نعلـي قنبــر
من غيرك من يدعـى للحـرب وللمحـــراب وللمنبــــر
أفعـل الخيــر إذا انتشــرت في الناس فأنـت لهـا مصـدر
وإذا ذكـر المعــروف فمــا لسـواك بـه شــيء يذكــر
أحييـت الديـن بسيـف قــد أودعـت بـه المـوت الأحمـر
قطبا للحـرب يديـر الضـرب ويجلـو الكـرب بيـوم الكـر
فاصـدع بالأمـر فناصــرك البتــار وشانئــك الأبتــر
لو لم تؤمـر بالصبـر وكظـم الغيـظ وليتـك لــم تؤمــر
مـا نـال الأمـر أخـو تيــم فتناولــه منـــه حبتـــر
لكـن أعـراض العاجـل مـا علقـت بردائـك يـا جوهــر
أنـت المتهـم بحفـظ الديــن وغيــرك بالدنيــا يغتــر
أفعالـك مـا كانــت فيهــا إلا ذكــرى لمــن أذكــر
حججـا ألزمـت بهـا منضـل وتبصـرة لمــن استبصــر
آيـات جلالــك لا تحصــى وصفـات كمالـك لا تحصـر
مـن طـول فيـك مدائحــه عـن أدنـى واجبهـا قصــر
فاقبـل يـا كعبــة آمالــي من هدي مديحي مـا استيسـر
نجزت، وقوله من حسينية أوله:
أيان تجز لي يا دهر مـا تعـد قد عشرت فيك آمالـي ولا تلـد
طال الزمان وعندي بعد أمنيـة يأتي عليها ولا يأتي بهـا الأمـد
تمضي الليالي ولا أقضي المرام فهب أني ابن عاد فكم يبقى لـه لبـد
علام أحبس عن غاياتها هممـي ولي هموم تفانى دونهـا العـدد
229
فيا مغذا على وجنـاء مرتعهـا قطع الفجاج ولمع الآل ما تـرد
كأنها بعرش بلقيس وقد علقـت بهـا أمانـي سليمـان إذا تخـد
جب بالمسير هداك الله كل فـلا عن الهدى فيه حتى للقطا رصد
حتى يبـوءك الترحـال ناحيـة تحل من كرب اللاجي بها العقد
وبقعة ترهب الأيـام سطوتهـا وليس تهرب من ذؤبالهـا النقـد
وروضة أنجم الزهراء قد حسدت حصباءها وعليها يحمد الحسـد
وأرض قدس من الأملاك طاف بها طوائف كلما مروا بها سجـدوا
فارخص الدمع من عينين قد غلتا على لهيب جوى في القلب يتقـد
وقل ولم تدع الأشجان منك سوى قلب الفريسة إذ ينتاشهـا الأسـد
يا صاحب العصر أدركنا فليس لنا ورد هني ولا عيش لنـا رغـد
طالت علينا ليالي الانتظار فهـل يا ابن الزكي لليل الانتظار غـد
فاكحل بطلعتك الغرا لنـا مقـلا يكاد يأتي على إنسانهـا الرمـد
ها نحن مرمى لنبل النائبات وهل يغنى اصطبار وهى من درعه الجلد
كم ذا يؤلف شمل الظالمين لكـم وشملكـم بيـدي أعدائكـم بـدد
فانهض فدتك بقايا أنفس ظفرت بها النوائب لمـا خانهـا الجلـد
هب أن جندك معدود فجدك قـد لاقى بسبعين جيشا ما له عـدد
ثم جعل ينظم هذه الدرر في أسلاكها، ويطلع هذه الكوكب من أفلاكها، ويزف هذه الخرائد في مأتم الحسين عليه السلام من أملاكها.

ولد في النجف في حدود ألف ومائتين وتسعين، وهو اليوم بها حي أحيا الله به معالم الفضل بمنه وكرمه.

وتوفي يوم الأربعاء الواحد والعشرين من جمادى الأولى سنة 1362 ه في الفيصلية من مرض صدري، وجيء به إلى النجف يوم الخميس فدفن مع أبيه في
230
داره وعقدت له المآتم، رحمه الله.
231

حرف الزاي

زيد بن سهل المرزكي الموصلي:

كان فاضلا نحويا محدثا شاعرا، أديبا، ذكره الصفدي وغيره، فمن شعره قوله في المذهب:
حفر بطيبـة والغـري وكربـلا وبطـوس والـزورا وسارمـاء
ما جئتهم في كربـة إلا انجلـت وتبـدل الســراء بالضــراء
قوم بهـم غفـرت خطيئـة آدم وجرت سفينة نوح فوق المـاء.
وقوله من علوية:
ويـوم حنيـن إذ ولـوا هزيمـا وقد نشرت من الشـرك البنـود
فغادرهم لدى الفـوات صرعـى ولـم تغـن المغافـر والحديـد
فكم مـن غـادر ألقـاه شلـوا عفير التـرب يلثمـه الصعيـد
هـم بخلـوا بأنفسهـم وولـوا وحيـدرة بمهجتــه يجــود
وفي الأحزاب جاءتهـم جيـوش تكـاد الشامخـات لهـا تميــد
فنادى المصطفـى فيهـم عليـا وقد كـادوا بيثـرب أن يكيـدوا
فأنـت لهـذه ولكــل يــوم تـذل لـك الجبابـر والأسـود
فسقى العامري كـؤوس حتـف فهزمـت الجحافـل والجنــود
وقوله من حسينية:
فلولا بكاء المزن حزنـا لفقـده لما جادنا بعـد الحسيـن غمـام
ولو لم يشق الليل جلبابـه أسـى لما انجاب من بعد الحسين ظلام
وله شعر فيهم عليهم السلام كثير، وفي المناقب جملة منه.

توفي بالموصل في حدود سنة الأربعمائة وخمسين.

زين الدين بن علي بن أحمد بن محمد بن علي بن

232

جمال الدين بن تقي ابن صالح بن رف العاملي الجبعي، أبو محمد المعروف بالشهيد الثاني:

كان بحر فضل، وحيد علم، كثير التصنيف، كثير الرحيل، زار العتبات وحج ودخل القسطنطينية، وعين في بعلبك مدرسا بالنورية إلى أن قتل، وكان كثير التصنيف، عظيم الحفظ والضبط، مشهور الفضل، بعيد الصيت، وكان أديبا، فمن شعره قوله:
لقد جاء في القرآن أيـة حكمـة تدمر آيات الضلال ومن يجبـر
وتخبـر أن الاختيـار بأيدينــا (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)
ومن شعره ما أنشده في النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة 943ه:
أيا أكرم الدنيا ويا أشرف الورى ومن فضله ينبو عن الحد والحصر
ومن قد رقى السبع الطباق بفعله وعوضه الله البراق عن المهـر
وخاطبـه اللـه العلـي بحبـه شفاها ولم يحصل لعبد ولا حـر
عدولي عن تعداد فضلك لائـق بكل لساني عنه في النظم والنثر
وماذا يقول الناس في مدح من أتت مدائحه الغراء في محكم الذكـر
سعيت إليه عاجلا سعي عاجـز بعبأ ذنوب جمة أثقلت ظهـري
ولكن ريح الشوق حرك همتـي وروح الرجا مع ضعف نفسي وفقري
ومن عادة العرب الكرام بوفدهم أعادتهم بالخير والخير والوفـر
وإني بلا وقـر أتيـت مؤمـلا بلى أنت قد واعدتني الوقر في مصر
فحقق رجائي سيدي في زيارتي بنيل منائي والشفاعة في الحشر
ولم أقف له على غير ذلك.

ولد في سنة تسعمائة وإحدى عشر، وجاء إلى العراق سنة [تسعمائة] وأربعين،
233
وقتل عند قسطنطينية سنة تسعمائة وست وستين بأيدي الظالمين، وسعى عبد الرحيم العباسي صاحب معاهد التنصيص - وكان صديقه - في قتل قاتله فأدرك أمله ونجح سعيه.

زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد العاملي:

كان فاضلا، تربى في حجر العلم والأدب، وتنقل إليه الفضل عن أب فأب، مشاركا في العلوم، سافر بعد تطلع بدره إلى زيارة العتبات فاجتمع بالشيخ بهاء الدين العاملي في إيران، فقرأ عليه بعض العلوم، وكان الشيخ له مكرما، ثم إنه حج فتوفي هناك، وكان أديبا شاعرا فمن شعره قوله:
وحق هواك مـا حـال المعنـى بحبك عـن هـواك ولا يحـول
ولو قطعـت بالهجـران قلبـي وأحشائـي وأفنانـي النحــول
وقوله:
لا تحسبونا وإن شط المزار بنـا وعائد الدهر في تفريقنا وقضى
نحول عن منهج الود القديم لكـم أو نبتغي بالتنائي عنكم عوضـا
وقوله:
كم ذا أواري الجوى والسقم يبديه وأحبس الدمع والأشواق تجريـه
شابت ذوائب آمالي وما نجحـت وليل هجرك ما شابت نواصيـه
ولاهب الوجد في الأحشاء يخمده رجا الوصال وداعي الوجد يذكيه
رفقا بقلب المعنى في هواك فما أبقيت بالهجر منـه مـا يعانيـه
وكيف يقوى على الهجران ذو كبد جرت لطول التنائي من مآقيـه
صب رماه الهوى في كل مهلكة من الأسى حيث ناجته دواعيـه
234
ما زال جيش النوى يغزو حشاشته حتى طواه الضنا عن عين رائيه
يا من نأى وله في كل جارحـة مني مقام إذا مـا شـط يدنيـه
هل أنت بالقرب بعد اليأس منعطف وراجع من لذيذ العيش صافيـه
فقد تمادى الجوى فينا ورق لنـا قاسي قلوب العدى مما نقاسيـه
وقوله من قصيدة يمدح بها نظام الدين المدني في سفره بالهند:
شام بالإبرق لـاح برقـا وهنـا فصبا شوقا إلى الجـزع فحنـا
وجـرى ذكـر أثيلـات النقـى فشكا من لاعـج الوجـد وأنـا
دنف قد عاقه صـرف الـردى وخطوب الدهـر عمـا يتمنـى
كلما جـن الدجـى حـن إلـى زمن الوصل فأبـدى مـا أحنـا
وإذا هـب نسيـم مـن ربــى حاجر أهدى له سقمـا وحزنـا
يـا عريبـا بالحمـى لولاكــم ما صبا قلبي إلى ربـع ومغنـى
قاتل الله النـوى كـم قرحـت كبدا مـن ألـم الشـوق وجفنـا
وهي طويلة ذكرها في السلافة. ومن شعره في المذهب قوله في مسمطة:
سلبـت لوعتـي لذيـذ رقـادي وكستني ثوب الضنـا والسهـاد
ورماني دهـري بسهـم العنـاد (وغرامي ما أن له مـن نفـاد
كل يوم وليلة في ازدياد)
لي حزن فـي كـل آن جديـد وعنـاء يشيـب منـه الوليــد
والتهاب يـذوب منـه الحديـد (قد بكى رحمة لحالي الحسـود
ودموع تسح سح الغوادي)
لست أبكي لفقد عصر الشبـاب وتقضي عهد الهوى والتصابـي
وصـدود الكواعـب الأتـراب (وتنائـي الخليـط والأحبــاب
235
من سليمى وزينب وسعاد)
قد نهاني النهي عـن التشبيـب وادكار الهوى وذكـر الحبيـب
فتفرغـت للأسـى والنحيــب (مذ أتى زاجرا نذيـر المشيـب
معلما بالفناء حين ينادي)
بل بكائي لأجل خطـب جليـل أضرم الحزن في فـؤاد الخليـل
ورمـى بالعنـاء قلـب البتـول (وأسال الدمـوع كـل مسيـل
فتردى الهدى بثوب الحداد)
رزء من قد بكت لـه الفلـوات واقشعـرت لموتـه المكرمـات
وهوت مـن بروجهـا النيـرات (والمعالـي لفقــده قائلــات
غاب والله ماجأي وعمادي)
فجعة نكسـت رؤوس المعالـي واستباحت حمى الهدى والجلـال
ورمت بالقذى عيـون الكمـال (قد أناخت بخيـر صحـب وآل
عترة المصطفى النبي الهادي)
يا لها فجعـة وخطبـا جسيمـا أوقعت في حشى الكليـم كلومـا
وبقلـب الأميـر حزنـا مقيمـا (وأعادت جسم السقيـم سقيمـا
جفنه للأسى حليف السهاد)
لهف نفسي على رهين الحتـوف حين أمسى نهب القنا والسيـوف
ثاويا جسمه بـأرض الطفـوف (وهو ذو الفضل والمقام المنيف
وسليل الشفيع يوم المعاد)
منعـوه ورود مـاء الفــرات وسقوه كـأس الفنـا والممـات
بعـد تقتيـل أهلـه والحمــاة (وأحاطت بـه خيـول الطغـاة
بمواضي الظبا وسمر الصعاد)
236
وهي طويلة، ذكرها أخوه في الدر المنثور من المأثور وغير المأثور.

ولد سنة ألف وتسع بجبع من جبل عامل.

وتوفي في مكة يوم عرفة سنة ألف وأربع وستين فدفن بالمعلى مع والده، وكان توفي قبله في حجه فدفن هناك، فوافق أن توفي هذا الفاضل ابنه فدفن معه.

ورثاه أخوه بأبيات حسنة، رحمه الله ورضي عنه بمنه وكرمه.

زين العابدين بن الحسن بن علي بن محمد الحر العاملي المشغري:

أخو صاحب أمل الآمل الآتي ذكره: كان فاضلا أديبا مصنفا، ذكره في الأمل والنسمة، وأثنى كل عليه، وكان سافر إلى إيران والعراق واليمن والحجاز، وكان شاعرا، شعره في الطبقة الوسطى، فمنه قوله:
أرقت لدهري ماء وجهي لاجتني له شرعة تروي فؤادي من البحر
وأملت بعد الصبر شهدا يلذ لـي فألفيته شهدا أمر مـن الصبـر
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة نبوية:
هو خاتم الرسل الكـرام محمـد كهف المؤمل منجـح المأمـول
رب المناقب والبراهيـن التـي قـادت لطاعتـه أسـود الغيـل
نطقت بفضل علومه الآيات في الفرقـان والتـوراة والإنجيـل
لولاه ما عرف الورى ربا سوى أصنامهم في الفضل والتفضيـل
كلا ولا اتخذوا سوى ناقوسهم بدلا مــن التكبيــر والتهليـــل
وقوله من أخرى:
محمد المصطفى الذي ظهـرت له خفايا الوجـود مـن عدمـه
237
بفضلـه الأنبيـاء قـد ختمـوا وكان مبدا الوجـود فـي قدمـه
دعا إلـى الحـق فاستقـام بـه ما أعوج من حله ومن حرمـه
وله في مديح الأئمة الكثير. توفي في صنعاء - كما ذكره صاحب النسمة غريبا - سنة ألف وثمان وسبعين، رحمه الله تعالى.
238

حرف السين

سالم بن محمد علي الطريحي المعروف بالحاج سالم الطريحي النجفي الرماحي:

كان هذا الفاضل من بيت علم وتقى، وكان هو فاضلا يعاني حرفة التجارة، ولكن الفضل كان شعاره، وكان ناسكا قاسم ماله بعض إخوانه لله رجاء رضوانه.

أخبرني اليخ راضي الطريحي عن الشيخ صافي الطريحي قال: كنت شريكه في التجارة، فجاء إلي يوما وقال: كم عندكم من الدراهم اليوم؟ فقلت، أربعمائة درهم، فقال: أعطنيها فأعيته إياها فأرسلها جملة من ذوي الحاجة، فسألته عن السبب، فقال: إن سفينة من البصرة غرقت وفيها لنا مال دراهم فتصدقت لتعود علينا، ثم إنه بعد أيام وردت لنا مزادة فيها الدراهم، فسألنا عن التفصيل، فقيل غرقت الأموال من السفينة لكن هذه المزادة معلقة في مسمار فلم تغرق مع غرق الأموال، بل نجت مع السفينة.

وكان أديبا شاعرا فمن شعره قوله في قصيدة حسينية أوله:
أميـة قـد جـاوزت حدهــا فقـم فالظبـا سئمـت غمدهـا
إلى م النـوى وعلينـا العـدى نجـود ولـم نستطـع ردهــا
تحملنـا مـا لـو أن الجبــال تحمــل أيســره هدهـــا
رمتنـا بفادحـة لــم تــزل تكابـد طـول المـدى وجدهـا
غداة ظوامي الظبـا بالطفـوف سقـت مـن دمائكـم حدهــا
وجـدك مـا بينهـا والخمـول على صـدره جعلـت وردهـا
وأسرتــه حولــه بالعــرى وقـد ألبستهـا الصبـا بردهـا
وقوله من أخرى أوله:
عرجا بي على عراص الطفوف أبك فيهـا أسـى بدمـع ذروف
239
من عراص بـآل عبـد منـاف شمخـت رفعـة بمجـد منيـف
يا عراص الطفوف كم فيك بدر غاله حادث الـردى بخسـوف
وهزبـر قضـى طليـق محيـا بين سمر القنا وبيض السيـوف
يوم هاجت عصائـب الشـرك للهيجاء تقفو الصفوف أثر الصفوف
حاولت أن ضام وهو أبي الضيم كهف الطريد مـأوى المخـوف
شد فيهـا فكـم لطيـر المنايـا من خفوق على العدى ورفيـف
وله غير ذلك.

توفي رحمه الله في النجف سنة ألف ومائتين وثلاث وتسعين تقريبا، وخلف ولدين لم يكن بهما من يقفوه رحمه الله تعالى.

السر بن أحمد بن السري الكندي الموصلي الشهير بالسري الرفاء:

كان فاضلا أديبا شاعرا مجيدا، ذكره جملة من المترجمين وأثنوا عليه، وذكروا له كتبا مصنفة وديوانا، ومن شعره الشاهد على إجادته قوله رحمه الله [من البسيط]:
وفتيـة زهـر الـآداب بينهـم أبهى وأنضر من زهر الرياحين
راحوا إلى الرخ مشي الراح وافترقوا والراح تمشي بهم مشي الفرازين
وقوله [من الوافر]:
بنفسي من أجـود لـه بنفسـي ويبخـل بالتحيــة والسلــام
وحتفـي كامـن فـي مقلتيــه كمون الموت في حـد الحسـام
ومن شعره في المذهب قوله [من البسيط]:
نطوي الليالي علما أن ستطوينـا فشعشعها بماء المـزن واسقينـا
وتوجي بكـأس الـراح راحتنـا فإنمـا خلقـت للـراح أيدينــا
240
قامت تهز قواما ناعما سرقـت شمائل البان من أعطافـه لينـا
تدير خمرا تلقاها المـزاج كمـا ألقيت فوق جني الورد نسرينـا
قلت ندري أتسقينا وقـد نفحـت روائح المسك منهـا أم تحيينـا
وقد ملكنا زمان العيش صافيـة لو فاتنا الملك راحت عنه تسلينا
ثم مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورثى الحسين عليه السلام فقال:
أقام روح وريحان على جـدث ثوى الحسين به ظمـآن آمينـا
كأن أحشائنا مـن ذكـره أبـدا تطوى على الجمر أو تحشى سكاكينا
مهلا فما نقضوا أوتـار والـده وإنما نقضوا فـي قتلـه الدنيـا
وله غير ذلك مما ذكره في المناقب. توفي سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع أو ست وستين وثلاثمائة ببغداد ودفن بها رحمه الله تعالى.

سعد بن أحمد بن مكي النيلي المؤدب، الشاعر المعروف بابن مكي:

كان فاضلا مشاركا في الفنون، أديبا شاعرا.

قال صاحب [فوات] الوفيات: له شعر أكثر في الأئمة من أهل البيت.

وقال العماد الكاتب: كان غاليا في التشيع، حاليا بالتورع، عالما بالأدب، معلما في الكتب، مقدما في التعصب، أسنى حتى جاوز التسعين وذهب بصره وعاد إليه، ومن شعره في المذهب قوله رحمه الله:
قمـر أقـام قيامتـي بقوامــه لم لا يجـود لمهجتـي بذمامـه
ملكته كبـدي فأتلـف مهجتـي بجمال بهجتـه وحسـن كلامـه
وبمبسم عذب كـأن رضـا بـه شهد مذاب فـي عبيـر مدامـه
241
وبناظر غنـج وطـرف أحـور يصمي القلوب إذا رنا بسهامـه
وكأن خط عـذاره فـي حسنـه شمس تجلت وهي تحـت لثامـه
فالظبي ليس لحاظـه كلحاظـه والغصن ليس قوامـه كقوامـه
قمر كأن الحسن يعشق بعضـه بعضا فساعـده علـى أقسامـه
فالحسن مـن تلقائـه وورائـه ويمينـه وشمالــه وأمامــه
ويكاد من ترف لرقـة خصـره ينقـد بالـأرداف عنـد قيامـه
يا سعـد دع لهـواه واستمسـك بمن ترقى بهم وتزاح من آثامـه
بمحمـد وبحيــدر وبفاطــم وبولدهـم عقـد الـولا بتمامـه
فهم الأولى لولاهم ما أوضحـت سبل الهدى في عـوزه وشآمـه
عبدوا الإله وغيرهم من جهلـه ما زال منعكفا علـى أصنامـه
ومن شعره في معارضته ليوسف الواسطي معرضا بأمير المؤمنين عليه السلام إذ يقول:
إذا اجتمـع النـاس فـي واحـد وخالفهـم فـي الرضـا واحـد
فقـد دل إجماعهــم كلهــم علـى أنــه عقلــه فاســد
قوله:
ألا قل لمـن قـال فـي كفـره وربـى علـى قومـه شاهــد
إذا اجتمع. . . إلخ البيتين.
كذبت وقولـك غيـر الصحيـح وزغلــك ينقــده الناقـــد
فقد أجمعت قوم موسـى الكليـم على العجل بأرجس يـا مـارد
وداموا عكوفـا علـى عجلهـم وهــارون منفــرد قاعــد
فكان الكثيـر هـم المخطئـون وكان المصيـب هـو الواحـد
ومن شعره فيه قوله من قصيدة:
242
ألـم تعلمـوا أن النبـي محمـدا بحيدرة الوصي ولم يسكن الرمسا
وقال لهم والقوم في خم حضـر ويتلو الذي فيه وقد همسوا همسا
علي كزري من قميصـي وإنـه نصيري ومني مثل هارون من موسى
ألم تبصروا الثعبان مستشفعا بـه إلى الله والمعصوم يلحسه لحسـا
فعاد كطـاووس يطيـر كأنـه تغشرم في الأملاك فاستوجب الحبسا
وقوله من قصيدة يذكر خيبر:
فهزهـا فاهتـز مـن هزتهــا حصن بنـوه حجـرا وجلمـدا
ثـم دحـا البـاب بكـف نبـذة تمسح خمسيـن ذراعـا عـددا
وعبـر الجيـش علـى راحتـه حيـدرة الطاهــر لمــا وردا
وله شعر كثير في مدح أمير المؤمنين عليه السلام، ترى جملة منه في المناقب لابن شهر آشوب.

توفي سنة خمسمائة وخمس وتسعين رحمه الله تعالى.

سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي

شهاب الدين أبو الفوارس المعروف بحيص بيص، لأنه سمع غوغاء بالحلة فقال: ما للناس في حيص بيص:

كان فاضلا أديبا له بلاغ وترسل وعارضة قوية يتشبه بالعرب لفظا وزيا ومجلسا حتى قال فيه بعضهم هاجيا له:
كم تبارى وكم تطول طرطورك؟ مـا فيـك شعـرة مـن تميـم
فكل القد واقرظ الحنظل اليابـس واشرب ماشئـت بـول الظليـم
ليس ذا وجه من يضيف ولا يقري ولا يدفـع الـأذى عـن حريـم
فأجابه بقوله:
لا تضع من عظيم قدر ولو كنت مشــارا إليــه بالتعظيـــم
243
فالشريف الكريم ينقـص قـدرا بالتعدي على الشريـف الكريـم
ولمع الخمر بالعقول رمى الخمر بتنجيسهـــا وبالتحريــــم
قال ابن خلكان: قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن وكان من الثقاة ومن أهل السنة: رأيت في المنام علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت له: يا أمير المؤمنين تفتحون مكة وتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم يتم على ولدك الحسين يوم الطف ما تم، فقال عليه السلام: أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا؟ فقلت: لا، فقال: اسمعها منه. ثم استيقظت فبادرت إلى دار حيص بيص فخرج إلي فذكرت له الرؤيا فأجهش بالبكاء وحلف بالله إن كانت خرجت هذه الأبيات من فمه أو حضر إليه أحد، وإن كان نظمها إلا في ليلته تلك، والأبيات هي:
ملكنا فكان العفـو منـا سجيـة فلما ملكتم سـال بالـدم أبطـح
وحللتم قتل الأسـارى، وطالمـا غدونا على الجاني نعف ونصفح
فحسبكـم هـذا التفـاوت بيننـا وكل إناء بالـذي فيـه يطفـح
وله في المذهب، فمن شعره في أمير المؤمنين عليه السلام قوله:
وأنزع من شرك الرجال مبـرء بطين من الأحكام جـم النوافـل
سديــد مضــاء البـــأس إذا زحمـوه بالقنـا والقنابــل
صــدوف عــن الـــزاد رغيب إلى زاد التقى والفضائـل
حرى لي قول الصواب لسانـه إذا ما الفتاوى أفحمت بالمسائـل
أعيدت له شمس الأصيل جلالـة وقد حال ثوب الضوء في أرض بابل
وفي الحسين عليه السلام قوله:
أحسين والمبعوث جدك للهـدى قسما يكون الله عنـد مسائلـي
لو كنت شاهد كربلا لبذلت فـي تنفيس كربك وسع جهد البـاذل
244
وسقيت هذا السيف من أعدائكـم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . لكنني أخـرت عنـد لشقوتـي فبلابلـي بيـن الغـري وبابـل هبني حرمت النصر يوم قتالكـم فأقل من حـزن ودمـع سائـل فيما رواه الكنجي في المناقب عن العدل سيف الدين بن أبي المظفر محمد بن أبي البدر بن المثنى ببغداد عن حيص بيص نفسه. وله في المناقب غيرها كثير.

توفي ليلة الأربعاء لست بقين من شعبان سنة أربع وسبعين وخمسمائة ببغداد رحمه الله.

سعيد بن قيس بن زيد بن حرب بن معد يكرب بن سيف بن عمرو بن سبع السبيعي الهمداني:

كان من كبار التابعين الرؤساء الزاهدين من أصحاب علي، كما قال الفضل بن شاذان وكان رئيس همدان وصاحب الرجراجة في صفين، وكان شجاعا مجربا، وشاعرا خطيبا، وكان من المخلصين في ولاء علي عليه السلام، وله يقول في صفين [من الكامل]:
جزى الله همدان الجنـان فإنهـا سمام العدى في كل يوم سمـام
يقودهم حامـي الحقيقـة منهـم سعيد بن قيس والكريم محامـي
فلو كنت بوابا على بـاب جنـة لقلـت لهمـدان ادخلـي بسلـام
في أبيات يذكر فيها اسمه مشهورة. ومن شعره في مدح أمير المؤمنين عليه السلام قوله يوم دعا معاوية أهل الشام في صفين وقال: إن عليا يخرج في سرعان الخيل، فمن ينتدب له؟ فقال له عبد الرحمن بن خالد أنا له، فأقعده، وقال عبد الرحمن العكي: أنا له، فأقعده أيضا،
245
فقال عمرو بن الحصين السكوني: أنا له، فقال معاوية: أنت له، فخرج في عك والصدف، وخرج علي عليه السلام كعادته، فتوكبه السكوني وحمل عليه، فلما كاد أن يطعنه اعترضه سعيد بن قيس فطعنه طعنة قصمت ظهره، فالتف علي فرأى السكوني صريعا، ثم خرج رجل من ذي رعين فقتله سعيد بين يدي أمير المؤمنين، فجزع عليهما معاوية، فقال سعيد في ذلك:
لقـد فجعـت بفارسهـا عيـن كما فجعت بفارسهـا السكـون
غـداة أتـى أبـا حسـن عليـا وأم النقـع مشيلــه طحــون
ليطعنـه فقلـت لـه خذنهــا مسوقـة يخـف لهـا القطيـن
أقول له ورمحي فـي صـلاء وقد قـرت بمصرعـه العيـون
ألا يا عمرو عمرو بني حصيـن وكـل فتـى ستدركـه المنـون
أترجـو أن تـال إمـام صـدق أبـا حسـن وذلـك لا يكـون
لقد بكت السكون عليـك حتـى وهت منها النواظـر والجفـون
ألا أبلـغ معاويـة ابـن حـرب ورجم الغيـب تكشفـه الظنـون
بانـا لا نـزال لكـم عــدوا طوال الدهر ما سمـع الحنيـن
ألـم تـر أن والينــا عليــا أب بـر ونحـن لـه بنــون
وأنـا لا نريـد سـواه يومــا وذاك الرشـد والحـظ المبيـن
وأن لـه العـراق وكـل كبـش حديد القـرن ترهبـه القـرون
وله غير ذلك في صفين.

وفي الخزانة له ترجمة حسنة: قتل في صفين في شهر صفر سنة ثمان وثلاثين، وقد أخذ المصحف فقرأه على أهل الشام فقتلوه صبرا كما قال نصر، وقيل بعد ذلك في النهروان.

سعيد بن هبة الله بن الحسن، قطب الدين الراوندي:

246
كان فاضلا جم الفضائل، من مشايخ إجازات الأفاضل، قرأ على الطبرسي صاحب مجمع البيان وغيره أكثر من عشرين شيخا، وأجاز الكثير وصنف الكتب العديدة في أنواع العلوم، وكان ذا يد في أغلب الفنون أديبا شاعرا، فمن شعره قوله من قصيدة:
لآل المصطفى شـرف محيـط تضايق عـن تضمنـه البسيـط
إذا كثـر البلايــا والرزايــا فكـل عنـده الجـأش الربيـط
إذا مـا قـام قائمهـم بوعــظ فــإن كلامــه در لقيـــط
إذا مـا قسـت عدلهـم بعـدل تقاعس دونـه الدهـر القسـوط
هم العلمـاء إن جهـل البرايـا هم الموفـون إن خـان الخليـط
بنو أعمامهـم جـاروا عليهـم ومال الدهـر إذ مـال الغبيـط
لهـم فـي كـل يـوم مستجـد برغـم الأصدقـاء دم عبيــط
فمـات محمـد وارتـد قــوم بنكث العهد وانبـرت الشـروط
تناسوا ما مضـى بغديـر خـم فأدركهـم لشقوتهــم هبــوط
على آل الرسول صلـاة ربـي طوال الدهر ما طلـع الشميـط
وقوله:
قسيـم النـار ذو خيـر وخيـر يخلصني الغـداة مـن السعيـر
فكأن محمد في النـاس شمسـا وحيـدر كـان البـدر المنيـر
هما فرعان مـن عليـا قريـش مصاص الخلق بالنص الشهيـر
وقال لـه النبـي لأنـت منـي كهرون وأنـت معـي وزيـري
ومن بعدي الخليفة فـي البرايـا وفي دار السرور على سريـري
وأنت غياثهـم والغـوث فيهـم لدر الظلماء والصبـح السفـور
مصيري آل أحمد يوم حشـري ويوم النصر قائمهـم مصيـري
247
وقوله:
بنـو الزهـراء آبـاء اليتامـى إذا ما خوطبـوا قالـوا سلامـا
هم حجج الإلـه علـى البرايـا فمـن ناوهـم يلـق الأثامــا
يكون نهارهم في الدهر صومـا وليلهـم كمـا تـدري قيامــا
ألم يجعـل رسـول اللـه يـوم الغديـر عليـا المولـى إمامـا
ألم يـك يـدر أحـوى علومـا ألم يـك حيـدر أعلـى مقامـا
بنـوه العـروة الوثقـى تولـى عطاؤهـم اليتامـى والأيامــى
هم الراعون في الدنيـا الذمامـا هم الحفاظ في الأخرى الأنامـا
وله غيرها.

توفي سنة خمسمائة وسبعين تقريبا، ودفن بقم، ذكره تلميذه ابن شهر آشوب في المعالم وغيره رحمه الله تعالى.

سفيان بن مصعب، أبو عبد الله العبدي:

كان أحد الأفاضل من الشعراء، وأوحد الراثين في زمانه، وكان مختصا بمولانا حجة الله الصادق عليه السلام، وكان يعقد مجلسا في حرمه حرم الله عز وجل، ويلقي ما بينه وبين عياله سترا يجلسن خلفه فينوح لهم على جدهم الشهيد عليه السلام، وكان الصادق عليه السلام يقول: عليكم بشعر العبدي فإنه على دين الله تعالى.

فمن شعره قوله في مرثية أمير المؤمنين عليه السلام من قصيدة:
فلم أر مهرا ساقـه ذو سماحـة كمهر قطام من فصيح وأعجـم
ثلاثـة آلـاف وعبـد وقينــة وضرب علي بالحسام المصمـم
فلامهرا غلا من علي وإن غـلا ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجـم
وقوله من حسينية أوله:
248
لقد هد ركنـي رزء آل محمـد وتلك الرزايا والخطوب عظـام
وأبكت جفوني بالفرات مصارع لآل النبي المصطفـى وعظـام
عظام بأكنـاف الفـرات زكيـة بهـن علينـا حرمـة وذمــام
فكـم حـرة مسبيـة ويتيمــة وكم من كريم قد علـاه حسـام
لآل رسول الله صلـت عليهـم ملائكة بيـض الوجـوه كـرام
أفاطم أشجاني بنوك ذوو العلـى فشبـت وإنـي صـادق لغلـام
وأضحيت لا ألتذ طيب معيشتـي كـأن علـي الطيبـات حـرام
ولا البارد العذب الفرات أسيغـه ولا ظل يهنينـي الغـداة طعـام
يقولون لي صبرا جميلا وسلـوة ومالي إلى الصبر الجميل مـرام
فكيف اصطباري بعد آل محمـد وفي القلب مني لوعة وضـرام.
وقوله وقد فسر له الصادق عليه السلام ((الرجال)) بالأئمة عليهم السلام، و ((الأعراف)) كائب من مسك عليها النبي صلى اله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام ((يعرفون كلا بسيماهم)):
لأنتم ولاة الحشر والنشر والجزا وأنتم ليوم الفزع أهـول مفـزع
وأنتم على الأعراف وهي كثائب من المسك رياها بكـم يتضـوع
ثمانيـة بالعـرش إذ يحملونـه ومن بعدهم في الأرض هادون أربع
وله غيرها كثير.

توفي بالكوفة سنة مائة وعشرين تقريبا رحمه الله.

سلامة بن يحيى، أبو الفرج الموصلي القاضي:

كان فاضل يحيى الفضل بسلامته، ويجري الربيع بجعفر علمه وسلاسته، وكان أديبا محاضرا استقضاه سيف الدولة بحلب فرآه من أصفى ما حلب، فمن شعره قوله:
249
واكبـدي مـن عذابكـم وكـذا من ذاق ما ذاقت صاح أكبـدي
فارقت إلفي فصـار فـي بلـد بالرغم مني وصرت فـي بلـد
وقوله:
من سـره العيـد فمـا سرنـي بل زاد فـي همـي وأشجانـي
لأنـه ذكرنـي مــا مضــى مـن فقـد إخوانـي وخلانـي
ومن شعره في المذهب قوله:
يا نفس أن تتلفي ظلما فقد ظلمت بنت النبي رسول اللـه وابناهـا
تلك التي أحمد المختـار والدهـا وجبرئيـل أميـن اللـه رباهـا
الله طهرها مـن كـل فاحشـة وكل ريـب وصفاهـا وزكاهـا
وهي طويلة:

وقوله من قصيدة أوله:
تجلى الهدى يوم الغدير عن الشبه وبرز تبريز النضار عن الشبـه
وأكمل رب العرش للناس دينهـم كما أنزل القرآن فيهـم فأعربـه
وقام رسول اله في الجمع جاذبا بضبع علي ذي التعالي عن الشبه
وقال ألا من كنت مولى لنفسـه فهذا لـه مولـى فيالـك منقبـه
وقوله:
أنا مولى حيدر وابنيه والعلم السجاد مصباح العرب
وابنـه الباقـر والصـادق وال مرتضى موسى الإمام المنتجب
والرضـا ثـم أبـي جعفــر والعسكرييـن وبـاق محتجـب
وله غير ذلك، وذكر له في اليتيمة غيرها شعر.

توفي سنة ثلاثمائة وتسعين تقريبا رحمه الله تعالى.

سليمان بن داود بن حيدر الحسني الحلي، جد المتقدم

250

أبو داود:

كان فاضلا مشاركا في العلوم، نشأ بالنجف وحضر على علمائها، ثم ارتحل إلى الحلة فسكنها، وله فيها مع أدبائها ماجريات، ذكر ابنه السيد داود في رسالة عملها في ترجمة أبيه قال: سألني الشيخ أحمد النحوي عن أبي فقلت له هو في البيت فقال: ((سلم عليه لنا سلاما وافيا))، فبلغته ذلك. فأعاد إليه بقوله: ((وأعد لنا أيضا سلاما كافيا)) في أبيات التزم بها بالفاء.

وقال: ذم السيد الشريف ابن فلاح حسودا له بأبيات أوله:
أشكو إلى الله مما نابني وجـرى من جاهل قد غدا بالجهل مشتهرا
فصدرها وعجزها أبي فشكره السيد الشريف بقصيدة أوله:
ما لكاس طاف بها على الجلاس ساق بأنواع المحاسـن كاسـي
كلا ولا تغريـد أطيـار الهنـا من فوق غصـن ناعـم ميـاس
كسلاف نظم من أديب جل عـن وصف الورى بهواجس وقيـاس
أعني (سليمان بـن داود) الـذي سن الفصاحـة شعـره للنـاس
أدب تحيـرت العقـول بنعتـه ورمى بني الـآداب بالوسـواس
وهي طويلة.

وله في الأئمة شعر كثير في المدح والرثاء، فمنه قوله في علوية:
ظبــي سبــت أجفانـــه صبــا علــت أشجانـــه
مـن حمـرة الخديــن فــي قلبــي ذكـــت نيرانـــه
يـا سالبـي عقلــي ومــن لا يهتــــدي حيرانــــه
قصــد أيـــام الصبـــا لــو تشتـــرى أحيانـــه
لمـــا رآنـــي مدنفـــا تغيـــــرت ألوانـــــه
251
فقلـت يــا مــن حسنــه نظيـــــر إحسانـــــه
قـل لـي مـا هــذا البكــا فاستعــــرت أشجانــــه
وقـال هــل يسلــو فتــى تفرقـــــت خلانـــــه
أمــا رأيــت المرتضــى لمــا مضــت إخوانـــه
قــد ناصبتـــه بالدنـــى قــد نصبــت عدوانـــه
حيـن تــوارى المصطفــى وانخذلــــت أعوانــــه
كـــأن ذا قربـــاه لـــم يشهــد بهـــا فرقانـــه
لا أحمـــد يرعــــى ولا يرعـــى لـــه قرآنـــه
وأخـو النبــي المصطفــى فيهــم تعالـــى شانـــه
إن صـال فـي يـوم الوغـى ذلــت لـــه شجعانـــه
مولــى لأكبــاد العـــدى مشتاقــــة خرصانــــه
لـم يروهـا فيــض الدمــا إذا ارتــــوى مكانــــه
يـا غيـث جــود هاطــل يــروي المـــلا هتانـــه
يـا صاحـب الفضـل الــذي يبـــدو لنـــا برهانـــه
يـا مـن بإيمــان الــورى معـــــادل إيمانـــــه
يامـــن أتـــاه سائـــلا مـــن الفـــلا ثعبانـــه
وكلــم الميـــت الـــذي قدمــا عفـــت أكفانـــه
صلـى عليــك اللــه مــا ركــب ســرت ركبانـــه
وهي طويلة.

توفي سنة ألف ومائتين وإحدى عشر بالحلة، ودفن بالنجف، ورثاه جمعة من الشعراء، ولولده رسالة في ترجمته مفصلة يذكر فيها ماجرياته حيا، ومراثيه ميتا، رحمه الله.
252

سليمان بن داود بن سليمان بن داود بن حيدر الحسيني الحلي أبو حيدر المتقدم الذكر.

كان أديبا شاعرا، شريف الهمة وقورا، لم أكد أعثر له على شعر في غير الأئمة الأطهار، وكان له إلمام ببعض العلوم، فمن شعره المشهور في الأئمة عليهم السلام قوله من قصيدة حسينية:
أرى العمر في صرف الزمان يبيد ويذهب لكـن مـا نـراه يعـود
فكن رجلا أن تنض أثواب عيشه رثاثا فثوب الفخر منـه جديـد
وإياك أن تشتري الحيـاة بذلـة هي الموت والموت المريح وجود
وغير فقيد مـن يمـوت بعـزة وكل فتى بالـذل عـاش فقيـد
لذاك نضى ثوب الحياة ابن فاطم وخاض عباب الموت وهو فريد
ولاقى خميسا يملأ الأرض رجفة بعزم له السبـع الطبـاق تميـد
يقول فيه:
أيصبح ثغري بعد ثغرك باسمـا وينكت ثغر الفخر منـك يزيـد
فلا ذر بعد البسط ثغـر عمامـة ولا لنبات الأرض شـب وليـد
وهي طويلة.

توفي سنة ألف ومائتين وستين تقريبا بالحلة ودفن بالنجف، رحمه الله.

سليمان بن عبد الله بن علي بن الحسن بن أحمد بن يوسف بن عمار الستري الماحوزي، أبو الحسن شمس الدين:

253
كان فاضلا مليء الفم، متفننا في كل علم، له مصنفات في العلوم كثيرة، ورسائل شهيرة، وكان أديبا شاعرا، جمع ديوانه تلميذه علي بن أبي شبانه الحسيني البحراني، فمن شعره قوله:
قل للثريا هـل رأت لـي خلـة لما ارتقيت لها وبت ضجيعهـا
إن أمحلت أرض أقـول لأهلهـا إني لأرضكـم أكـون ربيعهـا
ومنه قوله:
قد كنت في شرخ الشباب بنغمة وبنعمة طابـت بهـا الأكـوان
الروض أنف بالمكـارم والعـى والحوض مـن نعمائهـا ملـآن
ذهبت ولم أعرف لهـا أقدارهـا والماء يعـرف قـدره الظمـآن
ومن شعره في المذهب قوله:
إني وإن لم يطب بين الورى عملي فلست أنفك مهما شعت عن أملي
وكيف أقنط من عفو الإله ولـي وسيلة عنده حب الإمـام علـي
وقوله:
نفسي بآل رسول اللـه هائمـة وليس إن همت فيهم ذام من سرف
كم هـام قبلـي أقـوام جهابـذة قضية الدين لا ميلا إلى الصلف
لا غرو هم أنجم العليا بلا جـدل وهم عرانين بيت المجد والشرف
شم المعاطس من أولاد حيـدرة من البتول تجافوا زحمة الكلـف
سباق أرباب غابات السباق وهم جواهر القدس تزري لؤلؤ الصدف
بهم غرامي وفيهم فكرتي ولهـم عزيمتي وعليهم في الجوى لهفي
وفيهـم لـي آمـال أؤملهــا في الحشر إذ تنشر الأعمال في الصحف
وله غير ذلك.

توفي رحمه الله في سابع عشر رجب من سنة ألف ومائة وإحدى وعشرين من
254
الهجرة بالدونج من قرى [الماحوز] عند قبر الشيخ ميثم البحراني الشهير

وكانت ولادته في خامس عشر رمضان سنة ألف وخمس وسبعين من الهجرة.

سليمان بن قتة القرشي، بالولاء لتيم بن مرة من قريش:

كان من الشيعة التابعين، واسم أبيه حبيب بن محارب، مولى لتيم بن مرة كما ذكرنا، وكان يعترف بأمه قتة بالتاء كما ذكره ابن قتيبة في كتاب المعارف، وكان من المحدثين الشعراء، فمن شعره قوله:
وقد يحرم الله الغني وهو عاقـل ويعطي الغني مالا وليس له عقل
وقوله يرثي أسد بن عبد الله القسري أخا خالد:
سقى الله بلخا سهل بلخ وحربها ومروي خراسان السحاب المجمما
وما بي أنعـاه ولكـن صخـرة بها غيبوا شلوا كريما وأعظمـا
لقد كان يعطي السيف في الروع ويروي الزمان الزاعبي المقومـا
وله في مراثي الحسين عليه السلام الشعر الفخم الجزل، وكان من أوائل الراثين له، فمن شعره فيه قوله:
عيـن نوحـي بعبـرة وعويـل واندبي إن ندبـت آل الرسـول
ستـة كلهـم لصلـب علــي قـد أصيبـوا وسبعـة لعقيـل
واندبي إن بكيت عونـا أخاهـم ليس فيمـا ينوبهـم بالمخـذول
وسمـي النبـي غـودر فيهـم قـد علـوه بصـارم مصقـول
واندبي كهلهـم فليـس إذا مـا عد في الخير كهلكـم كالكهـول
فلعمري لقد أصيب ذوو القربـى فبكى علـى المصـاب الجليـل
في أبيات.
255
وقوله من أخرى:
مررت على أبيـات آل محمـد فلـم أر أمثالهــا إذ تجلــت
فلا يبعد اللـه الديـار وأهلهـا وإن أضحت منهم برغم تخلـت
وكانوا رجاء ثم عـادوا رزيـة لقد عظمت تلك الرزايا وجلـت
أولئك قوم لم يشيمـوا سيوفهـم ولم تكثر القتلى بها حين سلـت
وإن قتيل الطف مـن آل هاشـم أذل رقابا مـن قريـش فذلـت
ألم تر أن الشمس أضحت مريضة لفقد حسيـن والبلـاد اقشعـرت
وقرئت هذه الأبيات عند أحد الصادقين عليهم السلام فأبدلها للنائحة بها بقوله لها: بل قولي: ((أذل رقاب المسلمين فذلت)).

توفي بدمشق سنة مائة وست وعشرين من الهجرة، رحمه الله.

سليمان بن محمد، أبو الفضل الإسكافي:

كان كاتبا أديبا لسنا حافظا، كتب لعبد الملك بن فتوح، ثم لما نكب ابنه أبو الفضل واستخلصه نصر بن نوح فاستكتبه وأمره يوما بكتاب فشغل عنه، فاستدعاه غفلة فأتى وبيده درج أبيض، فوقف بين يديه وقرأه عليه فاستحسنه وأمره بتبييضه لم يخرم منه حرفا، وسماه الثعالبي علي وتبعه جماعة ولكن ابن شهر آشوب ذكره بهذا الاسم، فمن شعره في المذهب قوله من قصيدة:
أصفاه أحمد من خفـي علومـه فهو البطين من العلـوم الأنـزع
هو قبلة الله التـي ظهـرت لنـا وشهـاب نـور للهدايـة يلمـع
حبر عليـم بالـذي هـو كائـن وإليه في علم الرسالـة يرجـع
نطقت دلائلـه بفضـل صفاتـه بين القبائل وهو طفـل يرضـع
لولـاه لـم تـك للنبـي ذلالـة ولملـة الإسلـام بـاب يشـرع
من ذا له شمس النهار تراجعـت بعد الأفول وقد تقضى المطلـع
256
حتى إذا صلى الصلـاة لوقتهـا أفلت ونجم عشا الأخيرة يطلـع
فـي دون ذلـك للأنـام كفايـة في فضله ولذي البصيرة مقنـع
توفي سن ثلاثمائة وثمانين تقريبا، ورثاه جماعة منهم الهرثمي بقوله:
ألم تر ديوان الرسائـل عطلـت لفقدانـه أقلامــه ودفاتــره
لبيـك عليـه خطـه وبيانــه فقد مات واشيه وقد مات ساحره
وهي طويلة ذكر منها جملة ياقوت.
257

حرف الشين

شداد بن إبراهيم، أبو النجيب الطاهر الجزري:

كان أديبا شاعرا، حسن الشعر، قويم الألفاظ، بديع السبك، اختص بالوزير المهلبي ومدحه، ومدح عضد الدولة، فمن شعره قوله:
قلت للقلب مادهـاك ابـن لـي قـال لـي بائــع الفرانــي
ناظراه فيمـا جـرت ناظـراه أو دعاني أمت بمـا أودعانـي
وقوله:
أفسدتم نظري علـي فمـا رأى مذ غبتم حسنا إلـى أن تقدمـوا
فدعوا غرامي ليس يمكن أن ترى عين الرضا والسخط أحسن منكم
وقوله:
يـا منكــرا شغفــي بــه ومكذبــا طــول اشتياقــي
فــي أي أحــوال تشـــك فهــن أحــوال السيـــاق
أمدامعـي أم ضـر جسمــي أم ظنـــاي أم احتراقـــي
كــــل إذا صنفتنـــــي حجـج عليـك بمــا ألاقــي
ولها ذيل للوزير المغربي كما ذكرته في ترجمته في باب الحاء في الحسين.

ومن شعره في المذهب ما ذكره ابن شهر آشوب في المناقب من قوله:
عيد في يـوم الغديـر المسلـم وأنكـر العيـد عليـه المجـرم
يا جاحدي الموضع واليوم ومـا فـاه بـه المختـار تبـا لكـم
قـد أنـزل اللـه تعالـى جـده (اليـوم أكملـت لكـم دينكـم)
(واليوم أتممت عليكـم نعمتـي) أليس من نصب الإمـام المنعـم
وله ديوان كما ذكره في البدائع، وله في المناقب منه كثير.

توفي في حدود الأربعمائة كما ذكره في الفوات.
258

الشريف ابن فلاح الكاظمي، الشهير بالسيد الشريف الكاظمي:

كان فاضلا مشاركا في الفنون، أديبا شاعرا، وكان من سروات بني هاشم، وذوي كراماتهم، وله كرامة مشهورة، وهي: أنه احتاج إلى بعض الدراهم وهو في النجف فقصد أمير المؤمنين عليه السلام وجلس في الروضة المقدسة أمامه وأنشده قوله فيه:
أبا حسن ومثلـك مـن ينـادى لكشف الضر والهـول الشديـد
أتصرع في الوغى عمرو بن ورد وتردي مرحبـا بطـل اليهـود
وتسقي أهل بدر كـاس حتـف مصبــرة كعتبــة والوليــد
وتجري النهروان دمـا عبيطـا بقتـل المارقيـن ذوي الجحـود
وتأبى أن تكف جيوش عسـري وتنصرني على الدهـر العنيـد
وها هو قد أراني الشهب ظهـرا وأحرم ناظري طيـب الهجـود
أترضى أن يكدر صفو عيشـي وتصبح أنت في عيـش رغيـد
أتنعم فـي الجنـان خلـي بـال ومني القلب فـي جهـد جهيـد
أما قد كنـت تؤثـر قبـل هـذا ببذل القوت في القحـط الشديـد
فكيف أخيب منك وأنـت مثـر جواهر كدرت عيـش الحسـود
فمــــن در وياقــــوت والمـاس يلـوح علـى عقـود
ومن قنديـل تبـر بـات يجلـو سناه الهـم عـن قلـب الوفـود
فجد لي يا علـي ببعـض هـذا فـإن التبـر عنـدك كالصعيـد
ولي ياابن الكـرام عليـك حـق رثاء سليلـك الظامـي الشهيـد
فكم أجريت مـن دمـع عليـه وكـم فطـرت قلبـا كالحديـد
259
فكن فـي هـذه الدنيـا معينـي وكن لي شافعـا يـوم الـورود
فلما انتهى بها سقط عليه قنديل ذهب فأخذ من يهد وعلق، فوقع عليه ثانيا فأخذه.

ومن شعره قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام يقول فيه:
أعلي يا أعلـى قريـش رتبـة يا من ولاه نجاة كـل مقصـر
يقول فيه:
لا عيب فيهم غيـر أن جيادهـم في غير هامات العدى لم تعثـر
ولطول ما ألفوا الوغى لم يعرفوا إلا السيـوف أهلـة للأشهــر
وقوله في حسينية أوله:
قف بالطفوف وجد بفيض الأدمع إن كنت ذا حزن وقلب موجـع
والبس ثياب الحزن سودا واكتحل إن كنت مكتحلا بجمـر الأدمـع
أيبيت جسم ابن النبي على الثرى ويبيت من فوق الحشايا مضجعي
لا در در مدامعي إن قصـرت عن سقي ترب عراص ذاك المصرع
وأذاب جسمي السقم إن هو لم يذب حزنا لجسم بالسيـوف مبضـع
نحرتني الأعداء إن لم أندب النحر الخضيـب بحرقـة وتوجــع
وسكنت ترب اللحد إن لم أبـك للخد التريب بمقلـة لـم تهجـع
رضت جياد الخيل صدري إن سلا بالطف قلبي رض تلك الأضلـع
وتقاسمت قلبي. . . إن لم أبـت قلقا لفيء فـي العـدو مـوزع
سهم أصاب حشاك يا ابن المصطفى ظلما أصاب حشى البطين الأنزع
وأصاب قلب المصطفى والبضعة الزهراء والحسن الزكي الـأروع
شلت يد الرامي الكفور أما درى من ظل يرمي مغرقا في المنزع
قسما بصبرك والمواضي ترتوي من فيض نحرك بالدم المستنقـع
إن البكاء عليك حرفـة عاجـز فتجود بالهملان سحـب الأدمـع
260
يا آل أحمد يا بحور الجـود يـا أصل الوجود ومن إليهم مفزعي
فاز الشريف بكم ونال الأمن من أهـوال يـوم شـره لـم يدفـع
فتعطفـوا وتلطفـوا وترفقــوا بمحبكم عند السحـاب إذا دعـي
صلى على أرواحكم ذو العرش ما أبكى الحيا ضحك البروق اللمـع
وهي طويلة. وله غير ذلك في المديح والمراثي.

توفي سنة ألف ومائتين وعشرين كما في التكملة. رحمه الله ورضي عنه بمنه وكرمه.

شهاب الدين بن أحمد بن ناصر بن حوزي بن لاوي بن حيدر بن الحسم الموسوي الحويزي، أبو معتوق:

كان فاضلا يضم إلى العلم الفضل الجم، ويضيف في شعره اللفظ السهل إلى المعنى الجزل، وكان أديبا يتاجر بسوق الرقيق شعره الحر، وينظم بالسلك الدقيق يتائم الدر، إلى انسجام ورقة ولطف، فمن شعره قوله رحمه الله:
قد براها للسرى جـذب براهـا فذراهـا يأكـل السيـر ذراهـا
ودعاها للحمى داعـي الهـوى فدعاها فالهـوى حيـث دعاهـا
يا لها مـن أحـرف مسطـورة تسبق الوحي إذ الحـادي تلاهـا
ترتمي شوقـا فلـولا ثقـل مـا في صدور الركب طارت في سراها
سحب صيف قد أيديها الحصـى برقها والرعد أصـوات رغاهـا
كلما حنـت لـأرض المنحنـى وكلاها قـرح الشـوق كلاهـا
ذات أنفـاس حـرار صيـرت فحمة الظلماء جمرا في لظاهـا
وهي طويلة وكلها على هذا النمط.

وقوله:
261
أتنكر بـأس أحـداق العـذارى أما تـدري بعربـدة السكـارى؟
وتغرم في القدود فهـل طعيـن هوى من قلبك الأسـل الحـرارا
وتفتنـك العيـون ومـا علمنـا جريحا قلبـه يهـوى الشغـارا
وتمسي في الذوائـب مستهامـا متى عشقت سلاسلها الأسـارى
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قصيدة أوله:
هذا العقيق وتلـك شـم رعانـه فامزج لجين الدمع من عقيانـه
يقول فيه:
يا للرفاق ومن لمهجـة مدنـف نيرانها نزعت شـوى سلوانـه
لم ألق قبل العشق نارا أحرثـت بشرا وحب المصطفـى بجنانـه
خير النبيين الـذي نطقـت بـه التوراة والإنجيـل قبـل أوانـه
المنطق الصخر الأصـم بكفـه والمخرس البلغـاء فـي تبيانـه
وهي طويلة.

وقصيدة في مدح علي عليه السلام أوله:
غربت منكم شمـوس التلاقـي فبـدت بعدهـا نجـوم المآقـي
يقول فيه:
يـا رعـى اللـه ليلـة ألبستنـا بعد قرط العتاب طـول العنـاق
فاقت الـدر زينـة مثلمـا قـد فـاق قـدر الوصـي بالآفـاق
سيد الأوصياء، مولـى البرايـا عروة الديـن، صفـوة الخلـاق
مهبط الوحي، معدن العلـم والأ فضال، لا بل مقـدر الـأرزاق
وهي أيضا طويلة.
262
وقصيدة في الحسن عليه السلام أوله:
هل المحـرم فاستهـل مكبـرا وانثر به دور الدموع على الثرى
يقول فيه:
قتل الحسين فيا لها مـن نكبـة أضحى لها الإسلام منهدم الذرى
قتـل يدلـك إنمـا سـر الفـدا في ذلك الذبـح العظيـم تأخـرا
رؤيا خليل اللـه فـي تعبـرت حقـا وتأويـل الكتـاب تفسـرا
رزء تدارك فيـه نفـس محمـد كـدرا وأبكـى قبـره والمنبـرا
وهي أيضا طويلة، وله غيرها كثيرا، وديوانه مطبوع فلا حاجة إلى النقل منه.

توفي ليلة الأحد لأرع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة ألف وثمانين بعلة الفالج عن عمر يناهز اثنين وستين رحمه الله.
263

حرف الصاد

الصادق بن إبراهيم بن يحيى العاملي:

أبو إبراهيم، وابن إبراهيم المتقدم الذكر.

كان فاضلا عالما أديبا شاعرا، له شعر حسن الطرز، قوي الأسر، بديع الأسلوب، فمنه قوله مشطرا قصيدة السيد علي بن السيد محمد أمين العاملي في مدح آل بيت النبوة عليهم السلام:
(سقى حيكم يا خيرة الله ديمـة) تغادى ترى تلك الرياش لبغياهـا
وحيت حماكم كـل آن غمامـة (من المزن تحذوها النعامى وترعاها)
(ولا زالت الأيام تهـدي إليكـم) نفايـس تسليماتهـا وعطاياهـا
وما انفكت الأقدار تسدي إليكـم (من العز والإقبال خير هداياها)
(أرشتم جناحي في ظلال رياضكم) وقد كنت مقصوص الجناح معناها
فطال جناحي حين رشتم بكسره (فطرف إلى الدار التي كنت أهواها)
(وكم اطلب المجد الأثيل برحلتي) ولا النفس عنهم رغبة كان مراها
وما كان للدنيا نوحي وهجرتـي (ولا طلبت نفسي غنى لا ولاجاها)
(ولكنما الأقدار تهتف بالنـوى) وتأتي على الحر الكريم رزاياها
وتجري على عكس المراد صروفها (فصبرا على تشتيتها وبلاياهـا)
(وإن زماني مولـع بانعكاسـه) فلا تستوي أحواله في براياهـا
وللدهـر فينـا عـادة مستمـرة (مقاديره تجري بـلا متمناهـا)
(فدعها إلى حكم الإلـه وأمـره) ففي يـده أنـى أراد لمجراهـا
وسلم له وهو الرحيـم أمورهـا (فيقضي كما شاء الحكيم قضاياها)
(وإن كنت في شك من الأمر فاجتهد) وأبصر إلى ما كان في بدأ مبداها
واعمل لدى تصريفها الفكر راعيا (وبادر إلى الآثار واحك حكاها)
264
(ألم تر أن الشمس وهي رفيعة) تصاب بكسف من يقبح مرآهـا
ومع ذا لعمري لا تزال على المدى (لتجري وأفلاك السما عكس مجراها)
(وأن رسول اللـه راح بنفسـه) حذار عليها مـن بـواد أعداهـا
وعاد حبيب اللـه إذ ذاك ذاهبـا (إلى الغار خوفا من قريش وأخفاها)
(وإن أميـر المؤمنيـن أقامـه) خليفته في الناس يقضي قضاياها
وأعلن في خـم لديهـم بنصـه (لأمته يـوم الغديـر يرعاهـا)
(فبخبخ كل منهم ثـم ضيعـوا) مقالته بالأمس من سوء تقواهـا
وما راقبوا فيه النبـي وخالفـوا (وصيته فيه وما خيف عقباهـا)
ثم استرسلا معا حتى قال:
(بني أحمد يا خيرة الله في الورى) وآيته الكبرى وحجـة مولاهـا
لأنتم ولاة الأمر خـزان علمـه (وعروته الوثقى وعلة مبداهـا)
(متى يظهر المهدي منكم محكما) فيشفي نفوسا شفها عظم برحاها
ويطلع نور الله بالحق صادعـا (فيأخذ أوتار لها عنـد أعداهـا)
(فيا رب عجل بالقيام لنصـره) وأور به زند الهدى وامح طغواها
واشف قلوبا مسها الوجد والأسى (وإلا فقربنـي إليـك بتقواهـا)
وهي طويلة، ومن شعره قوله في الحسين بن علي عليهما السلام:
يا راكبا بفلـي الفلـاة بحسـرة كالقوس بل كالسهم لا بل كالوتر
زيافة إن هجهج الحـادي بهـا زفت كما زف الظليـم إذا نفـر
عرج على شاطئ الفرات ميمما قبر الأغر أبي الميامين الغـرر
قبر ثوى فيه الحسيـن وحولـه أصحابه كالشهب ضمت بالقمـر
مولى دعوه إلى الهوان فهاجـه والليث إن أحرجتـه يومـا زأر
فانساب يختطف الطغاة ببـارق كالبرق يذهب بالقلوب وبالصبر
265
حتى هوى لو كان ذاك فحلقـت بالمجد عنقاء وطـارت بالأثـر
وتزلزل البيت الحرام وضعضعت شرفاته وتصدعت حجر الحجـر
صلى الإله على ثراك ولا تـزل روض حللت حماه مطلول الزهر
فلـأن بقيـت لأهديـن فرائـدا تزهى على العقيان فيه والـدور
وله رحمه الله غير هذا من الشعر فيهم وفي غيرهم.

توفي سنة ألف ومائتين ونيف وخمسين بطيبة من جبل عامل، ورثاه جماعة منهم الشيخ علي زيدان العاملي بقصيدة غراء أوله:
قفا نسقها منا الدموع السواكبـا مطالع للأقمار أضحت مغاربـا
يقول فيه:
سل الربع هل أقوى وهل أنشب الردى بناديـه أظفـار لـه ومخالبـا
شهدت لقد طارت بساكنه اللوى ولان برغم المجد للخطب خائبـا
ألحت عليه الحادثـات فغيبـت بساحته نجما من الفضـل ثاقبـا
فتى كان للعليـاء طـودا وذروة فجب الثرى منها سناما وغاربـا
ويقول فيها واصفا شعره:
فكم لك م غـر سـوار شـوارد تكاد لعمري أن تكـون كواكبـا
هي الزاد للسفر المقوض راحلا هي الفضل للراوي إذا قام خاطبا
إذا جلبت في الحي كانت عرائسا وإن سافرت في الركب كانت مواكبا
رعت روضة الآداب غناء غصنه فأرخت على الأيام منها الوائبـا
تسامت إلى أوج المعالي مغـذة كأن لها عنـد النجـوم مآربـا
غرائب لو كانت لهـن أقـارب لكانت لها زهر النجـوم أقاربـا
ولو كن عقيانـا لكـن فرائـدا ولو كن أترابـا لكـن كواعبـا
وهي طويلة جزيلة، ولحسنها ذكرت منها هذا القدر.
266

الصادق بن علي بن الحسين بن هاشم الأعرجي الحسيني النجفي الشهير بالفحام

كان فاضلا مشاركا في العلوم، تقيا ناسكا ذا كرامات، وكان أديبا شاعرا وله مطارحات مع السيد بحر العلوم وغيره من العلماء والأدباء، فمن شعره قوله رحمه الله:
وإني نبي الشعر كم لي معجـز تجلت به للمبصريـن الحقائـق
فدع ترهات ابن الحسين بمعزل وإن بدرت فيهن ضد الشقاشـق
فكم بين ما يأتي به الناس كاذب وكم بين ما يأتي به الناس صادق
فرد عليه محمد الرضا النحوي بقوله:
أرى بعض من قد جاوز الغاية ادعى نبوة شعر والدعـاوى شقاشـق
على المتنبي ظل يفخـر والـذي تأمل لا تخفـى عليـه الحقائـق
فكم مدع فضل النبـوة كـاذب ولا يدعيها بعد أحمـد صـادق
وقرئت له قصيدة في تعزية المهدي بحر العلوم بولده محمد، فلما وصل منشد القصيدة إلى هذا البيت، تنحنح محمد الرضا الأزري مشيرا إلى عدم ربط الصدر بالعجز فاستوقف السيد صادق القارئ وأنشد هكذ:
لا تتخذهــا موطنــا لينــا رب رمــاد تحتــه جمــر
ولا يغرنـــك إبهاجهــــا فالأســد الغضبــان يغتــر
فعجب من بديهته.

وله في الأئمة عليهم السلام من المدح والرثاء الكثير، فمن ذلك قوله في مدح الحجة، وأنا أكتبها بتشطير الشيخ محمد رضا النحوي وهو:
(أنخها فقد وافت بها الغاية القصوى) وطاب لها بعد النوى ذلك المثوى
267
نجائب لم ترفع يدا بعدما ثـوت (وألقت يديها في مرابع من تهوى)
(أتت بك تفري مهمها بعد مهمه) من الآل لم تلحظ طريقا به رهوى
وقد بسطت آمالها الغـر عندمـا (يظل بأيدينها بساط الفلا يطوى)
(يحركها الشوق الملح فتغتـدي) من الشوق سكرى دون ما سكرة النشوى
وكم جهزت جيش العزائم واغتدت (تشن على جيش الملا غارة شعوا)
(يعللها الحادي بحزوى ورامـة) وأعلام رضوى وهي ما ألفت رضوى
وما تيمتها عرب تيماء من هوى (وما هيجتها رامة لا ولا حزوى)
(ولكنها حنت إلى سر من رأى) ولا صبر للعاني المشوق ولا سلوى
دعاها إليها ما دعاها من الهوى (فجاءت كما شاء الهوى تسرع الخطوا)
(إلى روضة ساحاتها تنبت الرضا) ويدني جناها من يد المجتنى عفوا
وتنفخ بالهجران أنفاس زهرهـا (وتثمر للجانين أغصانها العفوا)
(إلى حضرة القدس التي قد تضمنت) مظاهر لطف الله تقوى بها التقوى
وقد فجرت فيها وقد أقلع الحيـا (بحور ندى منها عطاشا الورى تروى)
(فرزها ذليلا خاضعا متوسـلا) وناج بها من يسمع السر والنجوى
ولذ بحماها من أذى الدهر عائدا (بها مظهرا لله ثم لها الشكـوى)
(لتبلغ في الدنيا مرامـك كلـه) وتحظى كما شاء الرجاء بما تهوى
وتسعد فـي أولـاك أي سعـادة (وتأوي في الأخرى إلى جنة المأوى)
(عليها سلام مـا مـر ذكرهـا) رديفا لذكر الله في حمده تلـوى
وما نشرت في الفضل أخبار فضلها (وذلك منشور مدى الدهر لا يطوى)
ولها تشطير آخر للشيخ أحمد النحوي، أبي محمد الرضا المذكور، ولكنه دونه، وهو قوله:
(أنخها فقد وافت الغاية القصوى) وحلت محلا دونه جنة المـأوى
268
رأت ربع من تهوى فأرست خفافها (وألقت يديها في مرابع من تهوى)
(أتت بك تفري مهمها بعد مهمه) تجوب الفلا شوقا إلى ذلك المثوى
ومن فرط أشواق عليها قد انطوت (يظل بأيديها بساط الهوى يطوى)
#يحركها الشوق الملح فتغتـدي) تصول على الآفاق تقطعها عدوا
تجهز من جيش الغـرام كتائبـا (تشن على جيش الفلا غارة شعوا)
(يعللها الحادي بحزوى ورامـة) ورضوى وأوطان تماثلها رضوى
وما هاجها مغنى برضوى وغيرها (وما هيجتها رامة لا ولا حزوى)
(ولكنها ما حنت إلى سر من رأى) وهاجت بها أشواقها نحو من تهوى
دعاها الهوى إذ كان يعلم ما بها (فجاءت كما شاء الهوى تسرع الخطوا)
(إلى روضة ساحاتها تنبت الرضا) وتجري بها الأنهار للوفد بالجدوى
وأشجارها تحنو عليهـا بظلهـا (وتثمر للجانين أغصانها العفوا)
(إلى حضرة القدس التي قد تضمنت) قبورا بها يستدفع الضر والبلوى
وفيهـا كـرام لا تـزال أكفهـم (بحور ندى منها عطاشا الورى تروى)
(فزرها ذليلا خاضعا متوسـلا) إلى الله فيها راجيا منهم العفـوا
وسف تربها والثم ثراها ولذ ببـا (بها مظهرا لله ثم لها الشكـوى)
(لتبلغ في الدنيا مرامـك كلـه) وترجع مسرورا وتحظى بما تهوى
وتأمن في الدارين ممـا تخافـه (وتأتي في الأخرى إلى جنة المأوى)
(عليها سلام الله ما مر ذكرهـا) وما دامت الأخبار في فضلها تروى
وما دام في الآفاق ينشر فضلهـا (وذلك منشور مدى الدهر لا يطوى)
ومن شعره قوله في مديح الكاظميين عليهما السلام وقد صدر وعجز الأبيات السيد مهدي بحر العلوم وأنا أذكرها مع تشطيره قدس الله سره وهي:
(هما العلمان بالـزوراء لاحـا) وقد برح الخفـاء فـلا براحـا
269
وقـد لـاح الفلـاح لطالبيــه (فعج بالعيس واغتنـم الفلاحـا)
(على ربع يطيب لهـا مناخـا) إذا صـدرت غـدوا أو رواحـا
ويشفعهـا بعـل بعـد نهــل (إذا وردت ويسعفهـا مراحـا)
(على وادي طوى إذ نار موسى) كنـور محمـد مـلأ البطاحـا
إذا لاحـت بليـل مـن بعيــد (أعاد الليـل ثاقبهـا صباحـا)
(وإذ يقرى العفاة بهـا جـودا) يفوت البحـر جـودا والرياحـا
فتى مـا هـزه خطـب ولكـن (إذا سئل القرى اهتز ارتياحـا)
(فيقري ذا الضلال هدى ورشدا) وزذا الخسران فضلا وارتياحـا
وذا الإعسار يسرا بعـد عسـر (وذا الرشد الهدى طلقا مراحـا)
(سلالة سـادة سـادوا البرايـا) وعموا الخلق جـودا وامتياحـا
وجازوا في الفضائل من عداهم (جميعا من غدا منهـم وراحـا)
(نجوم للهـدى جبلـوا رشـادا) شموس للعلى ظهـرت صباحـا
جبـال للنهـى خلقـوا عمـادا (وسحب للندى جبلـوا سماحـا)
(هم راشوا المكـارم فاستقلـت) ولكن لـم تجـد عنهـم براحـا
وقد خفضت جناح الذل شكـرا (وقد كانت ولم تملـك جناحـا)
(فدن واخلع به النعلين واخضع) وارغم أنف من بالزور لاحـى
واقبـل تربـه والثــم ثــراه (وعفـر بالتـراب ولا جناحـا)
(وسل لمطالب الدارين نجحـا) تجد كـل النجـاح بـه مباحـا
وأمـا تخـش مـن رده فسلـه (بجاههما العظيم تـر النجاحـا)
انتهت نقلا من خط السيد بحر العلوم رحمه الله، وله ديوان شعر فيه مراث كثيرة ومدائح للأئمة عليهم السلام.

توفي سنة ألف ومائتين وخمس، ودفن بالنجف، وله تربة تزار، ورثاه جملة من
270
الشعراء منهم الشيخ مسلم بن عقيل بقصيدة آخره:
فذا حادث فيـه يقـول مـؤرخ (أسبى الحديث اليوم من رزء صادق)
ومنهم السيد أحمد العطار المتقدم الترجمة بقصيدة أوله:
أيـدوم فـي دار الفنـاء بقـاء أم هل يرام من الزمـان وفـاء
أم كيف يؤمن فتك دنيا لم تـزل تعفو بهـا السـادات والشرفـاء
ضحكت بوجهك فاغتررت وأنه لا شك ضحك منك واستهـزاء
أودى الدنى كانت بطلعة وجهـه تجلي الخطوب وتكشف الغمـاء
لم أنس إذ حمل الأعاظم نعشـه ولهـم هنالـك رنـة وبكــاء
وترجـل الكبـراء إجلـالا لـه ولمثلــه يترجــل الكبــراء
لو لم يكن تاجا لرأس الفخر مـا حملته فوق الـأرؤس الرؤسـاء
يا راحلا لم يرتحـل عنـا وإن خلت المـدارس منـه والانـداء
قد أظلمت سبل الرشاد وطالمـا كشفت بغـرة وجهـك الظلمـاء
وغداة عم مصابه أرخت: (قـد فدحت برزء الصادق العلمـاء)

ومنهم الشيخ محمد رضا النحوي، ومنهم الشيخ محمد علي الأعسم. الصادق بن محمد بن أحمد من آل أطميش الربعي، المعروف بالشيخ صادق أطميش:

كان فاضلا مشاركا في العلوم الآلية والدينية، وكان يسكن أطراف العمارة من البصرة، وكان أديبا شاعرا، فمن شعره قوله:
على جيرة لي بالغويـر تحيـة تروح على مر الدهور وتغتـدي
بلاني الهوى فيهم كأني عامـر وشوقي لهم شوق العميد المنكـد
ألام على فرط الغرام فهـل أرى مخفا من اللوام في الحب مسعـد
271
وقوله:
سأشكـو مـن لقائكـم القليـلا وأشكر مـن فراقكـم الطويـلا
إذا نهشت أفاعـي البيـن قلبـي جعلت دوائـه صبـرا جميـلا
وإن عبثـت بمهجتـي الرزايـا قمت بصدرهـا البـأس الثقيـلا
ومن شعره في المذهب قوله في حسينية أوله:
أرق بالطف وكف الدمع سكبـا فقد أمسـى بـه الإسلـام نهبـا
وقـد أورى زنـاد الكفـر فيـه بكـف أميـه قدحــا وثقبــا
غداة أقامـت الهيجـاء حـرب وآل أميـة بالطــف حربــا
رمت حزب الإله بـه وقـادت عليهم من بني الطلقـاء حزبـا
سطت فسطا أبو الأشبال فـردا كأحمد صولـة وعلـي ضربـا
متـى تهـزز جوانحـه عـداه تجد جأشا لـدى جنبيـه صلبـا
وإن حمي الوطيس لصـار فيـه جناحا من بنـي صخـر وقلبـا
وإن كدت عوادي الخيل أصمـى قريعا في رحى الهيجـاء قطبـا
بأبيض يخطف الأبصار مـاض صقيل لا يكل الضرب عضبـا
إلى أن خر فـي البيـدا طعينـا وعالج من زوام المـوت كربـا
وطبق خطبـه الآفـاق شجـوا وأظلـم يومـه شرقـا وغربـا
وأصبح صحبـه للبيـض لمـا أبيدوا في عراص الطـف نهبـا
وهي طويلة، وله غيرها.

توفي سنة ألف ومائتين وثمان وستين بالشطرة - نهر من الغراف - وحمل إلى النجف، فدفن بها، رحمه الله تعالى.

صالح بن درويش بن علي، المعروف بالشيخ صالح التميمي الكاظمي النجفي الحلي البغدادي:

272
أبو سعيد، الشاعر المشهور صيته:

كان فاضلا من بيت أدب وكمال، ربي في حجر جده الشيخ علي الزيني الشهير في مطارحة السيد بحر العلوم وغير من النجف.

ولد في الكاظميين ثم انتقل مع جده إلى النجف فأقام برهة، ثم سكن الحلة مع ذويه وبقي بها مدة حتى استقدمه والي بغداد الكبير داود باشا فسكنها، وكان سبب طلب داود باشا له، أن الشيخ موسى كاشف الغطاء كان في الحلة، فرحل عنها إلى النجف، فقال فيه الشيخ صالح المذكور:
بمن تفخر الفيحاء والفخر دأبهـا قديما وعنها سار موسى باهلـه
وخلفها من بعـد عـز ومنعـة تكابد كيـد السامـري وعجلـه
يعرض بسليمان السامري أغا الإربيلي عامل الحلة وداود باشا وزير بغداد، بلغت الوزير فاستقدمه وسأله عن السامري وعجله في البيتين فقال له:

ليس الأمر كما بلغك، وغنما البيتان هكذ:
زهت بأبـي داود حلـة بابـل وألبسهـا بالأمـن حلـة عدلـه
وكانت قديما قبل موسى وقبلـه تكابد كيـد السامـري وعجلـه
فعلم الوزير أنه ارتجلهما، فعجب من بداهته ورضي عنه واستبقاه لما عرف من حسن أدبه، وشدة عارضته، وحسن خطه، وكان حسن الشكل والهيئة والوقار والخط والعارضة.

ولما أرسل بطرس كرامة المسيحي الشاعر الشهير أبياتا خالية إلى داود باشا، طلب من الشيخ صالح معارضتها فأنف من ذلك، وكتب إليه قصيدة أوله:
عهدناك تعفو عن مسيء تعـذرا ألا فاعفنا عن رد شعر تنصـرا
وهل من مسيحي فصيـح نعـده إذا أينع الشعر الفصيح وأعشـرا
عداه شبيـب والأحـص وفاتـه من الرند والقيصوم ما كان أزهرا
273
دع الشانئ المخصوص بالنص إنما نـراه بميـدان البلاغـة أبتـرا
به سمة من صبغة الخال سودت بصيرته لو كان ممـن تبصـرا
وهي طويلة.

وكان المترجم لا يرى ثانيا لأبي تمام حتى أنه رثاه بقصيدة.

وكان كاتب إنشاء العربية لداود باشا ولعلي باشا بعده، حتى توفي.

وكان أديبا شاعرا، له ديوان كبير فمنه قوله في الغزل من قصيدة:
متى ماس غصن أو تغنت حمائمه جرى غير منزور من الدمع ساجمه
وما الشوق إلا جذوة يستثيرهـا هبوب غرام حين جدت سمائمـه
كتمت الهوى حتى أضر بي الهوى وأنفس شـيء للمهالـك كاتمـه
وعيش تقضى لي على السفح برهة ترحل عني واستقلـت رواسمـه
لهوت به دهرا وما حال دونـه هوى لائم والحب شتى لوائمـه
ومنه في المذهب قوله يمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
بماذا اعتذاري حين ألقاك في غد وقد خف ميزاني بما اكتسبت يدي
تصرم عمري والهوى يستفزني لطرف كحيل فوق خـد مـورد
أرى خير يومي الذي سمحت به يد الدهر يوما فزت فيه بموعدي
وثبت إلى اللذات وثبـة حـازم رمتـه أعاديـه بسهـم مسـدد
كأن بياضي في سواد صحيفتـي مجدا كما جـد الكريـم لسـؤدد
شرعت شعار المتقين مخادعـا أخا سفه في بردة الجهل يرتدي
وأنذرني الشيـب المفنـد للفتـى فلم يصغ سمعي للعذول المفنـد
وجزت حدود الله ستيـن حجـة سفاها وملكت الغوايـة مقـودي
ندمت وما تغني الندامـة بعدمـا دنا الحتف أو قامت على اليأس عودي
ولا ذخر إلا عفـو ربـي تمـده شفاعة خير المرسليـن محمـد
274
أبو القاسم النور المبين ومن بـه تشرف عدنان بأشـرف مولـد
نبي الهدى لولاه لم يعرف الهدى ولا لفظ توحيد بدا مـن موحـد
براه إله العرش من نور قدسـه وأودعه في صلب بدر وفرقـد
فكان خيارا من خيار فصاعـدا إلى آدم مـن سيـد بعـد سيـد
فهدم ما قد كـان غيـر مهـدم وشيد ما قد كـان غيـر مشيـد
وإيوان كسرى أنذر الفرس قائلا هوى ملك كسرى فاجزعي أو تجلدي
وعفى رسـوم الجاهليـة مثلمـا عفا رسم أطلـال ببرقـة ثهمـد
وأوضح نهج الحق بعد دروسـه وقامت قناة الدين بعـد التـأود
تدارك في عون من اللـه أمـة تموج بآذي من الشـرك مزبـد
عكوفا على أصنامهم يعبدونهـا جهارا فيا تبـا لـه مـن تعبـد
يدعهـم شيطانهـم بضلالــة ويوردهم من كيده شـر مـورد
فانذرهم في معجـزات ضاؤهـا يسير بها الساري بليل ويهتـدي
عيانا كتظليل الغمامة والحصـى وتسبيحه وانظر لشـاة أم معبـد
وقل في حنين الجذع ما شئت واعتبر بمعراجه واقصر خطابك أو زد
فأول من زاغت عن الحق واعتدت عليه قريش وامتطت ظهر أجرد
فهاجر من بيت الإلـه ليثـرب بكل كمي مثـل عضـب مهنـد
تحف به مثل النجـوم عصابـة بطاعة مولاها تـروح وتغتـدي
وأومي لأنصـار فدتـه بأنفـس فيا نعم مفدو ويا نعـم مفتـدي
رجال يذمون الحروب إذا قضت إلى السلم إذ ليست عليهم بسرمد
فكم يوم بدر صال بدر وأشرقت بوارقه مـا بيـن هـام وأكبـد
فسل عنهم أهل القليب فكم ثوى بأرجائه من ملحد غيـر ملحـد
فيا راكبا يطوي الفلـاة بجسـرة من البرق تطوي فدفدا بعد فدفد
275
إذا أنت شارفت المدينة فابلغـن تحيـة ملهـوف لأكـرم منجـد
وقل يا شفيع المذنبيـن استغاثـة وشكوى أتت من عبد رق لسيـد
ألا يا رسول الله دعوة صـارخ وندبـة عـان بالذنـوب مقيـد
ألا يا رسول الله دعوة ضـارع فكن سامعا شكواه يا خير منجـد
ألا يا رسول الله دعـوة خائـف صروف الردى فانظر لشمل مبدد
كليب يغيث المستجير فكيف من بمولى كليب غوث كل مصفـد
يلوذ فهل يخشى من الدهر غارة ويحذر من خطب من الدهر أنكد
عليك سلام الله يا خير من مشى على الأرض ما راعى الكواكب مهتدي
وله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:
غاية المدح فـي علـاك ابتـداء ليت شعري ما تصنع الشعـراء
يا أخا المصطفى وخير ابن عـم وأميـر إن عــدت الأمــراء
ما نرى ما استطـال إلا تناهـى ومعاليـك مـا لهـن انتهــاء
فلـك دائـر إذا غـاب جـزء من نواحيـه أشرقـت أجـزاء
أو كبـدر مـا يعتريـه خفـاء من غمـام إلا عـراه انجـلاء
يرهب البحر صولة الجزر لكـن غـارة المـد غـارة شعــواء
رب رمل عالج يـوم يحصـى لم يضق في رمالـه الإحصـاء
وتضيق الأرقام عن معجـزات لك يـا مـن ردت إليـه ذكـاء
يا صراطا إلى الهدى مستقيمـا وبـه جـاء للصـدور الشفـاء
بنـى الديـن فاستقـام ولـولا ضرب ماضيك ما استقام البنـاء
أنـت للحـق سلـم مـا لـراق يتأنــى بغيــره الارتقــاء
أنـت هـارون الكليـم محـلا من نبـي سمـت بـه الأنبيـاء
أنت ثاني ذوي الكسا ولعمـري أشرف الخلق من حواه الكسـاء
276
ولقـد كنـت والسمـاء دخـان مـا بهـا فرقـد ولا جــوزاء
في دجى بحر قدرة بين بـردي صدف فيـه للوجـود الضيـاء
لا الخلا يـوم ذاك فيـه خـلاء فيسمـى ولا المــلاء مــلاء
قال زورا من قـال ذلـك زور وافترى من يقـول ذاك افتـراء
آية فـي القديـم صنـع قديـم قاهر قـادر علـى مـا يشـاء
نبـأ والعظيـم قـال عظيــم ويل قـوم لـم تغنهـا الأنبـاء
لم تكن في العموم من عالم الذر وينهـى عـن العمـوم الهنـاء
معدن الناس كلها الأرض لكـن أنت من جوهر وهـم حصبـاء
لا تفيد الثريـا حـروف الثريـا رفعـة أو يعمــه استعــلاء
شبه الشكل ليس يقضي استـواء إنمـا فـي الحقائـق الاستـواء
شمل الروح مـن نسيمـه روح حيـن مـن ربـه أتـاه النـداء
قائلا مـن أنـا فـروى قليـلا وهـو لولـاك فاتـه الاهتـداء
ولـك اسـم رآه خيـر البرايـا مـذ تدلـى وضمـه الإسـراء
خط نحو اسمـه العـرش قدمـا في زمان لم تعـرض الأسمـاء
ثم لاح الصباح من غيـر شـك وبـدا سرهـا وزال الغطــاء
وبـر اللـه آدم مـن تــراب ثـم كانـت مـن آدم حــواء
شرف الله فيـك صلبـا فصلبـا أزكيــاء نمتهــم أزكيــاء
فكأن الأصلاب كانـت بروجـا ومن الشمـس عمهـن البهـاء
لـم تلـد هاشميــة هاشميــا كعلــي وكلهــم نجبـــاء
وضعتـه ببطــن أول بيــت ذاك بيـت بفخـره الاكتفــاء
أمـر النـاس بالمـودة لكــن منهم أحسنـوا ومنهـم أسـاؤوا
يا ابن عم النبـي ليـس ودادي بـوداد يكـون فيـه الريــاء
277
فالورى فيك بين غـال وقـال وموال وذو الصـواب الـولاء
وولائي إن بحـت فيـه بشـيء فبنفســي تخلفــت أشيــاء
أتقـي ملحـدا وأخشـى عـدوا يتمـارى ومذهبــي الإتقــاء
وفـرارا مـن نسبــة لغلــو إنمـا الكفـر والغلـو ســواء
كقريش وكفرهـا ليـس ينسـى أبـدا مـا تعنــت الورقــاء
باعدوا المصطفى على القرب منه أي خطـب أقــارب أعــداء
ذا مبيت الفـراش يـوم قريـش كفـراش وأنـت فيـه ضيـاء
فكأنـي أرى الصناديـد منهـم وبأيديهـم سيــوف ظمــاء
صاديات إلـى دم هـو للمـاء طهـور ولـو غيرتـه الدمـاء
دم من ساد في الأنـام جميعـا ولديـه أحرارهــا أدعيــاء
قصرت مذ رأوك منهم خطاهـم ولديهـم أحرارهــا أدعيــاء
شكر الله منـك سعيـا عظيمـا قصرت عـن بلوغـه الأتقيـاء
ورجـال قـد أذنـت بسجـود ليعـوق ونسرهـم ثـم فــاؤا
عميت أعين عن الرشـد منهـم وبـذات الفقـار زال العمــاء
يستغيثون فـي يغـوث إلـى أن منك قد حل في يغوث القضـاء
لك طول علـى قريـش بيـوم فيـه طـول وريحـه نكبــاء
كم رجال أطلقتهـم بعـد أسـر أشنـع الأسـر أنهـم طلقــاء
إن تزويــج فاطــم بعلــي هو من فاطـر السمـاء ابتـداء
أمـر اللـه جبرئيـل أن اهبـط لحبيبـي ولتهبــط الســراء
وليزوج شمـس الفخـار ببـدر يخجل البـدر نـوره والسنـاء
لـو بأرحامهـم فتـى كعلــي أو كمـن أرضعتهمـا الزهـراء
لدعاهم مذ باهل القـوم جهـرا وهل الصبـح يعتريـه الخفـاء
278
يردع الخصـم شاهـدان حنيـن بعد بدر لو قـال هـذا ادعـاء
إن يـوم النفيـر والعيـر يـوم هو فـي الدهـر رايـة ولـواء
أرغم اللـه فيـه أنـف قريـش وأبـى الملحديـن ذاك الإبــاء
سل وليدا وعتبـة مـا دعاهـم لفنـاء عـدا عليــه الفنــاء
لا تسـل شيبـة فقـد أسكرتـه نشـوة كرمهـا القنـا والظبـاء
مذ دعوا للنزال أنصار صـدق زان فيهـم عفافهـم والحيــاء
برز الـأوس نحوهـم فأجابـوا لا حيـاء فلتبــرز الأكفــاء
ثـم أسكنتهـم بقعـر قليــب بعدما عنهـم يضيـق الفضـاء
وحنين وقد شكـت ثقـل حمـل مذ وطاهـا حسامـك الغبـراء
حل في بطنها من الشرك رهـط حاربوا المصطفى وبالإثم بـاؤوا
ليس إلا مخاضهـا يـوم حشـر يوم لم تعرف المخاض النسـاء
أحد قـد أرتـك أثبـت منهـم يوم ضاقت مـن القنـا البيـداء
يوم حاطت ليوث قحطان رعبـا وبلاء الأصحـاب ذاك البـلاء
وخبـت جمـرة لعبـد منـاف صح من حرها الهدى والسنـاء
أنا لا أنس إن نسيـت الرزايـا كبـدا فلــذه لهنــد غــذاء
كم شرقتم من آل حرب بحـرب وإلـى اللـه ترجـع الخصمـاء
ليس خطبا بل كان أعظم خطب كسر سن لهـا النفـوس فـداء
فر من فـر والمنـادي ينـادي أثر مـن لا بسمعهـم إصغـاء
كل هذا وأنـت تبـري نفوسـا هم لمن حل في الصفا رؤسـاء
ولصبـر صبرتــه ولعــبء قـد تحملتـه أتلــك النــداء
لا فتـى فـي الأنـام إلا علـي وكـذا السيـف عمـه استثنـاء
ثم في فتح خيبـر نلـت فخـرا شاهـد الفخـر رايـة بيضـاء
279
أعطيت ذا بسالـة حبـاه اللـه يمينا مـا فـوق هـذا عطـاء
فسقى مرحبـا بكـأس ابـن ود مسكرا عنه تقصـر الصهبـاء
ودحـا بـاب خيبـر بيميــن هـي للديـن عصمـة ورقـاء
قال لما شكت مواضيـه سغبـا تلك أم القـرى وفيهـا القـراء
جاء نصر الإله في ذلك اليـوم وبالفتــح تمــت النعمــاء
وحديـث الغديـر فيـه بلــاغ فـي معانيـه حـارت الـآراء
هبـط الـروح مستقـلا بأمـر مـن مليـك آلــاؤه الــآلاء
بهجيـر مـن الفـلا وهجيــر محـرق منـه تفـزع الحربـاء
قـال بلـغ مـا انـزل فيمـن تشكر الأرض فضلـه والسمـاء
فأنـاخ الركـاب بيـن بطـاح لم يحم حولهـا الكـلا والمـاء
ثم نادى أكـرم بـه مـن منـاد حـان فـرض وللفـروض أداء
فاستداروا مـن حولـه كنجـوم حول بدر تجلـى بـه الظلمـاء
فبدا منه مـا بـدا فيـك مـدح فتخـت منـه فتنـة صمــاء
هو حكـم لكنـه غيـر مـاض رب حكم قـد خانـه الإمضـاء
إنمـا المصطفـى دينـة علـم بابهـا أنـت والـورى العلمـاء
أنت فصل الخطاب حين القضايا علـم فيـك تقتـدي العلمــاء
وفصيـح كـل الأنـام لديــه بعـد طـه فصيحهـم فأفــاء
ليـس إلـاك للفصاحـة نهـج وعلـى النهـج تسلـك البلغـاء
ثم لما هنالـك انقطـع الوحـي وفـي الخافقيـن قـام العـزاء
وبكــت فاطــم لفقــد أب الكل فأشجى القلوب ذاك البكـاء
واستقامت نيفا وعشرين عامـا مقلة الديـن لـم يصبهـا قـذاء
سار فيها النور المبيـن بهـدي وعلى هديـه مضـى الخلفـاء
280
قل لمن قال بينهم كـان شـيء قـال رب هـم بينهـم رحمـاء
ذا اعتقادي ومن يقل غير هـذا إننـي والإلـه منــه بــراء
مـذ ترديـت بالخلافـة أورى نارهم في القلـوب ذاك الـرداء
يوم غصت فيحاؤهـم بخميـس زال فيه عن القلـوب الصـداء
أصبحت ضبة كإعجـاز نخـل حان فيها عنـد اللقـاء البقـاء
وأبيحـت أرواحهـم ودماهــم وأصيبـت أموالهـم والنســاء
وبصفيـن وقعـة مـا علمنـا أنتج الرحـب مثلهـا والوغـاء
يوم وافت كتائب الشـام تتـرى حميـر والسكاسـك السفهــاء
قادهم ذو الكلاع في يـوم بـدر مقلمـا قـاد ذا الكلـاع البغـاء
لخميس فـي قلبـه أسـد اللـه وخيـل مـن فوقهـا أصفيـاء
ركـع سجـد إذا جـن ليــل حلفـاء مـع الوغـى أصدقـاء
عالجـوا الشـام بالقنـا لسقـام حـل فيـه والـداء ذاك الـداء
إن تسل عن مصاحف رفعوهـا هو مكـر عـن الكفـاح وقـاء
شبهات كفى بهـا قتـل عمـار بيانـا لــو أنهــم عقــلاء
ولردوا تحكيمهـا لسـوى مـن حكمـوه لـو أنهــم أمنــاء
وتميـم شيطانهـم قـد دعاهـم فأجابـوا ومـا عراهـم بطـاء
سكنو النهروان يا بئـس مثـوى وغدا في لظـى يطـول الثـواء
قد تجرعت صابهـا لا لشـوق حركتـه البيضـاء والصفـراء
يـوم طلقتهـا فسامتـك لدغـا وهي أفعى يعـز فيهـا الرقـاء
قلدت كلب ملجم سيـف غـدر قـد سقتـه زعافهـا الرقشـاء
ما عرا الدين مثل يومك خطـب مدلهــم ونكبــة دهيـــاء
ثـم كـر البــلا وأي بــلاء مستطيـل أتـت بـه كربـلاء
281
وحريم قد سلبـت بعـد صـون ثم سارت ما سـارت الأسـراء
يوم باتت تبكي السمـاء عليهـم بدمـاء وهـل يفيـد البكــاء
أهل بيت قد أذهب اللـه عنهـم كـل رجـس تحفـه الأسـواء
قاتلوهم قتـال مـا لهـم يثبـت فيــه للأمهــات الزنـــاء
أيها الراكـب المهجـر يحـدو يعملـات مـا مسهـا الإنضـاء
يمم الركب للغري ففيه بحر جود وروضة غناء
ثم قم في مقام من مسه الضـر وغـاداه كـل يــوم عنــاء
وأذل عبـرة كصـوب سحـاب هطلـت عنـه ديمـة وطفـاء
والتثم تربـه وقـل يـا غياثـي ورجائي إن خاب مني الرجـاء
إن أتتكـم هديـة مثـل قـدري فبمقداركـم سيأتـي الجــزاء
نجزت بتمامها ولم أطل بذكرها إلا لقلة وجودها، حتى أن عبد الباقي العمري لم يعثر عليها تامة فخمس ما حصله من أوائلها.

وللمترجم شعر كثير في الأئمة عليهم السلام من مدائح ومراث، فمن مشاهير مراثيه قوله:
أما آن تركي موبقـات الجرائـم وتنزيه نفس عن غـوي وآثـم
فأجعـل للـه العظيـم وسيلـة بها لي خلاص من ذنوب عظائم
واختـم أيامـي بتوبـة تائـب يذود بهـا عقبـى ندامـة نـادم
ومن لم يلم يوما على السوء نفسه فلم تغنـه يومـا ملامـة لائـم
على أنني مستمطر غر صيـب من العفو يهمي من غزير المكارم
فكم بين منقاد إلـى شـر ظالـم منيبا ومنقاد إلـى خيـر راحـم
فإن كنت ممن لا يفـيء لتوبـة ولا لطريق الرشد بومـا بشائـم
سأمحو بدمعي في قتيل محـرم صحائف قد سودتهـا بالمحـارم
282
قتيل تعفـى كـل رزء ورزئـه جديد على الأيام سامي المعالـم
قتيل بكاه المصطفى وابن عمـه علي وأجرى من دم دمع فاطـم
وقل بقتيل قد بكته السماء دمـا عبيطا فما شأن الدموع السواجم
وناحت عليـه حتـى بـدا لهـا حنين تحاكيـه رعـود الغنائـم
إذا ما سقى الله البلاد فلا سقـى معاهد كوفـان بنـود المـرازم
أتت كتبهم فـي طيهـن كتائـب وما رقمـت إلا بسـم الأراقـم
لخير إمام قام بالأمـر فانبـرت له عزمات أقعـدت كـل قائـم
إذا ذكرت للطفل حـل برأسـه بياض مشيب قبل حـل التمائـم
إن أقدم إلينا بابن أكرم من مشى على قدم من عربها والأعاجـم
فكم لك أنصارا لدينـا وشيعـة رجالا كراما فوق خيـل كرائـم
فودع مأمون الرسالة وامتطـى متون المراسيل الهجان الروائـم
وجشمها نجـد العـراق تحفـه مصاليت حرب من ذؤابة هاشـم
قساورة يـوم القـراع رماحهـم كفلن أرزاق النسـور القشاعـم
مقلدة مـن عزمهـا بصـورام لدى الروغ أمضى من حدود الصوارم
أشد نزالا من ليـوث ضراغـم وأجرى نوالا من بحور خضارم
وأزهر وجوها من بدور كوامـل وأوفى ذماما من وفـي الذمائـم
يلبون من للحرب غير محـارب كما أنـه للسلـم غيـر مسالـم
كمي ينحيه عن الضيم معطـس عليه إباء الضيم ضربـة لـازم
ومذ أخذت من نينوى منهم النوى ولاح بها الغدر بعـض العلائـم
غدا ضاحكا هـذا وذا مبتسمـا سرورا وما ثغر المنون بباسـم
وما سمعت أذني من الناس ذاهبا إلى الموت تعلوه مسـرة قـادم
كأنهم يـوم الطفـوف وللظبـا هنالك شغل شاغـل بالجماجـم
283
أجادل عائـت بالبغـاث وإنهـا أشد انقضاضا من نجوم رواجـم
لقد صبروا صبر الكرام وقد قضوا على رغبة منهم حقوق المكـارم
إلى أن غدت أشلاؤهم في عراصها كأشلاء قيس بين تبنى وجاسـم
فلهفي لمولاي الحسين وقد غـدا وحيدا فريدا في وطيس الملاحم
يرى قومه صرعى وينظر نسوة تجلببن جلبـاب البكـا والمآتـم
هناك انقضى عضبا من الحزم قاطعا وتلك حروب لم تدع حزم حازم
أرى طيب خيم المرء أعدل شاهد على أصله في طيب خيم الجرائم
أبوه علي أثبت الناس في الوغى وأشجع ممن جاء من صلب آدم
يكر عليهم مثلمـا كـر حيـدر على أهل بدر والنفير المزاحـم
ولمـا أراد اللـه إنفـاذ أمـره بأطوع منقاد إلى حكـم حاكـم
أتيـح لـه سهـم تبـوء نحـره تبوء نحري ليتـه وغلاصمـي
فهدت عروش الدين وانطمس الهدى وأصبح ركن الدين واهي الدعائم
وهي طويلة.

وله في العباس والشهداء قصائد محفوظة.

ولد في الكاظميين سنة ألف ومائتين وثماني عشر، ثم تنقل كما قدمناه.

وتوفي في بغداد يوم الخميس بعد الظهر لأربع عشر ليلة بقيت من شعبان سنة ألف ومائتين وإحدى وستين، ودفن بالكاظميين، رحمه الله ورضي عنه بمنه.

الصالح بن عبد الوهاب بن العرندس الحلي المعروف بابن العرندس:

كان عالما فاضلا مشاركا في العلوم، تقيا ناسكا، لم أعثر له إلا على مدائح ومراثي للأئمة الأطهار عليهم السلام، وله قصيدة رائية يقال أنها لم تقرأ في
284
مجلس إلا وحضره الغائب عليه السلام، أذكر هذا عن سماع وكتابة في جملة من الكتب المجموعة في أحوال أهل البيت، فإذن هي الجديرة بالذكر، فأولها قوله:
طوايا نظام في الزمان لها نثـر يعطرها من طيب ذكركم نشـر
قصائد ما خابت لهـن مقاصـد بواطنها حمد ظواهرهـا شكـر
مطالعها تحكي النجـوم طوالعـا فأخلاقها زهر وأنوارهـا زهـر
عرائس تجلي حين تجلي قلوبنـا أكاليلهـا در، وتيجانهـا تبــر
حسان لها (حسان) بالفضل شاهد على وجهها تبريزان بها التبـر
أنظمها نظم اللئالي وأسهر الليـا لي ليحيى لي بهـا وبكـم ذكـر
فيا ساكني أرض الطفوف عليكم سلام محب ما له عنكـم صبـر
نشرت دواوين الثنا بعـد طيهـا وفي كل طرس من مديحي لكم سطر
فطابق شعري فيكم دمع ناظري فسر غرامي شائع فيكـم جهـر
لئالي نظامي في عقيق مدامعـي فمبيض ذا نظم ومحمر ذا نثـر
فـلا تتهمونـي بالسلـو فإنمـا مواعيد سلواني وحقكم الحشـر
فذلي بكم عز وفقري بكم غنـى وعسري بكم يسر وكسري بكم جبر
تروق بروق السحب لي من دياركم فينهل من دمعي لبارقها القطـر
فعيناي كالخنساء تجري دموعها وقلبي شديد في محبتكم صخـر
وقفت على الدار التي كنتم بهـا فمغناكم من بعد معناكـم فقفـر
وقد درست منها الدروس وطالما بها درس العلم الإلهـي والذكـر
وسالت عليها من دموعي سحائب إلى أن تروى البان بالدمع والسدر
فراق فراق الروح لي بعد بعدكم ودار برسم الدار في خاطري الفكر
وقد أقلعت عنها السحاب ولم تجد ولا در من بعد الحسين لهـا در
إمام الهدى سبط النبوة والـد الأ ئمة رب النهى مولى له الأمـر
285
إمام أبوه المرتضى علم الهـدى وصي رسول الله والصنو والصهر
إمام بكته الإنس والجن والسمـا ووحش الفلا والطر والبر والبحر
له القبة البيضا بالطف لم تـزل تطوف بها طوعا ملائكـة غـر
وفيه رسول الـه قـال وقولـه صحيح صريح ليس في ذلكم نكر
حبي بثلاث مـا أحـاط بمثلهـا ولي فما زيد بها الداعي إذا مسه الضر
وذريـة دريـة منـه تسعــة أئمة حـق لا ثمـان ولا عشـر
أيقتل ظمآنـا حسيـن بكربـلا وفي كل عضو من أنامله بحـر
ووالد الساقي على الحوض في غد وفاطمة ماء الفرات لهـا مهـر
فوا لهف نفسي للحسين وما جنى عليه غداة الطف في حربه الشمر
رمـاه بجيـش كالظلـام قسيـه الأهلة والخرصان أنجمه الزهـر
لراياتهم نصب وسيافهـا جـزم وللنقع رفع والرماح لهـا جـر
تجمع فيهـا مـن طغـاة أميـة عصابة غدر لا يقوم لها عـذر
وأرسلها الطاغي يزيـد ليملـك العراق وما أغنته شام ولا مصر
وشد لهـم أزرا سليـل زيادهـا فحل به من شد أزرهـم الـوزر
وأمر فيهم نجـل سعـد لنحسـه فما طال في (الري) اللعين له عمر
فلما التقى الجمعان في أرض كربلا تباعد فعلا الخير واقترب الشـر
فحاطوا به في عشر شهر محرم وبيض المواضي في الأكف لها شهر
فقام الفتى لما تشاجـرت القنـا وصال وقد أودى بمهجته الحـر
وجال بطرف في المجال كأنـه دجى الليل في لألاء غرته الفجر
له أربـع للريـح فيهـن أربـع لقد زانه كر، وما شانـه الفـر
ففرق جمع القوم حتـى كأنهـم طيور بغاث، شت شملهم الصقر
فأذكرهم ليل الهرير فأجمع الكلاب على الليث الهزبر وقـد هـروا
286
هناك فداه الصالحـون بأنفـس يضاعف في يوم الحساب لها الأجر
وحادوا عن الكفار طوعا لنصره وجاد له بالنفس من سعده (الحر)
ومـدوا إليـه ذبـلا سمهريـة لطول حياة السبط في مدها جزر
فغادره في مارق الحرب مـارق بسهم لنحر السبط من وقعه نحر
فمال عن الطرف الجواد أخو الندى الجواد قتيلا حوله يصهل المهر
سنان ((سنان)) خارق منه في الحشا وصارم ((شمر)) في الوريد له شمر
تجر عليه العاصفـات ذيولهـا ومن نسج أيدي الصافنات له طمر
فرجت له السبع الطباق وزلزلت رواسي جبال الأرض والتطم البحر
فيالك مقتولا بكته السمـاء دمـا فمغبر وجه الأرض بالدم محمر
ملابسه في الحرب حمر من الدما وهن غداة الحشر من سندس خضر
فلهفي لزين العابدين وقد سـرى أسيرا عليلا لا يفـك لـه أسـر
وآل رسول الله تسبـى نساؤهـم ومن حولهن الستر يهتك والخدر
سبايا بأكوار المطايـا حواسـرا يلاحظهن العبد في الناس والحر
ورملة في ظل القصور مصونة يناط على أقراطها الدر والتبـر
فويل يزيد مـن عـذاب جهنـم إذا أقبلت في الحشر فاطمة الطهر
ملا بسها ثوب من السـم أسـود وآخر قان من دم السبط محمـر
تنادي وأبصار الأنام شواخـص وفي كل قلب من مهابتها ذعـر
وتشكو إلى الله العـي وصوتهـا علي مولانا علـي لهـا ظهـر
فلا ينطق الطاغي يزيد بما جنى وأنى له عذر ومن شأنه الغـدر
فيؤخذ منه بالقصـاص فيحـرم النعيم ويخلى في الجيم له قصير
ويشدو له الشادي فيطربه العنـا وتصحيف ذاك الخمر في قلبه الجمر
أيقرع جهلا ثغر سبـط محمـد وصاحب ذاك الثغر يحمى به الثغر
287
فليس لأخـذ الثـأر إلا خليفـة يكون لكسر الدين من عدله جبر
تحف به الأملاك من كل جانب ويقدمه الإقبال والعز والنصـر
عوامله في الدار عين شـوارع وحاجبه عيسى وناظره الخضـر
تضللـه حقـا غمامـة جــده إذا ما ملوك الصيد ظللها الحبـر
محيط على علم النبـوة صـدره فطوبى لعلم ضمه ذلك الصـدر
هو ابن الإمام العسكري محمـد التقي النقي الطاهر العلم الحبـر
سليل علي الهادي ونجل محمد الجواد ومن في أرض طوس لـه قبـر
علي الرضا وهو ابن موسى الذي قضى ففاح على بغداد من نشره عطر
وصادق وعد أنه نجل صـادق إمام به في العلم يفتخـر الفخـر
وبهجة مولانـا الإمـام محمـد إمام لعلـم الأنبيـاء لـه بقـر
سلالة زين العابدين الذين بكـى فمن دمعه يبس الأعاشب مخضر
له الحسن المسموم عم فحبذا الإما م الذي عم الورى جوده الغمـر
سمي رسول اللـه وارث علمـه إمام على آبائـه نـزل الذكـر
هم النور نور الله جـل جلالـه هم التين والزيتون والشفع والوتر
مهابط وحي الله خـزان علمـه ميامين في أبياتهم نـزل الذكـر
وأسماؤهم مكتوبة فوق عرشـه ومكنونة من قبل أن يخلق الـذر
ولولاهم لم يخلـق اللـه آدمـا ولا كان زيد في الأنام ولا عمرو
ولا سطحت أرض ولا رفعت سما ولا طلعت شمس ولا أشرق البدر
ونوح به الفلك لمـا دعـا نجـا وغيض به طوفانه وقضى الأمر
ولولاهم نار الخليل لمـا غـدت سلاما وبردا وانطفى ذلك الجمر
ولولاهم يعقوب ما زال حزنـه ولا كان عن أيوب ينكشف الضر
ولأن (لـداود) الحديـد بسرهـم فقدر في سرد يحار بـه الفكـر
288
ولما (سليمان) البساط به سـرى أسيلت له عين يغيض بها القطر
وسخرت الريح الرخـاء بأمـره فغدوتها شهر وروحتهـا شهـر
وهم سر موسى والعصا عندما عصى أوامره فرعون والتقف السحـر
ولولاهم ما كان عسى ابن مريم لعازر من طي اللحود له نشـر
سرى سرهم في الكائنات وفضلهم وكل نبي فيه من سرهـم سـر
علا بهم قدري وفخري بهم غلا ولولاهم ما كان في الناس لي ذكر
مصابكم يـا آل طـه مصيبـة ورزء على الإسلام أحدثه الكفر
سأندبكم يا عدتي عنـد شدتـي وأبكيكم حزنا إذا أقبـل العشـر
وأبكيكم ما دمت حيا فإن أمـت ستبكيكم بعدي المراثي والشعـر
عرائس فكر الصالح ابن عرندس قبولكم يـا آل طـه لهـا مهـر
وكيف يحيط الواصفون بمدحكم وفي مدح آيات الكتاب لكم ذكر
ومولدكم بطحاء مكـة والصفـا وزمزم والبيت المحرم والحجـر
جعلتكم يـوم المعـاد وسيلتـي فطوبى لمن أمسى وأنتم له ذخر
سيبلى الجديدان الجديـد وحبكـم جديد بقلبي ليس يخلقـه الدهـر
عليكم سلام الله ما لـاح بـارق وحلت عقود المزن وانتشر القطر
نجزت، وله في الأئمة عليهم السلام غيرها شعر كثير.

توفي حدود الثمانمائة وأربعين تقريبا بالحلة، ودفن فيها، وله قبر يزار ويتبرك به، رحمه الله.

صالح بن قاسم بن محمد بن أحمد الحويزي النجفي الشهير بصالح حجي:

كان فاضلا أديبا مشاركا في العلوم الآلية والدينية، وكان شاعرا له مطارحات مع
289
أدباء عصره، ومدائح ومراثي فيهم، وشعره في الطبقة الوسطى، فمنه قوله رحمه الله ماست فازرت بالغصون الميس وأتتك تخطر في غلالة سنـدس وأتتك في جنـح الظلـام كأنهـا شمس تجلت في دياجي الحندس أرجت برياها الصبـا وتنفسـت أنفاسها والصبـح لـم يتنفـس يا طيب ليلتنا بمنعـرج اللـوى ومبيتنا فوق الكثيـب الأوعـس والليـل يكتـم سرنـا ونجومـه ترنو إلينـا عـن لحـاظ نعـس وسنا المجرة في السمـاء كأنـه نهر تدفق في حديقـة نرجـس باتت تدير علـي مـن ألفاظهـا كأسا وأخرى من لماها الألعـس حتى إذا راق النسيـم وأخفقـت من أفق مجلسنا نجوم الأكـؤس قالت وقد عانقت معطف قدهـا ضاق الخناق من العناق فنفـس ثم انثنت نحو الغـرام مروعـة في هيئـة المتوحـش المتأنـس وقوله:
أخيالـك يعلـم يــوم ســرا كـم مـن كبـد منـا أســرا
وافــر فوفــى بمواعــده سحـرا لكـن عقلـي سحــرا
قمـر منــي فلبــى قمــرا أفـدي قمـرا فلبــى قمــرا
مـن لــي باغــن أسائلــه أأراك يجيـب فلسـت تــرى
فسلـــوه أدرى بمتيمــــه ملقـى أم لـم يـك فيـه درى
وهي طويلة تناهز الثلاثين. ومن شعره في المذهب قوله:
يا نبـي الهـدى ومـا الأنبيـاء منطك إلا أرض وأنـت سمـاء
إنمـا الأنبيـاء مبـدأ فيــض ولـك الابتــداء والانتهــاء
290
بل باسمك سبحوا الله في الـذر وفي البعث في صفاتك جـاءوا
عرفوا منك بعض معنى فتاهـوا فيه لو لـم يكـن بـه الاهتـداء
فإذا كان حالهـم ذا فمـا حـل سواهـم ومـا هــم أبيــاء
غير أني أقول إنك بـاب اللـه فيــه الســراء والضــراء
وقوله من قصيدة طويلة أوله:
مالي ولـي قلـب بهـا مبتـول ودم بصـارم لحظهـا مطلـول
أشكو فتمنعنـي فأشكـر فعلهـا وتميل بي فأميل حيـث تميـل
فكأنمـا هـي بالجمـال بثينـة وكأنمـا أنـا بالغـرام جميـل
يقول فيه:
بانوا فلا العيش الهنـي لبينهـم عندي ولا الصبر الجميل جميـل
فعليهــم منــي وإن هـــم منعوا سلامـي والسلـام قليـل
فصلوا فما أنا غير ظل بعدكـم والظل يعـرض تـارة ويـزول
لكـن أملـت محمـدا لملمتـي والنجـح عنـد محمـد مأمـول
هو علـة لوجـود كـل مكـون أنشـئ وكـل مكـون معلـول
هو جوهر أسنى وكـل مكـون عرض يقوم بـه لـه التشكيـل
هـو آدم فيـه تشـرف إذ هـو الموضوع كان وآدم المحمـول
وهو المكلـم للكليـم وللمسيـح هـو الدليـل وللخليـل خليـل
وهو القميص بوجـه إسرائيـل قد ألقى فأبصر فيـه إسرائيـل
ويقول:
إني لزمـت سبيـل آل محمـد ولكـل قـوم منهـج وسبيــل
فبحبهم ألقى المهيمـن وهولـي في كل هـول عصمـة ودليـل
وأنـا بحبهـم غـدا مستشفـع للـه فهـو الشافـع المقبــول
291
وهي طويلة. وله في الأئمة غير هذا.

توفي سنة ألف ومائتين وخمس وسبعين تقريبا في النجف، ودفن بها، وله ذرية يقال لهم آل حجي، رحمه الله تعالى.

صالح بن محمد الجواد الحريري البغدادي الشهير بالشيخ صالح الحريري:

كان أديبا ملما ببعض العلوم الآلية يتحرف بصناعة الأدب، وكان شاعرا متوسط الطبقة، ينزل بغداد والكاظميين. فمن شعره قوله:
قد جلونا من الكـوس عروسـا فتجلت علـى الأكـف شموسـا
واستحالت بـأن تراهـا عيـون بعيان لـو لـم تحـل الكؤسـا
فإذا ذاق عاشـق مـن طلاهـا تركته لـم يـدرك المحسوسـا
وقوله:
كــل يـــوم لـــك رزق أي فــــرخ لا يــــزق
فلكـم مـن قبــل عاشــت أمـــم شتـــى وخلـــق
مــرت الدنيـــا عليهـــم مثلمــا قــد مــر بــرق
فـوض الأمـر إلــى مــن هـــو بالأمـــر أحـــق
إن تكــن للصبــر رقـــا فبـــه للـــرق عتـــق
أي يــوم قــد تقضـــى ليــس فيــه لـــك رزق
فـارض فيمـا أنــت فيــه أنــــت مملــــوك ورق
ولقـــد يكفيـــك ممـــا ملكــت يمنـــاك مـــذق
فدع الحـرص فـإن الحـرص عصيــــان وفســـــق
ســوف تأتيــك المنايـــا بغتــة فالمـــوت حـــق
292
أيهــا المغــرور رفقـــا ليـس بعــد اليــوم رفــق
إنمــا الشوكــة تدميـــك كمـــا يؤذيـــك بـــق
لــك فــي أنفــك يومــا مـن تـراب الـأرض نشــق
هــذه الدنيـــا لعمـــري للــورى فتــق ورتـــق
إن صفــا للعيــش كــأس فصفــاء الكــأس رنـــق
إنمـــا الدنيـــا كبـــاب فيــه للآفـــات طـــرق
فــدع الباطـــل فيهـــا كـم بـه د قــد دق عنــق
واجتنـب صحبـة مـن فــي طبعــه للغــدر عـــرق
واغتنــم فرصــة يـــوم رب يــوم فيــه رهـــق
كــل آن فـــي البرايـــا لسهــام المــوت رشـــق
ليــس إن مــت وإن قــد عشـت بعـد اليــوم فــرق
لا عــن الباطــل تنهـــى لا ولا أنــــت محــــق
إن خيــر النــاس فضــلا مـن لـه فـي الخيـر سبـق
كــن بدنيــاك صموتـــا آفــة الإنســـان نطـــق
حليــة الإنســان فيهـــا عفــة منـــه وصـــدق
وقصــارى الخلــق يومــا لهـــم لحـــد يشــــق
ومن شعره في المذهب قوله:
ولايتي لأميـر النحـل تكفينـي عند الممات وفي غسلي وتكفيني
وطينتي عجنت من قبل تكوينـي بحب حيدر كيف الناس تكوينـي
وقوله من حسينية:
ألا إن رزءا أودع القلـب غلـة مدى الدهر في إيقادها ليس تنفع
وأضحت به جم الخطوب كأنهـا ليال بها وجه البسيطـة أسفـع
293
غـدا بهـا آل النبـي بكربـلا تجاذبها أيدي المنـون وتسـرع
بيوم غدا زنـد الأسنـة واريـا ضراما به يصلى الكمي السميدع
إذا البيض في ليل القتام كواكب تغيب بهامات الرجـال وتطلـع
تقيم فروض الحرب في سبط أحمد فتسجد فيه البيض والسمر تركع
إلى أن هوى فوق الصعيد مرملا تروح عليه العاديـات وترجـع
وهي طويلة، وله غيرها. توفي سنة ألف وثلاثمائة وخمس ببغداد ونقل إلى النجف فدفن بها ورثاه بعض الشعراء رحمه الله ورضي عنه.

صالح بن محمد الحسين الحسيني العاملي الحلي الذاكر المعروف بالسيد صالح الحلي:

فاضل مشارك في العلوم، شديد العارضة، وخطيب بارع في الخطابة يتحلى بالمنبر إذا علاه ويتجلى المحفل به إذا استملاه، وذاكر يمثل واقعة الطف بألطف وصف، ونائح إذا ذكر الحسين أذاب القلب وأجراه من العين، ومحاضرا حسن المحاضرة، لطيف المذاكرة، جميل المعاشرة، لولا أن صاحبه كراكب أسد، أو عائم بحر، وشاعر له شعر قليل في غير أهل البيت وكثير فيهم، ولكنه متوسط الطبقة، فمن شعره فيهم قوله:
سلبت أمية مـن لـوي تاجهـا وفرت بسيف ضلالها أوداجهـا
حملت من الأضنان ملء بطونها ورمت بعرصة كربلاء نتاجهـا
تخلو عرينة هاشم مـن أسدهـا وتكون ذئبـان الفـلا ولاجهـا
ما بالها أغضت وعهـدي أنهـا كانـت لكـل ملمـة فراجهــا
عجبا لـآل أميـة مـن غيهـا بعثت لآسـاد العريـن نعاجهـا
294
الضغن سائقها وقائدهـا العمـى والشرك حيث على السرى أدلاجها
لولا القضـا لمحتهـم أسيافهـم ولقطعت فوق الثـرى أثباحهـا
لكن عن الدنيا الدنيـة قـد رأى باري النفوس لخيرها إخراجهـا
هاجت إلى الهيجا كآساد الشـرى جوع الشبول من العرين أهاجها
قد زوجوا السيف النفوس وطالما تركوا الأعادي أيمـا أزواجهـا
وهي طويلة، وله غيرها فيهم الكثير. ولد بالحلة سنة ألف ومائتين وتسعين، وهو اليوم حي في الكاظمية، سلمه الله تعالى ووفقه.

ثم توفي عن مرض طال عناؤه فيه نحو عشرة أشهر في داره بالحلة، ليلة السبت لليلة بقيت من شوال أعني الليلة التاسعة والعشرين منه سنة ألف وثلاثمائة وتسع وخمسين هجرية، ونقلت جنازته إلى النجف نهار السبت ودفنت في وادي السلام، رحمه الله تعالى.

صالح بن المهدي بن الحسن القزويني الحلي النجفي أبو الهادي:

كان علما للفضل مرفوعا، وشملا للمكارم مجموعا، وسحاب كرم ونوال، وبحر فضل وإفضال، وطرازا للعصابة العلوية، ولسنا للعترة النبوية.

أخبرني والدي رحمه الله قال: ورد الصالح مع أبيه المهدي لزيارة النبي قافلين من الحج سنة ألف وثلاثمائة، وكنت إذ ذاك مجاورا في المدينة، فصنع الشريف وليمة دعا إليها السيد المهدي وولده الصالح وجملة من علماء المدينة، وكنت فيمن دعي وحضر، فأما المهدي فقد اعتل بالضعف، وأما الصالح فحضر، فلما فرغ من الطعام نادى الشريف: يا بلال الإبريق فغسل الأيدي، ثم عاد كل إلى مجلسه،
295
وعلماء المدينة يتطلعون إلى المعرفة بعلم السيد صالح وفضله، فقال الصالح للشريف: أتعلم كم مرة قال جدك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: يا بلال فيما حفظه أهل الأخبار؟ قال: لا، قال: اثنان وثلاثون حديثا، ثم سردها، فقال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: يا بلال اجدح، يا بلال هل غربت، يا بلال، يا بلال حتى أتى عليها إلى آخرها، فعجب الحاضرون من حفظه ولم يسعهم إلا الدعاء له وللمسلمين في أن يكون مثله فيهم. وكان مع ذلك أديبا شاعرا محاضرا في الأدب، فمن شعره قوله:
ولقد قلت للمجدين فـي السيـر وللوجد زفـرة فـي ضلوعـي
وبعينـي أدمـع فـد أغــارن صيب المزن في مجاري الدموع
يا حداة الظعون دعـوة صـب أثكلتــه سويعــة التوديــع
إن مررتم على اللـوى فالمنقـى فاحبسوا العيس بين تلك الربـوع
فبوادي العذيب حي من العـرب نزول وإن هـم فـي الضلـوع
إن لي في خيامهم غصـن بـان طائر القلـب فيـه ذو ترجيـع
يتهـادى عـن ذابـل سمهـري ويرابي عـن مشرفـي ضيـع
وقوله للسيدر حيدر الحلي وقد مدح بعضا بمدح ضمن به عليه:
جنبت منتجعي وغـرك خلـب فطفقـت تحسبـه مـن الهتـان
أتصونهـا عنـي وقـد قلدتهـا أعناق ناقصـة وجيـد دوانـي
لست الذي بالمدح أكمل رفعتـي أنـى وهـذا أعظـم النقصـان
في أبيات، فأجابه السيد حيدر بقوله:
حتام تطـوي الـرد بالهجـران إلـام أبسـط بالعتـاب لسانـي
لا أنت من غلواء هجرك مقصر شيئا ولا أنا عن عتابـك وانـي
في أبيات ذكرت في ديوان السيد حيدر المطبوع.
296
ومن شعره في أهل البيت قوله في قصيدة حسينية أوله:
أيقعدني عن خطة المجـد لائـم قصير الخطى من أقعدته اللوائم
علي لربع المجـد وقفـة ماجـد تناشدها مني السيوف الصـوارم
فيا خاطب العلياء والموت دونها رويدك قد قاومت من لا يقـاوم
بخلـت عليهـا بالحيـاة وإنهـا لأكرم ن تهـدي إليهـا الكرائـم
فخاطبها الهندي والموت عاقـد وعمرك مهر والنثـار الجماجـم
لذاك سعت نحو المعالي نفوسنـا فهنت عليها القارعات العظائـم
سل الطف عن أهلي وإن كنت عالما فكم سائل عن أمره وهو عالـم
يقول فيه:
أبا حسن يهنيك ما أصبحوا بـه وإن كان للقتلـى تقـام المآتـم
لأورثتهم مجدا وما كـان حبـوة ولكن نصفا في بنيـك المكـارم
مشوا في ظلال السمر مشيتك التي لها خضعت أسد العرين الضراغم
وراحوا وما حلت حبا عزهم يد ولا وهنت في الروع منها العزائم
وما برحوا حتى تفانوا ومن يقف بموقفهـم لـم تتبعـه الوائــم
وهي طويلة محفوظة، وله غيرها كثير.

توفي سنة ألف وثلاثمائة وثلاث بعد أبه المهدي بثلاث، ورثته أجلة الشعراء كالسيد إبراهيم، والسيد محمد سعيد، والسيد حيدر وغيرهم. مما هو مذكور في دواوينهم، ودفن مع أبيه المهدي في مقبرته المعدة له، ومرقده المزور الذي يتبرك به، رحمه الله ورضي عنه بمنه وكرمه.

صالح بن مهدي بن حمزة الكواز الحلي أخو حمادي الكواز المتقدم:

297
كان أديبا شاعرا جزل المعنى، سهل المبنى، حلو الانسجام، وكان أكبر سنا من أخيه المذكور في الحاء، وكان أخيه سيلقي النظم، يقول فيعرب، وينظم فيطرب.

أخبرني غير واحد أنه أنشد في مجلس السيد المهدي القزويني بالحلة أبياتا له في الغزل ثلاثة وهي قوله رحمه الله تعالى:
بأبي الذي مهمـا شكـوت وداده طلب الشهود وذاك منـه مليـح
قلت اللسان فقال ذلـك ملجلـج قلت الفـؤاد فقـال ذاك جريـح
والدمع قلت فقـال ذاك مقـذف والجسم قلت فقال ليس صحيـح
فاعترضه بعض الحاضرين فقال قولك (ليس صحيح) ملحن، لمكان ليس، فالتفت إلى الجالسين وقال: انظروا، أنا أقول ليس صحيح، وهو يعترض علي بذلك، وهذا منه تندير مليح.

ومن مليحه قول ابن نباته المصري:
لا تلمني إذا تلجلج بالسكر لساني فقلــت بالكســر هاتـــه
بفتح تائه، أزحفها الكسر، فاعتذر بأنه كسر السكر لسانه ففتح التاء.

ومن شعر الصالح قوله:
أعاتبــه فيصبــغ وجنتيــه بلـون العنـدم القانـي عتابـي
ويرمقني فيكسـو حـر وجهـي مخافة سخطـه صفـر الثيـاب
وأطنـب بالسـؤال بغيـر داع وما قصدي سوى رد الجـواب
وقوله:
قلبـي خزانـة كــل علــم كـان فـي عصـر الشبــاب
وأتى المشيـب فكـدت أنسـى فيــه فاتحـــة الكتـــاب
وقوله في برد:
إن هـذا البـرد فـي شدتــه ضم أعضائي وأحنـى قامتـي
298
صار رأسي بيـن رجلـي فمـا تتميـز لحيتـي مـن عانتــي
وقوله في طفيلي:
إذا سمـع الوليمـة عنـد قـوم تمنـى ذقنـه منديـل أيــدي
ليصبـح لاعقـا ودكـا عليهـا تعلق من يـدي عمـرو وزيـد
ومن شعره في المذهب قوله في حسينية:
أغابات أسد أم بـروج كواكـب أم الطف فيه استشهدوا آل غالب
ونشر الخزامى سار تحمله الصبا أم الطيب من مثوى الكرام الأطايب
وقفت بها رهن الحوادث أنثنـي من الوجد حتى خلتني قوس حاجب
يقول فيه:
أبـا حسـن إن الذيـن نماهـم أبو طالب بالطف ثـار لطالـب
تعاوت عليهم من بني حرب عصبة لثارات يوم الفتح حرى الجوانب
فساموهـم إمـا الحيـاة بذلـة أو الموت، فاختاروا أعز المراتب
فها هم على الغراء ميل رقابهـم ولما تمل من ذلة في الشواغـب
تلبي بنو ذبيان أصـوات فتيـة لهم قتلت صبرا بأيدي الأجانـب
وصبيتكم أسرى وحسرى نساءكم دعون ولم يسمع لها من مجاوب
يشير في هذين البيتين إلى يوم جفر الهباتة حين قتل بنو عبس بني ذبيان لقتل الأولاد فجعلوا كلما قتلوا قتيلا ينادون لبيكم، لبيكم، يعنون أنكم استغثتم بنا فأجبناكم الآن، فكان على شاعرنا أن يقول: تلبي بنو عبس لأصوات فتية، لا بنو ذبيان، ولكنه وهم وجل من لا ييهم.

وقوله في أخرى:
لي حزن يعقوب لا ينفك ذا لهب لصرع نصب عيني لا الدم الكذب
ومعشر راودتهم عـن نفوسهـم بيض الظبا غير بيض الخرد العرب
299
فأنعموا بنفوس لا عديـل لهـم حتى استلينت على الخرصان والقضب
وآنسين من الهيجاء نار وغـى في جانب الطف ترمي الشهب بالشهب
ورازقي الطير ما دامت قواضبهم من كل شلو من الأعداء مقتضب
فيمموها وفي الأيمان بيض ظبا وما لهم غير نصر الله من أرب
إذا انتضوها بجمع من عدوهـم فالهام ساجدة منها على التـرب
والعاديات من الفسطاط ضابحـة والموريات وناد الحزن باللهـب
والذاريات ترابا فـوق أرؤسهـا حزنا لكل صريع بالعـرا سلـب
والمرسلات من الأجفان عبرتها والنازعات برودا في يد السلـب
ورب مرضعة منهن قد نظـرت رضيعها فاحص الرجلين في الترب
تشـوط عنـه وتأتيـه مكابـدة من حاله وظماها أعظم الكـرب
فقل بهاجر إسماعيـل أحزنهـا متى تشط عنه من خوف الردى تؤوب
ما حكتهـا ولا أم الكليـم أسـى غداة في اليم ألقته مـن الطلـب
هذي إليها ابنها قد عاد مرتضعا وهذه قد سقي بالبـارد العـذب
فأين هاتان ممن قد قضى عطشا رضيعها ونأى عنها ولم يـؤب
وله غير ذلك كثيرا. توفي سنة ألف ومائتين وإحدى وتسعين بالحلة، ونقل إلى النجف فدفن بها ورثاه السيد حيدر بقصيدة أوله:
كل يوم بسوسني الدهـر ثكـلا ويريني الخطوب شكلا فشكـلا
كـل أخ شـد ساعـدي بأخـاه بعده قد صحبـت باعـا أشـلا
وقريـب إلـي أبعـده المـوت وكم أبعدت يـد المـوت خـلا
إخوتي أخوة الصفـاء درجتـم فبمن لا بمـن همومـي تجلـى
يـا دفينـا بتربــة تخذتهــا أعين الحور موضع الكحل كحلا
300
ثكل أم القريـض فيـك عظيـم ولـأم الصلـاح أعظـم ثكـلا
طالما وجهك الكريم علـى اللـه بـه قوبـل الحيـا فاستهــلا
إن تعش عاطلا فكم لـك نظـم بات جيد الزمـان فيـه محـلا
ولك السائـران شرقـا وغربـا جئن بعد أن أفقن من جاء قبـلا
كم قرعن الأسمـاع بيتـا فبيتـا فأفضن العيون سجـلا فسجـلا
كنت أخلصت نية القـول يفهـا فجزاك الحسيـن منهـن فعـلا
فهي الصالحـات بعـدك تبقـى بلسان الزمـان للحشـر تتلـى
وهي طويلة موجودة في ديوانه المطبوع، رحمهما الله تعالى بمنه وكرمه.

صالح بن المهدي بن الرضا الحسيني القزويني النجفي البغدادي:

كان فاضلا ملما بجملة من العلوم، وقورا جليلا جميل الرواء، شديد العارضة، وكان أديبا شاعرا، كثير المدح لآل محمد عليهم السلام، فهو في الحقيقة مادحهم ونائحهم وغريدهم وصادحهم، وكان جزل الشعر فخمه، حسن الوصف، أرسل ناصر الدين شاه إيران المقتول سنة ألف وثلاثمائة وثلاث عشرة غيلة، عصا وعبا إلى لاسيد الفاضل علي بن الرضا بن المهدي بحر العلوم الطباطبائي المتوفى سنة ألف ومائتين وثماني وتسعين فقال الصالح فيهم:
أيدري علي ناصر الدين لم لـه عصا وعبا للـه أهـدى تقربـا
رأى يده البيضا فأهدى له العصا وإذا كان من أهل العبار أرسل العبا
فكان لعمري ناصر الدين منهما ففي علمه هذا وذاك في الظبـا
وقال في شمعة:
وبيضاء يحكي البان حسن اعتدالها أضاءت لنا ليلا وأغنت عن البدر
301
فكانت كخطى القنا غيـر أنهـا لجين وقد كان السنان من التبـر
ومن شعره في الغزل قوله:
زهــا اللـــوى وبانـــه وأزهــــرت كثبانــــه
وبالــــورد روضــــة تلونـــــت ألوانـــــه
واصفـــر روض آســـه واحمــــر أرجوانــــه
والنرجــس الفضــي رنــا لآســـــه إنسانـــــه
فكلمــا هبـــت صبـــا تلاعبــــت أغصانــــه
وكلمــا يبكـــي الحيـــا يفقـــــد أقحوانـــــه
جنــة عـــدن روضـــة وهــو بهــا رضوانـــه
وهــو رهيـــن خـــوده ولؤلـــــؤ ولدانـــــه
وتخجــل الورقــاء فــي ألحانهـــــا ألحانـــــه
مهمــــا رأت جمالــــه خــرت لـــه رهبانـــه
فهـل جمــوح لــم يكــن ملقـــى لـــه عنانـــه
صـب صبـا إلــى الصبــا وقــد مضــى ريعانـــه
مضــى زمــان شرخــه فــلا مضـــى زمانـــه
ثـــم عليـــه دمعــــه فســـــره إعلانـــــه
رقــى السمــاء وكفـــه ومـــا رقـــا هتانـــه
مقيـــــد فــــــؤاده ومطلــــق جثمانـــــه
نشـوان مـن خمـر الصبــا يصحــو بـــه نشوانـــه
يقضـي بسلطــان الهــوى ولــم يجـــر سلطانـــه
يــا مالكــا رق امـــرئ مالكــــه رضوانـــــه
وخــوط بـــان فوقـــه أشــــرق زبرقانـــــه
302
وحامــــلا سلاحـــــه أنحلـــــه حملانـــــه
يقـوى بهــا وقــد وهــى عــن بـــرده جثمانـــه
مقلتـــــه حسامـــــه وقـــــده سنانــــــه
وقوســــه حاجبـــــه ونبلـــــه أجفانـــــه
يرصــد كنــزا راق فــي لجينـــــه عقيانـــــه
مهمــا غفــا عقــر بــه نبهـــــه شعبانـــــه
مـا لــان يومــاً عطفــه إلا قســـــا جنانـــــه
مــا ضــره أن يقتـــرن بحسنــــه إحسانـــــه
مليــك حســن عقـــدت مــن فرعـــه تيجانـــه
فحققـــــه سريـــــره والقــــد خيرزانـــــه
ومعجــــم وشاحـــــه فــي النطــق ترجمانـــه
كأنمـــا تقبـــس مـــن أنـــــواره نيرانـــــه
فاعجــب لخــال حرقــت بنـــــاره حيتانـــــه
كأنمـــا تقبـــس مـــن أنـــــواره نيرانـــــه
أو تــارة تعـــرب مـــا تعجمـــــه ألحانـــــه
نادمنــي فــي مجلـــس شهــب السمــا ندمانـــه
شمــس جلاهـــا قمـــر أهلــــــه بنانــــــه
كـم عبقـت نشــر الصبــا بعنبـــــر أردانـــــه
وكــم ذكــت بمهجتـــي مـــن حـــده نيرانـــه
حياتـــــه وصالـــــه وموتــــه هجرانـــــه
وثغــره مـــن لفظـــه منظـــــم جمانـــــه
فاعجــب لآســاد الثــرى يصطادهـــا غزلانــــه
303
ولــم يـــزل يشتاقهـــم قلبــي وهـــم سكانـــه
ولــم يـــزل يرتادهـــم طرفــي وهــم إنسانـــه
أرخصـت فـي بيعـي لهــم عمــرا غلـــت أثمانـــه
لــم يسلهــم قلبـــي ولا خامــــره سلوانـــــه
فأحــس الطــلا بمجلــس تشـــدو بـــه قيانـــه
فلــو حساهـــا هـــرم لعهــــاد عنفوانـــــه
وله في الأئمة عليهم السلام الدرر الغروية تشتمل على اربع عشرة قصيدة، كل قصيدة في معصوم تشتمل على ذكر مناقبه ووفاته، وهي مشهورة ومن مشاهير قوله رحمه الله:
طريق المعالي في شدوق الأراقم ونيل الأماني في بروق الصوارم
ومن خاض أمواج الردى هابه العدى وألقى إليه السلم من لـم يسالـم
يقول فيه:
من الضيم أن يغض على الضيم سيد نمته أباة الضيم مـن آل هاشـم
هم شرعوا نظم الفوارس بالقنـا كما شرعوا البيض نثر الجماجم
إذا غردت للبيض في البيض رنة مشوا في ظلال السمر سبل العمائم
فلهفي عليهم ما قضى حتف أنفه كريـم لهـم إلا بسـم وصـارم
تجنت عليهم آل حـرب تجرمـا وجارت عليهم باجتناء الجرائـم
وهي طويلة كأخواتها.

وله تشطير جملة من هائية الكاظم الأزري أوله:
(لمن الشمس في قبـاب قباهـا) قد أمدت بالنور شمس ضحاهـا
شف جسم الحجى بتلك وهـذي (شف جسم الدجى بروح ضياها)
(ولمن هـذه المطايـا تهـادى) كتهـادي القطـا تـؤم المياهـا
304
فلأحياهـا سـرى كـل حــي (حتى إحيائهـا وحـي سراهـا)
(يعملـات تقـل كـل عزيـز) فاتك الطرف فتك بيض ظباهـا
قد حكى السمهري قـدا ووجهـا (قد حكته الشمس الضحى وحكاها)
إلى آخر ما شطر.

توفي سنة ألف وثلاثمائة وست ببغداد، ونقل إلى النجف فدفن بها رحمه الله.

وهو أبو الراضي والحسين المتقدمين ترجمة في بابيهما.

صفوان بن إدريس بن عبد الرحمن بن عيسى بن إدريس التجيبي المرسي، أبو بحر:

كان كاتبا بليغا وشاعرا بارعا، من أعيان أهل المغرب.

قال لسان الدين: انفرد برثاء الحسين.

وقال ابن الأبار: له قصائد جليلة خصوصا في الحسين.

رحل إلى مراكش فقصد دار الخلافة مادحا، فما تيسر له شيء، فقال: لو مدحت آل البيت لبلغت أملي، فمدح، وبينما هو عازم، طلبه الخليفة فقضى مأربه، فعكف على مدح آل البيت عليهم السلام ورثائهم، فمن شعره:
قلنا وقد شـام الحسـام مخوفـا رشأ بعادية الضراغـم عابـث
هل سيفه من طرفـه أم طرفـه من سفه أم ذاك طـرف ثالـث
وقوله:
يـا قمـرا مطلعــه أضلــع له سـواد القلـب فيهـا غسـق
وربمـا استوقـد نـار الهـوى فناب فيها لونهـا عـن شفـق
عندي من حبك ما لـو سـرت في البحر منه شعلـة لاحتـرق
ومن شعره في المذهب قوله من حسينية أوله:
305
أمرنـة تدعــو بعــود أراك قولـي مولهـة علـام بكــاك
أجفاك إلفـك أم بكيـت لفرقـة أم لاح برق بالحمـى فشجـاك
لو كان حقا ما ادعيت من الهوى يوما لما طرق الجفـون كـراك
أو كان روعك الفـراق إذا لمـا ضنت بمـاء جفونهـا عينـاك
ولما ألفت الروض سأرج عرفه وجعلت بيـن فروعـه مغنـاك
ولما اتخذت من الغصون منصة ولما بـدت مخضوبـة كفـاك
لو كنت مثلي ما أفقت من البكـا لا تحسبي شكواي من شكـواك
إيـه حمامـة خبرينـي أننـي أبكي الحسين وأنت مـم بكـاك
أبكي قتيل الطعـن فـرع نبينـا أكـرم بفـرع للنبـوة زاكــي
ويل لقـوم غـادروه مضرجـا بدمائه نضـوا صريـع شكـاك
متعفـرا قـد مزقـت أشلـاؤه فريـا بكـل مهنــد فتــاك
أيزيد لو راعيت حرمـة جـده لم تقتنص ليث العرين الشاكـي
أو كنت تصغي إذ نقرت بثغـره قرعت صماخك أنـة المسـواك
أتروم ويك شفاعـة مـن جـده هيهـات، لا ومدبـر الأفلــاك
ولسوف تنبذ في جهنـم خالـدا ما الله شاء ولات حيـن فكـاك
وقوله معارضا قول الحريري: (خل ادكار الأربع)):
أومــض ببــرق الأضلــع واسكــب غمــام الأدمــع
واحـزن طويــلا واجــزع فهــو مكـــان الجـــزع
وانثــر دمــاء المقلتيـــن تألمــا علــى الحسيـــن
وابــك بدمــع دون عيــن إن قــل فيــض الأدمــع
قضــى لهيفــا فقضـــى مـن بعـده فصــل القضــا
ريحانــه الهــادي رضــا وابــن الوصــي الأنــزع
306
وهي طويلة.

ولد سنة خمسمائة وستين.

وتوفي سنة خمسمائة وثماني وتسعين رحمه الله.
307

حرف الطاء

طلائع بن رزيك، الملك الصالح، أبو الغارات المصري:

كان فاضلا جامعا للمحاسن، شاربا من نمير الولاء الذي هو غير آسن، زار أمير المؤمنين عليه السلام فبشره خازن الروضة بالوزارة والإمارة عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام في طيف رآه، فرجع وصار ملكا في القاهرة ووزيرا ووليا للفائز والعاضد ونصيرا، كما ذكره المقريزي.

وكان مواظبا على العبادة معلوما بالموالاة وطهارة الولادة، وكان جوادا حاتم منه خاتم، وأديبا قصر عن أوصافه العالم، وكان شاعر مكثرا حسن الشعر لطيف الانسجام.

له ديوان شعر يشتمل على أربع مجلدات جله في المدائح النبوية والإمامية، فمن شعره قوله:
ومهفهف ثمل القوام، سرت إلي أعطافه النشـوات مـن عينيـه
ماضي اللحاظ كأنما سلت يـدي سيفي غداة الروع مـن جفنيـه
قد قلت إذ خط العـذار بمسكـة فـي خـده ألفيـه لا لاميــه
ما الشعر دب بعارضيـه وإنمـا أصداغه نفضـت علـى خديـه
الناس طوع يدي، وأمري نافـذ فيهم وقلبي الآن طـوع يديـه.
ومن شعره في المذهب قوله:
يا أمـة سلكـت ضلـالا بينـا حتى استوى إقرارها وجحودهـا
قلتم إلى أن المعاصي لـم تكـن إلا بتقديـر اللــه وجودهــا
لو صح ذا كان الإلـه بزعمكـم منع الشريعة أن تقـام حدودهـا
حاشـا وكـلا أن يكـون إلهنـا ينهى عن الفحشاء ثـم يريدهـا
308
وقوله من قصيدة في مدح علي عليه السلام:
ويوم خم وقد قـال النبـي لـه بين الحضور وشالت عضده يده
من كنت مولى له هذا يكون لـه مولى أتانـي بـه أمـر يؤكـده
من كان يخذلـه فاللـه يخذلـه أو كان يعضده فاللـه يعضـده
والباب لما دحاه وهو في سغـب من الصيام ومـا يخفـى تعبـده
وقلقل الحصن فارتاع اليهود لـه وكـان أكثرهـم عمـدا يفنـده
نادى بأعلى السما جبريل ممتدحا هذا الوصي وهذا الطهر أحمـده
وفي الفرات حديث إذ طغى فأتى كل إليه لخوف الهلـك يقصـده
فقال للماء غض طوعا فبان لهم حصباؤه حيـن وافـاه يهـدده
وله غير ذلك في أكثر القوافي، وفي المناقب شطر منها.

ولد تاسع عشر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة.

وقتل ليلة الاثنين تاسع عشر رمضان سنة ست وخمسين وخمسمائة، وذكر سبب قتله ابن خلكان وغيره. ورثاه عمارة بقصيدته التي أولها [من الطويل]:
أفي أهل ذا النادي عليم أسائلـه فإني لما بي ذاهب العقل ذاهلـه
سمعت حديثا يخرس الصم عنده ويذهل واعيه ويخـرس قائلـه
وقد رابني من شاهد الحال أنني أرى الدست منصوبا وما فيه كافله
وهي طويلة، ذكرها أكثر من ترجمه من المؤرخين كابن خلكان وغيره رحمه الله.

طلحة بن عبيد الله بن محمد بن أبي عون، أبو محمد الغساني العوني المصري:

كان أديبا مشاركا في الفنون، شاعرا ينظم المحاسن والعيون، وهو أول من نظم الشعر المسمى بالقواديسي، كما ذكر ذلك ابن رشيق في العمدة.
309
وكان كاتبا بليغا ومتكلما قوي العارضة، مرهوب الجانب لمكانه ولسانه، وكان من المجاهرين في حب أهل البيت ومدحهم، فمن شعره:
يا صاحبـي رحلتمـا وتركتمـا قلبي رهيـن تصبـر وتصابـي
أبكـي وفاءكمـا واندبـه كمـا يبكي المحب معاهـد الأحبـاب
فأشكل معناهما بقوله:
وفاءكما كالريع أشجاه طاسمـه بأن تسعدا والدمع أسفاه ساجمـه
حتى أن الناظر لا يفهم معنى هذا البيت إلا بعد سماع هذين البيتين، انتهى ملخصا.

ومن شعره في المذهب قوله في مديح أمير المؤمنين عليه السلام:
يا من لحاني في علـي استمـع إن كنت ذا سمع وفهـم وبصـر
من شارك الطاهر في يوم العبـا في نفسه من شك في ذاك كفر؟
من جاد بالنفس وما ضـن بهـا في ليلة عند الفراش المشتهـر؟
من صاحب الدار الذي انقض بها نجم من الجو نهـارا فانكـدر؟
من خص بالتبليغ فـي بادئـة؟ فتلك للعاقل من إحـدى العبـر
من كان في المسجد طلقاً بابـه حلا وأبواب أنـاس لـم تـذر؟
من حاز في خم بأمر اللـه ذاك الفضل واستولى عليهم واقتـدر؟
من فاز بالدعـوة يـوم الطائـر المشوي من خص بذاك المفتخر؟
من ذا الذي أسرى به حتى رأى القدرة في حندس ليـل معتكـر؟
من خير خلق اللـه بعـد أحمـد لما دعا اللـه سـرارا وجهـر؟
من خاصف النعل ومن خبركـم عنه رسول الله أنـواع الخبـر؟
فاسأل به يـوم حنيـن عارفـا من صدق الحرب ومن ولى الدبر؟
مبين شمـس اللـه والراجعهـا من بعد ما انجاب ضياها واستتر؟
كليـم أهـل الكهـف إذ كلمهـم في ليلة المسح فسل عنه الخبر؟
310
والأسـد العابــس إذ كلمــه معترفا بالفضـل منـه فأقـر؟
وقصـة الثعبــان إذ كلمــه وهو على المنبر والقوم زمـر؟
بأنـه مستخلـف اللـه علــى الأمة والرحمن مـا شـاء قـدر
عيبة علم اللـه والبـاب الـذي يوفى رسول الله منـه المشتهـر
ما احتاج في شيء إلـى القـوم وكل القوم محتاج إليه أن حضر
طب حكيم ما اختبى في جمعهـم إلا أبان الفضل منـه والخطـر
صديقنـا الأكبـر والفــاروق بين الحق والباطل بالسيف الذكر
وقوله في حسينية بديعة:
فيا بضعـة مـن فـؤاد النبـي بالطف أضحـت كثيبـا مهيـلا
ويا كبـدا مـن فـؤاد البتـول بالطف شلت فأضحـت أكيـلا
قتلت فأبكيـت عيـن الرسـول وأبكيت من رحمـة جبرئيـلا.
وقوله:
يـا قمـرا غـاب حيـن لاحـا أورثنــي فقــدك المناحــا
يا نوب الدهـر لـم يـدع لـي صرفك مـن حـادث صلاحـا
أبعـد يـوم الحسيـن ويحيـى استعـذب اللهـو والمزاحــا؟!
يـا بأبـي أنفســا ظمــاءا ماتـوا ولـم يشربـوا المباحـا
يـا بأبــي أوجهــا هــداة باكرهــا حتفهــا صباحــا
يـا سادتـي يـا بنـي علــي بكـى الهـدى فقدكـم وناحــا
أوحشتـم الذكــر والمثانــي والسـور الطـوال الفصاحــا
وقوله:
لم أنس يوما للحسين وقد ثـوي بالطف مسلوب الـرداء خليعـا
ظمآن من ماء الفرات معطشـا ريان من غصص الحتوف نقيعا
311
يرنو إلى ماء الفـرات بطرفـه فيراه عنهـم محرمـا ممنوعـا
وله في الأئمة أكثر من عشرة آلاف بيت، وفي المناقب من شعره ما يغني عن الإطالة.

توفي سنة ثلاثمائة وخمسين تقربا بمصر، ودفن بها، رحمه الله.
312

حرف الظاء

ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن نفاثه بن عدي بن الدئل، أبو الأسود:

كان من كبار التابعين والشيعة والشعراء الفصحاء، وهو أول من أخذ النحو عن علي بن أبي طالب عليه السلام ووضعه وسمي نحوا، لأن أمير المؤمنين عليه السلام قال له بعد تعليمه أصوله: وانح نحوه يا أبا الأسود.

قال أبو الفرج: وكان أبو الأسود يجلس إلى فناء امرأة برزة جميلة بالبصرة، فقالت له: هل لك أن أتزوجك فإني صناع الكف، حسنة التدبير، قانعة باليسير، فأنعم، فجمعت أهلها وتزوجته فوجدها خلاف ما قدر، وأسرعت في ماله فغدا على من كان حضر تزويجها من أهلها، فسألهم الاجتماع فعندما فعلوا فقال:
أرأيـت أمـرا كنـت خاللتــه أتانـي فقـال اتخذنـي خليـلا
فخالتــه ثـــم أكرمتـــه فلـم استعـد بعـد منـه فتيـلا
وألفيتــه حيــن جربتـــه كذوب الحديث سروقـا بخيـلا
فذكرتــه ثـــم عاتبتـــه عتابـا رقيقـا وقـولا جميـلا
فألفيتــه غيــر نستعتــب ولا ذاكـرا للــه إلا قليــلا
ألســت حقيقــا بتوديعــه وإتباع ذلـك صومـا طويـلا؟
قالوا: بلى والله يا أبا الأسود. قال: تلكم صاحبتكم وقد طلقتها، وأنا أحب أن أستر ما أنكرت من أمرها، فانصرفت معهم.

ومن شعره قوله:
أبى القلب إلا أم عمرو وحبهـا عجوزا، ومن يحبب عجوزا يفند
كثوب اليماني قد تقـادم عهـده ورقعته ما شئت في العين واليد
313
ومن شعره في المذهب قوله يعرض بأعداء أمير المؤمنين عليه السلام:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيـه فالقـوم أعـداء لـه وخصـوم
كضرائر الحسناء قلن لوجههـا حسـدا وبغيـا إنــه لذميــم
والوجه يشرق في الظلام كأنـه بـدر منيـر والسمـاء نجـوم
وترى اللبيب محسدا لم يجتـرم شتم الرجال وعرضـه مشتـوم
وكذاك من عظمت عليه نعمـة حساده سيـف عليـه صـروم
فاترك مجـاراة السفيـه فإنهـا نـدم وغـب بعـد ذاك وخيـم
وإذا جريت مع السفيه كما جرى فكلاكمـا فـي جريـه مذمـوم
وإذا عتبت على السفيـه ولمتـه في مثل ما تأتي فأنـت ظلـوم
يا أيها الرجـل المعلـم غيـره هـلا لنفسـك كـان ذا التعليـم
لا تنه عن خلق وتأتـي بمثلـه عار عليـك إذا فعلـت عظيـم
ابدأ بنفسك فانههـا عـن غيهـا فإذا انتهت عنـه فأنـت حكيـم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتـدى بالـرأي منـك وينفـع التعليـم
تصف الدواء وأنت أولى بالـدوا وتعالج المرضى وأنـت سقيـم
وكـذا تلقـح بالرشـاد عقولنـا أبدا وأنت مـن الرشـاد عقيـم
ويل الشجي مـن الخلـي فإنـه نصب الغـواة بشجـوه مغمـوم
وترى الخلي قرير عيـن لاهيـا وعلى الشجـي كآبـة وهمـوم
ويقول مالك لا تقـول مقالتـي ولسـان ذا طلـق وذا مكظـوم
لا تكلمن عرض ابن عمك ظالما فإذا فعلـت فعرضـك المكلـوم
وحريمه أيضا حريمـك فاحمـه كيلا يبـاح لديـك منـه حـرم
وإذا اقتصصت من ابن عمك كلمة فكلومـه لـك إن فعلـت كلـوم
وإذا طلبت إلـى كريـم حاجـة فلقــاؤه يكفيــك والتسليــم
314
فإذا رآك مسلمـا ذكـر الـذي حملتــه فكأنــه محتـــوم
ورأى عواقب خلف ذاك مذمـة للمـرء تبقـى والعظـام رميـم
فارج الكريم وإن رأيت جفـاءه فالعتـب منـه والفعـال كريـم
إن كنت مضطـرا وإلا فاتخـذ نفقـا كأنـك خائـف مهـزوم
والناس قد صاروا بهائـم كلهـم ومـن البهائـم قابـل وزعيـم
صم وبكم ليس يرجـى نفعهـم وزعيمهم فـي النائبـات مليـم
وإذا طلبـت إلـى لئيـم حاجـة فالح فـي رفـق وأنـت مديـم
والـزم قبالـة بيتـه وفنائــه بأشد مـا لـزم الغريـم غريـم
وعجبت للدنيـا ورغبـة أهلهـا والرزق فيمـا بينهـم مقسـوم
والأحمق المرزوق أحمق من أرى من أهلهـا والعاقـل المحـروم
ثم انقضى عجبـي لعلمـي أنـه قـدر مـواف وقتـه معلــوم
وقوله في بني قشير، وقد كان نازلا فيهم، وكانوا عثمانية، وكانت امرأته منهم، فكانوا يؤذونه وينالون من علي عليه السلام ليغيظوه، ويرمونه في الليل بالحجارة، فإذا أصبح يقول لهم: يا بني قشير أي جوار هذا؟

فيقولون: إنما رماك الله لسوء مذهبك، وقبح دينك.

فيقول: كذبتم، لو رماني الله تعالى لما أخطاني، رحمه الله:
يقـول الأرذلـون بنـو قشيـر طوال الدهـر لا تنسـى عليـا!
فقلت لهم: وكيف يكون تركـي من الأعمال مفروضـا عليـا؟
أحـب محمـدا حبـا شديــدا وعباسـا وحمـزة والوصيــا
بنـي عـم النبــي وأقربيــه أحـب النـاس كلهــم إليــا
فإن يك حبهـم رشـدا أصبـه ولست بمخطـئ إن كـان غيـا
فلما سمعوا قالوا: شككت يا أبا الأسود في مذهبك وصاحبك!.
315
فقال: كلا أترون الله تعالى شك في نبيه حيث أنزل عيه: (وأنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)

توفي بالجارف سنة تسع وستين عن عمر يناهز خمسا وثمانين، وقيل قبل ذلك، والله أعلم.
316

حرف العين

عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي، أبو الطفيل الصحابي:

كان صحابيا فاضلا مواليا، حضر مشاهد علي كلها، فلما مات سكن مكة حتى توفي بها، واستحضره معاوية فقال له: كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟ فقال: كوجد أم موسى على موسى، وأشكو إلى الله التقصير.

وكان شاعرا محسنا، فمن شعره قوله [من الطويل]:
أيدعونني شيخا وقد عشت حقبة وهن من الأزواج نحوي تـوارع
وما شاب رأسي من سنين تتابعت علي ولكـن شيبتنـي الوقائـع
ومن شعره في المذهب قوله في صفين:
قد صابرت في حربهـا كنانـه واللـه يجزيهـا بهـا جنانــه
من أفرغ الصبـر عليـه زانـه أو غلـب الجبـن عليـه شانـه
غدا يعض من عصى بنانه
وقوله من قصيدة:
طحنا الفوارس وسـط العجـاج وسقنا الزعانـف سـوق النقـد
وقلنـا علــي لنــا والــد ونحـن لـه طاعـة كالولــد
وقوله: وقد قال له معاوية: أجز [من الطويل]:
إلى رجب السبعيـن تعترفوننـي مع السيف في خيل سيحمي عديدها
[قال]:
زحوف كركن الطود كل كتيبـة إذا استمكنت فيها يقـل شديدهـا
شعارهم سيمـا النبـي ورايـة بها ينصر الرحمن ممن يكيدهـا
كأني أراكم حين تختلـف القنـا وزالت بأكفال الرجـال لبودهـا
317
فلا تجزعوا إن أعقب الدهر دولة وأصبح منا كم قريبـا بعيدهـا
فإن لأهل الحـق لا بـد دولـة على الناس يرجى وعدها ووعيدها.
وله غير ذلك.

توفي سنة مائة وعشرين، وهو آخر من بقي من الصّحابة.

وكانت ولادته سنة أحد، كما ذكره ابن عبد البر.

العباس بن الحسن بن جعفر كاشف الغطاء النجفي، أبو المرتضى:

كان فاضلا فقيها، أصوليا مشاركا في الفنون، حسن الذهن، متوقد الذكاء، قوي الحافظة، وكان أديبا شاعرا، سريع البديهة في النظم السهل المنسجم، رأيته واجتمعت به سفرا وحضرا، فرأيت منه رجلا صالحا صافي السريرة، جميل السيرة، إلى ظرف لم يخرج من دائرة الشرع.

له عدة منظمات في الفقه وغيره، جيدة إلى الغاية، وله في مدح الأئمة النصيب الوافي، فمنه ما صدر وعجز بيتي القاضي أحمد المعروف بالأخفش في مدح أمير المؤمنين عليه السلام ارتجالا حين مر بالسماوة فحضر إليها قاضيها فأنشده البيتين والأصل والتشطير هو:
(المرتضى للمصطفـى نفسـه) وقل تعالـوا فيـه نـص قـوي
أمـا تـراه فـي الهـدى مثلـه (يهدي البرايا بالصراط السوي)
لكنـه فـي حكمــه تابــع ( يتبعـه فـي كـل حكـم روي
مستوجب للنصـب مـن بعـده (لأنـه توكيــده المعنــوي)
ومما سمط به أبيات صدر الدين العاملي الآتي ذكره في مدح أمير المؤمنين عليه السلام وهو:
318
لحيـدر علـم وحـزم وجــاه أولو العزم مـا بلغـت مبتـداه
قليـل مقالـك فيمــا حــواه (علـي بشطـر صفـات الإلـه
حبيت وفيك يدور الفلك)
تدوس طوى قدس وادي الجلـال ومـا خلعـت قدمـاك النعـال
تسوق عصاك السحـاب الثقـال (ولمـا أراد الإلــه المثــال
لنفي المثيل له مثلك)
تحار بمعنـاك عشـر العقـول ولولا ابن عمك كـان الرسـول
ولولاك لا بعل يغشـى البتـول (ولـولا الغلـو لكنـت أقـول
جميع صفات المهيمن لك)
تصورت من قبل أخـذ العهـود فكنـت القسيـم بيـوم الـورود
وفي الأزل المحض نلت الصعود (وفي عالم الذر قبـل الوجـود
بقول بلى الله قد أهلك)
صحبت النبـي مـن أم القـرى إلى البيت ليلـة كـان السـرى
إمـام البـراق دليـلا تــرى (وقد كنت على خلـق الـورى
من الإنس والجن حتى الملك)
ولاؤك طـوق وبلكـل الرقـاب وأمرك مـاض بيـوم الحسـاب
أبا حسن أنت فصـل الخطـاب (تعلـم جبريـل رد الجــواب
ولولاك في بحر قهر هلك)
توفي ليلة الثامنة عشر في رجب سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وعشرين، وأرخ: (بجنان الخلد مثواه)، في النجف ودفن بها في مقبرة آبائه، رحمه الله.

عباس بن عبد السادة بن عبد بن مرتضى بن قاسم بن إبراهيم بن موسى ابن محمد الأعصم:

319
كان فاضلا أديبا شاعرا، حسن الأخلاق، لطيف الطبع، رأيته شيخا وفيه بقية، وكان حسن الرواء، قصير القامة، وكان هو خال السيد محمد سعيد المعروف بحبوبي، الآتي ذكره، وكان ينزل خارج النجف غالبا بالحيرة (الجعارة)، ولهذا قال إذ مر بدير هند واصفا له:
دير هند سقاك الله أوطف غيـث لم يزل برقـه بقبـض وبسـط
قد شممنا من ترب أرضك طيبا عبقا مـن مجـر بـرد ومـرط
طالمـا كنـت لظبـاء كناسـا ولبيض الحسـان أنفـس سمـط
فمـن الحـق أن يحييـك دمـع وإنمـا لا وفـاء قسـط بقسـط
إن حق الهوى على كـل صـب أن يبكـي دموعـه كـل خـط
فلقد كـان للهـوى فيـك نـاد فيه أهل الهوى تنـال وتعطـي
فلكم أوثقـت بـه مـن عهـود لحقـوق الهـوى بحـل وربـط
ولكم فيـك أرسلـت لاحظـات وبألحاظهـا تصيـب وتخطـي
يا رعـى اللـه سالفـات ليـال بك مرت تزهـو بخـد وقـرط
ليت شعري هل غال أهلك غول أم هـم يممـوا البعـد وشحـط
ومن شعره قوله:
ما بين سلمى واسمى الغر قد سمت يد الصبابة قلبي في الهوى حصصا
قد جرعاني في وجدي بحبهمـا من الشجون بقايا لقبت غصصا
أصبحت من حالتي من ذي وذي مثلا بين الأنام وأخباري لهم قصصا
وقوله:
سحائب جفن لا يجف مطيرهـا ولوعة قلب لا يخـف زفيرهـا
وبي ذات خلخال إذا رن هاج لي لواعج أشجـان ذكـي سعيرهـا
إذا انبعثت من خدرها قلت بانـة تثني ومن سرب الظباء غريرها
320
فكم كسرت قلبا بكسر جفونهـا واقتل أجفان الظبـاء كسيرهـا
أرى الحول في تلقائها مثل ساعة كذاك ليالي الوصل نزر كثيرهـا
وإن سويات الجفا من صدودهـا يطول على مضنى الجفاء قصيرها
فيا صاحبي نجواي بالله عارضا حمولتها من حيث فاح عبيرهـا
بما بيننا من حرمة الـود خبـرا أسيرة حجليهـا بأنـي أسيرهـا
ومن شعره في المذهب قوله في الحسين عليه السلام:
إليك ابن طاها إلى غيرك انتحت ركائب قصدي والرجال يسوقها
أتتك تؤم البيد تستعجل السـرى وما عاقها عن قصدها ما يعوقها
عليك لها حق الضيافة والقـرى وأي ضيوف لا توفى حقوقهـا
في أبيات، وله غير ذلك من المراثي الحسينية مما هو محفوظ.

ولد سنة ألف ومائتين وثلاث وخمسين.

وتوفي سنة ألف وثلاثمائة وثلاث عشرة بالنجف ودفن بها.

والأعصم: أصله، النسبة إلى عشيرة من زبيد الحجاز. والله أعلم.

عباس بن علي بن ياسين البغدادي أبو الأمين، المعروف بالشيخ عباس بن الملا علي:

كان فاضلا أديبا، جميل الشكل، حسن الصوت، لطيف المعاشرة، وكان أبوه بغداديا تقيا، هاجر من بغداد ومعه ابنه هذا وهو رضيع إلى النجف، فنشا ولده هناك، وكان وقاد الذهن، حاد الفهم، وسيما، ذا عارضة شديدة، وهمة عالية، مشاركا في العلوم على صغره، وفيه يقول عبد الباقي:
تسامى على الأقران فهو أجلهـم وأكبرهم عقلا وأصغرهـم سنـا
وصاهره الحسين بن الرضا الطباطبائي على شقيقته فهنأه بعرسه بقوله:
321
منحتك من بعد الصدود وصالها وأتتك تسحب في الدجى أذيالهـا
هيفـاء مائسـة القـوام كأنمـا لعب الصبـا بقوامهـا فأمالهـا
ما كان إلا عـن دلـال صدهـا يا ما أحيلـى صدهـا ودلالهـا
للـه أيــام سلفــن برامــة ما كنت أحسب أن أرى أمثالهـا
لولا ليـال نـال فيهـن المنـى من أدركت فيـه العلـى آمالهـا
ذاك الحسين إمام حـق ميـزت فيه الخلائق رشدهـا وضلالهـا
ملك يجود على الوفـود برفـده من قبل أن تبدي إليـه سؤالهـا
يا بن الأولى نزل الكتاب بفضلهم والنـاس فيهـم أنزلـت آمالهـا
تفديك يا فـرد الأمائـل غـادة فاقـت بنسبتهـا لكـم أمثالهـا
طوبى لها قد أدركت ما أملـت قد أدركت ما أملت طوبى لهـا
وهي طويلة.

ومن شعره في الغزل قوله رحمه الله تعالى من قصيدة أوله:
عديني وامطلي وعـدي عدينـي وديني بالصبابـة فهـي دينـي
ومنـي قبـل بينـك بالأمانـي فـإن منيتـي فـي أن تبينــي
سلي شهب الكواكب عن سهادي وعن عـد الكواكـب فاسألينـي
بقول في آخره:
فها أنا محرز قصـب المعالـي وما جاوزت نصـف الأربعيـن
وقوله:
حبذا العيـش بجرعـاء الحمـى فلقد كان بهـا العيـش رغيـدا
لا عـدا الغيـث رباهـا فلكـم أنجز الدهر لنـا فيهـا وعـودا
ولكـم فيهـا قضينـا وطــرا وسحبنـا للهـوى فيهـا بـرودا
وهي طويلة. وقوله:
322
حيي بالرقمتيـن حيـا أقامـوا حبـذا منـزل لهــم ومقــام
وصولني حتى إذا ملكوا القلـب جفوني فاعتاد جسمـي السقـام
أهل ودي هل يسمح الدهر يوما بلقاكــم وتسعــف الأيــام
إنما أنتـم المنـى حيـث كنتـم ولقلبـي أنـى أقمتــم هيــام
يـا حبيبـا لديـه قتلـي مبـاح في سبيل الهوى وصلي حـرام
لك ألقى الهوى زمامـي وقدمـا أنا ممـن يلقـى إليـه الزمـام
وهي طويلة أيضا.

وقوله من قصيدة أوله:
غواني الخيف عن نعت غوانـي وعاينهـن لا ينفــك عــان
غـوان لا يـزار لهـن مغنـى ولكن في القلـوب لهـا مغـان
نماني للعلـى شرفـي وفضلـي إذا قـال الغبـي أبـي نمانـي
كفانـي إننـي لعلـاي دانــت بنو العليـاء مـن قـاص ودان
وحسبي أنني مـن حيـث أبـدو أشـار النـاس نحـوي بالبنـان
وقوله:
إلام تسـر وجـدك وهـو بـاد وتلهـج بالسلـو وأنـت صـب
وتخفي فرط حبك خـوف واش وهل يخفى لأهل الحـب حـب
وتصبو للغويـر وشعـب نجـد وغير الصب لا يصيبـه شعـر
نعم شب الهوى بحشـاك نـارا وكم للشـوق مـن نـار تشـب
تشـب ومنـزل الأحبـاب دان فهل لي بعد بعـد الـدار تخبـو
فلي مـن لاعـج الزفـرات زاد ولي من سافح العبرات سـرب
وبين القلـب والأشجـان سلـم وبين النـوم والأجفـان حـرب
وقوله:
323
صبرت على ما لو أطال قليلـه على هذه الدنيا أحـال نهارهـا
فلله دهري مـا اشـد اعتـداءه ولله نفسي ما أجل اصطبارهـا
وقوله:
لــذ إن دهتــك الرزايـــا والدهــر عيشــك نكـــد
بكاظــم الغيــظ موســـى وبالجــــواد محمـــــد
وقوله مخمسا أبيات عبد الباقي العمري في مديح أمير المؤمنين عليه السلام:
رعى الله بالزوراء سالف أعصر سلفن وصفو العيش غير مكـدر
ويوم علونا فوق أظهـر ضمـر (وليلة حاولنـا زيـارة حيـدر
وبدر دجاها مختف تحت أستار)
قصدنـا عليـا يشافـي عليلنـا لديه ويطفي من جـواه غليلنـا
ومذ كان إدلاجـا بليـل ذميلنـا (بإدلاجنا ضل الطريـق دليلنـا
ومن ضل يستهدي بشعلة أنور)
ذميلا وإدلاجـا إلـى أن آمالنـا عنيف السرى حتى التزمنا رحالنا
وكنا ظننا النار تهـدي ضلالنـا (فلما تجلت قبة المرتضـى لنـا
وجدنا الهوى منها على النور لا النار)
وقوله رحمه الله:
أيهـا الخائـف المـروع قلبـا من وباء أولـى فـؤادك رعبـا
لذ بأمن المخوف صنو رسـول الله خير الأنام عجمـا وعربـا
واحبس الركب في حمى خير حام حبست عنده بنو الدهـر ركبـا
وتمسـك بعـزه والثـم التـرب خضوعـا لـه فبـورك تربـا
وإذا ما خشيـت يومـا مضيقـا فامتحن حبـه تشاهـده رحبـا
واستثره علـى الزمـان تجـده لك سلما من بعد ما كان حربـا
324
فهو حصن اللاجي ومنتجـع الآ مل والملتجي لمن خاف خطبـا
من به تخصـب البلـاد إذا مـا أمحل العام واشتكى الناس جدبـا
وبه تفرج الكروب وهـل مـن أحـد غيـره يفــرج كربــا
يـا غياثـا لكـل داع وغوثـا ما دعـاه الصريـخ إلا ولبـى
وغماما سحت غـوادي أياديـه فأرزت بواكـب الغيـث سكبـا
وأبيـا يأبـى لشيعتـه الضيـم وأنـى والليـث للضيـم يأبـى
كيف تغضي وذي مواليك أضحت للردى مغنمات وللمـوت نهبـا
أو ترضى مولاي حاشاك ترضى أن يروع الردى لحزبـك سربـا
أو ينال الزمان بالسـوء قومـا أخلصتك الولا وأصفتـك حبـا
حاش لله أن ترى الخطب يفنـى يا أمانا من الـردى لـك حزبـا
ثـم تغضـي ولا تجيـر أناسـا عودتهم كفاك في الجدب خصبا
لسـت أنحـو سـواه ولا علـاه ولو أني قطعـت إربـا فإربـا
في حماه أنخـت رحلـي علمـا أن من حل جنبـه عـز جنبـا
لست أعبـأ بالحادثـات ومـن لاذ بآل العبا فـذا ليـس يعبـا
وهي طويلة:
لا ولا اختشي هوانـا وضيمـا وبه قـد وثقـت بعـدا وقربـا
وبه أنتضي على الدهر عضبـا إن سطا صرفه وجـرد عضبـا
وبه أرتجي النجاة مـن الذنـب وإن كنت أعظـم النـاس ذنبـا
وهو حسبي مكن كل سوء وحسبي أن أراه إن مسني السوء حسبـا
وله غير ذلك في الأئمة.

ولد سنة ألف ومائتين وأربع وأربعين، وهاجر به أبوه في سنة الطاعون الكبير سنة سبع وأربعين.
325
وتوفي أواسط رمضان سنة ألف ومائتين وست وسبعين بالنجف، ودفن بالصحن تجاه باب الرواق الكبير، ويقال في سبب موته إنه هوى ابنة أحد الأشراف وأخفى هواه، حتى أنحله، فلما علم بذلك أبوها وكان يحبه، عقد عليها وأدخلها عليه، فلما نظرها أنشده:
ولما رأتني في السياق تعطفـت علي وعندي من تعطفها شغـل
أتت وحياض الموت بيني وبينها وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل
ثم قضى نحبه، رحمه الله، كما يقال: إنها كانت تخفي هواه أيضا، فماتت بعده بلا فاصلة.

عباس بن قاسم بن إبراهيم بن زكريا بن حسن بن كريم بن علي بن كريم بن علي بن عقله الكندي من ذرية المقداد، أو الغفاري من ذرية أبي ذر على الخلاف، البغدادي، المعروف بالزيوري:

كان أديبا شاعرا، متوسط الطبقة، حسن التاريخ ذا بديهة به سريعة، رأيته قبل وفاته بسنوات، فرأيته يقتضب التأريخ اقتضابا سريعا، فكأنه كان معدا عنده، له تخميس العلويات والسبع والهاشميات السبع والهمزية النبوية وغير ذلك، رأيتها بتصحيحه، وقد نظمه سنة 1298م، سافر إلى اليمن ثم إلى مكة ثم عاد إلى بغداد.

فمن شعره قوله مخمسا الأبيات الشهيرة في العذار:
ظعنوا وما التفتوا إلى معمودهـم والآس زانته ريـاض قدودهـم
فهتفت ادعو عند نقض عهودهم (ومعذرين كأن نبـت خدودهـم
أقلام در تستمد خلوقا)
326
ما ضر في شرع الهوى لو أنجزوا ميعادهم وعن الوشـاة تحـرزوا
لله ما صنعـوا ومـاذا جـوزوا (قرنوا البنفسج بالشقيق وطرزوا
تحت الزبرجد لؤلؤا وعقيقا)
معنى الجمال اشتق من معناهـم وأقام ركب الحسن في مغناهـم
تالله حتـى الحشـر لا أنساهـم (فهم الذيـن إذا الخلـي دعاهـم
وجد الهوى بهم إليه طريقا)
وقوله مخمسا أبيات أخرى في الغزل نسبت لخالد الموسوس:
نص فتوى الغرام قد صح عنـي واستعار الورق النياحـة منـي
من شفيعي لأهـل ظبـي أغـن (حجبـوه عـن الريـاح لانـي
قلت يا ريح بلغيه السلاما)
ويك يا ريح لم نسيمـك ساكـن فأسر بالصوت وهو في الحجب ساكن
فأجابـت بـأن أهـل المساكـن (لو رضوا بالحجاب هان ولكـن
منعوه عن الهبوب الكلاما)
ومن شعره في المذهب تشطير الهائية الأرزية، وتخميس أبيات الصفي وهي:
صفي ذو الأصل مذ حدثت عما بـه الرحمـن خصكـم وعمـا
فقلت لمـن بـه الأنعـام تمـا (أميـر المؤمنيـن أراك لمــا
ذكرتك عند ذو حسب صغى لي)
يقول لي السـرور جلبتـه لـي إذا حدثته لـك بعـض فضـل
ويرفعنـي إلـى أسنـى محـل (وإن كررت مدحك عنـد نغـل
تكدر عيشه وبغى قتالي)
محبـك والعـدو زكـا بجـزء لحبك ذا وذا ثبت ابـن قـروء
عرفتك فارتضيتـك قبـل بـدء (فصرت إذا شككت بفعل مـرء
327
ذكرتك بالجميل من الفعال)
بـراك اللـه للمخلـوق آيــا بحبك كي يبيـن لـك السجايـا
فتمتـاز الهـداة مـن البغايــا (وها أنا مخبـر عنـك البرايـا
فأنت محك أولاد الحلال)
وله غير ذلك من المديح والرثاء المشهور.

توفي بفارس سنة أف وثلاثمائة وخمس عشرة في طهران عاصمتها، رحمه الله تعالى بمنه.

عبدان بن محمد الأصفهاني الخوزي:

كان خفيف الروح، ظريف الجملة، كثير الملح، معاصر لأبي العلاء الأسدي، ولقي منه الألاقي الهجائية، وكان قوي أسر الشعر، شديد العارضة، فمن شعره قوله من أبيات [من الوافر]:
تكلفنـي التصبــر والتسلــي وهـل يستطـاع إلا المستطـاع
وقالـوا قسمـة نزلـت بعـدل فقلنـا ليتـه جــور مشــاع
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة علوية ذكرها الثعالبي [من المنسرح]:
واحريا إن قضيـت لـم أر مـا آملــه فيكــم وواحزنـــي
كم غاصب حقكـم ليهـز لكـم وقد تفقـا مـن شـدة السمـن
وذكره في المعالم من مداح أهل البيت، ولم أعثر على شعر له غير هذا.

توفي في حدود الأربعمائة في أطراف أصفهان، رحمه الله تعالى.

عبد الحسين بن إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى العاملي النباطي، المتقدم ذكر أبيه وجده:

فاضل لم ينازع في فضله، وأديب ينتمي الأدب منه إلى أهله، ضم إلى العلم الأدب
328
فكان فيه العلم، ومن يشابه أبيه فما ظلم.

ولد في النجف ثم سافر عنها إلى جبل عامل مع أبيه، وعاد لتحصيل العلم، فرأيته يتفجر فضلا، ويتوقد ذكاء، إلى أخلاق كريمة، ومكارم عميقة، وطلاقة وجه ولسان ويد، فنال مناه، وعاد إلى مثواه، وشعره في الطبقة العالية، فمنه قوله من قصيدة:
هب للخزامى من شذاك الريحـا وإلى الندامى من لماك صبوحـا
يا ريم كم لـك بالبقـا إقلاعـة ملأت قلوب العاشقيـن جوحـا
ترنو فتفسح مقلتـاك دم الحشـا وتعب مقلتـك الـدم المسفوحـا
وسقيم قدك وهي حلفة صـادق بمريض لحظك ما تركت صحيحا
الله من خال بوجهـك عاكـف للهيـب خـدك لـازم التسبيحـا
علمت سمر الخط لينـا والظبـا فتكا وغزلان الصريـم سنوحـا
وبعثت للـورد الجنـي تبسمـا وهالة البـدر المنيـر وضوحـا
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة يرثي بها علي بن الحسين عليهم السلام:
أفديـه مـن ريحانـة ريانــة جفت بحر ظمـا وحـر مهنـد
بكر الذبول على نضارة غصنه إن الذبول لآفة الغصـن النـدي
ماء الصبا ودم الوريـد تجاريـا فيه ولاهـب قلبـه لـم يخمـد
لم أنسه متعممـا بشبـا الظبـا بين الكمـاة وبالأسنـة مرتـدي
يلقى ذوابلهـا بذابـل معطـف ويشيـم أنصلهـا بجيـد أجيـد
خضبت ولكن مـن دم وفراتـه فاخضر ريحان العذار الأسـود
جمع الصفات الغر وهي تراثـه من كل غطريف وشهـم سيـد
في بأس حمزة في شجاعة حيدر بإبا الحسين وفي مهابـة أحمـد
يرمي الكتائب والفلا غصت بها في مثلها مـن بأسـه المتوقـد
329
حتى إذا ما غاض في أوساطهم بمطهـم قـب الأباطـل أجـرد
عثر الزمان به فغـودر جسمـه نهب القواضب والقنا المتقصـد
ومحا الردى يا قاتل الله الـردى منه هلال دجـى وغـرة فرقـد
يا نجعة الحيين هاشـم والنـدى وحمى الذمارين العلى والسـؤدد
كيف ارتقت همم الردى لك صعدة مطـرورة الكعبيـن لـم تتـأود
فلتذهب الدنيا على الدنيـا العفـا ما بعد يومك من زمـان أرغـد
وقوله مناما في ما حدثني به ولده في النجف الشيخ حسن، قال: رأى أبي ليلة أحد الصادقين عليهم السلام - الشك منه - فقال لأبي: أجز هذا البيت:
لا عذر للعين أن لم تنفجر علقـا وللحشاشة إن لم تنفطـر حرقـا
فأجازه له بقوله:
أحرى بأن تفنيا في عبرة ولظى وتبغيان ولات الحين حيـن بقـا
أليس علة إيجاد الوجود قضـى نحبا وغودر في ضاحي الطفوف لقا
معفر الجسم عاريـه مضرجـه مذ ضاعف الطعن في جثمانه الحلقا
بي من أبي السيد السجاد قلب هدى منه برغم العلى سهم الردى مرقا
وجسم مجد على ما فيه من ظمأ تمج منه العوالي صيبـا عذقـا
لئن قضى بين أطراف القنا عطشا فكم دم لأنابيب الرمـاح سقـى
وإن يمت بين متلف الظبا سغبـا فبعد ما أطعم الهندي حزب شقا
ثم إنه أتمها قصيدة عند يقظته. وقوله من قصيدة أوله:
كم البيض بالأغماد حرى شفارها متى يرشح الكوت الزؤام غرارها
وحتى مَ سمر الخط صادية الحشا أما أن يطفى بالنجيـع أوارهـا
ألا حاسر من هاشم في عزائـم يغض بها سهل الفلا ووعارهـا
330
لم تبق قوس الحفيظـة منزعـا ونسوتها بالطف ضاع خفارهـا
تقلب طرفا بالنـدى فـلا تـرى لها من حمي فيه يحمي ذمارهـا
وهي طويلة، وله كثير في مدائح الأئمة ومراثيهم.

ولد في حدود سنة ألف ومائتين واثنتين وثمانين على ما أخبرني به ولده المذكور، وهو اليوم حي في النباطية من الجبل، مجد في إحياء سنن الشريعة بين الشيعة سلمه الله تعالى.

ثم جاء الهاتف ناعيا تلك الروح الطاهرة والنفس المطمئنة في ثاني عشر ذي الحجة من سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وستين ذاكرا وفاته بالنباطية من جبل عامل في سوريا، فأقيمت له التعازي والمآتم في العراق، رحمه الله تعالى، وقد خلف أولادا نال زعامة الفضل منهم ولداه الشيخ حسن والشيخ محمد تقي، وهما عالمان شاعران.

عبد الحسين بن أحمد بن شكر النجفي، المعروف بالشيخ عبد الحسين شكر، أبو المرتضى:

كان من أفاضل الأدباء، وأحاسن الشعراء، وذوي البديهة منهم، والإكثار في الشعر، قاصد ناصر الدين شاه العجم فمدحه بروضة فأجزل عطيته، فعاد إلى النجف ثم سافر مرة أخرى لطلب راتب فأعطاه ناصر الدين شاه راتبا وعينه، ثم عاد فسكن كربلاء ثم عاد إلى إيران فمات بها.

فمن غزله قوله:
لي شادن يرتع في حب الحشـا يفعل فيـه لحظـه كيـف يشـا
قد صادني فـي حظـه ولفظـه واعجبـا مثلـي يصيـد الرشـا
أما اختشى ظبي يصيد ضيغمـا ظبي يصيد ضيغما أما اختشـى
331
ومن شعره في المذهب قوله في سنة ألف ومائتين وخمس وسبعين حين دخل إلى النجف بعض النواصب، وأراد أن يطأ الروضة الحيدرية ولم يخلع النعل، بعدما سئل ذلك فأبى ودخل، حتى إذا قارب الضريح شوهدت كف خرجت وضربته لطما على خده، فوقع وحمل إلى منزله فمات، وقد مرت أبيات الشيخ أحمد قفطان في ذلك:
ورجس زنيم رام يوطـا نعلـه على قدس أرض بل على حضرة القدس
وهم بأن بعلو على عرش قـادر بقدرته قد قوم العرش والكرسي
أراد استراق السمع من ملأ غدت به الرسل حراسا ولم يخش من بأس
فخر شهاب من سمـاء لرجمـه فأحرق شيطانا على صورة الإنس
ألم يدرك أن فيه الملائك خضعا ومن خيفة قامت صفوف بلا همس
وإن به أوحـى لموسـى إلهـه بأن قبل خلع النعل يخلع للنفـس
فلله من أرض سمت قبة السمـا وعاقت عن العيوق حتى عن المس
أضاء لنا في عالم النور نورهـا فنور بلا بدر وضوء بلا شمس
لقد ضمنت فصل الخطاب الذي علا عن الجنس فامتازت بفصل بلا جنس
حوت ملكا استغفر الله بل علـى وجل عن الأهواء وعز عن الحدس
أتحويه أرض وهو في كل عالم شهيد ومشهود على الغيب والحس
أينصب فينا شاهد غير حاضـر ويحكم بنيـان جليـل بـلا أس
تعالى إله العرش أن يأمر الورى بحكم ويجري فيهم الأمر بالعكس
فإن اعتقادي فـي علـي بأنـه لرب العلى عين على كل ذي نفس
عليه صلاة الله ما كـان أمـره على العين تلقيه الملائك والرأس
وله في مراثي الأئمة ما يقرب من خمسين قصيدة ومنها روضة مرتبة على الحروف وهي مشهورة.
332
توفي سنة ألف ومائتين وخمس وثمانين في طهران، رحمه الله.

عبد الحسين بن عبد علي بن محمد الحسن صاحب الجواهر في الفقه ابن الباقر النجفي:

فاضل مشارك في الفنون، وأديب مشتمل على المحاسن والعيون، وكريم معم مخول، وظريف له أوفى نصيب من الظرافة إلى تقى ونسك، لم يكن بالخشن العاسي، عاشرته فرأيت منه أديبا حصيف الرأي، لطيف المعاشرة، قوي الذهن، حاد الفكرة، حلو اللفظ، معتدل السليقة، وله شعر رقيق فمنه قوله:
غنأ عن الراح ما في ريقك الخصر وفي محياك عن شمس وعن قمر
يا نبعة البان لا تجني نضارتهـا للعاشقين سوى الأشجان من ثمر
لي منك لفتة ريم عن هلال دجى بغيهب من فروع الجعد مستتـر
يهتز غصن نقا يعطو بجيد رشا يرنو بذي حور يفتر عـن درر
توقدت كفـؤاد الصـب وجنتـه فماج ماء الصبا منهـا بمستعـر
ومن شعره في المذهب قوله مسمطا قصيدة السيد حسين القزويني المتقدمة بتسميطين:
كل بصاع السرى لها خير كيـل واجر فيها مـن الأكـام كسيـل
واسط السير لا تمل كـل ميـل (أيهـا الراكـب المجـد بليـل
فوق وجناء من بنات العيد)
نشرت منسما بساط الفـلا لـف جاوزت نفنفا بـه بعـد نفنـف
ما شاتها الصبا ولا البرق يخطف قد أخفاقها السرى طول ما تـف
لي بأخفاقها نواصي البيد)
ملأت في الخطى من البيد صدرا وفرت من شوامخ الهضب نحرا
333
مرقت لم يحط بها الوهم خبـرا (فهي كالسهم أمكنتـه يـد الـرا
مي أو الريح هب بعد ركود)
تعلو عن مهبط الثرى بارتفـاع سرعة الطير لا تنـي بانقطـاع
شفها طوله ما بها مـن نـزاع (لم يعقها جذب البرى عن زماع
لا ولا الشيح من ثناي زرود)
وسمت جبهة الصعيـد بمنسـم أعجب البـرق صنعـه فتبسـم
قد براها سباقـة الريـح شدقـم (تترامى ما بيـن أكثبـة الـرم
ل ترامي الصلال بين النجود) جنبت عالجـا وكـم عطفـات للمطايــا بعالــج والتفــات تتحسى من نضحهـا رشفـات (تلتـوي كالقسـي منعطفــات أو كشطن من الطوي البعيد) خلها تعمل السري كيف شـاءت ستوفي حسن الثنـا إن أسـاءت وإذا الأيمـن المقـدس جـاءت (لا تقم صدرها إذا ما تـراءت نار موسى من فوق طور الوجود) قبـة زهـرة الهـدى ألبستهـا بهجـة قبـة السمـا نافستهــا ما على الشهب لم تكن لامستهـا (تلك نـار الكليـم قـد آنستهـا نفسه حين بالنبوة نودي) جاوزت بالسنا مدى الفكر سمتـا كيف يدري لها وهيهـات لفتـا قد رآها الكليم فاعتـار صمتـا (وتجلـت لـه فأبهـت حتــى صعقا خر فوق وجه الصعيد) قف فذا مهبط الملائكـة القـدس بلغت أنفس الرجـا فـي أنفـس وتمثل نعمت يا نفـس بالأنـس (وترجل فذاك مزدحـم الـرس
334
ل وهم بين ركع وسجود)
مأمــن الهــدى ملتجيـــه وحمى من لظى حمـى زائريـه
لم يخب حاشـا رجـا قاصديـه (كيف لا تعكف الملائـك فيـه
وبه كنز علة الموجود)
حـرم أنهـل الثنـا منتحيــه مـوردا رد بالمعنـى وارديـه
أنقعت غلة الرجا الرسـل فيـه (وهي لولـاه لـم تـرد وأبيـه
صفو عذب من سلسل التوحيد)
لـم يدنـس منـه إدراك حـس ليـس يـدري لذاتـه غيـر أس
فهو في حالتـي نعيـم وبـؤس (ملك قائـم علـى كـل نفـس
بهدي المهتدي وكفر العنيد)
طاب في مغـرس النبـوة نبتـا من أفاريق حكمـة اللـه يؤتـى
هـو واللـه والعوالـم شتــى (آيـة تمـلأ العوالـم حتــى
جاوزت بالصعود قوس الصعود)
ذاك مـن للعـلا سنـام وذروه ولضعف الهـدى قـوام وقـوه
ليس يسمو وهم وحاشى سمـوه (لم يحطه وهم وهل يرتقى الوه
م لأدنى طرافة الممدود)
من لنفس الإيمان أنفـس علـق حبـه زان بالـولا كـل عنـق
من تحرى الهدى بخلـق وخلـق (من تعرى عمن سـواه بسبـق
كنه معناه جل عن تحديد)
أن يشاطر نعيمك الدهـر بؤسـا أو تكدر منـك الطـوارق أنسـا
لا تخف في حماه للدهـر يأسـا (حي من مطلع الإمامـة شميـا
هي عين القذى لعين الحسود)
335
جل مـن منـه البهـاء كساهـا وبأنوارهـا الكواكـب باهــى
قد تجلت يغشي العيـون سناهـا (بهـج الكائنـات روح سناهـا
ولقلب الجحود ذات الوقود)
قف بحيث الأملاك ترفع قـدرا ضربت دونهـا المهابـة ستـرا
واستف الترب فهو أطيب نشـرا (وانتشق من ثرى النبوة عطـرا
نشره ضاع في جنان الخلود)
أنى رمت بيضها الليالي السـود وأشابـت صفـاك فـي تنكيـد
شم لباب المـراد بـدر سعـود (واستلـم للجـواد كعبـة جـود
تعتصم عنده بركن شديد)
طبـع اللـه ذاتـه منـه طبعـا فبراه أحلى من اللطـف طمعـا
هو فـرد أبـاد للشـرك جمعـا (هو غيث البلاد إن قطب العـا
م وغوث للخائف المطرود)
مـن ولاء للديـم جسـم وروح لخوافي الفرقان فيـه وضـوح
هـو نصـر اللـه فيـه فتـوح (هو سـر الإلـه لولـاه نـوح
فلكه ما استقر فوق الجودي)
نـزه اللــه ذاتــه فأكنهــا شاطرت ذاتـه طباعـا وكنهـا
حبه من لظى حمى وهو عنهـا جنـة أتقـن المهيمـن منهــا
محكم السرد لا يدا داود)
أسهم الحادثـات عـن لابسيهـا تنبـو لا بـل مهابـة تتقيهــا
لا يمس الـأذى جسـم ذويهـا (لا تبالـي إذا تحـرزت فيهـا
برقيب من زلة أو عتيد)
أنتـم صفـوة اللـه اصطفاكـم أمنــاء لســره واجتباكــم
336
أنـا مستمسـك بحبـل ولاكـم (يا أميـر لا أرى لـي سواكـم
آمرا ماسكا بحبل وريدي)
لسواكم زيـادة الحـب نقـص أثـر الديـن فيكـم يستقــص
بالولا مـن سواكـم لا أخـص (أنتم عصمتي إذا نفـخ الصـو
ر أمني من هول يوم الوعيد)
جنـب اللـه والمعــاد إليــه ذائقي طعـم حبكـم كـل تيـه
فلـي الفـوز بالنعيـم لديــه (قـد تغذيـت حبكـم وعليــه
شد عظمي وابيض بالرأس فودي)
لست أخشى للطارقات طروقـا بعدما فيكـم اعتصمـت وثوقـا
قد أعاد الـولا عـودي وريقـا (كيف أخشى من الجحيم حريقـا
وبماء الولاء أورق عودي)
وقوله من حسينية:
حق أن تسكبي الدمـوع دمـاءا يا جفوني أو أن تسيلـي بكـاءا
صبب الدمع في زفيـر إذا مـا أعوز الدمـع صعـد الأحشـاء
وجوى الـزم الخفـوق فـؤادي وضلوعي على اللهيـب احنـاءا
فعذيري مـن أن يبـارح قلبـي بعـد بيـن الأحبـة البرحـاءا
كيف أسلوهم وقـد بلـغ الـداء بقلبي أن ليـس يسلـوا الـدواءا
غادروا ناظري من الدمع ملآنـا متـى شاهـد الديـار خــلاءا
قـد تعفـت إلا بقايـا رسـوم كاد يقضي البلى عليهـا عفـاءا
زاد كرب البلاء بها فكأن القلب فيهــا مشاهــد كربــلاءا
شد ما قـد لقـي بهـا آل طـه مـن رزايـا تهـون الـأرزاء
مزقتهـم الحــوادث حتــى عـاد أبنـاء أحمــد أنبــاءا
337
جمعت شملهم ضحى فعى الخطيب عليهــم ففرقتهــم مســاءا
ودعتهـم سلمـا أميـة لكــن أسلمتهم لمـا أجابـوا الدعـاءا
لجنود يجري بها الغي مجرى السيل لا تبصـر الرشــاد عمــاءا
كان أدلى بها الضلـال حقـودا ورثتهــا آباؤهــا الأبنــاءا
أظهروا للحسين ما قـد أسـروا لأبيـه الشحنـاء والبغضــاءا
ومذ استحكمت عرى الخطب حتى ضيقت في بني النبي الفضـاءا
هب فيها الإبا فشعـت شموسـا فاستطار الأعداء رعبـا هبـاءا
وأبـو لــذة الحيــاة بــذل ورأوا عـزة الفنــاء بقــاءا
وأفاضـوا مـن الحفـاظ دروع الصبر شوقا إلى الردى لا اتقاءا
بي من أرخصوا النفوس غوالي السو م لا تعـرف الهـوان إبــاءا
كـل مستعصـم بحـزم يريـه مـن بعيـد أمامـه مـا وراءا
يتهادون تحـت ظـل العوالـي كالنشاوى قد عاقروا الصهبـاءا
شعشعوا البيض في القتام وشعت بيض أحسابهـم لهـم فأضـاءا
أوجب المصطفى عليهم حقوقـا أحسنـوا دون الحسيــن أداءا
ففـدوه بأنفـس قـل أن لــو تفتدى دونهـا النفـوس فـداءا
وقضوا تشـرب القنـا السمـر والبيض دماهم حول الفرات ظماءا
يا بنفسي منهم وجوها يوم البدر منهـا لـو استمــد السنــاءا
خضبتها الدما لكي تشهد الحـر ب بـأن غيبـوا بهـا شهـداءا
ليت لا قـرت البسيطـة ظهـرا والسماوات لا استقامـت بنـاءا
وابن طه ملقى على الترب عاري الجسم يكسى من العجـاج رداءا
وجدير أن لا يسوغ ورود الماء والسبـط مـات مـا ذاق مـاءا
أيها المرهب المقادير يـا مـن بأسه صرف الردى كيف شـاءا
338
والذي حارت العقـول وضلـت فيه إذا لـم تجـد لـه نظـراءا
كيف يغضي على القذى منك جفن لم يعود علـى قـذى إغضـاءا
أصبح الأمر لابن هند وأمسـت آل حـرب عليكــم أمــراءا
حكم السيف ماضيا فـي رقـاب العلويين كيـف شـاء اجتـراءا
فأبـاد الرجـال واستأصـل الأ طفال واستاق كالإمـاء النسـاءا
وهي طويلة وله غيرها.

ولد سنة ألف ومائتين واثنتين وثمانين.

وهو اليوم حي في النجف.

ثم توفي ليلة السبت الرابعة من ذي الحجة من سنة ألف وثلاثمائة وخمس وثلاثين، ودفن في مقبرة آبائه في النجف، رحمه الله.

عبد الحسين بن عمران الحويزي النجفي، الشهير بالخياط:

شاعر يبيع الشعر حسب السعر، على انه لا يقيم أوده، ولا يسد عوزه، فهو يتحرف بالتجارة اليوم بعد الخياطة أمس، والشعر سميره في أوقاته، فهو لا تلهيه عنه تجارة، اجتمعت به فرأيته مكثر الشعر، طويل الباع في نظمه، إلا أن شعره من الطبقة الوسطى، قرأ لي يوما قصيدة يرثي بها رجلا عالما، فقلت له: من هذا الذي رثيته؟ فقال: إن فلانا وفلانا وفلانا مرضى، ولا بد أن يموت واحد منهم، فوافق تقدير الأمر وسمعتها، وقد قرأت في رثاء من لا أوثر ذكره.

فمن شعره قوله من قصيدة:
يا فننا لـي بـه الجـوى فـن أجـن فيـه إذا الدجـى جــن
دمـي وسـوداء مهجتـي فـي خديــه هــذا وذا تبيـــن
339
عجبـت للخـال وهـو عبــد بحـر وجـه لــه تسلطــن
ملـك تجلـى بطـور حســن كـل مليـك لديــه أذعــن
أوجـس خوفـا كليـم قلبــي لسحـر طـرف لـه تفرعـن.
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة حيدرية:
أجريت قلبـي بالدمـوع مذابـا فانهل عارض أعينـي تسكابـا
ما أومضت جذوات قلبي بارقـا إلا وأرسلـت الدمـوع سحابـا
لي وقفة بالجزع صيرت الجوى قوتا وأسـراب الدمـوع شرابـا
قد أوهنت جلدي الخطوب ومفرقي من قبل ريعـان الشبيبـة شابـا
وأقام بـازي المشيـب بلمتـي حتى أطار من الشبـاب غرابـا
يقول فيه:
يا جامعا شمل الهـدى ومفرقـا بالسيف يوم الخنـدق الأحزابـا
جدلت عمرا حين أقبـل معلمـا متسربـلا زبـر الحديـد ثيابـا
وأخفت أبطال اليهـود بضربـة قدت لمرحـب مغفـرا وإهابـا
وأقمت قاعدة الهـوى بمواقـف فيها قلعت لحـص خيبـر بابـا
ونشرت للإسلـام أرفـع رايـة بالفتـح سماهـا النبـي عقابـا
وبيوم بدر قـد دلفـت مبـادرا في الحرب تغرس في الصدور حرابا
يا ليث غابات الوغى كيف العدى ولجت طوارقـه عليـك الغابـا
ما خلت والأقدار عونك في الوغى يمسي لشيبتك النجيـع خضابـا
أردتك يا أسد العريـن عصابـة نبحـت بداجيـة الظلـام كلابـا
درت الشجاعة يوم قتلـك أنهـا فقـدت بفقـدك ليثهـا الوثابـا
يا ضربة للديـن هـدت جانبـا ولـه أماتـت سنـة وكتابــا
340
فنعـاه جبريـل بلوعـة ثاكـل لو لاقت الصخر الأصـم لذابـا
وهي طويلة.

وله في أهل البيت عليهم السلام شعر كثير، منها مباراة الهائية الأزرية في نحو ألف بيت، وغير ذلك.

ولد في حدود الألف والمائتين والتسع والثمانين، وهو اليوم حي في أطراف النجف في حرفته، وفقه الله وسلمه.

ثم فارق النجف إلى شفاثا ثم سكن كربلاء واشتغل بالعلم، وبقي إلى الآن أعني سنة 1362 ه حفظه الله تعالى.

عبد الحسين بن قاسم بن الحسين من آل محي الدين بن أبي جامع العاملي النجفي:

كان فاضلا أديبا شاعرا، مكثر الشعر، حسن المحاضرة، لطيف المذاكرة، كثير المدح في الأمراء والعلماء وذوي الشرف، واختص بوادي رئيس قبيلة زبيد، فمدحه بغرور من شعره، وكان عالي الطبقة في الشعر، ظريفا إلى الغاية.

زاره والدي - المذكور - فرأى عنده ابنة له فلاطفها، وقال: سبي أباك وأعطيك قرطين من ذهب، فلم تقبل، فجعل يزيد لها في العطية، فقال المترجم له: أيها الشيخ لا تكلفها، ففطن لذلك وقال له، هذه شهادة منك بأني كذلك، أشار بقوله لا تكلفها إلى قول كثير من قصيدته المشهورة:
يكلفها الغير إن سبي ومـا بهـا هواني ولكـن للمليـك استذلـت
وأشار والدي بقوله هذه لشهادة إلى قول المتنبي من قصيدة:
وإذا أتتك مذمتـي مـن ناقـص فهي الشهادة لـي بأنـي كامـل
فمن شعره خاليه مدح بها الشيخ حسن صاحب أنوار الفقاهة، وعارض بها خلية
341
بطرس كرامة التي أشرنا إليها وهي:
يمين للندى فـي الجـدب خـال تجود حيا إذا ما ضن خال - سحاب ماطر
لواء العـز أنـت لنـا إذا مـا علينا جر للأرزاء خال خطـب
أرى كبر النفـوس لكـم ولمـا يشن أخلاقكم للتيه خـال كبـر
فيا لك من فتـى سمـح بمـال وما هو بابتذال العرض خال سمح
أخال بك المنى فأنـال قصـدي ولم يخلف بما أملت خال ظـن
سرى للشام منك حديـث فخـر إلى نجد وطبق منك خال موضع
بوجه الدهر ذكرك خال حسـن كما قد زين الحسناء خال خـال
ونور فعالـك الحسنـا ريـاض لزهرتنا فما رند وخال نبت له نور
فيـا جبـلا نلـوذ بـه إذا مـا تداعى عن وقوع الخطب خال جبل
ويا حسن البصيرة فـي الخفايـا وهاديها إذا ما ضل خال حـادي
ضعيف الجسم من جدواك عوفي فلم يلبث من العافين خال احتياج
لقد أضلعت مـن جـارى فكـل به عن سبق ما أدركت خال ضلع
وألجمت المناظر فـي القضايـا أجل علياك للقربـاء خـال راع
أبا العباس أنت عممـت جـودا بني حوا فما عم وخال أخو الأم
أما تعجب بمـا أدركـت كبـرا وفيك على به ذا الدهـر خـال
بري أنت مـن درن المخـازي وعرضك من ذميم اللؤم خال الخالي
أخال بـأن مثلـك مـا رأينـا وقد ظن الورى مثلي وخالوا تخيلوا
توسمنـا بـك الخيـرات حتـى أصباناها وحقق فيك خالالظـن
فيا حرم العفـاة إليـك أمسـت رواحل وفدنا فرس وخال بعيـر
لقد أقفـرت مربـع كـل غـي وآنست الهـدى وحمـاه خـال
صحبت علي ولم تصحب ذميما فأنت لذمة العلياء خـال ملـازم
342
أبرق غيوث كـل نـدى عميـم أوجهك مشرق أم لاح خال برق
خلفت أبـاك فـي علـم وديـن وأنت بشرعة الإسلام خال علـم
ومن شعره في المذهب قوله في أمير المؤمنين عليه السلام:
أبا حسن يا حامي الجار دعـوة تخصك من زيد سواك ومن عمرو
فأنت ابن عم المصطفى ووصيه وصاحبه بين الخليقة والصهـر
ابن لي ما الإضاء عمن لك التجى فذاك جميع العالمين وما السـر
أهل لخطايانا فـذي عـادة لنـا كما كان من عاداتك الصفح والستر
أم السر لا تسطيع حاشاك إننـا لنعلم أن في كفك النهي والأمـر
وقوله في المهدي عليه السلام والتحية:
ترتجي من هوى الغواني انطلاقا بعدمـا أحكـم الفـؤاد وثاقــا
لم يقدني الهوى إليها وكـم قـاد هواهـا أخـا النهـى استراقـا
عاد باليأس من خداعي فما أدرك بـي صبــوة ولا استرقاقــا
وإذا لـذ ذكرهـا سمـع صـب صـب دمعـا لحبهـا مهراقـا
لم يشنف سمعي سوى صوت داع طبقـت دعـوة لـه الآفاقــا
ظهر الحق حجة الحـق مولـى الخلق أزكـى الـورى أعراقـا
ملـك تحـدق الملائـك فيــه ولعليـاه تشخـص الأحداقــا
فيلق كالسحاب يغشى تظلل البيض فيـه تحكـي البـروق ائتلاقـا
وتظل القلـوب تخفـق خوفـا أن تـراءى لوائــه خفاقــا
وإذا بالحجـاز أزمـع حربــا ملأ الرعـب فارسـا والعراقـا
بأبي من يقـود قـب المهـارى سابحات تحت الكمـاة استباقـا
ظللتـه غمامـة قـد أظلــت جده المصطفى ومـدت رواقـا
إن دجا حالـك الضلـال جلـاه بجبين يحكي الصبـاح انفلاقـا
343
ولديه عسـى المسيـح وزيـر والبرايـا خواضــع أعناقــا
فاغثنا يا غـوث كـل صريـخ فالفضا الرحب في مواليك ضاقا
وله في ذلك من المدح والرثاء في أهل البيت عليهم السلام.

توفي سنة ألف ومائتين وإحدى وسبعين في النجف ودفن بها، رحمه الله.

عبد الحسين بن القاسم بن صالح بن القاسم بن محمد علي بن هليل الحلي النجفي:

فاضل مشارك في الفنون، ثاقب الفكر، دقيق النظر، مصنف في العلوم، عاشرته فرأيتها جميل العشرة، كريم الأخلاق، حصيف الرأي، طيب المفاكهة، إلى سليقة معتدلة، ودين قويم، وله أدب جم وشعر غزير، فمن قوله:
أهاج لي التبريج برق سرى وهنا فما خلته إلا بجسمي سرى وهنا
تلوى فقلت الرمح للبيد طاعـن ولم تلق منه غير مهجتي الطعنا
ومر فقلت السهم شك حشى الدجى يقينا وما أودى سوى كبدي المضنى
سما فأرانـا دار أمـن سنـاؤه فلله ما أسمى علوا ومـا اسنـى
وما خلت سهما قط أرنى على النوى من العين نجدا قاب قوسين أو أدنى
أبرق الحمى منا عليك ثناء مـن بجوهرك التبـري قلدتـه منـا
على البعد لي قربت صحبا تفرقوا فجمعت ما بين المحسن والحسنى
وذكرتني عهدا شربت به الهوى دهاقا فما اصفاه كأسا وما أهنى
ومعهد آلاف حـوى كـل لـذة فحزنا الهنا فيه ولم نعرف الحزنا
وربعا غدا فيهم لدى الجدب مربعا ومغنى لهم أضحى لباغي الندى مغنى
فلله كم نادمت فيـه ابـن هالـة على بانة منها ثمار الهوى تجنى
ليال بها الظبي الأغـن معانقـي وملتثمي من خده الروضة الغنـا
344
جننت به بدرا وما مـن ملامـة لذي العقل في ليل الجعود إذا جنا
أثار لنـا حربـا بهائـن غـارة على كل صب صار في حبه شنا
وغادرنا صرعى بمعترك الهوى بلحظ غدا عضبا وقد غدا لدنـا
فما أرخص القتلى وأعلى لظى الوغى إذا صح يوما أنه كسـر الجفنـا
ولاح كأني في هواه ولـم أكـن لا سمع فيه قط من مفصح لحنا
سعى عامدا بالهجر بيني وبينـه فأعطاه في مسعاه ما بيننا إذنـا
لئن مال للواشي فما من ملامـة عليه فإني كنت أعهـده غصنـا
على ذلك الغصن المرنح فليحـم فؤادي فلا يلقى له مثلـه ركنـا
وللجوهر الأعلى من الثغر فلتجد لفرط الأسى عيناي بالغرض الأدنى
وهي طويلة.

وقوله من قصيدة أولها: ((سرت لكن بحلمك موقرات)) يقول في القلم منه:
وجار فـي مضاميـر المعالـي كيـت كـم بـه طعنـت كمـاة
بـه استعبـدت آبقـة المعانـي فعادت وهـي فيـه محـررات
مصـل والمعالـي راكعــات لريـه والمعانــي ساجــدات
إذا أسرجتـه بالـرأي تغــدو الجوامح وهـي فيـه ملجمـات
على الخمس الجواري سار لكـن لـه العشـر العقـول مشيعـات
تنهدهـن مرتضعــا نميــرا لهـا لكنمـا الحلــم الــدواة
وسار على سهول الطرس صلا بـه محيـا البريـة والممـات
يمـج بهـا الأعــداء موتــا ولكـن للمحـب هـو الحيــاة
وعار عن عيوب عـداك لكـن بنسج صنيعـه تكسـى العـراة
يصير بالخفايـا وهـو أعمـى واعلـم لـم تفتــه مغيبــات
شققت لسانـه طـولا لكـي لا تقصر عنـه إذ يملـي الـرواة
345
مصل فوق سطح الطرس لكـن غـدت تأتـم فيـه المشكلـات
تقوم لديـه إن صلـى صفوفـا وهـن مسلمــات مسلمــات
وملك والطـروس لـه سريـر لسطوتـم الممالـك خاضعـات
إذا يغـزو المعانـي جامحـات يؤوب بخير مـا غنـم الغـزاة
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله وقد هاجر من الحلة إلى النجف سنة أربع عشرة بعد الثلاثمائة والألف مرتجلا له:
يا علـي الفخـار فيـك هدانـا الله بع العمـى سـواء السبيـل
كن مقيلي مـن العثـار فإننـي جاعل في ثرى حمـاك مقيلـي
لا أبالـي وقـد تخذتـك كهفـا عاصما لي من كل خطب جليل
أنت من لافح الجحيـم مجيـري وإلـى نافـح النعيـم دليلــي
أنت من خيـر معشـر وقبيـل بحماهم يحمـى ذمـار النزيـل
وقوله وقد رأى تمثال أمير المؤمنين عليه السلام عند السيد محمد القزويني مرتجل:
عجبا لكف صورت من حيـدر شخص المعالي الغر في قرطاس
إن صورتـه فذاتـه وصفاتـه لم يدر ما هي غير رب النـاس
وقوله مشطرا أبيات الحيص بيص التي مرت بترجمته رحمه الله:
(ملكنا فكان العفو منـا سجيـة) بيـوم بطحـاء بمكـة تفتــح
فسالت بفيض العفو منا بطاحكم (ولما ملكتم سال بالـدم أبطـح)
(وحللتم قتل الأسارى وطالمـا) فككنا أسيرا منكـم كـاد يذبـح
ففي يوم بدر مذ أسرنا كرامكـم (غدونا عن الأسرى نعف ونصفح)
فحسبكم هـذا التفـاوت بيننـا) فأي قبيل فيـه أربـى وأربـح
346
ولا غرو إن كنا صفحنا وجرتم (فكل إناء بالذي فيـه ينضـح)
وقوله مخمسا له:
جعلنا بيوم السبـق عبـد أميـة وحرب زوى عنه أنانـا منيـة
وصخرا صفحنا عن حماه حمية (ملكنا فكان العفو منـا سجيـة
ولما ملكتم سال بالدم أبطح)
كرهتم لنا أمرا به شانكـم سمـا وحرم أن يسموا به خلق السمـا
فأوجبتم سبي العذارى لدى الحمى (وحللتم قتل الأسـارى وطالمـا
غدونا عن الجاني نعف ونصفح)
حكتم علينـا بالدمـار وبالفنـا وفينا ومنا نلتـم غايـة المنـى
عفونا وبعد العفـو مثلتـم بنـا (فحسبكم هـذا التفـاوت بيننـا
فكل إناء بالذي فيه ينضح)
وقوله وقد أجاز بها بيتا للشيخ عبد الهادي بن الجواد البغدادي الشهير بالهمداني صاحب منظومة المنطق والكلام وشرحيهما المتوفى سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وثلاثين في قصر شيرين، وكتب الكل في مقام زين العابدين عليه السلام في السهلة:
أيا زين العبـاد فدتـك روحـي وروح الأكرميـن مـن العبـاد
مـرادي أن تبلغنـي مــرادي وليس سواك يا أملـي مـرادي
وعفوا أرتجيـه عـن الخطايـا من المنـان فـي يـوم المعـاد
كفانـي حبكــم زادا إذا مــا وفدت على الكريـم بغيـر زاد
إذا رمت الشفاعة مـن سواكـم فقـد أنزلـت حاجاتـي بـواد
وله في رثاء الحسين عليه السلام قصائد غر، فمنها قصيدة أوله:
لا غرو إن ظهر الغرام زفيـرا وأفضت بحر مدامعي المسجورا
347
يقول في المهدي عليه السلام منه:
لله صبرك كم تغض على القذى جفنا وتوسـع للعـزاء ضميـرا
هذا الكتاب وقد عنيـت بحفظـه يشكو لـك التبديـل والتغييـرا
لعبت به أيدي النفـاق فمزقـت منه سطـورا فيكـم وشطـورا
والشرع أصبـح ذاويـا نـواده بهشيم روضته وكـان نضيـرا
كـم آثـم فتيـاه هـدت ركنـه ولكم تشكى الدست منه كفـورا
وبنو أبيك الغر كـدر صفوهـم جارى القضاء بصرفه تكديـرا
أضحوا وقد سل الشقاء عليهـم عضبا صقيل الشفرتين شهيـرا
ومكابد للذل جـد بـه الأسـى ومصفـد بالقيـد بـات أسيـرا
ومشرد ضاقت به سعة الفضـا يغدو ويصدر خائفـا مذعـورا
هذي هي النوب التي لم تحتمـل منهـا جميـع الأنبيـاء يسيـرا
ومحاسنه كثيرة.

ولد في أوائل محرم سنة ألف وثلاثمائة وواحدة في الحلة، وقرأ بها علوم الآلة، وسافر إلى النجف سنة أربع عشرة - كما ذكرنا - وبقي بها إلى الآن، وهو اليوم مجد في كسب الفضائل والفواضل، سلمه الله تعالى.

عبد الحسين بن قاعد الواسطي المعروف بعبد الحسين الحياوي:

فاضل سمت به الهمة إلى تحصيل الفضل والكمال، فهاجر إلى النجف وعكف على الاشتغال، ونال منه الآمال، وأديب يحسن المحاضرة، ويدأب في المذاكرة، عارته فرأيته صافي السريرة، حسن السيرة، لم يذهب به إلى الشدة، وله شعر متوسط الطبقة، فمنه قوله:
348
قلبـي بقيـد الهـوى مسلسـل فـي ظلـم ثغـر لـه مسلسـل
سلـاف خمـر بـه انتشينــا من غيـر نهـل لنـا ولا عـل
إذا تغنـى بلحــن صــوت طائـر قلبـي علــه هلهــل
مـا مـل قلبـي هـواه لمــا كملـه حسنـه وكــم مــل
رجلنـي عـن جـواد نسكـي إلـى الهـوى جعـده المرجـل
وهي طويلة.

ومن شعره قوله في حسينية:
يـا كالـئ الديــن الحنيــف والأمن من خطـر الصـروف
ومجليــا داجــي الضلــال بنـور رشـد منــه مــوف
بـك يرتجـى ضعـف القـوي وقــوة العانــي الضعيــف
أتـرى تقـر علـى الهــوان وأنـت مـن شــم الأنــوف
وتـرى حقوقـك فـي يــدي قـوم علـى وثـن عكــوف
نبــذوا كتــاب اللـــه وا تبعــوا ملفقــة الحــروف
قـد حكمـوا عــن ضلــة ذئـب الفـلا بابـن الغريــف
والديــن كوكــب رشــده الـــدري آذن بالخســـوف
فاجلــو بطلعتــك المنيــرة للــورى ظلــم الســدوف
وامــلأ بصاعقــة الظبــا وجـه البسيطــة بالرجيــف
واتـرك خيـول اللـه تعطـف بالذميــل علــى الوجيــف
عربيـة تستـن فـي العــدوا ت كالريـــح العصـــوف
طلابـة للعـدل بيـن الخلــق عــن نهـــج الجنـــوف
بجحاجــح تــزن الجبــال الشـم فـي اليـوم المخــوف
والحــظ بنيــك بعطفـــة أفلسـت خيـر أب عطــوف
349
وارأف بهـم عجــلا فقــد وصفـوك بالبــر الــرؤوف
فإلــى م أكبــاد الـــورى لنــواك داميــة القــروف
حنــت إليــك حنيــن ذي إلـف علـى فقــد الأليــف
أفـلا علمـت وأنـت أعلــم مـا جـرى يـوم الطفــوف
حيــث الحسيــن رميـــة للسمهريـــة والسيـــوف.
ثم رثى الحسين عليه السلام بها وهي طويلة، وله غيرها كثير.

ولد سنة ألف ومائتين واثنتين وتسعين تقريبا في الحي من شط الغراف، وهاجر إلى النجف قبل بلوغه الحكم، فعكف على التحصيل، وهو اليوم بين النجف في الاستفادة والحي في الإفادة وبث أحكام الشريعة بين الشيعة، وفقه الله تعالى وسمه بمنه وكرمه آمين.

ثم توفي في ذي الحجة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وألف في النجف.

عبد الحسين بن محمد التقي بن الحسن بن أسد الله بن إسماعيل الكاظمي:

فاضل أخذ الفضل عن أب فأب، وتنقل إليه بالنسب، وزانه بالحسب، وضم إليه الأدب، فهو فقيه أصولي، صميم غير فضولي، له كتب مصنفة في العلمين ومدائح آل البيت النبوي كثيرة، وأكثر منها مراثي الحسين، عاشرته فرأيت منه امرءا سليم الجانب، صافي النية، كثير الحافظة، متنسكا تقيا، فمن شعره قوله مصدرا ومعجزا قصيدة لي في مديح النبي صلى اله عليه وآله وسلم مهملة:
(أهواه سمـح الوعـود أمـرد) رد سلــام الصـــدود أم رد
سلـــه أداء العهـــود ودا (أعطى مـرام الـودود أم رد)
(هلال سعـد ودعـص رمـل) أراك عـود الــأراك أملــد
350
حلــو طلــاه ومعصمــاه (حلاهمـا عــوده المــأود)
(أطـال صـدا وحـل عهـدا) ومـال عـودا والعـود أحمـد
وصـال حمــدا وآل عمــدا (ومـال ودا وواصـل العــد)
(أمـا لأهـل الهـوى محـام) ومـا لأهـل الـوداد مرصـد
هاهـم هـود صرعــى وداد (وهل لصرعى الـوداد عـود)
(طـلا أطـل الدمـاء عمـدا) سهـم حمــام لــه مســدد
أرواح أهـل الهـوى حســوم (علـى حسـام لـه محــدد)
(وحـدد المدمـع المرامــى) دمـا ومـأوى الدمـوع سهـد
وأرسـل الـراح وهــو روح (والروح أورى لهـا وصعـد)
(وآهـا لأهـل الهـوى وآهـا) ممـا أعـد الرامــي ومهــد
رمـى هداهــم داه دهاهــم (ممـا هداهـم لــه وهــدد)
(حسـوا مـدام الكـؤوس لمـا) أدى لهــم وعــده المؤكــد
رامـوا ورود الــورود لمــا (أطلعـه الأطلـس المــورد)
(روحا وروحـا لهـم وراحـا) أهـدى لأرواحهــم وأسعــد
أهـلا وسهـلا لهـم وعــلا (أولـى لهـم مـا رأوا وأولـد)
(للــه أو للحلــى هلــال) سمـا هلـال السمـا المــردد
أسلـم طوعـا للسلــم لمــا (لاح علـى صرحـه الممـرد)
(وصائـم الوسـط لمــا رآه) راصـد أسـد هـوى وأرعـد
ولـو رآه حامــل دعــص (راء لصلـى علـى محمــد)
(الأطهـر المرسـل الموطـى) لـه مهـاد الهــدى الممهــد
عمـود سمـك السمـا طاهــا (طـه عمـاد العلـى الموطـد)
(ملـك سمـا للسمـاء لمــا) سمـا سمـاء العـلاء أوحــد
351
وكلمـا مــر وهــو ســام (أوحى له اللـه عـد واصعـد)
(سـر وصـار الملـاك كـل) ملكـا ووارى حـرا وأســود
مولـى رسـول ملكـا مطاعـا (طـوع عـلا، لـه وسـؤدد)
(كم سهل العسـر كـم أحـال) الحصا إلى الدر وهـو مصمـد
كـم حـول السهـم وهـو أول (الـداء دوا كـم أراح مكمـد)
(دعا إلـى اللـه كـل رهـط) حـاد حـدوده الهـدى والحـد
ووحــدوه لمــا دعاهـــم (للــه داع هــدى ووحــد)
(وعـم كـل الـورى هــداه) للسـد سـدوا ومـا ورا السـد
وأم كــل المــلا عطـــاه (ومـا عـدا أحمـرا وأسـود)
(واسلمـوا والسلــام أمــر) لـه السلـام الــودود حــدد
عـلا وسعـد سمــا محــلا (أعلــى أودائــه وأسعــد)
(لـه السمــاح الأعــم ورد) كالـراح مهمـا حسـوه هـود
للــه ورد لــدى مـــراح (حــلا إلــى أرود وورود)
(اسـأل صـم الصلـاد مـاء) وسائـل المــاء رد أصلــد
وكـم صـواد روى صداهــا (وأطعـم السائــل المــردد)
(وسلـم الـدوح طـوع أمـر) لمــا دعــاه وطائعــا رد
وكلـم اللحــم وهــو ســم (وعـاد روح ومـح أرمــد)
(مـا للحصـى والكلـام لـولا) سـر رسـول اللـه الموصـد
وكــل أمــر ممـــا أراه (أمر الإلـه السمـاء الموحـد)
(سمعا صـراط الإلـه مدحـا) مـا أم كـلا سـواك محمــد
أصـم سمـع الحسـود لمــا (أسـداه مملوكـك المحســد)
(لا صـح در الكلـام مـا لـم) أحـل صـدر العلـى وأسعـد
352
ومصدر الحمـد سـد مـا لـم (أحمد طـول الدهـور أحمـد)
وله كثير من التصدير والتعجيز في الأئمة عليهم السلام، وقصائد غرر في مراثي الحسين عليه السلام. ولد سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين. وتوفي في أواسط ربيع الآخر من سنة ألف وثلاثمائة وست وثلاثين في الكاظميين، ودفن بها مع أبيه، رحمه الله تعالى. عبد الحسين بن محمد بن علي الأعسمي النجفي الزبيدي، زبيد الحجاز: كان فاضلا مشاركا في الفنون، وأديبا ناظمت للمحاسن والعيون، وشاعرا نائحا أهل البيت، معروف بذلك معرفة الكميت، تلمذ على السيد محسن الكاظمي الآتية ترجمته، وصنف في الفقه، ونظم روضة كبيرة في مراثي أهل البيت عدا ما نظمه في المدح والرثاء في قوافي مختلفة، فمن شعره قوله:
رنا مكرها يوم الفراق يوادعـه تسابقه قبـل الـوداع مدامعـه
وقد كاد إن يرفض شجوا فـؤاده عن الصدر لولا تحتويه أضالعه
بنفسي حبيبا لم يدع لـي تجلـدا لتوديعه لمـا غـدوت أوادعـه
أعانقه والطرف يرعف خاشعـا وما لصب إلا راعف الطرف خاشعه
وقد علقت كفـاي شوقـا بكفـه كما ضمت الطفل الرضيع رواضعه
أعرض بالشكوى إليه ومهجتـي تنازع من أشواقها مـا تنازعـه
فديتك زود من تركـت بنظـرة فليتك لا جرعت ما هو جارعـه
يهيـم وأنـى باللحـاق لمغـرم أحاطت به من جانبيـه موانعـه
شديد خفوق القلب حتـى كأنـه قوادم طيـر حائـم أو شرائعـه
353
ولما سمعت الركب حنت حداتـه وهي جلدى من هول ما أنا سامعه
وقلت لشوقي كيفما شئت فاحتكم لك الأمر فاصنع في ما أنت صانعه
ولاح دعا للصبر من لا يجيبـه وقاد إلى السلوان من لا يطاوعه
يكلفنـي صبـرا خلعـت رداءه وهيهات مني ليس ما أنا خالعـه
فمن لمشوق لم يخط جفن عينـه غرارا ولم تفتق بنصح مسامعـه
إذا رام أن يخفي هواه وشت بـه مدامع تبدي ما تحـن أضالعـه
فوا لهفتي من بين خـل موافـق يراجعني فـي أمـره وأراجعـه
يواصل من واصلته غير طامح لغيري ويغدو قاطعا من أقاطعه
ولا زال يوفيني وفاه ولم يكـن يعدو منهاج الوفا وهو شارعـه
سلوت به عن كل غـاد ورائـح يصانعنـي فـي وده وأصانعـه
وهي طويلة. ومن شعره في المذهب قوله من حسينية:
سقى جدثا تحنو عليك صفائحـه غوادي الحيا مشمولة وروائحـه
بكيتكـم بالطـف حتـى تبللـت مصارعه من أدمعي ومطارحـه
مصائب خصتكم وخصت قلوبنا بحزن على ما نالكم لا تبارحـه
تداركتم بالأنفس الدين لـم يقـم لـواه بكـم إلا وأنتـم ذبائحـه
غداة تشفى الكفر منكم بموقـف أذلت رقاب المسلمين فضائحـه
جزرتم به جزر الأضاحي وأنتم عطاشى ترون الماء يلمع طافحه
عزيز على الكرار أن ينظر ابنه ذبيحا وشمر ابن الضبابي ذابحه
وشيبتـه مخضوبـة بدمائــه يلاعبها غادي النسيـم ورائحـه
أيهدي إلى الشامات رأس ابن فاطم ويقرعـه بالخيزرانـة كاشحـه
وتسبى كريمات النبي حواسـرا تغادي الجوى من ثكلها وتراوحه
354
وهي طويلة.

وقوله من أخرى:
أحين رجيناك تستأصل العـدى يفاجئنا الناعـي بنعيـك يهتـف
وحيـن تهيأنـا لتهنئـة العلـى بنصرك تأتينا مراثيك تعصـف
حرام على أجفاننا بعدك الكـرى مدى العمر ليت العمر بعدك يحتف
بمن بعدك العليا ترنـح عطفهـا وتختال في جلبابهـا تتغطـرف
ومن ليتامى الناس بعدك يغتـدي أبا راحما يحنو عليهم ويعطـف
تجاوبت الدنيـا عليـك مآتمـا نواعيك فيهـا للقيامـة عكـف
فلم أر رزء مثل رزئـك فجعـة تكاد له عوج الضلـوع تثقـف
بنفسي من استجلى الرمح طلعـة كبدر الدجى بل تلك أبهى وأشرف
أحامل ذاك الرأس قل لي برأس من تمايل ذاك السمهـري المثقـف
ألم تعه يتلـو الكتـاب ونـوره يشق ظلام الليل والليل مسـدف
أيهدي إلى الشامات رأس ابن فاطم ليشفى منـه ظعنـه المتحيـف
وتقرع منه الخيزرانـة مبسمـا له لم يزل خير الورى يترشـف
ومن شعره في المدائح المهدوية قوله:
أيرجى لقلبي راحة من خفوقـه إذا شاقني ذكر اللـوى وعقيقـه
خليلي هل تحنو الليالـي تعطفـا علي فتدني شائقا مـن مشوقـه
وبين ضلوعي من نوى من هويته غرام حريق النار دون حريقـه
أحـن إليـه والمفـاوز بيننــا حنيـن فصيـل فاقـد لعلوقـه
يميل هواه بي كما مالت الصبـا سحيرا بميـاس القـوام رشيقـه
وعهدي به إن زرته ظامئا إلـى لقـاه فلقانـي بخمـرة ريقــه
ورحب بي بعـد التحيـة جاليـا همومي بوضاح المحيـا طليقـه
355
وزودني منه حديثا يفـوح لـي شذاه بمشمـول النسيـم رقيقـه
هو الشوق كم لي رية من صبوحه تعود عليها ريـة مـن غبوقـه
عذيري من ظام تلظـى وعنـده من البارد السلسال أصفى رحيقه
يرق لـه قلـب الخلـي وربمـا بكت لأسير الركب عين طليقـه
فواها لصب اتبع الركب مهجـة تحن وراء الركب حنـة نوقـه
يقلب في شكواه طرف مفـارق يرى الحتف أولى من فريق فريقه
ولا دعا للصبـر غيـر مجيبـه وكلف بالسلـوان غيـر مطيقـه
وراءك يا لاحي اعتزلني ولوعة بها ضاق صدري لا بليت بضيقه
عسى أن يغيث الله منتجع الهدى بإظهار هاديها سـواء طريقـه
بنفسي محجوبا عن العين حاضرا بقلبي وإن لم يطف نار حريقـه
يذكرني بـدر السمـاء جبينـه فترتاده عينـاي عنـد شروقـه
رعى الله من ملكته القلب جاريا هواه به مجرى دمي في عروقه
يتلقى موالوه بـه بعـد يتمهـم أبـر أب لـم يبلهـم بعقوقــه
بنفسي من يرعى حقوق ابتنائنـا إليه وإن لم نرع فرض حقوقـه
فليت ثرى مسته نعلاك تغتـدي نواظرنـا محكولـة بسحيقــه
وياليت طرفا يجعل الترب عسجدا بنظرتـه ترنـو إليـه بموقـه
بجاه أبيـك العسكـري وسبعـة وجدهم الظامي الحشـا وشقيقـه
وأمهما خيـر النسـاء وأبيهمـا وجدهما سامي الفخـار عريقـه
أغثنا فقد ضاق الخناق ولمك تزل مغيثا لمن والاك عنـد مضيقـه
ألست ترانا لم نطق حجز جائـز علينا ولا نودي دما من مريقـه
يقول فيها بعد الاسترسال:
أمولاي أكرمني بقربك وارعنـي فمن شيم المولى اقتراب رقيقـه
356
وخذ بيدي من سقطة الجهل شافعا بواضح مـا اجترمتـه ودقيقـه
تخذتك في الدارين معتصما فـلا تخيب رجائي فيك بعـد وثوقـه
قصرت عليكم رائق النظم واجدا من الغبن بيع الدر في غير سوقه
ومحاسنه لا تنتهي.

توفي رحمه الله سنة ألف ومائتين وسبع وأربعين بالطاعون في النجف، ودفن بها عن سن كبير يناهز التسعين، رحمه الله.

عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان ابن مزيد بن تميم الكلبي المعروف بديك الجن، الشاعر الشهير:

كان أحد أعيان الشعراء، وكان لم ينتجع بشعره، وكان من الذين افتتن الناس بنظمهم، وهو الذي أعطى أبا تمام قطعة من شعره وقال له: يا بني استعن بها، فمن شعره المشهور قوله:
بها غير معذول فـداو خمارهـا وصل بعشيات الغبوق ابتكارهـا
وقم أنت فاحثث كأسها غير صاغر ولا تسق إلا خمرهـا وعقارهـا
فقام تكاد الكـأس تحـرق كفـه من الشمس أو من وجنتيه استعارها
مشعشعة من كف ظبـي كأنمـا تناولهـا مـن خـده فأدارهــا
ظللنـا بأيدينـا نتعتـع روحهـا فتأخذ من أقدامنا الـراح ثارهـا
ومن شعره في المذهب قوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:
سطـا يـوم بـدر بقرضابــه وفـي أحـد لـم يـزو يحمـل
ومـن بأسـه فتحـت خيبــر ولـم ينجدهـا بابهـا المقفــل
دحـا أربعيـن ذراعــا بــه هزبـر لـه دانـت الأشبــل
357
وقوله فيه من قصيدة أوله:
ما أنت مني ولا ربعاك لي وطر الهم أملك بي والشـوق والفكـر
وراعها أن دمعي فاض منتثـرا لا أو ترى كبدي للحـزن تنتثـر
قتلى يحن إليها البيـت والحجـر شوقا وتبكيهم الآيـات والسـور
مات الحسين بأيد في مغائظهـا طول عليه وفي أشفاقها قصـر
لا در در الأعادي عندما وتروا ودر درك ما تحوين يـا حفـر
لما رأوا طرقات الصبر معرضة إلى لقاء ولقيا رحمـة صبـروا
قالوا لأنفسهم يـا حبـذا نهـل محمـد وعلـي بعـده صبـروا
ردوا هنيئـا مريئـا آل فاطمـة حوض الردى فارتضوا بالقتل واصطبروا
ما بي فراغ إلى عثمـان أندبـه ولا شجاني أبو بكـر ولا عمـر
أبكيكم يا بني التقـوى وأعولكـم وأشرب الصبر وهو الصاب والصبر
أبكيكم يا بنـي آل الرسـول ولا عفت محلكم الأنـواء والمطـر
في كل يوم لقلبي مـن تذكركـم تغريبـة ولدمعـي فيكـم سفـر
كفـى بـان أنـاة اللـه واقعـة يوما والله في هذا الورى نظـر
أنسى عليا وتفنيـد الغـواة لـه وفي غد يعرف الأفاك والأشـر
حتى إذا أبصر الأحياء من يمـن برهانه آمنوا من بعد ما كفـروا
أم من رسا يوم أحد ثابتا قدمـا وفي حنين وسلع بعدما عبـروا
أم من غـدا داحيـا بـاب. . . وفاتحا خيبرا من بعد ما كسروا
أليس قام رسول اللـه يخطبهـم وقال مولاكـم ذا أيهـا البشـر
أضبع غير علـي كـان رافعـه محمد الخير أم لا تعقل الحمـر
دعوا التخبط في عشواء مظلمـة لم يبد لا كوكب فيهـا ولا قمـر
الحق أبلـج والأعلـام واضحـة لو آمن أنفس الشانين أو نظـروا
358
وقوله من حسينية أوله:
يا عين لا للغضـا ولا الكثـب بكا الرزايا سوى بكـا الطـرب
جودي وجدي بملء جفنـك ثـم احتفلـي بالدمـوع وانسكبــي
مقابـر تحتهـا منابـر مــن علـم وحلـم ومنظـر عجـب
مـن البهاليــل آل فاطمــة أهل المعالـي والسـادة النجـب
كم شرقت منهم السيـوف وكـم رويت الأرض مـن دم سـرب
لا تبعدوا يا بنـي النبـي علـى أن قد بعدتم والدهـر ذو نـوب
صوني شعاع الضمير واستشعر ي الصبر وحسن العزاء واحتسبي
فالخلق في الأرض يعجلون ومو لـاك علـى تـؤد ومرتقــب
لا بـد أن يحشـر القتيـل وأن يسـأل ذو قتلـه عـن السبـب
فالويل والنـار والثبـور لمـن أسلمتمـوه للجمــر واللهــب
أنتـم بـدور الهـدى وأنجمـه ودوحة المكرمات الأعجمين والعرب
وساسة الحوض يـوم لا نهـل لمورديكـم مـوارد العطــب
مـا زلتـم فـي الحيـاة بينهـم بيـن قتيـل وبيـن مستلــب
قد كان في هجركم رضـا بكـم وكم رضا مشرج على غضـب
حتـى إذا أودى النبـي شجـى فيه لهـاة القصاقـص الجـرب
بالأميـن قـد أحـرزا نسبــا مع بدر دار عن ذلـك النسـب
مـا كـان كلـب لهاشـم بـأخ ولا تميــم لأحمــد بــأب
لكـن حديثـي عـداوة وقلـى تهـورا فـي غيابـة الشهــب
قاما بدعوى في الظلـم غالبـة وحجـة جدلـة مـن الكــذب
مـن ثـم أودى بـه بنبيكــم قصعـا بأيـدي عـدوة الكلـب
ومن هناك انبرى الزمـان لهـم بعـد البيـان بغـارب خشـب
359
لا تسلقونـي بحــد ألسنكــم مـا أرب الظالميـن مـن أرب
إنا إلـى اللـه راجعـون علـى سهـو الليالـي وغفلـة النـوب
فاغتره السيـف وهـو خادمـه متى يهب في الوغى بـه يجـب
أودى ولو مد عينـه أسـد الغـا ب لباخ السرحان مـن هـرب
يا طول حزني ولوعتـي وتبـا ريحي ويا حسرتي ويـا كربـي
لهول يـوم تقلـص العلـم وال ديـن فغراهمـا عـن السلـب
ذلـك يـوم لـم تـرم جائحـة بمثله المصطفـى ولـم تصـب
وغادر المعولـات مـن هاشـم الخير حيارى مهتوكـة الحجـب
تمري عيونا على أبـي حسـن محفوفـة بالكلــوم والنــدب
يعمـر ربـع الهمـوم أعينهـا بالدمع حزنـا لربعهـا خـرب
تئـن والنفـس تستديـر بهــا رحى من الموت مـرة القطـب
لهفـي ذلـك الـرواء أم ذلـك الرأي وتلك الأبنـاء والخطـب
يا سيد الأوصياء والعالي الحجة والمرتضــى وذا الرتـــب
إن يسر جيش الهموم منك إلـى شمس منى والمقـام والحجـب
فربمـا تقعـص الكمـاة بأقـدا مك قعصا يجثي علـى الركـب
ورب مقـــورة ململمـــة في عـارض للحمـام منسكـب
فللـت أرجاءهــا وجحفلهــا بذي صقال كوامـض الشهـب
أودى علي صلى علـى روحـه اللـه صلـاة طويـة الــدأب
وكـل نفـس لحينهـا سبــب يسـري إليهـا كهيئـة اللعـب
والناس بالغيب يرجمـون ومـا خلتهـم يرجمـون عـن كثـب
وفـي غـد فاعلمـن لقاؤهــم فإنهــم يرقبــون فارتقــب
ولد بحمص سنة إحدى وستين ومائة.
360
وتوفي سنة خمس أو ست وثلاثين ومائتين من الهجرة، ودفن بها رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه.

عبد العزيز بن سرايا بن أبي القاسم بن أحمد بن نصر بن عبد العزيز ابن عبد الله العريضي السنبسي الطائي، صفي الدين الحلي، الشاعر الشهير:

كان شيخ الأدب والفضل، ورب القول الفصل، وصاحب الشعر الذي هو أرق من ماء الشباب، وألذ من عتاب الأحباب.

سافر من الحلة لفتنة وقعت بها إلى بغداد، ثم إلى ديار بكر فالشام فالقاهرة، ومدح ملوك بين أرتق وآل أيوب بما هو معروف من ديوانه المطبوع، فمن شعره المطرب قوله:
أقول وطرف النرجس الغض شاخص إلينـا وللنمـام حولـي إلمــام
أيا رب حتى في الحدائق أعيـن علينا وحتى في الرياحين نمـام
ومن شعره في المذاهب البديعية التي نظم فيها أنواع البديع وخدم بها المصطفى الشفيع صلى الله عليه وآله وسلم وهي مشهورة، وقصائد في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام كثيرة، ومن أحسنها انسجاما وأكثرها ثوابا؟ إن شاء الله قصيدته التي رد فيها على ابن المعتز العباسي قوله في آل أبي طالب وقدحه فيهم، وسأذكر قصيدة ابن المعتز أولا، ثم أذكر القصيدة التي رد بها عليه، فأما قصيدة القدح فهي:
ألا مـا لعينــي وتسكابهــا تشكـى القـذاة وتنكـى بهــا
نهيت بني رحمـي لـو وعـوا نصيحــة بــر بأنسابهـــا
وراموا قرشـا أسـود الشـرى وقـد نشبـت بيــن أنيابهــا
361
قتلنـا أميــة فــي دارهــا فكنــا أحــق بأسلابهـــا
وكم عصبة قـد سقـت منكـم الخلافـة صابــا بأكوابهــا
إذا مــا دنوتــم يلقونكــم زبونــا وقــرت بحلابهــا
ولمـا أبـى اللـه أن تملكــوا دعتنـا إليهـا فقمنــا بهــا
ومــا رد حجابهــا وافــدا لنــا إذ وقفنــا بأبوابهـــا
كقطب الرحـى وافقـت أختهـا دعونـا لهـا وعملنــا بهــا
ونحـن ورثنـا ثيـاب النبــي فكــم تجذبــون بأهدابهــا
لكـم رحـم يـا بنـي بنتــه ولكـن بنـو العـم أولـى بهـا
به نصـر اللـه أهـل الحجـاز وأبرأهــا بعــد أوصابهــا
ويـوم حنيـن قــد أعيتكــم وقد أبدت الحـرب عـن نابهـا
فمهـلا بنـي عمنــا إنهــا عطيــة رب حبانــا بهــا
وأقســم أنكــم تعلمـــون أنـا لهــا خيــر أربابهــا
وأما قصيدة النقض للمترجم فهي:
ألا قـل لشـر عبيـد الإلــه وطاغـي قريــش وكذابهــا
وباغي العبـاد وباغـي العنـاد وهاجـي الكــرام ومغتابهــا
أأنــت تفاخــر آل النبــي وتجحدهـا فضـل أحسابهــا
بكم باهـل المصطفـى أم بهـم فــرد العــداة بأوصابهــا
أم الرجس والخمر مـن دأبكـم وفـرط العبـادة مـن دأبهــا
وقلـت ورثنـا ثيـاب النبــي فلــم تجذبــون بأهدابهــا
وعنـدك لا تـورث الأنبيــاء فكيــف حظيتــم بأثوابهــا
فكذبـت نفسـك فـي الحالتيـن ولم تعلم الشهـد مـن صابهـا
أجـدك يرضـى بمـا قلتــه ومـا كـان يومـا بمرتابهــا
362
وكـان بصفيـن فـي حربهـم كحـرب الطغـاة وأحزابهــا
وقد شمر المـوت عـن سامـة وكشرت الحـرب عـن نابهـا
وأمـل أن يرتضيــه الأنــام مـن الحكميــن لا ذهابهــا
ليعطـي الخلافـة أهـلا لهــا فلــم يرتضــوه لانجالهــا
وصلى مع الناس طـول الحيـاة وحيدر فـي صـدر محرابهـا
وإذ جعل الأمـر شـورى لهـم فهل كان مـن بعـض أربابهـا
أخامسهـم كــان أم سادســا وقـد جليـت بيـن خطابهــا
وقولـك أنتـم بنــي بنتــه ولكن بنـي العـم أولـى بهـا
بنو البنـت أيضـا بنـو عمـه وذلــك أدنــى لأنسابهـــا
فدع في الخلافة فضل الخلـاف فليســت ذلــولا لركابهــا
وما شاورتك والفحص عن شانها فمـا كنـت أهـلا لأسبابهــا
وكيـف تخـص زمانـا بهــا ومــا أدبتـــك بآدابهـــا
وقلــت بأنكــم القاتلــون لأسـد أميـة فــي غابهــا
عدوت وأسرفت فيمـا ادعيـت ولم تنـه نفسـك عـن عابهـا
فكـم حاولتهـا سـراة لكــم فردت علـى نكـص أعتابهـا
ولـولا سيـوف أبـي مسلــم لعـزت علـى وجـه طلابهـا
وأنتم أسـارى ببطـن الحبـوس وقـد شفكـم لثــم أعتابهــا
فأخرجكــم وحياكــم بهــا وقمصكـم فضــل جلبابهــا
فجازيتمـوه بشــر الجــزاء لطغـوى النفـوس وإعجابهــا
فدع ذكر قوم رضـوا بالكفـاف وجـاءوا الخلافـة مـن بابهـا
هـم الزاهـدون هـم العابـدون هــم العالمــون بآدابهـــا
هم الصائمـون هـم القائمـون هـم الساجــدون بمحرابهــا
363
عليـك بلهــوك بالغانيــات وخـل المعالـي لأصحابهــا
ووصف العـذار وذات الخمـار وعــت العقــار بألقابهــا
وشعرك في مدح ترك الصلـاة وسقــى السقــاة بأكوابهــا
فذلــك شأنــك لا شأنهــم وجـري الجيــاد بأحسابهــا
لله أبوه، ولا فض فوه، ومن العجب أنه ارتجلها في مجلس ابن لاوي عندما سمع تلك.

وله في أهل البيت النبوي كثير موجود في ديوانه المطبوع

ولد يوم الجمعة خامس ربيع الآخر من سنة سبع وسبعين وستمائة بالحلة.

وتوفي أوائل سنة خمسين وسبعمائة بالقاهرة على ما ذكره صاحب الفوات، والله أعلم، رحمه الله.

عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن أبي نصر الحسيني السريجي الأوالي:

كان فاضلا أديبا جامعا، وشاعرا ظريفا بارعا، رأيت له جملة قصائد في مدح أمير المؤمنين عليه السلام منسجمة الألفاظ، جميلة المعاني، فمن شعره قوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام من قصيدة أوله:
إن لم أفض في المغاني ماء أجفاني فما أفـظ إذن قلبـي وأجفانـي
وكيف لا يهمل الدمع الهتون فتى أمسى أسير صبابـات وأحـزان
يا ربة السجف هلا كنت قاضية دنيا وأقلعت عن مطلـي وليـان
لو كنت في عصر بلقيس لما خلبت بلقيـس ابــن داود سليمــان
يا قلب كم بالحسان البيض تجعلني مستهزءا والنهي عن ذاك ينهاني
ولي بود أميـر النحـل حيـدرة شغل عن اللهو والإطراب ألهاني
364
هات الحديث سميري عن مناقبه ودع حديث ربي نجـد ونعمـان
بنى بصارمه الإسلـام إذ هـدم الأصنام أكرم به من هادم بانـي
سائل به يوم أحد والقليب وفـي بدر وخيبر يا من فيـه يلحانـي
ويوم صفين والألبـاب طائشـة وفي حنين إذا التـف الفريقـان
وفي الغدير وقد أبدى النبي لـه مناقبا أرغمت ذا البغضة الشاني
إذ قال من كنت مولاه فأنت لـه مولى به الله يهدي كل حيـران
وآية الشمـس إذ ردت مبـادرة غراء أقصر عنها كـل إنسـان
وإن في قصة الأفعـى ومكمنـه في الخف هديا لذي بغض وإرعان
وقصة الطائـر المشـوي بينـة لكل من حاد عن عمـد وشنـآن
واسأل به يوم وافى ظهر منبره والناس قد فزعوا من شخص ثعبان
فقال خلوا له نهجـا ولا تجـدوا بأسا بتمكينه قصـدي وإتيانـي
فجاء حتى رقى أعـواد منبـره مهيمنا بلسان الخاضـع الجانـي
من غيره بظن العلم الخفي ومن سواه قال اسألوني قبل فقادنـي
ومن وقت نفسه نفس الرسول وقد وافى الفراش ذوو كفر وطغيـان
من كان في حرم الرحمن مولده وحاطه الله من بـأس وعـدوان
من غيره خاطب الرحمن واعتضدت به النبـوة فـي سـر وإعلـان
من أعطى الراية الغراء إذ زبدت نار الوغا فتحاماهـا الخميسـان
من ردت الكف إذ بانت بدعوته والعين بعد ذهاب المنظر القاني
من أنزل الوحي في أن لا يسد له باب وقد سدت أبواب لا خـوان
ومن به بلغت من بعـد أوبتهـا براءة لأولـي شـرك وكفـران
ومن تكلم طفلا وارتقـى كتـف المختار خير ذوي شيب وشبـان
ومن يقول خذي يا نار ذا وذري هذا وبالكأس يسقي كـل ظمـآن
365
من باهل الله أملاك السماء بـه وجاءه قدس من عند رضـوان
ومن غسل المصطفى من سال في يده أجل نفس نأت عن خير جثمـان
ومن تورك متن الريـح طائعـة تجري بأمر مليك الخلق رحمان
حتى أتى فتية الكهف الذين جرت على مراقدهم أعصـار أزمـان
فاستيقظوا ثم قالوا بعد يقظتهـم أنت الوصي على علم وإيقـان.
وهي طويلة.

توفي البصرة سنة سبعمائة وخمسين تقريبا، رحمه الله.

عبد علي بن ناصر بن رحمه الحويزي:

كان فاضلا مشاركا في العلوم، مصنفا في الفنون، وكان أديبا شاعرا ترجمه في السلافة وغيرها، وكان يكثر التوجيه في شعره والاقتباس من العلوم مما يدل على ثبوت قدم له فيها، فمن شعره قوله في صفة راقص:
وراقص كقضيب البـان قامتـه تكاد تذهب روحـي فـي تنقلـه
لا تستقر له فـي رقصـه قـدم كأنما نار قلبي تحـت أرجلـه.
وله من قصيدة أوله:
لمـن العيـس عشيـا تترامـى تركتهـا شقـق البيـن سهامـا
كلمـا برقعهـا نشـر الصبــا لبست من أحمـر الدمـع لثامـا
شفهـا جـذب براهـا للحمـى فهي ترمي لربى نجـد زمامـا
يا بني عـذرة هـل مـن آخـذ بدمي المسفوك من حل الخيامـا
قمر لو لـم يـر البـدر دجـى ما حوى البـدر كمـالا وتمامـا
أيها الطاعن عن عينـي وفـي مهجتي ينـزل ربعـا ومقامـا
عاقـب اللـه بأدهـى صمــم أذني إن سمعـت فيـك ملامـا
وله من قصيدة مد يمدح بها الشريف راشد في مكة أوله:
366
أقرقف فـي الزجـاج أم ذهـب ولؤلـؤ مـا عليـه أم حبــب
شمس على فوق قرصها شهـب والعجب الشمس فوقها الشهـب
حمراء قد عتقـت فلـو نطقـت حكت بخلق السماء مـا السبـب
إن ألهبتها السقـاة فـي غسـق يمـزق الليـل ذلـك اللهــب
وإن حساهـا النديـم مصطحبـا ألم في نقـض همـه الطـرب
لم أدر من قبل ذوب عسجدهـا إن بهـا التبـر أصلـه العنـب
يـا عربـا باللـوى وكاظمـة لي فـي مقاصيـر حيكـم إرب
أهيـف كالقضيــب قامتــه تسقيه دوماني جفونـي السكـب
تسفح مـن سفـح مقلتـي ديـم إن لاح من فيـه بـارق شنـب
كأنمــا فيضهــا ووابلهــا أعاره الفيـض راشـد النـدب
وهي طويلة:

وله ديوان، ومن شعره في المذهب قوله:
يا بني أحمد يـا أهـل الهـدى يـا مداليـل الكتـاب المنـزل
أوضـح اللـه بكـم برهانــه فبـدا غامضـه وهـو حلــي
قد سبقتم في العـلا كـل المـلا وبرزتـم فـي الرعيـل الـأول
أنتـم سفـن نجاتـي فـي غـد حيثمـا يطلـب منـي عملــي
فتيـة الكهـف نجـى كلبهــم كيف لا ينجو بكم عبـد علـي.
وله غيرها مما لم أقف عليه.

توفي سنة ألف وثلاث وخمسين بالبصرة، رحمه الله تعالى.

عبد الله بن أحمد بن الذهبة البحراني المعروف بابن الذهبة:

367
كان أديبا بليغا، وشاعرا بارعا، سهل النظم، سريع البديهة، حلو اللفظ، وكان من قرية من البحرين يقال لها جد حفص وبها مسكنه، ثم انتقل إلى لنجه فسكنها، وجمع شعره في مجلدين، وكان ملتزما بمباراة السيد حيدر الحلي في مراثيه الحسينية، ولكن شعره دونه وإن زعم بعض أهل البحرين أنه في طبقته، فمن شعره قوله في المهدي عليه السلام:
يا غائبا عـن أهلـه أتعـود أم تبقى إلى يـوم المعـاد محجبـا
يا ليـت غائبـا يعـود لأهلـه فنقول أهلا بالحبيـب ومرحبـا
لو كان مجروحا لعولج جرحـه كيف العلاج ونور رؤيتنا خبـا
وقوله في معارضة بائية السيد حيدر:
أيـن الإبـا هاشـم أيـن الإبـا ما للعلى لـم تلـف منكـم نبـا
هذا لـوى العليـا بـلا حامـل أكلكـم عـن حملـه قـد أبـى
خلقتــم العليــا بأسيافكــم وربيـت فيكـم أجـل الربــا
فمـا جنـت إذ هجـرت فيكـم حاشا لها في الدهـر أن تذنبـا
قد أصبحت غضبى لمـا نابكـم وحـق يـا هاشـم أن تغضبـا
فالجـد فالجــد لمرضاتهــا فكـم أنـال الطالـب المطلبـا
والقتـل القتـل فـإن العلــى لم ترض أو ترضى القنا والضبا
اللـه يـا هاشـم فـي مجدكـم أن يغتـدي بيـن البرايـا هبـا
اللـه يـا هاشـم فـي شملكـم فقد غدا في الناس أيـدي سبـا
أمـا أتاكـم مـا علـى كربـلا مـن نبـأ منـه شباكـم نبــا
وهي طويلة، وهذا نموذج منها.

توفي في لنجة سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وعشرين تقريبا كما نقل بعض الواصلين إلى تلك الجهة، رحمه الله تعالى
368

عبد الله بن داود الدرمكي:

كان فاضلا أديبا شاعرا، لم أكد أسمع له شعرا إلا في الحسين عليه السلام، فمن شعره قوله:
أسهـر طرفـي وأنحـل البدنـا واجتاح صبري وزادني حزنـا
وحـول القلـب عـن مساكنـه وصيـر النائبـات لـي سكنـا
ذكر غريب الطفوف يوم سـرى بالأهل والمـال يعنـف البدنـا
إلى الألـى كاتبـوه واجتهـدوا أن يقتلـوه ويخربـوا الوطنــا
تألبــوا للقتــال واجتهــدوا واتخـذوا دون ربهــم وثنــا
واصطفت القـوم للقتـال معـا وكـل قـرن لقرنــه كمنــا
وامتـد جنـح القتـام بينهمــا فلا تـرى العيـن للنـار سنـا
مـا كـان إلا هنيهــة فــإذا السبط وحيـدا ومـا لـه قرنـا
ينظـر أصحابـه علـى ظمـأ بيـن ذبيـح وطائـح طعنــا
يقول فيه:
يا آل طـه وهـل أتـى وسبـا ومـن إلـى قصدهـم توجهنـا
عبدكـم الدرمكــي باعكــم مهجتــه إذ نقدتــم الثمنــا
في قولكم لا يخاف من مسكـت كفـاه فـي حشـرة ولا تينــا
وقوله من أخرى:
لهفي لسبط رسول اللـه بعدهـم يجود بالنفس بين البيض والحجف
يخوض بحر المنايا وهو يخطف الأبطال بالسيف يردي كل مختطف
فعندها أحدقوا من حوله زمـرا وصار كالصارم المصقول من خلف
كل يهز القنـا بغضـا ويطعنـه ما بين متفـق فيـه ومختلـف
حتى رموه بسهـم فـي مقاتلـه فخر خير صريع دامي الأنـف
369
يا فجعة أفجعت آل الرسول ومن والاهم فتفانوا في شفـا جـرف
كأنما كسبوا إثمـا فحـاق بهـم أو خالفوا ما وحى الرحمن في الصحف
وله غير ذلك كثير، وفي المنتخب للطريحي منه الجم الوافر.

توفي في حدود التسعمائة بعمان، ودرمك قرية منها، رحمه الله تعالى.

عبد الله بن سعيد بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي

كان أميرا وشاعرا كبيرا ولاه محمود بن صالح صاحب قلعة عزاز فاستبد بها وكانت ولايته بواسطة أبي نصر محمد بن النحاس، فأمره أن يكتب إليه كذا يونسه به ويستجلبه إلى حلب، فكتب وكتب في آخر كتابه إن شاء الله وشدد نون إن، فلما قرأ الخفاجي ذلت التفت إلى تشديد النون ففهم مغزى القول، وكتب الجواب، وكتب أوله أنا الخادم وشدد نون أنا، فعرف أبو نصر ذلك وأسره، وكان قصد أبي نصر: ((أن الملأ يأتمرون بقتلك)) وقصد الخفاجي: ((إنا لن ندخلها)) ثم بعد ذلك خير محمود أبا نصر بين قتله وبين أن يقتل هو الخفاجي، فتكا به، فذهب إليه أبو نصر وسمه، وشعره كله سهل اللفظ، فحل المعنى، منسجم التركيب، ظاهر الرقة، فمنه قوله:
بقيت وقد شطت بكم غربة النوى وما كنت أخشى أنني بعدكم أبقى
وعلمتموني كيف أصبـر عنكـم وأطلب من رق الغرام بكم عتقا
فما قلت يومـا للبكـاء عليكـم رويدا ولا للشوق بعدكـم رفقـا
وما الحب إلا أن أعـد قبيحكـم إلي جميلا والقلا منكـم عشقـا
وقوله في هزلية أرسلها إلى ابن المقلد من قسطنطينية:
يا بن المقلـد والكلـام جميعـه عطف عليك وأنت رأس الزمرة
أبلغ أبا الحسن السلام وقـل لـه هـذا الجفـاء عـداوة للشيعـة
فلأجلسنـك للقضيــة بيننــا في يـوم عاشـوراء بالشرقيـة
370
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة علوية:
ما لي أراك على علاك تناكرت أحقادهـا وتسالمـت أضدادهـا
وتجاذبتهـا إمـرة لـولا التقـى عزت وقصر دونهـا قصادهـا
إن يحسدوك على علوك عنهـم فدليـل كـل فضيلـة حسادهـا
يا أمة كفـرت وفـي أفواههـا القرآن فيه ضلالهـا ورشادهـا
أعلـى المنابـر تعلنـون لسبـه وبسيفه نصبـت لكـم أعوادهـا
تلـك الضغائـن بينكـم بدريـة قتل الحسين وما اشتفت أحقادها
تاللـه لـولا تيمهـا وعديهــا عرف الرشاد يزيدها وزيادهـا
ضربتكم في كربـلاء صـوارم يوم السقيفـة فرقـت أغمادهـا
طلبت دخول الشرك فيكم بعدمـا جبت غواريهـا وتـل عمادهـا
وبدت على زرق الأسنة حصا هامكم مشهورة أفـلا تميـد صعادهـا
وهي طويلة.

وقوله من أخرى في الفوات:
وقالـوا قـد تغيـرت الليالـي وضيعـت المنـازل والحبـوق
فأقسم ما استجـد الدهـر همـا ولا عدوانـــه إلا عريـــق
أليس يـرد عـن فـدك علـي ويملـك أكثـر الدنيـا عتيــق
وقوله من أخرى:
يا آية الله بل يـا فتنـة البشـر يا غاية الخلق بل يا منتهى القدر
هيمت أفكار ذي الأفكار حين راو آيات شأنك في الأيام والعصـر
لك العبارة في النطق البيغ كمـا لك الإشارة في الآيات والسـور
تصالح الناس إلا فيك واختلفـوا إلا عليك وهذا موضـع الخطـر
فالناس فيك ثلاث، فرقة رفعـت وفرقة وضعت بالجهل والغـرر
371
وفرقة وقفت لا النـور يرفعهـا ولا بضائرها فيهـا ذوو عـور
أنت الدليل لمن حارت بصيرتـه عليه في مشكلات القول والعبـر
أنت السفينة حقا مـن تمسكهـا نجى ومن صد عنها خاض في الشرر
أنت الغني عن الدنيا وزخرفهـا إذ أنت سام على ما في قوى البشر
أسماءك الغر مثل النيرات كمـا صفاتك السبع كالأفلاك والأكـر
وولدك الغر كالأبراج في فلك ال معنى وأنت مثال الشمس والقمر
أجل قدرك عن وصف ومتصف فأنت في العين مثل العين في الصور.
وله شعر كثير في المناقب.

توفي قتلا بالسم كما تقدم في قلعة عزاز سنة ست وستين وأربعمائة ونقل إلى حلب فدفن بها، رحمه الله تعالى.

عبد الله بن أبي طالب القمي:

كان فاضلا أديبا كاتبا، صحب الأمير فارس بن عنان، ومدحه، وكان شاعرا حسن الشعر بديعه، وذكره في الدمية، فمن شعره قوله في مديح الأئمة عليهم السلام:
ما شك في فضـل آل فاطمـة إلا امـرؤ مـا لأمــه بعــل
نغـل إذا الحـر طـاب مولـده وكيف يهوى ذوي الهدى نغـل
خـدي لأقــدام آل فاطمــة إذا تخطوا علـى الثـرى نعـل
ومن شعره ما كتبه على خاتمه:
أعـد للحشـر أبــو طالــب حب علـي بـن أبـي طالـب.
وله غير ذلك، وله ولد اسمه سليمان خدم بنيشابور نظام الملك، ورآه الباخرزي ورأى فضله، وسمع شعره.

توفي صاحب الترجمة سنة أربعمائة ونيف وأربعين، رحمه الله تعالى.
372

عبد الله بن عمار، أبو محمد البرقي:

وسماه في المعالم: علي بن محمد، وكناه: أبا عبد الله وليس به كما ذكره الخوارزمي في رسالته لأهل نيشابور، والثعالبي والحموي.

كان شاعرا أديبا ظريفا، مدح بعض الأمراء في زمن الرشيد إلى أيام المتوكل، وأكثر في مدح الأئمة الأطهار حتى جمع له ديوانا أكثره فيهم وحرق كما سنذكره في سبب موته.

حدث حماد بن إسحاق عن أبه قال: قلت في معنى عرض لي: (وصف الصد لمن أهوى فصد) ثم أجبلت، فمكثت عدة أيام مفكرا في الإجازة فلم يتهيأ لي شيء، فدخل علي عبد الله بن عمار فأخبرته، فقال مرتجل:
. . . . . . . . . . . . . وبـدا يمـزح بالهجـر فجــد
مـا لـه يعـدل عنـي وجهـه وهـو لا يعدلـه عنـي أحــد
فمن شعره في الأئمة عليهم السلام قوله من قصيدة مشهورة ألوه:
((ليس الوقوف على الأطلال من شافي))
وقال السمعاني: هي قصيدة للعوني شاعر الشيعة، وذكر انه سمع عمر بن عبد العزيز لما سمعها وما فيها أمر بقتله، فقتل بالمدينة، ضرب بعمود فمات منه.

يقول فيه:
فهو الذي امتحن الله القلوب بـه عما يجمجمن من كفر وإيمـان
وهو الذي قد قضى الله العلي له أن لا يكون له في فضله ثانـي
وأن قوما ما رجوا إبطال حقكـم أمسوا من الله في سخط وعصيان
لن يدفعـوا حقكـم إلا بدفعهـم ما أنزل اللـه مـن آي وقـرآن
فقلدوهـا لأهـل البيـت أنهـم صنو النبي وأنتم غير صنـوان.
وهذه القصيدة التي قتل بها كما سيذكر.
373
وقوله:
علـي إمامـي بعـد الرسـول ألا طاب من كان والـى عليـا
فمـن وحـد اللـه مـن قبلهـم ومن كان صام وصلـى صميـا
زكـى بخاتمـه فـي الصلـاة ولم يك طرفـة عيـن عصيـا
لقد فاز مـن كـان مولـى لـه وقد نـال خيـرا وحظـا سنيـا
وخــاب الذيــن يعادونــه ومن كان فـي حبـه ناصبيـا
وله غير ذلك كثير وفي المناقب منه شيء.

توفي سنة مائتين وخمس وأربعين وذلك أنه وشي به إلى المتوكل، وقرئت له قصيدته النونية التي أثبت منها شيئا وفيها ملا يثبت، فأمر بقطع لسانه وإحراق ديوانه، ففعل به ذلك، ومات بعد أيام، ذكر ذلك جمع غفير منهم الخوارزمي وابن شهر آشوب، وغيرهم من المترجمين، رحمه الله تعالى.

عبد الله بن قيس بن جعدة بن كعب، من ربيعة، المعروف بالنابغة الجعدي:

كان صحابيا، وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمدحه بقصيدته الرائية وأنشده، قوله [من الطويل]:
ولا خير في حلم إذا لم تكن لـه بوادر أن تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمر أصـدرا
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا يفضض الله فاك.

فغبر دهره لم تنقص له سن، وكان معمرا، وكان شاعرا فحلا، فمن شعره قوله [من المتقارب]:
لبســت أناســا فأفنيتهــم وأفنيـت بعـد أنـاس أناســا
374
ثلاثــة أهليــن صاحبتهــم وكـان الإلـه هـو المستآسـا
وعشـت بعيشتـي أن المنـون تنلقى المعائـش فيهـا حساسـا
فحينـا أصــادف غراتهــا وحينا أصـادف منهـا خلاسـا
وشعــت لطــارق بالــدار عني طليق الكلاب يطأن العياسا
فلمـا دنونـا لجـرس النبــا ح لم نعرف الحـي إلا التماسـا
أضاءت لنـا النـار وجهـا أغ ر ملتبسـا بالفــؤاد التباســا
يضيئ كضوء سـراج السليـط لـم يجعـل اللـه فيـه نحاسـا
بآنسـة غيـر أنـس القـراف وتخلط بالأنـس منهـا شماسـا
إذا ما الضجيـع ثنـى جيدهـا تداعـت وكانـت عليـه لباسـا
ومن شعره في المذهب قوله فيما ذكره الدر النظيم، قال: خرج النابغة من منزله يوم موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسأل عن حال الناس، فلقيه عمران بن حصين وقس بن حرمة، فقال: ما ورائكما؟ فقال عمران:
إن كنـت أدري فعلـي بدنــه من كثرة التخليط فيهم مـن انـه
وقال قيس:
أصبحت الأمة في أمـر عجـب والملك فيهم قد غدا لمن غلـب
فقال النابغة: ما فعل أبو حسن؟ فقالا: هو مشغول بتجهيز النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
قولا لأصلـع هاشـم إن أنتمـا لاقيتمـاه لقـد حللـت أرومهـا
وإذا قريش بالفخـار تساجلـت كنت الجدير به وكنت زعيمهـا
وعليك سلمـت الغـداة بإمـرة للمؤمنين فمـا رعـت تسليمهـا
نكثت بنو تميم بن مـرة عهـده فتبـوأت نيرانهـا وجحيمهــا
375
وتخاصمت عند السقيفة والـذي فيه الخصام غدا يكون خصيمها.
وقوله في صفين وقد حدا بعلي عليه السلام [من الرجز]:
قد علم المصران والمعراق
إن عليا فحلها العتاق
أبيض جحجاح له رواق
وأمه غلى بها الصداق

عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد الشويكي الخطي، أبو محمد:

كان فاضلا مشاركا في العلوم، مصنفا، وكان أديبا شاعرا له: ((جواهر النظام في مدح السادة الكرام عليهم السلام))، يشتمل على مدائح عديدة وأفانين من الشعر، واقتباسات وتضمينات، وله ((مسبل العبرات في رثاء السادة الهداة))، روضة محبوكة وغيرها.

فمن الأفانين قوله في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملتزما أن تكون كلمات كل بيت أوائلها حر من حروف الهجاء كما ترى فيه:
أول أبيــــات الــــولا أمــدح أحمـــد العـــلا
بـــدر بـــدا برهانـــه بنـــــوره بلابـــــلا
تبيانـــــه تمامـــــه تلقـــاه تابعـــا تــــلا
ثلـــث ثانيـــه ثنــــا ثلـــل ثغـــرا ثمـــلا
جـــاء جليـــلا جيـــدا جوهــره جـــوا جـــلا
حميـــــدة حالاتـــــه حديــث حسنــاه حـــلا
خيــرة خلـــق خالـــق خفيـــر خـــل خلـــلا
376
دافــــع دأب دابـــــه دراك دهــــــــر دولا
ذكـــر ذكـــى ذكـــره ذات ذيابــــا ذلـــــلا
رتبتـــــه رفيعـــــة ربيـــع ربـــع حـــلا
زاك زاهـــــــــــى زاحــم زينـــا زحـــلا
سعــوده ســـام سمـــا سمــاء سفـــر سبـــلا
شريــف شــان شانـــه شــاف شعاعــا شعـــلا
صلاحــــه صفاتـــــه صفــاء صــاف صقــلا
ضيــاؤه ضــاف ضفــا ضبــا ضــرت ضلـــلا
طلــت طلــولا طائـــلا طــوى طواغيــت طــلا
ظــل ظلـــل ظاهـــر ظهــور ظهـــر ظلـــلا
علينـــا عـــال عـــلا علـــو عالـــم عـــلا
غــن غـــدت غياثـــه غلــب غـــوي غفـــلا
فــي فعلـــه فضائـــل فضـــده فـــلا فـــلا
قـــوم قـــوي قـــادر قومـــا قباحـــا قتـــلا
كهــف كريـــم كامـــل كـــل كمالـــه كمـــلا
لعلمـــه لمـــع لــــه لا لا لمــــح للـــــولا
مطهـــــر مؤمـــــر مكـــــرم مؤمـــــلا
نــدب نجيـــب ناســـك نمـــا نقـــاه نبــــلا
وكامــــل وفاضـــــل وواصـــل وصــــلا ولا
هـــاد هـــدى هدايـــة هــدت هوانـــا هبـــلا
لاحــت لاهــدى لامـــح لا حيــــد لكـــــن لا
يهــداك يـــا ياسيننـــا ياقــوت يمـــن يجتـــلا
377
ومنها قوله في مدحه صلى الله عليه وآله وسلم وقد التزم تجانس كل قافيتين من القصيدة:
أقبلت تقنص الأسـود الغزالـه ذات نور يفـوق نـور الغزالـه
وانثنت تسلـب العقـول وثنـت غلة في الحشـا بلبـس الغلالـه
واستحلت حرام سفـك دمائـي وهو في قلبي الرخيص غلالـه
ولقـد حكـى برمـح قويــم وبأنـف مثـل الحسـام حلالـه
ونجـد زهــا بأزهــار ورد حرمـت منـه للمحـب حلالـه
آه واحسرتي على القلـب منهـا بعد بعد المدى على كـل حالـه
ليت شمس الكمال ترحـم صبـا من نواها قد غير الوجـد حالـه
يا نسيـم الشمـال منـي بلـغ نحو أنس الحشا سلامي حمالـه
وارع صبـا متيمــا أبعدتــه عن حماها ولم تجد من بالحما له
حملتني في الحب منهـا غرامـا لم أطق مـدة الزمـان احتمالـه
ولي العهد فـي هوهـا وثيـق قد أبى العقل في النقيض احتماله
ليتها أقبلـت ودا ودت بوصـل لصحيح الـوداد منهـا اعتلالـه
وأغاثـت متيمـا مـن جواهـا لا عج الشوق في الفؤاد اعتلاله
لست أدري هل الصـدود ملـال أم طباع الحبيـب يبـدي دلالـه
أحـرق القلـب صدهـا ولهـذا دمع عيني فـي الخـدود أسالـه
وجهها الأزهري أضنى فـؤادي مذ رأت مقلتاي في الخد خالـه
وعلى الخد خاتـم الحسـن زاه سالب مـن لـه بعينيـه خالـه
لا رعى الله عاشقـا قـد سلـاه في الهوى قاطعا بسيف الملالـه
فاز من مات في الغرام شهيـدا والحسان الشهود بيـن الملالـه
نـور اللـه مهجتـي وفـؤادي منه بالحب إذ بـه قـد كمالـه
378
قاطع السيف واصل الضيف كم من مؤمـن ملتجـئ تفيـا ظلالـه
ومن المصطفى حميـد السجايـا لعلـــي إرادة واستمالـــه
خصه بالبتول شمـس المعالـي فله الفخر ثابـت وأسمـى لـه
وهي طويلة، وله غير ذلك من الأفانين والاقتباسات.

كان موجودا في سنة ألف ومائة وخمسين ولم أقف على سنة وفاته تحقيقا رحمه الله.

عبد المجيد بن محمد أمين البغدادي الحلي:

أديب فارع، وشاعر بارع، له يد في فن التاريخ، وبديهة فيه وفي الشعر، وأكثر شعره في المديح والرثاء لأهل البيت عليهم السلام، فمنه قوله في تأريخ مقام أمير المؤمنين عليه السلام بالحلة، ويخرج منها ثمانية وعشرون تأريخ:
بباب مقام الطهر مرتقبـا نحـا أخو طلب بالبر من علـم بـرا
مقام برب البيت في منبر الدعـا أبو قاسم حر الثنا عمهما أجـرا
وقوله في تأريخ مقام الحجة عليه السلام وفيه أيضا ثماني وعشرون:
توقع جميل الأجر في حرم البنا بفتحك بالنصر العزيـز رواقـا
بصاحب عصر ثاقب باسمه الثنا نجد اقترابا مـا أجـار وراقـا
وبيانه: أن صدر البيت الأول تأريخ، وصدر الثاني، وعجز الأول، وعجز الثاني، ومهمل الأول، ومهمل الثاني، ومعجم الأول، ومعجم الثاني، ومهمل صدر الأول ومعجم عجزه، وعكسه، ومهمل صدر الثاني ومعجم عجزه، وعكسه، ومهمل الصدرين، ومعجمهما، ومهمل العجزين معجمهما، ومهمل الصدر الأول، ومعجم الصدر الثاني، ومعجم الصدر الأول، ومهمل الصدر الثاني، ومهمل العجز الأول ومعجم العجز الثاني، ومهمل عجز الأول ومهمل عجز الثاني، ومهمل صدر الأول
379
ومهمل عجز الثاني، ومعجمهما، ومهمل صدر الأول ومعجم عجز الثاني، ومعجم صدر الأول ومهمل عجز الثاني، ومهمل عجز الأول وصدر الثاني، ومعجمهما، ومهمل صدر الثاني ومعجم عجز الأول، ومعجم صدر الثاني ومهمل عجز الأول.

وقوله يمدح أبا عبد الله الحسين عليه السلام وقد تعلق بضريحه:
يدي جناحا فطـرس قـد تعلقـا بجاه ذبيح اللـه وابـن ذبيحـه
فلا عجب أن يكشف الله ما بنـا لأنـا عتيقـا مهـده وضريحـه
وقوله فيه عليه السلام:
لمهدك آيات ظهـرن لفطـرس وآية عيسى إن تكلم فـي المهـد
فإن ساد في أم فأنت ابن فاطـم وإن ساد في مهد فأنت أبو المهدي
وقوله في أمير المؤمنين عليه السلام:
من حمى المرتضى التجأت لحصن قد حمى منه جانب العـز ليـث
فحبانـا أمنـا وجــاد بمــن فهو في الحالتين غوث وغيـث
وقوله في الكاظميين عليهما السلام مجنس:
لي بالجوادين أقصى ما أؤملـه من الرجاء ومن مثل الجواديـن
محا محلهما عني الجوى كرمـا فليمح جودهما مثل الجوى ديني
وقوله في علي بن موسى الرضا عليه السلام:
ألا لا تروعي القلب هاتفة البنان ولا تحبسي يا ورق هجعة وسنان
ولا تعبثي بالحي أو تبعثي الشجا بنوح جزوع بات فاقـد سلـوان
وما الحب إلا ما يعرف لممسـك وإلا فتسريـح إليـه بإحســان
لأني وإن أصبحت رهن حوادث فلم أك يوما أن أبوح بأشجانـي
ولا أخرست مني الحوادث أفوها ولكن ما قاسى غريب خراسـان
سعى فيه قوم لا سقى صيب الحيا حفائر ضمت منهم كـل خـوان
380
لئن أظهروا عهد الولاء وأضمروا له بعد توكيد الولا نقض إيمـان
فقد خسروا صفقة مـن شمائـل كما نكثوها فيه صفقـة إيمـان
رعى الله طوسا أي نفس تضمنت من العترة الهادين بل أي جثمان
علي بن موسى خير يمم العلـى بساحة فضل من نداه وإحسـان
بني عمـه هـلا إليـه دعتكـم حمية فهر أو حفيظـة عدنـان
وثبتم عليـه قاطعيـن لرحمـة ولم تصلوا إلا بظلـم وعـدوان
عذرنا الألى ساقوا إلى آل أحمد غواشي الردى من عبد شمس ومروان
لئن أسسوا الجوار القديم فإنمـا بكم رفعت منـه قواعـد بنيـان
وهي طويلة.

وله في الحسين عليه السلام الكثير.

ولد في سابع عشر ذي القعدة سنة ألف ومائتين واثنين وثماني، وهو اليوم حي سلمه الله تعالى.

ثم توفي في سابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة في النجف ودفن بها.

عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون، أبو محمد الصوري:

كان شاعرا بديع الألفاظ، حسن المعاني، رائق الكلام، مليح النظام، مشهور بالإجازة بين شعراء أهل الشام، له ديوان شعر كان في زمانه يجري مجرى السحر، فائق السعر، ذكره في اليتيمة وذكر من محاسنه قوله:
عندي حدائق شكر غرس جودكم قد مسها عطش فليسق من غرسا
تداركوها وفي أغصانها رمـق فلن يعود اخضرار العود إن يبسا
381
ومن شعره قوله:
يـا غــزالا صــاد قلبــي بلحــــاظ فأصابهـــــا
بالــذي ألهــم تعذيبـــي ثنايـــــاك العذابـــــا
والــذي صيــر حظـــي منــك هجــرا واجتنابـــا
والــذي ألبــس خديـــك مــن الـــورود نقابـــا
مـا الــذي قالتــه عينــا ك لقلبــــي فأجابـــــا
وقوله من قصيدة:
أتــرى بثــأر أم بديـــن علقــت محاسنهــا بعينــي
فــي لحظهــا وقوامهـــا مـا فـي المهنـد والردينــي
وبوجههــا مــاء الشبـــا ب خليـط مــاء الوجنتيــن
ومن شعره في المذهب قوله:
آل النبـي هـم النبـي وإنمــا بالوحي فـرق بينهـم فتفرقـوا
أبت الإمامة أن تليـق بغيرهـم إن الإمامـة بالرسالـة أليــق
وقوله من قصيدة:
فأيكـم صـار فــي فرشــه إذ القـوم مهجتــه طالبونــا
ومن شارك الطهر فـي طائـر وأنتـم بهـذا لــه شاهدونــا
وقوله:
عرفت فضلكـم ملائكـة اللـه فدانـت وقومكـم فـي شقـاق
يستحقـون حقكـم زعمــوا ذا مستحقـا لهـم مـن استحقـاق
واستشاروا السيوف فيكم فقمنـا نستشير الأقلـام فـي الـأوراق
وقوله في حسينية رحمه الله:
حيـي ولا تســأم التحيــات وناج ما استطعت من مناجـات
382
حيـي دارا أضحـت معالمهـا بالطـف معلومـة العلامــات
وقل لها يا ديـار آل الرسـول اللـه يـا معـدن الرسالــات
أهدي إليك السلـام مـا انبـرت الشمـس أو البـدر للبريــات
نعم مناخ الهدى ومنتجع الوحـي ومستوطـــن الهدايــــات
نعم مصلى الأرض المضمن من صلـى عليهـم رب السمـاوات
إن يتل تالـي الكتـاب فضلهـم يتـل صنوفـا مـن التلـاوات
خصوا بتلـك الآيـات تكرمـة أكـرم بتلـك الآيـات آيــات
هم خير ماش مشى علـى قـدم وخير مـن يمتطـي المطيـات
قد علموا العالميـن أن اعبـدوا اللـه وألغـوا عبـادة اللــات
علـى قبـور زكيـة ضمنـت لجودهـا أعظمــا زكيــات
أزكـى نسيمـا لمـن تنسمهـا من زهـرات الربـى الذكيـات
واصلهـا الغيـث بالغــدو ولا صارمهـا الغيـث بالعشيــات
الشافعــون المشفعـــون إذا لـم يشفــع ذوو الشفاعــات
من حين ماتوا أحيوا وليس كمن أحياءهـم فـي عـداد أمـوات
جلـت رزاياهـم فلســت أرى بعــد رزياتهــم رزيــات
نوحا على سيدي الحسيـن نعـم نوحا على سيدي ابـن ساداتـي
نوحا ونوحا منه علـى شـرف مجــدل بيــن مشرفــات
ذيد حسين عـن الفـرات فيـا بليــة أحدثـــت بليـــات
ما لك غرت يـا فـرات ولـم تسـق الخبيثيـن والخبيثــات
كم فاطميين منـك قـد فطمـوا مـن غيـر جـرم وفاطميـات
ويـل يزيـد غـداة يقـرع بـا لقضيب مـن سيـدي الثنيـات
على خضيب الأطراف من دمه يا هـول أطرافـه الخضيبـات
383
في لمة من بنـي أبيـه حـوت طيـب الأبــوات والبنــوات
من يسـل دفنـا فـإن ذكرهـم مجدد لـي فـي كـل أوقـات
بهم أجـازى يـوم الحسـاب إذا حوسـب الخلــق للمجــازاة
تجارتــي حبهــم وحبهــم ما زال مـن أربـح التجـارات
وله فير ذلك في المناقب، وهو من المكثرين في مديح آل البيت عليهم السلام.

توفي يوم الأحد تاسع شوال سنة تسع عشرة وأربعمائة عن عمر يقدر بأكثر من ثمانين سنة في الشام، ودفن بها رحمه الله تعالى.

عبد المحسن بن محمد بن علي بن المحسن الكاظمي المعروف بالبوست فروش:

أديب خفيف الروح وشاعر طويل الباع، حاضرته واجتمعن به فرأيته سهل البديهة، قوي العارضة، رحل من العراق إلى مصر لضائقة في أموره، فبقي بها إلى اليوم، محترما بين ملوكها وأكابرها، وشعرائها على ضيق ذات اليد، وله شعر كثير مطبوع محفوظ، فمنه قوله يمدح الجوادين عليهما السلام:
نمـت حتـى جلبــت لــي رقدتــي طيــف خيـــال
وكستنــي الفــرح الـــدا ئــم مـــن غيـــر زوال
وأنالتنـــي مـــا لـــم يــك مأمـــول المنـــال
وأرتنــي وصــل مـــي بعــد صـــد ووصـــال
بــرزت تختـــال فـــي عشيتهـــا أي اختيــــال
غـادة ترفـل فــي السنــد س فــي المــرط المــذال
أقبلـــت فـــي لفتـــة الريـم وفـي عيـن الغــزال
تنثنــي بيـــن أســـراب مــن الغيـــد حوالـــي
384
صحتـي فـي يـد مـن بــا ت ضجيعــي واعتلالـــي
وشفائــي سقــم عينيـــه مــن الـــداء العضـــال
يـا سقـى ليلتنــا بالجــزع وكــــاف الغـــــزال
فسناهــا مـــلأ عينـــي بالتهانــــي متلالـــــي
وشذاهــا فاضــح منشــو ر مطــــوي الغوالــــي
وإذ بالبشــــر يتلـــــو عــن يمينــي وشمالـــي
قربـــت أيـــام سعـــد يــا لأيـــام الوصـــال
فغــدا اليـــوق تربـــي وذرى الجـــوزا تعالـــي
أنـا عضـب وإلــى العليــا ولا الغيــــد انسلالــــي
أنـا بســام لــدى السلــم قطــوب فـــي النـــزال
أنـا مـن دان إلــى هيبتــه صـــــد الرجـــــال
فعلــى الغـــر حلولـــي وعــن الــذل ارتحـــال
راح مـــن رام محلــــي طالبــــا أي محـــــال
طرت فخـرا حيـث أضحـى للجواديــــن مثالـــــي
أنـا مولــى كــل مولــى ولهـــم عبـــد مـــوال
كلمن لـم يصـل فـي حبهـم للنـــــار صــــــال
لا أرى الغفـــــــران إلا بهـــم يـــوم الســـؤال
فهـم منجـاي فـي الموقــف مـــن ســـوء فعـــال
وهــم ذخـــري لـــدى كـــل ملـــم ووبـــال
ألبسونــي حلــل العـــز وأبـــــراد الجلـــــال
ورعونــي أبــد الدهـــر بخيـــــر متـــــوال
أي جنــد عاطـــل بـــا لفضـل منهـم غيـر حــال
385
بهــم ذوت بــذي الأيـــا م أحــــدث الليالـــــي
وبهــم نلـــت الأمانـــي وتجــــاوزت منــــال
لـم تنـل أقصـر مـا نلــت ذو الأيـــدي الطــــوال
إن خـلا قلبـي مــن النــا س فمنهــم غيــر خالــي
أو سلـوت النفـس والأهــل فعنهــم غيـــر سالـــي
أنـت فـي قعـر مـن النـار علــى رغمــك صالـــي
لهــم عنـــدي إذا مـــا ســاء نطقــي ومقالـــي
لو بذلـت العمـر فـي بذلهـم قـــــل ابتذالــــــي
وتوسعــت بأعمــال الــو رى ضــــاق مجالــــي
وله محاسن من الشعر كلن بعد الدار منع من الوقوف عليها اليوم لولا ما في أيدي الناس من شعره القديم.

ولد سنة ألف ومائتين وثمان وثمانين تقريبا في الكاظمية.

والبوست فروش فارسية عربيتها باعة الجلد، حرفة جده الأعلى، وهو اليوم في مصر القاهرة حي يرزق سلمه الله تعالى.

ثم توفي بمصر سنة ألف وثلاثمائة و [أربع وخمسين] فجاء نعيه إلى العراق في تلك السنة.

عبد المطلب بن المهدي بن سليمان بن داود الحسيني الحلي:

شاعر فخم الألفاظ جزلها، حر المعاني فحلها، وأديب قوي العراضة سهلها، وشريف عالي الهمة، كبير النفي، وهو ابن أخي السيد حيدر المتقدم، من بيت طاهر النعمة، وشعره في الطبقة العالية من الجزالة والرقة، عاشرته وحاضرته
386
فرأيته الطيب النفس، الظريف المعاشرة، فمن شعره قوله مصدرا ومعجزا البيتين اللذين نظمهما بعض الأعداء في المهدي عليه السلام:

وقوله من قصيدة حسينية:
يأبى الثابت في الحـرب علـى قدم ما هزهـا الخـوف براحـا
كلمـا خفـت بأطـواد الحجـى زاد حلما خف بالطود ارتجاحـا
مسعر إن تخب نيـران الوغـى جرد العـزم وأوراهـا اقتداحـا
إن يخنه السيف والـدرع لـدى ملتقـى الخيـل اتقـاء وكفاحـا
لم يخنـه الصبـر والعـزم إذا حرت الحرب ادراعا واتشاحـا
يا صريعا نهبـت منـه الظبـا مهجة ذات من الوجـد التياحـا
يتلظـى عطشـا فـوق الثـرى والروا من حوله سـاغ قراحـا
وهي طويلة، وله غيرها كثير. ولد في حدود سنة ألف ومائتين واثنتين وثمانين

وتوفي عاشر ربيع الأول سنة ألف وثلاثمائة وتسع وثلاثون في أطراف الحلة هو وابن عمه السيد حسن بن السيد حيدر، ودفنا بالنجف في وادي السلام يوم الثالث عشر من الشهر، وكان مرضهما الوباء

عبد الملك بن يحيى، أبو بكر البعلبكي:

كان فاضلا أديبا شاعرا، دخل مصر وجال في الشام، وعرف شعره ومدح ملوكها، وكان حسن الشعر، ظريف الطريقة، مهذب الألفاظ، فمن شعره ما ذكره الصفدي:
هويتـه ظبيـا كثيـر الجفــا يهدي إلـى الأحشـاء أمراضـه
وجامحا لا فـرق فـي حكمـه أعرض عند الصب أم راضـه
ومن شعره قوله في المذهب:
387
يـا أهــل بيــت محمــد يا خيـر مـن ملـك النواصـي
أنتــم وسيلتـــي التـــي أنجـو بهـا يـوم القصــاص
وأنـا المعيـر بمـا اكتسبــت مـن القبائــح والمعاصــي
لكـن بكــم يــا سادتــي أرجـو غـدا عنهـا خلاصـي
مـن حـاز علمــا بالــولا ء فليـس للرحمـن عاصــي
وقوله:
جدلـي بعونـك يــا إلهــي واكفنــي يومــا عبوســا
بمحمــــد ووصيـــــه وابنيهمــا قسمــا غموســا
وبمــن بحيــدرة الوصــي المرتضـى أضحـت عروسـا
وبمــن بطــوس قبـــره بأبـي وأمـي مـن بطوســا
وثلاثــة مـــن بعدهـــم وبرابــع يأتيــه عيســـى
إنــي دعوتــك بالذيـــن جعلتهــم فينــا شموســـا
إلا غفـــرت خطيئتــــي وأمنتنــي الذنــب البئيســا
وجعلــت حبهــم علـــي مـن الهـدى درعـا لبوســا
وله غير ذلك في المناقب.

توفي سنة خمسمائة ونيف وخمسين برأس عين من بعلبك، رحمه الله تعالى.

عبد المهدي بن صالح بن حبيب بن حافظ الحائري:

كان أديبا من أعيان تجار كربلاء وملاكتهم، ذا همة سامية إلى المعارف، تعلم الأسنة المحتاج إليها في العراق من الفارسية والتركية والإفرنسية، ثم انتخب مبعوثا إلى دار السلطنة العثمانية، فعاد ومرض فتوفي، وكان كما رأيته طلق اللسان، بديع البيان، ينظم شعرا في الطبقة الوسطى، فمنه قوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:
388
هـي وردة حمـراء أم خــد فـي صعـدة سمـراء أم قــد
وافــى بهـــا غزيـــل غنـج خفيـف الطبـع أغيــد
كالبـــــدر إلا أنـــــه أبهـى سنـا منــه وأسعــد
شفتــاه قالـــت للعـــوا رض ما العقيق ومـا الزبرجـد
صنـم تجمعــت المحاســن فيـه فهــو اليــوم مفــرد
ما مـر إلا والجمـال يصيـح صــل علـــى محمـــد
عاتبتــه يومــا وقلـــت إلـى متـى التعذيـب والصـدد
أيحـــل قتـــل متيـــم غادرتــه قلقــا مسهـــد
أدنـى هـواك لــه السقــام وعنـه صفـو العيـش أبعــد
فأجـاب: هـل لـك شاهــد في ذاك؟ قلـت: الحـال يشهـد
فـازور مـن قولـي وأعــر ض مغضبـا منـي وعربــد
فاعـدل بنـا نحـو الغــري وعـد بنـا فالعــود أحمــد
مـن شيـد الإسلــام صــا رمــه وللإيمــان مهـــد
لــولا صليــل حسامـــه لرأيـت لـات القــوم تعبــد
هـل خـاض غمرتهـا غــدا ة حنيـن والهامـات تحصــد
ألا أبــو الحســن الـــذي لم يحص بعض صفاتـه العـد
وله غير ذلك.

توفي في كربلاء سنة ألف وثلاثمائة وأربع وثلاثين ودفن بها، رحمه الله.

عبد الوهاب بن خلف بن عبد المطلب المشعشعي الحويزي:

كان أديبا فاضلا وسريا كاملا، أقامه أخوه السيد علي، حاكم الحويزة، في يزد
389
حذرا منه، فكان بها إلى أن توفي، وله منازعة في الوصول إلى الحويزة والقيام بها ولكن لم يتسع له المقام

وكان شاعرا رأيت له شعرا بخط يده في مجموع جمعه من منتخبات كتب أدبية ومختارات شعرية، فمن شعره قوله رحمه الله:
لقد جهدت نفسي من الهم والهوى ولم تخط فيما فيه توفى همومها
فيا نفس صبرا لست والله فاعلمي بأول نفـس أجهدتهـا همومهـا
وقوله:
للــه أيـــام الوصـــال وإن مضـت عنــا سراعــا
فلعمرهــا لمــا انقضــت لـم أرج بالعمــر انتفاعــا
. . . . . لــذاذة عيشنـــا مـن بعـد أن. . . اجتماعــا
أنبيـك يـا مـن لــم يــذق بينـا ولـم يسطــع وداعــا
فاسمـع مقالـة مــن ببعــد أليفــه أضحــى مراعـــا
قد صـرت بيـن ذوي الهـوى مثــلا أخافهــم وراعـــا
لـو كـان بالجبـل الأصــم غليــل أحشائــي تداعــى
وقوله:
يا قاسي القلب ضعيـف الـوداد وسالـب العقـل ولـب الفـؤاد
سواك لن يخطر فـي خاطـري أنت منى قلبـي وأنـت المـراد
وقوله:
قومي هم القوم أهل البأس والكرم أولو النهى سادة البطحاء والكرم
دعائم الفخر أس الفخر قد ورثت أبناؤهم عنهم مستحسـن الشيـم
لا عيب فيهم سوى أن التنزيل بهم يسلو عن الأهل والأوطان والحشم
ومن شعره في المذهب قوله:
390
ثق يا فؤادي بلطف الواحد الصمد عسى تنال ذرى المجد الأثيل يدي
وقر عينا لعل الله يكشـف مـا عليه أمسيت مطويا على الكمـد
عساه يجمع فيمن قـد ألفتهمـو مثلي فيقرب من بعـد ذا البعـد
الموت أجمل بـي ممـا أكابـده يا حتف خذ بيدي قد خانني جلدي
وقوله مذيلا لقول بعضهم:
شفيعي إلـى اللـه أهـل العبـا فإن لم يكونـوا شفيعـي فمـن
شفيعي النبي شفيعـي الوصـي شفيعي الحسين شفيعي الحسـن
شفيعي التـي غصبـت حقهـا فصلـى عليهـم إلـه المنــن
بقوله:
ومـن بعدهـم سيـد العابديـن شفيعي زين الـورى ذو الثفـن
وباقـر كـل علـوم الــورى مميت الضلالة محيـي السنـن
ومـن بعـده جعفـر وابنــه فمن صادق القـول أو مؤتمـن
ومن بعد موسى علـي الرضـا لزائـره جنـة قــد ضمــن
وشبه المسيـح شفيعـي الـذي يجيـب بغيـب إذا مـا امتحـن
سمـي الرسـول ومـن بعـده سمي الوصـي كثيـر المحـن
ومن بعدهـم خاتـم الأوصيـاء إمـام البريـة فـي ذا الزمـن
ومستـودع العلـم مـن ربــه فمنه سيظهـر مـا قـد بطـن
توفي رحمه الله في يزد سنة ألف. عبد الوهاب بن علي بن سليمان بن عبد الوهاب الحسيني الزحيكي الحائري: كان أبو هذا الفاضل من خدمة الروضة الحسينية أبا فأبا، وكان ذا وجاهة وشأن
391
عند الحكومة والأهالي، يتولى رئاسة البلد ويعاني بعض مطالب الحكومة ويتولاها، وكان من ذوي اليسار والنعمة والأدب، فنشأ ولده هذا في ظل نعمة وبلهنية، وفي ذكاء وقاد، وفكر نقاد، قاده إلى طلب العلم والفضل والأدب فناله بأيام قلائل، وتوفي أبوه سنة ألف وثلاثمائة وعشر، فبقي ولده على تلك الحالة حتى نال ملكة في أغلب العلوم وضم إلى ذلك تقى ونسكا، وديانة وعبادة، على أنه خلال ذلك يترشح حياء ورقة وظرفا، ويقطر بشاشة فكان إذا نظم الأبيات حسنت صياغة وصناعة، فمنه ما أنشدنيه من لفظه:
وأغن يمنعـه الحيـاء كلامـه فتخالـه لا يحسـن التكليمــا
أعطى القلوب بوصله وبصـده فـي حالتيهـا جنـة وحميمـا
ومنه ما كتبه إلي مراسلة:
أحبـاي مـا حيلتــي فيكــم ولست علـى هجركـم صابـر
فكيـف السبيــل لسلوانكــم وقد عـاد لـي عاذلـي عـاذر
وقوله:
حملوني ما لم أطق من هواهـم ما كفاهم ما لم أطـق حملونـي
كلفوني ستر الهـوى ولعمـري لعظيـم علـي مـا كلفونــي
ومن شعره في المذهب قوله من حسينية:
أفديهــــم متطلعيـــــن إلـى الوغـا مثــل البــدور
تحكــي مطالعهــم بهـــا ما فـي الضمائـر مـن سـور
يتنافســــون تنافــــس العشـاق حلـوا بيـن حــور
هــم فــوق خيلهــم أم الأ قمـار مـن فـوق الصقــور
يـا مـن رأى الآســاد قــد حملـت بهـا جـدل النســور
بـل قاتــل اللــه الــردى كـم دك مـن قـدس وطـور
392
يـا أرض ميـدي يـا سمــاء تكـوري يـا شمـس غـوري
وهي طويلة.

وقوله في أخرى فاطمية:
أقـل مـن اللـوم أو فــازدد فما مـوردي أحسـن بالمـورد
كفـى بالمشيـب لـه لاحيــا وطيـب المفاخــر والمحتــد
ومـا أبيـض منــه العــذار إن هــام بالرشــأ الأغيــد
وإن يـك للبـرق عـاد الرقـاد فقـد بـات للمجـد لـم يرقـد
وأذهلـه عـن سـؤال الطلـول سـؤال المؤمـل والمجتــدي
اقنـع بالخفـض فعـل الذليـل وأقعد عن نهضة السيدات والسادة
لأن أنـا لـم تعـل بـي همـة فترقـى علـى هامـة الفرقـد
برأت من المجـد إن لـم أطـأ جناجـن كـل فتـى أصيــد
ولسـت بـواف ذمـام العلـى إذا كـان قولـي فعـل اليــد
أتغمد عن معشـر مـا حسـام جورهــم عنــك بالغمــد
أباحوا حمى اللـه فـي أرضـه وردوا الضلال كمـا قـد بـدي
فمن غـاد بعـد يـوم الغديـر وما غاب عـن ذلـك المشهـد
ومن ملحد خـان عهـد النبـي والمصطفـى بعـد لـم يلحـد
وقوله من حسينية أوله:
خلت أربع ممن تحـب وأرسـم وأنت بها صـب مشـوق متيـم
أمها جري ذكر الغوير وحاجـر بهت فلا سمـع لديـك ولا فـم
سقى الوابل الوكاف أكناف حاجر وأومض ثغر البرق فيهن يبسـم
وما كنت أستجدي السحاب لربعها وسقياه لولاه الدمع من أعيني دم
يقول فيه:
393
أرقت ولم ترق الدموع ولا خبت بجنبي نـار للجـوى تتضـرم
ذكرت السيوف الغر من آل هاشم غدت بسيوف الهند وهـي تثلـم
وتلك الوجوه الغر بالطف أصبحت يحطمها شوك الوشيج المحطـم
ولم يبق إلا السبط في الجمع مفردا ولا ناصر إلا الحسـام ولهـذم
فما زال ذاك الليث مستقبل العدى بماض متى يرفع على القرن يجزم
إلى أن هوى فوق الصعيد فمذ هوى هوى عمد الدين الحنيف المقـوم
فراح به ظفر الغوايـة ظافـرا وعاد به صبح الهدى وهو مظلم
فأي مصونـات حرائـر بعـده بهن إلى شر الخلائـق أشأمـوا
تكف عيـون الناظريـن أكفهـا ويعصمها من أعين الناس معصم
وهي طويلة نحو خمسة وخمسين بيتا.

ثم استرسل فيها وهي طويلة.

ولد سنة ألف ومائتين وإحدى وتسعين.

وتوفي لست بقين من رمضان سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وعشرين بالوباء في ضياع لهم خارج كربلاء، ودفن هناك، فلما بلغني ذلك وكنت في السماوة كتبت مخاطبا إخوته بلسان البرق:
يا بني الوهاب يا أهـل العلـى العـداد الجـم والمـال الغزيـر
أخرجوا الوهـاب مـن مجثمـه فلـه يستصغـر البـر الكبيـر
وادفنــوه بثنايــا جـــده حيث ذاك الترب مسك وعبيـر.
فنقلوه من مكانه ودفنوه يف الرواق الحسيني عند قبر السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض، ولي فيه مرثيات جميلة، ولغير أيضا فيه رحمه الله تعالى.

عبد الهادي بن العباس بن علي بن جعفر كاشف الغطاء النجفي:

394
هذا الفاضل موضع المثل ماء ولا كصدا، فإني إن ذكرت الرجال ومال حوى لهم الله من الفضل والأفضال، والأدب والكمال، وحسن الخصال، من الحيا والعفة والذكاء، والطلاقة في اليد، وحسن الأخلاق والسماحة والسهولة في المعاشرة، والمذاكرة وتحصيل العلم والدين والتقى والظرف، وذكرته يحضرني المثل، فلقد حاضرته وعاشرته فرأيته مشتملا على مكارم عميمة، وفواضل جسيمة، وطريق مستقيمة، وفضائل عظيمة، موروثة من جعفر إلى علي لابنه العباس للهادي وتبقى للولد.

وله مصنفات عديدة وشعر رقيق حر فمنه قوله وقد أخذ هو والرضا الأصفهاني رسميهما معا في ورقة واحدة:
أنا والرضا عند الحقيقـة واحـد وإن أبرزتنا صورة العكس باثنين
ولم يك منا الحسن في العكس ظاهرا لأنا بحمد اللـه لسنـا بضديـن
وقوله مراسل:
يـا راكـب الجسـرة للجسـر تفـري أديـم المهمـة القفــر
وقاطــع الــدو بزيافـــة كالصقر قد حـط علـى وكـر
قد أصبح الدهـر إلـى جيـرة قالـوا يظـل الـورق النضـر
لقد وفى لـي يـا أهيـل الوفـا وجدي ولكـن خاننـي صبـري
أمسيت كالخنسـاء أبكـي فهـل قلبكـم قـد قـدَّ مـن صخـر
لو كنت أرضى غيركم منظـرا قنعـت بالشمــس أو البــدر
ومن شعره في المذهب قوله من حسينية أوله:
ربـح محـا الحدثـان رسمـه أجـرى عليـه الدهـر حكمـه
لعبـت بـه نــوب الزمــان فعـاد قفـر السمـت جهمــه
عفـر جبينـك فــي ثــراه وزد عــداك اللــوم لثمــه
395
أوحشـت يـا ربـع الهــدى ولبسـت بعـد النـور ظلمــه
زعـم العــدو بــأن يــذل فخيــب الرحمــن زعمــه
فأثــار قسطلهــا ودكـــد ك كــل رابيــة وأكمـــه
وافــى لعرصــة كربــلا من هاشـم فـي خيـر غلمـه
أقمــار تـــم أسفـــرت بدجـى الخطـوب المدلهمــة
وغيـوث جــدب أمطــرت نعمـا تعـم الخلــق جمــه
لــم ينقمــوا إلا بأنهـــم علــى الأعــداء نقمـــه
طربــوا لتصفيــق القنــا ورأوا صليـل البيـض نغمـه
مـن كـل فــارس بهمــة مــا همــه إلا المهمـــه
ويــر المهنـــد خالـــه والأسمــر العســال عمــه
إن كـل حـد البيـض جــرد للمنايــا الســود عزمـــه
حتــى إذا نــزل القضــا وأنفــذ المقــدور حتمـــه
نهبتهــم بيــض الظبـــا وتقاسمتهـــم أي قسمـــه
يـا صدمـة الديــن التــي مـا مثلهـا للديــن صدمــه
دكدكــت أركــان الهــدى وثلمـت فـي الإسلـام ثلمــه
مـا ذاق طعـم المـاء حتــى صــار للأسيــاف طعمــه
ملقـى علـى وجـه الصعيـد تـدوس جـرد الخيـل جسمـه
وتـرض صـدرا منـه أمسـى كنــز معرفــة وحمـــه
أمغذهــــا بمطهــــرات نزهـت عـن كـل وصمــة
عصمـت فطهرهــا الإلــه لأنهـا مـن بيـت عصمــه
خفــض عليهـــا إنهـــا لـم تـدر مـا جـدب الأزمـه
رق الحســـود لحالهــــا وبكـت لهـا الأعـداء رحمـه
396
وعليلهــا يسبــى ويسمــع ســب والـــده وشتمـــه
لا يرحــم اللــه الألـــى قطعـوا مـن المختـار رحمـه
لـــم يرقبـــوا لنبيهـــم فــي آلـــه إلا وذمـــه
خسـرت تجـارة مـن يكــو ن شفيعه في الحشـر خصمـه
أبنـــي أميـــة أنتــــم فـي النـاس كنتـم شـر أمـة
لا شـــب طفلكــــم ولا شبت لكم فـي الدهـر خرمـه
ولزدتــم فيمـــا فعلتـــم خبـث عنصركــم ولؤمــه
لـو كــان ثمــة للزيــادة موضـع لــو كــان ثمــه
ولد في النجف سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين، وهو اليوم بها حي يحيي مآثر الشيعة، ويقيم قواعد الشريعة سلمه الله تعالى، توفي ليلة الثلاثاء لتسع خلون من محرم سنة 1361ه نصف الليل عن أمراض اعترته ودفن في مقبرة آبائه وترك ولده الفاضل الشيخ محمد رضا سلمه الله تعالى.

عدنان بن شبر بن علي بن محمد بن علي بن مشعل بن أحمد بن محمد ابن الحسين الغريفي الستري البحراني:

فاضل من الطراز الأول، كان أبوه من أجلة العلماء في البحرين وذوي الشهامة، جاء ولده هذا من المحمرة إلى النجف لطلب العلم، فنال منه مناه، عاشرته فرأيته خير أخ مصاحب، حفظة متوقد الذهن، حاضر الخاطر، سريع الجواب، حين النادرة، طلق اللسان، وافر البيان، لم يضرا بالإنسان، فقيها أصوليا مشاركا في المنقول والمعقول، وله منظومة في الأوفاق نظمها باسمي سنة إحدى عشر بعد الألف والثلاثمائة عند نزوله علي في السماوة ضيفا كريما مستطرقا إلى محله.
397
فمن شعره وقد أنشدته بيتين لي مبنية، قافية كل بيت على ثلاث تاءات وهم:
لي غـادة شملـي قـد شتتـت وحبـة الأحشـاء قـد فتتــت
لم تر حبل الوصـل مـا بيننـا متصــلا إلا لــه بتتـــت
قوله وقد بنى على ثلاث كافات:
يا قلبي النجـدي مـا مسككـك ويا يقيـن القلـب مـا شككـك
وأنت يـا فكـري كنـت الـذي تدعى قويا مـا الـذي رككـك
وقوله من قصيدة أنشد فيها لفظه:
يا قلـب مـا أنـت والغوانـي وأنـت أهـدى الأنـام قصـدا
مالـك مهمـا ذكـرت ليلــى قدحـت بيـن الضلـوع زنـدا
وكلمــا مــر ذو جمـــال تقــول مــاء ولا كصــدا
ومن شعره في المذهب قوله يصف علي عليه السلام:
ترجــح جنــب الرجـــاء فلم أخشى هول نكيـر ومنكـر
رجائي علي وخوفـي الذنـوب وشأن علي أجل أجـلُّ وأكبـر
وقوله في مدحه عليه السلام أيضا ومدح شيعته:
إمـام الهـدى وغيـاث النـدى وسيدهـا الحاكــم المقســط
إمـام بـه هلـك المبغضــون وفـي حبـه هلـك المفــرط
كـلا الجانبيـن عــدو لــه وشيعتـه النمــط الأوســط
وله كثير في المدائح والمراثي الإمامية، لم يحضرني الآن منها شيء، ولد غرة جمادى الثانية سنة ألف ومائتين وثلاث وثمانين.

ثم توفي خامس شعبان سنة 1340ه في الكاظمية صبحا بعد مرض لحقه، وجيء به إلى النجف، بعد ذلك يوم الأربعاء سنة أربعين وثلاثمائة وألف فدفن في الصحن، وكان بتشييعه من تعطيل الأسواق والمدارس في النجف يوم عظيم رحمه
398
الله.

عطاء بن ملك بن محمد بن محمد المعروف بالصاحب علاء الدين الجويني، أخو شمس الدين

كان فاضلا مشتملا على الفضل الجم، وأديبا ملئ الفم، وكريما، ولم يخص بمن أم، وكان يعطي على الكتب المصنفة باسمه لخزانته ألف دينار، وله صنف غير واحد، من العلماء الكبار، وكان شاعرا حسن الطريقة فمن شعره وقله متغزل:
أبادية الأعـراب عنـي فإننـي بحاضرة الأتراك نيطت علائقي
وأهلك يا نجل العيـون فإننـي بليت بهـذا الناظـر المتضايـق
ومن شعره في المذهب قوله:
يا شمع أقد فقد تنـاءى الغسـق والفجر بدا ولـاح منـه الشفـق
لو كنت بحـب حيـدر تعتلـق ما كنت بحـر نارهـا تحتـرق
ارتجلها لدن عمر المشهد وأجرى مائه وزاره محلئا بالشموع

توفي قتلا بعراق العجم، قتله أبغا سنة ستمائة وإحدى وثماني كما ذكر ترجمته من ترجمه.

علي بن أبي معاذ، أبو الحسن البغدادي

كان أديباً شاعراً، شديد العارضة، وكان يهاجي محمد بن القاسم أبا العيناء، له شعر كثير، وله قصيدة يذكر بها البرامكة، ذكرها المسعودي، أوله:
يـا أيهـا المغتــر بالدهــر والدهر ذو صـرف وذو غـدر
لا تأمـن الدهـر وصولاتــه وكن مـن الدهـر علـى حـذر
إن كنـت ذا جهـل بتصريفـه فانظر إلى المصلـوب بالجسـر
فـإن فيـه عبــرة فاعتبــر يا ذا الحجـى والعقـل والفكـر
399
وخذ من الدنيـا صفـا عيشهـا واجر مع الدهـر كمـا يجـري
وهي طويلة جداً، ذكر فيها جملة من الحوادث التأريخية التي شاهدها.

ومن شعره في المذهب قوله يمدح موسى بن جعفر عليه السلام:
زر ببغداد قبر موسى بن جعفـرْ إن موسى مديحـه ليـس ينكـر
هو باب إلى المهيمـن تقضـى منه حاجاتنـا ونجنـي ونخبـر
هو حصنـي وعدتـي وغياثـي وملاذي وموئلـي يـوم أحشـر
صائم الغيظ كاظم الغيظ في الله مصفـى بـه الكبائـر تغفــر
كم مريض وافـى إليـه فعافـاه وأعمـى أتـاه صـح وأبصـر
سل بحـال الإمـام يـوم نفيـع كيف أخزى ذاك اللعيـن وكفـر
هـو للأوليـاء إسـم ومعنـى وهو في القلب للمحـق مصـور
سل شقيق البلخي عنه بمـا شـا هد منه وما الذي كـان أبصـر
قال لما حججت عاينت شخصـاً ناحل الجسم شاحب اللون أسمر
سائـراً وحـده وليـس لـه زاد فمـا زلـت دائبــاً أتفكــر
وتوهمـت أنـه يسـأل النـاس ولـم أدر أنـه الحـج الأكبـر
ثـم عاينتـه ونحـن نــزول دون فيد على الكثيـب الأحمـر
يضع الرمل في الإناء ويحسـوه فناديتــه وعقلــي تحيــر
اسقنـي شربـة فلمـا سقانـي منـه عاينتـه سويقـاً وسكـر
فسألت الحجيج مـن يـك هـذا قيل هذا الإمام موسى بن جعفـر
واذكر الطائر الـذي جـاء بـا لصيف إليه من الإمـام وبشـر
ولقـد قدمـوا إليـه طعامــاً فيـه مستملـح أبـاه وأنكــر
وتجافـى عنـه وقـال حـرام أكل هذا فكيف يعـرف منكـر
واذكـر الفتيـان أيضـاً ففيهـا فضله أذهـل العقـول وأبهـر
400
عند ذاك استقـال مـن مذهـب كان يوالـي أصحابـه وتغيـر
وله معجز القليـب فسـل عنـه رواة الحديـث بالنقـل تخبــر
وله السجن حيـن أبـدى إلـى السجان قولاً في الحجر والأمر يستر
ثم حال الوصي حـال عجيـب كيف أنبـاه بالضميـر وخبـر
وابن يقطيـن حيـن رد عليـه الطهـر أثوابـه وقـال وحـذر
قال خذها وسوف تسـأل عنهـا ومعاديك فـي لا شـك يخسـر
ثم يوم الصفاء حين أتى الأسـى إليـه فـرده وهــو يذعــر
ثم نادى آمنـت باللـه لا غيـر وإن الإمام موسى بـن جعفـر
واذكر الليث حيـن ألقـى إليـه فسعـى نحـوه وزار وزمجـر
ثـم لمـا رأى الإمـام أتــاه وتجافى عنـه وهـاب وأكبـر
وهـو طـاو ثلـاث هـذا هـو الحق وما لم أقله أوفـى وأكثـر
هو عيـن الحيـاة وهـو نجـاة ورشـاد لمـن قـرا وتدبــر
وهو سر الإلـه فـي البـاس و الجود فطوبى لمن بـه يتبصـر
توفي سنة مائتين وثمانين قبل أبي العيناء بنحو خمس سنين عن عمر طويلة.

علي بن أحمد نظام الدين بن محمد معصوم الشيرازي المدني الحسيني، المشهور بالسيد علي خان

كان أميراً للفضل المحشدد، وصارماً للأدب المهند، وعلماً للعلم لا تستره صفة، وطرزاً للكمال موضوعاً على عمة كل ذي معرفة، له المصنفات في أغلب الفنون، وكلها محاسن وعيون، وله القصيدة البديعة في مدح صاحب الشريعة وشرحها، والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، ورياض السالكين، والحدائق
401
الندية وغيرها. وله ديوان شعر كبير مشتمل على النظم السهل الممتنع، اليسير العسير، فمنه قوله:
من مستهل دموعي، يوم فرقتـهِ أمطرت سحباً غزاراً، فهي تنهمر
ومن لهيب ضلوعي، في محبتهِ أوقدت في الحي ناراً، فهي تستعر
وكم كتمت ولوعي، خوف شهرتهِ فزاد فيه اشتهاراً، والهوى غيـر
وقوله:
ذكرتـه الصبـا ليالـي نعمـان وعيشـاً قضـاه فـي أجرعيـه
فالتوى زفـرة ونـاح اشتياقـاً وبكـى رحمـة وحـن إليــه
ثم نادى الصبا بصوت ضعيـف لـم يجـاوز سماعـه أذنيــه
أيهـان الصبـا سلـام عليكـم من محب جـار الزمـان عليـه
يتلظـى ومـا بـه مــن أوام ورحيـق الزلـال بيـن يديـه
يتشكى ومـا بـه مـن سقـام غير بعد الحبيب عـن ناظريـه
ومن شعره في المذهب قوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:
سفـرت أميمـة ليلـة النفــرِ كالبـدر أو أبهـى مـن البـدر
نزلت منى ترمي الجمـار وقـد رمت القلـوب هنـاك بالجمـر
وتنسكب تبغـي الثـواب وهـل في قتل ضيف الله مـن أجـر
ومؤنـب فـي حبهـا سفهــاً نهنهتـه عـن منطـق الهجـر
يـزداد وجـدي فـي ملامتـه فكأنــه بملامــه يغـــري
لا يكذبـن الحـب أليـق بــي وبشيمتـي مـن سبـة الغـدر
هيهات يأبى الغـدر لـي نسـبٌ أعـزى بـه لعلــي الطهــر
خير الورى بعد الرسول ومـن حـاز العـلا بمجامـع الفخـر
صنـو الرسـول وزج بضعتـه وأمينـه فـي السـر والجهـر
402
إن تنكـر الأعــداء رتبتــه شهدت بها الآيات فـي الذكـر
شكـرت حنيـن لـه مساعيـه فيهـا وفـي أحـد وفـي بـدر
سل عنـه خيبـر يـوم نازلهـا تنبيك عن خبـر وعـن خبـر
مـن هـد منهـا بابهـا بيــدٍ ورمى بهـا فـي مهمـه قفـر؟
واسـأل بـراءة حيـن رتلهـا مـن رد حاملهـا أبـا بكــر؟
والطيـر إذ يدعـو النبـي لـه من جـاءه يسعـى بـلا نـذر؟
والشمس إذ أفلت لمـن رجعـت كيما يقيـم فريضـة العصـر؟
وفراش أحمـد حيـن هـم بـه جمع الطغـاة وعصبـة الكفـر
من بـات فيـه يقيـه محتسبـاً من غير ما خـوف ولا ذعـر؟
والكعبـة الغـراء حيـن رمـى من فوقهـا الأصنـام بالكسـر
مـن راح يرفعـه ليصعدهــا خير الورى منه علـى الظهـر؟
والقـوم مـن أروى غليلهــمُ إذ يجـأرون بمهمــه قفــر؟
والصخـرة الصمـاء حولهــا عن نهر مـاء تحتهـا يجـري
والناكثيــن غــداة أمهـــم مـن رد أمهـم بــلا نكــر
والقاسطيـن وقــد أضلهــم أهل الضلالة وعصبـة الكفـر
من فل جيشهم علـى مضـضٍ حتـى نجـوا بخدائـع المكـر؟
والمارقيـن مــن استباحهــم قتلاً فلم يفلـت سـوى عشـر؟
و [غدير خـم] وهـو أعظمهـا من نـال فيـه ولايـة الأمـر؟
واذكـر مباهلـة النبـي بــه وبزوجــه وابنيــه للنفــر
واقـرأ وأنفسنــا وأنفسكــم فكفى بها فخـراً مـدى الدهـر
هـذي المفاخـر والمكــارم لا قعبـان مـن لبـن ولا خمـر؟
وهي طويلة.
403
وقوله حين جاء إلى النجف وبدت له قبة أمير المؤمنين عليه السلام:
يا صاح! هذا المشهـد الأقـدسُ قـرت بـه الأعيـن والأنفـس
والنجف الأشـرف بانـت لنـا أعلامـه والمعهــد الأنفــس
والقبة البيضـاء قـد أشرقـت ينجاب عـن لألائهـا الحنـدس
حضرة قدس لـم ينـل فضلهـا لا المسجد الأقصى ولا المقـدس
حلـت بمـن حـل بهـا رتبـة يقصر عنهـا الفلـك الأطلـس
تود لو كانت حصـى أرضهـا شهب الدجى والكنـس الخنـس
وتحسـد الأقـدام منـا علــى السعي إلـى أعتابهـا الـأرؤس
فقف بها والثـم ثـرى تربهـا فهي المقـام الأطهـر الأقـدس
وقـل: صلـاةٌ وسلـام علــى من طاب منها الأصل والمغرس
خليفـة اللـه العظيـم الــذي من ضوئه نور الهـدى يقبـس
نفس النبـي المصطفـى أحمـد وصنـوه والسيــد الــأرأس
العلـم العيلـم بحــر النــدا وبــره والعالــم النقــرس
فليلنـا مـن نــوره مقمــر ويومنا مـن ضوئـه مشمـس
وهي أيضاً طويلة.

وله في المدح الإمامية والمرائي كل قصيدة جزيلة، وكل قصيدة شعر عقيلة، فما قلت أذكر هذه إلا اشرأبت الأخرى وقالت: أنا بالذكر أحق وأحرى.

ولد بالمدينة الطيبة ليلة السبت من منصف جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وألف، ثم سافر إلى الهند إلى أبيه وبقي بها محترم الجانب لصدارة أبيه، ومكارم فيه. ولما توفي أبوه ونكب أمير الهند بمحمد شاه قبض على السيد وذويه وسجنوا، ففر السيد من السجن حتى وصل إلى البحرين وتبعوه فلم يدرك أثره، ثم زار العتبات وسافر إلى شيراز وتصدر بها للعلم والإفادة والتصنيف حتى توفي في
404
سنة ألف ومائة وثمان عشرة أو عشرين، ودفن هناك رحمه الله تعالى.

علي بن أحمد، أبو الحسن الجوهري الجرجاني الكاتب

كان أديباً جامعاًن وشاعراً بارعاً، وفد على الصاحب فكان من جملة شعرائه وندمائه وملازمي حضرته وأخصائه، أرسله الصاحب إلى أبي العباس الضبي وكتب معه كتاباً وصفه فيه بما ينعش القلب له ويجذبه إليه سنة ثلاثمائة وسبع وسبعين كما ذكره في اليتيمة. فمن شعره قوله [من البسيط]:
زر الصباح علينا ثملة السحـبِ وسدت الريح منها واهي الطنب
صك النسيم فراخ الغيث فانزعجت بنفض أجنحة من عنبر الرغـب
تسعى الجنوب بطرف حولها ثمل من الندى وفؤاد حولهـا طـرب
كفى العواذل إني لا أرى قدحـاً إلا شققت عليـه حلـة الطـرب
إن قيل تاب يقول الغي لم يتـب أو قيل شاب يقول اللهو لم يشب
ومن شعره قوله في مديح أمير المؤمنين عليه السلام:
من ذا عليه الشمس بعد مغيبهـا ردت ببابل فاستبـي يـا حـار
وعليه قد ردت بيوم المصطفـى يوماً وفي هـذا جـرت أخبـار
حاز المناقب والفضائـل كلهـا أنـى تحيـط بمدحـه الأشعـار
وقوله في حسينية أوله:
خذوا حدادكـم يـا آل ياسيـنِ قد هل عاشور وا لهفي على الدين
اليوم شقق جيب الدين وانتهبـت بنات أحمد نهب الروم والصيـن
اليوم قام بأعلى الطـف نادبهـم يقـول مـن ليتيـم أو لمسكيـن
اليوم خضب جيب المصطفى بدمٍ أمسى عبير نحور الحور والعين
405
اليوم خرت نجوم الفخر من مضرٍ على معاطس تذليـل وتوهيـن
اليوم أطفئ نـور اللـه متقـداً وجررت لهم التقوى على الطين
اليوم هتك أسباب الهـدى مزقـاً وبرقعت عزة الإسلـام بالهـون
اليوم زعزع قدس مـن جوانبـه وطاح بالخيل ساحات المياديـن
اليوم نالت بنو حـرب غوائلهـا مما صلوه ببـدر ثـم صفيـن
اليوم جدل سبط المصطفى شرفاً من نفسه بنجيع غيـر مسنـون
وهي طويلة ذكرها في البحار، وذكرها الجوهري اسمه في آخرها، فمن شاءها فليطلبها من المجلد العاشر منه.

علي بن أحمد الفنجكردي النيشابوري المعروف بشيخ الأفاضل

كان فاضلاً كبيراً مشاركاً في العلوم، نحوياً، عاصره الزمخشري والميداني، وألف له الميداني كتاب السامي، ومدحه فيه كثيراً، وكان شعراً عالي الطبقة في النظم، جزل الألفاظ والمعاني، فمن شعره قوله:
زماننــا ذا زمــان ســوء لا خيـر فيــه ولا فلاحــا
لا يبصـر المبلســون فيــه لليــل أحزانهــم صباحــا
فكلهـم منــه فــي عنــاء طوبى لمـن مـات فاستراحـا
وقوله في المذهب:
يوم الغدير سوى العيدين لي عيدُ يوم تسر به السـادات والصيـد
نال الإمامة فيه المرتضى ولـه فيها من الله تشريـف وتمجيـد
لقول أحمد خير المرسلين ضحى في مجمع حضرته البيض والسود
وقوله أيضا:
406
لا تنكـرن غديـر خـم إنــه كالشمس في إشراقه بل أظهـر
أما كان معروفـاً بإسنـاد إلـى خيـر البرايـا أحمـد لا ينكـر
فيـه إمامـة حيـدر وجمالــه وكمالـه حتـى القيامـة يذكـر
أولى الأنام بأن يوالي المرتضى من تؤخذ الأحكام منـه وتؤثـر
وقوله:
إذا ذكرت الطهـر مـن هاشـم تنافرت عنـك العـدى شـارده
فقـل لمـن لـام علـى حبـه خانتـك فـي مولـدك الوالـده
وله شعر كثير.

توفي في رمضان لثلاث عشرة ليلة مضت منه سنة ثلاث عشرة وخمسمائة عن عمر يقدر بثمانين سنة.

وفنجكرد - بفتح الفاء سكون النون وفتح الجيم والكاف وسكون الراء وبعدها دال - قرية من قرى نيشابور كان ولد فيها، رحمه الله تعالى.

علي بن إسحاق بن خلف، أبو القاسم المعروف بالزاهي البغدادي

كان أديباً شاعراً، وكان شعره يبهر النجوم في أفلاكها، ويزري بالعقود في أسلاكها، وكان أكثر شعره في المدائح المرتضوية، فمن شعره قوله:
وبيض بألحاظ الجفـون كأنمـا هززن سيوفاً واستللن خناجـرا
تصدين لي يوماً بمنعرج اللـوى فغادرن قلبي بالتصبـر غـادرا
سفرت بـدوراً وانتقيـن أهلـهَ ومسن غصوناً والتفتـن جـآذرا
وأطلعن في الأجياد بالدر أنجمـاً جعلن لحبات القلـوب ضرائـرا
ومن شعره في المذهب قوله في سينية:
407
رقى على الكاهل من خير الورى والديـن مقـرون بـه إيناسـه
وكسر الأصنام في اليوم الـذي أزيح عن وجه الهـدى عماسـه
وانكسـر اللـات وألقـى هبـلاً مهشمــاً يقلبــه انتكاســه
وقام مولاي على البيـت وقـد طهـر إذ فارقــه أنجاســه
من هبط الجب ولم يخش الردى والماء منحـل السقـا منجاسـه
من أحرق الجن برجـم شهبـه أشوظــة يقدمهــا نحاســه
مـن انثنـت لأمـره مذعنــة ومنهم مـن بالعـوذ احتراسـه
من قلع الباب اقتلاعـاً معجـزاً يسمـع مـن دويـه ارتجاسـه
كأنــه شــرارة لموقـــد أخرجهـا مـن نـاره مقباسـه
وله ديوان كبير جله في المناقب الإمامية.

ولد في صفر سنة ثلاثمائة لعشر بقين من جمادى الأولى سنة ثلاثمائة واثنتين وخمسين ببغداد، ونقل إلى مقابر قريش فدفن بها رحمه الله تعالى.

علي بن جعفر كاشف الغطاء بن خضر المالكي الجناجي النجفي المعروف بالشيخ علي

كان بحر علم رجراجاً، ومصباح فضل وهاجاً، إذا ارتقى منابر العلوم أحدقت به الفضلاء إحاق النجوم ببدرها، وإذا أفاد تناثر اللؤلؤ المنظوم من فيه فعل باللآلئ إذا رفعت من بحرها، وكان شاعراً مجيداً. فمن شعره قوله من قصيدة:
قل للمليحة مـن بنـات الصيـدِ قولاً يذوب لـه حشـا الجلمـود
لم لم ترقي فـي الهـوى لمتيـم هل بين جانحتيك قلـب حديـد
أمرضت جثماني عليك صبابـة وكحلت جفن العيـن بالتسهيـد
ما غردت فوق الغصون حمامة إلا وهمـت إليـك بالتغريــد
408
كم أدمع لـي صوبتهـا زفـرة عن حر قلـب ذاب بالتصعيـد
ومفند لي فـي هـواك سفاهـة قد ضل نهـج الحـق بالتفنيـد
لو كان يبصر بعض ما أبصرته ألقـى الزمـام إلـي بالتقليــد
يا بنت من يروي حديث فخـاره عن خيـر آبـاء لهـا وجـدود
كم سار للعشاق خلفـك موكـب والحسن تحت لوائـك المعقـود
ما زلت في بحر الكآبة طافحـاً حتى استوى بي فوق متن الجود
ومن شعره في المذهب وأغلبه فيه قوله في مديح أمير المؤمنين عليه السلام من قصيدة:
أهاجك برق في دجى الليل لامعُ نعم واستخفتك الربـوع البلاقـع
يقول فيه:
هجرت الحمى لا أنني قد سلوته فكيف ولي قلـب إليـه ينـازع
ولكنني جانبـت قومـاً كأننـي لآنافهم مهمـا يرونـي جـادع
سأشكوكم والعين يسفـح ماؤهـا وطير الجوى بين الجوانح واقـع
إلى من إذا ما قيل من نفس أحمد أشارت إليه بالأكـف الأصابـع
وروح هدى في جسم نور يمـده شعاع من النور الإلهـي ساطـع
وكنز من العلم الربوبي إن تشـأ يخبرك ظهر الغيب ما أنت صانع
دنـى فتدلـى للعقـول وأنهـا لتقصر عن إدراكه وهو شاسـع
يريك الندى في البأس والبأس في التقى صفات لأضداد المعاني جوامـع
أقـول لقـوم أخـروك سفاهـة وللذكر نص فيك ليـس يدافـع
ألا إن هذا الدين لـولا حسامـه لما شرعت للناس منه الشرائـع
إلا إنما الأقـدار طـوع بنانـه إذا ما دعا للأمر راحت تنـازع
ألا إنما التوحيـد لـولا علومـه لما كشفت للناس عنـه البراقـع
409
وهي طويلة تنيف على الستين.

وقوله من قصيدة حسينية أوله:
معاهد وحي طامسات رسومهـا وأوطان ذكر أوحشت ومساجـد
سلام على الإسلام من بعد يومها فليس له راع من الضيـم رائـد
سهدت وقد نامت عيون كثيـرة وما أنا لولا يوم عاشور ساهـد
سل الليل عني هل مللت سهـاده وهل ألفت جنبي فيـه المراقـد
أيمسي حسين بالطفوف مؤرقـاً وطرفي ريان من النـوم راقـد
ويمسي صريعاً بالعراء على الثرى وتوضع لي فوق الحشايا الوسائد
فلا عذب الماء المعين لشـارب وقد منعت ظلماً عليـه المـوارد
ولا حملت أيدي الرجال سيوفها وقد نهلت منه الرقـاق البـوارد
ولا اخضر عود الجود والمجد والعلى ولا راد روض العلم والفضل رائد
وهي طويلة.

وقوله من أخرى أوله:
دمـوع ليـس تنفـع مـن أوامٍ وإن سحت كمـاء المـزن هـام
يقول فيه:
ألا مـن مبلـغ عنـي قريشـاً ببطحـاء المشاعـر والحــرام
لأنتـم أطـول الثقليـن باعــاً وأبعـد موطنـاً عـن كـل ذام
فـلا حملـت عواتقكـم سيوفـاً ورأس السبط فوق الرمح سـام
ولا ركبـت فوارسكـم خيـولاً وصدر السبط مرضوض العظام
ولا حجبـت كرائمكـم خيــام ورحل السبط منهـوب الخيـام
ولا نفـع الغليـل لكــم رواء وسبط محمد في الطـف ظـام
ولا بلـغ الفطـام لكـم صبـي ويذبـح طفلـه قبـل الفطــام
410
توفي في كربلاء في أواسط سنة ألف ومائتين وثلاث وخمسين، فحمل على الأرؤس إلى النجف، ودفن بها عند أبيه الشيخ جعفر، والمالكي نسبته إلى مالك الأشتر كما يقال، والجناجي إلى الجناجية قرية من أطراف الحلة، رحمه الله.

علي بن الحسن بن [علي بن] الفضل، أبو منصور المعروف بصردر

كان كاتباً نبيلاً فاضلاً، أديباً شاعراً جيد السبك، حسن المعنى، لطيف الطلاوة، زهي الرونق، له ديوان كله ظرف، وجملته طرف، ملكته وفقدته ضياعاً.

فمن شعره قوله:
أين صحبي لا أين عني صحبي صرعتني عيـون ذاك السـرب
يوم أبدوا تلـك العيـون علمنـا إنمـا يشهـر السلـاح لحـرب
لحظـات أسماؤهـن استعـارا تٌ وما هن غير طعن وضـرب
إن ورد الخـدود ليـس لرعـي وخمور الثغـور ليـس لشـرب
أتراني مثـل الكواكـب، أبطـا هنَّ سيراً ما دار حول القطـب!
وقوله من قصيدة:
وقفنا صفوفـاً والديـار كأنهـا صحائف ملقاة ونحن سطورهـا
يقول خليلـي والظبـاء سوانـحٌ أهذي التي تهوى؟ فقلت: نظيرها!
لئن شابهت أجيادهـا وعيونهـا فقد خالفت أعجازها وصدورهـا
نكصنا على الأعقاب خوف أناتها فما بالها تدعو النزال ذكورهـا
ألم يكفها ما قد جنتـه شموسهـا على القلب حتى ساعدتها بدورها
على رسلكم في الحب، إنا عصابةٌ إذا وليت يوماً يعـف ضميرهـا
وقد قلتم: أن ليس في الأرض جنةٌ أما هذه فوق الركائب حورهـا!؟
411
أراك (الحمى) قل لي: بأي وسيلةٍ توسلت حتـى قبلتـك ثغورهـا
وهي طويلة.

وقوله يمدح الوزير أبا القاسم ابن جهير:
تمـوت نفــوس بأوصابهــا وتكتـم عوادهـا مــا بهــا
وما أنصفـت مهجـة تشتكـي هواهـا إلـى غيـر أحبابهــا
كفانـي مـن وصلهـا ذكــرةٌ تمـر علـى بــرد أنيابهــا
وأن تتلـألأ بــروق الحمــى وإن أضرمتنــي بإلهابهـــا
وكم ناحـل بيـن تلـك الخيـام تحسبــه بعــض أطنابهــا
فمـن مخبـر حاسـدي إننـي وهبـت الأمانــي لطلابهــا؟
فإن عرضت نفسهـا لـم تجـد فـؤادي مـن بعـض خطابهـا
ولـو شئـت أرسلتهـا غـارةً فعــادت إلــي بأسلابهــا
ولكننــي عائــف شهدهــا فكيـف أنافـس فـي صابهـا
تـذل الرجــال لأطماعهــا كــذاك العبيــد لأربابهــا
فـلا تقطفـن ثمـار المنــى فبئـس عصــارة أغيابهــا
ولـذ بأبـي القاسـم المرتجـى لتأتـي المكـارم مـن بابهــا
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة:
نسائل عـن ثمامـات بحـزوى وواد الرمل يعلـم مـن عنينـا
ولو أنـى أنـادي، يـا سليمـى لقالوا: مـا أراد سـوى لبينـى
وقد كشف الغطاء فمـا نبالـي أصرحنـا نحبــك أم كنينــا
ألا للـه طيـف منـك يسـري يجـوب مهامهـاً بينـاً فبينــا
مطيتـه طـوال الليـل جفنـي فكيف شكى إليك وجـى وأينـا
فأمسينـا كأنـا مـا افترقنــا وأصبحنـا كأنـا مـا التقينــا
412
لقد خدع الخيـال فـؤاد صـبّ رآه على هوى الأحبـاب هينـا
كما فعلـت بنـو كوفـان لمـا إلى كوفانهـم طلبـوا الحسينـا
فبينا عاهـدوه علـى النوافـي إذا هـم نابـذوه عـدى وبينـا
فأسمعهـم مواعظـه فقالــوا سمعنا يا حسين وقـد عصينـا
وخالفـوا قولـه حقـاً وصدقـاً وألفـى قلوبهـم كذبـاً ومينـا
هـم تركـوه منفـرداً يرابــي إلـى مـن جدلـوه أيـن أينـا
وهم منعـوه مـن مـاء مبـاح وسقوه نضـول السمـر حينـا
وتثنى الذابلـات علـى حشـاه كـأن علـى جوائبهـا ردينــا
وتختلف النصول عليـه حتـى تخال. . . طا. . . قانا قلن قينا
تجلـى مشرقـاً فعلـت دمـاه عليه كما عـلا التبـر اللجينـا
فيا عيـن اسكبـي لقتيـل قـوم أزالـوا حسيـن أثـراً وعينـا
يفل الريـح بـدراً مـن محيـا به والأرض مـن حـب حنينـا
وتسبى المحصنات إلـى يزيـد كأن لـه علـى المختـار دينـا
فطاف بها على الأقتاب عجلـى وكانت تمشي في الخدر الهوينـا
مدح أمير المؤمنين عليه السلام لم يعلق ببالي منه.

توفي في طريق خراسان بحفرة تردى فيها سنة خمسمائة وخمس وستين، ذكره ابن الأثير وغيره، رحمه الله تعالى.

علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم عليه السلام

علم الهدى المستنير، والمرتضى الذي لا تعدوه كف المشير، والسيد الأجل أبو القاسم، العديم النظير، كان أوحد الناس علماً وفضلاً وفقهاً وكلاماً وأصولاً وأدباً
413
وكرماً وأخلاقاً إلى غير ذلك:
مولاي يـا بـدر كـل داجيـةٍ خذ بيدي قد وقعت فـي اللجـج
حسنك مـا تنقضـي عجائبـهُ كالبحر حدث عنه بـلا حـرج
بحق من خط عارضيـك ومـنْ سلـط سلطانهـا علـى المهـج
مـد يديـك الكريمتيـن معــاً ثم ادع لي من هـواك بالفـرج
وقوله:
يا خليلي مـن ذوائبـه (قيـسٍ) في التصابي رياضـة الأخلـاق
عللانـي بذكرهـم واسقيانــي وامزجا لي كأس بدمـع دهـاق
وخذا النوم من جفونـي فإنـي قد خلعت الكرى علـى العشـاق
وقوله:
بينــي وبيــن عواذلـــي فـي الحـب أطـراف الرمـاح
أنـا خارجـي فـي الهــوى لا حكــــم إلا للملــــاح
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة يفتخر فيها بآبائه عليهم السلام أوله:
أما الشباب فقد مضـت أيامـهُ واستل من كفي الغـداة زمامـه
أما الطريف من الفخار فعندنـا ولنا من المجـد التليـد سنامـه
ولنا من البيـت المحـرم كلمـا طافت به فـي موسـم أقدامـه
ولنا الحطيـم وزمـزم وتراثهـا نعم التراث عن الخليـل مقامـه
ولنا المشاعر والمواقف والـذي تهدى إليـه مـن منـى أنعامـه
وبجدنا وبصنوه دحيت عـن ال بيت الحرام وزعزعت أصنامـه
وهما علينا أطلعا شمس الهـدى حتى استنـار حلالـه وحرامـه
وأبي الذي تبدو على رغم العـدا غـراً محجلـة لنــا أيامــه
كالبدر يكسو الليل أثواب الضحى والفجر شب على الظلام ضرامه
414
وهو الذي لا يقتضي في موقفٍ إقدامـه نكـصٌ بـه أقدامــه
حتى كأن نجاتـه هـي حتفـه ووراءه ممـا يخـاف أمامــه
ووقى الرسول على الفراش بنفسه لمـا أراد حمامــه أقوامــه
ثانيه في كل الأمـور وحصنـه في النائبـات وركنـه ودعامـه
للــه در بلائــه ودفاعــه واليوم يغشى الدارعيـن قتامـه
وكأنمـا أجـم العوالـي غيلـهُ وكأنما هـو بينهـا ضرغامـه
وترى الصريع دمـاؤه أكفانـه وحنوطـه أحجـاره ورغامـه
والموت من ماء الترائـب ورده ومن النفوس مـراده وعشامـه
طلبوا مداه ففاتهـم سبقـاً إلـى أمدٍ يشق على الرجـال مرامـه
فمتى أجالـوا للفخـار قداحهـمْ فالفائـزات قداحـه وسهامــه
وإذا الأمور تشابهت واستبهمـتْ فجلاؤهـا وشفاؤهـا أحكامـه
وترى (الندي) إذا احتبى لقضيةٍ عوجاً إليهـا مصغيـات هامـه
يفضي إلى لـب البليـد بيانـه فيعـي وينشـئ فهمـه إفهامـه
بغريب لفظ لـم تـدره سقاتـه ولطيف معنى لم يفـض ختامـه
وإذا التفت إلى التقـى صادقتـه من كـل بـر وافـراً أقسامـه
فالليـل فيـه قيامـه متهجــداً يتلو الكتاب وفي النهار صيامـه
يطوي الثلـاث تعففـاً وتكرمـاً حتـى يصـادف زاده معتامـه
وتراه عريان اللسان من الخنـا لا يهتدي للأمـر فيـه ملامـه
وعلى الذي يرضى الإله هجومه وعلى الذي لا يرتضي إحجامـه
فمضى بريئاً لـم تشنـه ذنوبـه يومـاً ولا ظفـرت بـه آثامـه
ومفاخر ما شئـت إن عددتهـا فالسيل أطبـق لا يقـدر هامـه
تعلو على من رام يومـاً نيلهـا مـن يذبـل هضباتـه وإكامـه
415
وهي طويلة.

وقوله من قصيدة حسينية أوله:
عـرج علـى الدراسـة القفـر ومر دمـوع العيـن أن تجـري
عجـت بـه أنفـق فـي آيهـا ما كان مذخـوراً مـن الصبـر
في فتيـة طـارت بأوطارهـمْ فـي رينهـم أجنحـة الدهــر
ضيموا وسقوا في عراص الردى ما شـاءت الأعـداء مـن مـر
يا صاحبي فـي قعـر مطويـةٍ لو كـان يرضـى لـي بالقعـر
أما تراني بيـن أيـدي العـدى ملآن مـن غيـظ ومـن وتـر
تسري إلى جلـدي رقـش لهـمْ والشـر فـي ظلمائهـا يسـري
لا تبكي إن أنت بكيـت الهـدى إلا علـى قاصمــة الدهــر
وابك حسيناً والألـى صرعـوا أمامـه سطـراً إلـى سطــر
ذاقوا الردى من بعد مـا ذوقـوا أمثالـه بالبيــض والسمــر
قتـل وأسـر بأبــي منكــمُ مـن نيـل بالقتـل وبالأســر
فقـل لقـوم جئتهـم دارهــمْ علـى مواعيـد مـن النصـر
قروكـم لمـا حللتــم بهــا ولا قـرى أوعيــة الغــدر
وأطرحوا النهـج ولـم يحفلـوا بمـا لكـم فـي محكـم الذكـر
واستلبــوا إرثكــم منكــمُ مـن غيـر حـق بيـد القسـر
فيـا لهـا مظلمــة أولجــت على رسـول اللـه فـي القبـر
يا عصـب اللـه ومـن حبهـم مخيم ما عشـت فـي صـدري
ومـن أرى ودهــم وحــدهُ زادي إذا وسـدت فـي قبـري
وهـو الـذي أعددتـه جنتــي وعصمتي فـي ساعـة الحشـر
حتى إذا لـم تـك لـي نصـرةٍ من أحـد كـان بكـم نصـري
416
بوقـف ليـس بــه سلعــةٌ لتاجـر أنفــق مــن بــر
وهي طويلة وهذه تقاصير منها. وله كثير غيرها.

ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة من فاطمة بنت الحسين بن أحمد بن ناصر صاحب الديلم.

وتوفي يوم الأحد لخمس بقين من ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة ودفن بداره ثم نقل إلى كربلاء فدفن مع أبيه وجده عند ضريح الحسين عليه السلام.

وفي الكاظميين عليه السلام قبران يزاران ويتبرك بهما ينسبان إلى المرتضى والرضي أخيه، والله أعلم.

علي بن الحسين، أبو الحسن علاء الدين الشفهيني الحلي

كان فاضلاً تقياً ناسكاً وشاعراً، اختص شعره بأهل البيت عليهم السلام فأضاء إضاءة الزجاجة بالزيت، لم يكد يخلو مجموع من شعره الإمامي، ولا محفل من ذكره السامي، فمنه قوله من قصيدة أوله:
نم العـذار بعارضيـه وسلسـلا وتضمنت تلك المراشف سلسـلا
قمر أباح دمي الحـرام محلـلاً إن ماس يخطر في قباه محلـلا
كتب الجمال على صحيفة خـده بيـراع يمنـاه البهيـج ومثـلا
فبـدا بنونـي حاجبيـه معرقـاً من فوق صادي مقلتيه وأقفـلا
ثم استمد فمـد أسفـل صدغـه ألفاً ألفت به العـذاب الأطـولا
فاعجب له إذ هم ينقـط نقطـة من فوق حاجبه فجاءت أسفـلا
ولقد أرى قمر السمـاء إذا بـدا في عقرب المريخ حـل مؤيـلا
وإذا بدا قمري وقـارن عقربـي صدغيه حل به السعود فأكمـلا
417
عاتبته فشكوت مجمـل صـده لفظاً أتى لطفاً فجـاء مفصـلا
وأبان تبيـان الوسيلـة مدمعـي فاعجب لذي نطق تحقق مهمـلا
فتفرجـت وجناتـه مستعذبــاً عتباً ويعذب للمعاتب مـا حـلا
فافتر عن ورد وأسفر عن ضحى من لي بحسن المجتني والمجتلى؟
قسماً بفاء فتـور جيـم جفونـه لأخالفـن علـى هـواه العـذلا
وهي طويلة مدح بها أولاً أمير المؤمنين عليه السلام ثم انتقل منه فرثى الحسين عليه السلام ثانياً فقال:
يا ليت في الأحياء شخصك حاضر وحسين مطروح بعرصة كربلا
وقوله من قصيدة أوله:
أبرق تراءى عن يمين ثغورهـا أم ابتسمت عن لؤلؤ من ثغورها
يقول فيها عند ذكر الحسين عليه السلام:
أجدك هل سمر العواسل تجتنـى لكم عسلاً مستعذباً من مريرهـا
أم استنكرت أنس الحياة نفاسـة نفوسكم فاستبدلت أنس حورهـا
بنفسي مجروح الجـوارح آيسـاً من النصر خلواً ظهره من ظهيرها
يتوق لأمـواه الفـرات ودونهـا حدود شفار أحدقـت بشفيرهـا
على مثل هذا الحزن يستحسن البكا وتقلع منا أنفس مـن سرورهـا
وهي طويلة.

وقوله من قثيدة أوله:
ذهب الصبـا وتصـرم العمـرُ ودنا الرحيـل وقـوض السفـر
يقول فيه:
يا واقفـاً فـي الـدر مفتكـراً مهـلاً فقـد أودى بـك الفكـر
هلاً صيـرت علـى مصابهـم فعلى المصيبـة يحمـد الصبـر
418
وجعلت رزئك في الحسين ففـي رزء ابن فاطمـة لـك الأجـر
بأبي القتيـل ومـن لمصرعـه ضعف الهدى وتضاعف الكفـر
لا عذر عنـدي للسمـاء وقـد بخلـت وليـس لباخـل عـذر
تبكي دماً لمـا قضـى عطشـاً لـم لا بكـاه حبـاً لـه القطـر
بأبـي الـذي أكفانـه نسجـت مـن عثيـر وحنوطـه عفـر
ومغسـل بـدم الجـراح فــلا مـاء أعـد لــه ولا ســدر
سلبـت يـد الطلقـاء مغفــره فبكـى لسلـب المغفـر الغفـر
وهي طويلة.

وقوله من أخرى أوله:
عسى موعد إن صح منك قبولُ يؤديه إن عز الوصـول قبـول
تطاول عمر العتب يا عتب بيننا وليس إلى مـا نرتجيـه سبيـل
أفي كل يـوم للعتـاب رسائـل مجـددة مـا بيننـا ورســول
رسائل عتـب لا يـرد جوابهـا ونفث صدور في السطور يطول
عسى مسمعي يصغي إلى قول مسمع فيعطف قـاس أو يـرق ملـول
يقول في الحسين عليه السلام منه:
له من علي في الخطوب شجاعة ومن أحمد عند الخطابـة قيـل
إذا شمخت في ذروة المجد هاشم فعمـاه منهـا جعفـر وعقيـل
كفاه علـواً فـي البريـة أنـه لأحمد والطهـر البتـول سليـل
فما كل جد في الرجـال محمـد وما كل أم فـي النسـاء بتـول
وهي طويلة، وهذه التي عارضها جماعة ومنهم الحسن بن راشد.

وله قصيدة مجنسة شرحها الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي أوله:
يا روح أنس من الله البديء بـدا وروح قدس على العرش العلي بدا
419
يا علة الخلق يا من لا يقارب خير المرسليـن سـواه مشبـه أبـداً
يا من به كمل الدين الحنيف وللإيمان من بعـد وهـن ميلـه عضـدا
يا صاحب النص في خم ومن رفع النبي منه على رغم العدى عضدا
أنت الذي اختارك الهادي البشير أخاً وما سواك أرتضي من بينهم أحدا
أنت الذي عجبت منه الملائك في بدر ومن بعدها إذ شاهدوا أحـدا
يقول فيه:
مولاي دونكهـا بكـراً منقحـة ما جاوزت غير مغني حلة بلـدا
رقت فراقت لذي علـم وينكـر معناها البليد ولا عتب على البلدا
وهي طويلة.

وله ديوان في المدائح الإمامية صغير.

توفي في حدود سنة السبعمائة بالحلة، وله قبر معروف بها يزار ويتبرك به وتستجاب عنده الدعوات وتفاض البركات.

علي بن الحسين من آل عوض الأسدي الحلي

كان أديباً شاعراً ظريفاً، حلو الحديث إلى تقى ونسك وديانة قوية، حاضرته فرأيته منه رجلاً صافي السريرة، تقي القلب، طاهر الثوب، وكتب إلي بشعر في المدح فراجعته بمثله، فمن شعره في الغزل قوله:
قـد كغصـن البـان ناظــر قلـب المحـب عليـه طائــر
وغـزال أنــس مــا لــه عنـي تولـى وهــو نافــر
شغــل العيــون بهـــاؤه وجمالـه شغــل الخواطــر
كسـر القلـوب بكسـر جفـن فهـو فـي الحاليـن كاســر
يــا وجهـــه ولحاظـــه أيــن الأهلــة والجـــآذر
فاعجــب لحجــة وجهــه البيضـاء فيهـا الخـال كافـر
420
مـا كنـت أحســب قبلــه فيمــا أصــور أو أناظــر
إن الغصـون علـى الحقـوف تلفهـــا مـــن مـــآزر
فهــو الفريــد بحسنـــه وبحبــه قلبــي مكائـــر
تــروي سلافتــه العذيــب وثغـره يــروي الجواهــر
وقوله:
بيـن اللـوى فمعاقـد الرمـلِ ظبي يريش الهـدب مـن نبـل
يلوي ديون الصب عـن جـدة حتـى يميـت الديـن بالمطـل
غـر ولكـن مــا أعيرفــه مـن صبـه بمواضـع القتـل
تملي حديـث الحسـن طلعتـه والشـوق يكتـب كلمـا يملـي
قد تـاه رشـدي فـي محاسنـه مذ مـاس بيـن التيـه والـدل
من لـي بخمـر مـن مراشفـه أشهى لقلبي مـن جنـى النحـل
عـدم المماثـل فـي محاسنـه لمـا عدمـت بعشقـه مثلــي
ومن شعره في المذهب قوله مخمساً أبيات الصاحب بن عباد في أمير المؤمنين عليه السلام:
طاب زماني فادن من صاحـبِ ينشد فـي مـدح فتـى غالـب
أليس عنـد العـارف الناسـبِ (حب علـي بـن أبـي طالـب
أشهى من الشهدة للشارب)
مولى الورى أعطى العلا رهطه قد جعـل اللـه الـولا قسطـه
حلفـت باللـوح ومـا خطــه (لو فتشـوا قلبـي رأوا وسطـه
سطرين قد خطا بلا كاتب)
هما نجاتي مـن بـدي ناصـبِ ومن عذاب في لظـى واصـب
لاحا إلـى كـل فتـى طالـبِ (العدل والتوحيـد فـي جانـب
421
وحب أهل البيت في جانب
وقوله من حسينية أوله:
علاقة حب لا يخـف ضرامهـا ودمعة صب لا يجف انسجامهـا
ومهجة عان لا تـزال مشوقـة يزيد على نزر الوصال غرامها
بنفسي الخليط المدلجون لرامـة وما رامـة لولاهـم ومرامهـا
فما كنت أدري قبل شد حدوجهم بأن الحشا بين الحدوج مقامهـا
عدمت اصطباري يوم عادوا لبينهم وعادوا وأعضائي الغداة سقامها
فمن لي بقلبي أن يقـر قـراره ومن لي بعيني أن يعود منامهـا
بلى وعلمت الوصل فيـه لـذاذة لأهليه لكـن المجـال دوامهـا
فلا عيش في الدنيا يروق صفاؤه ولم يك عذباً شربهـا وطعامهـا
فلو أنها تصفو صفت لابن أحمد وما ناضلته في المنايا سهامهـا
أتته بنو حـرب تشـد حروبهـا مثال الدبى سد الفضاء جهامهـا
فثار لها ابن المرتضى بصفيحة زعاف المنايا حدهـا وسمامهـا
وأثكل أم الحرب أبناءها ضحـى فضجت عراقاها تعاوى وشامها
على سابح قد كاد يسبـق ظلـه ولما تحس الوطء منه رغامهـا
فلم يدر من برق تكون جسمـه أم الريح أضحى لقيابها أمامهـا
رماها أبو السجاد منـه بعزمـة يجين آساد العريـن اصطدامهـا
فأورد أولاهـا بكـأس أخيرهـا وخرت سجوداً طوع ماضيه هامها
هو ابن الذي أودى بمرحب سيفه وعاث بعمرو مـذ رآه حمامهـا
فكيف يهاب الموت وهو حمامه ويخشى لظى الهيجاء وهو ضرامها
بلى قـد رأى أن الحيـاة مذلـة وعزته في القتل سـام مقامهـا
هناك قضى نفسي الفداء لمن قضى وغلته لم يطـف منهـا أوامهـا
422
بكته السما والأرض والجن كلها وناحت له وحش الفلا وحمامهـا
وكادت له تهوي السماء ومن بها وتندك غبراها ويهوي شمامهـا
فيا ثلمة في الدين أعوز سدهـا ويا خطة شأن الوجود اجترامها
كرائم بيت الوحي أضحت مهانة ترى ما بها عرض الفلاة لئامها
وأرؤس آل الله تهـدى لفاجـر عليه عكوفـاً بالمـدام طغامهـا
وله غيره من المدائح والمراثي فيهم عليهم السلام.

توفي سنة ألف وثلاثمائة وخمس وعشرين في الحلة، ونقل إلى النجف ودفن بوادي السلام، رحمه الله.

الشيخ أبو الحسن، علي بن حماد بن عبيد العبدي الشاعر البصري

كان فاضلاً متكلماً، ذا عارضة قوية، وأسر شديد، وكان شاعراً بارعاً، روى العمري النسابة له قصيدة رائية ينقض بها مذهب الزيدية عن ابن دانيال، قال: وكان من ذوي رحمي رحمه الله، قال: أنشدني الشيخ أبو الحسن علي بن حماد بن عبيد العبدي الشاعر البصري لنفسه وهي:
قال ابن حماد وقـال لـه فتـى قد جاء يسأله، جهلتـك فاعـذر
قد كنت أأمل أن أراك فأقتـدي بصحيح رأيك في الطريق الأنور
وأريد أسأل مستفيداً قلـت سـل واسمع جواباً قاهـر لـم يقهـر
قال: الإمامة كيف أضحت عندكم من دون زيد والإمـام بجعفـر
قلت: النصوص على الأئمة جائتا حتماً من اللـه العلـي الأكبـر
إن الأئمـة تسعــة وثلاثــة نقلاً عن الهادي البشير المنـذر
لا زائداً فيهـم وليـس بناقـص منهم كما قد قيل عـد الأشهـر
423
مثل النبوة صيرت فـي معشـر فكذا الإمامة صيرت في معشـر
قـال: الإمامـة لا تتـم لقائـمٍ ما لـم يجـرد سيفـه ويشمـر
فلـذاك زيـد حازهـا بقيامـه من دون جعفر فاذكرن وتدبـر
قلت: الوصي على قياسك لم ينل حظ الخلافة بل غدت في حبتـر
إذ كان لم يـدع الأنـام بسيفـه قطعاً فيا لك فريـة مـن مفتـر
وكذلك الحسين الشهيـد بتركـه بطلت إمامتـه بقولـك فانظـر
والعابد السجاد لـم يـر داعيـاً ومشهراً للسيف إذ لـم ينصـر
أفكان جعفـر يستشيـر عداتـه ويذيـق دعوتـه ولمـا يأمـر
ودليل ذلـك أن جعفـر عندمـا عزي بزيـد قـال كالمستعبـر
لو كان عمي ظاهـراً أو قائمـاً قد كان عاهد غير أن لم يظهـر
وله كثير في المدائح الإمامية والمراثي الحسينية، وكان يناح بشعره في المأتم، فمن شعره قوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام أوله:
ما ضر عهد الصبايا لو أنه عادا يوماً فزودني مـن طيبـه زادا
سقياً ورعياً لأيـام لنـا سلفـت كأنمـا كـن أعراسـاً وأعيـادا
أيام تنعم لي نعم وتجمـل بـي جمل وأسعد من سعداي إسعـادا
ظباء أنس تصيد الأنس هل نظرت عيناك ظبياً لأسد الغاب صيـادا
إن لم تكن ظباء فـي براقعهـا فقد حكتهـن ألحاظـاً وأجيـادا
من كل ساحرة العينين لو لقيـت سحراً لهاروت أو ماروت لانقادا
تميد بالأرض عشقاً كلما خطرت تهتز غصناً من الريحان ميـادا
بانت بروحي غداة البين عن جسدي والبيت يتلف أرواحـاً وأجسـادا
والدهر ليس بموف عهد صاحبه هيهات بل يجعل الميعاد إيعـادا
أفنى القرون ويفنيهم معـاً فـإذا أباد كل الورى من بعدهم بـادا
424
أفنى التبابع والإقبال مـن يمـن طـراً واتبعهـم عـاداً وشـدادا
وليس يبقى سوى الحي الذي جعل الموت الوحي لكل الخلق مرصادا
سبحانه واصطفى من خلقه حججاً مطهرين من الأدنـاس أمجـادا
مثل النجوم التي زان السماء بها كذاك ميزهـم للـأرض أوتـادا
أعطاهم الله ما لم يعطـه أحـداً فأصبحوا في ظلال العز أو جادا
محمـد وعلـي خيـر مبتعـث وخير هاد لمن قـد رام إرشـادا
والصدقون أولو الأمر الذين لهم حكم الخليقة إصـداراً وإيـرادا
آل الرسول وأولاد البتـول هـم خيـر البريـة آبـاء وأولــادا
أعلى الخليفة همات وأطهر أمات وأكــرم آبــاء وأجـــدادا
سرج الظلام إذا ما الليل جنهـم قاموا قياماً لوجـه اللـه عبـادا
لما تعرضت الدنيا لهـم أنفـوا منهـا فألفتهـم للعيـش زهـادا
جادوا وسادوا ففي الأمثال ذكرهم أما يقال إذا جـاد إمـرء سـادا
إن كفكفت بالندى يومـاً أكفهـم فلا تبالي أكف الغيـث أم جـادا
إن كورموا فبحور الجود تحسبهم أو حوكموا خلتهم في الحكم أطوادا
كل الأنام لـه نـد يقـاس بـه ولن ترى لهم في النـاس أنـدادا
الله والـى الـذي والاهـم فـإذا عاداهم أحد فاللـه قـد عـادى
في السلم تحسبهم أقمار داجيـة حسناً وتحسبهم في الحرب آسادا
أما علي فنور اللـه جـل فهـل يسطيع خلق لنور اللـه إخمـادا
وآخى النبـي وواسـاه بمهجتـه وما ونى عنه إسعافـاً وإسعـادا
هو الجواد أبو الأجـواد وابنهـم وهكـذا تلـد الأجـواد أجـوادا
ما قال لاقط للعافـي نـداه ولا لكل من جـاءه للعلـم مرتـادا
يجدي ويسدي ويغني كف سائله يداً فإن عاد في إستيجـاده زادا
425
يعد ميعاده بخلاً فلسـت تـرى دون العطاء له بالجـود ميعـادا
يلتذ بالجـود حتـى إن سائلـه لو سامه نفسه جوداً بهـا جـادا
من كان بادر في بدر سواه وما إن حاد في يوم أحد كالذي حادا
من قد عمرو بن ود في النزال ومن أضحى لعمرو بن عبد القيل مقتادا
إن جرد السيف في الهيجاء عوضه من الغمود رؤوس الصيد أغمادا
سيف أقام عمود الديـن قائمـه ضرباً وقوم ما قد كـان ميـادا
ترى المنايا له يوم الوغى خدمـاً بعون ربـك والأملـاك أجنـادا
صلاة ربي عليه ما انثنى غصن وما أقـل سخـي الشـد عـدادا
واليته مخلصـاً لا أبتغـي بـدلاً منه ولست أبالي كيد مـن كـادا
وكلما لامنـي فـي حبـه أحـد من النفول رآنـي فيـه مـزدادا
ولن أوالي زريقاً والدلام ومـروا ناً فلا غاثهم غيـث ولا جـادا
وكيف يهواهم قلبي ولـم يزلـوا لأحمد وعلـي الطهـر أضـدادا
أيستوي مصلح الإسلـام منـذره وكافر أفسـد الإسلـام إفسـادا
وقد روينا حديثـاً ليـس ينكـره أهل الحديث له متنـاً وإسنـاداً
رأى النبي عليـاً مقبـلاً فرنـى بطرفه فيه تصويبـاً وإصعـادا
وقال هذا كعيسـى فيكـم مثـلاً فقال قوم وولـوا عنـه صـدادا
اليـوم مثلـه عيسـى ويجعلـه من بعد ذا ملكاً في الأرض صعادا
فأنزل اللـه فـي حـم قصتـه وزادهم فيـه إرغامـاً وإكمـادا
أولى بأحمد من كان الولاء لـه إذ مات غسلاً وتكفينـاً وإلحـادا
يا سيدي يا أمير المؤمنين ومـن بحبـه طبـت أعراقـا وميلـادا
يا خير من قام يوماً فوق منبـره وخير من مسكت كفـاه أعـوادا
من كان أكثر أهل الأرض منقبة يكون أكثر أهل الأرض حسـادا
426
كسرت أصنامهم بالأمس فاعتقدت منها لك الدهر أضغاناً وأحقـادا
أين المفر لمن عاداك منـك إذا جاءت إليك به الأملـاك منقـادا
والأمر في البعث مردود إليك معاً إذا المنادي لأبشار الورى نـادى
وقسمة النار والأعراف تعرفهـم مسوميـن وأبـراراً وجحــادا
والحوض حوضك تسقي ذا وتطرد ذا إذا أتى الحوض كل الخلق ورادا
وهل يجوز صراط الله غير فتى أرفدتـه ببـراة منـك إرفـادا
يا حاضر الميت من كل الأنام فذا تولي شقاء وتولي ذاك إسعـادا
يا راجع الشمس من بعد الأفول إذ الآفاق والناس لا يألـون شهـادا
يا موقظ الفتية الموتـى بكهفهـم وقبل كانوا على الأيـام رقـادا
يا منبع الماء للقوم العطاش وقد لاقوا بحر الظما كرباً وإجهـادا
يا قالع الباب عن حصن اليهود ولم يلهدك إذ وسع الأقـوام إلهـادا
أجل لو رمت قلع الحصن أجمعه لما عصـاك ولا أعيـى ولا آدا
إنجيل عيسى وتوراة الكليم معـاً تحري صفاتك تكراراً وتعـدادا
فليس يجهل مـا أوتيتـه أحـد ممن تنصر طول الدهر أوهـادا
فصار حبـك إيمانـاً وتبصـرة وصار بغضك كفرانـاً وإلحـادا
وطاف لي بفناء الطف طيف أسى خلى فؤادي لطول الحزن معتادا
ذكرت فيه الحسين السبط حين ثوى فرداً وحيداًً حوى للنوح أفـرادا
في عصبة بذلت اللـه أنفسهـا فأحمـدت بذلهـا للـه أحمـادا
يذاد عن ريه حتى قضى عطشاً فلا سقى الله رياً مـن لـه ذادا
لهفي على غرباء بالطفوف ثووا لا يعرفون سوى العقبـان ورادا
كأنني ببنات المصطفـى ذلـلاً في السبي يندبنه نوحاً وتعـدادا
يا أمة قادها شيطانهـا فجـرت خزياً وأخزى إلهي من لها قـادا
427
والله ما أجرمت عـاد كجرمهـم ولا سقت أمة ما أشبهـت عـادا
إن النواصب ما زالـت أئمتهـم من الشريعـة شـذاذاً وشـرادا
يا مالك أطبق ولا ترحم دعاءهم وزدهم منـك أثكـالاً وأصفـادا
أنا ابن حماد العبدي أحسن لـي ربي فلا زلت للإحسان حمـادا
أمدني منـه بالنعمـى فاشكـره شكراً لنعمائـه عنـدي وأمـدادا
وتلـك عادتـه عنـدي مجـددة وكان سبحانه بالفضـل عـوادا
فهاكها كعقود الدر قـد قرنـت إلـى يواقيتهـا تومـاً وأفـرادا
لو جسم الشعر جسماً كان يعبدها حتى يراه لها الـراؤون سجـادا
وازنت ما قال إسماعيل مبتدئـاً (طاف الخيال علينا منك عبادا)
والشعر كالفلس والدينار تصرفه حتى يميـزه مـن كـان نقـادا
نجزت.

وقوله في أخرى له في مدحه عليه السلام أوله:
النـوم بعدكـم علـي حــرامُ من فارق الأحباب كيـف ينـام
والله ما اخترت الفـراق وإنمـا حكمـت علـي بذلـك الأيــام
لو أنها استامت علـي بقربكـم أعطيتهـا فـوق الـذي تستـام
وحياتكـم قسمـاً أبـر بحلفـه ولربمــا تتألــم الأقســـام
أشتاقكم حتى إذا نهض الهـوى بي نحوكم قعـدت بـي الآثـام
لم أنسكـم فأقـول إنـي ذاكـر نسيـان ذكركـم علـي حـرام
والله لو أنـي شرحـت ودادكـم فنـي المـداد وكلـت الأقلــام
إني أميـل لوصلكـم وحديثكـم ويزيدني في الذكر منـه هيـام
وإذا بـدا الفـان ألفتنـى بكـم حسـر كمـا يتحسـر الأيتـام
وتآلف الأرواح حـظ لـم يكـن ليتـم أو تتآلــف الأجســام
428
للــه أيـــام إذا مثلتهـــا فكأنهـا مـن طيبهـا أحلــام
والدهر ليس بسالـم مـن ريبـه أحـد وليـس لنفسـه استسلـام
أخنى على آل النبـي بصرفـه فتحكـت فيهـم لـه أحكــام
فعراصهم بعد الدراسة والهـدى درس تجاوب في ذراهـا الهـام
وهم عماد الدين والدنيـا وهـم للحـق ركـن ثابـت وقــوام
منهم أمير النحل والمولى الـذي هـو للشريعـة معقـل ونظـام
وهو الإمام لكل من وطأ الحصا بعد النبـي ومـا عليـه إمـام
بولائـه فتـح الشريعـة ربنـا وبـه لهـا عنـد الإلـه ختـام
لا تقبل الصلـوات والزكـوات إلا بالإمـام ولا يتـم صيــام
قـرن الإلـه ولائـه بولائــه ورسولـه وأتـت بـه الأنعـام
ومحمـد قـال الخليفـة فيكـم بعدي علـي الفـارس المقـدام
ومخلف الثقليـن فيكـم فليكـن لكم بمـا استخلفتـه استعصـام
فهما كتاب الله جـل وعترتـي العلمـاء بالقــرآن والقــوام
وله عليهـم طاعـة مفروضـة فيهـا لهـم مـن ربـه إلـزام
وبحبه امتحنـوا فمنهـم مؤمـن أو كافـر فـي كفـره معتــام
اللـه ميـزه ليعـرف فضلــه ولحاسديـه الـذل والإرغــام
علم العلوم بأسرها فالبعض تـو قيـف الإلـه وبعضهـا إلهـام
والله ألهمه اللغـات فلـم تكـن لغـة عليـه بفهمهـا استعجـام
وأقامـه علمـاً لنـا فبعلمــه عند الشواكـل يهتـدي الأعلـام
وإذا مكارمـه ذكـرت تخيلـوا إن الكـرام مـن الأنـام لئـام
يغني العفاة عن السؤال تكرمـاً فينيلهم أضعاف ما قـد رامـوا
أموالــه للسائليــن غنيمــة ولـه بأخذهـم لهـا استغنــام
429
وإذا تحـزم للبـراز تقطعــت أيدي الحروب فما يشـد حـزام
وإذا انتضى أسيافه فـي مـأزق فغمودهـن مـن الكمـاة الهـام
وإذا رنا نحو الشجـاع بطرفـه فلحاظـه فـي لبتيـه سهــام
وإذا الحروب توقـدت نيرانهـا ولهـا بآفـاق السمـاء ظلــام
فالبيض شمس والأسنـة أنجـم والنقـع ليـل فوقهـن ركــام
حتى إذا ما قيـل حيـدرة أتـى خفتوا فلم تسمـع هنـاك كلـام
لا يملكون تزيلاً عنه كأن القـو م لـم تخلــق لهــا أقــدام
وكـأن هيبتـه قيـود عداتــه لا خلـف ينجيهـم ولا قــدام
رجل يحب اللـه وهـو يحبـه فعليـه منـه تحيــة وسلــام
كانت هدايـا اللـه يأتيـه بهـا منـه ملائكـة عليـه كــرام
تفني الصفات وليس يدرك فضله وتضـل دون بلوغـه الأوهـام
وإليه تفويض الأمـور بأسرهـا ولـه ملائكـة العلـى خــدام
واليتـه وبرئـت مـن أعدائـه أفهل علـي بمـا فعلـت ملـام
ثم استرسل رحمه الله ثم قال:
يا أيها الموتى وإن لـم يدفنـوا ويضمهم بعـد التـراب رجـام
أتراكم عمي العيون عن الهـدى ما تبصـرون أم القلـوب نيـام
كم توعظون وتزجـرون وأنتـم لا فهـم عندكـم ولا استفهــام
صبراً فقد وعد الإلـه بنصـره والوعـد فيـه للكـرام تمــام
مذ قال ذرهم يأكلـوا ويمتعـوا حينـاً كمـا يتمتـع الأنعــام
والحق سوف يعود فـي أربابـه يوماً وإن طالـت بـه الأعـوام
وإليكها تجلى القلـوب بحسنهـا وتبلـج الأذهــان والأفهــام
فيها ابن حماد يعـارض أختهـا (كم قد طوت الكـوم والأكـام)
430
وهي طويلة، وهذه جملة منها، وله في المناقب ما لا يجهله أحد له إطلاع.

توفي في حدود الأربعمائة بالبصرة، وقد ذكره النجاشي، رحمه الله تعالى.

علي بن خلف بن عبد المطلب الموسوي المشعشي، أمير الحويزة الحويزي

كان عالماً فاضلاً، حاكماً فاصلاً، مصنفاً في العلوم، أديباً حسن المنثور والمنظوم، ضم إلى الإمارة التقوى، وتمسك من مديح أجداده عليهم السلام بالسبب الأقوى، له ديوان جمعه وسماه (خير جليس)، فيه من محاسن الشعر ومدائح الأئمة ما يليق بشأنه، فمنه قوله:
أحبتنا أنتم لنا الروح هل علـى مفارق روح من ملـام إذا حنـا
إلا أن بين الروح والجسم إلفـة إذا فارقت تبقى كلفظ بلا معنـى
أغني بذكراكم إذا كنـت خاليـاً وليس على المشتاق لوم إذا غنى
حمامات وادي الأيك بالله جلوبي محباً على تبعاد أحبابه مضنـى
فلست أرى نوحي ونوحك واحداً فقد كان ذا سجعاً فقد كان ذا حزناً
ومن شعره في المذهب قوله في مدح النبي صلى الله عليه وآله عليهم السلام:
سمح الدهر بكـم حينـاً ومنـا ما عليه لـو بكـم جـاد ومنـا
كان لـي عيـش مهنـى بكـم آه لو دام لـي العيـش المهنـى
لـو سمحتـم باللقــا ثانيــة عاد من شرخ الصبا ما فات منا
ودع الحـب وفارقـت الصبـا وشبابـاً وحبيبـاً بـان عنــا
فعدوا بالوصل إن لـم تنجـزوا لا تردونـي بـأن كـان وكنـا
ضل مـن قـال بيـأس راحـة فهو أنكى كل شئ لي وأضنـى
أتمناكــم لتبقــى مهجـــة بكـم تقضـي إذا لـم أتمنــى
431
أمنـح البــارق والورقــا إذا لاح أو إن رجعت عينـاً وأذنـا
وحديثاً لـم يكـن فـي ذكركـم لم يجد يوماً علـى أذنـي أذنـا
وصباكـم شابهتنــي رقــة أنا مضنى والهوى النجدي مضنى
آه لا رسـل توافــي منكــم وأبـى طيفكـم يطـرق وهنـا
امنعـوا أو فاطلقـوا طيفكــم يحتظي بالطيف من أطبق جفنـا
رب دار إن رأتهــا مقلتــي أظهرت بالدمع ما القلـب أجنـا
طالمـا طالعـت فيهـا قمــراً يفضح الأقمار أنـواراً وحسنـا
زعـم البـدر تمامــاً أنــه مشبه أوصافـه حسنـاً وسنـا
غلط البـدر ولا الشمـس سنـا والظبا [أن] تعطو والغصن تثنى
ما لنضوى بعد غصـن بركـت يا تراها عرفـت أطلـال لبنـى
انـدب الـدار بلفـظ سائــلاً وهي تشكو بدثور الرسم معنـى
باكرتهـا لا كأنفـاس الصبــا جادها الغيث أخو دمعـي هتنـا
يا نزولاً بيـن جمـع والصفـا نأيكـم أقتـل شـيء للمعنــى
ليـت لـو تنفـع ليـت مدنفـاً تغتدي لي داركـم دار ومغنـى
كم إلى كم أصحب الأشـرار أو أشتكي من بقليل الوصـل منـا
بعـت عقبـاي بدنيــاً مــدة إن يكن غبناً فبيعي كـان غبنـا
أقرع السـن علـى مـا فاتنـي جهد من ينـدم أو يقـرع سنـا
كان أولى من ركوبـي باطـلاً رقص أنضـاء وحـاد يتغنـى
تدمـن السيـر صباحـاً ومسـاً وتجوب البيد بي سهلاً وحزنـا
حين أقضي كل فـارض لـازم من طواف البيت أو ألثـم ركنـا
ووقوفي ثـم خيـر لـي مـن وقفة تجلب لي خزيـاً وحزنـا
ورواحي محرمـاً أجمـل بـي من لباس ملبسـي ذمـاً وطعنـا
432
ليت شعـري وزمانـي مخلفـي لا ترى يصدقني بالخيـر ظنـا
هل تداني بـي المطايـا طيبـة فلئن دانت بنـا طابـت وطبنـا
أو ترانـي ناشئـاً مـن طيبـة تربها أو كاحـلاً عينـاً وجفنـا
أو أداوي غلتـي مـن مائهــا فهو أروى لي وأشفى لي وأهنـا
وأرى النـور الإلهـي الــذي عم من طيبة آطامـاً وحصنـا
وأدانـي روضـة صاحبهــا قد تدانى قاب قوسيـن وأدنـى
الـذي لولـاه لـم يخلـق لنـا لا ولا للكـون إيجـاد ومعنـى
تغبـط الأفلـاك أرضـاً حلهـا إذ غدت أعلا به قـدراً وأسنـى
وتـود الرسـل أن تصحبــه ويكونـوا تلـوه حـلاً وظعنـا
وكذا الأملاك ما نالـت رضـى غير من صلى على الهادي وأثنى
كيف لا أقضي حنينـاً وجـوى للذي قبلـي إليـه الجـذع حنـا
وإذا مـا رحـت مجنونـاً بـه كان فخري أن تقول الناس جنـا
كـل مجنـون بفـن ذكــروا وجنوني صـار بالمختـار فنـا
وبنفسـي عتـرة طابـوا بــه وسموا بل رجحوا قدراً ووزنـا
قد كستهم حلـة الفضـل كسـا أنبئت عن آية التطهيـر ضمنـا
بجزاهم هل أتى قـد صدحـت بجـزاء كجزاهـم مـا سمعنـا
وهي طويلة.

وقوله معارضاً الشيخ بهاء الدين في قصيدته المهدوية:
هي الدار ما بين العذيب وذي قارِ عفت غير سحم ما ثلاث وأحجار
رسوم عفاها كل سار وهاطـل فهن كجسمي أو غوامض أسراري
معاهد لا أدري أمن طيب تربها نسيم الصبا حيت أم العنبر الداري
وقفنا بها حتى لطـول وقوفنـا تخيلت أنا قد خلقنا مـن الـدار
433
خلت بعد ما كانت مناخاً لراكب وملعب أتراب ومجمـع سمـار
ومرتع غزلان ترى الصيد صيدها فقل في غزال يصرع الأسد الضاري
رماني بسهم من كنانـة حسنـه فما أخطأ الظبي الكناني لا القاري
وعصر تصاب قد فجعت بفقـده وماضي شباب رحت من حليه عاري
ألا في أمان الله عصـر بفقـده من العيش واللذات قلمت أظفاري
فيا صاح دع ندب المعاهد واندبن منازل أطهـار ومعهـد أبـرار
لها نـار مجـد بالتلـاع منيفـة ترحب بالطاري وتستجلب الساري
ومجمع أذكار ونـادي تفضـل فمن ذاكر قار ومن ناحـر قـار
ديار رسول الله والطهر صنـوه علي أخي المختار من غير إنكار
وسبطي نبي الخلق نفسي فدتهما لرزئهما تجري جفوني بمـدرار
إمام أتى البيت الحـرام مسلمـاً فرد عليه منه صامـت أحجـار
وقد ظهرت في ذا الزمان فضائل له كعصا موسى على كل سحار
فتبريد هذي النار ممن دعا بـه بذلك أن القوم حرز مـن النـار
فحتى م يـا مهـدي آل محمـد نكابد من ضر العدى أي إضرار
وأعظم شيء فيك تكذيبهـم لنـا أترضى لنا بالعار يا كاشف العار
فثب واثقاً باللـه وثبـة ماجـد غط عن جبين الحق مسدول أستار
بجيش تميد الأرض من جري خيله إذا ما دعا داعي الكريهة جـرار
بهم من بني المهدي كل مشمـرٍ بأبيض بتـار وأسمـر خطـار
وهي طويلة.

وله في المديح الإمامي والرثاء الحسيني الكثير.

توفي سنة ألف وتسعين تقريباً، وله ذرية كبيرة كثيرة في الحويزة يقال لهم الموالي، كثرهم الله، ورحمه تعالى، ورضي عنه بمنه.
434

علي بن رستم بن هارون، بهاء الدين، أبو الحسن ابن الساعاتي

كان فاضلاً، مبرزاً في حلبة الفضل، مقبل الناصية في الأدب الجزل، وكان شاعراً عالي الطبقة، رقيق المعاني حرها، منسجم الألفاظ سهلها، له ديوان شعر كبير، قال فيه صاحب الوفيات: (أجاد بكل الإجادة، وآخر يعرف بمقطعات النيل)، فمن شعره الجزل الحر قوله:
ولقد نزلـت بروضـة خزيـة رتعت نواظرها بهـا والأنفـس
فظلت أعجب حيث كلف صاحبي والمسك مـن نفحاتهـا يتنفـس
ما الجو إلا عنبـر، والـدوح إلا جوهر، والـروض إلا سنـدس
سفرت شقائقهـا فهـم الأقحـوا ن بلثمها فرنـا إليـه النرجـس
فكأن ذا خد وذا ثغـر يحاولـه وذا أبـداً عيــون تحــرس
وقوله:
قم يا نديمي إلى مباشرة الوغـا فالحرب قائمـة ونحـن هجـود
والليل قد أودى وقهقـه عندنـا ألإبريق من طرب وناح العـود
ولئن زعمت بأن ذلـك باطـل فلنـا عليـه أدلــة وشهــود
القطـر نبـل والغديـر سوابـغ والبرق بيـض والغمـام بنـود
وقوله:
ومواقـف بالنيريـن شهدتهــا والعيش غض والزمـان غلـام
حمد المـدام بـه فهـن فواكـه تجنى وذاب التبـر فهـو مـدام
مخطوبة زفـت فنقطهـا الحيـا بعقـود در خانهــن نظــام
والدوح يرقص والبروق بجوهـا مثل الصوارم في الرقاب تشـام
435
سفرت فنرجسها المضاعف أعين والورد خـد والقضيـب قـوام
ومن شعره في المذهب قوله في أمير المؤمنين عليه السلام:
أمجادلي فيمن رويـت صفاتـه عن هل أتى وشرقت من أوصافي
زوج البتول ووالد السبطيـن و الفادي النبي ونجل عبد منـاف
أتظن تأخيـر الإمـام نقيصـة والنقص للأطراف لا الأشـراف
أو ما تـرى الكواكـب سبعـة والشمس رابعـة بغيـر خلـاف
وقوله في هذا المعنى من قصيدة:
أبا حسن أن أخـروك وقدمـوا عليك ثلاثاً فهو في نقصهم يكفي
فذي ألف الإحاد إن هي أخـرت وقد من أصفار تعود إلى الألف
ولد بدمشق سنة خمسمائة واثنتين وخمسين أو ثلاث.

وتوفي بالقاهرة يوم الخميس لسبع بقين من شهر رمضان سنة ستمائة وأربع، ودفن بسفح المعظم فيما أخبر به صاحب الفوات عن ولده، رحمه الله تعالى.

علي بن زيدان العاملي

كان فاضلاً ملأ ثوبه، وشاعراً ملأ فمه، وكان يقيم بمعركة من جبل عامل، وله مطارحات مع أبناء وقته، ومدائح لملوك زمنه، فمن شعره قوله في كبره لمن حمل العص:
لقد أخذت مني الليالـي وكرهـاً وكنت بعزمي أترك الطود زايلا
وقد كانت الأيام ترهب سطوتـي فأصبحت أخشى كرهاً والغرابلا
وأضحيت قوساً بعد ما كنت رامحاً وكنتي قولاً بعد ما كنت فاعـلاً
وأحوجت الدنيا يميني إلى العصا وكنت بخطوي أسبق الريح راجلا
وما رام أن يرقى إلى غايتي متى يطاولني إلا وكنـت المطـاولا
وقوله من قصيدة:
436
عزيم على وجد اليسـار لوانـي وريان لو يومـاً يشـاء سقانـي
وكم لي من دين عليه ولو رعى لعهـدي يومـاً ذمـة لقضانـي
يعللنـي بالوصـل منـه وإنمـا تعلتـه ضـرب مـن الهذيـان
ومن شعره في المذهب قوله في مدح المهدي، وفي معارضة الشيخ البهائي في رائيته الآتية من قصيدة أوله:
حنانيك هل في وفقة أيها الساري على الدار في حكم الصبابة من عار
بعيشك هل تعطي الصبابة حقها إذا لم ترو الدار من دمعك الجاري
ألا قبل وشك البين إلمامة علـى ديار عفت أطلالها منذ أعصـار
على منزل قد كان قيداً لناظـر ومرتـع أرام وملعـب أبكــار
ميادين لذاتي، مـراح صبابتـي مطالع أقماري مطـارح أنظـار
بلغت على رغم الليالي بها المنى ورضت بأفراس الصبا كل مضمار
ربى سحبت فيها السحائب ذيلها وكم فتنت فيهـا أكمـة أزهـار
ليالي أجلى من الفؤاد من المنـى وأعذب من مشمولة الراح في الغار
أقول لركبان يخوضون في الدجى على كل مرقال طليحـة أسفـار
تهادى على قب الأباطل شـرب بأعناقها سالت أباطـح أغـوار
ألموا على الدار التي غير البـلا معارفها تعقل يد البكر في الدار
قفوا بي على مثل الحنية دونـه كسجم حمامات ثلاثـة أحجـار
مغاني عفت منها الطلول كأنهـا بقايا و شام أو منمنـم أسطـار
بحيث ترى الأتراب سرباً من ألمها وتلقى بدوراً أشرقت بين أزرار
أربع الهوى أسقت طلولك ديمـة تحيي ثراها في عشـي وأبكـار
شهدت لقد غالتك حادثة النـوى وأخلاك ريب الحادثات من الحار
تبدلت بعدي مـن ترنـم قينـة ورنـة خلخـال ترنـم أطيـار
437
ملاعب لهو كم حوت من خريدة رقود الضحى أمنية الصب معطار
تضاهي حصاها النيرات ودونها عقود جمان في مخانـق أبكـار
وما أنس ولا أنس النقى ومهاتـه غدات ظهور العيس شدت بأكوار
فمن عبرة للبين تستنجد الأسـى ومن شمس أدام توارت بأخـدار
سمت كل عذراء رداح كما سمت بخير بني الدنيا محاسن أشعاري
إمام له القدح المعلى من العلـى على كل باد من البرية أو قـار
فتىً ألبس الإسلام شرخ شبابـه وفي راحته كل نقض وإمـرار
وأرسى عمود الدين من بعد ما غدت دعائمه الطولى على جرف هار
لقد نزل الإسلـام منـه بـأروع منيع الحمى حامي الحقيقة مغوار
بأروع مقـدام عـل كـل أروع وأغلب كرار على كـل كـرار
أخوذ بأعضاد الخلافـة بعدمـا سقتها زعاف الضيم غارة أقدار
من القوم أبناء النبـوة والهـدى ينابيـع أسـرار وقبلـة أسفـار
جدير بأن يحيي بـه اللـه أمـة قد افتدحت منه بزند الهدى الواري
وما عذر مثلي غير فرج سواهما براها السرى كالسهم أرهفه الباري
فيضرب آباط الركائب خالصـاً من الآل في صبح الدياجي بأغمار
وتجري به الوجناء ملأ فروجها إلى غاية من دونها يقف الجـار
بمدح الفتى المهدي أكرم من دعا إلى الله بعد المصطفى خيرة الباري
إمام هدى ألقت مقاليدها الـورى لدى كل إيـراد لديـه وإصـدار
بدولته الغراء طالت يد الهـوى ولم يبقى عند الكفر للدين من ثار
فتىً نزلت منه الليالـي مطيعـة على حكم ناه كيف شاء وأمـار
يرى أن ضيم النفس أخزى لدى الوغا من العار أوفى دونه شبه العـار
أخير بني الدنيا وأكرم مـن لـه تصوغ بنو الآداب حلية أشعـار
438
متى تصبح الآفاق منكم منيـرة بزهر نجوم من شموس وأقمـار
ويبدو لنا نهج الهدى بعدما عفـا ولم يبق من آثاره غيـر آثـار
ويشرق حكم الله في الأرض بعدما تغيب عنها نجمه منـذ أعصـار
وهل تشرق الدنيا بطلعتك التـي سنا نورها من دونه كل سيـار
ألا هل أراني والمذاكي مشيحـة وفي الكف ماضي الحد خمسة أشبار
لي السبق يوماً أدرك الحق ثاره به وقسي الدين شـدت بأوتـار
هنالك قر الأمـر فـي مستقـره وآن بأن تعطى به القوس للباري
وأشرق في الإسلام بـدر تحفـه نجوم من الأنصار حفت بأنـوار
أضاء به الدهر العبوس بشاشـة كما أضحكت زهر الربى مزن أمطار
إمام بني حـواء وابـن إمامهـا وقطب رحى الدنيا وفلك الهدى الجاري
لقد متَ بالقربى إليك فتـىً لـه غداً خير كهف من حماك و أوزار
فليس من العظمى يراع إذا سطت يد الدهر وأنحت عليـه بأظفـار
ألم يدع للجلى فتىً من حماتهـا صفوحاً عن الجاني غيوراً عن الجار
عليك تحيات من الله ما شـدت على الغصن روض سواجع أطيار
فدونكها كالشمس في رونق الضحى يفوق شذاها نفحة الشيح والغـار
تهادي بأبكار المعانـي ودونهـا رياض الربى حفّت بأنجم أزهار
فإني رأيت الحمد شهد ولم أجـد فتىً من بني الدنيا سواك بمشتار
نجزت، وله غيرها في آل النبوة. توفي سنة ألف ومائتين وستين بمعركة، وله عقب هناك رحمه الله تعالى.

علي بن سعد، أبو طاهر القمي

كان فاضلاً كاتباً أديباً، ورد إلى العراق من قم في حدود الأربعمائة وخمسين، وتخرج بفضلائها، ونظم الشعر فأجاده، واختص بنظام الملك في زمن ملك شاه،
439
وكتب له، ثم ارتقت به الحال حتى كتب لملك شاه أيام فتنة أهل مرو. فمن شعره قوله:
أقول إني عبـد لا عتـاق لـه لآل ياسين قول الصادع الجاهر
محمــد وعلــي والبتولــة والسبطين والسيد السجاد والباقر
وجعفر وابنه موسـى وحافـده الرضا ونور الهدى محمد الطاهر
والعسكري علي وابنـه الحسـن الزاكي أرومته والحجة الباهـر
وقوله من قصيدة:
وليلة كـاد المشركـون محمـداً شرى نفسه لله والناس لا تشري
فبات مبيتـاً لـم يكـن ليبيتـه ضعيف عمود القلب منتفخ العجر
وسماه رب العرش في الذكر نفسه فحسبك هذا القول إن كنت ذا خبر
وآخاهم مثلاً لمثـل فأصبحـت أخوته كالشمس ضمت إلى البدر
وآخى عليـاً دونهـم وأصـاره لهم علماً بيـن الهدايـة والكفـر
وقال لهم هذا وصيي ووارثـي ومن شد رب العالمين به أزري
علي كزري من قميصي إشـارة بأن ليس يستغني القميص عن الزر
وهي طويلة وله غيرها.

توفي سنة أربعمائة واثنتين وثمانين بعد استكتابه لملك شاه بنحو ثلاثة أشهر كما ذكره في المجالس، رحمه الله تعالى.

علي بن العباس بن جريح، أبو الحسن المعروف بابن الرومي

كان أديباً جامعاً، وشاعراً بارعاً، وكان جزل اللفظ، غريب المعنى يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها، ويبرزها في أحسن صورة، ولا يترك
440
المعنى حتى يستوفيه إلى آخره، ولا يبقى فيه بقية. وكان شعره غير مرتب، رواه المتنبي، ثم رتبه أبو بكر الصولي وغيره على الحروف، قاله ابن خلكان.

فمن شعره البديع الأسلوب المستطرف، قوله رحمه الله:
أعانقه والنفـس بعـد مشوقـة إليه وهـل بعـد العنـاق تـدان
وألثم فاه كي تـزول حرارتـي فيشتد ما ألقـى مـن الهيمـان
كأن فؤادي ليس يشفـي غليلـه سوى أن ترى الروحان يمتزجان
وقوله:
ومهفهـف كملـت محاسنــه حتـى تجـاوز منيـة النفــس
تصبو الكـوس إلـى مراشفـه وتضج في يـده مـن الحبـس
أبصرتـه والكـأس بيـن فـم منـه وبيـن أنامـل خمــس
فكأنهــا وكــأن شاربهــا قمر يقبـل عـارض الشمـس
وقوله:
وحديثها السحر الحلال لو أنـه لم يجن قتل المسلـم المتحـرز
وجدت به أهل الصبابة والهـوى شرك العقول وعقلة المستوفـز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحـدث أنهـا لـم توجـز
وقوله في المديح:
أداؤكـم وجوهكـم وسيوفكــم في الحادثات إذا دجـون نجـوم
فيها معالـم للهـدى ومصابـح تجلو الدجى والأخريات رجـوم
ومدح أبا الصقر الوزير بالنونية الطويلة المسماة دار البطيخ التي أوله: فلم يثبه فعاتبه بالحائية التي يقول فيه:
مديحي عصا موسى وذلك أنني مدحت به بحر الندى فتضحضحا
سأمدح بعـض الباخليـن لعلـه إن اطرد المقبـاس أن يتسمحـا
441
فلم يفد، وعزل أبو الصقر فهجاه المترجم بقوله:
خفض أبا الصقـر فكـم طائـر خـر صريعـاً بعـد تحليــق
وزوجت نعمى لم تكـن كفوهـا فصانهــا اللــه بتطليـــق
لا بوركـت نعمـى تزوجتهـا كـم حجـة فيهــا لزنديــق
ومن شعره في المذهب قوله في أمير المؤمنين عليه السلام من قصيدة:
يا هند لم أعشق ومثلي لا يـرى عشق النسـاء ديانـة وتحرجـا
لكـن حسبـي للوصـي مخيـم في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا
فهو السراج المستنير ومـن بـه سبب النجاة من العذاب لمن نجا
وإذا تركت له المحبة لـم أجـد يوم القيامة من ذنوبي مخرجـا
قل لي أأترك مستقيـم طريقـه جهلاً واتبع الطريـق الأعوجـا
وأراه كالتبر المصفـى جوهـراً وأرى سـواه لناقديـه مبهرجـا
ومحله مـن كـل فضـل بيـن عال محل الشمس أو بدر الدجى
قال النبي لـه مقـالاً لـم يكـن يوم الغدير لسامعيـه ممجمجـا
من كنت مولاه فذا مولـى لـه مثلي فأصبح بالفخـار متوجـا
وكذاك إذ منع البتـول جماعـة خطبوا وأكرمه بهـا إذ زوجـا
ولع عجائب يوم سـار بجيشـه يبني لقصر النهروان المخرجـا
ردت عليه الشمس بعد غروبهـا بيضـاء تلمـع وقـدة وتأججـا
وله في الأئمة شعر كثير.

ولد يوم الأربعاء بعد طلوع الفجر لليلتين خلتا من رجب سنة إحدى وعشرين ومائتين ببغداد في الموضع المعروف بالعقيقة في دار بأزاء قصر عيسى بن جعفر.

وتوفي قتيلاً بالسم بأمر الوزير أبي الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان عشية
442
الأربعاء لعشر خلون من ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين ومائتين في بغداد في زمن خلافة المستكفي بالله، رحمه الله تعالى بمنه.

علي بن عبد الحميد بن فخار بن معد الموسوي الحلي، المعروف بالمرتضى

أستاذ ابن معية، كان عالماً مشاركاً في العلوم، قيماً بالفنون، فاضل نسابة رجالياً، وكان من مشايخ الإجازات، مصنفاً حسن التصنيف، وكان من أجلة الهاشميين وسرواتهم، أديباً شاعراً ذا كرامات، جمع الدر النضيد في مراثي الشهيد، وذكر فيه كرامات، وله في علم الكلام وغيره تصانيف حسنة، فمن شعره قوله في حسينية:
لا تنكري إن ألفت الهم والأرقـا وبت من بعدهم حلف الأسى قلقا
قد كنت أأمل روحي أن تفارقني ولا أرى شملنا الملتـام مفترقـا
ليت الركائـب لازمـت لبينهـم وليت ناعق يوم البيـن لانعقـا
كم هد ركني وكم أدهى قوى جلدي وكم دم بمواقـع جـوره هرقـا
لا تطلبوا أبداً مني البقـاء فهـل يرجى من البين من أهل الغرام لقا
يحق لي إن بكت عيني دماً لهـم وإن غدوت بنار الحزن محترقا
يا منزلاً لعبت أيدي الشتات بـه لعب النحول بجسمي إذ بع علقا
مالي على ربك البالي غدوت له ورب أسأل عن أهليك ما نطقـا
أبكي عليه ولو أن البكاء علـى سوى بني أحمد المختار ما خلقا
تحكمت فيهم الأعـدا بجورهـم ومن نجيع الدما أسقوهـم علقـا
تداركت منهم الأعـداء ثارهـم يوم الطفوف وداروا حولهم حلقا
تالله كم قصموا ظهـراً لحيـدرة وكم بروا للرسول المصطفى عنقا
443
يقول فيه:
يا آل طه لقد نال الأمـان بكـم في البعث كل ولي مؤمن صدقا
أحب أعـداي فيكـم إذ تحبكـم وأهجر الأهل والأصحاب والرفقا
فهاكموها مـن النيلـي رائقـة تحكي الحيا رقة في نظمها ونقا
وقوله من أخرى:
عز صبري وعز يـوم التلاقـي آه واحسرتـاه ممــا ألاقــي
أرقتني مـذ فارقتنـي أحيبابـي برغمـي غـداة يـوم الفـراق
وفؤادي أضحى غريـم غـرام واصطباري ناء ووجدي باقـي
أحدقت بي عواذلـي يعذلونـي حين فاض الدموع من أحداقـي
يا عذولـي إنـي لسيـع فـراق ما لـه بعـد لسعـه مـن راق
حق أن أسكب الدما لا دموعـي وأشـق الفــؤاد لا أخلاقــي
وأزيد الحـزن الشديـد لـرزء السبط سبط الراقي بظهر البراق
قتلوه ظلماً ولـم يرقبـوا فيـه لعمــري وصيــة الخلــاق
يقول في أخره:
يا بن بنت الرسول يا غاية المـأ مول يا عدتـي غـداة التلاقـي
ابن عبد الحميد عبدك مـا زال محبـاً لكــم بغيــر نفــاق
حبكـم عدتـي وأنتـم ملـاذي يوم حشري ومنكمـوا أعراقـي
وصلاة الـرب الرحيـم عليكـم ما تغنى الحـداة خلـف النيـاق
وله كثير غير هذا.

توفي سنة سبعمائة وستين تقريباً، رحمه الله تعالى.

علي بن عبد الحميد النيلي

كان عالماً بالعلوم الدينية النقلية والعقلية مصنفاً، حسن التصنيف، شيخاً من شيوخ
444
الإجازات، وكان أديباً شاعراً، فمن شعره قوله من قصيدة حسينية أوله:
لا تنكري إن ألفت الهم والأرقا. . . الخ.
توفي سنة ثمان وخمسين وستمائة تقريباً، وهو معاصر لسميه المتقدم، وربما اشتبه على بعض والله الهادي.

علي بن عبد العزيز بن أبي محمد، أبو الحسن الخليعي الموصلي الحلي الشهير

كان فاضلاً مشاركاً في الفنون، أديباً شاعراً، له ديوان لم يوجد به إلا مدح الأئمة الأطهار، وكان قوي العارضة، رقيق الشعر سهله، وكان أصله من الموصل، فسكن الحلة إلى أن مات بها، فمن محاسن شعره قوله رحمه الله تعالى:
سجعـت فــوق الغصــونِ فاقــــدات للقريـــــن
فاستهلـت سحــب أجفانــي وهزتنــــي شجونــــي
غـردت لا شجوهـا شجــوي ولا حنــــت حنينــــي
لا ولا قلـت لهــا يــا ورق بالنــــوح اسعدينـــــي
مـا شجـى الباكـي طروبــاً كشجـى الباكــي الحزيــن
حـق لــي أبكــي دمــاء عــوض الدمــع الهتــون
لغريــب نــازح الـــدار خلـــي مـــن معيـــن
لتريــب الخـــد دامـــي الوجـه مرضـوض الجبيــن
يـا بنـي (طـه) و (ياسيـن) و (حاميـــم) و (نـــون)
بكــم استعصمــت مـــن شــر خطــوب تعترينــي
فـــإذا خفـــت فأنتـــم لنجاتــــي كالسفيـــــن
وعليكــم ثقــل ميزانـــي وأنتـــــم تنقذونـــــي
445
يـا حجـاب اللـه والمحمــي عــن رجـــم الظنـــون
فيــك داريـــت أناســـاً عزمـــوا أن يقتلونــــي
وتحصنـت بقـول (الصـادق) الحبـــــر الأميـــــن
اتقــوا أن التقــى مـــن ديــن آبائـــي ودينـــي
ولأوصافـــك وريــــت كلامــــي وحنينـــــي
وإلــى مدحــك أظهــرت ظهــــوري وبطونــــي
وكفانــي علمــك الشـــا هــد للســر المصـــون
ومعــاذ اللـــه أن ألـــو ي عــن الجبــل المتيــن
وأســاوي بيــن مفضــال ومفضـــول ضنينــــي
وهي طويلة.

وقوله من أخرى:
سارت بأنـوار علمـك السيـرُ وحدثت عـن جلالـك السـور
والمادحـون المجـدون غلــوا وبالغوا فـي ثنـاك واعتـذروا
والأنبيـاء المكرمـون وفــوا فيك بما عاهدوا ومـا غـدروا
وعظمتك التوراة والصحـف الأ ولى وأثنـى الإنجيـل والزبـر
واحكم الله فـي إمامتـك الآيـا ت واستبشـرت بـك العصـر
وذكر المصطفـى فأسمـع مـن ألقى لـه السمـع وهـو مدكـر
وجد في نصحهـم فمـا قبلـوا ولا استقاموا لـه كمـا أمـروا
واختلفـوا فيـك أيهـا النبــأ الأعظـم إلا مـن دلـه النظـر
فمعشـر آمنـوا فزادهـم اللـه بيانــاً ومعشــر كفـــروا
أسماؤك المشرقات فـي أوجـه القرآن من كـل سـورة غـرر
سمـاك رب العبـاد قســورة من حيث فـروا كأنهـم حمـر
446
والعين والجنب أنـت والوجـه والهادي وليل الضلـال معتكـر
وصاحب الأمر في الغدير وقـد يبخبـخ لمـا وليتهـا عمــر
أقامـك اللـه للعبــاد فلــم يقعـدك عمـا أقامـك البشـر
يا خيـرة اللـه فـي البريـة إذ ردوا وقد خيف منهـم الضـرر
سيـرك فـوق البسـاط بينهـم على معاني علاك لـو شعـروا
وردك الشمس في الدجـى نبـأ فيه لأصـل الضلـال مزدجـر
ونشرك الميـت حكمـة بلغـت فيهم فلـم تغـن عنهـم النـذر
ويـوم سلمـان والفـرات ومـا حدث أصفاهـم ومـا ادكـروا
لو لم تغث نـوح عنـد شدتـه مـا حملتـه الألـواح والدسـر
وباسمك الأعظـم اغتـدت نـا ر إبراهيم برداً وروضها خضر
ولـو عـداك الكريـم مبتهـلاً لم تتلقف عصـاه مـا سحـروا
وعنك ورى المسيح حين دعـا ميتـاً فلبـاه عظمـه النخــر
إن بـان تنشـره القبــور وإن يظهر من كـان عنـك يستتـر
يا راكباً ظهـر هوجـل سـرح لا يعتريهـا أيـن ولا ضجــر
يطير عن شدقها اللغـام بأجـو از الفيافـي كأنــه الشــرر
وتشرب الخمس والعيـون لهـا تفجـرت والهشيـم محتضــر
يحثهـا قاصـداً مـزار فتــى بـه تنـال النجـاة والظفــر
بلغه عن عبـده السلـام وقـل والدمـع مـن مقلتيـك منهمـر
يا شاهداً لا تغيب عن بصـري وغائبـاً عنـه يخسـأ البصـر
لا كنت إذ كنت عنـك منحرفـاً لكننـي عـن عـداك أستتــر
ممتثلاً ما أمرتنيه مـن التقـوى أداريهــــم وأنتظـــــر
عليـك يـوم الميعـاد متكلـي وأنـت لـي عـدة ومدخــر
447
وهي طويلة، واستشهد ببعضها الشيخ رجب البرسي في مشارق الأنوار.

توفي في حدود سنة السبعمائة وعشرين تقريباً، ودفن بالحلة، وله قبر بها يزار رحمه الله.

علي بن عبد الله بن حمدان

أديباً شاعراً، ممدحاً، لم يجتمع بباب أحد من الملوك ما اجتمع في بابه من كبار الشعراء، كالمتنبي وأضرابه، وكان ملكه في الجزيرة والشام، فمن شعره قوله في صفة قوس قزح [من الطويل]:
وساق صبيح للصبـوح دعوتـه فهب وفي أجفانه سنة الغمـض
يطوف بكاسات العقـار كأنجـم فمن بين منقض علينا ومنفـض
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفاً على الجو دكناً والحواشي على الأرض
يطرزها قوس السحاب بأصفـرٍ على أحمر في أخضر أثر مبيض
كأذيال خود أقبلت فـي غلائـل مصبغة، والعض أقصر من بعض
ومن شعره في المذهب قوله:
حب علـي بـن أبـي طالـب للنــاس مقيــاس ومعيــار
يخرج ما فـي أصلهـم مثلمـا تخـرج غـش الذهـب النـار
وله غير ذلك في المناقب، وترجمته معلومة في كل معجم.

ولد [يوم] الأحد سابع عشر ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثمائة.

وتوفي يوم الجمعة لخمس بقين من صفر سنة ست وخمسين وثلاثمائة بحلب، وهو الذي أمر ببنائها ابن عمه الحسين أخا أبي فراس، ونقل منها إلى ميافارقين حيث دفنت أمه، رحمه الله تعالى ورضي عنه.

علي بن عبد الله بن محمد بن الهيصم، أبو الحسن

448
الهروي

كان كما قال تلميذه أبو الحسن البيهقي صاحب الوشاح: قد بلغ من العلم أطوريه، فلا فضل إلا وهو منسوب إليه، ورست بالفصاحة قواعده، واشتدت بالزهادة سواعده، وكان مصنفاً أديباً شاعراً، فمن شعره قوله يمدح مجير الدولة:
ضحك الربيـع بعيـرة الأنـداء ومن العجائب ضاحـك ببكـاء
خرجت له نحو الشتـاء كتيبـة ذعرت مواكبه عـن الصحـراء
ركبت فوارسه الهواء فجـردت سيفاً جلا جيش الدجى بضيـاء
رق الربيع لها فأرسـل نحوهـا بشرى بغيم فـي نسيـم هـواء
والغصن قـرط أذنـه بدراهـم مضروبة مـن فضـة بيضـاء
وهي طويلة ذكرها ياقوت. ومن شعره في المذهب قوله فيما أنشده ابن شهر آشوب:
الحمد لله ذي الأفضال والكـرمِ رب البرايا ولي الطول والنعـم
أبدى صنائعه من غيب قدرتـه تزهو بدائعها كالروض في الديم
انظر إلى القبة الخضراء عاليـة قد زانها الأنجم الزهراء في الظلم
وانظر إلى الأرض فوق الماء طافية محفوظة بالرواسي الشم والأمـم
أما ترى شخصك الميمون أبدعه من نطفة مكنت في ظلمة الرحم
اختار من خلقه ما شاء مجتبيـاً حتى تعالى رفيع الشأن والعلـم
واختار منهم رسول الله سيدنـا محمداً أفضل الأحيـاء والنسـم
واختار من بعده خير الأنام لـه أخاً صفياً علياً كاسـر الصنـم
صلى عليه آله الخلق ثـم علـى أخيه ما انهل وبل من حيا سجم
ثم الصلاة على نجل لـه فطـن أعني به الحسن المختار ذا الهمم
449
ثم الصلاة على نجل لـه نـوس أعني الحسين كريم الخيم والشيم
إلى أن قال:
ثم الصلاة على المهـدي قائمنـا محمد الحجـة الكشـاف للغمـم
هم هم شفعائي فـي القيـام إذا قام الإمام بيـوم جـد مزدحـم
هم هم ملجاي آوي إليـه وهـم مستمسكي في مخاويفي وملتزمي
هم الهداة، هم سفن النجـاة هـم سم العداة هـم الوافـون للذمـم
وهي طويلة ذكرها في المناقب.

توفي في حدود الخمسمائة من الهجرة، رحمه الله تعالى.

علي بن عبد الله بن المقرب العيوني الأحسائي

كان أميراً من آل عيون أمراء الأحساء، وكان شهماً أدركته حرفة الأدب، فسافر إلى العراق والموصل، ومدح الناصر وآل أيوب، وكان فاضلاً أديباً شاعراً له ديوان شعر مطبوع، فمنه قوله:
خذوا عن يمين المنحنى أيها الركب لنسأل ذاك الحي ما فعل السرب
عسى خبر يروي حشاشة وامق صريع غرام ما يجف له غـرب
بأحشائه نـار اشتيـاق يشبهـا زفير جوى يأبى لها الناس أن تخبو
ألا ليت شعري والحوادث جمـة وذا الدهر مصف ما يقام له عضب
عن الحي بالجرعاء هل راق بعدما لهم ذلك المرعى ومورده العذب
وهل أينع الوادي الشمالي واكتست عثاكيل قنوان حدائقهـا الغلـب
وهل بعدنا طاب المقام لمعشـر بحيث نلاقي ساحة الحي والدرب
وهل عندهم من لوعة وصبابـة كما عندنا والحب يشفى به الحب
وهل علمت بنت المقاويل أننـي بأخرى سواها لا أهيم ولا أصبو
وبيضاء مثل البدر حسناً وشارة يزين بها السبت المزبرق والأب
450
إذا ما نساء الحي رحـن فإنهـا لها النظرة الأولى عليهن والعقب
تحير فيها رائق الحسن فاغتدت وليس لها فيهن شكل ولا تـرب
بدت سافراً من درب دينار والصبا يرنحها والتيه والـدل والعجـب
وهي طويلة عقيلة موجودة في ديوانه.

ومن شعره في المذهب ما ذكره صاحب مطلع البدور ومجمع البحور وهو قوله:
يـا واقفـاً بدمنــة ومربــعٍ ابـك علـى آل النبــي أودع
يكفيك ما عاينت مـن مصابهـم مـن أن تبكـي طلـلاً بلعلــع
تحبهـم قلـت وتبكـي غيرهـم إنـك فيمـا قلتــه لمدعــي
أما علمـت أن إفـراط الأسـى عليهــم علامــة التشيــع
أقـوت مغانيهـم فهـن بالبكـا أحق من وادي الغضا والأجـرع
يا ليت شعري من أنـوح منهـم ومن له ينهـل فيـض أدمعـي
أللوصـي حيـن فـي محرابـه عمـم بالسيـف ولمـا يركـع
أم للبتـول فاطـم إذ منعــت عن إرثها الحـق بأمـر مجمـع
وقول من قال لهـا: يـا هـذه لقد طلبـت باطـلاً فارتدعـي
أبوك قد قـال بأعلـى صوتـه مصرحاً فـي مجمـع فمجمـع
نحن جميـع الأنبيـاء لا نـرث أبنائنــا لإرثنــا بموضــع
ومـا تركنـاه يكـون مغنمــاً فارضي بما قال أبوك واقنعـي
قالت: فهاتوا نحلتي من والـدي خيـر الأنـام الشافـع المشفـع
قالوا: فهل عنـدك مـن بينـة نسمع معناهـا جميعـاً ونعـي
فقالت: ابنـاي وبعلـي حيـدر أبوهمـا أبصـر بـه واسمـع
فابطلـوا شهادهـم ولـم يكـن نصـاً يكـون عندهـم بمقنـع
واللـه مـا تكذيبهـم لفاطــم والحسنيـن والإمـام الأنــزع
451
بـل للنبـي والكتـاب والـذي أنزلــه بوحيــه الممتنــع
أم للـذي أودت بـه جعدتهــم يومئـذ بكـأس ســم منقــع
وإن حزنـي لقتيــل كربــلا ليس على طول المـدى بمقلـع
إذا ذكـرت يومـه تحــدرت مدامعــي بأربــع فأربــع
يا راكباً نحو العـراق جرشعـاً تنمي لعبـدي النجـار جرشـع
إذا بلغـت نينـوى فقـف بهـا وقوف محزون الفـؤاد موجـع
والبس إذا بلغتها ثـوب الأسـى وكـل ثـوب للعـزاء المفجـع
فـإن فيهـا للهـدى مصارعـاً هائلـة بمثلهـا لــم يسمــع
واسمح بهـا دمعـك لا متقيـاً في غربة ونح دوامـاً واجـزع
وكل دمع ضائع، سـال علـى غير غريب المصطفى المضيـع
لله يـوم بالطفـوف لـم يـدع لمسلم في العمر مـن مستمتـع
يوم به اعتلت مصابيـح الهـدى لعارض مـن الضلـال مفـزع
يوم به لـم يبـق مـن دعامـة لشد ركن الدين لـم تضعضـع
يوم به لـم تبـق مـن غمامـة تحيي ثرى الإسلـام لـم تقشـع
يوم به لـم يبـق قـط مـارن ومعطـس للحـق لـم يجــدع
يوم به لـم تبـق قـط وصلـة حقاً لآل المصطفى لـم تقطـع
يوم به الكلـب الدريـع يعتـدي علـى هزبـر الغابـة المـدرع
يوم به غودر سبط المصطفـى للعاسلـات والضبـاع الجـزع
لهفي له يدعـو الطغـاة معلنـاً دعـاء مأمـون الفـرار أروع
يقـول يـا شـر الأنـام أنتـم أكفـر مـن عـاد وقـوم تبـع
كاتبتمونـي بالمسيـر نحوكــم وقلتـم خـد بالمسيـر أوضـع
فنحن في طوعك لم ننس الـذي لكـم مـن الـود ولـم نضيـع
452
حتى إذا ما جئـت لـم يصلكـم من إرث جدي وذراريـه معـي
لاقيتموني بسيوف فـي الوغـا منتضيـات ورمــاح شــرع
هل كان هـذا فـي سجلاتكـم يا شر مرئي للـورى ومسمـع
هـل لكـم أن تفـوا ببيعتــي إن تسمحول لي عنكـم بمرجـع
قالـوا لـه هيهـات ذاك أنــه مالك في سلامـة مـن مطمـع
بايع يزيـداً أو تـرى سيوفنـا بهامكـم يقعـن كـل موقــع
فعندها جرد سيـف لـم يضـع نجـاده منـه علـى موضــع
وصال في أبطالهم حتـى اتقـى مـن بأسـه الحاسـر بالمقنـع
وحوله من صحبـه كـل فتـى حامي الذمـار بطـل سميـدع
كـم غـادر غـادره مجــدلاً والخيل تردى في الكماة النـزع
حتى رماه الرجس شلـت يـده عن بارع الرمية صلب المنـزع
فخـر والهفـي لــه كأنمــا عليـه درع أو خطـوف أدرع
من بعد لم يبـق مـن أنصـاره غيـر طعـام أنسـر وأضبـع
ثمـة مالـوا للخيــام ميلــة قالت لركن الديـن إيهـاً فقـع
ضرباً ونهبـاً وانتهـاك حرمـة وذبـح أطفـال وسلــب أدرع
لقد رأوا في الفكـر تعسـاً لهـم رأي قـدار رأيهـم ومصــدع
وأين عقـر ناقـة ممـا جنـوا يـا للرجـال للفعـال الأشنـع
ما مثلها في الدهر من عظيمـة لقد غدت بكـل أمـر مفضـع
تسبي ذراري المصطفى محمـد رضـى لشانيـه الزنيـم اللكـع
توفي سنة ستمائة وإحدى وخمسين تقريباً. والله أعلم، رحمه الله تعالى.

علي بن عبد الله بن وصيف الحلاء، المعروف بالناشئ الصغير

453
كان عالماً فاضلاً، متكلماً شاعراً، له حلقة بالكوفة يجتمع فيها العلماء والأدباء والشعراء فيملي عليهم بها، وأخذ الكلام عن علي بن إسماعيل النوبختي، وكان مصنفاً ومن تلامذته المتنبي الشاعر، وكان رقيق الشعر منسجمه، جزل المعنى، قوي الأسر، فتراه على قوته يكاد أن يذوب، فمنه قوله:
صد بخد أرق من رقـة الخمـرِ وقلـب أقسـى مـن الحجــر
يا ليت شعري لم ابتليـت بمـن شيبنـي قبـل مبلــغ الكبــر
وقوله [من الطويل]:
إذا أنا عاتبـت الملـوك فإنمـا أخط بأقلامي على الماء أحرفـا
وهبه ارعوى بعد العتاب، ألم تكن مودته طبعـاً فصـارت تكلفـاً
قال ياقوت: وكان من المجيدين في مدح الراضي العباسي، وابن العميد، وعضد الدولة، وكافور الإخشيدي، واستنفذ عمره في مديح أهل البيت.

قال: وكان متكلماً، ناظر الرماني فقطعه حتى جعل يقول: أسأل أصحابي فلعل عندهم علماً بهذا.

وناظر الأشعري في الأفعال فصفعه، فقال الأشعري: لم هذا، قال: فعل الله، فإن لم يكن فقد ناقضت مذهبك، وأنا أعطيك الأرش فتوافقني على مذهبي فأضحك من بالمجلس.

وناظر جبرياً فحرك يده الجبري، وقال: من حرك هاتي؟ قال: الناشي من أمه زانية، فاغتاظ الجبري، وقال: اسمعوا، قال الناشي: إن كنت أنت المحرك فقد ناقضت مذهبك، وإن كان غيرك فلم تغضب؟ فضحك منه.

قال: وحدث الخالع قال: كنت مع أبي في مجلس الكبوذي سنة 346ه، فدخل رجل فقال: أنا رسول فاطمة الزهراء عليها السلام بنت محمد صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أهلاً وسهلاً بك من رسول، فقال: أيكم أحمد بن المزوق الفاتح؟ قال: ها أنا
454
ذا، وكان حاضراً، فقال: رأيت فاطمة عليها السلام في منامي، فأرسلتني إلى بغداد وإليك لتنوح لي بقصيدة الناشي التي أوله:
بني أحمـد قلبـي لكـم يتقطـعُ بمثل مصابي فيكـم لـم يسمـع
قال: فنهض الناشي وبكى ولطم على وجهه، وجعل يحلف بالله أنه نظمها ولم تسمع منه، فنحنا بها بأجمعنا.

أقول: ومن هذه القصيدة قوله:
عجبت لكم تفنون قتلاً بسيفكـم ويسطو عليكم من لكم كان يخضع
فما بقعة في الأرض شرقاً ومغرباً وليس لكم فيها قتيـل ومصـرع
أراكم ولم تأو فراشـاً جنوبكـم ويسلمني طيب الهجوع فأهجـع
ظلمتـم وقتلتـم وقسـم فيئكـم وضاقت بكم أرض فلم يحم موضع
كأن رسول الله أوصـى بقتلكـم فأجسامكم في كل أرض تـوزع
جسوم على البوغاء ترمى وأرؤس على أرؤس اللدن الذوابل ترفـع
وهي بضعة عشر بيتاً.

قال: وحدث الخالع قال: مررت بالناشئ فقال: عملت قصيدة في أهل البيت عليهم السلام فاكتبها بخطك فإنه حسن، فاستمهلته، فرأيت في منامي من ليلتي أبا القاسم عبد العزيز الشطرنجي النائح وكان توفي، كأنه قدم من الزيارة، فقلت له: ما صنعت؟ فقال: نحنا بقصيدة الناشي البائية، فانتبهت وأتيت إليه، فقلت له: أمل علي قصيدتك البائية، فقال: أنى علمت أنها بائية، فأخبرته، فبكى وحلف بالله أنه لم يسمعها أحد منه، وأول هذه القصيدة قوله:
رجائي بعيد والممـات قريـبُ ويخطئ ظني والمنون تصيـب
انتهى ملخصاً.

ومن شعره في مديح أمير المؤمنين عليه السلام قوله من قصيدة أوله:
455
بآل محمـد عـرف الصـوابُ وفـي أبياتهـم نـزل الكتـاب
هم الكلمات والأسمـاء لاحـت لآدم حيـن عـز لـه المتـاب
وهم حجج الإلـه علـى البرايـا بهـم وبجدهــم لا يستــراب
بقية ذي العلى وفـروع أصـل بحسن بيانهم وضـح الخطـاب
وأنوار ترى فـي كـل عصـر لإرشاد الـورى منهـا شهـاب
ذراري أحمـد وبنــو علــي خليفتـه وهـم لــب لبــاب
إذا مـا أعـوز الطلـاب علـم ولـم يوجـد فعندهـم يصـاب
تناهوا فـي نهايـة كـل مجـد فطهر خلقهـم وزكـوا وطابـوا
ودادهـم صــراط مستقيــم ولكـن فـي مسالكـه عقـاب
ولاسيمـا أبـو الحسـن علـي له في الحـرب مرتبـة تهـاب
طعام سيوفـه مهـج الأعـادي وفيض دم الرقاب لهـا شـراب
كـأن سنـان ذابلـه ضميــرٌ فليس عن القلـوب لـه ذهـاب
وصارمــه كبيعتــه بخــمٍّ معاقدهـا مـن القـوم الرقـاب
هو البكاء فـي المحـراب ليـلاً هو الضحاك إن حمي الضـراب
هو النبأ العظيـم وفلـك نـوح وباب اللـه وانقطـع الخطـاب
وهي طويلة قد تقدمت منها أبيات في ترجمة الجبري.

وقوله فيه عليه السلام:
ألا يـا خليفـة خيـر الـورى لقـد كفـر القـوم إذ خالفـوك
أدل دليــل علــى أنهـــم أبوك وقد سمعوا النـص فيـك
خلافهــم بعــد دعواهــم ونكثهــم بعدمــا بايعــوك
طغـوا بالخريبـة واستنجـدوا بصفيـن والنهـر إذ صالتـوك
أناس هـم حاصـروا شيخهـم ونالوه بالقتـل مـا استأذنـوك
456
فيـا عجبـاً منهـم إذ جنــوا دمــاً وبثاراتــه طالبــوك
فلـم لـم يثـوروا ببـدر وقـد قتلت مـن القـوم إذ بـارزوك؟
ولم عردوا إذ شجيـت العـدى بمهراس أحـد ولـم نازلـوك؟
ولم أحجمـوا يـوم سلـع وقـد ثبـت لعمـرو ولـم أسلمـوك؟
ولـم نكصـوا بحسيـن وقــد صككت بنفسك جيشاً صكـوك؟
فأنـت المقـدم فـي كـل ذاك فيا ليت شعـري لـم أخـروك؟
وهي طويلة، وله شعر كثير، وفي المناقب منه الجم الغفير.

ولد سنة إحدى وسبعين ومائتين،.

وتوفي سنة خمس أو ست وستين وثلاثمائة يوم الاثنين لخمس خلون من صفر ببغداد، ودفن بمقابر قريش عند الكاظميين عليه السلام، وتبع جنازته أرباب الدولة ماشين، وكتب ابن بقية بخبره إلى ابن العميد لعظم خطره، رحمه الله تعالى.

علي بن عيسى بن أبي الفتح، الصاحب بهاء الدين بن الأمير فخر الدين المعروف ببهاء الدين الأربلي، صاحب كشف الغمة

كان عالماً فاضلاً مشاركاً في العلوم مصنفاً، وكان رئيساً صاحب تجمل وحشمة، وكان أديباً كاتباً شاعراً، كتب الإنشاء في بغداد أيام علاء الدين صاحب الديوان وترسله في كشف الغمة، وشعره فيه ينبئ عن مقامه في الأدب والشعر، فقد جرى فيه مجرى الجياد في السبق في مضاميرها، فمن شعره قوله:
طاف بها والليل وحف الجنـاح بدر الدجى يحمل شمس الصباح
وفــاز بالراحــة عشاقــه لما بـدا فـي كفـه كـأس راح
ظبـي مـن التـرك لـه قامـة يزري تثنيهـا بسمـر الرمـاح
457
عارضـه آس، وفـي خــده ورد نضيـر، والثنايـا أقــاح
عاطيتـه صهبـاء مشمولــة تحكي سنا الصبح إذا الصبح لاح
فسكنـت سورتــه وانثنــى طوع يدي من بعد طول الجماح
فبت لا أعرف طيـب الكـرى وبات لا ينكـر طيـب المـزاح
ومن شعره في المذهب اثنتا عشر قصيدة، لكل إمام قصيدة غير ما تكرر منها، وهي مطبوعة في كشف الغمة، فمنها قوله في المهدي عليه السلام:
عداني عن التشبيب بالرشأ الهوى وعن بانتي سلع وعن سلمى وحزوى
غرامي بناء عن غرامي وفكرتي تمثله للقلب في السر والنجـوى
من النفر الغـر الذيـن تملكـوا من الشرف العاري غايته القصوى
هم القوم من أصفاهم الود مخلصاً تمسك في أخراه بالسبب الأقوى
هم القوم فاقوا العالميـن مناقبـاً محاسنها تجلى وآبانهـا تـروى
هم عرفوا الناس الهدى فهداهـم يضل الذي يقلي ويهدي الذي يهوى
موالاتهم فرض وحبهـم هـدى وطلعتهم قربى وودهـم تقـوى
أمولاي أشواقـي إليـك شديـدة إذا انصرفت بلوى أسى أردفت بلوى
أكلف نفسي الصبر عنها جهالـة وهيهات ربع الصبر مذ غبت قد أقوى
وبعدك قد أغرى بنا كل شامـت إلى الله يا مولاي من بعدك الشكوى
توفي سنة اثنتين وتسعين وستمائة، ودفن في داره ببغداد في الجانب الغربي، رحمه الله تعالى ورضي عنه بمنه وكرمه.

علي بن عيسى الصائغ الرامهرمزي

كان واسع العلم، جم الفضل، وكان أستاذ أبي الهاشم بن أبي علي الجبائي في علم الكلام، وكان أديباً شاعراً حسن النظم، ملأ الفم.

قال ياقوت: وأنفذ عمره في مديح أهل البيت، ثم ذكر له أبياتاً وقطعها، وقال: ثم
458
مدح بها أهل البيت وكان مداحاً، فمن شعره قوله:
سهــادي غيــر مفقـــودِ ونومــي غيــر موجــود
وجـرى الدمـع فـي الخــدِّ كنظـم الـدر فــي الجيــد
لفعـل الشيـب فــي اللمــةِ لا للخــــرد الغيـــــد
لقـد صـار بــي الشيــبُ إلـــى لـــوم وتفنيـــد
ومــا المــرء إذا شـــابَ لديهــــن بمـــــؤدود
ومــــا شيبنـــــي إلا ادكــار الســادة الصيـــد
ومهضـــوم ومقتــــول ومسمـــوم ومطــــرود
وهـم أهـل العلـى والفضـل والنعمــــاء والجــــود
هـــداة الخلـــق للـــه وبــاب غيــر مســـدود
نجــا آدم فــي أسمائهــم مـــن بعـــد تبعيــــد
ونــوح فلكهـــم فيهـــم رسـا أمنـاً علـى الجــودي
وإبراهيــم قـــد وافـــى سلامــاً نـــار نمـــرود
وموســى كلـــم اللـــه علــى سينــاء إذ نــودي
وعيســى أخــرج الميــت وأحيــــاه بملحـــــود
فسائــل عنهــم الذكـــر بتذكيــــر وترديـــــد
مـن القربـى التــي يســأل لهـــا اللـــه بتوديـــد
وسـل بـدراً وســل أحــداً وخــذ انـــت بتعديـــد
مـن المـردي بهـا الجيــش بتمزيــــق وتبديـــــد
ومـن قــد قــذف البــاب علــى عجــز المناجيـــد
ومـن قــد أنبــط المــاء مــن الصــم الصياخيـــد
وهي طويلة، وهذا ما وجدته منها وبه كما علمت كثير.
459
توفي سنة ثلاثمائة واثنتي عشر بحجر أصابه في سيراف هبج من العامة، كما ذكره ياقوت وغيره في التراجم الأدبية والعلمية، رحمه الله تعالى.

علي بن القاسم الحلي المعروف بعلي القاسم

كان أديباً ظريفاً، وشاعراً متوسط الطبقة، وكان حسن الصوت غرامياً، رأيته وحاضرته فرأيت منه امرءاً يتلاعب به الهوى في مضامير العبادة، ويخف به في مقام الوقار، كل ذلك لخفة روحه، ورقة طبعه، وكان يحاضر أدباء العراق ويطارحهم، فمن شعره قوله:
تردى لقتل الصب بالحلل الحمرِ وماس كما ماست مثقفة السمـر
تشبهـه العشـاق بـدراً وإنمـا محياه أهدى النور للشمس والبدر
أسارقه [لحظي] لإدراك منظـراً فيرنو بطرف فل صمصامتي عمرو
رمى كبدي فاسترجع السهم رامياً بأهداب أجفان كقادمتـي نسـر
تثنى دلالاً ينفث السحر لم تـدع ببابل عيناه لهاروت من سحـر
جرى حبه مجرى دمي في مفاصلي فليس سبيـل للتجلـد والصبـر
فلو نظر الفاروق طلعة وجهـه لسيره عمداً وأعرض عن نصر
وقوله في المذهب مسمطاً البيتين المشهورين:
قد نجا من خاف من صرف القضا بولاء المرتضى فصـل القضـا
يا مريداً مـن مواليـه الرضـا (قل لمن والى علي المرتضـى
لا تخافن عظيم السيئات)
فهـو القاسـم مـا بيـن المـلا درك النـار وجنـات العلــى
أفـلا تعلـم يــا رب الــولا (حبه الإكسيـر لـو ذر علـى
سيئات الكون صارت حسنات)
وقوله من قصيدة حسينية وقد أنشدنيها من لفظه:
460
يـا ولـي اللـه الـذي بيديـه أمر كل الـورى بكـل النـواح
أدرك الثأر من أميـة سرعـان بسمر القنـا وبيـض الصفـاح
حرموا الماء في الطفوف عليـه وأباحوا مـا ليـس بالمستبـاح
وهي طويلة. وقوله من حسينية:
يا حاملاً رسالة تطـوى علـى نفثـة عتـب تتلظـى ضرمـا
عرج على أكتاف بطحـا مكـة فإن تراءت عـج بهـا ميممـا
وقـف بحـي الغالبييـن وقـل قوموا عجالاً مات من يحمي الحما
الله يـا هاشـم قـد حـل بكـم ما لا تقوم الأرض فيه والسمـا
فهـذه أميـة قــد غــادرت بني النبـي كالأضاحـي جثمـا
فتلك فـوق الـأرض أجسامهـم تخالها فـوق الصعيـد أنجمـا
وكم دم طاح لكـم فـي كربـلا فاحمر وجه الأفق من تلك الدما
فلا قـرار أو تثيروهـا وغـى شبت إلـى أم السمـاء ضرمـا
لا حملتك الخيل أو تأتـي بهـا شعث النواصي قد علكن اللجمـا
فتوطؤهـا الهـام منكـم مثلمـا قد وطـأت صدركـم المعظمـا
وله غيرها في المدائح والمرائي الإمامية.

توفي سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وثلاثين تقريباً بالحلة، عن عمر يقدر بمائة وعشرين سنة، ودفن بالنجف رحمه الله.

علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي، القاضي الشهير

كان قاضياً في البصرة والأهواز، ورد على سيف الدولة فأكرم مثواه، وكتب له إلى الخليفة ببغداد.

وكان عالماً مشاركاً في العلوم، حفظة يحفظ للطائيين سبعمائة قصيدة، ويذاكر
461
بعشرين ألف حديث، وكان أديباً شاعراً بارعاً، فمن شعره قوله في تشبيه المريخ والمشتري:
كأنمـا المريــخ والمشتــري أمامـه فـي شامـخ الرفعــه
منصرف بالليـل عـن دعـوة قـد أوقـدت قدامـه شمعــة
وقوله في الراح:
وراح مـن الشمـس مخلوقـة بدت لك في قـدح مـن نهـار
إذا مـا تأملتهـا وهـي فيــه تأملـت نـوراً محيطـاً بنـار
فهذي النهاية فـي الابيضـاض وهذي النهايـة فـي الاحمـرار
هــواء ولكنـــه جامـــد ومـاء ولكنـه غيــر جــار
كـأن المديـر لهـا باليميــن إذا مـال للسقـي أو باليســار
تـدرع ثوبـاً مـن الياسميــن لـه فـرد كـم مـن الجلنـار
ومن شعره في المذهب قوله وقد سمع قول ابن المعتز في آل علي عليه السلام:
أبى الله إلا ما ترون فمـا لكـم غضاباً على الأقدار يا آل طالب
فغضب، فعمل قصيدة ونسبها إلى علوي مخافة من آل العباس:
من ابن رسول الله وابن وصيـه إلى مدغل في عقبة الدين ناصب
نشا بين طنبـور وزق ومزهـر وفي حجر شاد أو على صدر ضارب
ومن ظهر سكران إلى بطن قينة على شبه في ملكهـا وشوائـب
يعيب علينا خير من وطئ الحصى وأكرم سار في الأنام وسـارب
ويزري على السبطين سبطي محمد فقل في حضيض رام نيل الكواكب
وينسب أفعال القرامـط كاذبـاً إلى عترة الهادي الكرام الأطائب
إلى معشر لا يسرح الذم بينهـم ولا تزدري أعراضهم بالمعائـب
إذا ما انتدوا كانوا شموس بيوتهم وإن ركبوا كانوا شموس المواكب
462
وإن سئلوا سحت سمـاء أكفهـم فأحيوا بميت المال ميت المطالب
وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الردى وإن ضحكوا أبكوا عيون النوائب
نشوا بين جبريل وبيـن محمـد وبين علي خير مـاش وراكـب
مرضي النبي المصطفى ووصيه ومشبهه في شيمـة وضرائـب
ومن قال في يوم الغدير محمـد وقد خاف من غدر العداة النواصب
أما أنا أولـى منكـم بنفوسكـم فقالوا بلى قول المريب الموارب
فقال لهم من كنت مولـاه منكـم فهذا أخي مولاه بعدي وصاحبي
أطيعوه طراً فهو عندي بمنـزل كهارون من موسى الكليم المخاطب
فقولوا له إن كنت من آل هاشـم فما كل نجم في السماء بثاقـب
وإنك إن خوفتنا منـك كالـذي تخوف أسداً بالظبـاء الربائـب
وقلت بنو حرب كسوكم عمائمـاً من الضرب في الهامات حمر الذوائب
صدقت منايانا السيـوف وإنمـا تموتون فوق الفرش مثل الكواعب
أبونـا القنـا والمشرفيـة أمنـا وإخواننا جرد المذاكي الشوازب
وما للغواني والوغى فتعوضبـوا بقرع المثاني عن قراع الكتائـب
وقلت قتلنا عبد شمـس فملكهـا لنا سلب هل قاتل غيـر سالـب
فيا عجباً من حارب صار يدعي مواريث خير الناس ملكاً لحارب
هو السلب المغصوب لا تملكونه وهل سالب للغصب إلا كغاصب
أأنفال جدينـا تحـوزون دوننـا بزعمك الأنفـال يـا للعجائـب
وهل لطليق شركة مـع مهاجـر فلا تثبتوا في الدين وثب المواثب
أخو المرء دون العم يحوي تراثه إذا قسم الميراث بيـن الأقـارب
وأولاده في محكم الذكر ما قروا أحق وأولى من أخيه المناسـب
وجئتم مع الأولاد تبغـون إرثـه فأبعد بمحجوب بحاجب حاجـب
463
ويوم حنين قال حزنـاً فخـاره ولو كان يدري عهدها في المثالب
وما واقف في حومة الحرب حائراً وإن كان وسط الصف إلا كهارب
وما شهد الهيجاء من كان حاضراً إذا لم يطاعن قرنـه ويضـارب
فهلا كما لاقى الوصي مصممـاً يعصب بالهندي كبش العصائـب
وعبـت بعمينـا أبانـا سفاهـة وكم لك من عم عن الدين ناكب
ومثل عقيل من علـي وطالـب أبو لهب من بعدكم في التقـارب
ونحـن أسرنـا عمنـا وأباكـم فباي بليـل مكفهـر الجوانـب
ونحن حقننـا بالفـداء دماءكـم فلم تجحدونا حق تلك المواهـب
وقلـت أبونـا والـد لمحمــد فأنت بنوه دوننا فـي المراتـب
فلا تنس بالعباس كـان وجدنـا أبو طالب مثلين عنـد التناسـب
وأدناهما من كان بالسيف دونـه يفل شبا سيف العدو المناصـب
وشتان من آوى وآسـى بنفسـه ومزدلف يغزوه بيـن المقانـب
أبونـا يقيـه جاهـداً وأبوكــم يجاهده بالمرهفـات القواضـب
فنحن بنو عم لنا فـوق مالكـم ونحن بنوه دونكم في المناسـب
دعيت علياً في الحكومـة بينـه وبين ابن حرب والطغاة الأشائب
فقد حكم المبعوث يـوم قريظـة ولا عيب في فعل الرسول لعائب
وقلتم أضعتم ثـار زيـد وكنتـم كسالى كذبتم لا هدي كل كـاذب
أما ثار فيـه الطالبـي وجعفـر فدكدك ركن الملك في كل جانب
وأمطر في خوز وفي أرض فارس سحائب موت ماطرات المصائب
إلى أن رمته عاديـات دعائكـم بسهم اغتيال نافذ السهم صائـب
وقلت نهضنا شاهريـن شفارنـا بثارات زيد الخير عند التجاوب
وما كان من حب لزيـد وأهلـه ولكنها تشغيبـة مـن مشاغـب
464
دعوتـم إلينـا عالميـن بأنكـم مكان الذنابى من ذرى ومناكـب
فهلا بإبراهيـم كـان شعاركـم فيرجع داعيكـم بحلـة خائـب
بنا نلتم مـا نلتـم مـن إمـارة فلا تظلموا فالظلم مر العواقـب
وكم مثل زيد قد أبادت سيوفكـم بلا سبب غير الظنون الكـواذب
أما حمل المنصور من أرض يثرب نجوم هدى تجلو ظلام الغياهـب
لهم عند ذكر الله في الليل رنـة كرنتكم عند اصطفاق المضارب
يتوجهم ظلماً إذا اظلـم الدجـى بكل رقيق الحد أبيض قاضـب
وقطعتـم بالبغـي يـوم محمـد قرائـن أرحـام لنـا وأقـارب
وجرعتم تحـت التـراب نبيكـم بكاسات ثكل لا تطيب لشـارب
قفوتم يزيداً في انتهاك حريمـه بكـا معـاد للإلـه محــارب
تعدونه فتحاً ولـو كـان أحمـد لعدده من فاتحـات المصائـب
وفي أرض باخمرى مصابيح قد ثوت متربة الهامات حمـر الترائـب
يغسلها هامي السحـاب إذا همـا وتكفنها أيدي الصبـا والجنائـب
وغادر هاديكـم بفـخ طوائفـاً تهاداهم بالقـاع بقـع النواعـب
فيـا لسيـوف فللـت بمغامـد ويا لأسود أصرعـت بثعالـب
وهارونكم أردى بغيـر جريـرة نجوم تقى مثل النجوم الثواقـب
ومأمونكم سم الرضا بعد بيعـة تؤد ذرى شم الجبال الرواسـب
فهل بعد هذا فـي البقيـة بيننـا بني عمنا والصلح رغبة راغـب
كذبتم وبيت الله أو تصدر الظبـا شوارب من هاماتكم والشـوارب
ولينـا فولينـا أباكـم فخاننــا وكان بمـال اللـه أول ذاهـب
وكنا لكم في كل حـال مناهـلاً عذاباً إذا يوردن خضر الجوانب
فلمـا ملكتـم كنتـم بعـد ذلـة أسوداً علينا داميـات المخالـب
465
فقل لبني العبـاس عـم محمـد وعم علي صنوه فـي المناسـب
عزيز علينا أن تـدب عقـارب إلى معشري الأدنى دبيب العقارب
ولكن بدأتم فانتصرت فأقصـروا فليس جزاء الذنب مثل المعاقـب
وليس سـواء ذم سيـدة النسـا وسبة ماد بالصفـا والأخاشـب
وقد قال أصحاب النبـي محمـد له قد هاجنا مشركوا آل غالـب
فقال لهم قولـوا كمثـل مقالهـم فما مبتد في الهجر مثل المجاوب
فهذا جواب للذي قال مـا لكـم غضاباً على الأقدار يا آل طالب
نجزت منقولة عن الحدائق الوردية في أئمة الزيدية لحميد الشهيد الزيدي. ولد القاضي بأنطاكية في ذي الحجة سنة مائتين وثمان وسبعين. وتوفي في ربيع الأول سنة ثلاثمائة واثنتين وأربعين بالبصرة، ودفن بداره في المربد. وآل التنوخي من فضلاء الشيعة وأدبائها، وأحفاد القاضي مترجمون في المعاجم، كعلي بن المحسن وغيره، رحمهم الله تعالى. علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام، أبو الحسن الحماني كان فاضلاً أديباً شاعراً، ذكره جملة من أهل المعاجم، وشهد له الإمام أبو الحسن الثالث عليه السلام بالتفضيل في الشعر، فمن شعره قوله [من الوافر]:
رأت بيتي على رغم الملاحـي هو البيـت المقابـل للضـراح
ووالـدي المشـار لـه إذا مـا دعا الداعي بحي علـى الفلـاح
وقوله [من البسيط]:
بين الوصي وبين المصطفى نسب تختال فيه المعالـي والمحاميـد
466
كانا كشمس نهار في البروج كما أدارهـا ثـم إحكـام وتجويـد
كسيرها انتقلا من طاهـر علـم إلـى مطهـرة آباؤهـا صيـد
توافقا عند عبـد اللـه وافترقـا بعـد النبـوة توفيـق وتسديـد
وذر ذو العرش ذرواً طاب بينهما وانبث نور له في الأرض تخليد
نور تفرع عند البعث فانشعبـت منه شعوب لها في الدين تمهيـد
هم فتية كسيوف الهند طال بهـم على المطـاول آبـاء مناجيـد
وهي طويلة. وقوله [من الكامل]:
يـا آل حـم الذيـن بحبهــم حكـم الكتـاب منـزلاً تنزيـلا
كان المديح حلى الملوك وكنتـم حلل المدائـح عـزة وجمـولا
بيـت إذا عـد المآثـر أهلهـا عـدوا النبـي وثانيـاً جبريـلا
قوم إذا اعتدلوا الحمايل أصبحوا متقسميـن خليفـة ورســولا
نشأوا بآيات الكتاب فمـا انثنـوا حتى صـدرن كهولـة وكهـولا
ثقلـان لـن يتفرقـا أو يطفيـا بالحوض من ظمأ الصدور غليلا
وخليفتان علـى الأنـام بقولـه بالحق أصدق مـن تكلـم فيـلا
فاقوا أكف الآيسيـن فأصبحـوا لا يعدلون سوى الكتاب عديـلا
وقوله [من الطويل]:
لقد فاخرتنا من قريش عصابـة بمط خـدود وامتـداد أصابـع
فلما تنازعنا المقال قضـى لنـا عليهم بما نهوى نداء الصوامـع
وإنا سكوت والشهيـد بفضلنـا عليهم جهير الصوت في كل جامع
فإن رسول اللـه أحمـد جدنـا ونحن بنـوه كالنجـوم الطوالـع
وهذه الأبيات هي التي قضى له أبو الحسن الثالث عليه السلام بأنه أشعر الناس،
467
وذلك فيما رواه أبو محمد الفحام قال: سأل المتوكل علي بن الجهم عن أشعر الناس فذكر له أفراداً، وسأل أبا الحسن فذكر له الحماني الذي يقولها، وسأله عن نداء الصوامع، فقال: شهادة أن جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضحك المتوكل وقال: جدك لا ندفعك عنه. والحمان: قبيلة بالكوفة نزلها. توفي سنة مائتين وستين كما ذكره ابن الأثير في الكامل. علي بن محمد بن زين العابدين الشهير بالزيني كان أديباً فاضلاً في العلوم العقلية والنقلية، جماعة للكتب، سكن الكاظميي مدة، ثم سكن في النجف وحضر على بحر العلوم وأراد منه الجامعة في الجفر، فكتب إليه:
يـا سيـد أسيــاف أسلافــه لشوكة الشـرك غـدت قامعـه
ومـن هـو المهـدي أنــوار أسرار الهدى في وجهه لامعـه
ويا سمـاء الفضـل مـن كفـه علـى الرايـا سحبهـا هامعـه
إليـك يشكـو الهـم ذو همــة حاسـرة دون المـدى ظالعــه
أسير بلوى رغبـة لـم تصـخ للنصـح منهــا أذن سامعــه
أضحت بعلـم الحـرف آمالـه منوطـة فـي سـره طالعــه
جن بعلـم الجفـر يـا سيـدي فـأدرك المجنـون بالجامعــه
ومن شعره في المذهب قوله:
نفسي فدا السـادة الغـر الألـى فرض من الله لهم عقـد الـولا
المصطفى والمرتضـى وفاطـم والمجتبى والسبط ظامي كربـلا
والعابد السجـاد والباقـر للعلـم له الصـادق فـي القـول تـلا
والكاظم الغيظ وتاليـه الرضـا ثم الجواد وابنـه هـادي المـلا
468
والعسكـري وابـن خاتمهــم قائمهم فينـا بأمـر ذي العـلا
صلى عليهم من لهم على الورى أوجب فرض الود مذ قالوا بلـى
وله غير ذلك، وفي المواليا له القدح المعلى، وهو جد الشيخ صالح التميمي كما ذكرت أولاً. توفي سنة ألف ومائتين وخمس عشرة في الكاظميين عليه السلام، رحمه الله تعالى. علي بن أبي زيد محمد بن علي الإسترابادي المعروف بأبي الحسن الفصيحي كان عالماً فاضلاً نحوياً لغوياً جامعاً للعلوم، قيماً للأدب، قرأ على عبد القاهر الجرجاني وجماعة، ودخل بغداد فعين مدرساً بالنظامية، فاتهم بالتشيع فقال: أنا لا أنكر شيعي من الفرق إلى القدم، فعزل وعين مكانه موهوب الجواليقي، وكان الطلبة يرجعون إليه في المشكلات، فيقول: المنزل بالكراء، والخبز بالشراء، إذهبوا إلى من عزلنا به. وكان شاعراً، فمن شعره قوله في الأخلاق:
اللــه أحمـــد شاكـــراً فبلــاؤه حســن جميـــل
أصبحـت مستـوراً معافــى بيــن أنعمـــه أجـــول
خلـواً مـن الأحـزان خــف الظهــر يقنعنــي القليــل
حـراً فـلا مــن لمخلــوق علــــي ولا سبيـــــل
لم يشقني حرص علـى الدنيـا ولا أمــــل طويـــــل
سيــان عنــدي ذو الغنــى المتلـاف والرجــل البخيــل
ونفيــت باليــأس المنــى عنـي فطـاب لـي المقيــل
والنــاس كلهـــم لمـــن خفــت مؤونتــه خليـــل
469
ومن شعره في المذهب ما نقله ابن شهر آشوب تلميذه من قوله:
ما لي سوى حبي النبي وحيـدر درع لدي يـرد كـل صـروف
صنوا النبي ومن وقـاه بنفسـه يوم الفراش لحـادث ومخـوف
والمرتقي كتـف النبـي بمكـة في مجمـع للمسلميـن كثيـف
في أبيات. وقوله يرد على ابن سكرة في قوله:
يا من يرى المتعـة فـي دينـه حـلاً وإن كانـت بـلا مهـر
ولا يـرى سبعيــن تطليقــة تبيـن منـه ربــة الخــدر
من ها هنـا طابـت مواليدكـم . . . . فاجتهدوا فـي السكـر
فقال في رده:
تباً لكم يا منكري متعة الأولـى رأوها رضا في دينهم غير منكره
إمـاء وأنتـم معضتـم بقولتـي عبيد لهم فيما يـرون مسخـره
ونعلي سكر لأست أم مصـوب لما قاله في الطاهرين ابن سكره
ذكرها أبو الفتوح الرازي في تفسيره المطبوع في سورة النساء. وله في المناقب غيرها. توفي ثالث عشر ذي الحجة، يوم الأربعاء سنة خمسمائة وست عشرة رحمه الله. علي بن محمد بن محمد بن علي بن السكون الحلي النيلي، أبو الحسن الكاتب كان فاضلاً أديباً منشئاً مشاركاً في العلوم، ذكرت ياقوت وجملة من المترجمين، ورماه ياقوت بالنصيرية، وحاله معلوم عند أهله وذويه، فمن شعره في المذهب قوله:
470
يا سائلي عن علي والأولى عملوا به من الشر ما قالوا وما فعلـوا
لـم يعرفـوه فعـادوه لجهلهـم والناس كلهم أعداء مـا جهلـوا
وقوله من قصيدة:
فلما طغى الماء مـاء الفـرات زجـرت بـه زجـر مستعلـم
فعاد إلى الغرب خوف العقـاب ورحـت إلـى كـرم مفعــم
وفي الجن فضل وفـي حربهـم أعاجيب في الأمـر لـم تكتـم
ذكرتها المناقب. توفي سنة ستمائة كما نص عليه ياقوت في معجم الأدباء، رحمه الله تعالى. علي بن محمد بن المقلد بن نصر بن منقذ، أبو الحسن سديد الملك ابن مخلص الدولة، صاحب قلعة شيزر كان فاضلاً كريماً مقصوداً ملكاً شجاعاً، وكان أديباً شاعراً، له مطارحات مع ممدوحه الخفاجي كما ذكرته في ترجمته، ومع ممدوحه ابن الخياط الشاعر الشهير، فمن شعره قوله في مملوكه وقد ضر به أمر:
أسطو عليه وقلبي لو تمكن فـي كفي غلهما غيظـاً إلـى عنقـي
وأستعيـر إذا عاقبتـه حنقــاً وأين ذل الهوى من عزة الحنـق
ومن شعره في المذهب قوله:
سلام على أهل الكسـاء هداتـي ومن طاب محيائي بهم ومماتـي
بني البيت والركن المخلق من منى بني النسك والتقديس والصلوات
بني الرشد والتوحيد والصدق والهدى بني البر والمعروف والصدقـات
بهم محص الرحمن عظم جرائمي وضاعف لي في حبهم حسناتـي
471
محبتهـم لـي حجـة وولاهـم ألاقي به الرحمن عنـد وفاتـي
وله غير ذلك. ترجمه ابن خلكان وغيره. توفي سنة خمس وسبعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. علي بن محمد الأمين بن أبي الحسن العاملي الحسيني القشاقشي كان فاضلاً، قرأ في الجبل على أبيه، وفي العراق على الشيخ جعفر والسيد علي صاحب الرياض والسيد جواد صاحب مفتاح الكرامة، والشيخ أسد الله، ثم عاد إلى الجبل فأفاد واستفاد. فمن شعره قوله في مدح الأئمة الطاهرين، وقد تقدم بغير تشطير صادق بن إبراهيم بن يحيى العاملي. مات مسموماً سنة ألف ومائتين وتسع وأربعين. وللشيخ صادق في رثائه قصيدة أخرى:
فكم وكم ينشد تأريخـه: (لهـف لقد تهدم ركن الدين بعد علـي)
علي بن محمد الأمين بن أبي الحسن الحسيني العاملي القشاقشي جد المقدم، وهذه مكررة: كان فاضلاً مشاركاً في العلوم، مبجلاً عند العموم. ولد في الجبل، وزار العتبات، وعاد إلى محله، فمن شعره قوله من قصيدة:
قالت كبرت وغصن الحب منك ذوى أجل ولكنما فـي الغايـة الثمـر
لها المودة إن صدت وإن وصلت وما لقلبي عنها الدهر مصطبـر
472
والدمع من مقلتي والدر من فمها ضدان جاءا فمنظـوم ومنتثـر
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة أرسلها إلى المدينة على ساكنها السلام، أوله:
ألا يا رسول الله يا خير من لـه تشد المطايا والمطهمـة الجـرد
ويا علة الإيجاد والكعبـة التـي تحج ولم يبرح بساحتهـا الوفـد
ويا أول الخلق الذي قد دعا بـه أبوه وقد أودى به الذنب والجهد
ويا بضعة المختار فاطمة التـي على الناس من بعد النبي لها المجد
أجيبا دعا عبـد وكونـا لذنبـه شفيعين إذ لا مال ينجي ولا ولد
فإن لـه منكـم ذمامـاً ونسبـة وحباً شديـداً مـا لغايتـه حـد
فلا تخرجاه من حريم رضاكمـا فإن لـه حقـاً بفضلكمـا يبـدو
ومن شعره الهائية التي مرت في ترجمة الصادق العاملي. وقوله:
خبرت بني الدنيا فلـم أر فيهـم سوى حاسد أو شامت أو منافـق
فابعد حماك الله عنهم ولا تكـن بغير إله العـرش يومـاً بواثـق
وسلم إلى الرحمن أمـرك كلـه إذا خفت يوماً من نزول المضايق
وثق بولاء المصطفى وابن عمه وغرته الغـر الكـرام الحقائـق
تجد خير كهف من حماهم ومعقل يقيك لدى الدارين شـر البوائـق
وله غير ذلك. توفي سنة ألف ومائتين وتسع وأربعين في الجبل العاملي، ورثاه جماعة من الشعراء ومنهم الشيخ صادق بن إبراهيم يحيى العاملي بقصيدة جاء في آخرها قوله مؤرخ:
فكم وكم منشد تأريخه: (لهـف لقد تهدم ركن الدين بعد علـي)
473
علي بن محمد بن مكي، نجيب الدين العاملي الجبيلي الجبعي كان فاضلاً مصنفاً رحل من الجبل فدخل العراق وإيران والحجاز واليمن والهند، وطارح أفاضلها، ذكره جملة من المترجمين، من شعره قوله:
مـدت حبائلهـا عيـون العيـنِ فاحفظ فؤادك يا نجيـب الديـن
في هجرها الدنيا تضيع ووصلها فيه إذا وصلت ضيـاع الديـن
وقوله:
علـة شيبـي قبــل إبانــه هجر حبيبي في المقال الصحيح
ويدعـي العلـة فـي هجــره شيبي وفي ذلـك دور صريـح
ومن شعره في المذهب قوله:
يـا مــن تحــار البرايــا فـي وصـف عـز جلالــه
حـرم علـى النـار وجهــي بالمصطفــــى وبآلــــه
وقوله:
يـا رب مالـي عمـل صالـح به أنـال الفـوز فـي الآخـره
إلا ولائــي لبنــي هاشــم آل النبـي العتـرة الطاهــره
وقوله:
يا أميـر المؤمنيـن المرتضـى لم يـزل قلبـي يبغـي مدحـك
غير أنـي لا أرى لـي فسحـة بعـد أن رب البرايـا مدحــك
وله غير ذلك من الشعر فيهم. توفي في حدود سنة ألف وخمسين بإيران، رحمه الله تعالى. علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام
474
البغدادي كان من محاسن الظرفاء، وأعيان الشعراء، لسناً مطبوعاً هجاءً، وكان فاضلاً مصنفاً وله ديوان شعر، وأمه بنت حمدون النديم، وهو غير صاحب الذخيرة، وقد ترجمه كل المترجمين، فمن شعره قوله [من الوافر]:
وكانـت بالصـراة لنـا ليـالٍ سرقناهن مـن ريـب الزمـان
جعلناهـن تأريــخ الليالــي وعنـوان المسـرة والأمانــي
في أبيات. ومن شعره في المذهب قوله يذكر هدم المتوكل لقبر الحسين عليه السلام [من الكامل]:
تالله إن كانت أميـة قـد أتـت قتل ابن بنـت نبيهـا مظلومـا
فلقـد أتـاه بنـو أبيـه بمثلـه هـذا لعمـرك قبـره مهدومـا
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا فـي قتلـه فتتبعـوه رميمــا
وقوله في أمير المؤمنين عليه السلام [من السريع]:
إن عليـاً لـم يــزل محنــة لرابــح الديــن ومغبــون
أنزله مـن نفسـه المصطفـى منزلـة لـم تــك بالــدون
صيـره هـارون فـي قومـه لعاجــل الدنيــا وللديـــن
فارجع إلى الأعراف حتى تـرى مـا صنـع النـاس بهــارون
وله غير ذلك في المناقب. توفي سنة اثنتين أو ثلاث ثلاثمائة عن عمر ينيف على السبعين، رحمه الله تعالى ورضي عنه. علي بن محمود بن علي بن محمد بن الأمين
475
الحسيني العاملي كان عالماً فاضلاً مشاركاً في الفنون، وقوراً حسن الشكل، تقياً ناسكاً، وكان أديباً شاعراً مقلاً في النظم، وفد إلى النجف طفلاً فقرأ بها ما شاء من العلوم، ودرس ونال مناله من العلم، ثم عاد إلى الجبل سنة 1310ه وبقي هناك بشقرة قرية منه، يفيض على الناس فواضله، وينصب لهداهم دلائله. فمن شعره قوله في صفة مجلس:
شربـت أشهـى مـن العقـارِ مــا بيــن ورد وجلنـــار
صهبـاء راقـت فخلـت منهـا في الكأس أضحى لهيـب نـار
وقوله:
بأقـاح مبسمـه ووردة خــده حيا فأحيى مـن أمـات بصـده
رشـأ يريـك بهزلـه وبجـده ما لا يريـك المشرفـي بحـده
وقوله [مسمطاً] أبيات الحسين القزويني المتقدمة وراثياً بها الحسين عليه السلام:
بنفسـي الحسيـن سقتـه عـداه كؤوس المنون وساقـت نسـاه
فقل للوصـي وحامـي حمـاه (أبا حسـن أنـت عيـن الإلـه
فهل عنك تعزب من خافيه)
أمـا هتفـت بيــن الطغــاة نساك وأنت حمـى الضائعـات
وأنت المرجـى لـدى النائبـات (وأنت مديـر رحـى الكائنـات
وإن شئت تسفع بالناصيه) أتقعـد يـا سيـد الأوصيــاء ووتـرك عنـد بنـي الأدعيـاء وتجثو وذا الكرب يقفـو البـلاء (وأنـت الـذي أمـم الأنبيـاء لديك إذا حشرت جاثيه)
476
بــراك وأنــت برهانـــه إلـه الأنــام عــلا شانــه
وإنـك فـي الحشـر ميزانــه (فمـن يـك قـد تـم إيمانــه
يساق إلى جنة عاليه)
فديني ولـاك وبغضـي عـداك ولي نسب ضارب فـي علـاك
فمولاك في الحشر تحت لـواك (وأمـا الذيـن تولـوا سـواك
يساقون دعا إلى الهاويه)
توفي في الجبل سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وثلاثين، رحمة الله عليه ورضوانه. علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمرو بن زيد الكندي، كاتب ابن وداعة، المعروف بالوادعي، صاحب التذكرة الكندية في خمسين مجلداً كان فاضلاً، بارع النظام، حامل لواء البديع في الظلام، لاسيما التورية والانسجام، فقد كان ابن نباتة عيالاً عليه، بل لصاً يطوف حواليه، وكان قد درس بالشام وشاركه الذهبي في السماع، وكتب بديوان الإنشاء، والتذكرة مشتملة على عيون الفنون، فمن شعره:
تـرى يـا جيــرة الرمــلِ يعــود بقربكــم شملـــي
وهــل تقتــص أيدينـــا مــن الهجــران للوصــل
وهــل ينســـخ لقياكـــم حديــث الكتــب والرســل
بروحــي ليلــة مـــرت لنـا معكــم بــذي الأثــل
وساقينــا ومـــا يملـــي وشادينــا ومـــا يملـــي
وظبـي مـن بنـي الأتــراك حلـــو التيـــه والـــدل
لـه قــد كغصــن البــان ميـــال إلـــى العـــدل
477
وطــرف ضيــق ويلــاه مــن طعناتـــه النجـــل
أقــول لعاذلـــي فيـــه رويـدك يــا أبــا جهــل
فقلبــي مــن بنــي تيــم وعقلـي مـن بنــي ذهــل
ومن شعره في المذهب قوله في الحسين عليه السلام:
عجباً لمن قتل الحسيـن وأهلـه حرى الجوانح يـوم عاشـوراء
أعطاهـم الدنيـا أبـوه وجـده وعليه قد بخلـوا بشربـة مـاء
وقوله:
سمعت بأن الكحل للعيـن قـوة فكحلت في عاشور مقلة ناظري
لتقوى على سح الدموع على الذي أذاقوه دون الماء نـار البواتـر
وقوله:
قـل للـذي بالرفـض أتهمنـي أضــل اللـــه قصـــده
أنـا رافضـي ألعـن السحـر أبــــــاه وجــــــده
ومحاسنه تحتمل المجلدات، وعقد ابن حجة له في الخزانة فصلاً لسرقات ابن نباتة منه. ولد بحلب سنة ستمائة وأربعين. وسافر إلى دمشق فتوفي سنة ست عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى ورضي عنه. علي بن ياسين بن مطر الحسني النجفي المعروف بالعلاق فاضل ملأ من الفضل إهابه، ومن الأدب وطابه، وشريف يبدو على سمته أثر النجابه، مشارك في الفنون، محاضر بالمحاسن والعيون، حاضرته فرأيت منه
478
فضلاً وعلماً وكرماً جماً، وتقى إلى ظرف، وديانة إلى لطف، وصفاء قلب ونزاهة برد، وغض طرف عن أدنى وصف، وله شعر حسن ومطارات جيدة، وقريض تغلب عليه الجزالة، فمنه قوله:
أورى الهـوى بحشـاي جمـرا وجرت دمـوع العيـن حمـرا
ليـل الهمـوم دجــى فمــن لـي أن أطالـع منـك بــدرا
لـك مغــرم هــدم اشتيــا قـك ستـره فــأذاع ســرّا
يا من لصحـب سـوف يقتلـه نــوى الأحبــاب صبــرا
للـه وصلـك مــا أحيلــاه وهجــرك مـــا أمـــراً
يـا خاليــاً مــن لوعتــي كابـدت بعـد نـواك أســرا
أجـرى هـواك علـي أحكــا م الصبابــة فيــك قهــرا
ومن شعره في المذهب قوله في حسينية أوله:
أقوت فهن من الأنيـس خـلاءُ دمـن محـت آياتهـا الأنـواء
درست فغيرهـا البـلا فكأنمـا طارت بشمـل أنيسهـا عنقـاء
يا دار مقربة الضيوف بشاشـة وقراي منك الوجـد والبرحـاء
عبقت بتربـك نفحـة مسكيـة وسقت ثراك الديمـة الوطفـاء
عهدي بربعك آنساً بـك آهـلاً يعلـوه منـك البشـر والسـراء
وثرى ربوعك للنواظـر أثمـداً وكعقد حلي ظبائـك الحصبـاء
قد كان مجتمع الهوى واليوم في عرصاتـه تتفـرق الأهــواء
أخنى عليـه دهـره والدهـر لا يرجى له بذوي الوفـاء وفـاء
أين الذيـن ببشرهـم وبنشرهـم يحيا الرجاء وتـأرج الأرجـاء
ضربوا بعرصة كربلاء خيامهم فأطـل كـرب فوقهـا وبـلاء
للـه أي رزيـة فـي كربــلا عظمت فهانت دونهـا الـأرزاء
479
يوم به سل ابن أحمـد مرهفـاً لفرنـده بدجـى الوغـى لـألاء
وفدى شريعـة جـده بعصابـة تفدى وقل مـن الوجـود فـداء
صيد إذا ارتعـد الكمـي مهابـة ومشت إلـى أكفائهـا الأكفـاء
وعلا الغبار فأظلمت لولا سنـا جبهاتهـا وسيوفهـا الهيجــاء
عشت العيون فليس إلا الطعنـة النجـلا وإلا المقلـة الخوصـاء
زحفوا إلى ورد المنون تشوقـاً حتـى كـأن مماتهـا الأحيـاء
عبست وجوه عداهـم فتبسمـوا فرحاً وأظلمت الوغى فأضـاؤا
فلها قـراع السمهـري تسامـرٌ وصليل وقع المرهفـات غنـاء
يأبى لها مـن أن تشيـم مذلـة أنـف أشـم وهمـة قعســاء
يقتادهـم للحـرب أروع ماجـد صعب القياد على العـدى أبـاء
صحبته مـن عزماتـه هنديـة بيضـاء أو يزنيــة سمــراء
تجري المنايا السود طوع يمينـه وتصرف الأقدار حيـث يشـاء
دلت لعزمتـه القـروم بموقـف عقـت بـه آباءهـا الأبنــاء
بفرائص رعدت وهامات همـت مذ لاح بـارق سيفـه الوضـاء
ولئن تنكر في العجـاج فطالمـا شهـدت بغـر فعالـه الهيجـاء
من أبيض نثر الرؤوس وأسمـر نظمت بسلك كعوبـه الأحشـاء
كره الكماة لقـاءه فـي معـرك حسدت بـه أمواتهـا الأحيـاء
بأبي أبي الضيـم سيـم هوانـه فلواه عـن ورد الهـوان إبـاء
وتألبـوا زمـراً عليـه يقودهـا لقتالـه الأحقـاد والبغضــاء
فسطا عليهم مفـرداً فثنـت لـه تلك الجموع النظـرة الشـزراء
يا واحداً للشهب مـن عزماتـه تسـري لديـه كتيبـة شهبـاء
ضاقت به سعة الفضاء على العدى فتيقنـوا مـا بالنجـاة رجــاء
480
فغدت رؤوسهـم تخـر أمامهـم فوق الثـرى وجسومهـن وراء
تسع السيوف رقابهم ضرباً وبالاً جسام منهـم ضاقـت البيـداء
ما زال يفنيهم إلـى أن كـاد أن يأتي على الإيجـاد منـه فنـاء
لكنمـا طلـب الإلــه لقائــه وجرى بما قد شاء فيه قضـاء
فهوى على غبرائها فتضعضعت لهويـه الغبـراء والخضــراء
وعلا السنان برأسـه فالصعـدة السمراء فيهـا الطلعـة الغـراء
ومكفـن وثيابـه قصـد القنـا ومغسـل ولـه الميـاه دمــاء
ظام تفطر قلبه ظمـأ وبالجمـلا ت منـه ترتــوي البوغــاء
تبكي السماء دماً له أفـلا بكـت مـاء لغلـة قلبــه الأنــواء
وا لهف قلبي يا بن بنت محمـد لك والعدى بك أدركوا ما شاءوا
أخبرني عبد الحسين بن القاسم الحلي المقدم الترجمة قال: رأيت ليلة في منامي كأني في مجلس يناح فيه على الحسين فقرأ محمد بن شريف النائح النجفي قصيدة همزية حتى إذا وصل منها إلى قوله: (يا لهف نفسي. . . البيت) كثر البكاء واصطفقت الأيدي، وتكررت الاستعادات استحساناً لهذا البيت، فانتبهت وأنا أبكي وأردد البيت، فما مر علي شهر إلا وسمعت النائح المذكور يقرأ هذه القصيدة في بيت المترجم، فسألته عنها فقال: هي له سلمه الله تعالى (عود):
فلخيلهـا أجسامكــم ولنبلهــا أكبادكـم ولقضبهـا الأعضـاء
وعى رؤوس السمر منكم أرؤس شمس الضحى لوجوهها حربـاء
يا بن النبي أقول فيـك معزيـاً نفسي وعز على الثكول عـزاء
ما غض من علياك سوء صنيعهم شرفاً وإن عظم الذي قد جـاءوا
إن تمس مغبر الجبيـن معفـراً فعليك مـن نـور النبـي بهـاء
أو تبق فوق الأرض غير مغسل فلك البسيطـان الثـرى والمـاء
481
أو تغتدي عار فقد صنعت لكـم برد العـلا الخـط لا صنعـاء
أو تقض ظمآن الفؤاد فمن دمـا أعداك سيفـك والرمـاح رواء
فلو أن أحمد قد رآك على الثرى لفرشن منه لجسمـك الأحشـاء
أو بالطفوف رأت ظماك سقتـك من ماء المدامع أمـك الزهـراء
يا ليت لا عذب الفـرات لـوارد وقلـوب أبنـاء النبـي ظمـاء
كم حرة نهـب العـدى أبياتهـا وتقاسمـت أحشائهـا الـأرزاء
تعدو وتدعو بالحماة ولـم يكـن بسوى السياط لها يجاب دعـاء
تعدو فإن عادت عليها بالعـدى عدوى العوادي الجرد والعـدواء
هتفـت تشيـر كفيلهـا وكفيهـا قد أرمضته في الثرى الرمضاء
يا كعبة البيت الحرام ومن سمت بهم على هام السمـا البطحـاء
للـه يـوم فيـه قـد أمسيتــم أسراء قـوم هـم لكـم طلقـاء
حملوا لكم في السبي كل مصونة وسروا بها في الأسر أنى شاءوا
ثكلى تحن لشجوها عيس الفـلا ورقاء إن ناحت لهـا الورقـاء
تنعى ليوث البأس مـن فتيانهـا وغيوثهـا إن عمـت البأسـاء
رقدوا وليس بعزمهم من رقـدة وغفوا ومافـي بأسهـم إغفـاء
تبكيهم بدم فقل بالمهجـة الحـرا تسيــل العبــرة الحمــراء
ناحت فلما غيضت من صوتهـا بزفيرهـا أنفاسهـا الصعــداء
حنت ولكن الحنيـن بكـا وقـد ناحـت ولكـن نوحهـا إيمـاء
وقست عليهن القلـوب فدونهـا الصخر الأصم ودونها الخنسـاء
وخدت بهن اليعملـات طلائحـاً ولهـن رجـع حنينهـن حـداء
ومقيـد قـام الحديـد بمتنــه غـلا وأقعـد جسمـه الإعيـاء
وهن الضنى قعدت به أسقامـه وسرت به المهزولـة العجفـاء
482
وغدت ترف على بليته العـدى ما حال من رقت لـه الأعـداء
لله سـر اللـه وهـو محجـب وضمير غيب الله وهـو خفـاء
أنى اغتـدى للكافريـن غنيمـة في حكمها ينقـاد حيـث تشـاء
عار على عادي المطا تتقـاذف الأمصار فيه وترتمـي الأحيـاء
طـوع الأكـف وكلهـن لئيمـة نصب العيـون وكلهـا عميـاء
وهو الذي لو شـاء أن يفنيهـم قذفتهـم الدامــاء والدهمــاء
وهوت له شهب السماء بقوسهـا وأطاعـه الإصبـاح والإمسـاء
آل النبي لئـن تعاظـم رزؤكـم وتصاغرت في وقعـه الـأرزاء
فلأنتم يـا أيهـا الشفعـاء فـي يوم الجـزا لجناتـه الخصمـاء
وإليكم من بكـر فكـري ثاكـل تنعى وقد أودت بهـا البرحـاء
حسناء جاءت للعزاء فـلا تعـد إلا بحسنـى منكـم الحسنــاء
نجزت بتمامها لرقتها وانسجامها، وله غيرها فيهم عليه السلام، وهذه كافيه.

ولد سنة ألف ومائتين وثلاث وتسعين تقريباً.

وهو اليوم حي بين النجف وأطرافها، أبقاه الله لإحياء مآثر آبائه، وعمره طويلاً آمين.

ثم توفي في ذي الحجة سنة ألف وثلاثمائة وأربع وأربعين هجرية، ودفن بالنجف.

عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحضين المذحجي العنسي

كان صحابياً، وعذب أبوه وأمه سميه في ذات الله بمكة، وصحب النبي وشهد مشاهده كلها، ثم صحب علياً حتى قتل معه في صفين، وكان شاعراً خطيباً، فمن شعره ما رجز به في عثمان يوم الخندق، وكان يعمل وعثمان في بزة يخطر بها
483
هناك فقال:
لا يستوي من يعمر المساجدا
ومن يبيت فيها قائماً وقاعداً
ومن تراه حائداً معانداً
عن الغبار لا يزال حائداً
ومن شعره فيما نسب إليه:
تـوخ مـن الطـرق أوساطهـا وعـد عـن الجانـب المشتبـه
وسمعك صن عن سماع القبيـح كصون اللسان عن النطـق بـه
فإنـك عنـد سمـاع القبيــح شريــك لقائلــه المنتبـــه
ومن شعره في المذهب قوله يوم السقيفة:
يا ناعـي الإسلـام قـم فانعـه قد مـات عـرف وبـدا منكـر
مـا لقريـش لا عـلا كعبهـا من قدموا اليـوم ومـن أخـروا
مثـل علـي أنكـروا أمــره مـا بينهـم والشمـس لا تنكـر
وليـس يطـوي علـم ظاهـر سـام يـد اللـه لـه تنشــر
حتـى يزلـوا صـدع ملمومـة والصدع في الصخرة لا يجبـر
كبش قريش في وغـى حربهـا صديقهـا فاروقهــا الأكبــر
وكاشـف الكـرب إذا خطــة أعيى علـى واردهـا المصـدر
كبـر للــه وصلــى ومــا صلى ذوو العيـث ولا كبـروا
تدبيرهـم أدى إلـى مـا أتـوا تباً لهم يـا بئـس مـا دبـروا
وقوله يوم صفين:
كلا ورب البيت لا أبرح أجـي حتى أموت أو أرى ما أشتهـي
لا أفتى الدهر أحامي عن علـي صهر الرسول ذي الأمانات الوفي
484
في أبيات وقوله [من الخفيف]:
صدق الله وهو للصـدق أهـل وتعالـى ربـي وكـان جليـلاً
ربي عجل شهـادة لـي وقتـلاً في الذي قد أحببت قتلاً جميـلاً
مقبـلاً غيـر مدبـر إن للقتـل علـى كـل منيـة تفضيــلاً
قتل يوم صفين، قتله أبو العارية وأبو الحتوف في ربيع الأول سنة [سبع وثلاثين، وعمره] نيف وتسعون، وأبنه أمير المؤمنين عليه السلام وغيره.

عيسى بن جعفر بن الحسن بن المحسن الحسيني الأعرجي الكاظمي

كان فاضلاً خفيف الروح، أديباً، رأيته واجتمعت به، فرأيت منه الرجل الحصيف الرأي، العالي الهمة، المنبسط الوجه واليد، وكان شاعراً في الطبقة الوسطى، فمن شعره قوله:
تراءت بليل مشرقـات كواكبـه بصبح محياها تجلـت غياهبـه
مهفهفة الأعطاف عقرب صدغها على ملعب القرطين تبدو عجبـه
فبت أبث العتب بينـي وبينهـا وأن هي لا تصغي لما أنا عاتبه
أمخجلـة الـآرام فـي لفتاتهـا سألتك هل آتٍ من العيش ذاهبـة
فكم لج قلبي يوم بنـت بـزورة إذا أفلس المديون بـح مطالبـه
ومن شعره في المذهب قوله من حسينية أوله:
إلى كم أمني بالطلا والغلاصـم عطاشى القنا والمرهفات الصوارم
وحتى متى أطوي على الضيم أضلعاً وأغضي وفي كفي رمحي وصارمي
ألست إلى البيت المشيد رواقـة نمتني أباة الضيم من آل هاشـم
فإن لم أثب في شزب الخيل وثبة مدى الدهر يبقى ذكرها في المواسم
485
فلست الذي في دوحة المجد والعلى تفرع قدماً مـن علـي وفاطـم
وإن لم أثرها في العجاج ضوامراً عليها مثار النقع مثـل الغمائـم
فلست قديماً بالـذي راح ينتمـي لعبد مناف في العلى والمكـارم
هم القوم إما أن دعـوا لفضيلـة فما لهم في فضلهم من مزاحـم
فمهما ترى في الدهر منهم مسالماً فما لابن حرب فيهم من مسالـم
بني هاشم أبناء حـرب ببغيهـا قد ارتكبت منكم عظيم الجرائـم
نسيتم غداة الطف أبنـاء أحمـد على الأرض صرعى من علي وقاسم
فقوموا غضاباً واشرعوها أسنـة تطوى على الأكتاف مثل الأراقم
وهي طويلة، وله غيرها.

توفي في أواخر شوال سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وثلاثين في الكاظميين عليه السلام، ودفن عند جده المحسن الآتي ذكره، إن شاء الله تعالى.
486

حرف الفاء

فارس بن محمد بن عنان، الأمير، أبو الشوك، حسام الدولة، مالك الجبل من الدينور وقرميسين وغيرهما

كان أميراً كبيراً، وفارساً خطيراً، وكان أديباً شاعراً مادحاً للأئمة عليهم السلام ممدحاً لمن سواهم من الأنام، فمن شعره فيهم عليهم السلام قوله:
بمحمـد وبحــب آل محمــد علقت وسائل فارس بن محمـد
يا آل أحمد يا مصابيح الدجـى ومنار منهاج السبيـل الأقصـد
لكم الحطيم وزمزم ولكـم منـى وبكم إلى سبل الهدايـة نهتـدي
يا زائراً أرض الغـزي مسـدداً سلم سلمت على الإمـام السيـد
بلـغ أميـر المؤمنيـن تحيتـي واذكر له حبي وصدق تـوددي
وزر الحسين بكربلاء وقل لـه يا ابن الوصي ويا سلالة أحمـد
مني السلام عليك يا ابن المصطفى أبداً يروح مع الزمـان ويغتـدي
وعلى أبيك ؤجـدك المختـار و الثاوين منهم في بقيـع الغرقـد
وبأرض بغداد على موسى وفي طوس على ذاك الرضاء المفرد
وبسر من راء السلام على الهدى وعلى التقي وعلى الندى والسؤدد
إن ابن عنان بكم كبـت العـدى وعـلا حبكـم رقـاب الحسـد
فلئن تأخـر جسمـه لضـرورة فالقلـب منـه مخيـم بالمشهـد
إني سعدت بحبكـم أبـداً ومـن يحببكـم يـا آل أحمـد يسعـد
وله شعر كثير نظمته المناقب في التحرير.

توفي سنة أربعمائة وسبع وثلاثين بقلعة السيروان، ذكره الكامل، رحمه الله تعالى.

فخر الدين بن محمد بن علي بن أحمد بن طريح

487

المسلمي الرماحي النجفي

كان علماً للفضل، وجبلاً للعلم، له اضطلاع بعلم العربية والرجال والفقه وغير ذلك، وكان مصنفاً في أكثرها، وكان أديباً شاعراً تقياً ناسكاً، سكن النجف وحج وجاور مدة، ثم زار الرضا وجاور مدة، ثم عاد إلى النجف، وكان في أسفاره مشتغلاً بالتصنيف، فقد رأيت له كتباً صنفها بالنجف وأخرى بمكة، وأخرى بخراسان.

فمن شعره فيما ذكره بالمنتخب:
يا عترة الهادي النبي ومن هـم عزي وكنزي والرجا والمفـزع
واليتكم وبـرأت مـن أعدائكـم فأنـا بغيـر ولائكـم لا أقنـع
صلى الإله عليكـم مـا أحييـت فكر وأوقفـت العيـون الهمـع
وقوله:
طوبى لمن أضحى هواكم قصده وإلـى محبتكـم إشـارة رمـزه
في قربكم نيل المسـرة والمنـى وجنابكـم متنــزه المتنــزه
قلـب يهـم بحبكـم تفريطــه في مثلكم واللـه غايـة عجـزه
يضحى كدود القز يتعب نفسـه في نسجه وهلاكـه فـي قـزه
هكذا نسبها إليه بعض، والذي في البال إنها لغيره والله أعلم.

وله في المنتخب شعر كثير لا يذكر اسمه فيه بل يطلقه.

توفي في الرماحية سنة ألف وخمس وثمانين، ونقل إلى النجف، فكان له في النجف رزء عظيم ودوي شديد، ودفن بظهر النجف رحمه الله، ورثاه [الشيخ محمد أمين الكاظمي]، بقصيدة أولها:
خطب أصاب حشى الهدى والدين مذ فخـره أودى بسهـم منـون
488
وآخره:
لا فخر حيث نضيف أصحاب الكسا أرخ (وطيد بعد فخـر الديـن)

فرج الله بن محمد بن درويش بن محمد بن حسين بن جمال بن أكبر الحويزي الخطي

كان فاضلاً مصنفاً وأديباً متصفاً، وشاعراً معرفاً، ذكره صاحب الأمل، وذكر تصانيفه، وله ديوان شعر جله في مداح الأئمة عليهم السلام، لكل قصيدة بل قصائد، فمن شعره قوله:
أحسن إلى من قد أسـاء فعالـه حتى إذا أبدت إساءتـه العطـب
وانظر إلى صنع النخيـل فإنهـا إن ترمها بحجارة ترمي الرطب
ومن شعره في المذهب قوله:
سل فتاة الحي مـا هـذا القـلا فلقـد أشـوى فـؤادي وقــلا
يا لقومي حذركم عـن خدرهـا لا تكونـوا عبـرة بيـن المـلا
أنا مـذ رودت لحظـي حسنهـا رد لي يسكـب دمعـاً مسبـلا
حبهـا أورث قلبــي لوعــة نزلت والصبـر عنـي رحـلا
فأنا المأسور فـي قيـد الهـوى لـم أجـد ممـا أقاسـي حـولا
غير حبـي للنبـي المصطفـى وعلي المرتضـى أهـل العـلا
وبنيـه خيـر آل فـي الـورى نقبــاء نجبــاء فضـــلا
لا تسـل عمـا حباهـم ربهـم من علـىٌ إلا الكتـاب المنـزلا
فضلهـم شاهــده حاسدهــم فلهـذا جـل عـن أن يجهـلا
أوضح الله بهـم نهـج الهـدى مثل ما اختارهـم عقـد الـولا
فأطعنــا ورضيناهــم لنــا سادة نرجـو بهـم دفـع البـلا
489
حجــج خاتمهــم قائمهــم جدهـم للرســل ختمــاً أولا
يقول فيه:
صاحب العصـر بـدارا فلقـد طالت الغيبـة والصبـر انجلـى
فانتقـم للـه مــن أعدائــه يا ولـي اللـه واشـف الغلـلا
يا أولي الأمر أقبلوا مـن فـرج عبدكم مـا كـان بالمـدح تـلا
واشفعوا لـي ولأمـي ولأبـي ولإخوانـي ولقومـي جمــلا
وعليكـم صلـوات اللـه مــا قدركـم جـل وذكراكـم عـلا
وله غير ذلك كثيراً فيهم عليهم السلام.

توفي في حدود سنة ألف وخمس وثلاثين، رحمها لله تعالى.

الفضل بن جعفر بن الفضل بن يونس، أبو علي البصير النخعي

كان أديباً شاعراً من أهل الكوفة، وسكن بغداد، وقدم سر من رأى أول خلافة المعتصم ومدحه، ومدح جماعة من قواده، ومدح المتوكل والفتح [بن خاقان].

قال الصفدي: وكان شيعياً غالياً، ولم يحتج إلى فائد.

وقال ابن شهر آشوب: وكان من المتقين، ومرض في آخر أيامه من سوداء عرضت له فقال فيه [من الوافر]:
خبا مصباح عقـل أبـي علـي وكانت تستضيـئ بـه العقـول
إذا الأنسان مـات الفهـم منـه فـإن المـوت بالباقـي كفيـل
ومن شعره [من الخفيف]:
إن أرم شامخاً من العز أدركـه بـذرع رحـب وبـاع طويـل
وإذا نابني مـن الأمـر مكـروه تلقيتــه بصبــر جميـــل
490
ما ذممت المقام في بلـد يومـاً فعاتبتــه بغيــر الرحيــل
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة:
بنفسي ومالي من طريف وتالـد وأهلي وأنتم يا بني خاتم الرسـل
بحبكم ينجو من النار مـن نجـا ويزكو لدى الله اليسير من الحمل
أواصل من واصلتموه وأنصـب وأقطع من قاطعتموه وإن وصل
عليه حياتي ما حييت وإن أمـت فلست على شيء سوى ذاك أتكل
وله في الناقب غير هذه الأبيات.

توفي سنة مائتين واثنتين وخمسين. ونقل الصفدي أنه مات في الفتنة، ونقل أيضاً أنه مات في الصلح وذلك بعد ما ذكرنا بأربع سنين.

الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب الهاشمي

كان أحد شعراء بني هاشم وفصحائهم، هاشمي الأبوين، أمه أمينة بنت العباس بن عبد المطلب، وكان شديد الأدمة، وفي ذلك يقول حين منح بزمزم:
وأنـا الأخضـر مـن يعرفنـي أخضر الجلدة من بيت العـرب
من يساجلني يساجل مـا جـداً يملأ الدلو إلـى عقـد الكـرب
برسـول اللـه وابـن عمــه وبعبـاس بـن عبـد المطلـب
فرسـول اللـه جـدي جــده وعلينـا كـان تنزيـل الكتـب
فقال الفرزدق حين سمعه: ما يساجلك إلا من عض بظر أمه.

وحدث علي بن محمد النوفلي عن عمه: إن سليمان بن عبد الملك حج في خلافة الوليد، فجاء إلى زمزم فجلس عندها، ودخل الفضل يستقي منها، فارتجز بقوله:
يـا أيهـا السائـل عـن علـي سألت عـن بـدر لنـا بـدري
491
مقـدم فـي الخيـر أبطحــي وليــن الشيمــة هاشمــي
زمزم يا بوركـت مـن ركـي بوركـت للساقـي وللمسقــي
فغضب سليمان وهم به فكفه علي بن عبد الله، فحرمه من العطاء، ذكر ذلك صاحب الدرجات.

وأطال في الترجمة الرواية، ولكن هذا محصلها ومجملها.

فمن شعره قوله:
نظرت إليها بالمحصب من منىٌ ولي نظر لولا التحـرج عـارمٌ
فقلت: أشمس أم مصابيح راهبٍ بدت لك خلف السجف أم أنت حالم
بعيدة مهوى القرط إمـا لنوفـل أبوها وإما عبد شمـس وهاشـم
ومن شعره في المذهب غير ما تقدم قوله:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن
من فيه ما فيهم من كل صالحـة وليس في كلهم ما فيه من حسن
أليس أول مـن صلـى لقبلتكـم وأعرف أن الناس بالقرآن والسنن
وأقرب الناس عهداً بالنبي ومـن جبريل عون له في الغسل والكفن
مـاذا يردكـم عنـه فنعرفــه ها إن بيعتكـم مـن أول الفتـن
وقوله:
أعينـي ألا تبكيـا لمصيبتــي وكل عيون الناس عني أصبـر
أعيني جودا من دموع غزيـرة فقد حق إشفاقي وما كنت أحـذر
أعيني هذي الأكرمـون تتابعـوا وصلوا المنايا دارعون وحسـر
من الأكرمين البيض من آل هاشم لهم سلف من واضح الجد يذكـر
مصابيح أمثال الأهلـة إذا هـم لدى الحرب أو دفع الكريهة أبصر
بهـم فجعتنـا والفواجـع كلهـا تميم وبكر ولحيان ولخم وأعصر
492
وفي كل حي نضحة من دمائنـا بنو هاشم يعلو سناهـا ويشهـر
فللـه محيانـا وكـان مماتنــا وللـه قتلانـا تـدان وتنشــر
لكل دم مولـى ومولـى دمائنـا بمرتقب يعلـو عليكـم ويظهـر
وله غير ذلك من القصائد في المدح العلوي والرثاء الحسيني.

توفي في حدود التسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك رحمه الله.

فضل الله بن علي بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله الحسني الراوندي القاشاني

كان فاضلاً جليلاً رئيساً نبيلاً، وكان أديباً شاعراً، اجتمع به السمناني بمدرسته في قاشان، وكان مصنفاً وله ديوان شعر فمنه قوله:
سفرت لنا عـن طلعـة البـدر إحدى الخرائد مـن بنـي بـدر
فأجـل قـدر الليـل مطلعهــا حتـى تـراءت ليلـة القــدر
لـو أنهـا كشفــت لآلئهــا مـن قولهـا والعقـد والثغــر
لأضـاءت الدنيــا لساكنهــا والليـل فـي باكـورة العمـر
حتـى يظـن النــاس أنهــم هجم العشاء بهم علـى الفجـر
عهدي بنـا والوصـل يجمعنـا كاللـوز توأمتيـن فـي قشـر
يغـدو كلانـا وفـق صاحبـه ومطيع حكـم النهـي والأمـر
ومن شعره في الذهب قوله:
ألا يـا آل أحمـد يـا هداتـي لقـد كنتـم أئمـة خيـر أمـه
أرادكـم الحسـود بكيـد سـوء فأصبح مـا أراد عليـه غمـه
يريد ليطفـئ النـور المصفـى ويأبـى اللــه إلا أن يتمــه
وقوله:
493
يا رب مالي شفيع يوم منقلبـي إلا الذين إليهـم ينتهـي نسبـي
المصطفى وهو جدي ثم فاطمـة أمي وشيخي علي الخير فهو أبي
والمجتبى الحسن الميمون غرتـه ثم الحسين أخوه سيـد العـرب
ثم ابنـه سيـد العبـاد قاطبـة وباقر العلم مكشوف عن الحجب
والصادق البر في شيء يفوه به والكاظم الغيظ في مستوقد الغضب
ثم الرضا المرتضى في الخلق سيرته ثم التقي نقياً غيـر مـا كـذب
ثم النقي ابنه والعسكـري ومـا لي في شفاعة غير القوم من إرب
ثم الذي يمـلأ الدنيـا بأجمعهـا عدلاً وقسطاً بإذن الله عن كثـب
وله غير ذلك، وفي المناقب من شعره كثير.

توفي بقاشان سنة خمسمائة وسبعين تقريباً، وذكره غير واحد من المترجمين، رحمه الله تعالى.

فناخسرو بن الحسن بن بويه المعروف بأبي شجاع عضد الدولة بن ركن الدولة، أبي علي البويهي

كان ملك الإسلام المطاع فيهم، وأول من خطب له على المنبر ودعي له بعد الخليفة وكان ممن عمر المشهد العلوي وقوى أمر الشيعة بسلطنته، وكان الشجاع الكريم الفاضل، وله صنف الفارسي (الإيضاح في النحو) وكان أديباً شاعراً نيقداً، فمن شعره قوله:
يا طيب رائحة من نفحة الخيري إذا تنفـس جلبـاب الدياجيــر
كأنما رش بالمـاورد واعتبقـت بـه دواجـن تدخيـن وتبخيـر
كأن أوراقه فـي القـد أجنحـة صفر وحمر وبيض من زنابيـر
ومن شعره في المذهب قوله:
494
سقى الله قبراً بالغـري وحولـه قبور بمثوى الطـف مشتملـات
ورمساً بطـوس لابنـه وسميـه سقته السحاب الغر صفو فـرات
وفي طيبة منهـم قبـور منيـرة عليها من الرحمن خيـر صلـاة
وفي أرض بغداد قبـور زكيـة وفي سر من رأى معدن البركات
هم عدتـي فـي يـوم شدتـي وسفن نجاتي إن أردت نجاتـي
وله غير ذلك في المناقب.

توفي سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، عن عمر هو سبع وأربعون سنة وأحد عشر شهراً وثلاثة أيام، ونقل إلى مقبرته بالنجف فدفن فيها رحمه الله. ونجد ترجمته في جميع المعاجم.
495

حرف القاف

القاسم بن أحمد، أبو نصر الحروري

كان شاعراً مطبوعاً، حسن البديهة والتصرف في الشعر، فمن جيد شعره قوله:
أضنى الهوى جسدي وبدل لي به جسداً تكون من هـوى متجسـد
ما زال إيجاد الهوى عدمي إلـى أن صرت لو أعدمته لم أوجـد
وقوله يعاتب ابن لنكك البصري:
لم لا تري لصداقتـي تصديقـاً وفياً ولم تدع الصديـق صديقـا
ذو العقل لا يرضى برسم صداقة حتـى يـرى لحقوقهـا تحقيقـا
فلمن يرجى الحب أن يدعى أخا وعلى الرفيق بأن يكون رفيقـا
إن غاب كان محافظاً أو حل كان مداعباً أو قـال كـان صدوقـا
وقوله له:
أعليك أعتـب أم علـى الأيـام بـدأت وكنـت مؤكـداً بتمـام
قطع التواصـل قربنـا بتواعـد وقطعت أنت تواصـل الأقلـام
هلا ألفـت إذ الزمـان مشتـت الإلـف للـأرواح لا الأجسـام
عذرا ٌأبا عيسى عسى لك في العلى عـذر وذا علـم بـلا أعلــام
من طابت الأخبار عنـه ودينـه ديـن الإمامـة قـال بالأوهـام
خذها فرائـدك التـي أعطيتهـا فالدرك درك والنظـام نظامـي
حكـم معانيهـا معانيـك التـي فصلتها لـي والكلـام كلامـي
ومن شعره في المذهب قوله:
تولى الشبـاب وجـاء المشيـب فأيقظنـي وعرفـت الطريقــا
فيممتــه قاصــداً للـــذي لـه أخـذ اللـه عهـداً وثيقـاً
وأكـده المصطفــى موجبــاً له كـل وقـت عليـه حقوقـا
496
وواخـاه مـن دون أصحابــه وكـان بذلـك منــه حقيقــا
وزوجـه المصطفـى فاطمــاً وكـان عليـه عطوفـاً شفيقـا
ولما دعـى المصطفـى أهلـه إلى اللـه سـراً دعـاه رفيقـا
ولاطفهـم عارضــاً نفســه علـى قومـه فجـزوه عقوقـا
فبايعـــه دون أصحابـــه وكـان لنصـر النبـي مطيقـا
ووحـد مـن قبلهــم سالفــاً وكان إلى كـل فضـل سبوقـا
كـذاك أبـوه أبــو طالــب فكـان بنصـر الإلـه عريقـا
وله غير ذلك في المناقب. ذكره في المعالم واليتيمة.

توفي سنة ثلاثمئة واثنين وثلاثين.

قال المسعودي في المروج: قيل أغرقه اليزيدي لأنه هجاه، وقيل مر منه إلى هجر ولجأ إلى أبي طاهر بن سليمان أمير البحرين وتوفي هناك، رحمه الله تعالى.

القاسم بن محمد بن حمزة بن حسين بن نور علي التستري الحلي.

أديب ينظم الدرر، وينتقد الغرر، وشاعر له في مواقف النظم مشاعر، وفي مقامات السباق علائم وشعائر، أخذ الأدب عن أبيه فاقتفاه في مسلكه النبيه، وجود الخط فأحسنه، وتحرف بفن الخطابة فأتقنه، اجتمعت به مراراً فرأيت منه الرجل الخفيف الطباع، الحسن الاطلاع، الظريف مع تقى وديانة، ورجحان حلم ورزانة، فمن شعره قوله:
بيــن السديــرة فالمخيــف كـم مـن فـؤاد راح يخطـف
نهبتــه ألحــاظ المهـــى وبسجـع ذات الطـوق رفـرف
وبمهجتـي قلــق الوشــاح معشـق الحركــات أهيــف
497
يفتـر عـن خصـر اللمــى شنب تضمـن حـرف قرقـف
أخشــى إذا لعــب الدلــال بقــدة الميــاس يقصــف
لا أرعــوي عــن حبـــه إن أنـب اللاحــي وعنــف
وقوله:
سقى صوب الحيا طللاً برامـه ولا غبـت مرابعـه الغمامــة
فكم رحلت له الأنضـاء شوقـاً وكم لبني الهـوى فيـه إقامـة
وكم خفق النسيـم بـه سحيـراً فعطــره وأنشقنــا ثمامــه
أرف له رفيـف الطيـر حتـى كأنـي بيـن قادمتـي نعامــه
يؤرقنـي ادكـار الأيـك إمـا على عذباته صدحـت حمامـه
وبيـن المدلجيـن أخـو نفـار برانـي حبـه بـري القلامـه
صفـت مـرآة وجنتـه لعينـي فخلت سوادها في الخـد شامـه
يصول بمشرفـي وهـو لحـظ تلـاه سمهـري وهـي قامــه
إذا كانـت مراشفـه مرامــي فما بنت الكروم ومـا المدامـه
ومن شعره في المذهب قوله في أمير المؤمنين عليه السلام:
ولي كبد رفـت أجنحـة القطـا من الشوق حتى سامها التطييـرا
وأنزلها ظمآنة منـزل الـروى لمنتهل عذبـاً بالغـري نميـرا
وحامت فلما أبصرت روضة الحمى تخال عليهـا سندسـاً وحريـرا
مشت مرحاً حيث استقر بها النوى إذا هي ألفت روضـة وغديـرا
وقوله فيه عليه السلام:
حيـدر أدركنـا لـدى موقـف قد كان فـي المحشـر ميقاتـا
فيـك تجمعنـا علــى أنــه يصـدر فيـه النـاس أشتاتــا
حيث اعتصمنا بك يـا عصمـة الجانيـن فـي إدراك مـا فاتـا
498
وقد لجأنا لـك يـا منعـة الـلا جيــن إحيــاء وأمواتـــا
وقوله مناماً واصفاً حال أخت الحسين عليه السلام معه فانتبه يحفظ منه:
ظن العذول غـداة لـج بعذلـه أني سأغدو سالكـاً فـي سبلـه
همـت تغسلـه بمـاء عيونهـا فتكفلت عنهـا الدمـاء بغسلـه
يا ويح دهر من فجائـع خطبـه فجع ابن أحمد في الطفوف بطفله
أنشدني كل هذا من لفظه.

وله في المراثي الحسينية كثير.

ولد سنة ألف ومائتين وتسعين وهو اليوم حي أحيى الله به الأدب ومحاسن الخطب وسلمه.

القاسم بن محمد علي بن أحمد الحائري، الشهير بالهر البصير

كان أديباً ذكياً شاعراً بارعاً حسن البديهة، حلو المحاضرة، تقياً ناسكاً، حضره ولده محمد علي النائح عند موته فجعل يلقنه ويعد له الأئمة عليهم السلام فصاح به أتذكر الأئمة عليهم السلام وهم عندي حضور الآن، وتعد أسمائهم وهم معي.

فمن شعره قوله في الهر:
لعمـري لـم أرد أدعـى بهـر وإن يك ذاك فخري في العـراق
فإني إن دعيـت أخـاف كلبـاً بـدارك قـط مالـي عنـه واق
يهــر إذا أتيتكــم ويأبــى لعمــر أبيكــم إلا فراقــي
فصرت إذا أتيتك بعـض يـوم أسائل عنه صبحاً مـن ألاقـي
فبعضهـم يقـول الليـث ولـى وبعضهم يقـول الكلـب باقـي
ومن شعره في المذهب قوله:
499
يومان لم أر في الأيـام مثلهمـا أسرني ذا وهذا زادنـي حرقـا
يوم الحسين رقى صدر النبي به ويوم شمر على صدر الحسين رقى
وقوله من قصيدة أوله:
ما أنت يا قلـب وغيـد الملـاح ووصف كاسـات وسـاق وراح
هلم يـا صـاح معـي نستمـع حديث من في رزؤه الجن نـاح
لقد قضى ريحانـة المصطفـى بين ظبا البيض وسمر الرمـاح
لهفي عليه مـذ هـوى ظاميـاً موزع الجسم ببيـض الصفـاح
فعج على الحمى وقف صارخـاً هبوا إلى الحرب قريش البطـاح
إلى متى بيضـك فـي غمدهـا ما آن أن تستـل يـوم الكفـاح
ثوى أبي الضيـم فـي كربـلا ورحلـه فيهـا غـدا مستبـاح
هبوا بني عمـر العـلا للوغـى بكـل مقـدام بيـوم الكفــاح
نساؤكم بالطـف بيـن العـدى كأنهـا بالنـوح ذات الجنــاح
متى نرى جيـش بنـي هاشـم وقولهم عـن ثارهـم لا بـراح
متى نرى رايات عمـر العـلا أمامهـا تخفـق فيهـا الريـاح
فتصبح الطف بهـا كـي نـرى كل فتى للحرب شاكـي السلـاح
ولد سنة ألف ومائتين وست عشرة، وأضر آخر عمره.

وتوفي سنة ألف ومائتين وست وسبعين بكربلاء ودفن في الصحن مع الشيخ خلف الحائري عند باب السدرة.

قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب المعروف بالنجاشي

كان من شيعة أمير المؤمنين الموالين، وشعرائه المناضلين، وكان شاعره في
500
صفين، وهو القائل في ذلك اليوم حين فر معاوية من علي عليه السلام:
ونجى ابن حرب سابح ذو علالة أجش هزيـم والرمـاح دوانـي
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ورجل بها ريب مـن الحدثـان
فأما التي صحت فـأزد شنـوءة وأما التي شلـت فـأزد عمـان
ومن شعره فيه أيضاً قوله:
يا أيها الرجل المبـدي عداوتـه روِّ لنفسـك أن الأمـر يؤتمـر
وما علمت بما أضمرت من حنق حتى أتتني به الركبـان تبتـدر
إذا نفست على الأمجاد مجدهـم فابسط يديك فإن الخيـر مبتـدأ
واعلم بأن علي الخير من نفـر شم العرانيـن لا يعلوهـم بشـر
لا يجحد الحاسد الغضبان فضلهم ما دام بالحزن من صمانها الحجر
نعم الفتى أنت لـولا أن بينكمـا كما تفاضل ضوء الشمس والقمر
ولا أخالـك إلا لسـت منتهيـاً حتى ينيمك من أظفـاره ظفـر
في أبيات عظم وقعها عند معاوية.

ومن شعره يرثي الحسن بن علي عليه السلام به قوله:
جعيـدة أبكيــه ولا تسامــي بعـد بكـاء المعـول الثاكــل
لـم يسبـل السـم علـى مثلـه في الأرض من حاف ومن ناعل
كـان إذا شبـت لــه نــاره يرفعهــا بالسنــد العامــل
كيمـا يراهـا بائـس مرمــل أو فـرد قـوم ليـس بالآهـل
يغلي بهـا اللحـم لطـاه فـإن أنضج لـم يغـل علـى آكـل
أعنـي الـذي أسلمنـا هلكــه للزمـن المستعقــم الحائــل
توفي في حدود الخمسين.

وذكر ابن أبي الحديد هناة لا تصح، والله أعلم.
501
502

حرف الكاف

الكاظم بن أحمد بن محمد الأمين الحسيني العاملي، أبو الهادي النجفي

كان فاضلاً تقياً أديباً شاعراً، طويل الباع، حسن الطريقة، عالي الهمة.

ولد في الجبل، وأتى العراق لطلب العلم فنال منه السهم الوافر، وتنقل في العراق، وطارح أدبائه، فمن شعره قوله:
إلى الله أشكو من هموم تنوبنـي وأحداث دهر هد ركني وقوعهـا
أرى فاقة في فتية زانها التقـى وذي رحم ما كان مثلي يضيعها
فلو ساعدتني من زماني مـلاءة لفاض عليهم من يميني ربيعهـا
ولكن دهري جامع عن مآربـي ونفسي إليها لا يـزال نزوعهـا
وهون عندي شدة الدهر إن لـي بها الأجر موفور ويمضي فظيعها
فما دعة في العيـش إلا وديعـة ولا شـدة إلا الرخـاء تبيعهـا
فصبراً جميلاً في الحوادث إنـه ملاذ التقى يأوي إليـه مطيعهـا
ومن شعره يرثي أباه وقد توفي بالجبل، وعقد له مأتماً بالنجف قرأته الشعراء كالشيخ موسى شريف، والشيخ طالب البلاغي، وقاسم الحائري، رحمه الله، فأرخه هذا بقوله من قصيدته:
مذ حل في الفردوس أحمد أرخو: (وبأحمد الجنات أشرف منـزل)
وذلك سنة ألف ومائتين وأربع وخمسين من الهجرة.

وقوله:
ألوت بمنتجب مـن آل فاطمـة سحاب جود هجود في الدجى سهد
وسيـد بـارع تلتـف بردتــه على فتى بالتقى والجود منفـرد
طلق اليدين بفعل المكرمات سمت به لأقصى المعالي نفس محتشـد
503
لله نعي من الشامات قد ورد العراق يا ليته فـي الدهـر لـم يـرد
ومذ أتى النجف الميمون طارقه فزعت منه إلى التشكيك والفنـد
حتى إذا لم يدع صدفـة طمعـاً ضللت حيران لم أصدر ولم أرد
قضى بلبنان من آل الأمين فتـىٌ ظلت له راسيات البيت في ميـد
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله:
حلفت بـرب الواقفيـن عشيـة لدى عرفات مـن ثنـى وآحـاد
وبالبيت ذي الأستار طاف به الملا فمن عاكف في جانبيـه وبـادي
وبالحرم السامي الشريف الذي به ثوى خير مبعوث وأكرم هـادي
لقد كان في طوف الوصي يد على ذياد الأعـادي عنـه أي ذيـاد
وإيرادهم لج المنايـا وإن عتـوا بسمر طوال أو ببيـض حـداد
وقد كان مقدوراً له أن يسومهـم نكال ثمـود لـو يشـاد وعـاد
ولكنه راعى بهـم عهـد أحمـد فعف أبو السبطين عـف جـواد
وأغضى على الأقذاء في الله صابراً وزاد التقى والصبر أفضـل زاد
أمولاي أما منهجي فهـو حبكـم وحبكـم منهـاج كـل رشــاد
وقلبي لكم دامي الحشا ولغيركـم فؤادي أضحى مثل كـل فـؤاد
وإني لـأرزاء عليكـم ترادفـت لكالهائم المقصـى بكـل مـراد
كأني ألاقي حين أذكرهـا الـذي يلاقي سليم الحـي يـوم عـداد
وهي طويلة جداً، وقوله من أخرى:
نصحتك إن رمت النجاء فلا تكن لآثار أهل العجل قبلك مقتصـاً
وخذ نهج أهل البيت واعلق بحبهم تفز وتثبت ما حصا ودهم محصا
ولا تعدون عيناك عنهم فتهتوي إلى غامض كالطير في جوه قصا
504
أولئك آل اللـه حقـا ٌوغيرهـم غثاء فدع بكراً هديت ودع حفصا
أعاظم دان المسلمـون لفضلهـم وما غمصتهم في علي فوقه غمصا
فسل هل أتى إذ آثروا بطعامهـم وباتوا ثلاثاً لم ينالوا بها قرصـا
وسل غيرها ينبئك هم نفس من سرى من أم القرى ليلاً إلى المسجد الأقصى
وهي طويلة.

وقوله من أخرى:
إلى الله أشكو من زمان تنكـرت معارفه والجهل في أهلـه نبـغ
تجافوا عن الأخرى عمى وتكالبوا على عاجل الدنيا وما فيه من بلغ
لقد صبغ المغرور منهـا أديمـه ولو أنه راعى العواقب ما صبغ
يقول فيه:
عجبت من الخضراء مادت ولم تقع وللأرض يوم الطف مدت ولم تسغ
لقد خبطوا عشواء في دين أحمد غداة لهم شيطان أغوائهم نـزع
فيا رب لا تمهل وخذ كل مارق عن الدين مغلول الوظيف إلى الرسغ
بدولة حتى يحسم الجـور ربهـا بفرسان صدق لا تحيد ولم ترغ
فيملأ وجه الأرض عدلاً بسيفـه كما ملئت ظلماً بسيف بني الوزغ
من القوم أبناء الرسالة لم تسـق قوافي الثنا إلا إليهم ولـم تصـغ
على أنه والله لـن يبلـغ الفتـى مداهم بنثر أو بنظـم وإن نبـغ
إذا صدعت آي الكتاب بمدحهـم فماذا يقول المرء فيهم وإن بلـغ
عليهم من الرب الجليل صلاتـه وتسليمه ما غاب نجم وما بـزغ
وله غير ذلك ما يكاد يستوفي الحروف فيهم عليهم السلام.

ولد سنة ألف ومائتين وإحدى وثلاثين.

وتوفي سنة ثلاثمائة وأربع بالنجف، رحمه الله تعالى.
505

الكاظم بن الحسن بن سبتي، النائح الذاكر النجفي

أديب محاضر، وذاكر تزدان بخطابته المنابر، وشاعر تشهد له الأقلام والمحابر، إن صعد خطيباً ضمخ المنبر طيباً، فهو كما قال فيه الشاعر:
عربـي لـه فصاحـة سحبـان ذكـي لــه ذكــاء إيــاس
مدحه فـي بنـي النبـوة لا بـا لعبشميـن أو بنــي العبــاس
تتمنـى منابـر الذكــر أن لا يرتقـي غيـره مـن الجلـاس
اجتمعت به ورأيته فرأيت منه الحديد القلب، الخفيف الطبع، الهش المحيا، الظريف، إلى تقى وديانة. فمن شعره:
وافى كتابك فاستفـز صبابتـي وأهاج نار الوجد بين ضلوعـي
فبكت لـه عينـاي لا بمدامعـي لكن جرى قلبي بفيض دموعـي
ومن شعره في الذهب وكله فيه، وله ديوان كبير في المراثي الإمامية قوله:
أما والحمى يا ساكني حوزة الحمى وحامية إن أخنى الزمان وإن جارا
فإن أميـر المؤمنيـن مجيركـم وإن كنتم حملتـم النفـس أوزارا
ومن يك أدنى الناس يحمي جواره فكيف لحامي الجار أن يسلم الجارا
وقوله مشطراً البيتين المشهورين:
(بزوار الحسين خلطت نفسـي) ليشفع لـي غـداً يـوم المعـاد
وصرت بركبهم أطوي الفيافـي (لتحسب منهـم عنـد العـداد)
(فإن عدت فقـد سعـدت وإلا) فقــد أدت حقوقــاً للــوداد
وإن ذا لـم يعـد لهـا ثوابــاً (فقد فـازت بتكثيـر السـواد)
وقوله مخمساً لهم:
زكا بالمصطفى والآل غرسـي وحبهـم غـدا دأبـي وأنسـي
لحشري قد ذخرتهـم ورمسـي (بزوار الحسين خلطت نفسي
لتحسب منهم عند العداد)
506
نظرت إلى القوافل حيث تتلـى حثثت مطيتـي والقلـب سـلا
تبعت الركب شوقاً حيـث حـلا (فإن عدت فقد سعدت وإلا
فقد فازت بكثير السواد)
وقوله وقد سقط رجل من قبة الكاظمين عليهم السلام فتعلق بالهواء سنة 1320 هجرية:
إلهي بحب الكاظميـن حبوتنـي فقويت نفسي وهي واهية القوى
بجودك فاحلل من لساني عقـدة لأنشر من مدح الإمامين ما انطوى
نويت وإن لم أشف من شانيهمـا شجوني منهم أن للمرء ما نـوى
لمرقد موسى والجواد برغمهـم أجل من الوادي المقدس ذي طوى
هوى إذ أضاء النور من طوره امرؤ كما أن موسى من ذرى الطود قد هوى
ولكن هوى موسى فخر إلى الثرى ولما هوى هذا تعلق فـي الهـوا
وقوله من قصيدة فاطمية:
قضى المصطفى نحباً ومن قبل دفنه دهى الدين من دهم الخطوب فضيعها
هي الواقعة العظمى أطلت على الهدى فهد قوى الهادي النبي وقوعهـا
وكرت على الكرار ليثاً تقحمـت عرنينه حتـى استبيـح منيعهـا
فغيب منها الحتف شمس هدايـة تحندس أفق الدهر لولا طلوعهـا
فلا هجعت للدهر عيـن وقلبهـا ذكا وجده والعين بان هجوعهـا
وتزوج بثيب على امرأتين، فداعبه السيد جعفر الحلي المترجم قبلاً بقوله:
بشراك في لؤلـؤة قـد ثقبـت أحسن مـن لؤلـؤة لـم تثقـب
ومهرة وطـا شخـص ظهرهـا أحسـن مـن جامحـة لتركـب
ومنهج قد سلكـت فيـه الخطـا أحسن من نهـج جديـد متعـب
507
وقد وجدنـا فـي الكتـاب آيـة قـدم فيهـا اللـه ذكـر الثيـب
اسم العجوز في المقـال طيـب لأنـه وصـف لبنـت العنـب
مـرت عليهـا أربعـون حجـة فهي إذن كالصـارم المجـرب
عرفهــا الدهــر تقلباتــه فاستصفهـا عارفـة التقلــب
ومـن يسـب الثيبـات سائنـي كأنمـا سـب أبـي ومذهبــي
خديجـة بنـت خويلـد علــى مـا نقلـوا أعـز أزواج النبـي
بـك الأثافـي كملـت ثلاثــة ففز بهـا كالمرجـل المنصـب
ولد سنة ألف ومائتين وخمس وخمسين تقريباً في النجف، وهو اليوم بها حي يحيي مآتم الحسين بين الشيعة ويذكرهم تلك الوقيعة سلمه الله تعالى.

ثم توفي في ربيع الأول سنة 1342 هجرية ألف وثلاثمئة واثنتين وأربعين في النجف ودفن بها وقلت في تأريخه:
قد أصبح المنبـر فـي وحشـة قلب الصفا منهـا المصفـى رق
قلـت لـه مالـك فـي دهشـة فقـال أرخ: (كاظـم فــارق)

الكاظم بن الصادق بن أحمد الحائري المعروف بالهر

كان فاضلاً مشاركاً أديباً ظريفاً، حسن الفكاهة والحديث، خفيف الطبع على جسامة الأعضاء، رقيق القلب فوق العادة، وكان شاعراً منسجم الألفاظ سهلها، رأيته وهو شيخ فرأيته يذوب ظرافة، ويتقطر لطافة، ويتصابى غراماً، إلى تقى وديانة ونسك.

كتب إليه المرتضى بن العباس بن الحسن بن الشيخ جعفر يداعبه في سمنه، وقد مر عليه في أيام الشتاء وهو لابس لباس الربيع:
قد لبـس الكاظـم بـرداً يقـي من شـدة البـرد ومـن باسـه
برداً مـن اللحـم بـلا لحمـة ولا سدىٌ مـن صنـع أفراسـه
508
فتأثر من البيتين على كثرة مزاحه ومراحه.

فمن شعره قوله:
هاجنـي مـن حــل نجــداً لا هـوى سلمــى وسعــدى
إن لــي خشفــاً غريـــراً أخجــل الأغصــان قــدا
ورعــى اللـــه غـــزالاً أبـــداً يقنـــص أســـدا
لا يـــرى إلا فــــؤادي لحســام اللحــظ غمـــدا
عقــرب الأصــداغ منــه حرســـت للخــــد وردا
وببـــرق الثغــــر أورى بحشــا المفتــون زنـــدا
عندمــي الخـــد ألمـــى مـن دمــي عنــدم خــدا
أفتــدي ظبيـــاً ملـــولاً مـا رعـى للشــوق عهــدا
مــا لــه بعــد التدانــي للتنائــي قـــد تصـــدى
هـل نســى ليــلاً بنجــد يـا سقــى الهتــان نجــدا
فــي ريــاض زاهــرات عبقــت شيحــاً ورنـــدا
كـم بهـا سامــرت بــدراً مســدلاً كالليــل جعـــدا
واعتنقــت القــد غصنــا واحتسيـت الريــق شهــدا
ومن شعره في المذهب قوله مادحاً النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم:
غيداء من بيـض الملـاح رداح تلوي عنان القلب وهـي جمـاح
كم ذا أكتم صبوتـي فيهـا وذا دمعي السفوح لصبوتي فضـاح
مهما تنسمت الصبا سحراً فلـي قلـب كخفـاق النسيـم متـاح
بالله يـا قلبـي المتيـم بالظبـا كم فيك من ألم الغـرام جـراح
طعنتك من هيف القدود رمـاح وبرتك من نجل العيون صفـاح
وسبتك من خود الغواني غـادة فيهـا دمـاء العشقيـن تبــاح
509
تختال من مرح الدلـال بقدهـا ويروق من ذات الدلـال مـراح
نشوانة الأعطاف من خمر الصبا رجراجة الـأرداف فهـي رداح
للكاعب النهدين شوقـي وافـر ومديد طرفـي نحوهـا طمـاح
فالمنحنى ضلعي وأحشائي الغضا وعقيـق وادي أدمعـي نضـاح
ريحانة الصب المشوق وروحـه سيان عذب رضابهـا والـراح
رقت شمائلهـا وراق منظرهـا وزها بروض خدودهـا التفـاح
محمرة لـون الشقيـق تخالهـا فيها احمرار دمي المراق مطاح
نشرت ذوائب جعدهـا فكأنمـا نشـر العبيـر بنشرهـا فيـاح
وتظللـت ليـلاً بهيمـاً تحتـه خد تشعشع مـن سنـاه صبـاح
ماست كغصن البان رنحه الصبا قلبـي عليـه طائـر صــداح
هذا أبـو لهـب بوجنـة خدهـا أورى الحشا والأدعـج السفـاح
جال الحمام بمهجتي لمـا غـدا في خصرها الواهي يجول وشاح
هيفـاء أمـا قدهـا فشقيقــه بهـرت وأمـا ثغرهـا فأقـاح
حرست أنيق الوردتيـن بناظـر ومـن النواظـر أهبـة وسلـاح
فتكت بأبناء الصبابـة والهـوى ما ليس تفتكـه ظبـا ورمـاح
فتكت كفتك يـد الزمـان فإنـه زمن بجائـر صرفـه ملحـاح
قامت على ساق حروب صروفه ولها بحنيتـي الضلـوع كفـاح
كم ذا ألين لهـا فتقسـو جانبـاً وأروم أسلاسـاً وهـن جمـاح
أو ما درت أني بذكر المصطفى من كـل طارقـة الهـوان أراح
ويطيب لي العيش الرغيد يحوطه من جانبيـه السعـد والإنجـاح
وأفوز بالدنيـا والأخـرى معـاً تترى إلـي بصفوهـا الـأرواح
يا صاحبي إلا اسعداني وانعشـا روحي بمن طابت به الـأرواح
510
في طيبة طاب الحديث وقد صفا صفو المسرة والحشـا يرتـاح
يا مرقداً ما انفك أملـاك السمـا ولهـم غــدو عنــده وراح
وضريح قدس قد تسامى شأنـه وبه سما فوق السمـاء ضـراح
باهى السما فخراً إذا مـا زانهـا زهر بساطـع نورهـا وضـاح
فلقد علاها مـع رفيـع مقامهـا شرف كمنبلج الصباح صـراح
إذ فيك أقصى غاية الشرف الذي رب السمـاء لشأنــه مــداح
يا سر خلق الكائنـات بأسرهـا لولاك مـا لأشبـاح والـأرواح
حارت بوصف فخارك المـداح وتقاصر الإيضـاح والإفصـاح
حاشا ثنائـك أن يحـاط بكنهـه يا من به كتب السمـاء فصـاح
ما أنت إلا غامض السر الـذي آي المهيمـن مـا لـه إيضـاح
لولاك آدم مـا اصطفـاه ربـه ولمـا أتتـه قــوة وسمــاح
ولفلك نوح أنـت فلـك نجاتـه لولاك نوح طـال منـه نـواح
وبك استجاب دعاء أيوب الـذي قد مسه ضـر الضنـا اللفـاح
وكذا حليـف شجونـه يعقوبهـا عنـه بجاهـك ولـت الأتـراح
وبك الكليم غـدا الكليـم لربـه وإليـه أسـرار العلـوم تبـاح
وبجاهك السامي لعيسى قد غدت تحيى عقيب مماتهـا الأشبـاح
وضحت كبدر التم منك مناقـب والبـدر عنـد تمامـه وضـاح
وبليلة الإسراء كم لـك مفخـر تعبت بشـرح يسيـره الشـراح
سبحان من أسرى بشأنـك آيـة منها تشعشع في علـاك صبـاح
ومن القداح لك المعلـى حينمـا بين الكرام الرسل جـال قـداح
ولقد كفى في قاب قوسين الـذي فيـه لآيـة مجـدك الإيضـاح
يا خير كل المرسلين ومـن بـه بلوى جميـع العالميـن تـزاح
511
ولو استمـاح الخافقـان نوالـه لجرى عليهـا غيثـه السمـاح
حاشا مكارمك التي عن بعضهـا ضاقت فجاج الأرض وهي فساح
إن ترجع اللاجي بخيبـة آيـس ويفوتـه ممـا لديــه فلــاح
هيهت ييأس من نداك وقد جرت منه البحـار وغمرهـا طفـاح
هبنا فقد عظمت كبائـر جرمنـا وتسـودت بسوادهـا الألــواح
فلأنت للعاصين أعظـم شافـع وإلى رضـا رب السمـا منـاح
أفهل سواك لكـل بـاب مقفـل ولفتـح أبـواب المنـى مفتـاح
وله ديوان شعر وفيه من المدائح الأمامية والمراثي أيضاً ما يطول به الكتاب لو ذكرناه، ولكن هذا نموذج شعره.

توفي رحمه الله سنة ألف وثلاثمائة وثلاثين في كربلاء ودفن بها عن عمر يقدر بالستين فأكثر، رحمه الله.

كاظم بن محمد بن عبد الصمد بن مراد البغدادي الأرزي

كان فاضلاً، يزل الفكر أن يصل إلى سمته، وتقصر العبارة عن صفته ونعته، وأديباً أقسم الأدب بالمثاني، أن لا يكون له في عصره ثاني، وشاعر حلو صياغة الألفاظ، فخم جزالة المعاني، بديع صناعة المقاصد، أكثر من مدائح أهل البيت عليهم السلام ومراثيهم حتى عد من صنايعهم، وكان محترم الجانب عند الوزراء في بغداد والأشراف فمن دونهم، معروفاً عند العراقيين، محترم الجانب، طائر الصيت، وكان أخواه محمد الرضا ويوسف دونه في ذلك، فمن شعره قوله:
واغن لـو زج السمـاء بنظـرة مادت كواكبهـا كمـود رمـال
قنـاص أسـد الغـاب إلا أنـه يرنو بأحور من جفـون غـزال
512
خاض الورى من شعره وجبينه بحرين بحر هدى وبخر ضلـال
وقوله من قصيدة خمسها الراضي بن الصالح القزويني المترجم قبل:
أي عـذر لمـن رآك ولا مــا عميت فيـه عينيـه أم تعامـى
أو ما تنظـر اللواحـظ تهـدي سقماً والشفـاه تشفـي السقامـا
جمع الله فيك مختلفات الحسـن جمعـاً وقـال كونـي غلامـا
بأبي أنت مـن غـزال ملـول لم يـدم عهـده إذ الظـل دامـا
إن تصلني فصـل وإلا فعدنـي ربمـا علـل السـراب الأوامـا
لا تقسني بالورق يا غصن إنـي أنا من علـم النـواح الحمامـا
كم غليل أطفـاه دمعـي ولكـن حمى الماء فاستحـال ضرامـا
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب هائيته التي مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تناهز الألف، وكانت نسخة الأصل أكلت بعضها الأرضة فأخذ الباقي السيد صدر الدين العاملي الآتي ترجمته فأصلحها ورتبها، وخمسها الشيخ جابر على نسخة الصدر العاملي وهي مشهورة مطبوعة مراراً لا تحتاج أن ننقل منها، ولكن نذكر غيرها. فمنه قوله مخمساً قول بعضهم:
يا كراماً هـم غـذاء المغتـدي بثراهم ينجلي الطـرف القـذي
كيف أخشـى وولاكـم منقـذي (يا بني الزهراء والنـور الـذي
ظن موسى أنه نار قبس)
قد أخذتـم مـن يـدي مولاكـم حجـة الأمـن لمـن والاكــم
وبهـذا الشـأن مـذ أولاكــم (صح عنـدي أن مـن عاداكـم
إنه آخر سطر من عبس)
وقوله في حسينية مشهورة أوله:
513
إن كنت في سنة من غارة الزمن فانظر لنفسك واستيقظ من الوسن
لا تنفق النفس إلا في بلوغ عـلاً فبائع النفس فيها غير ذي غبـن
ودع مصاحبة الدنيا فليـس بهـا إلا مفارقـة السكـان للسكــن
وكيف يحمد للدنيـا صنيـع يـد وغاية البشر فيها غاية الحـزن
ألا تذكرت أيامـاً بهـا ظعنـت للفاطميين أظعان عـن الوطـن
أيام طـل مـن المختـار أي دم وأدميت أي عين من أبي الحسن
يقول فيه:
لله حملتـه لـو صادفـت فلكـاً لخر هيكله الأعلى علـى الذقـن
يفري الجيش بسيف غير ذي ثقة على النفوس ورمح غير مؤتمن
وعزمة في عرى الأقدار نافـذة لو لاقت الموت قادته بلا رسـن
حتى إذا لم تصب العدى منه غرضاً رموه بالنبل عن موتورة الظعن
فانقض عن مهره كالشمس عن فلك فغاب صبح الهدى في الفاحم الدجن
وأصبحت ظلمات الشرك محدقة من الحسين بذاك النير الحسـن
قل للمقادير قد أبدعـت حادثـة غريبة الشكل ما كانت ولم تكـن
يا سيداً كان بدء المكرمات بـه كالشمس تبدأ بالأعلى من القنـن
من مبلغ سوق ذاك اليوم أن بـه جواهر القدس قد بيعت بلا ثمن
أقول والنفـس مرخـاة أزمتهـا يقودها الوجد من سهل إلى حزن
مهلاً فقد قربت أوقات منتظـر من عهد آدم منصور على الزمن
قرم يقلد حتـى الوحـش منتـه وابن النجابة مطبوع على المنـن
يا من بحبهم ترجى النجاة غـداً ولجة البحر لم تركب بلا سفـن
طوبى لحظ محبيكم فقد حصلـوا على نصيب بقرن الشمس مقترن
يا قادة الأمر حسبي أنس ودكـم في وحشة الحشر يرعاني ويؤنسني
514
ظفرت بالأمر إذ يممـت مالكـه وصعب نيل المنى سهل على الفطن
يا من بقدرهم الأعلى علت مدحي والدر يحسن منظوماً على الحسن
جاءت تهادي من الأزري خالية من اجتلى حسنها الفتـان يفتتـن
ثم الصلاة عليكم ما بـدا قمـر فانجاب عنه حجاب الغارب الدجن
وهي طويلة، وله غيرها كثير.

توفي سنة ألف ومائتين وعشرة ببغداد، ودفن بالكاظمية عند القبر المنسوب إلى المرتضى رضي الله عنه وأهله معه رحمهم الله.

كعب بن زهير بن أبي سلمى بن رباح بن قوة بن الحارث بن مازن ابن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن الأصم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار

كان من فحول الشعر المخضرمين، وكان يقول أشعر الجاهلية زهير، وأشعر المسلمين كعب.

قال هشام بن إسحاق: قال زهير بيتاً ونصفاً ثم أكدى فمر به النابغة فقال: يا أبا أمامة أجز:
تراك الأرض إمـا مـت خفـاً ونحيى إن حييـت بهـا ثقيـلا
نزلت بمستقر العز منها
فأكدى وأقبل كعب وأنه لغلام، فقال له أبوه: يا بني أجز فأنشد:
فتمنع جانبيها أن تزولا
فضمه إليه وقال: أشهد إنك ابني حقاً.

وروى أصحاب السير: إن كعباً وبجيراً إبني زهير خرجا إلى أبرق العزاف فقال
515
بجير لكعب: اثبت في غنمي حتى آتي هذا الرجل، يعني النبي صلى الله عليه وسلم فأسمع كلامه، وأعلم ما عنده، فأقام كعب ومضى بجير إلى النبي، فسمع كلامه وآمن به، فبلغ ذلك كعباً فغضب وقال:
ألا أبلغا عنـي بجيـراً رسالـة فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
سقاك بها المأمون كأساً رويـة وأنهلك المأمـون منهـا وعلكـا
ففارقت أسباب الهـدى واتبعتـه على أي شيء ويب غيرك دلكـا
على مذهب لم تلق أماً ولا أبـاً عليه ولم تعرف عليه أخـاً لكـا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسـف ولا قائل أما عثـرت لعـا لكـا
وأرسل بها إلى بجير، فأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم فلما سمع قوله المأمون، قال: مأمون والله، ولما سمع قوله - على مذهب - قال: أجل لم يلق عليه أباه ولا أمه، ثم قال: من لقي منكم كعباً فليقتله، وذلك عند انصرافه صلى الله عليه وسلم من الطائف، فكتب إليه أخوه يخبره عن ذلك بهذه الأبيات:
أمن مبلغ كعباً أهل لك في التـي تلوم عليها باطلاً وهـي أخـرم
إلى الله لا العزى ولا اللات وحده فتنجو إذا كـان النجـاء وتسلـم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلـت من الناس إلا طاهر القلب مسلـم
فدين زهير وهو لا شيء دينـه ودين أبي سلمى علـي محـرم
وكتب معها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمك، وأنه قتل رجالاً بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش كابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كل وجه، فما أحسبك ناجياً، فإن كان لك في نفسك حاجة فطر إليه، فإنه يقبل من أتاه تائباً، ولا يطالبه بما تقدم قبل الإسلام، فلما بلغ ذلك كعباً أتى مزينة لتجيره من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبت عليه، فضاقت عليه الأرض، وأرجف به عدوه، أنه مقتول، فعمل قصيدته
516
المشهورة وأتى إلى المدينة فنزل على رجل من جهينة فأشار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفة التي وصفها له الناس، وكان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه مثل موضع المائدة يتحلقون حوله حلقة حلقة، فيقبل على هؤلاء فيحدثهم، فقام إليه حتى جلس بين يديه، فوضع يده في يده، ثم قال: يا رسول الله إن كعب بن زهير جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال: نعم، فقال: يا رسول الله، أنا كعب. قال: الذي يقول ما يقول؟ قال: نعم، وأنشده قوله:
بانت سعاد فقلبي اليـوم متبـول متيم أثرهـا لـم يفـد مكبـول
وما سعاد غداة البين إن رحلـوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت كأنـه منهـل بالـراح معلـول
يقول فيه:
أنبئت أن رسول اللـه أوعدنـي والعفو عند رسول الله مأمـول
مهـلاً هـداك الـذي نافلــة القرآن فيها مواعيـظ وتفصيـل
لا تأخذني بأقوال الوشـاة ولـم أذنب وإن كثرت فـي الأقاويـل
إني أقوم مقاماً لـو يقـوم بـه أرى وأسمع ما لو يسمع الفيـل
لظل يرعـد إلا أن يكـون لـه من النبـي بـإذن اللـه تنويـل
ومنه:
إن الرسول لنور يستضـاء بـه مهند من سيـوف اللـه مسـول
في عصبة من قريش قال قائلهم ببطن مكة لما أسلمـوا زولـوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف عند اللقـاء ولا ميـل معازيـل
وهي طويلة، فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردته، فبقيت عنده، فبذل له بها معاوية عشرة آلاف فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه
517
وسلم، فلما مات أخذها من ورثته وبعث إليهم بعشرين ألف.

ومن شعره في المذهب مارواه الشيخ المفيد في العيون والمحاسن، والشريف المرتضى في الفصول المختارة، وابن شهر آشوب في المناقب وهو قوله:
صهر النبي وخير الناس كلهـم فكل من رامه بالفخـر مفخـور
صلى صلاة مع المختار أولهـم قبل العباد ورب الناس مكفـور
توفي في حدود الخمس والأربعين، رحمه الله تعالى ورضي عنه.

الكميت بن زيد بن حبيش بن مجالد بن وهب بن عمرو بن سبيع بن مالك ابن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد، أبو المستهل الأسدي

كان خطيبا فقيهاً حافظاً للقرآن، ثبت الجنان، كاتباً حسن الحظ، نسابة متكلماً فارساً رامياً، شجاعاً سخياً شاعراً، قد اجتمع فيه اثنتا عشرة خصلة، كما ذكره بعضهم.

وكان شاعر أهل البيت، ولا بدع في سبق الكميت كم رفع يديه الصادق، أبو عبد الله جعفر وقال: اللهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان مدح آل محمد صلى الله عليه وسلم بالهاشميات السبع، وهجا اليمن بقصيدته المعروفة ليفرق بها بين جند بني أمية من النزاريين واليمانيين، فغضب خالد ابن عبد الله القصري فابتاع جواري حفظهن الهاشميات، وبعث بهن إلى هشام بن عبد الملك فاستنشدهن فأنشدن الهاشميات، فسألهن لمن؟ قلن للكميت، فطلب رأسه من خالد كما تمنى، فأرسل إليه وحبسه، فعلم يحيى بن يعمر العدواني وكان صديقاً له وشيعياً، فأرسل امرأة الكميت إلى الحبس وقال لها: ليلبس ثيابك ويخرج، وأنت لا بأس عليك، ففعلت وخرج هارباً، ومنعها قومها، ثم ذهب إلى الشام واستجار بقبر
518
معاوية من هشام ضارباٌ عليه خيمته، فذهب ولده فقيدوا أنفسهم معه، فلما علم هشام به طلبه، فأدخلوا جميعاٌ على هشام مقيدين، فنظرهم وهم يقولون: استجار بقبر أبينا فاعف عنه واقتلنا معه، فعفا عنه لحبه معاوية أباهم، فخطب الكميت خطبة بليغة ارتجل بها من الشعر ما طاب به خاطره، فأجازه وأكرم مثواه ومنقلبه، فكتب إلى خالد أن لا يتعرضه بسوء، فرجع إلى البصرة، فمن شعره قوله:
ألا لا أرى الأيام يفنى عجيبهـا لطول ولا الأحداث تفنى خطوبها
ولا غير الأيام يعـرف بعضهـا ببعض مـن الأقـوام إلا لبيبهـا
ولم أرى قول المـرء إلا كنبلـه له وبـه محرومهـا ومصيبهـا
وما غيب الأقوام عن مثل خطةٍ تغيب عنها يوم قيلـت أريبهـا
وأجهل جهل القوم ما في عدوهم وأردأ أحلـام الرجـال غريبهـا
وما غبن الأقوام مثـل عقولهـم ولا مثلها كسبـاً أفـاد كسوبهـا
وهل يعدون بين الحبيب فراقـه نعم داء نفس أن يبيـن حبيبهـا
ولكن صبراً عن أخٍ لك صابـرٌ عزاءً إذا ما النفس حن طروبها
رأيت عذاب الماء إن حيل دونها كفاك لما لا بـد منـه شروبهـا
ولو لم يكن إلا الأسنـة مركبـاً فما حيلة المضطر إلا ركوبهـا
ومن هاشمياته قوله:
نفى عن عينك الأرق الهجوعـا وهـم يمتـري منهـا الدموعـا
دخيل في الفـؤاد يهيـج سقمـاً وحزناً كان من جـذل منوعـاً
ولو كان الدموع علـى اكتئـاب أحل الدهر موجعـه الضلوعـا
ترقـرق أسجمـاً درراً وسكبـاً يشبـه سحهـا غربـاً هموعـاً
لفقدان الخضـارم مـن قريـش وخيـر الشافعيـن معاًشفيعــا
519
لدى الرحمن يصـدع بالمثانـي وكان له أبـو حسـن مصيعـا
حظوظاً فـي مسرتـه ومولـى إلـى مرضـاة خالقـه سريعـا
وأصفاه النبـي علـى اختيـار بما أعيى الرفوض لـه المذيعـا
ويوم الـدوح دوح غديـر خـم أبان لـه الولايـة لـو أطيعـا
ولكـن الرجــال تبايعوهــا فلم أرى مثلهـا خطـراً مبيعـا
ولم أر مثـل ذاك اليـوم يومـاً ولـم أر مثلـه حقـاً أضيعــا
فلـم أبلـغ بهـا لعنـاً ولكـن أسـاء بـذاك أولهـم صنيعـا
فصـار بـذاك أقربهـم لعـدل إلى جـور وأحفظهـم مضيعـا
أجـاع اللـه مـن أشبعتمــوه وأشبـع مـن بجوركـم أجيعـا
ويلعـن فـذ أمتــه جهــاراً إذا سـاس البريـة والخليعــا
بمأمـون السياسـة هاشمــي يكـون حيـاً لأمتـه ربيعــا
وليثاً في المشاهد غيـر نكـس لتقويـم البريــة مستطيعــا
يقيـم أمورهـا ويـذب عنهـا ويتـرك جدبهـا أبـداً مريعـا
وهاشمياته مطبوعة فلا نحتاج إلى الإكثار منها.

ولد الكميت بالكوفة أيام مقتل الحسين عليه السلام.

وتوفي شهيداً سنة ست وعشرين ومائة بالكوفة في خلافة مروان بن محمد، وكان سبب قتله أن الجعفري خرجت على خالد القسري، وكان خالد على المنبر يخطب فأعلم بهم فدهش وارتج عليه فلم يدر ما يقول فزعاً، ثم قال: أطعموني ماء، ولما أخذوا، ثم عزل خالد فولي العراق يوسف بن عمر الثقفي، ودخل عليه الكميت فأنشده والجند على رأسه وكانوا صنائع خالد القسري:
خرجت لهم تمشي البراح ولم تكن كمن حظه فيه الرتاج المضبـب
وما خالد يستطعم الماء فاغـراً بعدلك والداعي إلى الموت ينعب
520
فغضب الجند لخالد وكانوا ثمانية، فقالوا للكميت: ألا تستأذن الأمير فتنشد، ثم وضعوا أنصال سيوفهم في بطنه فرجوه فنزف دماً إلى أن مات رحمه الله.

وكان مبلغ شعره حين مات خمسة آلاف ومائتين وتسعة وثمانين بيتاً.

قال المستهل بن الكميت: حضرت أبي وهو يجود بنفسه فأغمي عليه ثم أفاق وهو يقول: اللهم آل محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، ثم قال: يا بني بلغني في الروايات أنه يحفر بظهر الكوفة خندق منه الموتى من قبورهم وينبشون فيحولون إلى قبور غيرهم، فلا تدفني في الظهر، ولكن إذا مت فامض إلى موضع يقال له مكران فادفني فيه، فدفنته به، فكان أول من دفن به، ثم صار مقبرة الأسد.
521

حرف اللام

لطف الله بن عبد الكريم بن إبراهيم بن علي بن عبد العالي العاملي الميسي الأصفهاني

كان فاضلاً جامعاً، ومصنفاً أديباً بارعاً، وكان معتمداً عند الشيخ بهاء الدين العاملي رحمه الله في الفتوى، وكان حسن التصنيف، حسن الشعر، له في الأئمة شعر، عثرت له على عدة قصائد في الأئمة عليهم السلام في مجاميع، وفي كنز الأديب، فمن شعره في المذهب قوله في حسينية:
أهلال شهر العشر مالك كاسـف حتى كأنك قـد كسيـت حـدادا
أفهل علمت بقتل سبـط محمـد فلبست من حزن عليـه سـوادا
وأنا الغريب ببلدة قـد صيـرت أيام حـزن المصطفـى أعيـادا
فليبلـغ الأعـداء عنـي حالـة ترضي العداة وتشمت الحسـادا
األم شمل الصبر بعـد عصابـة راحوا فرحن المكرمـات بـدادا
سبقوا الأنام فضائلاً وفواضـلاً ومآثـراً مفاخــراً وســدادا
من كل وتر أن يسـل حسامـه راحت جمـوع عداتـه آحـاده
وأخى ندى إن سال فيض بنانـه غمر الزمـان مفـاوزاً ونجـادا
فهم الأكاثر في المعالـي عـدة بين الورى وهم الأقـل عـدادا
وهذه الأبيات قالها في سفر له إلى بعض الجهات.

توفي رحمه الله سنة ألف وخمس وثلاثين، كما ذكره في الروضات على ما استظهره في تأريخ فارسي ذكره صاحب مجالس المؤمنين، ودفن في أصفهان. رحمه الله تعالى ورضي عنه.
522

حرف الميم

ماجد بن هاشم بن علي بن المرتضى بن ماجد الحسيني العريضي البحراني، أبو علي

كان من العلماء الأفاضل والسادة الأماثل، وكان هو نشرة علم الحديث في شيراز.

قال السيد الجزائري: أراد محسن الفيض السفر إليه للتلمذ عليه فتفأل بالقرآن، فخرجت الآية: (فلولا نفر من كل فرقة سورة التوبة الآية 122) وبديوان أمير المؤمنين عليه السلام فخرج قوله:
تغرب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هـم واكتسـاب معيشـة وعلـم وآداب وصحبـة ماجـد
وكان خطيباً مفوهاً، أنشأ تلميذ له بشيراز خطبتي الجمعة، فصعد المنبر فلم يجد الورقة التي كتبها فيها، فارتج عليه، فصعد مكانه وارتجل خطبة بليغة ثم ختمها يقول:
ناشدتك الله إلا ما نظـرت إلـى صنيع ما ابتدأ الباري وما صنعا
تجد صفيح سماء مـن زمـرده خضراء فيها فريد الدر قد رصعا
ترى الداري يدانين الجنوح فمـا يجدن غب السرى عياً ولا ضلعا
والأرض طاشت فلم تسكن فوقرها بالراسيات التي من فوقها وضعا
فقر باذخها من بعد مـا امتنعـا وانحط شامخها من بعد ما ارتفعا
وارسل الغاديات المعصرات لها فقهقهت ملأ فيها وانكست خلعـا
هذا ونفسك لو رام الخبيـر بهـا لارتد عنها كليل الطرف وارتدعا
وليس في العالم العلوي من أثـر يحير اللب إلا فيـك قـد جمعـا
وهذه الأبيات لو صدرت عن روية لكانت كثيرة.

وكان شاعراً بارعاً، وهو الذي يقول أبو البحر الخطي فيه:
523
إذا شئت جاراني جوادان منهمـا الفتى حسن والشاعر الفحل ماجد
سمر الخطي ليلة عند السيد ماجد وكانت السماء دكناء الجلباب، فقال الخطي:
توشحـت السمـاء ببـرد غيـم فأجمـل بالموشـح والوشــاح
فقال السيد ماجد:
فقم وانهض إلى عصر التصابي فليس عليـك فيـه مـن جنـاح
فقال الخطي:
أمط قدم الثوانـي واجـل منهـا بآفـاق الشمـوس كـؤوس راح
فقال السيد ماجد:
كميـت إن تشـب بغيـر مـاء يسكن ما اعتراها مـن جمـاح
فقال الخطي:
تولـد فوقهـا حبـب إذا مــا تغشاهـا فتـى المـاء القـراح
فقال السيد ماجد:
وتنزل من فم الميـزاب نبضـاً كما نبض الدماء مـن الجـراح
فقال الخطي:
بكف مخضب الكفيـن رخـص فسادي فـي محبتـه صلاحـي
فمن شعره قوله في قارئ للقرآن مليح:
وتال لآي الذكر قد وقفـت بنـا تلاوته بين الضلالـة والرشـد
بلفظ يسوق الزاهدين إلى الخنـا ومعنى يشوق الفاسقين إلى الزهد
وقوله من قصيدة أوله:
طلعت عليك المنذرات البيـض وابيض منك الفاحم الممحـوض
صرحن منـك بالنـذارة بعدمـا لم يغنهـا الإيمـاء والتعريـض
ست مضين وأربعون نصحن لي ولمثلهن على التقـى تحريـض
524
وافى المشيب مطالبـاً بحقوقـه وعلي من قبل الشباب قـروض
أيقوم أقـوام بمسنـون الصبـا متوافـراً ويفوتنـي المفـروض
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله في حسينية أوله:
بكى وليس على صب بمعـذور من قد أطل عليه يـوم عاشـور
يا حسرة قد أطالت في الحشا شغفاً وقصرت في العزا عنه معاذيري
وشجو قلب على الأشجان محتبس وجفن طرف على التسهاد مقصور
يقضي الحسين ولم تبرد جوانحه والماء يكرع منه كـل خنزيـر
ذا غلة في هجير الصيف حامية وجانب من سحيق الدار مهجور
بنت النبي إلى قومي الغداة إلـى باز تنشب في مخلاب عصفـور
قومي إلى الصقر لم يظفر بسرب قطا بل عدن من دمه حمر المناقيـر
وهي طويلة، وله غيرها كثير، وله كتب كثيرة مصنفة وديوان شعر، وكان في إحدى عينيه نكتة أصيب بها في صغره.

توفي سنة ألف ومائة وثمان وعشرين، لتسع بقين من رمضان بشيراز ودفن بها.

والعريضي نسبة إلى جده علي بن جعفر الصادق صاحب المسائل النازل بالعريض قرية قرب المدينة.

مالك بن التيهان ابن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعوراء بن جشم ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، أبو الهيثم بن التيهان

كان صحابياً عقبياً بدرياً، شهد مشاهد النبي والوصي، وكان خطيباً شاعراً، فمن شعره قوله لعلي عليه السلام:
إن قوماً بغـوا عليـك وكـادو ك وعابـوك بالأمـور القبـاح
525
ليس من عيبها جنـاح بعـوض فيـك حقـاً ولا لعشـر جنـاح
أبصروا نعمة عليك مـن اللـه وقرمـاً يـدق فحـل النطـاح
وإمامـاً تـأوي الأمـور إليـه ولجاماً يليـن غـرب الجمـاح
كل مـا تجمـع الإمامـة فيـه هاشمياً لـه عـراض البطـاح
حسدوا للـذي أتـاك مـن اللـه وعـادوا إلـى قلـوب قـراح
. . . . . حجــب الغيـــب ومـن مظهـر العـداوة لــاح
يا وصي النبي نحن من الحـق علـى مثـل بهجـة الإصبـاح
فخذ الأوس والقبيل في الخزرج بالطعن فـي الوغـى والكفـاح
ليس منا من لم يكن لك في اللـه ولـي علـى الهـدى والفلـاح
وقوله في الجمل:
قل للزبير وقـل لطلحـة أننـا نحن الذيـن شعارنـا الأنصـار
نحن الذين رأت قريـش فعلنـا يـوم القليـب أولئـك الكفـار
نحـن شعـار نبينـا ودثــاره يفديه منـا السمـع والأبصـار
إن الوصـي إمامنـا وولينــا برح الخفاء وباحـت الأسـرار
قتل في صفين مع علي سنة سبع وثلاثين من الهجرة، وأبنه أمير المؤمنين بخطبه.

مالك بن الحارث بن عبد بن يغوث ابن مسلمة بن ربيعة بن خزيمة بن سعد بن مالك بن النخع بن علة بن خالد بن مالك بن أدد، المعروف بالأشتر

كان تابعياً فارساً، شجاعاً ديناً، من أكابر الشيعة وعظمائها، شديد الموالاة لأمير المؤمنين عليه السلام، وما يقال فيمن قال فيه أمير المؤمنين: رحم الله مالكاً، فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيه مالك وما مالك؟ لو
526
كان حجراً لكان صلداً، أو جبلاً لكان فنداً، وما يقال فيمن شهد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لأبي ذر: (تشهده عصابة من المؤمنين)، وكان فيهم مالك، وحجر بن عدي.

وكان مالك خطيباً شاعراً شهد مشاهد علي حتى مات، فمن شعره يوم الجمل قوله:
أعائش لولا أنني كنـت طاويـاً ثلاثاً لألفيت ابن أختـك هالكـا
غداة ينـادي والرمـاح تنوشـه لوقع الصياصي أقتلوني ومالكـاً
فنجـاة منـي شبعـه وشبابـه وإني شيخ لـم أكـن متماسكـا
وقوله في صفين:
بقيت وفري وانحرفت عن العلا ولقيت أضيافي بوجـه عبـوس
أن لم أشن على ابن حرب غارة لم تخل يوماً من ذهاب نفـوس
خيلاً كأمثـال السعالـي شربـاً تعدو بأسد في الكريهـة شـوس
حمـي الحديـد عليهـم فكأنـه ومضان برق أو شعاع شمـوس
وقوله:
هـذا علـي بيننـا مصبــاح أزهـر وهولــي جحجــاح
ألسننـا فـي مدحـه فصــاح وهـو أب بـر لنــا نفّــاح
فليطـب القتــال والكفــاح ولتشهـر الصفـاح والرمــاح
يـا حبـذا للجنــة الــرواح إن لم يكن فـي عيشـه فلـاح
وله في غير ذلك مما هو مذكور في أحواله بالجمل وصفين وغيرها.

توفي رحمه الله مسموماً بالعسل في طريق مصر سنة تسع وأربعين عند ذهابه إلى مصر، فقال معاوية: إن لله جنوداً منها العسل، وبكاه أمير المؤمنبن وأبنه بما هو معروف مشهور.
527

مبارك بن رميثة بن أبي نمي الحسني

كان ملكاً سرياً من سروات بني هاشم، وشريفاً من شرفائهم الأعاظم، ولي مكة شرفها الله تعالى.

جاء إلى العراق وقصد أويس في أيام سلطنته على العراق، وسار إليه إلى إيران، فأكرمه بها كثيراً، واجتمع بالحلة مع علمائها وأدبائها، وسافر بعد عودته وزيارته المشاهد إلى مكة، وذكر في عمدة الطالب بتفصيل.

وكان فاضلاً أديباً وشاعراً أديباً، فمن شعره في المذهب قوله من قصيدة فاطمية أوله:
ما لعيني قد غاب عنها كراهـا وعراها من عبرة مـا عراهـا
الـدار نعمـت فيهـا زمانــاً ثـم فارقتهـا فـلا أغشاهــا
أم لحـيّ أبانـوا بأقمـار ليـل يتجلّى الدجـى بضـوء سناهـا
أم لخود غريرة الطرف تهوانـي بصـدق الــوداد أو أهواهــا
أم لصافي المدام من لذة الطعـم عقــار مشمولــة أسقاهــا
حاش لله لسـت اطمـع نفسـي آخـر العمـر باتبـاع هواهـا
بل بكاني لذكـر مـن خصّهـا اللـه تعالـى بلطفـه واجتباهـا
يقول فيه:
أم من؟ بنت من؟ حليلـة مـن؟ وبل لمن سـنَّ ظلمهـا وأذاهـا
وفي آخره:
نح بها أيهـا الخدوعـي واعلـم إن إنشـادك الــذي أنشاهــا
لك معنى في النوح ليس يضاهي وهي تاج للشعـر فـي معناهـا
قلتهـا للثـواب واللـه يعطـي الأجر فيها من قالهـا ورواهـا
فاستمعها مـن شاعـر علـوي حسني في فضلـه لا يضاهـى
528
وهي طويلة تركتها لكثرة ما استرسل فيها من القول.

توفي في مكة شرفها الله سنة ثمانين وسبعمائة من الهجرة تقريباً.

محسن بن الحسن الحسيني الأعرجي الكاظمي، صاحب المحصول والوسائل

كان بحر علم لا يوقف له على ساحل، وسحاب فضل ينال به المحصول بأوفى الوسائل، تجرد للفضل فكان طرازه، وقطع بحقيقته المطلوبة طريقه ومجازه، كم من فاضل حضر لديه وتخرج عليه. وكان أديباً شاعراً ينظم الدر والغرر، ويتجنب المساوئ والعرر، تلمذ على السيد بحر العلوم، وشارك الشيخ كاشف الغطاء بالدرس، وصنف من الكتب ما يزري اللؤلؤ المنظوم، وله مع علماء وقته مطارحات، فمن شعره قوله رحمه الله في الوعظ:
أيــا ربــي ومعتمـــدي ويــا سنــدي وذخـــري
عســاك إذا تناهــت بــي أمـوري وانقضـى عمــري
وأسلمنــــي أحبائــــي ومــن يعنيهــم أمـــري
إلــى قفــراء موحشـــةٍ تهيــج بلابــل الصـــدر
وحيـداً ثاويـاً فــي التــر ب للخديـــن والنَّحــــرِ
وأوحـش بيــن أصحابــي مقامـي وانمحــى ذكــري
وقمـت إليـك مـن جدثــي علـى وجــل بــلا ستــر
ذليــلاً حامـــلاً ثقلـــي وأوزاري علــى ظهـــري
أفكـر مـا عســى يجــري علـــيَّ بهــــا ولا أدري
تــرى متجــاوزاً عمـــا جنيــت وراحمــاً ضــري
وتلطـف بـي لقــىً قــد ع يل من ألـم الجـوى صبـري
529
ومغســولاً علــى حدبـــا ء بالكافـــور والســــدر
ومحمــولاً علــى الأعــوا د يسعـى بـي إلـى قبــري
وتؤنـــس وحشتـــي إذ لا أنيـس سـواك فـي قبــري
وتنجينــي مــن الأهـــوا ل يــوم الحشــر والنشــر
وتحمينــي مــن النيـــرا ن ذات الوقـــد والسجـــر
وتلحقنــي ومــن أهــوى بــآل المصطفــى الغـــر
بساداتــي ومــن أعـــدد تهــم للبــؤس والضـــر
ملــوك الحشــر والنشــر وأهــل النهــي والأمـــر
وتسقينــــي بكأسهــــمُ زلــالاً مثلجــاً صـــدري
وتأمـر بــي إلــى الجنــا ت بالنعمـــاء والبشــــر
إلــى حـــور وولـــدان وأنهــار بهـــا تجـــري
ولســت أرى يقــوم بحــم لِ مـا استحققـت مـن وزري
سـوى لقيـاك فــي حبــي لنعمـت ذويـه فـي الذكــر
فيسِّرنــي لذلـــك يـــا رجائــي مالكــاً أمـــري
وخذ بـي ثـأر مـن أضحـى قتيــل عصابــة الكفـــر
حسيـن سبــط أحمــد واب ن حيـدرة الرضــا الطهــر
بجيــش القائــم المهــديْ ي ذي الإقبــال والنصـــر
وبحــر العلــم والجــدوى وفخــر المجــد والفخــر
وظــل اللـــه منبسطـــاً بـلا قبـض مــدى الدهــر
علـى أصنـاف خلـق الــل ه فـي بحــر وفــي بــر
وعيـن اللـه ترعــى النــا س فـي سـر وفـي جهــر
وترقبهــم بمـــا يأتـــو ن مـن خيـر ومــن شــر
530
وأيِّدنــي ومـــنَّ علـــيْ يْ فــي الســراء بالشكــر
وفــي الضــراء بالإيمــا ن والتسليـــم والصبــــر
ولا تقطــع رجائــي مــن ك فـي عسـر وفـي يســر
وجمِّلنـــي بستــــرك إنْ أخـذت أميـط مـن ستــري
وجللنــــي بعافيـــــة تصاحبنــي مــدى الدهــر
وقوله في حسينية أوله:
دموع بدا فوق الخدود خدودهـا ونار غدا بين الضلوع وقودهـا
أتملك سـادات الأنـام عبيدهـا وتخضع في أسر الكلاب أسودها
وتبتـز أولـاد النبـي حقوقهـا جهاراً وتدمي بعد ذاك خدودهـا
ويمسي حسين شاحط الدار نائياً يعفره فـي كربـلاء صعيدهـا
وأسرته صرعى على الترب حوله يطوف بها نسر الفلاة وصيدهـا
قضوا عطشاً يا للرجال ودونهم شرائع لكن مـا أبيـح ورودهـا
يعز على المختار أحمد أن يرى عداها عن الورد المباح تذودهـا
تموت ظمـأ شبانهـا وكهولهـا ويفحص من حر الأوام وليدهـا
وتجتاح ضرباً بالسيوف جسومها وتسلب عنها بعـد ذاك برودهـا
وتترك في الحر الهجير على الثرى ثلاث ليـال لا تشـق لحودهـا
وتهدى إلى نحو الشآم رؤوسهـا وينكتهـا بالخيـزران يزيدهـا
أتضر بها شلـت يمينـك أنهـا وجوه لوجه الله طال سجودهـا
وهي طويلة.

وقوله من أخرى أوله:
فـؤاد لا يـزال بـه اكتئــابُ ودمع لا يـزال لـه الضبـابُ
على من أورث المختـار حزنـاً تذوب لوقعـه الصـمّ الصلـابُ
531
ومات لموتـه الإسلـام شجـواً وذلت يـوم مصرعـه الرقـاب
يقبـل نحـره المختـار شوقـاً وتدميـه الأسنّـة والحــراب
فيـا للـه مـن رزء جليــل وهت منه الشوامـخ والهضـاب
ديار لم تـزل مـأوى اليتامـى سوام كيف صاح بهـا الغـراب
وكيف تعطلت رتـب المعالـي بهـنَّ وقوضـت تلـك القبـاب
كأن لم تلق أمنـاً مـن مخـوف ولم تحلـل بساحتهـا الركـاب
فيا غوث الأنام وصبـح داجـي الظلام ومن به عرف الصـواب
أتهمل ثأرها البيض المواضـي وتمنع فيئهـا الأسـد الغضـاب
وهي أيضاً طويلة، وله غير ذلك.

توفي سنة ألف ومائتين وثمان وعشرين بالكاظميين ودفن بها في خلف الصحن في جهة الجدي، عليه قبة مشيدة ومزار معروف يزار ويتبرك به وأسرته في الكاظمية منهم من يترجم إن شاء الله.

محسن بن عبد الكريم بن علي بن محمد الأمين الحسيني العاملي نزيل الشام

فاضل لف برديه على الأفضال، وجمع أطرافه على معالي الخصال، إلى تقى وديانة وتمسك بسنن الشرع وصيانة، في همة شماء، وعزمة قعساء، وأدب بارع، وشعر رائع.

ولد في شقرة من بلد عامل في حدود الشام، وحصل العلم هناك، ثم هاجر إلى النجف فرأيته واجتمعت به فرأيت الرجل العفيف الشريف الطريف الحصيف، فنال بالنجف مناه، انقلب بالسعادة إلى مثواه، فنزل بالشام، وبث فيها الفضل،
532
ونشر المعارف، وألف فأفاد، ونظم في آل محمد عليه وعليهم السلام فأجاد، ومن قبل ما نظم في النجف من الشعر الرقيق الحر، المؤدى باللؤلؤ والدر، فمن ذلك قوله من قصيدة أوله:
أتـرى الخيـزران والياسمينـا أشبهـا قـدّك اعتـدالاً ولينــا
لا ومـن أودع المحاجـر منـه أسهماً واللحـاظ سحـراً مبينـا
فضح الغصـن والقـوام قوامـاً وسبا الشمـس غـرّو وجبينـا
من عذيري من ريـم رامـة لا يحفـظ عهـداً ولا يبـرّ يمينـا
وضنين عنـي بلمحـة عينيـه وبالروح لسـت عنـه صنينـا
تتجنّى علي مـن غيـر ذنـب ويرينـي مـن الدلـال فنونــا
ورهيـف مـرّ النسيـم يثنيـه شمـالاً إذا مشــى ويمينــا
أنكـر العاذلـون فيـه جنونـي أهون الحب مـا يكـون جنونـا
ومن شعره في المذهب، قوله يمدح أمير المؤمنين عليه السلام:
سنحت لنا بين العذيب فحاجـرِ أخت الغـزاة والغـزال النافـرِ
ترنو بناظر شادن وتهـزّ مـن بين الذوائب قدّ غصـن ناضـرِ
وتسل من أجفان طـرف فاتـر لحشا المتيّم حدّ عضـب باتـر
هيفاء ما لاحـت لمقلـة عـاذل في حبّها إلا وأصبـح عـاذري
وإذا رأيت الخصر قاوم ردفهـا أيقنت أن الخصر صنعة قـادر
حجّت وما فتن الحجيج بغيرهـا فتحمّلت أضعاف وزر الـوازر
ترمي الجمار وكم رمت من جمرة للحب وسط جوانـح وضمائـر
طفنا بهـا فكأنمـا هـي كعبـة للحـج ذات مناسـك ومشاعـر
يا نازلين على المحصب من منى أنتم منى نفسي وقـرة ناظـري
قسماً بكم لا أنس لـي إلا بكـم وسواكم ما إن يمـر بخاطـري
533
لم يبق مني الوجد بعـد فراقكـم إي والمودّة غيـر رسـم داثـر
لي فيكم ظبـي أغنـن مهفهـف عذب اللمى أمسى هواه مخامري
واصلت طول السهد بعد فراقـه وهجرت نومي حين أصبح هاجري
أفهل سوى قلبي على طرفي جنى وآهاً لقلبي من جنايـة ناظـري
أمسى دم الرجل الحرام يطل في البلد الحرام بسيف لحـظ فاتـر
لا تطلبوا بدمي سوى ظبيات أكنا ف الحجاز فما سواهـا واتـري
عين لواعب بالعقـول تعـوّدت باللحظ شك حشا وسـق مرائـر
لعس الشفاه كأن بيـن شفاههـا العسل المصفى أو سلافة عاصر
قـدّ يثنيـه النسيـم ووجنــة باللحظ تجرح أو بوهم الخاطـر
فسقى الحيا أرض الحجاز ولا. . . أكنافها صـوب الغمـام المـاط
قسماً بمكـة والحطيـم وزمـزم والحجر والبيت العتيق الطاهـر
وبمحرمين أشاعت حجّـوا إلـى البيت الحرام بكل نضو ضامـر
عجّـوا بتلبيـة الإلـه وذكـره متضرعين إلى الكريـم الغافـر
ودم أريق من الهدايا فـي منـى من فيض أوداج لهـا ومناحـر
من لم يوال آل أحمد في الورى لاقى الإله غداً بصفقـة خاسـر
الأفضلون فليس يدرك فضلهـم والسابقون إلى علـىً ومفاخـر
والطاعنون بكـل أسمـر لهـذم والضاربون بكل أبيـض باتـر
والمشبعون الوحش من جثث العدى يوم الكفاح وكـل طيـر طائـر
ومفلقو هـام الكمـاة بحيـث لا ينجي الفـرار ولا لعـا للعاثـر
والقائلون الفاعلـون الحاكمـون العادلون عن القضـاء الجائـر
لولا حسـم أبيهـم الكـرار مـا كانت لدين اللـه سطـوة قاهـر
إن كنت في شك فسل بدراً فكـم أروى بها من ليث غاب خـادر
534
وسقاهم كـأس المنيـة مترعـاً لا عن ظما من حدّ غصب باتر
صرعى سباتاً في القليب كأنهـم شاء بها حكمت شفـار الجـاذر
لله مـن يـوم أبـاد قرومهـم فيـه وردهّهـم بذلّـة صاغـر
وبني نضير وخيبراً والخندق الثا وي بعقوتـه غضنفـر عامـر
واسى النبي بهـا وقاتـل دونـه بعزيمة صدق وقلـب حاضـر
أروى بها عمراً وجدل مرحبـاً وأباد جمع ضراغـم وقسـاور
تفديك نفسي يا أبا حسـن فعـن أمثالك النسـوان جـدّ عواقـر
فلقد ذهبت بعزمهـا وفخارهـا دون الورى وشأوت كل مفاخـر
ولك المناقب كالنجوم تجل عـن إحصائهـا بدفاتـر ومحابــر
إني وأنت أخو النبـي وصهـره أكرم بخيـر أخ لـه ومصاهـر
ووزيره الأدنى وصاحب سـرّه ووصيّه فـي باطـن أو ظاهـر
سمعاً أميـر المؤمنيـن قصيـدة ألفاظهـا كاللؤلــؤ المتناثــر
قصرت عن استصاء مدحك بعضه ولسانها لولـاك ليـس بقاصـر
وله غيرها في المديح، وفي المراثي له روضة على الحروف في مجموعة المطبوع المسمى بالدر النضيد في رثاء الشهيد.

وله في حدود سنة ألف ومائتين وثلاث وثمانين.

وهو اليوم حي في دمشق الشام يحيي معالم الإسلام ويقيهم شريعة جده عليه الصلاة والسلام سلمه الله تعالى.

محسن بن فرج النجفي الجزائري

كان عالماً أديباً شاعراً، لم أسمع له شعر إلا في أهل البيت عليهم السلام، فمن شعره قوله:
ما لي سوى عترة الهادي وحيدرة ذخيرة يوم حشري بعد توحيـدي
535
هما هما ما لعبـد مذنـب وزر سواهما لا وباري كـل موجـود
وقوله في حسينية:
لعمرك ما البعـاد ولا الصـدودُ يؤرقنـي ولا ربــع همــودُ
ولم يجر الدمـوع حـداء حـاد ولا ذكـرى ليــال لا تعــودُ
ولكـن أسبـل العينيـن خطـب عطيـم ليـس يخلقـه الجديـد
عشية في الطفوف بنـي علـي عطاشى لا يبـاح لهـا الـورود
تذاد عن الفـرات وويـل قـوم تذودهـم أتعلـم مـن تــذود
ألا ويل الفـرات ولا استهلـت علـى جنبيـه بارقـة رعـود
ألـم يعلـم لحـاه اللـه إن قـد قضى عطشـاً بجانبـه الشهيـد
ألـمّ بجنبـه ضيفــاً قــراه صوارمهـا وخرصـان تميـد
به غدرت بنو حرب بـن عبـد وأعظـم آفـة المولـى العبيـد
إلا لا قدسـت ســراً وبعــداً لتابعهـا كمـا بعـدت ثمــود
فما حفظت رسـول اللـه فيـه هنـاك ومـا تفارقـت العهـود
بل استامته مـا لـو قـد أرادت مزيـداً فيـه أعوزهـا المزيـد
عشيـة عـز جانبـه وقلــت توابعـه وقـد سفـه الرشيــد
أرادت بسطـه يمنـي مطيــع وأيـن أبيّهــا ممــا تريــد
ودون هوان نفسي الحـر هـول يشبـب لواقـع أدنـاه الوليــد
وهي طويلة، وقوله من أخرى:
ياليت شعري هل أ بقى الكتاب لنا عذراً أو المصطفى في الأمر تبيانا
أغادر الله جـل اللـه معـذرة لنا وقد أنـزل القـرآن فرقانـا
وبلغ النـص فيـه ثـم أنزلـه فيه كهرون من موسى بن عمرانا
ألم يكن خيرهم أصلاً وأكرمهـم فرعاً وأعظمهم علمـاً وإيمانـا
536
هو العلي تعالـى اللـه بارئـه سواه ما أختار من ذا الكون إنسانا
يقول في الحسين منه:
يا واعظاً معشراً ضلوا الطريق بما على قلوبهم مـن غيّهـم رانـا
ما هنت قدراً على الله العظيم ولم يحجب فديتك عنك النصر خذلانا
لكنما شاء أن يبديـك للمـلأ الأ على ويجعل منك الصبر عنوانا
وبل الفرات أبـاد اللـه غامـره ورد وارده بالرغــم ظمآنــا
لم يطف حر غليل السبط بـارده حتى قضى في سبيل الله عطشانا
وهي طويلة، وله غيرها كثير.

توفي في حدود سنة ألف ومائتين وخمسين تقريباً بالنجف، ودفن بها رحمه الله.

محسن بن محمد حسن الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب

كان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرفاً في فنون الكلام، فإذا ارتقى الأعواد انثال عليه الكلام جملة وجعل يفصله وينتقل من فن إلى فن مع المناسبات، ويخرج من هزل إلى جد، ومن مبكي إلى مضحك وبالعكس، فترى المستمعين بينما هم يضحكون اغربوا في البكاء، أو بينما هم يبكون أغربوا في الضحك، وكان مقتدراً على التنقل كما يشتهي المقترح، فتراه يبتدي بما جرى على لسانه أو ذكره بعض الحاضرين فيتكلم بما يتعلق به كلاماً شافياً، وينتقل منه إلى ذكر الحسين عليه السلام انتقالاً مناسباً.

وكان شاعراً ينظم في الطبقة الوسطى، ورأيت له في كربلاء ديواناً كبيراً كله في الأئمة عليهم السلام، فمنه قوله في قصيدة حسينية أوله:
ما أوقدت ذات اللمى مصباحهـا إلاّ التحكم في القلوب جراحهـا
537
أبدت نواجذها نواصـع فانثنـت تستام عـن عشاقهـا أرواحهـا
لولا تشعشـع وجنتيهـا ميّـزت نفس المحب فسادها وصلاحهـا
يقول فيه:
اسلك طريقـة آل أحمـد إنهـا متكفـل رب السمـا إيضاحهـا
مـا بالهـا مقروحـة أجفانهـا تبدي العويل غدوّهـا ورواحهـا
سلبت بواعية الحسيـن بهائهـا واستأصلت أتراحهـا أفراحهـا
كانت وديعة أحمد بيـن الـورى كيف ابن هند في الطفوف اجتاحها
ومنه قوله من قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:
أنت الإمام أبو الأئمـة والـذي بحسامـه قامـت نبـوة أحمـدِ
بعث النبي لأن تكـون وصيّـه لولاك لـم يبعـث ورب محمـدِ
ما قـام قبلـك للخلافـة قائـم كلا ولا ضربت يداك على يـدِ
لكن رأيت الناس أولى بالعمـى فتركتهم وسلكت نهـج المهتـدي
كم سابقوك فقيل للقوم اهبطـوا حطّا عن العليا وقيل لك اصعـد
وهي طويلة، وهذا نموذج من شعره.

توفي سنة ألف وثلاثمائة وخمس في كربلاء ودفن بها، وله ذرية بها سلمهم الله ورحمه الله بمنه وكرمه.
مطهـرون كـرام كلهـم علـم كمثل ما قيل كشّافون لا كشفـا

محسن بن محمد بن موسى بن الحسين بن خضر المالكي الجناجي النجفي

كان فاضلاً أديباً، شاعراً، خفيف الروح، ظريفاً غرامياً، رقيق القلب.

أخبرني السيد إبراهيم بن الحسين الطباطبائي قال: كان يهوى غلاماً من أهل
538
النجف، فمر الغلام عليه بالضحى ويده بيد عدو للمترجم، فاستشاط غيظاً ثم جعل يحك صدره حتى رأيت الدم سلا منه، فسألته على علم مني: ما بالك! فقال: ألا تنظر إلى فلان بيد فلان، ثم أنشد مرتجل:
إلى كـم تجـور علـى الوالـهِ أعيـذك باللـه مــن حالــهِ
يـداً بيـد مـرّ فيـك العـذول فيــا لشماتـــة عذّالـــهِ
فمن شعره قوله:
أكأسـه مـن وجنتيـه التهبــا أم بـدم العنقـود قـد تخضبـا
وبالشقيــق خــده مذهــب أم بدمـي لمـا أطـلَّ اختضبـا
وتلك شمس بالنجمـم احتنكـت أم المـدام قـد أدارت حببــا
عتقهــا عــاد وكــان آدم قد غرست كفـاه منهـا العنبـا
بأبـي بـدراً تجلّـى طالعــاً من فوق ميّـاد القـوام طربـا
يسبي الظبا فـي لفتـات جيـده في لفتات جيـده يسبـي الظبـا
زار فنبـه الرقيـب جرســه ما خلت أن الجرس بعض الرقبا
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة حسينية أوله:
آلت تهامة أن تجـوس خلالهـا فحمت خلالها سهولها وجبالهـا
سرعان ما أخنت عليك فسل بها داراً تجر بهـا الصبـا أذيالهـا
ولربما حفظت عهـودك دمنـة حبست عليك جنوبهـا وشمالهـا
فاصرف بوجهك معرضاً عن دمنة تحثو عليـك ترابهـا ورمالهـا
يقول فيه:
فسطا على تلك الجموع بصـارم ألقى على تلـك التلـال تلالهـا
في فتية بيـض الوجـوه كأنهـا بيض السيوف جلا العيون صقالها
539
متسربلين على الحديـد بأنفـسٍ أوحى لها الرحمن ما أوحى لهـا
بيض السيوف إذا غدت في مارق آبت وقد صبغ النجيـع نصالهـا
بأبي الذي تدعو نسه فلم تجـب فتعـج تعنـف بالمهامـه آلهـا
بأبي الذي سارت نسـاه بقفـرة يا للنسـاء الضائعـات ومالهـا
وهي طويلة، وله غيرها.

توفي سنة ألف وثلاثمائة وواحدة فجأة حيث كان يمشي في الطريق فسقط ميتاً في النجف ودفن بها، رحمه الله تعالى.

محسن بن محمود خنفر الباهلي العفكاوي النجفي

كان من العلماء الكبار والمدرسين في علوم الفقه والأخبار، تلمذ عليه جملة من العلماء كالسيد محمد الهندي، والشيخ محمد طه نجف وغيرهم، وكان في العربية إماماً، وفي الفنون الأخرى أمة، وكان قليل الشعر، لم أعرف له لا ما رأيته بخط الشيخ موسى شريف في مجموعته وذلك تخميسه البيتين الشهيرين للشيخ عبد القادر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم خمسهما عند حجه وزيارته، وهو قوله:
تجوش نفسي لقرباكـم فأسألهـا أنظـار ميسـرة منكـم أؤملهـا
لكنما خدمتي لا زالت أوصلهـا (في حالة البعد روحي كنت أرسلها
تقبل الأرض عين وهي نائبتي)
كم من رياح وروح اللطف منك جرت وكم سحاب بماء المن قد مطرت
وكم مضت دول للروح وابتدرت (وهذه دولة الأشباح قد حضرت
فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي)
وقوله مخمساً البيتين الشهيرين:
تميزت من غيظ وكـدت لديهـم أأفوه بما لم يفض صدري إليهـم
بقوم تسامى الكذب بيـن يديهـم (إذا قيل لي فضل عليـاً عليهـم
540
فلست أقول الدر خير من الحصى)
أغيّا وهذا الحق أعلـام رشـده تلوح لسارٍ ضلَّ عن نهج قصده
وأين الثرى والبدر في أوج سعده (ألم ترى أن السيف يزري بحدّه
إذا قيل إن السيف خير من العصا)
توفي سنة1270ه في النجف ودفن بها.

محفوظ بن وشاح بن محمد شمس الدين الحلي الأسدي

كان عالماً جم الفضل، كثير المآثر، وكان أديباً شاعراً، تطاف منه المشاعر، وكان في زمن المحقق جعفر بن سعيد المتوفى سنة667ه، كتب إليه من سوراء مراسل:
أغيب عنك وأشواقـي تجاذبنـي إلى لقائك جذب المغرم العانـي
قلبي وشخصك مقرونان في قرن عند انتباهي وعند النوم يغشانـي
حللت فيه محل الروح في جسدي فأنت ذكراي في سري وإعلاني
يا جعفر بن سعيد يا إمام هـدى يا واحد الدهر يا من ماله ثانـي
لولا المخافة من كره ومن ملـل لطال نحوك تـردادي وإتيانـي
في أبيات، فكتب إليه المحقق رضي الله عنه:
لقـد وافـت معانيـك اللواتـي تهز معاطـف اللفـظ الرشيـق
فضضت ختامهن فخلـت أنـي فضضت بهن عن مسك فتيـقِ
وجال الطرف منها في ريـاض كسين مطارف الزهـر الأنيـق
فكم أبصرت مـن لفـظ بديـع يدل بها علـى المعنـى الدقيـق
وكم شاهدت من معنـى خفـي يقرب مطلب الفضـل السحيـق
شربت بها كؤوساً مـن معـان غنيت بشربهـن عـن الرحيـق
541
ولكنـي حملـت بهـا حقوقـاً أخـاف بثقلهـن مـن العقـوق
في أبيات، ومن شعره في المذهب قوله:
راق الصبوح ورقت الصهبـاءُ وسرى النسيم وغنـت الورقـاءُ
وكسا الربيع الأرض كل مدبـج ليسـت تجيـد مثالـه صنعـاءُ
فالأرض بعد العري إما روضة غنـاء أو ديباجـة خضــراءُ
والطير مختلف اللغـات فنائـح ومطرب مالـت بـه الأهـواءُ
والماء بيـن مـدرج ومجـدول ومسلسل جـادت بـه الأنـواء
وسرى النسيم على الرياض فضمخت أثوابــه عطريــة نكبــاء
كمديح آل محمـد سفـن النجـا فبنظمـه تتعطــر الشعــراء
الطيبون الطاهـرون الراكعـون الساجـدون السـادة النجبــاء
منهم علي الأبطحـي الهاشمـي اللوذعـي إذا بـدت ضوضـاء
ذاك الأمير لـدى الغديـر أخـو البشير المستنير ومن له الأنبـاء
طهرت له الأصلاب عن آبائـه وكذاك قد طهرت لـه الأنبـاء
أفهل يحيط الواصفـون بمدحـه والذكـر فيـه مدائـح وثنــاء
ذو زوجة قد أزهـرت أنوارهـا فلأجل ذلكـم اسمهـا الزهـراء
وأئمة من ولدهـا سـادت بهـا المتأخـرون وشـرف القدمـاء
مبداهم الحسن الزكي ومن إلـى أنسابـه تتفاخــر الكرمــاء
والطاهر المولى الحسين ومن له رفعت إلى درجاتهـا الشهـداء
والندب زين العابديـن الماجـد الندب الأميـن الساجـد البكـاء
والباقر العلـم الشريـف محمـد مولـى جميــع فعالــه آلاء
والصادق المولى المعظم جعفـر حبـر مواليـه هـم السعــداء
وإمامنا موسى بن جعفـر سيـد بضريحـه تتشـرف الـزوراء
542
ثم الرضا علم الهدى كنز التقـى باب الرجا محيي الدجى الجـلاء
ثم الجواد مع ابنه الهادي الـذي تهـدي الـورى آياتـه الغـراء
والعسكري إمامنا الحسن الـذي يغشاه من نور الجلـال ضيـاء
والطاهر ابن الطاهرين ومن لهم في الخافقين من البهـاء لـواء
من يصلح الأرضين بعد فسادها حتى يصاحـب ذئبهـن الشـاء
أنا يا ابن عـم محمـد أهواكـم وتطيـب منـي فيكـم الأهـواء
واكفّـر الغاليـن فيـك والعـن القاليـن أنهـم لـديَّ ســواء
في أبيات آخر، وله غير ذلك. توفي سنة ستمائة وتسعين تقريباً ورثاه جماعة منهم الحسن بن داود وغيره، وله في الأمل شعر كثير، ولغيره فيه مرات كثيرة، رحمه الله تعالى.

محمد بن إبراهيم أبو العلاء السروي القادري

كان فاضلاً كاتباً لابن العميد، حاظياً عنده، قصده شاعر فلم يجده، فكتب إليه:
جئت إلى البـاب مـراراً فمـا إن زرت إلا قيل لي قد ركـب
وكان في الواجـب أن لا تـرى يا قمـراً عـن مثلنـا تحتجـب
فأجابه بقوله:
ليس احتجابي عنك مـن جفـوة وغفلة عـن حرمـة المغتـرب
لكـن لدهـر نكــد خائــن مقصـر بالحـر عمـا يجـب
وكنت لا أحجـب عـن زائـر فالآن عن ظلـي قـد أحتجـب
وكان متصرفاً في فنون الشعر، فمن شعره قوله:
بالورد من وجنتيك من لطمـك ومن سقاك المـدام لـم ظلمـك
خلاك ما تستفيـق مـن سكـر توسـع شتمـاً وجفـوة خدمـك
مشوش الصدع قد نملـت فمـا تمنع من لثـم عاشقيـك فمـك
543
أظل من حيـرة ومـن دهـش أقـول لمـا رأيـت مبتسمـك
باللـه يـا أقحـوان مبسمــه على قضيب العقيق من نظمـك
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة علوية جاء منه:
حاز النبـي وسبطـاه وزوجتـه مكان ما أفنت الأقلام والصحفـا
والفخر لو كان فيه صورة جسد عادت فضائلهم في أذنها شنفـا
فهل تناكرت الأحلـام وانقلبـت فيهم فأصبح نور اللـه منكشفـا
ألا أضاء لهم عنها أبـو حسـن بعلمه وكفاهـم أمرهـم وشفـا
وهل نظير له في الزهـد بينهـم ولو أصاح لدينا واهبـاً وكفـى
وهل أطاح النبي المصطفى بشر من قبلـه وحـذا آثـاره وقفـا
وهل عرفنا وهل قالوا سواه متى بذي الفقار إلـى أقرانـه زلفـا
يدعو النزال وعجل القوم محتبس والسامري بكف الرعب قد نزفا
مفرج عن رسول اللـه كربتـه يوم الطعان إذا قلب الجبان هفـا
تخاله أسداً يحمـي العريـن إذا يوم الهياج بأبطال الوغى رجفـا
يظل والنصر والرعب اللذان هما كانا له عادة إن سـارا أو وقفـا
شواهد فرضت في الخلق طاعته برغم كل حسود مال وانصرفـا
ثم الأئمـة مـن أولـاده زهـر متوجون بتيجان الهـدى حنفـا
من جالس بكمال العلـم مشتهـر وقائم بغرار السيف قـد زحفـا
مطهـرون كـرام كلهـم علـم كمثل ما قيل كشافون لا كشفـا
وله غير ذلك، وفي المناقب منه شيء كثير.

توفي رحمه الله سنة ثلاثمائة وخمس وثمانين على ما وجدته في بعض مسوداتي التي كنت قد أعددتها لهذا الكتاب.

محمد بن أحمد بن زين الدين الحسني الحسيني

544
النجفي البغدادي، المعروف بالسيد محمد زيني

كان فاضلاً جامعاً، وأديباً رائعاً، وشاعراً بارعاً، وكان يسكن بغداد، فكتب إليه الشيخ محمد بن يوسف جد موسى بن شريف أبياتاً، وعرض بالشيخ جعفر كاشف الغطاء قدس سره، وكان ملك الأيام ببغداد، وهي قوله:
سلام على دار السلام ومن بهـا وبالرغم مني أن أسلم من بعـدِ
نأيتم فأفراحي نـأت ومسرّتـي وإني وحقّ الودّ باقٍ على الـودِّ
أودّ لقاكم لي ولو لمـح ناظـر لعلّ لقاكم أن يخفف لي وجـدي
خليلـي قـولاً للمؤيـد جعفـر مقالة ذي نصح هديت إلى الرشد
تبغددت حتى قيل إنـك قاطـن وجانبت أهل العلم والنسك والزهد
في أبيات، فقال الشيخ جعفر رحمه الله من أبيات يخاطب المترجم:
فدع عنـك شيخـاً صفـو ودّه ولا تحسبن كل الأخلاّء جعفـرا
ولا تصحبنَّ غيري فإنك قاثـل بحقي كل الصيد في جانب الفرا
فلو رمت من بعدي وحاشاك صاحباً فإياك أن تعدو الرضا خيرة الورى
فقال الشيخ محمد مجيب:
ألا من لخل لا يـزال مستمـراً لجذب وداد الخلق سراً ومجهـرا
يجاذبني ودّ الشريف ابن أحمـد سلالة زين الدين نادرة الـورى
وهيهات أن يحظى بصفو وداده وإن كان بحراً في العلوم وجعفرا
فمهلاً أبا موسى سيحكم لي الرضا وتكسب بالإلحاح إنك لـن تـرا
فقم سيـدي للحكـم إنـك أهلـه فديتك وأنصفني فقد أحوج المرا
فقال السيد بحر العلوم:
أتاك كوحي الله أزهـر أنـورا قضاء فتى باريه للحكم قد برى
545
محمد يا ذا المجد لا تكترث ولا يروّعن منك القلب شيخ تذمّـرا
فما هي إلاّ مـن نـوادره التـي عرفن به مذ كان أصغر أكبـر
وإنك أولى الناس كهـلاً ويافعـاً بحبك نجل الطاهرين المطهّـرا
كفتك شهادات الخميس على الولا ترد خميساً عنك ما كرّ مدبـرا
وفي مثل هذا الحكم داود قد قضى على صاحبيه إذ عليـه تسـوّرا
فخذ يا سمي الطهر جعفر صادق من القول حقاً غير منفصم العرى
وما هو إلاّ النفس منـي فإنهـا تخالف إن أبدت خلافاً بأن يرى
فخذها إليك اليوم منـي حكومـة شقاشقها تحكي السحاب الكنهورا
أقمنا على نفس الشهادة عندمـا أمرنا بها في الذكر نصّاً مقـررا
وقال السيد صادق الفحام:
جرى ما جرى بين الخليلين وانتهى وإن كان معروفاً لمن كان منكرا
فاحفظ مولى لو يزل ذا حفيظـة لمخلصه عن ساعد العدل شمرا
وأغرى حكيماً بانتصـار فألّبـا عليه من التأنيب واللوم عسكـرا
كلام له بطن وظهر ولـم يكـن سوى محض ود بطن ما كان أضمرا
فلا يستفز الشيخ بـرق غمامـة بدا خلباً في عارض ليس ممطرا
وقال محمد الرضا النحوي:
لعمري لقد ثارت إلى أفق السما عجاجة جرت حولت نحوها الثرى
وذلك أن الشيـخ شيـخ زمانـه عنيت به بحر المكـارم جعفـرا
تعمّد من بغداد إرسـال رقعـة تضمّن معنىً يخجل الروض مزهرا
وأعرب عن دعوى وداد محمـد سلالة زين الدين نادرة الـورى
ولا غرور في دعوى وداد هوى له فيا لك ودّاً مـا أجـلَّ وأكبـرا
ولكنه قد قارب الجور وادّعـى اختصاص هوى كل له قد تشطّرا
546
فكان عظيماً ما ادعى سيّما على ذوي ودّه من كل ذمـر تذمّـرا
فقال إلى كم ذا تحـاول رتبـة بها خصني الباري وأكرم من برا
تجاذبني الود القديم وليـس مـن تقدم في ودّ كمـن قـد تأخـرا
فقال نعم لكن قضت لي مودّتـي ومحضني الإخلاص سراً ومجهرا
فطال نـزاع بينهـم وتشاجـرا معاً وأقلاّ مـن نـزاع وأكثـرا
ومذ سئما طول النـزاع ترافعـا إلى حكم باريه للحكم قـد بـرا
هو السيد المهدي من نور حكمه أتاك كوحي الله أزهـر أنـورا
هنالك قصّا مـا عليـه تنازعـا عليه وبثا عنده كل مـا جـرى
فلما رأى المهدي والهدي ما رأى وأبصر من ذي الحال ما كان أبصرا
درى أن ذا لا عن خصام وطالما لسرّ خفي مثل ذا قبـل ذا درى
فقال هما خصمان في البغي أشبها خصيمين للمحراب قبل تسـورا
جرى حكمه وفقاً لداود إذ جرى وقرّر ما قـد كـان داود قـرّرا
فلا الشيخ مقضي عليـه حقيقـة ولا الشيخ مقضيٌّ له لو تفكـرا
كفى شاهداً في الصدق لي قول صادق فتىً قد سما في مجده شامخ الذرى
مداعبة الإخوان تدعـى عبـادة لعمرك ما هذا الحديث بمفتـرى
فقال السيد محمد المترجم:
ألا إنمـا الإسلـام ديـن محمـد وطاعته فيما عن اللـه أخبـرا
ولي مذهب ما زلت أبديه قائـلاً (تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا)
تخذتهما للعيـن نـوراً وللحشـا سروراً وللأيام درعـاً ومغفـرا
فهذا حسامي حين أسطو على العدى وهذا سناني إذ أقابـل عسكـرا
فكانا وقد أصبحت أعزى إليهما هما سيداً مولى له قـد تشطـرا
في أبيات، وفي هذه المطارحة طول أخذت منه مقام الحاجة.
547
ومن شعر السيد الترجم قوله مشطراً أبيات كعب رحمه الله المشهورة:
(ولما قضينا من منى كل حاجة) وتمت لنا فيه المنـى والمنائـحُ
وطاف ببيت الله من هو طائـف (ومسّح بالأركان من هو ماسحُ)
(وشدّت على دهم المهارى رجالنا) ليحظى بقرب الدار من هو نازح
أخذنا بأطراف الأحاديـث بيننـا (وكل شكى مما تجن الجوانـح)
(وصرنا سكارى إذ تغنت حداتنا) فلم ينظر الغادي الذي هو رائـح
فكم ملأ الوادي بأيـدي ركابنـا (وسالت بأعناق المطيّ الأباطح)
ومن شعره في المذهب قوله:
أبا حسن يا عصمة الجار دعوة على أثرها حث الرجاء ركابـه
شكوتك صرف الدهر قدمـاً وإ نك المذل من أرجاء الخطوب صعابه
فما باله قد فوّق الدهـر سهمـه وصبَّ على قلب الحزين عذابـه
فكيف وما استنجدت غيرك راغباً وجودك لم يكفف عليه سحابـه
أبا الحسن والمرء يا ربما دعـا كريمـاً فلبــاه وزاد ثوبــه
فإن كنت ترعاه لسـوء فعالـه فبرّك يرعى فيه منـك انتسابـه
وقوله في حسينية أوله:
هلَّ المحرم فاستهلـت أدمعـي وأبان حـرق تشـب بأضلعـي
كيف السبيل إلى العزا وهلالـه مفتـاح بـاب توهّـج وتـروّع
يا شهر عاشورا فتكت بمهجـة طويت علو وجد ونـار منجـع
أذكرتني لابـن النبـي مصيبـة هانت بها ذكرى المصائب أجمع
وهي طويلة يقول في آخرها:
يا آل أحمـد أنتـم حصنـي إذا جار الزمان وملجأي في منزعي
صلى الإله عليكم مـا رجّعـت ورقـاء ذات تفجـع وتوجّــع
548
وله غير ذلك.

توفي في سنة ألف ومائتين وست عشرة في بغداد، ودفن بالكاظمية ورثاه ابنه الجواد وأرخه بأبيات حسنة منها قوله:
ويلـاه مــن جــور دهــر أعطــى ومـــن فمنـــا
أودى بخيـــر البرايــــا فـي حسـن خلـق وحسنــى
أودى أبونـــا فــــأرخ: (محمــد غــاب عنـــا)

محمد بن أحمد، أبو العباس، الصقر الموصلي

كان أديباً مشاركاً، شاعراً فاتكاً، من شعراء سيف الدولة ابن بويه، ورد عليه مع الناشئ، كما قال في المعجم، وطاف في البلاد، وكان يقال له الصقر لذلك، وأكثر من مدائح الأئمة على طريقة الناشئ، فمن شعره قوله في قصيدة علوية يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام ويرثي بها الحسين عليه السلام أوله:
لا تذكرن لـي الديـار بلاقعـاً أخشى على قلبي يسيل مدامعـا
ومرابعاً أقوت وكانـت للـورى مأوى النزيل مصايفاً ومرابعـا
أودى الزمان بها وودت مهجتي منها وفيها لـو تقيـم أضالعـا
يقول فيه:
يا من به امتحـن الإلـه عبـاده من كان منهم عاصياً أو طائعـا
إني لأعجب من معاشر عصبـة جعلوك في عداد الخلافة رابعـا
ولقد روى المهدي عن منصورهم عن ابن عبـاس حديثـاً بارعـا
قال اجتمعنا عند أكـرم مرسـل يوماً وكان الوقت يومـاً جامعـا
فأتته فاطمـة البتـول وعينهـا من حرقة تنهـل دمعـا هامعـا
فارتاع والدهـا لفـرط بكائهـا كما استبان وعاد منهـا راجعـا
فبكى وقال فداك أحمد ما الـذي يبكيك لا لقـاكِ أبـاكِ فاجعـا
549
قالت فقدت ابنيّ يات أبتا وقـد صادفت فقدهما لقلبـي صادعـا
فشجاه ما ذكرت فأقبـل ساعـة متململاً يدعو المهيمن ضارعـا
فإذا المصدّق جبرئيـل مناديـاً ببشارة من ذي الجلال مسارعـا
اللـه يقـرؤك السلـام بجـوده ويقول لا تك يا حبيبي جازعـا
أدركهما بحديقـة النجـار قـد لعبا وقد نعسا بهـا وتضاجعـا
أرسلت من خدمي الكرام إليهمـا مالكـاً شفيقـاً للمكـاره دافعـا
غطّاهما منـه جناحـاً وانثنـى بالرفق تحتهما لآخـر واضعـا
فأتاهما خيـر البريـة فاغتـدى بهما على كتفيه جهـراً رافعـا
وأتاه ذو ملـق ليحمـل واحـداً عنه فقال لـه ورائـك راجعـا
نعـم المطـيّ مطيّـة حملتهمـا مني ونعم الركبـان همـا معـا
وأبوهما خير وأفضـل منهمـا شرفاً لعمرك في البرية شافعـا
لو أن عينك عاينت بعض الـذي ببنيك حل لقد رأيـت فضائعـا
أما ابنك الحسـن الزكـي فإنـه لما مضيت سقـوه سمّـاً ناقعـا
هرّوا به كبـداً لديـك كريمـة منـه وأحشـاءً بـه وأضالعـا
وسقوا حسين بالطفوف على ظما كأس المنية فاحتساهـا جارعـا
قتلوه عطشاناً بعرصـة كربـلا وسبوا حلائله وخلـف ضائعـا
جسد بلا رأس يمد على الثـرى رجلاً له ويلـمّ أخـرى نازعـا
وهي طويلة، وله في الأئمة عليهم السلام الكثير، وفي المناقب منه شذرات وافية.

توفي في حدود الثلاثمائة والخمس والسبعين في الموصل.

وذكره في المعالم بعنوان أبي الصقر، وفي المناقب بعنوان الصقر وهو الصحيح كما في معجم الأدباء لياقوت.

محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن

550
إبراهيم الحتاتي العاملي

كان فاضلاً أديباً شاعراً ذكياً، حسن الحظ، رحل إلى القسطنطينية ببعلبك ثم بالجيزة ثم مدرساً بدمشق ثم بأسيوط ثم بالجيزة إلى أن توفي، ذكره المحبي وله مطارحات مع الشهاب، فمن شعره قوله:
أقول لذات حسـن قـد تـوارت مخافة كاشح في الحـي ساكـن
أريني وجهك الوضاح، قالـت: ألم تؤمن؟ فقلـت: بلـى ولكـن
وقوله:
أجـلَّ اللـه أعطـاف الحبيـب وأينع قامـة الغصـن الرطيـبِ
وأنبت وردهـا غضـاً طريـاً وسيّجـه بريحــان القلــوبِ
ولا زالـت شمائلـه نشــاوى مرنّحـة كغصـن فـي كثيـبِ
وعطفها نسيـم الشـوق حتـى تميـل إلـى معانقـة الكئيــب
وروى أرضهـا سحّـاً مطيـراً بغيث من سمـا جفـن سكـوب
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة:
آل بيت النبي يا عنصر المجـد وشمـس الفخـار والإنتســابِ
يا كرام النفوس والأصـل منـه الفرع وبيض الوجوه والأحسابِ
حبّكم شرعتي ومنهـاج قربـي واعتمادي لكرب يوم الحسـاب
رحمـة اللـه تلوهـا بركـات تصطفيكم كسح جفـن السحـاب
توفي بالجيزة في سنة إحدى وخمسين وألف، رحمه الله تعالى.

محمد بن ادريس بن مطر الحلي الشهير بابن مطر الحلي

551
كان أديباً شاعراً مكثر النظم في الوقائع بالحلة وما جاورها، وكان شعره أكثره في الحسين عليه السلام فلم أعثر له إلا على مقاطيع في غيره عليه السلام، ورأيت له قصيدة يرثي بها السيد سليمان الحلي، فمن شعره قوله:
هي كربلاء لا تنقضي حسراتها حتى تبين من النفـوس حياتهـا
يا كربـلا مـا أنـت إلا كربـة عظمت على أهل الهدى كرباتها
أضرمت نار مصائب في مهجتي لم تطفها مـن مقلتـي عبراتهـا
شمل النبوة كـان جامـع أهلـه فجمعت جمعاً كان فيـه شتاتهـا
ملأ البسيطة كل جيش ضلالـة فيه تضيق من الفضـا فلواتهـا
يوم به للكفـر أعظـم صولـة وقواعد الإسلـام عـز حماتهـا
قل النصيـر بـه لـآل محمـد فكـأن أبنـاء الزمـان عداتهـا
غدرت به من بايعت وتتابعـت منهـا رسائلهـا وجـد سعاتهـا
فحمى حمى الإسلام لما إن رأى عصب الضلال تظاهرت شبهاتها
في فتية شم الأنـوف فـوارس إذ أحجمت يوم النـزال كماتهـا
ترتاح للحرب الزبون نفوسهـم وقراع فرسـان الوغـى لذاتهـا
لهم من البيض الرقاق صـوارم أغمادهن مـن العـدى هاماتهـا
خاضوا بحار الحرب غلباً كلمـا طفحت بأمواج الردى غمراتهـا
وهي طويلة، وهذا نموذج شعره.

توفي رحمه الله سنة ألف ومائتين وسبع وأربعين بالطاعون المعروف بالكبير.

محمد بن إسماعيل الحلي المعروف بابن الخلفة

كان أديباً شاعراً يعرب الكلام على السليقة، ويتجنب مجاز النحو فيصيب الحقيقة، وكان يتحرف بالبناء، على أنه ذو إعراب، ويطارح الشعراء في غير كتاب، وله
552
شعر في الأئمة الأنجاب عليهم السلام كثير، فمنه قوله في حسينية أوله:
عج بي برسم الدار في عرصاتها ودع الجفون تجود في هملاتهـا
دار بشر فـي الأثيـل عهدتهـا لا البان أين البان مـن أثلاتهـا
واحبس بمعهدها الركائب علمـاً نروي بعهد الدمع رمث نباتهـا
واسأل لعمرو أبي معالمها متـى ظعن الأحبة بان عـن باناتهـا
يا صاح وقفة مغـزل مذعـورة أو كارتداد الطرف في هضباتها
كيما أروّح خاطـري بشعابهـا وفؤادي الملتـاع فـي تلعاتهـا
أنى ومنعطف الحني على المطي فهي الخدور تضيء في رباتهـا
ما إن ذكرت معالمـاً إلا وقـد كادت تذوب النفس من حسراتها
لتذكري داراً بعرصـة كربـلا درست معالمهـا لفقـد حماتهـا
دارت رحى الهيجاء فيها فاغتدت آل النبي تـدور فـي لهواتهـا
جـاءت تؤمـل إرثهـا لكنهـا تتقاعس الآمـال عـن غاياتهـا
فتكت به من آل حرب عصبـة فتكت وكان الغدر من حالاتهـا
قد عاهدت فيه النبي وما وفـت فلبئس ما ادّخرت ليـوم وفاتهـا
يقول فيه:
يا سادة جلـت مزايـا فضلهـم إن تدرك الأوهام كنه صفاتهـا
لي فيكم مدحاً أرق مـن الصبـا يهدي عبير الفوز مـن نفحاتهـا
فتقبلـوا حسنـاء ترفـل بالثنـا (حسان) مفتقـراً إلـى فقراتهـا
يرجو بها الجاني (محمد) سادتي منكم نجاة النفس غـب وفاتهـا
وله غيرها فيهم عليهم السلام.

وله في الكاظميين عليهم السلام البند المشهور المحفوظ الذي أوله: (أيها اللائم في الحب، دع اللوم عن الصب. . . . . الخ)
553
ورأيت له شعراً كثيراً في المديح والرثاء للعلماء والأشراف، ومنه رثاء السيد سليمان الحلي المتوفى سنة مائتين وإحدى وعشرين كما تقدم.

توفي رحمه الله سنة ألف ومائتين وسبعين في أول الطاعون المشهور بالحلة، ونقل إلى النجف فدفن بها.

محمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري

كان أديباً شاعراً من أصحاب أبي الحسن الثالث عليه السلام، فمن شعره، قوله راثياً الهادي عليه السلام ومعزياً العسكري عليه السلام في قصيدة أوله:
الأرض حزناً زلزلـت زلزالهـا وأخرجت مـن جـذع أثقالهـا
يقول فيه:
عشر نجوم أفلـت فـي فلكهـا ويطلـع اللـه لنــا أمثالهــا
بالحسـن الهـادي أبـي محمـد تـدرك أشيـاع الهـدى آمالهـا
وبعـده مـن يرتجـي طلوعـه يظـل جـوّاب الفـلا جوّالهـا
ذو الغيبيتين الطول الحق التـي لا يقبـل اللـه مـن استطالهـا
يا حجج الرحمـن اثنـا عشـرة آلـت بثانـي عشرهـا مآلهـا
ذكره في المقتضب وفي المناقب له غيرها.

توفي سنة مائتين وخمس وخمسين تقريباً رحمه الله.

محمد بن حبيب الضبي

كان فاضلاً أديباً كاتباً شاعراً متصرفاً في القول، مدح الحسن بن زيد الطالقاني وجملة من الأمراء فمن دونهم، وكتب في فارس، فمن شعره قوله وقد زاد الرضا عليه السلام:
قبر بطـوس أقـام فيـه إمـامُ حتـم إليـه زيــارة ولمــامُ
554
قبر أقام به السلـام فقـد غـدا تهـدى إليـه تحيـة وسلــامُ
قبر سنا أنـواره يجلـي العمـى وبتربـه تستدفــع الأسقــام
قبـر يمثـل للعيـون محمــداً ووصيـه والمؤمنـون قيــام
خشع العيون لـذا وذاك مهابـة فـي كنههـا تتحيـر الأفهــام
قبـر إذا حـل الوفـود بربعـه رحلوا وحطـت عنهـم الآثـام
وتزودوا فضل الثـواب وأمنـوا من أن يحـل عليهـم الإعـدام
قبر علـي بـن موسـى حلـه بثراه يزهـو الحـل والإحـرام
مـن زاره للـه عـارف حقـه فالجسم منه على الجحيم حـرام
لولا الأئمة واحـداً عـن واحـد درس الهدى واستسلـم الإسلـام
كل يقوم مقـام صاحبـه إلـى أن تنتهـي بالقائــم الأيــام
يا ابن النبي وحجة اللـه التـي هـي للصلـاة وللصيـام قيـام
ما من إمام غاب عنكم لـم يقـم خلف له تشفـى بـه الأوغـام
أنتم ولاة الديـن والدنيـا ومـن للـه منهـم حرمــة وذمــام
وما الناس إلاّ من أقرَّ بفضلكـم والجاحـدون بهائـم وســوام
يرعـون فـي دنياكـم وكأنهـم فـي جحدهـم إنعامكـم أنعـام
من كان بالتعليـم أدرك حبكـم فمحبتــي إياكــم إلهـــام
إن الإمامة يستوي فـي فضلهـا والعلـم كهـل منكـم وغلــام
أنتم إلى اللـه الوسيلـة والألـى علـم الهـدى فهـم لـه أعلـام
يا نعمة الله التـي يحبـو بهـا من يصطفي من خلقـه المنعـام
إن غاب منك الجسم عنـا أنـه للـروح منـك إقامـة ونظـام
أرواحكـم موجـودة أعيانهــا إن عن عيـون غيبـت أجسـام
الفـرق بينـك والنبـي نبــوة إذ بعد ذلـك تستـوي الأقـوام
555
قبران في طوس الهدى في واحد والغي في لحـد ثـراه ضـرام
قرب الغوي من الذكي مضاعف لعذابــه ولأنفــه الإرغــام
ثم استرسل ثم قال:
يا ليت شعري هل بقائمكم غـداً يغـدو بكفـي للقـراع حسـام
تطفي يـداي بـه غليـلاً فيكـم بيـن الحشـا لـم يــرق أوام
خذها عن الضّبي عبدكم الـذي هانـت عليـه فيكـم الألــوام
إن أقضى حق الله فيك فإن لـي حق القرى والودّ حيـث يـرام
من كان يغرم بامتداح ذوي الغنى فبمدحكم لـي صبـوة وغـرام
وهي سبع وخمسون بيتاً ذكرها في البحار والمجالس.

توفي قبل الثلاثمائة في حدود فارس.

محمد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري، أبو بكر اللغوي

كان فاضلاً لغوياً نحوياً أديباً شاعراً مصنفاً باللغة وغيرها كالجمهرة، وكان شعره عالي الطبقة جداً، ومقصورته في مدح ابني ميكال شاهد لقولي، لم يستطع ينكره جاحد، فمن شعره قوله:
غرّاء لو جلت الخدود شعاعهـا للشمس عند طلوعها لم تشـرقِ
غصن على دعص تأوّد فوقـه قمر تألق تحـت ليـل مطبـقِ
لو قيل للحسن احتكم لم يعدهـا أو قيل خاطب غيرها لم ينطـق
فكأننا من فرعها فـي مغـرب وكأننا من وجهها فـي مشـرق
تبدو فيهتف للعيـون ضياؤهـا الويل حـلَّ بمقلـة لـم تطبـق
ومن شعره في المذهب قوله:
556
أهوى النبـي محمـداً ووصيـه وابنيه وابنته البتـول الطاهـره
أهـل الوفـا فأننـي بولائهــم أرجو السلامة والنجا في الآخرة
وأرى محبة من يقول بفضلهـم سبباً يجير من السبيـل الجائـره
أرجو بذاك رضا المهيمن وحده يوم الوقوف على ظهور الساهره
وقوله:
إن البريــة خيرهــا نسبــاً إن عــدَّ أكرمــه وأمجــده
نســب معظمــه محمــده وكفــاه تعظيمــاً محمــده
نسـب إذا كبـت الزنـاد فمـا نكبـو إذا مـا نـض أزنــده
وأخـو النبـي فريـد محتــده لم يكبـه فـي القـدح مصلـده
حل البلـاد بـه علـى شـرف يتكــأد الراقيــن صعــدده
وله غير ذلك في المناقب.

ولد في البصرة سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وسافر منها مع عمه عند دخول الزنج، وسكن عمان اثنتي عشرة سنة، ثم عاد إلى البصرة وخرج إلى فارس، ومدح ابني ميكال فقلداه ديوان فارس، فاستفاد ولكن لم يدع له كرمه شيئاً، وانتقل إلى بغداد سنة ثمان وثلاثمائة ثم عرض عليه الفالج فتوفي ثامن عشر شعبان من سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ودفن ببغداد، رحمه الله تعالى.

محمد بن حسن بن حمادي بن مهدي، من آل علي، أبو المحاسن الجناجي الحائري

أديب شاعر، وكاتب ناثر، له شعر يروق ويروع، ونثر يضيء ويضيع، اجتمعت به وحاضرته، فرأيت منه أديباً حلو المفاكهة، لطيف المحاضرة، وشاعراً حسن البديهة، سيال القريحة، وشعره رقيق اللفظ، حلو الإنسجام، بديع التركيب، جلس
557
معي في الصحن العلوي، وجلس إلينا غلام وسيم، فسألني: ما النرجس؟ فداعبته وقلت له: جفنك، فخجل، وقال: وما الإقاح؟ فقلت: ثغرك، فنظم المترجم ذلك على البديهة فقال:
وشادن يسـأل مـا النرجـس؟ قلـت لـه: أجفانـك النعَّــسُ
فقال لـي: والأقحـوان الجنـي فقلـت: هـذا ثغـرك الألعـسُ
فمن شعره قوله:
كم لعيني ليل النوى من جميـل وافر ضاق دونه بـاع شكـري
مذ رأتني أنفقت كنز اصطباري ملأت من لآلئ الدمـع حجـري
وقوله في ساعة من أبيات:
مسمعــة تعجــب ألحانهــا لكنهــا ليســت بسمّاعــة
رقاصهـا طفـل لـدى مكتـب يقـرأ فـي الجـزء بتباعــة
فأخذ هذا المعنى الرضا الأصفهاني فقال:
غاليــة غاليــة المنتمــى في الشرق والغرب حوت نسبتين
يا عجباً مـن طفـل رقاصهـا يقـرأ فـي الجـزء بتباعتيـن
فقال المترجم:
عجبـت للشيـخ علـى فضلـه فـي شعـره يسـرق تباعــه
دقيقـة يسطـو بهــا آخــذاً مني ما قـد قلـت فـي ساعـة
وقوله في معنى فارسي:
ما حـل بالمكتـب الحبيـب ولا خـط بيمنـاه خـط تحريــرِ
وأودع اللـه فــي لواحظــه رمـوز درس لألـف نحريـرِ
ومن شعره في المذهب قوله:
أبا حسن أنت الذي فـاق مجـده ومن فوق أيديهم غدا نقطة الفاء
558
تواضعت لاسم الله جل جلالـه فصرت له يا عينه نقطة البـاء
وقوله في أمير المؤمنين عليه السلام أيض:
كنت على أعـداء ديـن الهـدى سهماً يراه اللـه قدمـاً فـراشْ
كأنمـا سيفـك يـوم الوغــى نار تلظـى والأعـادي فـراش
وقيت طـه يـوم أحـد وفـي يـوم حنيـن ومبيـت الفـراش
وقوله من قصية أوله:
عهد وصـل بالرقمتيـن قديـم سلفـت فيـه نضـرة ونعيــم
قف عليـه مسلمـا إن فرضـا بالديـار الوقـوف والتسليــم
ربمـا قـام للصبابــة فيــه موسـم راق حسنـه الموسـوم
يقول فيه:
من سما للمنون في يـوم بـدر يوم صالـت أبطالهـا والقـروم
وبأحـد مـن رد بـأس عداهـا ثابت الجـأش مقدمـاً لا يخيـم
وبيوم الأحزاب إذ عظم الكـرب وراع الإسلـام خطـب جسيـم
وسطا فـارس الكتيبـة يختـال بـه مشـرف أقـبَّ هضيــم
من جلا كربهـا وجـلا دجاهـا وبمـن فـلَّ جيشهـا المهـزوم
غير مولاهم ومـن فـي علـاه صدع الذكر والكتـاب الحكيـم
عميـت أعيـن تسـاوى لديهـا فلـق الصبـح والظلـام البهيـم
وهي طويلة، وله غيرها كثير.

ولد حدود سنة ألف ومائتين وخمس وتسعين، وهو اليوم حي يدبج الأوراق بما راق من شعره سلمه الله.

وتوفي فجاء في الهندية ودفن في النجف في الثاني عشر من ذي الحجة سنة ألف وثلاثمائة وأربعة وأربعين هجرية.
559

محمد بن الحسن بن زيد الدين، الشهيد العاملي

كان فاضلاً عالماً مشاركاً في فنون، وكان ناثراً ناظماً، قدم العراق وفارس والحجاز، فمن شعره قوله من حسينية:
كيف ترقى دموع أهـل الـولاء والحسين الشهيد فـي كربـلاءِ
جده المصطفى الأمير على الوحي مـن اللـه خاتــم الأنبيــاء
وأبـوه أخـو النبــي علــي آيـة اللـه سيـد الأوصيــاء
أمـه البضعـة البتـول، أخـوه صفـوة الأوليـاء والأصفيـاء
ليت شعري ما عذر عبد محـب جامد الدمـع ساكـن الأحشـاء
وابن بنت النبي أضحـى ذبيحـاً مستهامـاً مرمــلاً بالدمــاء
أبهـذا جـزاء نصـح نبــي كلَّ عـن نعـت لسـان الثنـاء
يا بني الوحي لا يخفـف وجـداً نالنـا مـن شماتـة الأعــداء
غير ذي الأمر نور وحـي إلـه حجـة اللـه كاشـف الغمــاء
أتـرى يسمـح الزمـان بهـذا ويحوز الراجون خيـر رجـاء
وله غير ذلك كثير. ذكره في الدر المنثور.

توفي بمكة سنة ألف وثلاثين رحمه الله.

محمد بن الحسن بن علي محمد المعروف بالحر العاملي المشغري

كان فاضلاً محدثاً في العلوم، مصنفاً في الفنون، له الوسائل وأما الآمل وغيرهما، وكان شاعراً ينظم الشعر الحسن.

ولد في قرية مشغر من جبل عامل وبقي هناك للتحصيل ممن بها من الأفاضل ثم سافر بعد أربعين سنة إلى العراق، فزار الأئمة عليهم السلام به ورحل إلى فارس
560
والحجاز واليمن وبها توفي، وكان عظيم الهمة، كبير النفس، دخل على سليمان خان الصفوي فجلس معه على فراشه، حتى لم يترك إلا مسنداً، فاحتدم سليمان خان وأراد كسر نفسيه فقال له: (شيخنا فرق ميان حرخرجه قدرست) يعني الفرق بين الحر والخر وهو الحمار ما قدره؟ فأجابه على الفور من غير تمهل ولا مبالاة مع تلك الحالة: (يك مسند) يعني الفرق مسند واحد، فعجب الشاه من كبر نفسه وأكرمه.

وله ديوان شعر يقارب عشرين ألف بيت، فمنه قوله رحمه الله:
غادة قد غدت لها حكمة الغيـر وأضحت عن غيرها في انتفـاء
بين ألحاظها كتـاب الإشـارات وفـي ريقهـا كتـاب الشفـاءِ
وقوله:
حذار من فتنة الحسناء وناظرها ولا تـرح بفـؤاد منـه مكلـوم
فقلبها صخرة مع ضعف قوتهـا وطرفها ظالم فـي زي مظلـوم
وقوله:
طال ليلي ولم أجد لي على السهد معيناً سـوى اقتـراح الأمانـي
فكأني في عرض تسعيـن لمّـا حلّـت الشمـس أول الميـزان
ليت أن فيما يساوي تمام الميـل عرضاً والشمس في السرطـان
ومن شعره في المذهب وهو كثير جداً، فمنه روضة محبوكة الأطراف في مدح أمير المؤمنين عليه السلام، يقول في الهمزة بقوا فيه:
أغير أمير المؤمنين الـذي بـه تجمع شمل الديـن بعـد تنـاءِ
أبانت به الأيـام كـل عجيبـة فنيران باس في بحـور عطـاءِ
ومنه قصيدة محبوكة الأطراف الأربعة بالفاء فمنه:
فإن تخف في الوصف من إسرافِ فلـذ بمـدح السـادة الأشـرافِ
561
فخـر بنـي هاشـم أو منـاف فضـل سمـا مراتـب الآلـاف
فعلمهم للجهـل شـافٍ وكـافٍ وفضلهـم علـى الأنــام وافِ
فاقوا الـورى منتعـلاً وحافـي فضلاً بـه العـدو ذو اعتـرافِ
فهاكهـا محبوكـة الأطــراف فنّـاً غريبـاً مـا قفـاه قـافِ
ومنه قصيدة خالية عن الألف يقول فيه:
وليي علي حيـث كنـت وليّـه ومخلصه بل عبد عبـد لعبـده
لعمرك قلبـي مغـرم بمحبتـي له طول عمري ثم بعـد لولـده
فهم حجتي، هم مهجتي هم ذخيرتي وقلبي بحبهـم مصيـب لرشـده
فكل كبير منهـم شمـس منبـر وكل صغير منهم شمـس مهـده
وكل كمي منهـم ليـث حربـه وكل كريم منهـم غيـث وهـده
بذلت لهم جهدي بمـدح مهـذب بليغ ومثلي حسبه بـذل جهـده
وكلفت فكري حذف حرف مقدم على كل حرف عند مدحي لمجده
ومنه قصيدة تقرب من خمسمائة بيت عارض بها البوصيري أوله:
كيف يحظى بمجدك الأوصيـاء وبـه قـد توسّــل الأنبيــاءُ
ما لخلق سوى النبـي وسبطيـه السعيديــن هــذه العليــاءُ
فبكم آدم استغـاث وقـد مسّتـه بعــد المســرّة الضــراء
وله كل قصيدة في مدحهم عليهم السلام فريدة في بابها بالتزامها للفظ بديع أو معنى غريب.

ولد سنة ألف وسبع وثلاثين في بلدة مشغر.

وتوفي في فارس سنة ألف ومائة وخمس عشر رحمه الله تعالى ورضي عنه.

محمد الحسن بن محمد الصالح بن المصطفى من آل كبة البغدادي

562
هذا الرجل موضع قول القائل الجاري مجرى المثل:
وآخــر فــاز بكلتيهمـــا قد جمـع الدنيـا مـع الآخـره
فقد كان في شبابه والدنيا ملقية إليه الزمام، والدهر مقبل عليه بملأ فمه من الابتسام، رافلاً في ثوب بلهنية ونهمة، مستظلاً بظل حرمة وحشمة، منادماً أفاضل الأدباء، ممدحاً لممدوحي الشعراء، مجيزاً لمن لا يقبل الجوائز كبراً فيأخذها المجاز ويعدها فخراً، على أنه في خلال ذلك متمسك بالشرع غير خارج عن حائطة الدين مسلك آبائه الأماثل، وأجداده الأفاضل، وله في تلك الأيام شعر رقيق اللفظ، حر المعنى، منسجم التركيب.

ثم عزف عن الدنيا، فضربت به همته العليا، رفعاً إلى طلب العلم، فتجرد له حتى فاز برتبة الاجتهاد في سنين قلائل، وفي كهولية عمر، فهو اليوم خير منه بالأمس، للناس وللنفس، وهو لعمري كما قلت: أخذ بشطري الدنيا والدين، فائزاً بالأولى وبالأخرى حاظ بكلتيهما، فمن شعره قوله:
لـك قامـة تدعـى بصعــده وحسـام لحـظ مــا أحــدّه
جدّلــت فــي حديهمـــا مضنـى يكابـد فيـك وجــده
حيــران مسلــوب القــوى كلفـاً لديـك أضـاع رشــده
فسـل الحمـى عـن وجــده إذ كابـد الزفــرات وحــده
وقوله سلّمه الله:
هل سلا عاشق سـواي فأسلـو والتأسي في شرعة الحب يحلـو
لا وإلفـي مـا راق عينـي إلا أعين تخجل المها وهـي نجـل
هي مرضى ومـا بهـن سقـام وهي كحلاً وليس فيهـن كحـل
زججت حاجباً لنا وهـو قـوس ورمتنـي بلحظهـا وهـو نبـل
يا حبيبـاً أدال صدغيـه حسـن وقضيبـاً أمـال عطفيــه دل
563
رشق فلبي بسم لحظيـك جـور واقتطافي من ورد خديك عـدل
ووصالي إن كان عندك صعـب فحمامـي مـذ بنـت سهــل
وقوله مكاتباً السيد حيدر الحلي:
ناديت من سلب الكرى عن ناظري وتجلـدي بقطيعــة وفــراقِ
أمناي أنت القلب بين جوانحـي أمناي أنت النور فـي أحداقـي
هـلا تـرق لمغـرم متجلبـب برد العفـاف رميّـة الأشـواق
فحشاشتي ذابت عليـك صبابـة والعين ترعف بالـدم المهـراق
إن كنت فرداً في الجمال فإننـي تاللـه فيـك لواحـد العشــاق
وأنا الأثيل المجد بدر سما العـلا فرع المكارم طيـب الأعـراق
فإذا الملا اضطربت بها آراؤهـا لعظيمة كشفت لهم عـن سـاق
أهديهم نهـج الصـواب بفكـرة كالشمس مشرقة علـى الآفـاق
وإذا السنـون تتابعـت أوليتهـا مـن راحتـي بوابـل غيـداق
وإذا الوغى ازدحمت أذقت أسودها طعم الحمام على متـون عتـاق
وهي طويلة، ومن شعره في المذهب قوله مراجعاً وقد عزم على السفر إلى النجف والمجاورة لأمير المؤمنين عليه السلام وأنشدنيه من لفظه:
وقائلـة وأدمعهــا استهلــت غيوثـاً دون وابلهـا الغيــوثُ
رحلت فمن تؤمل قلـت مولـى إليـه يحمـد السيـر الحثيــثُ
فقالت كيف تـدرك مـا تمنـى وركب النجح يسـرع أو يريـث
فقلـت بكفـؤ فاطمـة استغثنـا فقالت لي أجـل نعـم المغيـث
فمن لربوع مجدك قلـت أهـل لا تحمـي عرينتهـا الليــوث
وقوله في قصيدة حسينية أنشدنيها أيض:
مـا لعينـيَّ بالدمـا تنضجـانِ ولقلبـي سـال عـن السلـوانِ
564
لـم أشجيـت واجـداً بمناحـي ساجعات علـى فـروع البـانِ
أفهل ساق مهجة النفـس عنـي يوم كوفـان سائـق الأضعـانِ
أم تذكرت بالطفـوف صريعـاً فـوق رمضائهـا بـلا أكفـانِ
وقتيــلاً مغســلاً بدمــوع داميـات تنضـب كالعقيــان
كم أقاح في الغاضرية أضحـى من دموعـي شقائـق النعمـان
وقليل إن سـال إنسـان عينـي تلك عين الهـدى بـلا إنسـان
وقوله من أخرى أيضا:
عجبـاً وتلـك مـن العجائـبْ والدهـر شيمتــه الغرائــبْ
ويــل الزمــان وقلمـــا يصفو الزمـان مـن الشوائـبْ
مـا لـي ومالـك يـا زمـان ومــا لقلبــي والنوائـــبْ
مـــا أنـــت إلا آبـــق يـا ذا الزمـان فمـن أعاتـب
ليســت بــأول غـــدرة أوليتهــا الشــم الأطايــب
إن الحسيــن غــداة يــوم ألطـف أنسانــا المصائــب
وهو كسابقتها طويلة.

وله في أهل البيت شعر كثير، وفي العقد الفصل الذي صنفه السيد حيدر الحلي له كثير من شعره ومدحه.

ولد ببغداد سنة ألف ومائتين وتسع سنين، وهو اليوم بين المشاهد، أحيى الله به معاهد الدين وأبقاه للمسلمين أنه أرحم الراحمين.

وتوفي ليلة الجمعة حادية عشر شهر رمضان من سنة ألف وثلاثمائة وست وثلاثين، ودفن صاحبها في النجف، من حمى أصابته في النجف بعد وروده من زيارة نصف شعبان. وقبره عند قبور آبائه في باب الطوسي، رحمه الله، خارج الصحن الشريف
565
العلوي، رحمه الله تعالى ورضي عنه.

محمد بن الحسين بن الخليل الرازي المعروف بالشيخ محمد بن ميرزا حسن

كان فاضلاً في جملة من العلوم، دقيق الفكر، طلق اللسان، تقياً كثير العبادة وتلاوة القرآن، أديباً لم يكد يعرف له شعر في زمن حياته إلا ما وجد في خطه بعد وفاته، فمنه قوله:
أبا حسن أنـت حامـي الجـوار وأنت المعـدّ لكشـف الكـروب
فلا يقرب الضيم من في حمـاك ولا يستريـب لأمـر مريــب
ومن عجب وصروف الزمـان تروح وتغـدو بأمـر عجيـب
أضام ولي موطن فـي حمـاك وفيك أستغـث ولسـت مجيـب
أيحمل فيمن نشـا فـي حمـاك يلـوذ بغيـرك بعـد المشيـب
ودّرة أمـي محــض الــولا نشأت عليهـا وكانـت حليـب
فإن لم تغثنـي وأنـت المغيـث لكـل بعيـد وكــل قريــب
علمـت بأنـك أنـت العليــم بأنـي عـاصٍ كثيـر الذنـوب
توفي سنة ألف وثلاثمائة وخمس وخمسين في النجف، ودفن مع أبيه في مدرسته الكبيرة عن سن تقدر بالسبعين، وأضر آخر عمره، رحمه الله تعالى، وله ولد [اسمه] عبد الرزاق سلمه الله.

محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي، بهاء الدين المعروف بالبهائي

كان كعبة الفضل المقصودة، وضالة العلم المنشودة، وحجة الإسلام التي هي غير
566
مجحودة، ودائرة المعارف الجامعة للمعقول والمنقول، والآية الكبرى التي تحار بها العقول.

ولد في جبع من الجبل، ونال هناك بها من تحصيل العلم الأمل، ثم سافر إلى العراق وفارس والحجاز، ونال الحقيقة من كل مجاز.

وله مصنفات تشهد بطول الباع، وعلو الارتفاع، وعظم الانتفاع

وله شعر رقيق حسن، فمنه قوله في كافية المشهورة التي أوله:
يـا نديمـي بهجتـي أفديــك قم فهات الكؤوس مـن هاتيـك
خمـرةً إن ضللـت ساحتهــا فسنـا نـور كأسهـا يهديــك
يـا كليـم الفــؤاد داوِ بهــا قلبـكَ المبتلـى لكـي تشفيـك
هـي نـار الكليــم فاجتلهــا واخلع النَّعل واتـرك التشكيـك
صـاح ناهيـك بالمـدام فـدم في احتساهـا مخالفـاً ناهيـك
لـي فيهـم رشـأ لـه مقــل فتنـت كـل عابــد نسيــكْ
ذا قــوام كأنــه غصـــن ماس لمـا بـدا بـه التحريـك
لسـت أنسـاه إذ أتـى سحـراً وحـده وحـده بغيـر شريـك
طـرق البـاب خائفـاً وجـلاً قلت من قال كل مـا يرضيـك
قلت صرح فقـال تجهـل مـن سيـف ألحاظـه تحكَّـم فيـك
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله في الرائية المهدوية التي أوله:
سرى البرق من نجد فجدّد تذكاري عهوداً بحزوى والحطيم وذي قار
يقول فيه:
خليفـة رب العالميـن وظلــه على ساكن الغبراء من كل ديّار
إمام هدى لـاذ الزمـان بظلـه وألقى إليه الدهر مقـود خـوار
567
علوم الورى في جنب أبحر علمه كغرفة كـف أو كنقـرة منقـار
إمام الورى طود النهى منبع الهدى وصاحب سر الله في هذه الـدار
ومنه العقول العشر تبغي كمالها وليس عليها في التعلم من عـار
وهي طويلة مشهورة مشروحة مطبوعة.

وقوله فيما كتبه على مخفر بناه لنعال زوّار أمير المؤمنين عليه السلام:
هذا الأفق المبين قد لـاح لديـك فاسجد متذلـلاً وعفـر خديـك
ذا طور سينين فاخضع الطرف به هذا حرم العزة فاخلـع نعليـك
وقوله:
في يثرب والغـري والـزوراء في طوس وكربـلا وسامـراءِ
لي أربعة وعشـرة هـم ثقتـي في الحشر وهم حصيني من أعدائي
وله في الأئمة عليهم السلام شعر كثير، وله ديوان في العربية صغير.

ولد في بعلبك سنة تسعمائة وثلاث وخمسين.

وتوفي في شوال سنة ألف وثلاثين بأصفهان، ثم نقل إلى مشهد الرضا فدفن بها، وله قبر يزار ويتبرك به رحمه الله تعالى.

محمد الحسين بن علي بن محمد الرضا بن موسى بن جعفر كاشف الغطاء النجفي

فاضل جمع على الفضل فاضل برده، واقتفى أثر أبيه، ومجالسه، له في العلم قدم ثابت، وفي الأدب يد طولى، وله مصنفات جامعة للعيون، جديرة بالاستحسان، وله بديهة قوية، ونفس طويل، وقلم سيال في النثر والنظم، وكتابه المطبوع المسمى ب (الدين والإسلام) يكشف عن قوة عارضته، وشدة أسره في الكلام، وبعد فإنه صاحبي الذي أعرف منه التقى وصفاء السريرة، وحسن المعاشرة،
568
وجميل السيرة، وذكاء الذهن، ورجاحة العقل، وسماحة الكف، مضافاً إلى الفضل الذي حازه، والمشاركة في أغلب الفنون، وله شعر كثير ومدائح ومراثٍ في الأئمة أكثر، ولعلها تجاوز أعداد الحروف، وشعره منسجم الألفاظ بديعها، حسن المعاني مريعها، فمن شعره قوله كاتب:
أمـرض قلبـي شـادن بـضُّ فتكـن بـي ألحاظـه المـرضُ
ريـم لـه أسلمـت نفسـي وإن حارب جفنـي بعـده الغمـضُ
واسودّ يومي منه من بعـد مـا كـان بــه ليلــي يبيّــض
يسوغ مـاء الـورد منـي لـه وكـل وردي عنـه جــرض
أوآه مـن نـار علـى خــدّه لـه سناهـا ولـي الرمــض
يا ناقض المـرط علـى بانـة يهدي إلى القلـب بهـا النقـض
مس ففؤادي طائـر لـم يكـن بشجيـه إلاّ الغصـن الغــضّ
وابسـم فدمعـي ضامـن أنـه يعقـب غيثـاً ذلـك الومـض
رفضتنـي دلاًّ ولـي مهجــة فيـك مـع الأدمـع ترفــض
اقضِ بما شئت فأهـل الهـوى قضى لهـم حبـك أن يقضـوا
وقوله من قصيدة:
أروضـه هـزَّ الصبـا أراكهـا أم قامـة تهتـز مـا أراكهــا
ووجنة مـا قـد زهـا أم وردة بين ضلوعي أنبتـت أشواكهـا
يا كعبة تنسكـت أهـل النهـى فيهـا ولكـن فتنـت نسّاكهــا
ويـا كواكبـاً بأفلـاك الحشـا قد أشرقـت فأحرقـت أفلاكهـا
ويا ملوك في القلوب ما سقـت من غير إنهاء الأسـى أملاكهـا
أفـدي بنفسـي رشـأ مهفهفـاً فتّان أعطـاف الصبـا فتاكهـا
عزّ فلو يطلـب منـي مهجتـي لقلت يـا أعـزّ منهـا هاكهـا
569
ومن شعره في المذهب قوله في قصيدة حسينية نظمها في محرم سنة 1322ه أوله:
نفـس أذابتهـا أسـىً زفراتهـا فجرت بهـا محمـرّة عبراتهـا
وتذكرت عهد المحصب من منىً فتوقـدت بضلوعهـا جمراتهـا
سـارت ورائهـم ترجـع رنّـة حنّت مطاياهـم لهـا وحداتهـا
طلعوا بيوم للـوداع وقـد غـدا ليلاً فـردت شمسـه جبهاتهـا
وسروا بكل فتاة خدر إن تكـن ليـلاً فأطـراف القنـا هالاتهـا
فخذوا احمرار خدودها بدمائنـا فجنانها دون الـورى وجناتهـا
واستعطفوا باللين قامـات لهـا فلقـد أقمـن قيامتـي قاماتهـا
للـه يـوم تلفتـت لـو أنهــا كانـت لقتلـى حبّهـا لفتاتهـا
ومشت فخاطرت النفوس كأنمـا ماست بخطّار القنـا خطراتهـا
ومن البليـة أننـي أشكـو لهـا بلوى الضنا فتزيد في لحظاتهـا
وأبيـت أسهـر ليلتـي وكأنمـا قد وفّرت في جنحهـا وفراتهـا
ومهى قنصت لصيدهن فعدت في شرك الغرام وأفلتـت ظبياتهـا
عجباً تقود لي الأسـود مهابـة وتقودني وأنـا الأبـيّ مهاتهـا
أنا من بعين المكرمات ضياءهـا لكن بعيـن الحاسديـن قذاتهـا
إن أنكرتني فعلـة عميـا فـلا عجباً لأني فـي سنـاي فقاتهـا
تعسـاً لدهـر أصبحـت أيّامـه والغدر نجح عداتهـا وعداتهـا
لا غرو أن تعتـد بنـوه الغـدر فالأبنـاء مـن آبائهـا عاداتهـا
ولقد وجدت ملائة الدنيـا خلـت مـن عفّـة ونجابـة فملاتهـا
وأرى أخلائـي غـداة خبرتهـم أعدى عدى شنت بنـا غاراتهـا
كنت الحماة أخا لهـم فكشفتهـم عن عقرب لسعت حشاي حماتها
570
وتعدّهم نفسي الحياة لهـا وقـد دبّـت إليهـا منهـم حيّاتهــا
إن فصلت لي العذر أنواعاً فقـد عرفت بخبـث الغـد ماهياتهـا
وأنا العفي من الإبـا وخلائقـي في طاعة الحر الكريم عصاتهـا
علمت عينيّ الإبـا فلـم تسـل إلا لــآل محمــد عبراتهــا
كم غارة لك يا زمـان شننتهـا لـم أستطـع وفعالهـا فشناتهـا
وأرى الليالي منك حبلى لم تلـد للحـرّ غيـر ملمـة عدواتهـا
تجري لها العبرات حمراً إن جرت ذكراً علـى أسماعنـا عثراتهـا
وودت مذ جارت علـى أبنائهـا ورمت بنيها بالصروف بناتهـا
عدلت بآل محمد فيمـا قضـت وهـم أئمـة عدلهـا وقضاتهـا
المرشدون المرفدون فكم هـدى وندى بمنح صلاتها وصلاتهـا
والمطعمون المنعمون إذا انبرت نكباء صوحت الثـرى نكباتهـا
والجامعون شتات غـرّ مناقـب لـم تجتمـع بسواهـم أشتاتهـا
يا غاية تقـف العقـول كليلـة عنها وإن ذهبت بهـا غاياتهـا
يا جذوة القدس التي ما أشرقـت شهب السما لو لم تكن لمعاتهـا
يا قبة الشرف التي لو في الثرى نصبت سمت هام السما شرفاتها
يا كعبة لله إن حجـت لهـا الأ ملـاك منـه فعرشـه ميقاتهـا
يا نقطة الباء التـي بانـت لهـا الكلمات وائتلفت بهـا كلماتهـا
يا وحدة الحق التي مـا إن لهـا ثانٍ ولكن مـا انتهـت كثراتهـا
يا وجهة الأحديـة العليـا التـي بالأحمديـة تستنيـر جهاتهــا
يا عاقلي العشر العقول ومن لها السبع الطباق تحركت سكتاتهـا
أقسمت لو سرُّ الحقيقة صـورة راحت وأنتـم للـورى مراتهـا
أنتم مشيئته التي خلقت بهـا الأ شياء بل ذرئـت بهـا ذراتهـا
571
وخزانة الأسـرار بـل خزّانهـا وزجاجة الأنوار بـل مشكاتهـا
أنا في الورى قالٍ لكم إن لم أقل ما لم تقله في المسيـح غلاتهـا
سفهاً لحلمي إن تطر بثباتي السفها ء مـذ طـارت بهـا جهلاتهـا
أنا من شربت هناك أوّل درّهـا كأساً سرت بسرائري نشواتهـا
فاليوم لا أصحو وإن ذهبت بـي الأقوال أو شدَّت علـيَّ رماتهـا
أو هل ترى يصحو صريع ملامة ممّـا بـه إن عنّفتـه صحاتهـا
أو هل يحول أخو الحجا عن رشده ممّـا تؤنبـه عليـه غواتهــا
بأبي وبي منهم أجـلّ عصابـة سارت تؤم بها العلى سرواتهـا
عطرى الثياب سروا فقل في روضة غب السحاب سرت بها نسماتها
ركب حجازيون عرقـت العلـى فيهم ومسـك ثنائهـم شاماتهـا
تحدو الحـداة بذكرهـم وكأنمـا فتقـت لطيمـة تاجـر لهواتهـا
ومطوّحين ولا غناء لهم سـوى هـزج التلـاوة رتّلـت آياتهـا
وإلى اللقـاء تشوّقـا أعطافهـم مهـزوزة فكأنهــا قنواتهــا
خفّت بهـم نحـو المنيـة همّـة ثقلت على جيش العدى وطآتهـا
وبعزمها من مثـل مـا بأكفهـا قطع الحديـد تأججـت لهباتهـا
فكأن مـن عزماتهـا أسيافهـا طبعت ومن أسيافهـا عزماتهـا
قسم الحيا فيهم فمـن مقصـورة الأيدي ومن ممـدودة قسماتهـا
وملوك بأس في الحروب قبابهـا قب البطون ودستهـا صهواتهـا
آحادهم ألف إذا ضمّـت علـى ألف المعاطـف منهـم لاماتهـا
يسطون في الجمّ الغفير ضياغماً لكنمـا شجـر القنـا غاباتهــا
كالليث أو كالغيث في يومي وغا وندى غـدت هبّاتهـا وهباتهـا
حتى إذا نزلوا العراق وأشرقـت أكنافها وزهت بهـم عرصاتهـا
572
ضربوا الخيام بكربـلا وعليهـم قـد خيمـت ببلائهـا كرباتهـا
نزلوا بها فانصاع من شوك القنا ولظى الهواجر مائهـا ونباتهـا
وأتت بنو حرب تروم ودون مـا رامت تخر من السمـا طبقاتهـا
رامت بأن تعنو لها سفهاً وهـل تعنو لشـرك عبيدهـا ساداتهـا
وتسومها إما الخضوع أو الردى عزّاً وهل غير الإبـاء سماتهـا
فأبوا وهل مـن عـزّة أو ذلّـة إلاّ وهـم آباؤهــا وأباتهــا
وتقّحموا ليل الحروب فأشرقـت بوجوههـم وسيوفهـم ظلماتهـا
وبدت علوج أميـة فتعرضـت للأسد في يوم الهيـاج شباتهـا
تعدوا لها فتميتهـا رعبـاً وذي يـوم الّلقـى بعداتهـا عاداتهـا
فتخـرُّ بعـد قلوبهـا أذقانهــا وتفرّ قبـل جسومهـا هاماتهـا
ومذ الوغى شبّت لظى وتقاعست دون الشدائـد نكصّـا شدّاتهـا
خلعوا لها جنن الدروع ولاح من نيرانهـا لجنانهــم جنّاتهــا
بأكفهـا عـوج الأسنّـة ركـع ولها الفـوارس سجّـد هاماتهـا
حتى إذا وفت الحقـوق وفاتهـا وعلت بفردوس العلى درجاتهـا
شاء الإلـه فنكسـت أعلامهـا وجرى القضاء فنكّصت راياتها
ثم انثنى فرد أبو السجاد فاجتمعت عليـه طغامهــا وطغاتهــا
غيران يحمل عزمة حملت إلـى حرب جيـوش منيـة حملاتهـا
تلوي بأولاهـم علـى أخراهـم وتجول في أوساطهم سطواتهـا
يحمي مخيمه فقل أسد الشـرى ديست علـى أشبالهـا غاباتهـا
خطب العدى فوق العوادي خطبة للسانــه وسنانــه كلماتهــا
نثر الرؤوس بسيفه ونظمن فـي سلـك القنـا لقلوبهـم حبّاتهـا
أن يشرع الخرصان نحو مكردس ردّت ومـن أكبادهـم عذباتهـا
573
وإذا هوت بالبيض قبضة كفّـه عادت على أرواحهم قبضاتهـا
يروي الثرى بدمائهم وحشاه من ظمـأ تطايـر شعلـة قطعاتهـا
تبكي السماء له دماً أفـلا بكـت مـاء لغلـة قلبـه قطراتهــا
وأحرّ قلبي يا ابن بنـت محمـد لك والعدى بك أنجحت طلباتهـا
منعتك من نيل الفرات فلا هنـى للنـاس بعـدك نيلهـا وفراتهـا
وعلى الثنايا منك يلعب عودهـا وبراسك الشامي تشـال قناتهـا
وبهم تروح العاديـات وتغتـدي فوق وجسومكم فوق الثرى حلباتها
هاتيك في حرّ الهجير جسومهـا صرعى وتلك على القنا هاماتها
أقوت معالم أنسهم والوحش كـم راحت ومـن أسيافهـم أقواتهـا
وما زال يرصع هذه العقود بلئاليها اليتايم، ويطلع من رياض الورود نوارها المستور بالكمايم، حتى أتمها مائة وسبعين بيتاً عامراً بالمحاسن اللفظية والمعنوية، مرفوعاً سمكه بمناقب العترة النبوية، فلله أبوه، ولا فض فوه، وله غيرها ما كاد يستوفي الحروف.

ولد سلمه الله بالنجف سنة ألف ومائتين واثنتين وتسعين، وقبل سنوات حج وجعل طريقه على الشام فحلب فمصر، وحاضر علمائها فرأوا منه الباقعة اللسن، والبحر الخضم، ثم عاد، وهو اليوم بالنجف مشغول بالإفادة والإستفادة في العلوم، شأن آبائه الكرام وديدنهم المعلوم، سلمه الله تعالى.

محمد الحسين بن الكاظم بن علي بن أحمد الموسوي النجفي الشهير بالكيشوان

فاضل مشارك في العلوم، سابق في المنثور والمنظوم، له فكرة تخرق الحجب، وهمة دونها الشهب، وشعر يسيل رقة، وخط يشبه العذار دقة، إلى حسن أخلاق
574
مع الرفاق، ونسك وتقى بعيد عن الرياء والنفاق، وله شعر كثير بديع التركيب، فمنه قوله سلمه الله:
أنهـى الجمـال إليـك أمــره يـا مالكــاً نهيــه وأمــره
مـا أنـت إلا مليـك حســن يعقـد تاجـاً عليــه شعــره
غـزال رمـل نقــي خــد ولـد فـوق البيـاض حمــره
مـن لـي فـي لفتـة فيلفــي قلبـي سـروراً بهـا ونضـره
أجـد بالوجـد حيــن يلهــو بمهجتــي يمنــة ويســره
كأنمـا الشــوق صولجــان صيرنـي فـي يديـه أكــره
بكـر بالـراح وهـي كــرم فـزف بالـراح منـه عصـره
أذاب دينـــار وجنتيــــه وزف لـي باللجيــن تبــره
أقـول للقلـب وهـو صــب مصعــد أنــة وزفـــره
خلفـك عـن هــذه الثنايــا فقـد حمـى بالعيـون ثغــره
كـم طـل فيهـا دمـاً حرامـاً أبـاح قاضـي العيـون هـدره
سـل شبـا جفنـه فأضحــى نظـام دمعـي يصـوغ نثـره
فـررت مـن حربـه وشوقـي حبـب لــي كــرة وكــره
قلـت وقلبـي لبــرد فيــه كابـد وقـد الضمـا وحــره
أمرر فمي باللمـى فمـا أحـلا إليـــه ومـــا أمــــره
وهي طويلة.

وقوله من قصيدة أوله:
قلبي به من لوعة البين وصـب ذات فأجرى ذوبه طرفي وصبْ
قلب وطرف في هـواك اتفقـا فاختلفا في صعد وفـي صبـبْ
تشاطرا فيك صبابـات الهـوى فصار هـذا دنفـاً وذاك صـب
575
وبات قلبي والجمى فيـه علـى سلم وطرفي والكرى على حرب
فمن ضعيـف لجريـح انتمـى ومرسل منه إلى الأعشى انتسب
تاجرت في الحب فلم أربح سوى أن الجوى سعّر قلبـي فالتهـب
صرفت نقداً حبـة القلـب فمـا أفادني نقـد الهـوى ولا ذهـب
وعاد قلبي بأعاريـض النـوى مقطعاً فيا خليلـي مـا السبـب
كم قلت للبرق الذي أضـاء لـي ثم خبا تبت يـد البـرق وتـب
كيف خبا ناراً وهـذي أضلعـي قد أصبحت حمالة لـه حطـب
وقوله مشطراً البيتين المشهورين:
(رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا) وأبدى لنا من خده رايـة حمـرا
وأرسلها من وفرتيـه سلاسـلاً (فما أكثر القتلى وما أرخص الأسرا)
(خذوا حذركم من خارجي عذاره) فقد حكم الأجفان يحمي بها الثغرا
ولا تشهدوا بدراً إذا سل بيضـه (فقد جاء زحفاً في كتيبته الخضرا)
ومن شعره في المذهب قوله مشطراً أبيات عبد الباقي العمري في أمير المؤمنين عليه السلام:
(وليلة حاولنـا زيـارة حيـدر) وقد رجع الحادي بترديد أشعاري
وسامرت نجم الأفق في غلس الدجى (وبدر سماها مختف تحت أستار)
(بأدلاجنا ضل الطريـق دليلنـا) وقد هومت للنوم أجفان سماري
تحريت أستهدي بأنوار فكرتـي (ومن ضل يستهدي بشعلة أنوار)
(ولما تجلت فيه المرتضى لنـا) بأبهى سناً من قبة الفلك الساري
قصدنا السنا منها وقد لاح ضوءها (وجدنا الهدى منها على النور لا النار)
وقوله من حسينية أوله:
حتى تستهل الصافنات الطلائـعُ صهيلاً له في الخافقين زعـازعُ
576
وتسمعها زجراً ترن لـه الفـلا برجع صدا تستك منه المسامـعُ
وتملأ ظهر الأرض منها بغـارة يضيق بها صدر الفضا وهو واسع
تعيد بها الخضراء مغبرة الذرى مغاربهـا مسـوّدة والمطالــع
وتبعثهـا مرهوبـة لا تردهــا عن القصد من وقع الحديد قعاقع
تخوض بحار الحرب فيها سفاننا جرت بالمنايا والسيـاط مدافـع
وتقرع فيها صدر كـل كتيبـة بكل كمىٍّ لـم ترعـه القـوارع
تشن على حرب بهم كل غـارة تعيد الضحى ليلاً به النفع سافـع
فقد هشمت بالطف أعظم هاشـم وما بقيت إلا الضلوع الجراشـع
غداة رسا ما بينها ثقـل أحمـد فخفت إليـه بالضلـال تسـارع
أتت طمعاً تنزو على الحقد خيلها فخابت بها عند اللقـاء المطالـع
تخادعه في السلم حرب ودونهـا قراع وغىً منه تليـن الأخـادع
فشمّر دون الضيم يستأثر الإبـا بمعترك فيه الضواري ضـوارعُ
وأقبـل يستـنّ النـزال بفتيـة بهم يستقيم الكون والخطب ظالعُ
بمزدلف ما فيـه للريـح معبـر سوى أن ريح الموت فيه زعازع
يريك سماء الحرب تمطر بالدما إذا برقت فيه السيـوف اللوامـع
به اصطفت الأبطال حين دعا بها لسان الفنا والموت للصف جامع
فمن راكع في رأسه السيف ساجد ومن ساجد في صدره الرمح راكع
فللبيض من فيض النحور موارد وللسمر من حبّ القلوب مراتـع
كأن مذاكيهـم عقـارب والقنـا أراقم في أنيابهـا السـم ناقـع
مصاليت ثاروا للكفاح فأيقظـوا جنون المواضي والمنايا هواجـع
عزائمهم وهـي السهـام نوافـذ وأيديهم وهي السيـوف قواطـع
إذا قارعوا بالسمر صدر كتيبـة تيقنت أن السمر فيهـم تقـارع
577
مشوا للوغى والأرض رعباً تزلزلت فقروا وهم فيها جبـال فـوارع
وماجوا بحوراً بالحديد تدفعـت وفي البرّ نقعاً موجهـاً متدافـع
بحيث جناح الذعر بالقلب خافق وحائم طير الموت في النفس واقع
إذا غضبوا في الحرب جاشت صدورهم وضاقت عليهم في الكفاح المدارع
مجامعهم لا يخفق الرعب بينهـا إذا خفقـت للدارعيـن مجامـع
فدارعهم للطف والغرب حاسـر وحاسرهم بالبأس والصبر دارع
ولما قضوا حق المعالي تنازعت وشيج القنا منهم نفـوس نزائـع
كرام بإيثـار النفـوس تنافسـوا فجادوا بها والمكرمـات طبائـع
أباحوا لهم دون الشريعة أنفسـاً وقد حرمت ظلماً عليها الشرائـع
هووا للثرى صرعى وملأ برودهم إباء ذكت بالحمد منه المصـارع
هجوماً تلاقت فوقهم قصد القنـا كما يتلاقى الهدب والجفن هاجع
زهت فيهم أرض الطفوف كأنها سماء وهم فيها نجـوم طوالـع
لهم جثث فوق الرمـال وأرؤس بها تتثنـى الذابلـات الشـوارع
وعارين من وصم القتيل تلفهـم غلائل لم تنسـج لهـن وشائـع
مطرّزة بالبيض والسمر فوقهـا طرائق من صبغ الدماء نواصع
أصبراً ولا ينضي الحفاظ سيوفكم ليوم بـه وتـر النبـوة ضائـع
غداة بنو حرب رمتهـا فجيعـة بمؤلمة لم تـأت فيهـا الفجائـع
وهي طويلة، وله غيرها كثير. ولد سنة ألف ومائتين وخمس وتسعين بالنجف.

وهو اليوم بها حي مكب على الإفادة والاستفادة في العلم، سلمه الله تعالى.

ثم توفي بها فجأة بعد ضيق نفس لم يطرحه في فراش، ولم يزاوله الانتعاش، ليلة الإثنين لثلاث بقين من ذي القعدة من سنة ألف وثلاثمائة وست وخمسين، ودفن
578
ضحى في الصحن الشريف عند جهة مسجد عمران، مقابل التكية عن بابها نحو خمسة عشر ذراعاً، وبهذا السرداب قبر الشيخ محمد نصار اللملومي والسيد حيدر الحلي والشيخ جعفر بن الشيخ محمد المذكور، رحمهم الله جميعاً وغفر لهم.

محمد بن الحسين بن محمد بن الأمير محسن بن عبد الجبار بن إسماعيل بن عبد المطلب بن علي بن فاخر بن أسعد بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد أمير الحاج الحسيني النجفي

كان فاضلاً في العلوم، مشاركاً في الفنون، حسن المنثور والمنظوم، تلمذ على السيد نصر الله الحائري ومدحه وله الآيات الباهرات في مدائح النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام شعر جعل فيه لكل معصوم تسع منظومات، ذكر في كل واحدة منها آية بالشعر أو بالرجز أو الموشح أو المقامة، فمن شعره قوله في العباس بن علي عليه السلام:
بذلت أيا عبـاس نفسـاً نفيسـة لنصر حسين عزَّ بالبجدّ عن مثلِ
أبيت التذاذ المـاء قبـل التـذاذة وحسن فعال المرء فرع عن الأصل
فأنت أخو السبطين في يوم مفخر وفي يوم بذل الماء أنت أبو الفضل
وقوله في إحدى السجاديات:
نجـم الشبـاب لقــد سقــط والشيـب فـي رأسـي وخـط
وبـدت علـى لــام العــذار دمــوع عينــي كالنقـــط
لفـراق وقـت كنــت فيــه مـن السـرور علـى نمــط
فمـزار مـن أرجـوه عنــي يبعــد النكبـــات شـــط
579
النــدب زيــن العابديـــن مـن ارتجـاه فمــا غلــط
مولــى بمغنــاه اغتـــدى يومـاً يصلـي فـي الوســط
والباقــر العلــم المقــدس كـان طفــلاً مــا نشــط
فحبـا إلــى بئــر هنــاك عميقــة فيهـــا سقـــط
لمـــا رأتـــه أمّــــه صاحــت ومدمعهــا نبــط
فأتتـه نحـو البئــر تضــر ب نفسهــا ممــا هبـــط
وعــن الصلـــاة العـــا بد السجّاد مـا دانـى الشطـط
حتــى أتـــم صلاتـــه كمـلاً كمـا البـاري شــرط
وبراحتيــه مــن الميـــاه الباقــر العلـــم التقـــط
لا المـرط منـه ابتـل مــن مـاء ولا الأعضــاء قــط
وكل شعره على هذا النمط.

توفي سنة ألف ومائة ونيف وثمانين بالنجف، ودفن بها، رحمة الله عليه ورضوانه.

محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم عليه السلام، الشريف الرضي، أبو الحسن النقيب

كان آية من آيات الله الباهرة، ومعجزة من المعجزات الظاهرة، وأحد أعيان العترة الطاهرة، وكان جامعاً للعلوم، مصنفاً حسن التصنيف في المنثور والمنظوم، وكان نقيباً، وتولى إمارة الحاج سنين، وكان عالي الهمة، كبير النفس، إلى كرم ونسك يليقان بمثله من أهل بيت الرسالة، فهو بالإمامة أشبه، وبالإمارة أليق، ابتداء ينظم الشعر في عاشر سنيه، فمن شعره قوله رضي الله عنه:
580
عارضا بي ركبَ الحجازِ أسائل ه: متـى عهـده بأيّـام سلــعِ
واستملاّ حديثَ من سكنَ الخـي فَ ولا تكتبــاهُ إلاّ بدمعــي
فاتني أن أرى الدّيـارَ بطرفـي، فلعلّـي أرى الدّيـارَ بسمعــي
يا غزالاً بين النّقـا والمصلّـى ليسَ يقوى على نبالـكَ درعـي
كلّما سـلّ مـن فـؤاديَ سهـمٌ عاد سهمٌ لكم مضيـضَ الوقـعِ
وقوله:
ولقدْ مـررتُ علـى ديارهـمْ، وظلولهـا بيـدِ البلـى نهــبُ
فوقفتُ حتى ضـجَّ مـنْ لغـبٍ نضوي، وعجَّ بعذلـيَ الرّكـبُ
وتلفّتتْ عينـب، فمـذْ خفيـتْ عنهـا الرُّبـوعُ تلفّـتَ القلـبُ
ومن شعره في المذهب قوله:
ألا للــهِ بــادرةُ الطِّلــابِ، وعـزمٌ لا يــرؤعُ بالعتــابِ
وكلُّ مشمِّـرِ الردنيـنِ يهـوي هويَّ المصلتاتِ إلـى الرّقـابِ
أعاتبـهُ علـى بعـدِ التّنائـي، ويعذلني علـى قـربِ الإيـابِ
يقول فيه:
سقى اللهُ المدينـةَ مـنْ محـلٍّ لبابَ المـاءِ والنُّطـفِ العـذابِ
وجـادَ علـى البقيـعِ وساكنيـهِ رخـيُّ الذّيـلِ ملـآنُ الوطـابِ
وأعلام الغريّ، ومـا استباحـتْ معالمها مـن الحسـبِ الُّلبـابِ
وقبراً بالطُّفوفِ يضـمّ شلـواً، قضى ظمأً إلى بـردِ الشّـرابِ
وبغـداد، وسامـرا وطوســاً، هطولَ الودقِ منخـرقَ العبـابِ
قبورٌ تنطـفُ العبـراتُ فيهـا، كما نطفَ الصَّبيرُ على الرّوابي
فلو بخلَ السّحابُ علـى ثراهـا لجادت فوقهـا قطـعُ السّـرابِ
سقاكَ فكمْ ظمئتُ إليـك شوقـاً علـى عـدواءِ داري وقترابـي
581
تجافي يا جنوبَ الرّيـحِ عنّـي، وصوبي فضلَ بردكِ عن جنابي
ولا تسري إلـيّ مـع الليالـي، وما استقبحتُ من ذاكَ الشـرابِ
قليـلٌ أن تقـادَ لـهُ الغـوادي، وتنحرُ فيـهِ أرقـابِ السّحـابِ
أمـا شـرقَ التّـرابُ بساكنيـهِ فيلفظهمْ إلـى النِّعـمِ الرّغـابِ
فكمْ غدتِ الركائب وهي سكرى تديرُ عليهـمُ كـأسَ المصـابِ
صلاةُ اللـهِ تخفـقُ كـلّ يـومٍ علـى تلـك المعالـمِ والقبـابِ
وإنّـي لا أزالُ أكـرّ عزمـي، وإن قلّـت مساعـدةُ الصّحـابِ
وأخترقُ الرّيـاحَ إلـى نسيـمٍ، تطلّعَ منْ تـرابِ أبـي تـرابِ
بـودّي أن تطاوعنـي الّليالـي، وينشبَ في المنى ظفري ونابـي
فأرمي العيسَ نحمكـمُ سهامـاً، تقلقـلُ بيـن أحشـاء الرحـاب
لعلّـي أنْ أبـلّ بكـمْ غليــلاً تغلغـلَ بيـنَ قلبـي والحجـابِ
فمــا لقياكــمُ إلاّ دليـــلٌ علـى كنـزِ الغنيمـةِ والثّـوابِ
ولي قبـران بالـزّوراءِِ أشفـى بقربهمـا نزاعـي واكتئابــي
أقـودُ إليهمـا نفسـي وأهـدي سلاماً لا يحيـدُ عـنِ الجـوابِ
لقاؤهما يطهّـرُ مـنْ جنانـي، ويدرأ عن ردائـي كـلَّ عـابِ
قسيمُ النّـارِ جـدّي يـومَ يلقـى بهِ بـابُ النّجـاةِ مـنَ العـذابِ
وساقي الخلقِ والمهجاتُ حرّى، وفاتحةُ الصّراطِ إلـى الحسـابِ
ومنْ سمحـتْ بخاتمـهِ يميـنٌ تضـنُّ بكـلّ عاليـةِ الكعـابِ
أما في بـابِ خيبـرَ معجـزاتٌ تصـدَّقُ، أو مناجـاةُ الحبـابِ
أرادتْ كيـدهُ، واللـه يأبــى، فجاَء النّصرُ منْ قبـلِ الغـرابِ
أهذا البدرُ يخسـفُ بالدّياجـي، وهذي الشمسُ تطمسُ بالضَّبـابِ
وكان إذا استطالَ عليـهِ جـانٍ، يرى تركَ العقابِ مـنَ العقـابِ
582
أرى شعبانَ يذكر لي اشتياقـي، فمـنْ لـي أنْ يذكّركـمْ ثوابـي
بكمْ في الشِّعرِ فخري لا بشعري، وعنكمْ طالَ باعي في الخطـابِ
أجلّ عـنِ القبائـحِ غيـرَ أنّـي لكمْ أرمـي وأرمـى بالشَّـرابِ
فأجهـرُ بالـولاءِ، ولا أبالـي، وأنطـقُ بالبـراءِ، ولا أحابـي
وهي طويلة، وله كثير فيهم عليهم السلام، وديوانه مطبوع، وترجمته معروفة فلا حاجة إلى النقل من ذا والإكثار من هذه.

ولد سنة ثلاثمائة وتسع وخمسين ببغداد.

وتوفي صبح يوم الأحد لست خلون من المحرم سنة ست وأربعمائة، ودفن بداره أولاً، ثم دفن بكربلاء أو الكاظمية ثانياً، كما ذكرنا في ترجمة المرتضى جنازته جزعاً، بل ذهب إلى قبري الكاظميين عليهما السلام ورثاه بقصيدة غراء تكشف عن جزعه يقول فيه:
يا للرّجالِ لفجعةٍ جذمـتْ يـدي ووددتُ لو ذهبتْ علىّ براسـي
ما زلتُ (أحذر) وردها حتى أتتْ فحسوتها في بعض ما أنا حاسِ
ومطلتها زمنـاً فلمّـا صمَّمـتْ لم يثنها مطلى وطـول مكاسـي
لله عمركَ مـن قصيـرٍ طاهـرٍ ولربَّ عمـرٍ طـال بالأونـاس
ورثاه تلميذه مهيار بن مرزويه الكاتب بقصيدة أوله:
مـن جـبَّ هاشـم وسنامهــا ولوى لؤيَّـاً واستـزلَّ مقامهـا؟
وغزا قريشاً في البطـاح فلفَّهـا بيد وقوَّض عزَّهـا وخيامهـا؟
وأناخ في مضرٍ بكلكـل خسفـهِ يستام فاحتملتْ له مـا سامهـا؟
من حلَّ مكّة فاستبـاح حريمهـا والبيتُ يشهد واستحلَّ حرامهـا؟
ومضى ليثرب مزعجاً ما شاء من تلك القبور الطاهراتِ عظامهـا؟
وهي طويلة فشقت على حساده، فرثاه بأخرى جاد بها وعرض بهم وهي قوله:
583
أقريـشُ، لا لفـمِ أراكِ ولا يـدِ فتواكلي، غاض الندى وخلا النَّدي
يا ناشدَ الحسناءِ طـوَّف قاليـاً عنها وعـاد كأنـه لـم ينشـدِ
واهبط إلى (مضر) فسلْ (حمراتها): من صاح (بالبطحاء): يا نار اخمدي؟
بكر النعيُّ فقال: أودى خيرهـا، إن كان يصدقُ (فالرضيُّ) هو الرَّدي
فجعتْ بمعجـزِ آيـةٍ مشهـودةٍ ولربَّ آيـاتٍ لهـا لـم تشهـدِ
كانت إذا هي في الإمامة ودعت ثم ادَّعت بك حقَّهـا لـم تجحـدِ
تبعتكَ عاقـدةً عليـك أمورهـا وعرى تميمك بعـدُ لمّـا تعقـدِ
ورآكَ طفـلاً شيبهـا وكهولهـا فتزحزحوا لك عن مكان السيِّـدِ
وهي أيضاً طويلة، وهما غرر القصائد التي تغيظ العدو حنقاً وكمداً.

محمد بن حمزة بن الحسين بن نور علي التستري الحلي، الشهير بابن الملا

كان فاضلاً أديباً، سريع البديهة، حاد الفكرة، ثاقب الفهم، وكان شاعراً منسجم الألفاظ، حسن التركيب، رقيق المعاني، مكثر النظم، له ديوان يشتمل على ثلاثين ألف بيت فيه سبع رياض، في النبي صلى الله عليه وسلم وفي آله عليهم السلام، وفيه كل أعجوبة من البديع.

رأيته في النجف فكلمته وكان ضريراً، فرأيت من قوة فطنته العجب القوي، وكان شيخاً كبيراً، فمن شعره تركيبة أبيات من شعراء وأخذها بنحو بديع وهي:
يـا مـن سبانـي فـي معــا طفـه التـي سبـت الأراكــا
وسـرى إلـى جسمـي الضنـا مـن جفنـه فاختـرت ذاكــا
وودت أن جوارحــــــي وجوانحــي مقــل تراكــا
يـا كـرخ جـاد عليـك مـذ زار الحيـا وسقــى ثراكــا
584
قلبــي يحدثنــي بأنـــك متلفــي روحــي فداكـــا
لــي بالغـــرام طبيعـــة وتطبــع طبعــي هواكــا
فإن الأول له والثاني للتلمساني وأصله:
وسرى إلى جفني الضنا من جفنه واخترت ذاك لأنه مـن عنـده
والثالث لصدر الدين بن الوكيل وأصله:
وودت أن جوارحي وجوانحـي مقـل تـراك وكلهـن عيـون
والرابع لابن أبي الحديد وأصله:
يا كرخ جاد عليك مدرار الحيـا وسقى ثراك من الرواعد مسبـل
والخامس لابن الفارض وأصله:
قلبـي يحدثنـي بأنـك متلفـي روحي فداك عرفت أم لم تعرف
والسادس لحمادي الكواز وأصله:
لـي بالغـرام طبيعـة وتطبُّـع طبعي هواك وما عـداه تطبُّـع
وقوله:
أخفيــت هــواك فعلمنــي أن المخفّـــى سيتضّــــح
وأفاضـت عينــي مدمعهــا ويفيـض إذا امتــلأ القــدح
وقوله:
من لي بمن أشمت بي حسـدي حين غـدا يـدأب فـي ظلمـي
سرت إلـى أعطافـه صحتـي وسقـم جفنيـه إلـى جسمــي
وقوله من قصيدة:
يـا طيـف خيالــه نصبــا مـن أعيننـا لــك الحبائــل
ازداد صبابـــة إذا مــــا لا متني فـي الهـوى العـواذل
يا مـن سحـر القلـوب حبّـاً عن طرفك سـح سحـر بابـل
585
أرتـاح إذا تركــت طرفــي الخصـر مـن الوشـاح جائـل
كــم أنشـــده إذا تثنـــى سكـراً وأعيـد قـول القائــل
يـا مـن لعبـت بـه شمـول مـا ألطـف هـذه الشمائــل
ومن شعره في المذهب قوله مقتبس:
إننــي يــا عتــرة الهــا دي وأبنــــاء النبــــوه
أشتكــي ضعفــي إليكــم فأعينونــــي بقـــــوه
وقوله مقتبساً الحديث العلوي:
لم يستلمني عـن محبـة حيـدر ذو مريـة تخـذ الغوايـة دينـا
وعلى ولاء أخي الأميـن وآلـه قلبي غداة فطـرت كـان أمينـا
للمصطفى كان الوصي المرتضى فأتى بمدحهمـا الكتـاب مبينـا
يـا سيّـداً آياتـه قـد أيّــدت موسى كما قـد أيّـدت هارونـا
لله قدماً كنـت موضـع سـرّه وقسيـم سجّيــن وغسلينــا
أخلصت رب العالميـن سريـرة فـاداك فيهـا سـرّه المكنونـا
ولقد كفاك على بربـك قائـلاً: ما ازددت لو كشف الغطاء يقينا
وقوله مسمطاً بيتي الشيخ عبد الحسين محي الدين المقدم ترجمته:
بولاك فزنا يا علـي بـلا مـرا ولسوف نسقى من يديك الكوثرا
فالروح أنشد قائلاً: لك في الورى (مولاك أنك خير من وطأ الثرى
وأجلّهم بعد النبي المرسل)
بـك آدم عنـد الإلـه توسّـلاً فعفا وباسمك أدرك العرش العلا
إن طاول البيت الحرام ثـراك لا (والله ما البيت الحرام وإن عـلا
بأجلّ قدراً من ضريحك يا علي)
وقوله مسمطاً أبيات عبد الباقي العمري البغدادي:
586
باسمك الأنبيـاء ألفـت هداهـا وبك الأوصيـاء نالـت مناهـا
فدعونـاك حيـث كنـت أباهـا (يا أبا الأوصياء أنـت لطاهـا
صهره وابن عمه وأخوه)
قصر الواصفون مذ حاولـوا أو صافك الممتلى بمعشارها الجـو
أنـت للنـاس والـد واحـد أو (أنت ثاني الآباء من عالم
الـدور فآباؤه تعد بنوه)
فزت من بارئ السما باقتـراب فمعاليـك مالهـا مـن حسـاب
لـك إن كـان آدم ذا انتسـاب (خلق اللـه آدمـاً مـن تـراب
فهو ابن له وأنت أبوه)
وله بديعية جارى بها البديعيات وزاد عليها بأنواع من البديع وخدم بها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:
كفتك شهادات الخميس على الولا ترد خميساً عنك ما كرَّ مدبـرا
وفي مثل هذا الحكم داود قد قضى على صاحبيه إذ عليـه تسـوّرا
فخذ ياسميّ الطهر جعفر صادق من القول حقاً غير منفصم العرى
وله غير ذلك من نفائس الشعر البديعية.

ولد سنة ألف ومائتين وثلاث وأربعين.

وتوفي سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وعشرين بالحلة، ودفن بالنجف، وهو أبو القاسم المتقدم الترجمة، رحمه الله.

محمد الرضا بن أحمد بن الحسن النحوي الحلي النجفي

كان فاضلا جامعا، وأدبيا بارعا، وشاعرا رائعا، وكان محترم الجانب في العراق،
587
خفيف الطباع، حبيبا إلى النفوس، مطارحا للعلماء الذين عاصرهم، مدح السيد مهدي بحر العلوم بتخميس الدريدية فأجازه ألف دينار عنها، ورأيت تخميسها بخط يده وفي أوله خطبة مؤرخا بسنة ألف ومائتين وأربع، ولما توفي أبوه المذكور في حرف الألف مدحه الشيخ جعفر كاشف الغطاء ببيتين، وهما قوله قدس سره:
مات الكمال بموت أحمد فاغتدى حياً بأبلـج مـن بنيـه زاهـر
فاعجب لميت كيف يحيى ظاهراً بين الورى من قبل يوم الآخـر
وناهيه بهذا افتخارا، وكان أحد من يعرض عليه السيد بحر العلوم نظم الدرة في الفقه، وكان كثيرا ما يمدح السيد في ما ينظمه من شعر.

توفي السيد أحمد بن السيد محمد القزويني في قزوين حين زار الرضا عليه السلام وزار أرحامه بها سنة ألف ومائة وإحدى وتسعين فرأى الشيخ حسين نجف ليلة وفاة السيد، كأن السيد توفي وجيء بجنازته إلى الصحن فصلى عليها إمام لا يعرفه بجماعة لا يعرفهم سوى أن عن يمينه السيد المرتضى المهدي الطباطبائي، ثم طيف بالجنازة على ضريح أمير المؤمنين عليه السلام ودفنت عند الباب الأول للداخل من قبل الرجلين، فانتبه ومضى إلى السيد بحر العلوم وأخبره بالرؤيا وخرج، فدخل عليه السيد المرتضى وأخبره برؤيا مثلها وأنه لم يعرف إلا عن يساره الشيخ حسين نجف، فعجب من ذلك، وبعد مدة جاء خبر السيد أحمد، فعملت له مآتم، فذكر السيد بحر العلوم واقعة الطيفين وأمر بكشف الصخرة التي عيناها في باب الحضرة فرأى السيد احمد بسردابها وأراه الذين يعرفونه، فقال المترجم قصيدة يرثيه بها، أولها قوله:
تقـادم عهـد بالخليـط فجـددِ وردّ على سمعي الحديـث وردّدِ
يقول فيه:
فإن شط عن آبائه فهـو بينهـم مقيم فلم تشحـط نـواه وتبعـدِ
588
لقد نقلتـه نحوهـم فهـو راقـد ملائكة الرحمن في خير مرقـد
كما قد رآه المرتضى في عصابة من العلماء الغر في خير مشهـد
يجدد عهداً فـي زيـارة جـده علي فيا طوبى لـذاك المجـدد
فقال امرؤ منهم ألم يك قد قضى وذا قبره فليفقـدن منـه يوجـد
ألا فاكشفوا عن ذا المكان صفيحة تروه دفيناً في صفيـح منضـد
فأهوى إليهـا ثـم مقتلعـاً لهـا فألفوه ملحـوداً بأكـرم ملحـد
في قصيدة جاء في آخرها قوله رحمه الله:
وأهل الكساء وافوا إليه فأرخوا: (لقد ثلم الإسلام من بعد أحمـدِ)
وكتب إليه السيد علي بن محمد الحسين بن زيني جد صالح التميمي لغزا في شرر الزند وهو:
أمولانا الرضا يـا مـن بنشـر الفضائل منك للأسمـاء قـرط
وكم من مشكل أعيـى البرايـا شددت لحلـه كالليـث تسطـو
وظل لحاسديـك علـى المزايـا بليل الجهـل كالعشـواء خبـط
أبـن مـا اسـم ثلاثـي تبـدى إلى تحكيـم مثلـك فيـه قسـط
ومولـود عجيـب مـا رأينــا وليداً مثلـه فـي الكـون قـط
ومـا لعديـد أحقـاب خــوال مضيـن لحملـه جـل وضبـط
وإن فصالــه ليتــم خلقــاً بلا فصل عقيب الوضع شـرط
ولا يحيى ويحصـل منـه نفـع يعـم الخلـق إلا وهـو سقـط
فجد بالحل حيث سواك مـا إن له فـي مثـل ذا حـل وربـط
ودم ليـدوم مـن عليـاك فينـا إذا انقبضت بنـا الأيـام بسـط
فأجابه بقوله:
أمولانا علي القدر يـا مـن لـه حـظ مـن العليــا وقســطُ
589
ومن من عهـد آدم فـي بنيـه لـه عهـد علـى ودي وشـرطُ
ومن مـا زال تسمـو للمعالـي لـه رتـب بهـا للنجـم حـط
أتاني منـك نظـمٌ كـل بيـت يسامي منه سمـط الـدر سمـط
لغزت به فلـم تعربـه عـرب ولم تنبطه حيث اعتـاض نبـط
أردت بيـان مولـود ترامــى به عـن أصلـه نـأي وشحـط
تبايـن عنصـراً مـع والديـه فشظـوا باجتماعهـم وشطـوا
تولـد إذ تولـد مـن جمــاد وشب إلى اليفاع وليس يخطـوا
ومـن ذكـر تولـده وأنثــى ولـم تحملـه أنثـى قـط قـط
وهـذا الوضـع يأكـل والديـه ولم يعطف على رحم ويعطـوا
علـى أن للجليـس لـه بسـاط ومـا بلسانـه للقـول بســط
وليـس لوعيــه إذن ويبــدو له فـي سائـر الآفـاق قـرط
وتسودّ الذوائـب وهـو حمـل وتبدو حين يسقـط هـو شمـط
فذا إعراب مـا أعجمـت منـه وذا شكـل لمشكلــه ونقــط
فخذه ولا يـزال الدهـر يملـي علاءك والـورى طـراً تخـط
ومن غزله قوله:
صحا من خمار الشوق من ليس وجده كوجدي وقلبي من جوى البين ما صحا
وعاد غرامي فيكم مثل ما بـدا وأمسى هيامي مثلما كان أصبحا
أطعت غراماً في هواكم ولوعـة وخالفت عذالاً عليكـم ونضحـا
وإن لامني فيكم على الوجد لائم أقام له عذري هواكم وأوضحـا
ألا فليلم في الحب من لام فالهوى أبي على اللوم وليلح مـن لحـا
فكم قد كتمت الحب والدمع فاضح وما جرت العينان إلا لتفضحـا
وكنيت عنكم إن خطرتم بغيركم فغالبني الشوق الملـح فصرحـا
590
وصرت بنوحي للحمام مجاوبـاً (إذا هتفت ورقاء في رونق الضحى)
فتدعو هديلاً حين أهتف باسمكم كلانا به الشوق المبـرح برحـا
وما وجدت وجدي فتصطبح الجوى وتعتنق الأشجان ممسى ومصبحا
ولو صدقت بالوجد ما خضبت يدا ولا اتخذت في الروض مسرى ومسرحا
ولا أوت الأغصان يرقص دوحها وما أوت الأغصان إلا لتصدحـا
ولي دونها ألف متى عزَّ ذكـره طحا بي لذكراه من الشوق ما طحا
إذا ما تجاهشنا البكا خيفة النوى وجدنا بدمع كان أسخى وأسمحا
وإن أفصح المشتاق عما يجنـه بنطق أفاض الدمع شجواً فأفصحا
فيا غائباً ما غاب عني ونازحـاً على بعده ما كان عني لينزحـا
تقربك الذكرى على الشحط والنوى وبرح جوى ما كان عني ليبرحا
فأنت معي وإن لم تكـن معـي جهاراً فما أدناك منـي وانزحـا
وقوله يرد على من استقبح الخلخال من قصيدة طويلة:
وافتك زائرة وهنا وقـد رقـدت حراسها وسمير الحي قد هجعـا
وظنت الليل يخفي أمرها فوشى بها سنا بارق من ثغرهـا لمعـا
فأوجست رقبة الواشين فالتثمـت وأسبلت ذيل فرع للثرى فرعـا
فتم لما مشت جرس الحلي بهـا وساطع الطيب من أردانها سطعا
فعندما علمـت أن التحـرز مـا أجدى عليها وأن الحذر ما نفعـا
وافت جهاراً على عين الرقيب وقد نضت قناعاً بغير البدر ما قنعـا
وأسفرت فكأن الشمس ما غربت لما بدت وكأن الليل مـا سفعـا
وقالت الحب أعيى من يروم لـه كتماً وكم كتموا حباً فمـا نجعـا
دع الحسود يقل ما شاء من كمد أضناه وليصنع الغيران ما صنعا
وأقبلت وأريج المسـك يسبقهـا والعذل يتبعها بعـداً لـه تبعـا
591
يا ليلة أسفرت لي عن بلوغ منى لم يصدع الصبح عنها قط مذ صدعا
تقارن الليل فيها والنهـار معـاً فأعجب له ممكناً ما زال ممتنعا
عانقت فيها قضيب البان منعطفاً نحوي وطالعت بدر التم قد طلعا
وأطربتني لحون مـن خلاخلهـا برزن شدوا وقد ألفين لي ورعا
وقل لمن قد هجا الخلخال مجتهداً ولم يكن بالتي تمشي به اجتمعـا
لو كنت تسمع إذ تأتيـك رنتـه طربت شوقاً فما راء كمن سمعا
ومن شعره في المذهب تخميسه لمقدمة أبيه للميمية الفرزدقية وهو قوله:
نور الهدى واضح لم تخفه الظلمُ والحق أبلج لم ترتب بـه الأمـمُ
فقل لمن فضل أهل الفضل مهتضم (يا ربّ كاتم فضلٍ ليس ينكتـم
والشمس لم يمحها غيمٌ ولا قتمُ)
هم مبدأ الخلق إيجـاداً وغايتـه وفيهـم رفعـت للديـن رايتـه
كم كاشح لهم استولـت غوايتـه (والحاسدون لمن زادت عنايتـه
عقباهم الخزي في الدنيا وإن عظموا)
رفيع مجدهـم للنيّـرات لمـس ونورهم قد محا للجهل كل غلس
فالضد قطّب وجهاً باسراً وعبس (أما رأيت هشاماً إذا أتى الحجر
السامي ليلمسه والناسُ تزدحمُ)
رأى اعتراك حجيج البيت هولـهُ عن لثم شاهد فرض الحج عطّلهُ
أرسى بموكبه إذ حـطّ أرحلـه (أقام كرسيّه كيمـا يخـف لـه
بعض الزحام عسى يدنو فيستلمُ)
قد ظلّ يرقب هل ضاءت جوانبه وهل أنار طريقَ السعي لاحبـه
حتى استغاث لما عانـاه جانبـه (فلم يفده وقـد سـدّت مذاهبـه
عنه ولم يستطع تخطو له القدمُ)
592
ما زال في لهب التشويش مضطرماً والانتظار له قد أعقـبَ اللممـا
ولم يزل قلقاً ممـا رأى سئمـاً (حتى أتى الحبرُ زين العابدينَ إما
م التابعين الذي دانت له الأممُ)
بدر أطلَّ علـى الـوادي فكلّلـهُ نوراً ومن هيبة المختـار جللـهُ
فأخـر القـوم ذعـر دق أولـه (فأفرج الناس طراً هائبيـن لـه
حتى كان لم يكن منهم بها إرمُ)
رأى بدائع ما الرحمـن خوّلـه وشام للمصطفى منـه شمائلـه
فراح ينكر من غيـظٍ فضائلـه (تجاهلاً قال من هذا؟ فقال لـه
أبو فراس الذي أقواله حكمُ)
وقوله يمدح الإمام المهدي عجل الله فرجه وسهل مخرجه:
أريحا فقد أودى بها السير وخـدُ وقولا لحادي العيس إيهاً فكم تحدو
طواها الطوى في كل فيفاء ماؤها سراب وبرد العيش في ظلها وقدُ
تحنّ إلى نجـد وأعلـام رامـة وما رامة فيها مـرام ولا نجـدُ
وتلوي على بان الغوير ورنـده وما البان يلوي البين عنها ولا الرند
وتعطو إلى مرخ الحمى وعفاره وما بالحمى والمرخ وارٍ لها زند
وتصبو إلى هند ودعد على النوى وما هند تشفي ما أخبت ولا دعد
وتهفو إلى عمر وسعدى ضلالة وما عمرت عمر ولا أسعدت سعد
هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى وما قصدها حيث اختلفنا هوى قصد
فعوجا فهذا السرّ من سرّ من رأى يلوح فقد تمّ الرجا وانتهى القصد
وهاتيك ما بين السراب قبابهـم فآونـة تخفـى وآونـة تبــدو
فعرّج عليها حيث لا روض فضلها هشيم ولا ماء الندى عندها ثمـد
ورد دارها المخضّلة الربع بالندى ترد جنة للوفد طاب بها الخلـد
593
وزر حيث جبريل على الباب خادم لديهـا وميكـال بأفنائهـا عبـد
وطف حيثما غير الملائك طائف يروح على من طاف فيها كما يغدو
وسل ما تشا من سيب نائلهم فما لسائلهـم إلا بنيـل المنــى ردّ
هم النور آثار المعـارف منهـم على جبهات الدهر ما برحت تبدو
هم علّة الإيجاد بـدءاً ومنتهـى فما قبلهم قبل ولا بعدهـم بعـد
هم آل ياسين الذين ضفـا لهـم من المجد برد ليس يسمو له برد
ربينـا بنعماهـم وقلنـا بظلهـم وعشنا بهم والعيش في ظلّم رغد
إليكم بني الزهراء أمّـت مغـذّة عراب الهوادي والمسوّمة الجرد
يفلن بنا غـور الفلـاة ونجدهـا فيخفضنا غور ويرفعنـا نجـد
على كل مرقاة زفـوف طمـرة بعيدة مهوى الخطو يدنو بها البعد
فقبّلنّ أرضاً دون مبلغها السمـا وسقن ترابـاً دون معبقـه النـدّ
فيابن النبي المصطفـى وسميّـه ومن بيديه الحل في الكون والعقد
ومن عنده علم الذي كان والـذي يكون من الإثبات والمحو من بعد
إليـك حثثناهـا خفافـاً عيابهـا على ثقة إن سوف يوقرها الرفد
فألوت على نار أناخ بها النـدى وألقى عليه فضل كلكله المجـد
إلى خلق كالروض وشّحه الحيـا بغار إذا استنشقته الغار والرنـد
ومنعة جار رحت تحمي غبـاره كما مرّ يحمي غيله الأسد الورد
تباعدت عنكم لا مـلاًّ ولا قلـىً ولكن برغم عنكـم ذلـك البعـد
وجئتكم والدهر عضّدت نيوبـه عليَّ وعهدي وهى عني بكم درد
فكن لي يا إسكندر العصر معقلاً وكهفاً يكن بيني وبين الردى سدّ
إلى كم نعادي من وددناه رقبـة وخوفاً ونصفي الودّ من لا له ودّ
ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى صديقاً يعاديه لخوف عدى تعدو
594
وأنكد من ذا أن يبيت مصادقـاً عدوّاً له ما مـن صداقتـه بـدّ
وفي النفس حاجات وعدتم بنجحها وقد آن يا مولاي أن ينجز الوعد
فدونكها فضفاضة البرد ما سما بنعتـك بشّـار إليهـا ولا بـرد
على أنها لم تقض حقّاً وعذرهـا بأن المزايا الغرّ ليس لهـا حـدُّ
فأنعم وقابل بالقبـول اعتذارهـا فكل اعتذار جهد من لا له جهـد
وله تخميس ميمية البوصيري وغيرهما من المدائح النبوية كبانت سعاد.

توفي رحمه الله سنة ألف ومائتين وست وعشرين بالحلة، ودفن بالنجف عند أبيه، رحمهما الله تعالى بمنه ورضوانه. آمين.

محمد الرضا بن إدريس بن محمد بن جفال بن عبد المنعم بن سعدون بن حمد بن حمود الخزاعي النجفي

كان فاضلا مكباً على الاشتغال في النجف بتحصيل العلم، ملتزما بالتقى الذي هو غاية الشرف لكل ذي حجر، وكان أديباً مقل الشعر في جميع أحواله.

له في رثاء الحسين عليه السلام شعر، فمنه قوله رحمه الله تعالى:
مشين يلثن الأزر فوق قنا الخط ويسحبن في وجه الثرى فاضل المرط
حديثات عهد بالشبـاب يزينهـا رشاقة مابين الخلاخل والقـرط
فأنى بها والغيد يطلعن في الدجى وفي وفرتي قد لاح صبح من الوخط
وما شبت عن سن ولكن أشابني مصاب جرى يوم الطفوف على السبط
غداة سعت بالغدر فيه عصابـة كما انقلبت بالشر أفعى من الرقط
وجاءت تضيق الأرض عنها وأنها بعينيه لم تكثر على قلة الرهـط
فالحمها حـد الحسـام محاميـاً يرى الذب في يوم الكفاح من الضبط
تروع ابن خواض المنايا وسيفه إذا هدرت أبطالها مخمد اللغـط
595
وما انفك يروي حده من دمائهـا إلى أن هوى صادي الفؤاد إلى الشط
فأردته نهباً للسيـوف وأبدلـت بما انتهكت منه رضى الله بالسخط
وأجرت على جثمانه الخيل بعدما قضى نحبه بين الظبى وقنا الخط
تعطلت العليـاء منـه وطالمـا تعطلت الحسناء من حلية السمط
وقوله من أخرى أوله:
يا منـزل الأحبـاب والمعهـدا حيـاك وكّـاف الحيـا مرعـدا
وانهل فيك الدمـع عـن ناظـر إن ظل يبكي أضحك والمعهـدا
وافتر ثغر الروض واسترجعـت فيـك ليالـي الملتقـى عــودا
إنـي وسلمـى قربـت للنـوى عيسـاً وللتوديـع مـدت يــدا
بانت فما ألفيـت مـن عهدهـا إلا فتيـت المسـك والمــرودا
ما بالهـا لا روعـت روعـت قلبي لدى المسرى برجع الحـدا
يقول فيه:
يهنيك يا غـوث الـورى أروع غير أن يوم الروع فيك اقتـدى
يستقبل الأقـران فـي مرهـف ماض بغير الهـام لـن يغمـدا
أضحت رجال الحرب عن حـده تروي حديثاً في الطـلا مسنـدا
لا يرهب الأبطال فـي موكـب كلا ولا يعبا بصـرف الـردى
ما بارح الهيجاء حتـى قضـى فيها نقي الثـوب غمـر الـردا
فلـو تـراه حامــلاً طفلــه رأيـت بـدراً يحمـل الفرقـدا
مخضبـاً مـن فيـض أوداجـه ألبسـه سهـم الـردى مجسـدا
تحسـب أن السهـم فـي غـرة طوقـاً يحلّـي جيـده عسجـدا
أفديـه مـن مرتضـع ظامـئ بمهجتـي لـو أنــه يفتــدى
وله غير ذلك.
596
توفي في النجف سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وثلاثين، عن عمر يناهز الثلاثين سنة، رحمه الله تعالى بمنه وكرمه.

محمد الرضا بن الجواد بن محمد بن شبيب الشهير بالشبيبي النجفي

أديب حسن النظم جيده، قوي النثر أيده، شعره له عبور على الشعري العبور، كما أن نثره جاوز النثرة إلى معرفة في علوم الآلة، وذهن صحيح وفكرة ثاقبة، فض جوفه شعره في الأوصاف والخياليات، ولم يذهب صعدا إلى أهل بيت النبوة إلا ما كلفه، وأحسب أنه عائد إلى ذلك، فإنه اليوم بريعان الشباب، وله مصنف في تراجم فضلاء النجف في القرون الأخيرة لم أره، ولكني سمعت خبره، ومن قبل ما كتب تراجم جملة من الأدباء وطبعه في صيدا وسماه العراقيات، فمن شعره قوله:
أما لأسيرٍ فـي هـواكَ سـراحُ وهل لتباريـح الفـؤادِ بـراحُ؟
أجلْ، أسلمتك العاشقون قلوبهـا وما فوقَ تسليمِ القلـوبِ سمـاحُ
إذا بدأوا يستعطفونـكَ عـودوا وإن بكروا يستطلعونكَ راحـوا
هووا فاتَّقوا بثَّ الغرامِ فأضمروا فخانهمُ الصَّبرُ الجميـل فباحـوا
يحبُّونَ ضرب النُّجلِ وهيَ صوارمٌ وطعنَ القدودِ الهيفِ وهي رماحُ
خليليَّ ما أحلى الغـرامَ سجيَّـةً إذا كرَّمتـه عفَّـةٌ وسمــاحُ!
وما أخطرَ العشقَ الّذي ليس دونه على عاشق يأتي الهناتِ جنـاحُ!
وقوله من قصيدة:
ألاَ أصلحوا من شأنها فهيَ أمَّـةٌ إلى الآنَ لا تنفكُّ عن غامض الشّنِ
سلِ القومَ: ما هذا الشَّقاءُ الّذي أرى؟ وما ذا الّذي ينجي من الخطرِ الداني؟
597
ولو أنصفَ الناسُ الدِّيانةَ أجمعوا على أنّها فيهمْ نتيجـةُ وجـدانِ
فلـم يتكلّـفْ عالـمٌ ردَّ عالـم ولم يصمِ الإنسانُ مبـدأ إنسـانِ
فكلُّ قياسٍ ظنَّـهُ النـاسُ حجَّـةً تردُّ بأخرى، من قياسٍ وبرهـانِ
ولكنَّهـم حتّـى ذويهـا وأهلهـا بعيدون من عرفانها بعدَ كيوانِ!
كأنْ لم يكنْ إنجيلُ عيسى بنِ مريمٍ ولا أوحيتْ توراةُ موسى بنِ عمرانِ!
أنا شافعي إن لم يكنْ لي شافـعٌ إلى اللَّهِ، ثم الحقُّ حبّي وإيمانـي
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله في معنى سأله وهو قطع بجدل إصبع الحسين عليه السلام:
ما بال بجدل لا بلّت مضاجعـه قد حزَّ أصبعه في مخـذم ذربِ
لو كان يطلب منه بـذل خاتمـه لقاك هاك وهذا قبل فعـل أبـي
وقوله من قصيدة حسينية أوله:
لا طفت في مقلي بل لا لطفت كرى ألفت بعد الأليف السهد والسهـرا
هيهات لم يغض جفني منك لي وطراً كلاً ولا عنَّ عندي ذكره وطـرا
يقول فيه:
يوم جلا ابن علي فيه ذا شطـب لم تنسَ منه الأعادي صارماً ذكرا
محا سطور العدى من ماء جوهره الله للنسـور الحائمـات قـرى
سبعون ألفاً تولى غيـر معتـزم لقاهـم فتولّـى شملهـم خـورا
أعيانهـم أن ينالـوه مبــارزة فصوّبوا الرأي لما صعّدوا الفكرا
ووجهوا نحوه في الحرب أربعة السيف والسهم والخطيّ والحجرا
وهي طويلة مطبوعة.

ولد سنة ألف وثلاثمائة وخمس. وهو اليوم في النجف حي يغرس الطرس بمثل
598
هذه الأوراد ويسقيها بمياه المداد، سلمه الله تعالى.

محمد الرضا بن محمد بن عبد الصمد بن مراد الأزري البغدادي الربعي

كان فاضلا جامعا مشاركا، وأديبا بارعا ناسكا، وشاعرا صادعا فاتكا، قوي العارضة، فخم الألفاظ، جزل المعاني، مقتدرا على فنونه، ناظما لمحاسنه وعيونه، مدح السيد مهدي بحر العلوم بقصيدة سنة ألف ومائتين، وخمس كل شطر منها تأريخ للسنة وهي وله رحمه الله:
هي الدار من سعدى سقى جارها القطرُ وراق على عليائها المن والبشـرُ
قباب تنـاءت بالعـلاء كأنمـا لها إرب فوق السهى ولها وتـرُ
متى آب منها منهم عاج منجـد مساكن فيها تحمد الزهر الزهـر
تحج إليها العيس في كـل بلـدة مقام جلال بات شاهده الحجـر
تكـاد بإقبـال الحميـة والعلـى تطاول مجد الفرقدين بها الصخر
ففيها المنى والسعد عبد وخـادم وكم للنهى والسعد من ربها بشر
تجل بإقبال لهـا السيـف آيـة ملوك بها باهى الملوك ولا فخر
معارج صدق بل بـروج إنابـة تكاد لها تهوي الكواكب والبـدر
فكيف وقد طالت عمادا وهيبـة بذي حكم جلّى بها النهي والأمر
هو السيد المهدي كسّاب فضلهـا نبيل له أمر السيـادة والصـدر
نبيه بتاج العلم أمسـى متوجـاً وأكرم بملك تاجه العلم لا الـدر
عزيز ذرى لا يحلل الهون بابـه على الدهر أو ينحاش للحمل النسر
من الحي أما جدهم فهـو أفخـر وأما هداهم فهو مـا دلـه الـذر
مصاليت طلابون كـل بديعـة لها عنت الأفلاك والبر والبحـر
599
له النسب الوضاح كللـه النهـى وحبره مرطا الجلالـة والبسـر
فزان مقام المجد في العلم والتقى لقد زان أبراج السما النهي والأمر
بعيد مناط الهم أفخـر بحزمـه أبي له تحنو الشواهـق والزهـر
هو السيد ابن السيد الناطق الذي تفوق على قس الأيادي به فهـر
علي رفيع البيت عـز جـواره علاء على الشعري يجلّي له قدر
وحسبي عدولي عن عذول مكائد بمدح نجيب زانه المجد والفخـر
فلا تطمع الأشعار إن نلن وصفه حليم به القرآن جاء فما الشعـر
وقال لي اليوم الحميد مؤرخـاً: (بمهدي أهل البيت عاودنا البشر)
فقرضها الشيخ محمد علي الأعسم الآتية ترجمته بأبيات تحاكيها تأريخا وهي:
بدائع مدح كـل بيـت قصيـدة وحلَّ استماعاً للورى وبه السحرُ
كسته من الممدوح أكمل بهجـة محاسن أشباه بها يحسن الشعـرُ
وفي كل مصراع شهدن حروفه بأن لمن أرجى النيابـة والفخـر
ولما كتب ابن سعود النجدي كتابا إلى الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله يدعو به العراقيين إلى مذهبه أجابه الشيخ محمد رضا بقصيدة هي قوله:
ألم يأن أن يصغي إلى الحق عاقلُ ويسلك نهج الاستقامـة عـادلُ
ويصحو ذوو سكر ويبصر ذو عمى ويبرأ ذو سقـم ويحلـم جاهـلُ
فهاتيك سبل المسلميـن تفرقـت وشطت برأي المبدعين المخائـل
وجاءوا بها نكراء وعراً سبيلهـا موام بها سيـد الغوايـة عاسـل
فقل للألى حادوا عن الدين ضلة وبدر الهدى في هالة الدين كامل
تعالوا إلى قـول سـواء فبيننـا وبينكم ما فيـه خلـف وباطـل
نراجع بما فيه اختلفنا من الهدى مذاهبنا اللاتي بها الحق شامـل
بأن تجنحوا للسلم نجنح لها وإن أبيتم فحد السيف بالحق فاصـل
600
ترى هل عسيتم إن توليتم بـأن تسنوا سبيـلاً تقتفيـه الـأراذل
ولم أدر ذا وحي عن الله جاءكم حديثاً ولم تدرك مـداه الأوائـل
أم الأمر ممن قد حكمتم بشركهم أتاكم وكل في الشريعـة باطـل
ويا ليت شعري حيث قام زعيمكم إذا لم يك الإسلام والدين زائـل
فإن قال إبراهيم قد كـان أمـة فذاك له الوحي السماوي نـازل
وإن يدعي بالبعض والبعض فليقل لنا من أولاك البعض إن هو قائل
وإلا فكل مثـل دعـواه يدعـي إذا لم يصح نقل ما هـو ناقـل
وإن يزعموا أن الكتـاب دليلـه فكل فريـق بالكتـاب يجـادل
على أنه ما نال في العلم شأوهم ولا كان من أقرانهم لو تنازلـوا
ولا نال ما نالوه من قرب عهدهم وشتان ما منه غريـب وآهـل
ومن ير أهل الاعتزال وعلمهـم فنسبتهـم منـه إيـاس وباقـل
على أنـه لا نمتـري بضلالـه فماذا عسى بالذكر يغني المجادل
وإن تسألوا عن بعض ما اقترف الورى من الإثم فالرحمن للتوب قابـل
هبوا أنهم جـاءوا بكـل كبيـرة فما ذاك كفر بل فسوق وباطـل
بل الكفر تحليل الدماء التي أتـى بتحريمها الإجماع والذكر نـازل
ولا خلف في ذلكم لـو علمتـم وإن كنتـم لا تعلمـون فسائلـوا
وتلكم زيارات القبـور تواتـرت نصوص بها مشهـورة ودلايـل
وجاءت إلينا عن يد بيـد إلـى صحابة طـه منهـج متواصـل
وقد دفن الهادي النبـي بحجـرة محجبة تزجي إليهـا الرواحـل
ومن بعد حـلا صاحبـاه إزاءه وبضعته والديـن إذ ذاك كامـل
وحلف بغير الله لم يجز عندنـا بحد ولا فيه لدى الشـرع قائـل
وإن جاء أحيانـا ففيـه كراهـة به نص أهل الاجتهاد الأفاضـل
601
ونحن أمرنـا باتبـاع سبيلهـم ومن حاد عن تلك السبيل فجاهل
ومن حرم التتن الذي لم يرد لنـا بتحريمه نص من الشرع فاصل
وما لم يحرمـه الإلـه فعندنـا مباح وفيمـا ذلكـم لا مجـادل
وإن يستدل الشيخ في كل مسكر حرام فقول الشيخ بالسكر باطـل
فتعساً لشيخ خاض في الجهل لجة غطامط لا يلفى لها الدهر ساحل
وصير أمر الدين أحبولـة الدنـا وما تلـك للشيطـان إلا حبائـل
وإن غركم أن اجل الله نصرنـا فمـا ذاك إلا للفتـوح دلائــل
وهيهات يوم الغار من فتح مكـة إلا أن نصر المسلميـن لآجـل
وإن قتل العبـد المزنـم سيـداً فليس ببدع ذاك حيث الأفاضـل
لقد قتل الرجس ابن ملجم حيدراً وأردى حسيناً أخبث الناس جاهل
ومن فوقت أيدي القضا سهم حتفه فكل الذي يلقاه في الدهر قاتـل
وغير عجيب إن نبا بك صـارم وليس ببدع إن كبا بك صاهـل
فما لأولاء القوم لم يسمعوا نـداً إذا ما دعوا للحق والحق فاصل
وإن أبصروا رشداً تناهوا بغيّهم وعند التناهي يقصر المتطـاول
ولم أدر في الأبصار في غيهم عمى فلم يبصروا أم أبصروا وتغافلوا
أفي أي شرع أن تبـاع هجينـة بها لولي الأمر في الحقّ طائـل
وسيان أن تسرق مهـاً وحمالـة إذا ما أقام الحد قـاض وعامـل
وهل جائز ذبح الرضيع بشرعة فهاتيكم الأديان طـراً فسائلـوا
وكان رسول الله في كل حربـه لإسلام أهل الشرك في الحرب قابل
فإن قلتم فـي ردة بعـد فطـرة ففي الشرك من آبائنا لا نجـادل
وفي الأمس أنتم حاكمون بشركهم بناء لعمر الله بالنقـض هائـل
وإن قستم لما رأوا بأسنـا بهـا فـذاك قيـاس فـارق ومزايـل
602
ولولا جاز هذا جاز بالتين حلفنا كما حلف الباري قياس مماثـل
وقد أورد الله الـردى أوليـاءه فهل أحد ما يفعل اللـه فاعـل
فيا قوم هبوا عن مضاجع جهلكم ولبوا لداعي الله فالأمـر هائـل
ولا تعبثوا في الدين فالله غالـب على أمره سبحانـه لا يناضـل
وكلمتـه العليـا تعالـى بشأنـه مدمر عاد إذ عتـوا وتطاولـوا
ومن قبلكم فيهـا مسيلمـة عتـا فدارت عليه الدائـرات القواتـل
ومن قبل أهل الرس باؤوا بغيهم وغالت بهاتيك القرون الغوائـل
فتلكم ديار القوم ينعى بها الصدى خلاء بها تعوي الذئاب العواسل
كأنهم لم يلبثـوا غيـر ساعـة بلاغ فهل يبغي بها اليوم عاقـل
وسرعان نزجيها إليكم سحائبـاً صواعقها بيض الظبا والعوامـل
عليها من الفتيـان كـل موحـد أشم طويل الساعديـن حلاحـل
يذب بها عن بيضة الدين قائـلاً إلا في سبيل الله ما أنـا فاعـل
من القوم لم يرضوا سوى الصعب مركباً وليس لهم إلا السيـوف وسائـل
غطاريف طلاعون كـل ثنيـة تناذر في الأقطار منها القبائـل
وآساد غيل غيلها حومة الوغـى ولا مخلب إلا القنـا والمناصـل
إذا ما الملوك الصيد طالوا بمفخر فمـا منهـم إلا سنـام وكاهـل
ولو خفقت تحت العجاج بنودهم لكانت لها الشم الرعـان تهايـل
صواد إلى شرب الدماء كأنهـم من البزل هيم عارضتها المناهل
يقرون أن الأمـر للـه وحـده وكـل لـه داع وإيـاه سائــل
ولـم ينكـروا للأنبيـاء مزيـة ولا لرجال اللـه واللـه فاعـل
أولئك هم حزب الإلـه وجنـده إذا ما دهى الإسلام أفضع نازل
ومن قبل دعوى الصيد كادت تغيظها فلم نكترث هولاً بهم إذ تطاولـوا
603
بلى منذ وافتنا رسائل من لـدن صعاليك نجد أضحكتنا الرسائـل
وأغلب من جادلت من ليس يرعوي وأقتل من حاولت من لا يماثـل
وأعلمنا في الدين من هو عالـم وأجهلنا بالدين من هـو جاهـل
يميناً برب البدن تنحر في منـى صباح منى والحج هاد وغافـل
وأول بيت قام في الناس للـذي ببكـة فيـه للعصـاة معاقــل
ومختلف الأملاك فـي ملكوتهـا لهم عارج بالأمر منـه ونـازل
بذاك اعتقادي قد أمطت حجابـه ولا منـه بـدٌّ ولا عنـه حائـل
ورثناه عن آباء صدق أفاضـل حبتهم به آباء صـدق أفاضـل
بهذا تواصوا قبلنـا قـد ماؤنـا ونحن علـى آثارهـم نتناسـل
إلى مثل ذا فليسع من كان ساعياً منازلـه منـه عليـه دلائــل
فإن كان قدحي لم يطش وهو لم يطش ستكثر في تلك العراص الثواكل
ويصبح في أيدي القبائل فيئهـم تقاسمـه إيمانهـم والشمائــل
وهل أمنوا أهل القرى أن نزورهم بغاشية قـد ظللتهـا القساطـل
وهل أمنوا أهل القرى أن تحلهم بياتاً وكل راقد الطـرف غافـل
وهل أمنوا أهل القرى أن تشلهم صباحاً وكل في الضلال يجادل
مجلجلة مبراقة الجـو حشوهـا شفار المواضي والعتاق الصواهل
إذا طالعت نجـداً أقلـت بشمـه جحافل حنت أردفتهـا جحافـل
تدور بمردات طحـون عليهـم لهـا لهـوات للجيـوش أواكـل
وتعرك روقي كل أرعن شاهـق تكاد تحك السحب منه الأياطـل
إذا الحرب عن أنيابها العضل كشرت وحطت على الآفاق عنها الكلاكل
أقلت بها سوداء ضـر يحوقهـا لفيف من الجند السماوي نـازل
تعوم بثجاج من الـدم واطـف إذا غب منهم هاطل عب هاطل
604
إذا برقت تحت القتـام حسبتهـا بروقاً تدلى أو نجومـاً هوائـل
تنوء بأعبـاء الـردى أحمديـة بها صاعد تحت السماء ونـازل
لها شرر لو طار عـن قبساتهـا لكادت لها تحكي الجمال البوازل
ويا قوم سمعاً ما أقـول فإنهـا لتذكـرة فيهـا هـدى ودلائـل
حذار، فقـد أنذرتكـم بزواجـر تناشد غطفانـاً فتسمـع وائـل
فإن تنتهوا يغفر لكم ما مضى وإن تعودوا فما غير البنود رسائـل
وساء صباح المنذرين إذا هوت صواعقها في أرضهم والزلازل
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة حسينية أوله:
خذ في البكا فما دمـع بمذخـورِ من بعد نازلة في يوم عاشـورِ
يـوم تنقبـت الدنيـا بغاشيــة من المصاب لفقد العالم النـوري
وأردف الملأ الأعلـى براجفـة أللعوالـم أنـت نفخـة الصـور
يقول فيه:
الله في رحم للمصطفى قطعـت من بعده وذمـام منـه مخفـورِ
ما خلتكم لو رأى المختار أسرته بالطف ما بين مقتول ومأسـور
وفي آخره:
لولا انتظاري ليوم لا خلاف بـه لشطّر الوجد قلبـي أي تشطيـرِ
يوم أرى الملة البيضاء مسفـرة عن كل أبيض ذي جدّ وتشميـرِ
وموكب تحمل الأملـاك رايتـه أمام ملك على الأزمان منصـور
ملك إذا ركـب الذيـال تحسبـه نوراً تجلّى موسى من ذرى الطور
فتىً يروقك منه حيـن تنظـره لألآء فرق بنور اللـه محبـور
وكم أجال العقول العشر خابطـة في كنهه بين تعريـف وتنكيـر
وإن من يقتدي عيسى المسيح به لذاك يكبر عـن تحديـد تفكيـر
605
وهي طويلة، وله سبع قصائد عارض فيها المعلقات السبع، وهي في رثاء الحسين عليه السلام أجاد فيها كل الإجادة، وبذ من جاراه في تلك الحلبة المعتادة، وهي مشهورة، فمن إحدى قصائده قوله في العباس عليه السلام:
يوم أبو الفضل استجار به الهدى والشمس من كدر العجاج لثامها
والبيض فوق البيض تحسب وقعها زجل الرعود إذا اكفهرّ غمامهـا
فمحا عرينتـه ودمـدم دونهـا ويذبُّ من دون الشرى ضرغامها
من باسم يلقـى الكتيبـة باسمـاً والشوس يرشح بالمنيـة هامهـا
وأشـمّ لا يحتـل دار هضيمـة أو يستقل على النجوم رغامهـا
أو لم تكن تـدري قريـش أنـه طلـاّع كـل ثنيّـة مقدامهــا
بطل أطل على العـراق مجلّيـاً فاعصوصبت فرقاً تمور شآمها
وشأى الكرام فلا ترى من أمّـة للفخر إلاّ ابن الوصـي إمامهـا
هو ذاك موئلها يرى وزعيمهـا لو جلَّ حادثها ولـدَّ خصامهـا
وأشدّها بأساً وأرجحهـا حجـىً لو ناص موكبها وزاغ قوامهـا
من مقدم ضرب الجبال بمثلهـا من عزمه فتزلزلـت أعلامهـا
ولكم له من غضبـة مضريّـة قد كاد يلحق بالسحاب ضرامهـا
وهي طويلة كأخواتها الست، وفيها ما ترى من فخامة الألفاظ وسلالتها، فكأنها السيل المتحدر من على، والمدمع المرفض من جفن ولى.

ولد سنة ألف ومائة وثلاثة وخمسين.

وتوفي سنة ألف ومائتين وسبع وعشرين من الهجرة، ورأيت قصيدة في رثاء محمد رضا الأزري للسيد إبراهيم بن السيد محمد الحسني العطار الكاظمي يقول في آخرها مؤرخا عام وفاته:

(لحد حوى عبد الرضا والأدب)
606
فيكون سبعا وعشرين ومائتين وألف من الهجرة.

ودفن مع أخيه الكاظم المتقدم الترجمة في الكاظمين عند قبر الشريف المرتضى، رحمه الله.

محمد سعيد بن محمود الحسني العطيفي الشهير بابن حبوبي النجفي

كان فاضلا ممتاز الفضل مجتهدا حاكما بالقول الفصل، وكان حسن الوجه والجسم والأخلاق والهيئة، وقاد الذهن، معتدل السليقة، خفيف الطباع، ثقيل الحلم، وقورا محبوبا في النفوس، ظريفا إلى الغاية تقى لم يختلف فيه اثنان، وكان شاعرا رقيق الشعر، سهل التركيب، يكاد شعره يذوب رقة، وقد ترك نظم الشعر لأنه بلغ الأربعين، فمن شعره وهو آخر ما نظمه قوله:
لح كوكباً، وامش غصناً، والتفت ريماً فإن عداك اسمها لم تعدك السيما
وجهاً أغر، وجيداً زانـه جيـدٌ وقامة تخجـل الخطّـيَّ تقويمـا
يا من تجل عن التمثيل صورته أأنت مثلت روح الحسن تجسيما
نطقت بالشعر سحراً فيك حين غدا (هاروت) طرفك ينشي السحر تعليما
لو أبصرتك النصارى في كنائسها مصوراً، ربّعت فيـك الأقانيمـا
إذا سفرت تولى المتقـي صنمـاً وإن نظرت توقى الضيغم الريما
من لي بألمى؟ نعيمي بالعذاب به والحب عن تجذ التعذيب تنعيمـا
لو لم تكن جنة الفردوس وجنتـه لم يستقني الريق سلسالاً وتسنيما
ألقى الوشاح على خصر توهمه فكيف وشح بالمرئى موهومـا؟
ورجَّ أحقافَ رمل فـي غلائلـه يكاد ينقد عنها الكشح مهضومـا
أشيـم بـرق ثنايـاه فيوهمنـي تألقَ البرق (نجديـاً) إذا شيمـا
607
يا نازلي الرمل من (نجد) أحبكم وإن هجرتم ففيما هجركم؟ فيما؟
ألستـم أنتـم ريحـان أنفسنــا دون الرياحين مجنياً، ومشموما؟
هل توردون ظماء عذب منهلكم؟ أو تصدرون الأماني حوماً هيما
لي بينكم لا أطـال اللـه بينكـم غضيض طرف يرد الطرف مسجوما
أنا رضيع هـواه منـذ نشأتـه ونشأتي. لن تروني عنه مفطوما
يا جائراً وعلـى عمـدٍ احكّمـه أعدل، وجر بالذي ولاّك تحكيما
ومن شعره في المذهب تخميسه لبيتي الشيخ محمد حسن كبة في مدح علي عليه السلام:
بعيشك إن ناجت سراك النواجيا وللذكوات البيض قدت المذاكيـا
فعرّج على وادي الغري مناديـاً (ألا أيها الـوادي أجلـك واديـا
تضمنت ميمون النقيبة حيدرا)
إمام هدى عـمَّ البريـة عدلـه أقام بواد فاخر الشهـب رملـه
فأنت وحق المرتجى فيك فضله (حقيق لك الفخر الذي ليس مثله
فما الفلك الأعلى يساويك مفخرا)
أخبرني محمد الحسن بن محمد الصالح كبة قال: سألت السيد محمد سعيد فقلت له: لم لا تمدح الأئمة أو ترثيهم؟: فقال: والله ما ذاك إلا لأني أرى نفسي قاصرا عن بلوغ درجتهم. أقول: وهذا لعمري شعر فيهم عليهم السلام فذكرته على قلة ما نظمه، لكثرة هذه الكلمات.

توفي رحمه الله في مركز الناصرية بعد أن خرج من النجف مدافعا عن حوزة الإسلام إلى الشعيبة بألوف من المجاهدين، فانكسر الجيش فتأثر بذلك ومرض فمات في أوائل شعبان سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وثلاثين عن عمر يناهز السبعين، ونقل إلى النجف فدفن بالإيوان الكبير الواقع في قبلة الروضة المتصل
608
بجدار سور الصحن، وقبره يزار معلوم، رحمه الله.

محمد سعيد بن محمود [بن] سعيد نائب خازن الروضة الحيدرية النجفي الحائري

كان أديبا جامعا، وشاعرا بارعا، ومؤرخا رائعا، رأيته واجتمعت به، وكاتبني وكاتبته، فرأيته منه الرجل المثري من الأدب الصافي السريرة، الحسن السيرة، الأريحي الطبيعة، الظريف اللسان، النقي الجنان، فمن شعره قوله:
زارنـي فـي رمضـان ليلـة فحسبت الصبح قد لـاح ضيـاه
وتركـت لثـم فيــه خيفــة إننـي أفطـر إن قبّلـت فــاه
وقوله مسمطا للبيتين الشهيرين:
ومحمرّ خد قـد تلهـب وقـدهُ وأزرى بمجمـر الشقائـق وردهُ
تحار الورى في كنهه إذ تحـده (يقولون من نـار تكـوّن خـدّه
وقد قيل من ماء فيا بعد ما قالوا)
فهل كان من نار ولم يذو غضّهُ وهل كان من ماء ولم يذو ومضهُ
لقد أبرموا ما هان في القول نقضه (فلو كان من نار لما اخضر روضه
ولو كان من ماء لما احترق الخالُ)
وقوله من قصيدة غزلية حماسية نقلتها عن خطه في مجموعه:
تذكرت عهداً بالحمى راق لي دهراً فهاجت تباريح الغرام لي الذكرى
من العدل يا ظبي الصريمة أن ترى وصالي حراماً في الهوى ودمي هدرا
لقد هنت قدراً في هواك وأننـي لأعلى الورى كعباً وأرفعهم قدرا
وقائلـة مالـي أراك مشمــراً لجوب القفار البيد توسعها مسرى
فقلت لها كفـي الملامـة إنمـا هلال الدجى لولا السرى لم يكن بدرا
609
سأفري نحور البيد شرقاً ومغرباً وأقطع من أجوازها السهل والوعرا
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله من حسينية أوله:
معاهدهم بالسفح من أيمن الحمى سقاهم رجاس الغمـام إذا همـى
وقفت بها كيما أبـث صبابتـي فكان لسان الدمع عنها مترجمـا
دهتها صروف الحادثات فلم تدع بها أثـراً إلا طلـولاً وأرسمـا
بلى إنها الأيام شتـى صروفهـا إذا ما رمت أصبحت ولم تخط مرتمى
وليس كيوم الطـف يـوم فانـه أسال من العين المدامـع عندمـا
غداة استفزت آل حرب جموعها لحرب ابن من قد جاء بالوحي معلما
أتحسب أن يستسلم السبط ملقيـاً إليهـا مقاليـد الأمـور مسلمـا
فمذ شبّت الهيجاء هبّت لحربهـا بأسد وغىً تغشي الوطيس إذا حمى
متى تلق منهم فارساً تلق باسـلاً شمردل عبل المرفقين غشمشمـا
أخا الحرب مرهوب اللقاء سميدعاً هزبراً إذا ما أحجم الليث أقدمـا
حموا عن حمى حامي الحقيقة أصيد إلى أن ثووا صرعى على الترب جثما
رمى الجيش ثبت الجأش منه بفيلق يردّ لهام الجيـش أغبـر أقتمـا
وقاسم منه الطرف والقلب فاغتدى يكافح أعـداء ويرعـى مخيّمـا
ولما جرى أمر القضاء بما جرى وقد كان أمر الله قـدراً محتمـا
هوى فهوى الطود الأشم وزلزلت له الأرضون السبع واغبرت السما
فأضحى لقى في عرصة الطف شلوه ترض العوادي منه صدراً معظما
ويهدى على عالي السنان برأسه لأرذل رجس من أميـة منتمـى
وينكتـه بالخيـزران شماتــه يزيـد ويغـدو منشـداً مترنمـا
(نفلق هاماً مـن رجـال أعـزة علينا وهم كانوا أعـق وأظلمـا)
610
فشلت يداه حين بنكـت مرشفـاً لمرتشف خير الرسل قد كان ملثما
وزينب تدعو والجوى ملأ صدرها أخاها ودمع العين ينهل عندمـا
أخي يا حمى عزي إذا الدهر سامني هواناً ولم يترك لي الدهر من حمى
رحلت وقد خلفتني بيـن صبيـة خماص الحشا حرى القلوب من الظما
أدير بطرفي لا أرى غيـر آثـم تجاوب أخرى في النياحة آثمـا
أرى كل رزء دون رزئك في الورى فللّه رزء مـا أجـلّ وأعظمـا
وهي طويلة، وله كثير غيرها. ولد في النجف سنة ألف ومائتين وخمسين، ثم سكن كربلاء وتوفي ليلة الأربعاء سلخ ربيع الأول سنة ألف وثلاثمائة وتسع عشرة بها ودفن في صحن الحسين، وهو ابن أخت عباس بن علي البغدادي المتقدم.

محمد بن صالح بن محمد بن إبراهيم بن زين العابدين الموسوي المعروف بصدر الدين العاملي

كان آية في العلوم النقلية والعقلية، مصنفا، حسن التقرير والتعبير، جيد الخط، صافي السريرة، حسن السيرة، كريم الأخلاق.

ولد في قرية معركة من جبل عامل، وتنقل في العراق وأصفهان، فبث علما وفضلا جما، وكان مع ذلك أديبا شاعرا، فمن شعره قوله في أمير المؤمنين عليه السلام:
جـاءت تجـوب البيـد سيّـارة تهوى هوى المرمـل الصـارخِ
إلـى علـيّ وزعيـم العلــى يـوم الوغـى والعلـم الشامـخِ
أبى السـراة الأنجييـن الأولـى أحصوا فنون الشـرف البـاذخ
أولـى المزايـا الغـر أعباؤهـا ينـوء فيهـا قلــم الناســخ
611
قد أيقنوا منـه بجـزل الحظـى أن عليـاً ليــس بالراضــخ
وقوله وقد ذكرتها بترجمة العباس بن الحسن وأعيدها بتشطير لي:
(علي بشطـر صفـات الإلـه) أحـاط نطاقــك إذ خوّلــك
وأنــت بأســرار أفلاكهــا (حبيت وفيـك يـدور الفلـك)
(ولمـا أراد الإلــه المثــال) لتنفى الشكوك ويجلـى الحلـك
بـراك مثـالاً ولمـا بــراك (لنفـي المثيـل لـه مثلّــك)
(ولـولا الغلـو لكنـت أقـول) عقلت العقول على مـن سلـك
وكنـت أوافـق بعضـاً يقـول (بأن صفـات المهيمـن لـك)
(وفي عالم الذر بـل الوجـود) وجدت ليهلـك مـن قـد هلـك
وأنـت لتقريــر رب العلــى (يقول: بلـى اللـه قـد أهّلـك)
(وقد كنت علّة خلـق الـورى) وكنت الملـاك عـن قـد ملـك
وكنت ولا عالـم فـي الوجـود (من الإنس والجن حتى الملـك)
(تعلـم جبريـل رد الجـواب) لمن أتـى منـك ومـا سائلـك
فأنـت منتجبـه يـوم السـؤال (ولولاك في بحـر قـد هلـك)
وله غير ذلك.

ولد سنة ألف ومائة وثلاث وتسعين.

وتوفي ليلة الجمعة رابع عشر محرم سنة ألف ومائتين وثلاث وستين في النجف، ودفن في حجرة في الصحن الشريف مما يلي الرأس عن يمين القبلة قليلا، رحمه الله.

محمد بن العباس، أبو بكر الخوارزمي الطبري

كان فاضلا ملأ الفم، مشتملا على العلم الجم، أديبا كاتبا شاعرا مصنفا، ترجمه كل متعرض، وهجاه بديع الزمان على تشيعه، فيما نقل عنه ياقوت في معجم
612
الأدباء ذكرته، فمن شعره قوله:
وشمـس مـا بـدت إلاّ أرتنـا بأن الشمـس مطلعهـا فضـولُ
تزيد على السنين سنّـاً وحسنـاً كما رقّت على العتـق الشمـولُ
وقوله:
مضت الشبيبة والحبيبة فالتقـى دمعان فـي الأجفـان يلتقيـانِ
ما أنصفتني الحادثـات رميننـي بمودعيـن وليـس لـي قلبـانِ
ومن شعره في المذهب قوله:
بآمـل مولـدي وبنـو جريـر فأخوالي ويحكي المـرء خالـه
فمن يك رافضيـاً عـن تـراث فإنـي رافضـي عـن كلالـه
وقوله في الرضا عليه السلام والرشيد:
هارون يـا مـن أمـره بدعـة جـاورت قبـراً قبـره رفعـه
تريـد أن تفلـح مـن أجلــه لـن تدخـل الجنـة بالشفعــه
توفي بنيسابور في منتصف رمضان سنة ثلاثمائة وثلاث وتسعين، رحمه الله تعالى.

محمد بن عبد الرحمن القاضي، المعروف بأبي بكر بن قريعة البغدادي

كان فاضلا أديبا ظريفا، صاحب مجون، وكان قاضيا في السندية من بغداد، ولما دخل الصاحب بن عباد بغداد واجتمع به فأعجبه ظرفه فأتحف بأخباره ابن العميد، وناهيك بهذا الظرف، وكانت الأدباء تكابر بالمسائل لترى جوابه.

فمن ذلك ما كتب إليه أبو العباس بن المعلى الكاتب: ما يقول مولانا القاضي وفقه الله في يهودي زنى بنصرانية فولدت ولدا جسمه للبشر، ووجهه للبقر، وقد قبض
613
عليهما، فما يرى القاضي في أمرهما؟ فكتب إليه بديها: هذا من أعدل الشهود، على الملاعين اليهود، بأنهم أشربوا حب العجل في صدورهم، فخرج من إيورهم، وأرى أن يناط برأس اليهودي رأس العجل، ويصلب على عنق النصرانية، الساق والرجل ويسحب على الأرض، وينادي عليهما ظلمات بعضها فوق بعض.

وكان قليل الشعر، فمن شعره ما نسبه إليه علي بن عيسى رحمه الله في كشف الغمة:
يـا مــن يسائــل دائبــاً عـن كـل معضلـة سخيفــه
لا تكشفــــن مغطئــــاً فلربمــا كشَّفــت جيفـــه
ولــربَّ مستـــور بـــدا كالطبـل مـن تحـت القطيفـه
إن الجـــواب لحاضــــر لكننــي أخفيـــه خيفـــه
لــولا حــدود صـــوارم أمضـى مضاربهـا الخليفــه
وسيــوف أعــداء بهـــا هاماتنــا أبـــداً نقيفـــه
لنشـرت مــن أســرار آل محمــد جمــلاً طريفـــه
تغنيكــــم عمــــا رواه مالــك وأبـــو حنيفـــه
وأريتكـــم أن الحسيــــن أصيـب فـي يـوم السقيفــه
ولــأيّ شــيء ألحـــدت بالليــل فاطمــة الشريفــه
ولمــن حمــت شيخيكمــو عـن وطـأ تربتهـا المنيفــه
آه لبنــــت محمـــــد ماتــت بغمّتهــا أسيفـــه
ولد سنة ثلاثمائة واثنتين.

وتوفي يوم السبت لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاثمائة وسبع وستين ببغداد ودفن بها رحمه الله.

محمد بن عبد العزيز السوسي الكاتب، أبو عبد الله

614
شهاب الدين

كان فاضلا أديبا كاتبا بحلب، وسافر إلى فارس، ثم عاد إلى محله، وكان شاعرا أكثر شعره في المدائح والمراثي الإمامية، حتى أنه كان يعد من المكثرين المجاهرين في مديح أهل البيت عليهم السلام، وكان عالي الطبقة في الشعر، منسجم الألفاظ، فمن شعره قوله:
أنتـم سمـاء للسمـوات العلـى والخلـق أرض تحتكـم ومهـاد
أنتم معاد الخلـق يـوم معادهـم وإليكـم الإصـدار والإيــراد
أنتم صـراط اللـه أنتـم حبلـه الممـدود أنتـم بينـه المرتـاد
بهداكم صلـح الفسـاد وهكـذا بهدى سواكـم للصلـاح فسـاد
لو لم نسبح في الصلاة بذكركـم كانـت تـرد صلاتنـا وتعـاد
يا من بهم عرف الرشاد وليتهـم ولولاكم لـم يعـرف الإرشـاد
أنتم مقاصيدي بمدحـي إن أقـل أنتـم فلـم تجهلكــم النشّــاد
وقوله من حسينية:
يـا قمـراً غـاب حيـن لاحـا أورثنــي فقــدك المناحــا
يا نوب الدهـر لـم يـدع لـي صرفك مـن حـادث سلاحـا
أبعـد يـوم الحسيـن ويحــي استعـذب اللهــو والمزاحــا
يـا سادتـي يـا بنـي علــي بكّـى الهـدى فقدكـم وناحــا
أوحشتـم الحجـر والمساعـي آنستــم القفــر والبطاحــا
وقوله من أخرى:
فيا بضعـة مـن فـؤاد النبـي بالطف أضحـت كثيبـاً مهيـلا
قتلت فأبكيـت عيـن الرسـول وأبكيت مـن رحمـة جبرئيـلا
615
وقوله من أخرى:
يا يوم عاشـورا لقـد خلفتنـي ما عشت في بحر الهموم غريقا
فيك استبيـح حريـم آل محمـد وتمزقـت أجسادهـم تمزيقــا
أأذوق طعم الماء وابـن محمـد ما ذاقـه حتـى الحمـام أذيقـا
لا عذر للشيعـي يرقـأ دمعـه ودم الحسيـن بكربـلاء أريقـا
وله غير ذلك.

توفي سنة ثلاثمائة وسبعين تقريبا ودفن بحلب، رحمه الله.

محمد بن عبد العظيم القزاز التبريزي

كان أديبا حافظا صلب الإيمان، قوي التشيع، شديد الولاء، ولد في تبريز وسافر إلى الروم فالعراق، فقطن في الحلة وعاشر أدباءها وشعراءها، ومن قبل ذلك ما كانت له قريحة في نظم الشعر العربي، لم تكد فأنبعها مع أولئك الشعراء وأرهف مضانها، وأرق ماءها، وطارح بها الشعراء الذين ذكرتهم كالحماديين والصالحين وحيدر وغيرهم من غيرها كجواد بدقت في كربلاء والجم من النجف، وأكثر من مداح الأئمة عليهم السلام ورثائهم، حتى أنه نظم عشرات الألوف فيهم، وبيت وقصر على أنه أطال وأطاب، فمن شعره قوله في الغزل:
ولـي عـادة إن أتـت غــادة فتلـت إليهـا حبـال النظــر
تغنّـي الخلاخـل فـي ساقهـا غنـاء البلابـل فـوق الشجـر
وقوله:
ليت صغار الملـاح لا كبـرت فإن كـل الجفـاء فـي الكبـر
إنـي أحـب الصغـار قاطبـة فهـي لعينـي تلــذ بالنظــر
ألم تر النـاس ينظـرون إلـى الهلـال لا ينظـرون للقمــر
وقوله في الهجاء للقلاة:
616
ورب قــوم بيّــن ظلمهــم مـن كـل قـاس قلبـه قاسـطِ
قد جهروا بالفسـق مـا فيهـم أكثـر مـن زانٍ ومـن لائـطِ
واحدهـم أنجـس مـن كلبــه لا يعرف البـول مـن الغائـطِ
يبول مـا بيـن الـورى قائمـاً ويمسـح الإحليــل بالحائــطِ
ويرفـع الذيـل علـى الابتـدا لجـر نصـب الذكـر الناشـطِ
ومن شعره في المذهب وكله كما تقدم فيه قوله يمدح أمير المؤمنين عليه السلام من قصيدة أوله:
خليلي طيـرا بالملامـة أوقعـا فإن الهوى مني القـوادم أوقعـا
ولي أذن صمّاء عن عذل عاذل وإن لم يجئ بالعذل إلاّ لأسمعـا
فكيف أطيع اللاعنيـن وأن لـي عناناً إلى داعي الصبابة أطوعـا
وأنيَ قد أعطيت للحـب موثقـاً من القلب أن لا أنثني عنه مقلعا
يقول فيه:
ألم يحفظا قـول النبـي محمـد بحق علي يـوم نـادى فأسمعـا
وبيّن حكـم اللـه فيـه خلافـة ونص عليه أن يطـاع ويتبعـا
فقد كان هذا النص منـه بحجـة الوداع وشمل الناس حيث تجمعا
وكـان تأنـى بالبلـاغ لأمـره لما كان يخشى أن يبين ويصدعا
إلى أن أتاه الروح منه بعصمـة من الناس تأكيداً لما كان أرفعـا
فقام خطيباً في الحجيج وقد رقى على منبر الأحداج من حيث جمعا
فأثنى على الرحمن جل جلالـه هناك وللنفس الزكية قـد نعـى
وقال وكان القول وحيـاً مبلغـاً عن الله أمراً لا يرى عنه مدفعا
وقد أخذ الكرار حيـدر رافعـاً له حيث سامى شخصه وترفعـا
وهي طويلة.

617
وله في مديح كل إمام ورثائه الكثير في أكثر القوافي، ولا تخلو قافية من الحروف من مديحهم عليهم السلام ورثائهم.

وهو ثاني المحمدين اللذين أكثرا في مدحهم عليهم السلام، أعني محمد بن حمزة الحلي، ومحمدا هذا، توفي بالحلة سنة ألف وثلاثمائة وعشرين، ونقل إلى النجف فدفن بها عند وليه عليه السلام.

ورثته الشعراء ومنهم عبد المجيد الحلي البغدادي، وأرخه بقوله:
جيد العلى من حلي الآداب وآلهفي أرخت (عطل في العشرين من صفر)
رحمه الله ورضي عنه.

محمد بن عبد الله بن علي بن حسن بن علي بن محمد بن سبع بن سالم بن نفاعة السبع البحراني، أبو أحمد، فخر الدين المعروف بالسبعي

كان فاضلا جامعا ومصنفا نافعا، أديبا رائعا، وشاعرا بارعا، زار العتبات، وسكن الحلة لطلب العلم وكانت إذ ذاك محط ركاب الأفاضل، ومأوى العلماء الأماثل، فمن شعره قصيدة كبيرة التزم أن يكون أولها محمد وآخرها علي عليه السلام وهي:
أصخ واستمع يا طالب الرشد ما الذي به المصطفى قد خص والمرتضى علي
محمد مشتق من الحمـد اسمـه كذلك مشتق من اسم العلى علـي
محمد قد صفاه ربي من الـورى كذلك صفّى من جميع الورى علي
محمد محمـود الفعـال ممجـد كذلك عال في مراقي العلا علي
محمد للسبع السموات قد رقـى كذاك بها في سدرة المنتهى علي
محمد بالقرآن قد خـصَّ هكـذا بمضمونه قد خصَّ بين الملا علي
618
محمد يكسى في غد حلّـة البهـا كذا حلّة الرضوان يكسي بها علي
محمد شق البدر نصفين معجـزاً له وكذاك الشمس قد ردها علـي
محمد آخى بين أصحابـه ولـم يؤاخ من الأصحاب شخصاً سوى علي
محمد صلى ربّنا ما سجى الدجى عليه وثنّى بالصلاة على علـي
وهي طويلة.

وقوله في مرثية حسينية أوله:
مشيب تولـى بالشبـاب وأقبـلا نذير لمن أضحى وأمسى مغفـلا
يقول فيه:
قفوا نبكِ من ذكرى حبيب محمد وخلوا لمن يخلو حبيباً ومنـزلا
قفوا نبكِ من تذكـاره ومصابـه فتذكاره ينسي الدخول وحومـلا
فوالله لا أنساه ما عشـت آخـراً ووالله لا أنسـاه مـا كنـت أوّلا
ويقول:
بني الوحي والتنزيل من لي بمدحكم ومدحكم بالذكـر وحيـاً تنـزّلا
فإن كان مدحي كالفريد مفصـلاً فقد أنزل الرحمن مدحاً مفصـلا
فهنيتم بالمدح من خالق الـورى فقد نلتم أعلى محـلاً وأفضـلا
فسمعا من السبعي نظم غرائـب يظل لديها الأخطل الفحل أخطلا
غرائب يهواها الكميت ودعبـل كما فيكم أهوى الكميت ودعبـلا
أجاهر فيها بالـولاء مصرّحـاً وبغضي لشانيكم مزجت به الولا
فقد سيط في لحمي هواكم وفي دمي وما قـل منـي عدوّكـم القـلا
عليكم سلام الله يا خير من سعى ويا خير من لبّى وطاف وهلّـلا
وهي طويلة، وله غيرها كثير.

توفي رحمه الله سنة ثمانمائة وخمس عشرة بالحلة، ودفن بها، وأبنه أحمد تلميذ
619
ابن المتوج من أفاضل المصنفين، رحمه الله.

محمد بن عبد الله الكاتب البصري المعروف بأبي عبد الله المفجع

كان من كبار النحاة والشعراء المصنفين.

ذكره ياقوت فقال: كان نحويا مصنفا شاعرا مفلقا شيعيا، له قصيدة الأشباه يشبه بها علي بن أبي طالب بالأنبياء.

وقال النجاشي: له شعر كثير في الأئمة عليهم السلام يتفجع به على قتلهم، فسمي مفجع لذلك.

وذكره في اليتيمة فأثنى عليه وذكر جملة من نوادره.

فمن شعره قوله في غلام مغن جدر فزاد حسنا [من السريع]
يا قمـراً جـدّر حتـى استـوى فـزاد بالحسـن وزادت همـوم
كأنما غنـى لشمـس الضحـى فنقطتــه طربــاً بالنجــوم
وقوله فيمن أهدى له سكرا وأترجا ونارنجا [من مجزوء الرمل]:
قـد أتتنــا تحفــة منــك علــى الحســـن تزيـــد
طبـــق فيـــه قـــدود ونهــــود وخـــــدود
وقوله [من الوافر]:
أداروهــا ولليــل اعتكــار فخلـت الليـل فاجـأه النهـار
فقلـت لصاحبـي والليـل داج ألاح الصبـح أم بـدت العقـار
فقـال هـي العقـار تداولوهـا يطيـــر لهـــا شـــرار
فلـولا أننـي أحتـاج منهــا حلفت بأنها فـي الطـاس نـار
وقوله كما في المنتحل [من الخفيف]:
620
زفرات تعتادني عنـد ذكـراك وذكـراك مـا تريـم فــؤادي
وسرور قد غاب عني مذ غبـت فهـل كنتمـا علــى ميعــاد
حاربتني الأيام فيـك بنصليـن بسيـف النـوى وسهـم البعـاد
ليس لي مفزع سـوى عبـرات من جفـون مكحولـة بالسهـادِ
وأنا أذكر لك شيئا من قصيدته المسماة بالأشباه لقلة وجودها بالأيدي، فمنه:
أيهـا اللائمـي بحبـي عليــاً قم ذميماً إلـى الجحيـم خزيـا
أبخير الأنـام فنّـدت لا زلـت مـذوداً عـن الهـدى مزويــا
أشبـه الأنبيـاء كهــلاً وزولاً وفطيمـاً وراضعــاً وغذيــا
كان في علمـه كـآدم إذ علـم شـرح الأسمــاء والمكنيــا
وكنوح نجـا مـن الهلـك لمـا سار في الفلك إذ عـلا الجوديـا
وجفا فـي رضـا الإلـه أبـاه واجتــواه وعــده أجنبيــا
كاعتزال الخليل آزر فـي اللـه وهجرانــه أبـــاه مليـــا
ودعـا قومـه فآمـن لــوط أقرب الناس منه رحمـاً وريـا
وعلـي لمـا دعــاه أخــوه سبـق الحاضريـن والبدويــا
وله من صفـات إسحـق حـال صار في فعلهـا لإسحـق سيـا
صبـره إذ يتـل للذبـح حتـى ظـل بالكبـش عنـده مفديــا
وكذا استسلـم الوصـي لأسيـا ف قريـش إذ بيتـوه عشيــا
فوقـى ليلـة الفـراش أخــاه بأبــي ذاك واقيــاً ووليــا
وله من أبيـه ذي الأيـد إسمـا عيل شبه ما كان عنـي خفيـا
أنه عاون الخليل علـى الكعبـة إذ شــاد ركنهــا المبنيــا
ولقد عـاون الوصـي حبيـب الله إذ يغسلـان منـه الصفيـا
رام حمل النبي كي يقطع الأصنام مـن سطحهـا المثـول الخبيـا
621
فمنـاه ثقـل النبــوة حتــى كـاد ينــآد تحتــه مثنيــا
فارتقـى منكـب النبـي علـي صنـوه مـا أجـل ذا المرتقيـا
فأمـاط الأوثـان عـن ظاهـر الكعبة ينفي الرجاس عنها نفيـا
ولو أن الوصي حاول مس النجم بالكـف لـم يجــده قصيــا
أفهـل تعرفـون غيـر علـي وابنـه استرحـل النبـي مطيـا
وله من نعوت يعقـوب ونعـت لم أكـن فيـه ذا شكـوك نبيـا
كـان أسباطـه كأسبـاط يعقـو ب وإن كـان نجرهـم نبويــا
أشبهوهم في البـأس والعلـم و القوة فافهم إن كنت ندبـاً ذكيـا
وابن راحيـل يوسـف وأخـوه فضـلاً لقـوم ناشئـاً وفتيــا
ومقال النبي في ابنيـه يحكـي في ابن راحيل قولـه المرويـا
كان فيـه مـن الكليـم جلـال لم يكـن عنـه علمـه مطويّـا
كلّم الله ليلـة الطـور موسـى واصطفاه علـى الأنـام نجيّـا
وأبان النبي في ليلـة الطائـف أن الإلــه ناجــى عليّـــا
وله مـن عفـوه عـن أنـاس عكفوا يعبـدون عجـلاً سويـا
حرق العجل ثـم مـنَّ عليهـم إذ أنابـوا وأمهـل السامريــا
وعلي فقـد عفـا عـن أنـاس شرعوا نحـوه القنـا الزاعبيـا
إن هارون كان يخلـف موسـى وكذا استخلـف النبـي الوصيّـا
وله من صفات يوشـع عنـدي رتـب لـم أكـن لهـن نسيّـا
كان هذا لما دعا الناس موسـى سابقـاً قادحـاً زنـاداً وريّــا
وعلـي قبـل البريـة صلّــى خائفـاً حيـث لا يعايـن رايّـا
ولـه خلتـان مــن زكريــا فهما غاظتـا الحسـود الغويـا
كفل الله عـز مريـم إذ كـان تقيـاً وكـان بــراً صفيــا
622
فرأى عندها وقد دخل الحـراب مـن ذي الجلـال رزقـاً هنيـا
وكـذا كفـل الإلــه عليــاً خيرة اللـه وارتضـاه رضيـا
خيرة بنت خيـرة رضـى اللـه لهـا الخيـر والإمـام كفيــا
وله من صفـات يحيـى محـل لـم أغـادره مهمـلاً منسيــا
إن رجسـاً مـن النسـاء بغيـاً كلفـت قتلـه كفـوراً شقيــا
وكذاك ابن ملجم فـرض اللـه لـه اللعـن بكــرة وعشيــا
كان داود سيـف النبـي بسلـع يوم أهـوى بعمـرو المشرفيـا
وله من مراتب الـروح عيسـى رتـب زادت الوصـي مزيــا
ضل ما ضل بابن مريم ضربان مـن المسرفيـن جهـلاً وغيـا
وهي طويلة تناهز الثلاثمائة بيت.

توفي سنة ثلاثمائة وعشرين في البصرة، وذكره ياقوت وغيره بأبسط من هذا، فمن شاء ذلك فلينظره هناك، والله أعلم.

محمد بن عبيد الله بن عبد الله الكاتب الشهير بسبط ابن التعاويذي البغدادي

كان فاضلا جامعا إلى الفضل الكمال، ومتحليا بزينة كرم الخصال، وكان شاعرا جمع شعره العذوبة والرقة والفخامة والجزالة والانسجام، فمنه قوله [من البسيط]:
لم أنسَ قولتها يومَ الوداعِ وقـد أبدت أنامـلَ خلناهـا أساويعـا
إن كانَ راعكَ حزنٌ يومَ فرقتنـا فلستَ أوَّلَ صبٍّ بالأسى ريعـا
وقوله من قصيدة [من الكامل]:
حتَّامَ أرضى في هواكَ وتغضبُ وإلى متى تجني علـيَّ وتعتـبُ
ما كانَ لي لولا صـدودكَ زلَّـةٌ لمَّا مللتَ زعمـتَ أنِّـي مذنـبُ
623
أتظنني أجد السلـوّ إلـى العـزا هيهات وصلك من سلوِّي أقرب
يقول فيه:
قالت وريعت من نحول معاطفي وبياض شيبي بان منك الأطيـبُ
أن تنكري سقمي فخصرك ناحلٌ أو تنكري شيبي فثغرك أشنـب
ومن شعره في المذهب قوله [من الوافر]:
أرقـتُ للمـعِ بـرقٍ حاجـريِّ تألـقَ كاليمانــي المشرفــيِّ
أضاَء لنـا الأوجـاعَ مستطيـراً وعادَ سنـاهُ كالنبـضِ الخفـيِّ
كـأن وميضـهُ لمـعُ الثنايــا إذا ابتسمـت ورقـراقُ الحلـيِّ
فأذكرني وجـوهَ الغيـدِ بيضـاً سوالفهـا ولــم أكُ بالنَّســيِّ
أتيـهُ صبابـةً وتتيـهُ حسنــاً فويـلٌ للشجـيِّ مـن الخلــيِّ
وعصرَ خلاعـةٍ أحمـدتُ فيـه الشَّبابَ وصحبة العهـدِ الرَّخـيِّ
وليلى بعدمـا مطلـت ديونـي ولا حالت عـنِ العهـدِ الوفـيِّ
منعَّمـةٌ شقيـتُ بهـا ولــولا الهوى ما كنـتُ ذا بـالٍ شقـيِّ
تزيـدُ القلـبَ بلبـالاً ووجــداً إذا نظـرت بطـرفٍ بابلــيِّ
إذا استشفيتهـا وجـدي رمتنـي بـداءٍ مــن لواحظهــا دويِّ
ولولا حبُّها لـم يصـبِ قلبـي سنـا بـرقٍ تألَّـقَ فـي دجـيِّ
أجابَ وقد دعاني الشَّوقُ دمعـي وقدماً كنـتُ ذا دمـعٍ عصـيِّ
وقفتُ على الدِّيار فما أصاخـت معالمهــا لمخــزونٍ بكــيِّ
أروِّي تربهـا الصَّـادي كأنِّـي نزحتُ الدَّمعَ فيهـا مـن ركـيِّ
ولو أكرمتِ دمعكِ يـا شؤونـي بكيتِ علـى الإمـامِ الفاطمـيِّ
على المقتـولِ ظمآنـاً فجـودي على الظَّمـآنِ بالدَّمـعِ الـرَّويِّ
على نجمِ الهدى السَّاري وبحـرِ العلـومِ وذروةِ الشَّـرفِ العلـيِّ
624
على الحامي بأطـرافِ العوالـي حمى الإسلـامِ والبطـلِ الكمـيِّ
على الباعِ الرَّحيـبِ إذا ألمَّـت به الأزمـاتُ والكـفِّ السَّخـيِّ
على أندى الأنـامِ يـداً ووجهـاً وأرجحهم وقـاراً فـي النَّـديِّ
وخيـرِ العالميـنَ أبـاً وأمّــاً وأطهرهم ثـرى عـرقٍ زكـيِّ
لئن دفعوهُ ظلماً عن حقـوقِ ال خلافـةِ بالوشيـجِ السَّمهــريِّ
فما دفعوهُ عـن حسـبٍ كريـم ولا ذادوهُ عـن خلـقٍ رضـيِّ
لقد فصموا عرى الإسلامِ عـوداً وبدءاً في الحسينِ وفـي علـيِّ
ويومُ الطَّـفِّ قـامَ ليـومِ بـدرٍ بأخـذِ الثَّـأرِ مـن آلِ النَّبــيِّ
فثنَّـوا بالإمـامِ أمـا كفاهــم ضلالاً ما جنوهُ علـى الوصـيِّ
رمـوهُ عـن قلـوبٍ قاسيـاتٍ بأطـرافِ الأسنَّـةِ والقســيِّ
وأسرى مقدماً عمرو بـنُ سعـدٍ إليـهِ بكـلِّ شيطـانٍ غــويِّ
سفـوكٌ للدِّمـاءِ علـى انتهـاكِ المحـارمِ جـدَّ مقـدامٍ جـريِّ
أتـاهُ بمحنقيـنَ تجيـشُ غيظـاً صدورهـمُ بجيـشٍ كالأتــيِّ
أطافوا محدقيـنَ بـه وعاجـوا عليـه بكـلِّ طـرفٍ أعوجـيِّ
بكـلِّ مثقـفٍ لـدنٍ وعضـبٍ سريجــيٍّ ودرعٍ سابـــريِّ
فأنحـوا بالصَّـوارمِ مشرعـاتٍ على البـرِّ التَّقـيِّ ابـنِ التَّقـيِّ
وجـوهُ النَّـارِ مظلمـةً أكبَّـت على وجـهِ الهلالـيِّ الوضـيِّ
فيا لـك مـن إمـامٍ ضرَّجـوهُ الدَّمَ القانـي بخرصـانِ القنـيِّ
بكتهُ الـأرضُ إجلـالاً وحزنـاً لمصرعـهِ وأملـاكُ السُّمــيِّ
وغودرتِ الخيـامُ بغيـرِ حـامٍ يناضـلُ دونهــنَّ ولا ولــيِّ
فما عطفَ البغـاةُ علـى الفتـاةِ الحصانِ ولا على الطِّفلِ الصَّبيِّ
ولا بذلــوا لخائفــةٍ أمانــاً ولا سمحـوا لظمـآنٍ بــريِّ
625
ولا سفروا لثامـاً عـن حيـاءٍ ولا كـرمٍ ولا أنــفٍ حمــيِّ
وساقوا ذودَ أهلِ الحـقِّ ظلمـاً وعدوانـاً إلـى الـوردِ الوبـيِّ
تذودهمُ الرِّماحُ كمـا تـذادُ الـرِّ كابُ عـنِ المـواردِ بالعصـيِّ
وساروا بالكرائـمِ مـن قريـشٍ سبايـا فـوقَ أكـوارِ المطـيِّ
فيـا للَّـهِ يـومَ نعـوهُ مــاذا وعا سمعُ الرَّسولِ مـنَ النَّعـيِّ
ولـو رامَ الحيـاةَ سعـى إليهـا بعزمتـهِ نجـاَء المضرحــيِّ
ولكـنَّ المنيَّـةَ تحـتَ ظــلِّ الرِّقاقِ البيـضِ أجـدرُ بالأبـيِّ
فيا عصبَ الضَّلالةِ كيف جزتـم عناداً عـن صراطكـمُ السَّـويِّ
وكيـفَ عدلتـمُ مولـود حجـرِ النبـوّةِ بالغـويّ ابـن الغـوَّيِّ
فألقيتــم وعهدكــمُ قريــبٌ وراَء ظهوركـم عهـدَ النَّبــيِّ
وأخفيتـم نفاقكــمُ إلــى أن وثبتـم وثبـةَ الذِّئـبِ الضَّـريِّ
وأبديتـم حقودكــمُ وعدتــم إلـى الدِّيـنِ القديـمِ الجاهلـيِّ
ولولا الضِّغنُ ما ملتم علـى ذي القرابـةِ بالبعيــدِ الأجنبــيِّ
كفـى حربـاً ضمانكـمُ لقتـلِ الحسينِ جوائـزَ الرَّفـدِ السَّنـيِّ
وبيعكـمُ لأخركــم سفاهــاً بمنـزورٍ مـنَ الدُّنيـا بكــيِّ
وحسبكـمُ غـداً بأبيـهِ خصمـاً إذا عرفَ السَّقيـمُ مـنَ البـريِّ
صليتـم حربـهُ بغيـاً وانتــم لنـارِ اللَّـهِ أولـى بالصَّلــيِّ
وحرَّمتـم عليـهِ المـاءِ لؤمـاً وإقبـالاً علـى الخلـقِ الدَّنـيِّ
وأوردتـــم جيادكــــمُ وأ ظميتموهُ شربتـمُ غيـرَ الهنـيِّ
وفـي صفِّيـنَ عاندتـم أبــاهُ وأعرضتم عـنِ الحـقِّ الجلـيِّ
وخادعتـك إمامكـمُ خداعــاً أتيتـم فيـهِ بالأمـرِ الفــريِّ
إماماً كان ينصفُ في القضايـا ويأخذُ للضَّعيـفِ مـن القـويِّ
626
وأنكرتم حديـثَ الشَّمـسِ ردَّت لـه وطويتـمُ خبـرَ الطَّــويِّ
فجوزيتـم لبعضكــمُ عليَّــاً عذابَ الخلدِ في الدَّركِ القصـيِّ
سأهدي للأئمَّـةِ مـن سلامـي وغـرِّ مدائحـي أزكـى هـديِّ
سلامـاً أتبـعُ الوسمـيَّ منــهُ علـى تلـكَ المشاهـدِ بالولـيِّ
وأكسـو عاتـقَ الأيـامِ منهـا حبائـرَ كالــرِّداءِ العبقــريِّ
حسانـاً لا أريــدُ بهــنَّ إلاَّ مسـاءةَ كـلِّ بـاغٍ خارجــيِّ
يضيع لهـا إذا نشـرت أريـجٌ كنشـرِ لطائـمِ المسـكِ الذَّكـيِّ
كأنفـاسِ النَّسيـمِ سـرى بليـلاً يهـزُّ ذوائـبَ الـوردِ الجنـيِّ
لطيبـةَ والبقيــعِ وكربــلاءٍ وسامـراء تغــدو والغــريِّ
وزوراءِ العراقِ وأرضِ طـوسٍ سقاها الغيثُ مـن بلـدٍ قصـيِّ
فحيَّا اللَّـهُ مـن وارتـهُ تلـكَ القبابُ البيضُ مـن حبـرٍ نقـيَِّ
وأسبلَ صوبَ رحمتـه دراكـاً عليهـا بالغــدوِّ وبالعشــيِّ
فذخـري للمعـادِ ولاءُ قــومٍ بهم عرفَ السَّعيدُ مـنَ الشَّقـيِّ
كفانـي علمهـم أنِّـي معــادٍ عدوَّهــمُ مــوالٍ للولـــيِّ
وله غير ذلك. وديوانه مطبوع، ولم تطبع في هذه القصيدة فلذا ذكرتها بتمامها نقلا عن نسمة السحر.

ولد يوم الجمعة سنة تسع عشرة وخمسمائة.

وتوفي ثامن شوال يوم السبت سنة ثلاث أو أربع وثمانين وخمسمائة ببغداد، ودفن بباب أبرز، وكان أضر في آخر عمره، وله في ذلك شعر كثير، رحمه الله تعالى.

محمد بن عبيد الله بن علي بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن الحسين بن

627

علي بن أبي طالب عليهم السلام، أبو الحسن الحسيني البلخي

كان فاضلا جم الفواضل، كثير الفضائل، ذكره الباخرزي وأثنى عليه بالفضل والعلم والأدب والشعر والرئاسة، وهؤلاء السادة أول من دخل بلخ منهم جدهم جعفر، كما قال صاحب الدرجات، وكان المترجم حسن الشعر والنثر، فمن نثره: (من رق نجارك عن نجاره فلا تجاره، ومن قصر حسامك عن حسامه فلا تسامه).

ومن شعره قوله:
شــدَّ النِّطــاقَ بخصـــرهِ وغـدا فريـداً فــي جمالــه
يجبـى اللُّجيـنُ مـن الجبـال فكيـف عـاد إلــى جبالــه
وقوله:
أشبـهَ الغصـنَ إذ تـأوّدَ قـدّاً وحكى الـوردَ إن تفتَّـح خـدَّا
وثنى للوداعِ في حومـةِ البيـنِ بنانـاَ يكــادُ يعقــدُ عقــدا
ألـفَ الصـدَّ والتَّجنُّـبَ حتـى علَّم الطَّيفَ في الكرى أن يـردَّا
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله مفتخرا بآبائه:
وإني من قـوم إذا مـا تنمّـرت ليـال تلقـوا صرفهـا بالتنمـر
قدامى الورى في كل يوم تقـدم صدورهم في كل يـوم تصـدر
بقرباهم قـد سـاد كـل خليفـة وبالأمر منهم ساس كل مؤمّـر
بنى الله فوق الساريات بيوتهـم بأحمـد المحمـود ثـم بحيـدر
يقلِّبنا كـف الوصـي وحجـره وموضعنا دار النبـي المطهّـرِ
628
وهي طويلة، وقوله من قصيدة.
يا طيب نفح النسيم فـي سحـر
عـرج علـى طيبـة بتغليـس
وزر بقيعـاً بمـا تجـود بــه رسماً من الدين جـد مطمـوس
واغزر بها في الغـري رازمـة تمـزج إضحاكهـا بتعبيــس
وطف بها في الطفـوف مدلجـاً وحيهـا ضحــوة بتشميــس
واقصـر ببغـداد مـن أزمتهـا ترد صداهـا بطـول تعريـس
وخـص سامـرة بمرتجــس يشـوب تطبيقــه بتبجيــس
وازحف إلى طوس واقض محتبساً حقوق ذاك الغريب في طـوس
مراقـد روحــت مشاهدهــا برحمـة نــورت وتقديــس
وله غير ذلك.

توفي سنة أربعمائة ونيف وخمسين، رحمه الله تعالى.

محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن نصار الشيباني اللملومي، أبو علي

كان فاضلا أديبا ظريفا خفيف الروح، رقيق الحاشية، كثير الدعابة إلى تقى وديانة وتمسك بالشرع جدا، وكان ينظم شعرا بلسان أهل العصر فائقا، نظم مقتل الحسين بهذا اللسان فطبع رغبة فيه، وكان من بيت علم وأدب، ذهب طاعون سنة ألف ومائتين وسبع وأربعين بزهاء ثلاثين رجلا فاضلا منهم، وكان محبا لأهل البيت جدا، حتى أن كل ولد يولد له يسميه عليا ويكنيه بأبي جعفر، وأبي الحسن تفرقة، فمن شعره قوله:
وأعجم غناني بصـوت مركـب من النار والماء النمير المصفـق
حشاشته جمر الغضـا وفـؤاده يطير شواظاً عن زفير محـرق
629
وقد فك شديـه فعـض حمامـة نزق بنيهـا بالمـذاق المـروق
ومن شعره في المذهب قوله من حسينية:
يـا مدلجــاً فــي حنــدس الظلمــاء بكــر مقمحـــا
إن شمــت لمعــة قبـــة المولــى فعــرّج عندمــا
واخضــع فثمّــة بقعـــة خضعـت لأدناهــا السمــا
واحث التـراب علـى الخـدود وقـل أيـا حامــي الحمــى
يـا محمـداً يــوم الوغــى لهـب الوطيــس إذا حمــى
ومفلقــاً هـــام العـــدى إن ســل أبيــض مخذمــا
ومنظمــاً صيــد الــورى إن هــز أسمــر لهذمـــا
قـم فالحسيـن بكــر بــلا ء طريــدة لبنــي الامـــا
قدامـــه جيـــش بـــه رحــب البسيطــة أظلمــا
مقتــادة شعـــث النـــوا صـي كـل أجــرد أدهمــا
فجثـا لهـا مـن آل هاشــم كـــل أصيـــد أعلمـــا
واشـم قــد شــام المنيــة فرصــــة فاستغنمــــا
فتقاسمتهـــا السمهريــــة والمواضــــي مغنمــــا
وغـدا ابـن احمـد لا يــرى إلا القنــــا والمخذمــــا
فهنــا لكـــم أم العـــدى مولــى المخافــة فاعلمــا
وهي طويلة، وله غيرها.

توفي في جمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف بالنجف، ودفن بها بالصحن عند الرأس، وقريب منه قبر السيد حيدر.

ولملوم: قرية كانت على الفرات في مجرى الماء بين الحلة والديوانية فخربت سنة ألف ومائتين وعشرين لانتقال مجرى الفرات عنها، وانتقل أهلها إلى الشنافية بين
630
النجف والسماوة.

محمد علي بن الحسين بن محمد الأعسم النجفي الزبيدي زبيد الحجاز من حرب

كان فاضلا كبيرا، وشاعرا شهيرا، وكان من أعيان تلامذة السيد بحر العلوم ومحاضريه، كان مصنفا له نظم المآكل والمشارب في الفقه وهو مطبوع، وكان معدا للتاريخ وتقدمت له أبيات في ترجمة محمد الرضا، وكان ناسكا تقيا.

أخبرني السيد محسن الكاظمي الصائغ عن أبيه السيد هاشم الحسيني قال: نظم الشيخ محمد علي المذكور يائية في الحسين عليه السلام أوله:
قد أوهنت جلدي الديار الخاليـه من أهلهـا مـا للديـار وماليـه
ومتى سألت الدار عـن أربابهـا يعد الصدى منها جوابـي ثانيـه
يقول فيه:
يابن النبي المصطفـى ووصيّـه وأخا الزكي وابن البتول الزاكيه
تبكيك عينـي لا لأجـل مثوبـة لكنمـا عينـي لأجلـك باكيـه
تبتل منكـم كـر بـلا بـدم ولا تبتل منـي بالدمـوع الجاريـه
أنست رزاياكم رزايانـا الأولـى سلفت وهوّنت الرزايـا الآتيـه
وفجائـع الأيـام تبقـى مــدة وتزول وهي إلى القيامة باقيـه
ويقول فيه:
ورد الحسين إلى العراق وظنهـم تركوا النفاق إذا القلوب كما هيه
ولقـد دعـوه للفنـا فأجابهــم ودعاهم لهـدى فـردّوا داعيـه
قست القلوب فلم تمـل لهدايـة تبـاً لهاتيـك القلـوب القاسيـه
وهي طويلة مشهورة قال: لما نظمها عرضها على ولده الشيخ عبد الحسين المتقدم
631
فقال: انظرها، فنظرها ثم قال هذه قافية قاسية، فتركها المترجم تحت مصلاه، فما كان إلا أن طرقت الباب فإذا الشيخ محمد علي القاري الشهير يقول: إني رأيت الليلة كأني دخلت إلى الروضة الحيدرية ورأيت أمير المؤمنين عليه السلام جالسا فسلمت عليه فأعطاني ورقة فيها قصيدة وقال عليه السلام اقرأ لي هذه القصيدة في رثاء ولدي، فقرأتها له وهو يبكي فانتبهت أنا أحفظ منها قست القلوب إلى آخر البيت، وأحب أن تجعل له مقدمة فيكون قصيدة، فبهت الشيخ المترجم وأخرج له الورقة التي تحت مصلاه فبكى الشيخ محمد علي القاري، وقال والله لكأن هذه الورقة والقصيدة هي، بل هي هي التي أعطانيها أمير المؤمنين، فاشتهرت هذه القصيدة وحفظت.

ومن شعر المترجم في المذهب قوله به:
أنّى لمدح بنـي النبـي لعاشـقُ والنظم يشهد لي بأنـي صـادقُ
تأتـي قوافيـه إلــيَّ كأنّمــا قد ساقهن إلـى لسانـي سائـق
هذا ونظمي قاصر عن مدحهـم ولو اجتهدت وكان تحتي سابـق
سـاووا كتـاب اللـه إلاّ أنــه هو صامت وهم كتاب الناطـق
فعلـوا فعـال الـرب إلاّ أنهـم بشرٌ فضاع على الغلاة الفـارق
جعلوا الذي قد كان نفس نبيّهـم هو نفس خالقهم تعالـى الخالـق
ضلت خلائق في علـي مثلمـا فعلت بعيسى قبـل ذاك خلائـق
لا عذر للنصّـاب والغالـي لـه عذر لبعض ذوي العقول موافق
كفرت به الفئتـان لكـن ليستـا شرعاً فإن النصب كفر خـارق
يا من إليه الحكم يرجع في غـدٍ ولأمـره أمـر الإلـه موافـق
فكأنني بـك والخلائـق كلهـم صمٌّ وما في الخلق غيرك ناطق
من قلت فيه خذوه عجل أخـذه لم ينتظر مـاذا يقـول الخالـق
632
وهي طويلة مطبوعة في الدمعة الساكبة وغيرها.

وقوله من حسينية أوله:
قف بالطفوف واجر دمعك فيهـا فلهـا حقـوق عـلَّ ذاك يفيهـا
يقول فيه:
ولمسلـم بنـت يكـاد مماتــه ليميتهــا وحياتــه تحييهــا
مسح الحسين برأسها فاستشعرت باليتـم وهـي علامـة تكفيهـا
فبكت وناحت وهي تعلـم أنهـا كبناتـه يرزيـه مـا يرزيهــا
لم يبكها عـدم الوثـوق بعمّهـا كلا ولا الوجـد المبـرّح فيهـا
لكنهـا تبكـي مخافـة أنّهــا تمسـي يتيمـة عمّهـا وأبيهـا
وهي طويلة، وله شعر كثير فيهم عليهم السلام.

توفي سنة ألف ومائتين وثلاث وثلاثين في النجف ودفن في المقبرة التي تنسب إليهم في الصحن، رحمه الله تعالى.

محمد بن علي بن حمزة الأقساسي الحسيني، نقيب الكوفة، عز الدين

كان فاضلا أديبا جليسا للخلفاء العباسيين، فمن شعره قوله وقد زعم الخليفة المنتصر بعد خبر تغسيل أو حضور أمير المؤمنين عليه السلام جنازة سلمان الفارسي في المدائن، وهو عليه السلام في المدينة فقال له:
أنكرت ليلة إذ زار الوصي إلـى أرض المدائن لما أن لهـا طلبـا
وغسل الطهر سلماناً وعاد إلـى عراص يثرب والأصباح ما وجبا
وقلت ذلك من قول الغلاة ومـا ذنب الغلاة إذا لم يوردوا كذبـا
فآصف قبل ردّ الطرف من سبأ بعرش بلقيس وافى يخرق الحجبا
633
إن كان أحمد خير المرسلين فذا خير النبيين أو لا فالحديث هبـا
وقوله يعارض بعضهم في قوله للناصر:
وحق أبي بكر الذي هو خير من على الأرض بعد المصطفى سيد البشر
لقد أحدث التوديع عنـد وداعنـا لواعجه بيـن الجوانـح تستعـر
فقال السيد له:
وحق علي خير من وطأ الثـرى وأفخر من بعد النبي قد افتخـر
خليفتـه حقّـاً ووارث علمــه به شرفت عدنان وافتخرت مضر
ومن كسّر الأصنام لم يخشَ عارها وقد طال ما صلى لها عصبة أخر
ومن قام في يوم الغدير بعضـده نبي الهدى حقاً فسائل به عمـر
وصهر رسول الله في ابنته التي على فضلها قد أنزل الآي والسور
أليّة عبد حق من لا يـرى لـه سوى حبّه يوم القيامـة مدّخـر
لأحزنني يوم الـوداع وسرَّنـي قدومك بالجلّى من الأمن والظفر
وله غير ذلك.

توفي سنة خمسمائة وخمس وسبعين، كما ذكره ياقوت الحموي.

محمد بن علي بن شهرآشوب بن أبي نصر بن أبي الحبيش السروي المازندراني

كان فاضلا جامعا مصنفا لغويا نحويا، وكان أديبا شاعرا، جاء العراق وسكن الحلة مدة وصنف بها المناقب، وسكن بغداد فدرس فأفاد، وصنف فأجاد، وكان شاعرا أحسن الشعر خبيرا به، فمن شعره قوله:
ذل قـوم بالنصيـر انتصـروا وعموا في أمرهم مـا نظـروا
أسرفوا فـي بغيهـم وانهمكـوا هل تراهم ربحـوا أم خسـروا
634
فاتـل فـي حقهـم مـا قالـه كيف يهدي اللـه قومـاً كفـروا
وقوله:
ألا إن خير النـاس بعـد نبينـا علي ولي اللـه وابـن المهـذَّبِ
به قام للديـن الحنيـف عمـوده وصار رفيعـاً ذا رواق مطنـبِ
ومن بعده نجلاه سبطـا محمـد وريحانتاه مـن أطايـب طيّـب
وسيّدنا السجّاد أكرم من مشـى على الأرض طرّاً بين عجم وأعرب
وباقر علم الدين والصادق الـذي به يهتدى في كل عمياء غيهـب
وموسى أمين الله ثم ابنه الرضا زكا نبته واعتم في خير منصب
وسيّـد سـادات الأنـام محمـد أبو جعفر الزاكي التقي المطيـب
وخير البرايا العسكريـان بعـده إمامان مهديّان في كل مشعـب
وقائمنا المهـدي أشجـع قاتـل عداة أبيـه بالحسـام المشطـب
يقوم على اسم الله إن حان أمره فيملأ عدلاً كل شرق ومغـرب
لهـم أتولـى مؤمنـاً متيقّنــاً واذهب في أعدائهم كل مذهـب
وله غير ذلك في المناقب، ترجمه غير واحد، وذكر خطبته أمام المقتفي العباسي ببغداد وإعجابه بها وخلعه عليه وذكر ما يليق له من أوصاف الفضل والكمال.

توفي بحلب ليلة الجمعة الثاني والعشرين من شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ودفن في سفح جبل يقال له حوش، بظاهر حلب، رحمه الله تعالى بمنه ورضوانه، آمين.

محمد علي بن محمد بن عيسى النجفي الحائري الشهير بابن كمونة لجدهم الأعلى

كان فاضلا مشاركا في العلوم، أديبا شاعرا عالي طبقة المنظوم، تقيا، محبا لآل
635
بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم غاية، وكان وقور المجلس، قليل الكلام، حسن الشكل والهيئة، نائبا عن أخويه ميرزا مهدي ثم ميرزا حسن خازني روضة الحسين عليه السلام.

له ديوان شعر جله في الأئمة عليهم السلام، فمن شعره في المذهب قوله مناما فيما أخبرني عبد الله بن معتوق القطيفي الساكن في الحائر اليوم، قال: أخبرني من أثق به قال: أخبرني الحاج محمد علي بن كمونة أنه رأى ذات ليلة الحسين عليه السلام وهو يردد: (أفمنا المنادي ومنا السميع)، فانتبهت وأكملتها بقولي:
سبقنـا فــلا أحــد قبلنــا سوى من برانا ومنـا الصنيـع
فـذا الخلـق منـا إلينـا لنــا فمنـا المنـادي ومنـا السميـع
قال عبد الله: فسمطتها بقولي سنة 1307 هجرية:
أحزنـاً عقـولاً سعـت نحونـا فتاهـت ومـا بلغـت كنهنــا
ونحــن عبيــد ولكننـــا (سبقنـا فـلا أحــد قبلنــا
سوى من برانا ومنّا الصنيع)
فمن ساء فعـلاً ومـن أحسنـا يـؤب لنـا قبـل أن يوزنــا
ننـادي ونسمــع إن يدعنــا (فـذا الخلـق منـا إلينـا لنـا
فمنا المنادي ومنا السميع)
وقوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام من قصيدة أوله:
تقاصرت دون أدنى شأوك الشهبُ وشامخات العلى والمجد والرتبُ
تقدست ذاتك العلياء واحتجبـت عن العقول فلا يرقى لها الطلبُ
تروم أوصافك الـآراء قاطبـة أنّى ومن دونها الأستار والحجب
فكم تعرّضها قـوم ومـا بلغـوا منها المنى قصارى نعتهم تعـب
جاؤوا بكل بضاعات العقول فما فازت بضائعهم بالربح وانق لبوا
636
يا من تجلى لموسى في الدجى فدعا آنست ناراً بجنب الطور تلتهـب
وانتجت مريم عيسى المسيح بـه كأنما هو للـروح المسيـح أب
لولا المخافة من ربي لقلـت ولا أخشى من الناس إن لاموا وإن عتبوا
أنت المقدّر بل أنت المدبّر بـل أنت المسبّب للأسباب والسبـب
مولاي حسبي من الدنيا هواك وفي الأخرى لعفوك بعد الله أرتقـب
هواك ليلاي لا أبغي بـه بـدلاً به نجبت وآبائـي بـه نجبـوا
وقوله من قصيدة حسينية أوله:
عرى فاستمر الخطب واستوعب الدهرا مصاب أهاج الكرب واستأصل الصبرا
يقول فيه:
ولما تجلّـى اللـه جـل جلالـه له خرَّ تعظيماً له ساجداً شكـرا
هوى هيكل التوحيد فالشرك بعده طغى غمره والناس في غمرة سكرى
هوى كوكباً وانقض للأرض جوهراً وما شابت الأعراض غرته الغرا
هوى وهو طود والمواضي كأنها نسور أبـت إلاّ مناكبـه وكـرا
وقوله من أخرى أوله:
قف بالطفوف وجد بفيض الأدمعِ إن كنت ذا حزن وقلب موجـعِ
يقول فيه:
أيبيت جسم ابن النبي على الثرى وأبيت خلو القلب غيـر مـروعِ
تبـاً لقلـب لا يقطّـع بعــده أسفاً بسيف الحـزن أي تقطـع
وعمـىً لعيـن لا تسـحّ لفقـده حمر الدما عوض الدموع الهمّع
وأذاب جسمي السقم إن هو لم يذب حزناً لجسم بالسيـوف مبضّـع
وله في الحسين عليه السلام شعر كثير. توفي سنة ألف ومائتين واثنتين وثمانين في كربلاء، ودفن بها، وله بها ذرية
637
وذوي رحم، رحمه الله ورضي عنه بمنه تعالى.

محمد علي بن الشيخ أبي القاسم بن محمد تقي بن محمد قاسم الأوردبادي التبريزي النجفي

فاضل، اشتمل على فضل جم، وغزير علم، وشارك في فنون مختلفة، واتسم بأحسن صفة إلى تقى طارف وتليد، وحسب موروث وجديد. اجتمعت به كثيرا، وعاشرته طويلا، فرأيت منه الرجل المتقدم الفهم، الغزير العلم، الحصيف الذكر، المصنف الشاعر. فمن شعره قوله:
حدرت نقاب الصد عن متستـر بيضاء ترفل في كثيـب أعفـرِ
تفتر عن مثـل العقـود كأنمـا نضدت مباسمها بسمطي جوهـرِ
وتنفسـت عـن نفخـة مسكيّـة فكأنهـا عجنـت بطيـب أذفـرِ
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة في مدح أبي طالب عليه السلام أوله:
بمجدك من زعيم علـىً ومجـدِ عدلتُ إليك عن سلمـى ودعـدِ
يقول فيه:
فيا عيـن الذؤابـة مـن نـزارٍ وفخر الحـي مـن عليـا معـدِ
إمام في المطارف مـن قصـي كفاه الفخـر مـن رسـم وحـدِّ
وذو كفٍّ كفت إن عـمَّ جـدبٌ وإن حسر الوغى عن ساق جـدِّ
فيوم الحرب تصطلـم الأعـادي وتحيي الوفد في الجلّـى برفـدِ
كنجـم يهتـدى بهـداهُ طـوراً ويهـوى تـارة رجمـاً بــردِّ
كساه الفخر هاشم مـن صبـاه ثيـاب مكـارم وبـرود حمـدِ
به أم القـرى ترتـاح بشـرىً بأكـرم والـدٍ وأعــزّ ولــدِ
وقوله في مهدوية:
638
يا مدرك الأوتـار حتـى متـى تعطي على الوتر العـدا مقـودا
ويا أميـن اللـه كـم ذا النـوى قد خـان فيـك الجلـد الجلَّـدا
عاقك عمّا رمت صرف القضـا كيف وفي طوعك صرف الردى
أم لم تطعك البيض كـلا وهـل سواك للأكـوان مـن مقتـدى
وكيف تغض الطرف عن شيعة عدى لها صرف الردى واعتدى
وله في المدائح والمراثي النبوية والإمامية الكثير الطيب، وهذا غيض من فيض.

ولد في تبريز سنة ألف وثلاثمائة وعشر، وقدم النجف بعد خمس سنوات، وهو اليوم بها حي أحيى الله به مآثر الشيعة وأقام دعائم الشريعة.

محمد بن علي الحرفوشي الحريري العاملي الكركي الشامي

كان فاضلا مشاركا مصنفا كثير التصنيف، درس بالشام مدة وخاف فخرج منها يترقب إلى أصفهان، كما ذكره صاحب تراجم أعيان الشام، وكان أديبا مل الفم، شاعرا جيد النظم، رقيق الأسلوب، فمن شعره قوله:
حبانــي الوجــد والحرقــا وأودع مقلتـــي الأرقــــا
وروع بالجفــــا قلبــــاً بغيـر هــواه مــا علقــا
نــض لصــوارم خـــذم تسميهــا الــورى حدقـــا
ولــاح بواضــح أضحــى لـه شمـس الضحـى شفقــا
لــه خصـــر بألحـــاظ الـورى مــا زال منتطقــا
فيــا للّــه مــن بـــدر غــدا قلبــي لــه أفقــا
ألا يــا حبـــذا زمـــن حظيـت بــه ونلــت لقــا
زمــان لــم أجــد فيــه لشمــل الوصــل مفترقــا
639
أهيــم بسائـــل حلـــك وأهــوى واضحــاً يققــا
تولــى مسرعــاً عجـــلاً ومــرّ كطــارق طرقـــا
وقوله:
نفســي الفــداء لشـــادن ذي نفـرة فــي زي آنــس
سلــب الجفــون وقادهــا وأثـار فـي القلـب الوسـاوس
وأعـار مـن سقـم اللحــاظ لجسمـي المضنـى الدسائــس
ويلـاه مـن جــور القــوام إذا بـدا كالغصــن مائــس
وإذا رنـا مـا البيـض تشبـه فعــل هاتيــك النواعــس
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله:
يـا وردة مـن فـوق بانــه سـر المحبّـة مــن أبانــه
أخفيتــه جهــدي وقـــد غلغلـت مـن قلبـي مكانــه
وكتمــت أمــر صبابتــي وسدلـت أستــار الصيانــه
مـا كنـت احسـب أن يكـون الدمــع يومــاً ترجمانـــه
لـولا وضـوح الأمـر مــا أغـرى بنـا الواشـي لسانــه
ولـوى عنانـك عـن شــج شوقـاً إليـك لــوى عنانــه
يـا ظبيــة البــان التــي عنـد القلـوب لهــا مكانــه
قــد أسكرتنــي مقلتـــان كـان فـي الأجفـان حانــه
وكرعـت فـي مـاء الصبــا ففضحـت ليــن الخيزرانــه
أجريـت ذكـرك فـي الحمـى وقـد اجتلـى طرفـي جنانـه
فلـوى القضيــب معاطفــاً نظـم النـدى فيهـا جمانــه
واحمــرّ خــد شقيقهـــا وافتــر ثغــر الأقحوانــه
640
فكأننــي أجريــت ذكـــر المرتضـى لــذوي الديانــه
غيــث الإلــه وغوثـــه حيث الزمـان يـرى الزمانـه
كــم أودع اللاجــي إليــه مــن مخاوفـــه أمانـــه
وأســال فــوق المرتجــى سيـل الحيـاة السـاري بنانـه
أعطــاه باريــه التقــرب منــه زلفــى والمكانـــه
فغــدا القسيـــم بأمـــره يعطـي الـورى كـلاً وشانـه
يــوري معاديــه لظـــىً ويــرى موليــه جنانـــه
سل عنـه إن حمـي الوطيـس وأصعـد الحامــي دخانــه
مـن يلتـوي قرضــاً بــه فيــه التــواء الأفعوانـــه
حتــى يروّيــه ويـــروي مــن دم الجانــي سنانــه
وينكّـص الرايــات تعثــر بالجماجــم مــن جنانـــه
وأســال نجــم كــم لــه المختـار مـن فضـل أبانــه
واهـاً لــه لــو أطلقــت أعــداؤه شوطــاً عنانــه
وله شعر كثير، وديوانه حافل بالرقائق، وذكر جملة من شعره بالسلامة والأمل وتراجم أعيان دمشق.

توفي سنة ألف وتسع وخمسين بأصفهان، ورثاه صاحب الأمل بقصيدة أوله:
أقم مأتماً للمجد قد ذهب المجـدُ وجدّ بقلب السود والحزن والوجدُ
وبانت عن الدنيا المحاسن كلهـا وحال بها لون الضحى فهو مسوّدُ
وسائلة ما الخطب قد راع وقعه وكادت له الشمّ الشوامـخ تنهـد
فقلت نعى الناعي إلينـا محمـد فذاب أسىً من نعيه الحجر الصلد
مضى فائق الأوصاف مكتمل العلى ومن هو في طرق الهدى العلم الفرد
وهي طويلة مذكور بعضها في الأمل.
641

محمد بن علي بن الحسن بن حسول الوزير الرازي الهمداني

كان وزيرا فاضلا، وأديبا شاعرا، وظريفا محاضرا.

قال القزويني في الروضة: حضرت معه عند الوزير اللنك. . . فأخرج أترجة وأخذ دواة ودرجا وكتب حتى عرق جبينه، ولطخ الدرج بكثرة ما سود، فإذا هو يعمل في صفة الأترجة بيتا وهو قوله:
كأنهـا لـون فتــىً عاشــق من بـرده قـد لبـس المخمـل
قال: فالتفت إلى أبي العلاء وقال: لا بد من الإجازة ولو عزلني عن عملي، وقطع ضياعي وأنشد:
أو لون حاج من خراسـان مـن أسّهـا لرقـد ركـب المحمـل
فحرك رأسه الوزير مستحسنا، فلم يتمالك من الضحك حتى علم السخرية فاستشعرنا العربدة وخرجنا.

ومن شعره قوله:
قد قلبت البلـاد غـوراً ونجـداً وقلبت الأمـور ظهـراً لبطـنِ
فرأيت المعروف خيـر سلـاح ورأيت الإحسـان خيـر مجـنِّ
وقوله:
قد صدّني رمـد ألـمَّ بناظـري عن قصد خدمـة بابـه ولقائـه
أفيستطيـع الرمـد أن يستقبلـوا لمعان ضوء الشمس في لئلائـه
ومن شعره في المذهب قوله:
علـي إمامـي بعـد الرسـول سيشفع في عرصة الحـق لـي
ولا ادّعــي لعلــي ســوى فضائل في العقـل لـم تشكـل
642
ولا أدّعــي أنــه مرســل لكـن إمـام بنــصّ جلــي
وقـول الرسـول لـه إذ أتـى لـه شبـه الفاضـل المفضـل
ألا أن مـن كنـت مولـىً لـه فمولاه مـن غيـر شـك علـي
وله شعر كثير في مدح الأئمة عليهم السلام، وذكر في المناقب جملة منه.

توفي في الري سنة أربعمائة وخمسين تقريبا، والله تعالى أعلم، رحمه الله.

محمد بن علي بن محمد بن الحسين، الحر العاملي المشغري:

كان فاضلا مصنفا أديبا شاعرا، دخل العراق وفارس وحج ورحل إلى اليمن وبها مات كما ذكره صاحب السلافة والنسمة، فمن شعره قوله:
قلت لما لحوت في هجـو دهـر بذل الجهد في احتفاظ الجهـول
كيف لا أشتكي صروف زمـان ترك الحرّ في زوايـا الخمـول
وقوله:
يميناً وقد شطت على البعد دارهم وحالت صروف للنوى وخطوبُ
تمثلكـم للقلـب عيـن تشوّقـي فيخطي ويثنيه الجـوى فيـذوبُ
وقوله في المذهب:
إن كان حبّي للوصـي ورهطـه رفضاً كما زعم الجهول الخائض
فالله والـروح الأميـن وأحمـد وجميع أملاك السماء روافـض
وقوله:
يـا عتـرة المختـار حبكــم مـا زجـه الباطـن والظاهـر
تاللـه لا يطـوي علـى حبكـم إلاّ فــؤاد طيّــب طاهــر
ولا يناويكـم ســوى فاجــر ضمّتـه فـي أرحامهـا عاهـر
643
فمنكـم يمتـاز أصـل الـورى ويستبيــن البــرّ والفاجــر
وله غير ذلك.

توفي سنة ألف وإحدى وثمانين باليمن، بعد أن خرج من مكة خائفا بخفارة الشريف موسى بن سليمان لقتل الروم العجم في تلك السنة، كما ذكرته السلافة.

محمد بن مال بن معصوم الموسوي القطيفي الحائري

كان فاضلا جامعا أديبا مشاركا في الفنون، محققا في عقليتها فضلا عن نقلتيها، وكان متنسكا محبا لآل البيت الرحمة سيما الحسين عليه السلام محبة شديدة.

قال النوري: قال الشيخ عبد الحسين الطهراني الحائري المتوفى سنة 1286 ه: كنّا نسأله عن المسألة العلمية فيأخذ بالكلام بسطا ثم يداخله بالاستشهاد بالشعر فينتقل منه إلى رثاء الحسين عليه السلام فيبكي ويبكي حتى تتقاطر الدموع من لحيته، وكان شاعرا لم يكد يسمع من شعره في غير المراثي، فمنه قوله من قصيدة يذكر فيها غرضا له:
إلى عينها فلينظر العاذل الـذي يظن بأن الأمر في حبها سهـل
وإن بحـيِّ العامريـة جـؤذراً تذيب قلوب الأسد أحداقه النجـل
لحاجبه قـوس رهيـن إصابـة يحال عليها أن يـرد لهـا نبـل
ومن شعره في المذهب قوله:
كفاني كعكتـان ووجـه شمـس أسرّح منه في الأزهـار عينـي
ووقفة مستهـام أصـلُ غنمـي على باب الأمير أبـي الحسيـن
وصيُّ المصطفى سلطـان حـق إمامي المرتضى فـي الخافقيـن
قد انبسطـت يـداه فصيرتنـي عن الأجـواد مقبـوض اليديـن
فلسـت محمّـلاً تسـآل قــوم يهـد سؤالهـم جبلـي حنيــن
وقوله من قصيدة:
644
شلت يد ابن الزواني أنها طعنت بالرمح في جسم من من أمره الروح
لا درّ درّك يا أفلاك مالك فـي هذا الحراك وقطب الكون مذبوح
وقوله من أخرى:
بكتك الصفوف وبيض السيـوف وسود الحتوف أسـىً والقطـار
وخـاب المسلمـون والوافـدون وضاع المشيـرون والمستشـار
وقوله من أخرى أوله:
قلب المعنـى دائـم الحسـرات والعين منـه سريعـة العبـرات
دع لا تلمـه فمـا بـه متحكـم لم يصغ من ولـه للحـي لحـاة
لم يشجه ذكـر العقيـق ورامـة كـلا ولا لخيامهــا ومهــاة
لكن شجاه مصاب سبط محمـد قطب الإمامـة مركـز الآيـات
لهفي له صرعتـه أمـة جـده ظمـآن منفـرداً بشـط فـرات
خطب يقل لو السما انفطرت له والأرض شقت منه بالرجفـات
لا ينجلـي إلاّ إذا مـا جاءنــا خلـف الأئمـة آخـذ الثـارات
فعسى العبيد الموسـوي محمـد أن يشتفـي ويفـوز بالجنّــات
وعلى قتيل الطف آلـاف الثنـا تهدى مكررة مـدى الساعـات
وهي طويلة، وله شعر كثير يجاوز أعداد الحروف، وهو محفوظ معروف.

توفي في كربلاء سنة ألف ومائتين وتسع وستين، كما أرخه بعضهم بقوله: (غاب الحبيب محمد عنا)، رحمه الله.

محمد بن محمد بن حماد الجزائري، أبو الحسن بن حماد

كان عالما فاضلا، وأديبا شاعرا، معاصرا لصاحب الأمل، ولم يكد يعرف له
645
شعر إلا في الأئمة الأطهار، لا سيما في الحسين عليه السلام، فمن شعره قوله رحمه الله:
هـن بالعيـد إن أردت سوائـي أي عيـد لمستبــاح العــزاء
إن في مأتمي عن العيـد شغـلا فالـه عنـي وخلّنـي بشجانـي
فـإذا النـاس عيّـدوا بسـرور كان عيـدي بزفرتـي وبكائـي
وإذا جددوا المطـارف جـددت ثيابي مـن لوعتـي وضنائـي
وإذا استشعروا الغنـاء فنوحـي وعويلي على الحسيـن غنائـي
يقول فيه:
يابنـي أحمـد السلـام عليكـم ما أنـارت كواكـب الجـوزاء
أنتم صفوة الإلـه مـن الخلـق ومـن بعـد خاتـم الأنبيــاء
ونجوم الهـدى بنوركـم يهـدي الورى فـي حنـادس الظلمـاء
أنا مولاكم ابـن حمـاد أعـدد تكـم فـي غـد ليـوم جزائـي
وقوله من أخرى:
يـا هلـالاً لمـا استتـم كمالـه غالـه خسفـه فأبـدى غروبـا
ما توهّمت يـا شقيـق فـؤادي كـان هـذا مقـدّراً مكتوبــا
وقوله من أخرى:
أيا سادتي يـا آل طـه عليكـم سلامي ما أرخى العزالي هامـع
فوالله ما لي في المعـاد ذخيـرة ولا عمل عندي من الخير نافـع
سوى حبكم يا خير من وطأ الثرى وذلك أرجى ما به المرء طامـع
لعل ابن حمـاد محمـد عبدكـم له في غد خيـر البريـة شافـع
عليكم سلام الله ما هبت الصِّبـا وما لاح نجم في دجى الليل لامع
وله ما يقرب من ثلاثين قصيدة في المديح والرثاء الحسيني.
646
توفي سنة ألف وعشرين بالحويزة. وفي الحلة قبر ابن حماد الليثي الواسطي المعروف.

محمد خان بن محمد علي خان بن عبد الله خان أمين الدولة بن محمد حسين خان الصدر الأصفهاني النجفي الطهراني، المعروف ببهاء الدين بن نظام الدين

كان فاضلا أديبا مصنفا مجازا، من أجلة علماء النجف، وكان شاعرا متوسط الطبقة دون طبقة أخيه مرتضى قلي خان - الآتية ترجمته إن شاء الله - وكان محاضرا لأدباء العراق في وقته ممدحا لهم بأحسن المدائح، فمن ذلك قول الأديب الشيخ جابر الكاظمي في أبيات مدحه بها وخمسهما أيضا في مدحه:
لقد حزت العلى فرعـاً وأصـلا وقد سدت المـلا علمـاً ونبـلا
وأنت من الملا بالفضـل أولـى (بهاء الدين أنت علـىً وفضـلا
وما للدين غيرك من بهاء)
وله شعر كثير في مدائح الأئمة عليهم السلام باللسانين العربي والفارسي، فمن شعره قوله:
أنخت ببابـك العالـي ركابـي لأنـك للحوائـج خيـر بــابِ
بعلياك استعذت بصـدق عـزم لتكشف لي من الأسواء ما بـي
وآمـل أن أفـوز بكـل خيـر وآمن في غـد سـوء العـذاب
وما لي في فنائـك مـن شفيـع سوى حب الوصي أبـي تـراب
وصي المصطفى حقّاً وصدقـاّ وباب علومـه فـي كـل بـاب
647
علي المرتضـى أولـى البرايـا بأنفسهـم علـى نـصَّ الكتـاب
ونصّ محمد المختار يـوم الغـد يـر بغيـر شـك وارتيــاب
بكم أعطى المهيمن كـل خيـر وعرفنا الخطاء مـن الصـواب
أجرني يا إمامـي مـن ذنـوب لقد كثرت وزادت فـي كتابـي
ومنَّ علـيَّ يـا مولـاي طـولاً بعدِّي من عبيدك فـي الحسـاب
طلبت إليك مـا أرجـو وحـق بأن تقضـي بأفضـال طلابـي
وحاشا الأكرمين الغـرّ مـن أن يردّوا طالبـاً صفـر الوطـاب
وله غير ذلك.

وكان ارتحل إلى طهران أخيرا فسكنها إلى أن فاجأه حمامه بها وتوفي سنة ألف وثلاثمائة وست عشرة تقريبا في طهران، وله كتاب الفوائد البهائية مطبوع في طهران، ذكر فيه ترجمته وترجمة أخيه وأبيه وجده وجملة من نظمه ونظم أخيه، ومطارحات أدباء عصره، فلا حاجة إلى النقل منه لشهرته بطبعه.

محمد بن محمد بن الحسن الطوسي، نصير الدين المعروف بالخواجة

كان إحدى الآيات الإسلامية، والبراهين المحمدية، والمعجزات العلوية، فضلا وعلما عقليا ونقليا، ومعرفة صناعية، وتقى وعبادة ونسكا وزهادة.

ولد بطوس ونال بها من العلم منية النفوس، ثم صحب المغول فاستوزروه فقبل الوزارة، وصحب الملك إلى العراق، فحفظ العتبات العالية من أن تنالها منه بادرة سوء، وأسس في إيران الطريقة الحقة، وشادها تلميذه العلامة الحلي رحمه الله، وكان مع هذا كله أديبا شاعرا عارفا بالألسنة الأجنبية، رأيت تحرير المجسطي له بخطه في مكتبة الشيخ عبد الحسين الحائري الموقوفة في كربلاء وعليها حواشي
648
له بالسريانية، وكان حسن الخط أيضا، فمن شعره قوله:
ما للمثال الذي ما زال مشتهـراً للمنطقيين في الشرطين تسديـد
أما رأوا وجه من أهوى وطرته الشمس طالعة والليـل موجـود
وقوله رحمه الله:
كنا عدماً ولم يكـن مـن خلـل والأمـر بحالـه إذا مـا متنـا
يا طول فنائنـا وتبقـى الدنيـا لا الرسم بقي لنا ولا اسم المعنى
وقوله فيما نقله الشيخ يوسف البحراني عن خط الشيخ حسن الزيني عن خطه الشريف:
وقف العذار على أوائـل خـده متحيـراً كتحيـري فـي حـده
وقرأتـه فـإذا عليـه أسطــر يا عاشقيه تـزودوا مـن ورده
يا من حكى زهر الرياض بخده وحكى قضيب الخيـزران بقـده
دع عنك ذا السيف الذي قلدتـه عيناك أمضى من مضاربه حده
كل السيـوف بواتـر مشهـورة وحسام لحظك باتر فـي غمـده
يـا محسنـا إلا إلـيَّ ومنعمـاً إلا علـيَّ ومخلفـاً فـي وعـده
لا تستمع قـول الوشـاة فإنمـا نقل الحديث إلى الحبيب بضـده
ومن شعره في المذهب قوله:
لو أن عبداً أتى بالصالحات غدا وود كل نبـي مرسـل وولـي
وصام ما صام صوام بلا ضجر وقام ما قـام قـوام بـلا ملـل
وحج ما حج من فرض ومن سنن وطاف ما طاف حاف غير منتعل
وطار في الجو لا يأوي إلى أحد وغاص في البحر مأموناً من البلل
يكسو اليتامى من الديباج كلهـم ويطعم الجائعين البـرّ بالعسـل
وعاش في الناس آلافـاً مؤلفـة عار من الذنب معصوماً من الزلل
649
ما كان في الحشر عند الله منتفعاً إلاّ بحب أمير المؤمنيـن علـي
وقوله:
إذا فاض طوفان المعاد فنوحـه علي وإخلاص الولاء لـه فلـك
إمام إذا لم يعرف المـرء قـدره فليس له حج وليـس لـه نسـك
فأقسم لو لم يلق رحبـاً بمدحـه لم يصحبـه فـي فمـي الفـك
ولو لامني فيه أبي لم أقـل لـه وحاشا أبي أن يعتريه بـه شـك
ولد بطوس، وتوفي في بغداد يوم الغدير سنة اثنتين وسبعين وستمائة، ودفن عند الكاظميين عليهم السلام في قبر معروف يتبرك به، رحمه الله.

محمد بن محمد بن الحسين بن قاسم الحسيني العاملي العينائي الجزيني

كان فاضلا صالحا مصنفا جامعا، وكان أديبا وشاعرا بارعا، ذكره جملة من أهل المعاجم، فمن شعره قوله:
أخـيّ لا تركنـن إلـى أحــد حتى يواريـك ضيـق الرمـس
وعش فريداً عـن الأنـام ففـي البعد عن الأنس غايـة الأنـس
ومن شعره في المذهب قوله:
ذكرت أيامي بأكنـاف الحمـى والدهر طلق المجتلى عذب الجنى
إذ شرّتي وصبوتي مـا فتئـت في فتيات الحي ميـلاً وهـوى
من كل نجـلاء اللحـاظ غـادة ترمي حواليك بأحـداق المهـى
وكل هيفـاء تريـك إن بـدت قضيب بان فوقه شمس ضحـى
وكـل غيـداء إذا مـا التفتـت أغضى لها من غيد ظبي الفـلا
حتـى إذا شبيبتـي تصرمــت وريّق العمـر تولـى وانقضـى
650
أعرض عنـي الغانيـات ريبـة به وعرّضـن بصـدي والجفـا
فحالفي يا نفس أربـاب التقـى وخالفي نهج الضلـال والعمـى
والمرء لا يجزى بغيـر سعيـه وليس للإنسـان إلا مـا سعـى
واعلم بأن كل من فوق الثـرى لا بد من مصيـره إلـى البلـى
وكل إلى الله الأمـور تستـرح وعد إلى مدح الحبيب المجتبـى
الماجد المبعـوث فينـا رحمـة محمد الهادي النبـي المصطفـى
واثن على أخيـه وابـن عمـه قسيم دار الخلـد حقـاً ولظـى
والحسن المسموم ظلماً والحسين السيـد السبـط شهيـد كربـلا
فهم منـار الحـق للخلـق فمـا أفلـح مـا ناوهـم ومـن شنـا
وهي طويلة، وله غيرها.

توفي رحمه الله في سنة ألف وخمس وثمانين تقريبا بطوس ودفن بها.

محمد بن مكي العاملي الجزيني، شمس الدين، المعروف بالشهيد بالأول

كان بحرا في العلوم النقلية والعقلية، مصنفا كثير التصنيف، عظيم النسك، أديبا شاعرا، فمن شعره قوله في دمشق:
دمشـق دمشـق فـلا تأتهــا وإن غـرّك الجامـع الجامــع
فسـوق الفسـوق بهـا قائــم وفجـر الفجـور بهـا طالــع
ومن شعره في المذهب ما ذيل به أبيات ابن الجوزي، فقد قال: أنشدني السيد أبو محمد عبد الله بن محمد الحسيني لابن الجوزي:
أقســم باللـــه وآلائـــه آليـة ألقــى بهــا ربــي
إن علـي بـن أبـي طالــب إمـام أهـل الشـرق والغـربِ
651
قال: فكلمتها بقولي:
لأنـه صنـو نبــي الهــدى ورحمه المخصوص في القـربِ
وقد وقاه مـن جميـع الـورى بنفسـه فـي السلـم والحـربِ
مـن لـم يكـن مذهبـه هكـذا فإنـه أنجـس مــن كلــبِ
توفي سنة سبعمائة وثمانين قتلا بفتوى القاضي في دمشق برهان الدين المالكي وابن جماعة، عباد الشافعي، بعدما حبس سنة ثم صلب ثم رجم ثم أحرق - قدس سره الشريف - في دولة بيدر، وذكره كل مترجم لأعيان العلماء، رحمه الله.

محمد بن المهدي بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني النجفي الحلي

كان فاضلا جامعا مشاركا، ضم إلى الفضل والكرم والأدب، وأضاف إلى الشرف بالنسب الشرف بالحسب، وكان واسطة عقد السادة، ومعقد إكليل السيادة، وطراز عمائم الأفاضل من بني هاشم الأماثل.

رأيته وجالسته فرأيت منه شريفا تلوح المكارم في أساريره، ونقيا يكاد يحكي وجهه ما في ضميره، وناسكا يراقب الله في كل محل، وظريفا في لفظه أين حل وارتحل، كتب إليه السيد جعفر الحلي مستجديا أرز عنبر لصنف من الأرز مخصوص بقوله:
لي زوجـة كـان أخـو أمّهـا يحسن في حالـي وفـي حالهـا
يهـدي لنـا العنبـر مـن أرزه والجوع لا يخطـر فـي بالهـا
والعـام نالـت زرعـه جمـرة فاحتـرق العنبـر مـن حالهـا
فـإن درت أنـك واصلتنــي زارت علـى رقبـة عذّالهــا
قوله: (فاحترق)، وقوله: (زارت) تضمين من قصيدة للسيد حيدر الحلي رحمه
652
الله، مع التورية فيه، فأرسل إليه السيد رحمه الله أرزا عنبرا وكتب معه:
أكتب لها تأتـي علـى سرعـة واقتبــل العمــر بإقبالهــا
ماشيـة تطـرب مـن مشيهـا ولكـن علـى رنّـة خلخالهــا
فالكل منّـا لـك يحبـو غنـى فاستغن من مالي ومـن مالهـا
قوله: (واقتبل)، وقوله: (لكن) تضمين من تلك القصيدة، وقوله: (فاستغن). . . الخ فيه من الإيهام ما لا يخفى.

وركب يوما من الهندية إلى كربلاء في زورق، وعادته أن يطلى بالقار ثم يصبغ بالمغر الأحمر، ووراؤه جملة من الزوارق لرؤساء العشائر يصحبونه، فنزل رئيس منهم وجعل يمشي محاذيا لساجة السيد المذكور ليركب معه طلبا للشرف، وهو يقول: نعم الزورق وهو محتاج إلى حمار، يريد الحمرة بلسان العصر، فقال السيد له: اركب معنا، حتى إذا ركب قال: الآن صار غير محتاج إلى شيء، وكان ناثرا شاعرا حسن البديهة، فمن شعره قوله واصفا عربية بغداد إلى الكاظمية، ومادحا الكاظمين عليهم السلام، وقد شطر الأبيات ابن أخيه السيد أحمد، والجميع هو هذ:
(وزاخـرة تسنمنـا ذراهــا) فراحت وهي ترفـل بازدهـاءِ
ولـم أك قبلهـا شاهـدت فلكـاً (جرت فوق الصعيد بغير مـاءِ)
(على سكك الحديد لهـا رنيـن) كصبّ أنّ مـن طـول التنائـي
لها في جريهـا زجـل ورعـد (على سمعي ألـذّ مـن الغنـاء)
(تجاذبها السرى فرسـا رهـان) بها وصلا البـدوّ إلـى انتهـاء
تسابق لمحـة الأبصـار عـدواً (فكل حمى عليها غيـر نائـي)
(يظللنـا بهـا منهـا شــراع) يسـد بظلمـه سعـة الفضـاء
وعزم كـاد لـولا مـن أقلـت (يطير بها إلـى أفـق السمـاء)
653
(تواصل أختها حتـى إذا مـا) تعانقنــا معانقــة الإخــاء
دعا داعي الفـراق بهـا فلمـا (رأتهـا ودعـت عنـد اللقـاء)
(ترى مقصورة في الجو تسري) بنا مسرى البساط على الرخـاء
تروقـك منظـراً مهمـا تبـدت (مزخرفـة مشيــدة البنــاء)
(تصد الشمـس أنّـى واجهتنـا) وتمنع مـا تريـش يـد الشتـاء
وكم حملت بهـا ربـات خـدر (فتحجبهـا وتـأذن للهــواء)
(وكم حملت من الفتيان شتـى) بهـا يضعـون أوزار العنــاء
فمن كـل بهـا زوجيـن تلقـى (وهم فيها كإخـوان الصفـاء)
(ينادم بعضهم بعضـاً سـروراً) وودّ بــأن يمتــع بالبقــاء
فتحسبهم بهـا إخـوان صـدق (وما انتسبوا إلـى بلـد سـواء)
(إذا ما قبـة العلميـن لاحـت) مطنبــة بأبــراج السمــاء
تطوف بها الملائـك كـل يـوم (لديها وهي واضحـة السنـاء)
(بنا أرست على جودي موسى) جـواد بالجزيـل مـن العطـاء
فما خابت وقد ألقـت عصاهـا (على باب الحوائـج والرجـاء)
(حمى عكفت به الأملاك حتـى) تنال بـه العظيـم مـن الحبـاء
مقام علىً تود الشهـب لـو أن (أقامـت فيـه دائمـة الثـواء)
(تطيل به الوقوف على خضوع) ملوك الأرض مـن دان ونائـي
هو البيت الحـرام فليـس بـدع (إذا ازدحمت جمـوع الأنبيـاء)
(وبات الوحي ينزل في حمـاه) بمـا رسمتـه أقلـام القضـاء
محـل تكشـف الكربـات فيـه (ويصعد منه معـراج الدعـاء)
(أنخت به مع العافيـن ركبـي) بمستن القـرى رحـب الفنـاء
نشرت إليـه مطـوي الأمانـي (فبلغنـي بـه أقصـى منائـي)
654
وقوله من قصيدة حسينية أوله:
أحلماً وكـادت تمـوت السنـن لطول انتظارك يابـن الحسـن
وأوشـك ديـن أبيـك النبــي يخفـى فيرجـع ديـن الوثـن
وهذي رعايـاك تشكـو إليـك ما نابهـا مـن عظيـم المحـن
تناديــك معلنــة بالنحيــب إليــك ومبديــة للشجـــن
وتـذري لمـا نالهـا أدمعــاً جريـن فمـا أشبهتهـا المـزن
ولم تـرم طرفـك فـي رأفـة إليها ولـم تصـغ منـك الـأذن
لقـد غـر إمهالـك المستطيـل عـداك فباتـوا علـى مطمئـن
توانيـت فاغتنمـوا فرصــة وأبدوا من الظغن ما قـد كمـن
وعادوا علـى فيئكـم غائريـن وأظهـرت اليـوم منـا الإحـن
فطبـق ظلمهــم الخافقيــن وعـم علـى سهلهـا والحـزن
ولم يغتـدوا منـك فـي ريبـة كأنك يابـن الهـدى لـم تكـن
فمذ عمنا الجـور واستحكمـوا بأموالنـا واستباحـوا الوطــن
شخصنـا إليــك بأبصارنــا شخوص الغريـق لمـر السفـن
وفيك استغثنـا فـإن لـم تكـن غياثـاً مجيــراً وإلا فمــن؟
فللّـه قلبــك يــا صابــراً على مضض في الفؤاد استكـن
ويا ناظـر حقّـه فـي العـدى تلاغـب فيـه فلـم يغضبــن
وللّـه مـن حــادث وقعــه دهانـا فأذهـب منّـا الفطــن
أيصبح داعـي الهـدى غائبـاً وداعي الضلالـة فينـا قطـن
وذو الجور بيـن الـورى بيّـن وذو العدل ما بينهـا لـم يبـن
ومـن هـو أحـرى بسلطانهـا وبالأمـر والنهـي فيهـا قمـن
يـروح علـى وجـل خائفــاً بنفـس ويـا مـن قـد أمــن
655
فيابن الأولـى طوّقـوا بالسـؤا ل جيد الزمـان جميـل المغـن
ومن في تكـوّن بـدء الوجـود علينـا بحبّهـم اللــه مــنّ
إلى م تغض علـى مـا دهـاك طرفـاً وتنظـر وقـع الفتــن
أتغضي الجفون وعهـدي بهـا على الضيم لا يعتريهـا الوسـن
ثنـاك القضـا أو لسـت الـذي يكون لك الشيء إن قلت: كـن
أم الوهن أخّر منـك النهـوض أحاشيـك أن يعتريـك الوهـن
أم الجبـن كهـم ماضيـك مـذ تغاضيت حاشاك علـاك الجبـن
أتنسى مصائـب آبائـك التـي هـدَّ ممـا دهاهــا الركــن
مصاب النبي وغصب الوصـي وذبح الحسيـن وسـم الحسـن
وهي طويلة تنيف على الخمسين، وله غيرها كثير.

ولد سنة ألف ومائتين واثنين وستين.

وتوفي في ليلة الجمعة سادس محرم الحرام من سنة ألف وثلاثمائة وخمس وثلاثين في الحلة، وحمل إلى النجف فدفن بها، وأصيب المسلمون بفقده، فقد كان بركة في الأرض، قدس الله روحه.

محمد بن النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيول، أبو عبد الله بن أبي حنيفة، قاضي مصر وابن قاضيها، النعمان، صاحب دعائم الإسلام

كان فاضلا متفننا في العلوم، وأديبا شاعرا، وترقى خطره عند العزيز العلوي حتى كاد يصعده معه على المنبر إذا جلس فوقه، ولي القضاء بعد أخيه أبي الحسن بن النعمان إلى أن توفي.

وقد ذكره وأخاه وأباه ابن خلكان وأطنب في التفصيل، فمن شعره قوله:
656
يا مشبـهَ البـدرِ بـدرِ السمـاء لسبعٍ وخمسٍ مضـت واثنتيـنِ
ويا كامـلَ الحسـنِ فـي نعتـه شغلتَ فؤادي وأسهـرت عينـي
فهل ليَ مـن مطمـعٍ أرتجيـه وإلا انصرفـتُ بخفَّـي حنيـن
ويشمتُ بي شامتٌ فـي هـواك ويفصح لي صوت صفر اليدين
فإمــا مننــت وإلاّ قتلــت وأنت القديـرُ علـى الحالتيـن
ومدحه عبد الله بن الحسن بن جعفر السمرقندي بقصيدة على المكاتبة، منها قوله:
تعادلـتِ القضـاة عـلاً فأمـا أبـو عبـد الإلـه فـلا عديـلُ
وحيـدٌ فـي فضائلـه غريـبٌ جلـيٌّ فـي مفاخـره جليــل
تألق بهجـةً ومضـى اعتزامـاً كمـا يتألـقُ السيـفُ الصقيـل
لـو اختبـرت قضايـاه لقالـوا يؤيــده عليهــا جبرئيــل
إذا أرقـى المنابـرَ فهـو قـسّ وإن حضر المشاهـد فالخليـل
فكتب إليه بقوله:
قرأنا من قريضك مـا يـروقُ بدائـع حاكهـا طبـعٌ رقيــقُ
كـأن سطورهـا روضٌ أنيـقٌ تضـوَّعَ بينهـا مسـكٌ فتيـق
إذا ما أنشدت أرجـت وطابـت منازلهـا بهـا حتـى الطريـق
وإنـا تائقـون إليـك فاعلــم وأنـت إلـى زيارتنـا تتــوق
فواصلنا بهـا فـي كـلِّ حيـنٍ فأنـت بكـلِّ مكرمـةٍ حقيـق
ومن شعره في المذهب قوله فيما ذكره ابن شهرآشوب:
سلـام علـى آل النبـي محمـد ورحمة ربي دائماً أبـداً يجـري
وصلى عليهم ذو الجلال معظماً وزادهم في الفضل فخراً على فخر
فهم خير خلق الله أصلاً ومحتداً وأكرمهم فرعاً على الفحص والسدر
وأوسعهم علماً وأحسنهـم هـدى وأتقاهم لله في السـر والجهـر
657
وأفضلهم في الفضل في كل مفضل وأقولهم بالحق في محكم الذكـر
وأشجعهم في النازلات وفي الوغى وأجودهم لله في العسر واليسـر
أناس علوا كل المعالي بأسرهـا فدقت معانيهم على كل ذي فكر
وقوله:
معادن العلم والآيـات والحكـم وموضع الجود والأفضال والكرم
قوم بهم فتح الله الهـدى وبهـم ختامه عند درس الحق في الأمم
كانوا لذي العرش أنواراً يضي به طرف السماء لما فيها من الظلم
وملجـأ لأبينـا عنـد توبتــه من ذنبه في قبول التوب والنـدم
لما دعـا اللـه إذعانـاً بحقّهـم أجابهم عظماً للحق فـي القسـم
وله غير ذلك في المناقب.

ولد يوم الأحد لثلاث خلون من صفر سنة أربعين وثلاثمائة.

وتوفي بعلة النقرس ليلة الثلاثاء رابع صفر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة.

وتوفي أخوه علي سنة أربع وسبعين وثلاثمائة عن خمس وأربعين سنة.

وتوفي أبوه النعمان سنة ثلاثمائة وثلاث وستين وكان معمرا كأبيه محمد، وقد ذكره ابن خلكان وغيره بأبسط من هذا، فراجعه إن شئت.

محمد بن هاشم بن وعلة الخالدي، أبو بكر، أحد الخالديين الموصليين، والآخر أخوه أبو عثمان سعيد

كان أديبا شاعرا كأخيه، وكانا يشتركان فيما يمتلكان، وفيما يقضمان ويتساعدان فيما ينظمان، فهما كما قال الثعالبي في المساعدة كروح واحدة.

وكان لمحمد نظم في أهل بيت النبوة دون أخيه، ولهذا إمتاز ذكره دونه على ما بينهما من الإخوة، فمن شعره قوله [من مجزوء الرمل]:
658
قـام مثـل غصــن الميّــا د وفــي غــضّ الشبــاب
يمـزج الخمـر لنـا بالصفـو مــن مـــاء الشـــراب
فكـأن الكـأس لمـا ضحكـت تحـــــت الحبـــــاب
وجنــة حمــراء لاحــت لـك مـن تحــت النقــاب
ومن شعره في المذهب، قوله من حسينية [من المنسرح]:
أجل هو الـرزء جـلّ فادحـه باكــره فاجــع ورائحــه
يا بؤس للدهر غال آل رسـول اللــه تجتاحهــم جوائحــه
إذا تفكـرت فــي مصابهــم أثقـب زنـد الهمـوم فادحــه
بعضهـم قربـت مصارعــه وبعضهـم بعـدت مطارحــه
أظلـم فـي كربـلاء يومهــم ثـم تجلـى وهــم ذبائحــه
لا بـرح الغيـث كـل شارقـة تهمـي غواديـه أو روائحــه
ذل حمـاه وقــل ناصــره ونـال أقصـى منـاه كاشحـه
يا شيع الغـي والضلـال ومـن كلهــم جمــة فضائحـــه
عفرتـم بالثـرى جبيـن فتـى جبريل بعـد الرسـول ماسحـه
يطل ما بينكم دم ابـن رسـول اللـه وابـن السفـاح سافحـه
سيـان عنـد الإلــه كلكــم خاذلــه منكــم وذابحـــه
وهي طويلة.

توفي سنة ثلاثمائة وثمانين بحلب، وجمع شعره أخوه، وتوفي بعده في حدود الأربعمائة بحلب رحمهما الله تعالى.

محمد بن هاني، أبو القاسم الأزدي الأندلسي، المشهور بمتنبي الغرب

659
كان شاعرا فخم المعاني، متسق الألفاظ، وكان يعد في طبقة المتنبي، ويفوقه في الانسجام، وليس في المغاربة مثله على أن فيهم الشعراء البارعين، وكان محترم الجانب، عظيم الوقع، أنشد جوهر القائد لدن جاء من سفر وهو في خمسين ألف فارس:
أبني السيوف المشرفية والرماح السمهريّـة والعديـد الأكثــر
من منكم الملك المطـاع كأنـه بين الفوارس تبّـع فـي حميـر
فترجل العسكر كله، ولم يعلم بيت رجل عسكرا جرارا غيره.

وله ديوان مطبوع مرارا، فمنه قوله:
هل مـن أعقـة عالـج يبريـنِ أم منهما بقـر الحـدوج العيـنِ
ولمن ليالٍ مـا ذممنـا عهدهـا مـذ كـنَّ إلا أنهـن سجــون
المشرقـات كأنهـن كواكــب والناعمـات كأنّهـن غصـون
بيض وما ضحك الشباب وأنهـا بالمسك من طرز الحسان لجون
أدمى لها المرجان صفحة خّـده وبكى عليهـا اللؤلـؤ المكنـون
وقوله في التخلص:
لا تسلني عن الليالـي الخوالـي وأجرني مـن الليالـي البواقـي
ضربـت بيننـا بأبعـد ممــا بيـن راجـي للعـزّ والإملـاق
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة أوله:
أصاخت فقالت وقع أجر وشيظم وشامت فقالت لمع أبيض مخـذم
يقول فيه:
إلا إنّ يومـاً هاشميّـاً أظلَّهــم يطيرُ فراخ الهام من كل مجثـم
كيومِ يزيـدٍ والسّبايـا طريـدةٌ على كلّ موّارِ الملـاطِ غشمشـم
وقد غصّتِ البيداءُ بالعيسِ فوقها كرائـمُ أبنـاءِ النّبـيّ المكـرَّم
660
فما في حريمٍ بعدها من تحـرُّجٍ ولا هتكُ ستـرٍ بعدمـا بمحـرَّم
وفاض دماً ماء الفرات فلم يجز لـوارده طهـر بغيـر تيمــم
فلا حملت فرسان حرب جيادها إذا لم تزرهم من كميت وأدهـم
ولا عذب الماء الفـرات لـوارد وفي الحي مروا نية غيـر أيـم
فإن يتخرّم خيرُ سبطـي محمّـدٍ فإنّ ولـيّ الثّـأرِ لـم يتخـرَّمِ
ألا فاسألوا عنهُ البتول لتخبـروا أكانت له أمّاً وكـان لهـا ابنـم
ألا إنّ وتراً فيهم غيـرُ ضائـعٍ وطلاّبَ وترٍ منكـم غيـر نـوَّم
فما عاثَ فيهم مقولٌ مثلُ مقولي ولا لاحَ فيهم ميسمٌ مثلُ ميسمـي
وأولى بلـومٍ مـن أميّـةَ كلّهـا وإن جلّ أمرٌ مـن ملـام ولـوَّم
أناسٌ هم الداء الدفين الذي سرى إلى رممٍ بالطَّفِّ منكـم وأعظـم
همُ قدحوا تلك الزّنادَ التي روت ولو لم تشبَّ النّارُ لـم تتضـرّم
على أيّ حكمِ اللَّـهِ إذ يأفكونـهُ أحلَّ لهم تقديـمُ غيـر المقـدَّم
وفي أي دين الوحي والمصطفى له سقوا آله ممزوجَ صـابٍ بعلقـم
فما نقموا أنّ الضّغينة لـم تكـن ولكنّهـا منهـم شناشـن أخـزم
بأسياف ذاك البغـي أول سلِّهـا أصيبَ عليٌّ لا بسيفِ ابن ملجـم
وبالحقـدِ حقـدِ الجاهليّـةِ إنـه إلى الآنَ لم يظعن ولم يتصـرَّم
وبالثّارِ في بدرٍ أريقت دماؤكـم وقيد إليكم كـلّ أجـردَ صلـدم
سبقتم إلى المجدِ القديـم بأسـره وبؤتم بعاديٍّ على الدهـرِ أقـدم
فمكبركـم للَّــهِ أوّلُ مكبــرٍ ومعظمكـم للَّـهِ أوّلُ معظــم
بكم عزّ ما بين البقيـع ويثـربٍ ونسِّكَ لكم بين الحطيم وزمـزم
مدحتكمُ علمـاً بمـا أنـا قائـلٌ إذا كان غيري زاعماً كلَّ مزعم
لكم جامعُ النُّطقِ المفرَّقِ في الورى فمن بين مشروحٍ وآخـرَ مبهـم
661
وفي الناسِ علمٌ لا يظنون غيره وذلك عنوانُ الصّحيفِ المحنتـم
إذا كانتِ الألبابُ يقصرُ شأوهـا فظلمٌ لسـرِّ اللَّـهِ إن لـم يكتَّـم
وهي طويلة.

وقوله من قصيدة أخرى:
أبني لؤيٍّ أيـنَ فخـرُ قديمكـم أم أينَ حلـمٌ كالجبـال رزيـن
نازعتمُ حـقَّ الوصـيّ ودونـهُ حرمٌ وحجـرٌ مانـعٌ وحصـون
ناضلتموهُ على الخلافـةِ بالتـي ردّت وفيكـم حدُّهـا المسنـونُ
حرّفتموها عن أبي السبطينِ عن زمعٍ وليس من الهجـانِ هجيـن
لو تتّقونَ اللّّهَ لـم يطمـح لهـا طرفٌ ولم يشمخ لهـا عرنيـن
لكنّكم كنتم كأهـلِ العجـلِ لـم يحفظ لموسـى فيهـمُ هـارونُ
لو تسألونَ القبـرَ يـوم فرحتـمُ لأجـابَ أنّ محمّـداً محـزون
ماذا يريدُ من الكتـابِ نواصـبٌ ولـهُ ظهـورٌ دونهـا وبطـون
هي بغيةٌ أضللتموهـا فارجعـوا في آلِ ياسيـنٍ ثـوت ياسيـن
ردّوا عليهـم حكمهـم فعليهـمُ نـزلَ الكتـاب وبيّـن التّبييـن
البيتُ بيتُ اللَّـهِ وهـو معظَّـمٌ والنّورُ سرُّ الوحيَ وهو مصـون
وهي طويلة أيضا.

وفي ديوانه أمثالها.

قتل مخنوقا في تكة سراويله بسانية من سواني برقة، يوم الأربعاء لسبع ليال بقين من رجب سنة اثنتين وستين وثلاثمائة عن عمر يناهز الأربعين، ولما بلغ قتله المعز العلوي بمصر أسف عليه وقال: هذا رجل كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق فلم يقدر لنا ذلك.

محمد بن وهيب الحميري، أبو القاسم

662
كان شاعرا قوي الأسر، شديد العارضة، جزل الكلام، وكان يمدح الخلفاء العباسيين فمن دونهم، فمن رقائق شعره قوله:
مـا لمـن تمَّــت محاسنــه أن يعادي طـرفَ مـن رمقـا
لـك أن تبـدي لنــا حسنــاً ولنــا أن نعمــل الحدقــا
قدحـت كفّـاك زنـدَ هــوىً فـي سـوادِ القلـب فاحترقــا
ومن شعره في المذهب وقد رأى يزيد بن هارون يملي في فضائل غير علي عليه السلام قوله:
آتي يزيدَ بـن هـارونٍ أدالجـه في كل يومٍ ومالي وابن هارونِ
فليتَ لي بيزيـدٍ حيـن أشهـده راحاً وقصفاً وندمانـاً يسلِّينـي
أغدو إلى عصبة صمَّت مسامعهم عن الهدى بين زنديق ومأفـونِ
لا يذكرون عليّاً فـي مشاهدهـم ولا بنيه بني البيـضِ المياميـن
إنّـي لأعلـمُ أنـي لا أحبُّهــمُ كمـا هـمُ بيقيـنٍ لا يحبُّونـي
لو يستطيعون من ذكري أبا حسن وفضلـه قطَّعونـي بالسَّكاكيـن
ولستُ أترك تفضيلي لـه أبـداً حتى المماتِ على رغم الملاعين
وقوله حين سأله إسحاق بن محمد بن القاسم بن يوسف عن مذهبه، فكتب بعد سكوته من غده، وبعد استمهاله:
أيُّهـا السَّائــلُ قــد بــي ينــتُ إن كنــتَ ذكيَّـــا
أحمـــدُ اللَّـــهَ كثيـــراً بأياديـــــه عليّــــــا
شاهــــداً أن لا إلـــــه غيـره مــا دمــتُ حيّــا
وعلــى أحمــدَ بالصِّـــد ق رســــولا ونبيّـــــا
ومنحــتُ الـــودَّ قربـــا هُ وواليــــتُ الوصيّــــا
وأتانــي خبــرٌ مطَّـــرحٌ لـــم يــــكُ شيَّــــا
663
أنّ علــى غيــر اجتمــاع عقــدوا الأمـــر بديَّـــا
فتركــت القـــوم تيمـــاً وعديّـــــاً وأميّـــــا
غيــر شتَّـــامٍ ولكنـــي تولَّيـــــتُ عليّــــــا
توفي سنة مائتين ونيف وعشرين تقريبا ببغداد.

وكان بصري المولد كما ذكره في الأغاني وغيره.

محمد بن إسماعيل بن قادوس الدمياطي المصري

كان عالما فاضلا، وكاتبا شاعرا، تولى الكتابة للعلويين بمصر، ثم القضاء. وكان أستاذ القاضي الفاضل، فمن شعره:
وليلة كاغتماض الجفن قصّرهـا وصل الحبيب ولم تقصر عن الأملِ
فكلما رام نطقـاً فـي معاتبتـي سددت فاه بنظـم اللثـم والقبـلِ
وبات بدر تمام الحسن معتنقـي والشمس في فلك الكاسات لم تفل
فبت منها أرى النار التي سجدت لها المجوس من الأشواق تسجد لي
ومن شعره في المذهب قوله:
هي بيعة الرضوان أبرمها التقى وأنارها النص الجلـي فالجمـا
ما اضطر جدك في أبيك وصيّه وهوا بن عم أن يكون له ابنمـا
وكذا الحسين وعن أخيه جازهـا وله البنون بغير خلـف منهمـا
وقوله في أخرى:
أنت الإمام الآمر العـدل الـذي خبـب البـراق لجـدّه جبريـلُ
الفاضل الأطراف لم يـرَ فيهـم إلاّ إمــام طاهــر وبتــولُ
أنتم خزائن غامضـات علومـه وإليكـم التحريــم والتحليــل
فعلى الملائك أن تـودي وحيـه وعليكـم التبييــن والتأويــل
وقوله في أخرى:
664
يـا سيــد الخلفــاء طــراً بدوهــــم والحضــــرُ
إن عظمـوا ساقـي الحجيــج فأنــت ساقــي الكوثـــرُ
أنــت الإمــام المرتضــى وشفيعنــا فــي المحشــر
وولــي خيـــرة أحمـــد وأبــو شبيـــر وشبـــر
والحائــز القصبــات فــي يــوم الغديــر الأزهـــر
والمطفــئ الغوغــا ببــدر والنضيــــر وخيبــــر
وله غير ذلك.

توفي سنة خمسمائة وثلاث وخمسين بمصر، رحمه الله تعالى.

محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك، أبو الفتح الرملي المعروف بكشاجم

كان فاضلا مصنفا، وأديبا مؤلفا، وشاعرا معرفا، وكان نديما ظريفا، نادم الملوك، وأحسن معهم السلوك، وصنف في أفانين العلوم، وأجاد المنثور والمنظوم، ولقب بكشاجم أخذا من الكتابة والشعر والأدب والتنجيم والمعارف. وله ديوان شعر كان السري الرفاء مولعا بكتابته، وطبع، فمن شعره قوله [من السريع]:
يا شادنـاً صيـغ مـن الفضـه للـورد فـي وجنتـه غضــه
كأنمـا النضـرة فـي خــدّه من فـرط تأثيـر بـه عضـه
يكـاد أن يعشـق مـن حسنـه في كل جـزء بعضـه بعضـه
ومن شعره في المذهب قوله [من المتقارب]:
له شغـل عـن سـؤال الطلـل أقـام الخليـط بـه أم رحــل
فمـا تطبيـه لحـاظ الظبــي تطلعهـا مـن خلـال الكلــل
ولا تستفـز حجـاه الخــدود عصفرهـن احمـرار الخجـل
665
كفـاه كفــاه فــلا تعذلــاه كـر الجديديـن كـر العــذل
طوى الغي منتشـراً فـي ذراه تطفـى الصبابـة لمـا اشتعـل
له في البكاء علـى الطاهريـن مندوحـة عـن بكـاء الغـزل
فكم فيهـم مـن هلـال هـوى قبيـل التمـام وبــدر أفــل
هـم حجـج اللـه فـي خلقـه ويوم المعاد علـى مـن خـذل
ومـن أنـزل اللـه تفضيلهـم فرد على اللـه مـا قـد نـزل
فجدهــم خاتــم الأنبيــاء يعـرف ذاك جميــع الملــل
ووالدهـم سيــد الأوصيــاء معطي الفقير ومـردي البطـل
ومن علم السمـر طعـن الكـلا لدى الروع والبيض ضرب القلل
ولو زالت الـأرض يـوم الهيـا ج فمن تحت أخمصه لـم يـزل
ومن صد عـن وجـه دنياهـم وقـد لبسـت حليهـا والحلـل
وكانـوا إذا مـا أضافـوا إليـه أرفعهـم رتبـة فــي مثــل
سماء أضفت إليهـا الحضيـض وبحـر قرنـت إليـه الوشـل
وجـود تعلـم منـه السحـاب وحلـم تولـد منــه الجبــل
وكـم شبهـة بهــداه جــلا وكـم خطـة بحجـاه فصــل
وكم أطفأ اللـه نـور الضلـال به وهي ترمي الهـدى بالشعـل
وكــم رد خالقنــا شمســه عليـه وقـد جنحـت للطفــل
ولو لم تعـد كـان فـي رأيـه وفي وجهه مـن سناهـا بـدل
ومن ضرب الناس بالمرهفـات على الدين ضرب غراب الإبـل
وقـد علمـوا أن يـوم الغديـر بغدرتهـم جـر يـوم الجمــل
فيـا معشـر الظالميـن الذيـن أذاقوا النبـي مضيـض الثكـل
أفـي حكمكـم أن مفضولكــم يـوم بغصتـه مـن فضــل
666
فإن كان من كان ما تزعمـون إمامـاً وذلـك خطـب جلــل
فلم خـرج المصطفـى حافيـاً تميـل بـه سكـرات العلــل
فنحـاه عـن ظـل محرابــه ونــاداه منتهــراً لاتصــل
ولـولا تتابعهـم فـي الضلـال لمـا كـان يطمـع فيهـا ثعـل
كأنكــم حيــن تابعتمـــوه نصرتم (أسـاف) وإلاّ (هبـل)
فيا لـك مـن باطـل بالمحـال ثـم يـا لـك حقــاً بطــل
عدلتم بهـا عـن إمـام الهـدى فلا عدل اللعـن عمـن عـدل
فمـا جـاء مـا جئتمونـا بـه من الظلم أعمى القـرون الـأول
يخالفكـم فيـه نـصّ الكتـاب وما نصَّ في ذلك خير الرسـل
نبذتــم وصيّتــه بالعــراء وقلتـم عليـه الـذي لـم يقـل
تخذتـم بـذاك البرايـا خـول ودنيـــا تعرفتموهـــا دول
لقـد طمـس الغـي أبصاركـم وضل بكم عـن سـواء السبـل
أيمنــع فاطمــة حقّهـــا ظلـوم غشـوم زنيـم عتــل
وترمي الحسين سيوف الطغـاة ظمآن لـم يطـفِ حـر الغلـل
ثـوى عطشـاً وتنـال الرمـا ح مـن دمـه علهـا والنهــل
ولـم يخسـف اللـه بالظالميـن ولكنـه لا يخــاف العجــل
لقـد نشطـوا لعنـاد الرسـول أناس بهم عـن هداهـم كسـل
فلا بوعدت أعيـن مـن عمـى ولا عوفيـت أذرع مـن شلـل
نظـار فـإن بنــات النبــي السبايـا ومـال النبـي النفـل
غـداً يتولـى الإلـه الجــدال إن كنتـم مـن رجـال الجـدل
فيعلم مـن فـي ظلـال النعيـم ومن في الجحيـم عليـه ظلـل
أيـا رب وفـق لخيـر المقـال إذا لـم أوفـق لخيـر العمــل
667
و تقطعـن أملـي والرجــاء فأنـت الرجـاء وأنـت الأمـل
وقوله من أخرى [من المتقارب]:
بكـاء وقـل غنـاء البكــاءِ علـى رزء ذريــة الأنبيــاءِ
لئـن ذل فيـه عزيـز الدمـوع لقـد عـز فيـه ذليـل العـزاءِ
أعاذلتــي إن بــرد التقــى كسانيـه حبـي لأهـل الكسـاء
سفينـة نـوح فمـن يعتلــق بحبهــم معلــق بالنجــاء
لعمري لقد ضـل رأي الهـوى بأفئـدة مـن هواهـا هــواء
وأوصى النبـي ولكـن غـدت وصايـاه منبــوذة بالعــراء
ومـن قبلهـا أمـر الميتــون بردّ الأمـور إلـى الأوصيـاء
ولم ينشر القوم غـل الصـدور حتـى طـواه الـردى بالـرداء
ولـو سلمـوا لإمـام الهــدى لقوبـل معوجهــم باستــواء
هلال إلى الرشد عالي الضيـاء وسيف على الكفر ماضي المضاء
وبحـر تدفّــق بالمعجــزات كمـا يتدفـق ينبــوع مــاء
علــوم سماويــة لا تنــال ومن ذا ينـال نجـوم السمـاء
لعمـر الأولـى جحـدوا حقّـه ومـا كـان أولادهـم بالـولاء
وكم موقف كان شخص الحمـام من الخوف فيـه قليـل الخفـاء
جلـاه فـإن أنكـروا فضلــه فقد عرفت ذاك شمس الضحـاء
أراه العجـاج قبيـل الصبــاح وردت عليـه قبيـل المســاء
وإن وتـر القـوم فـي بدرهـم لقد نقض القـوم فـي كربـلاء
مطايا الخطايا خذي في الظلـام فما هـم إبليـس غيـر الحـداء
لقد هتكـت حـرم المصطفـى وحـل بهـن عظيـم البــلاء
وساقـوا رجالهــم كالعبيــد وحـازوا نساءهـم كالإمــاء
668
فلـو كـان جدهــم شاهــداً لتبــع أظعانهــم بالبكــاء
حقــود تصــرَّم بدريـــة وداء الحقـود عزيـز الــدواء
تراه مع المـوت تحـت اللـواء واللـه والنصـر فـوق اللـواء
غـداة خميـس إمـام الهــدى وقد عاث فيهـم هزبـر اللقـاء
وكم أنفس فـي سعيـر هـوت وهـام مطيّـرة فـي الهــواء
بضرب كما أنقد جيب القميـص وطعن كما انحل عقـد السقـاء
أخيـرة ربـي مـن الخيريـن وصفوة ربـي مـن الأصفيـاء
طهرتـم فكنتـم مديـح المديـح وكان سواكـم هجـاء الهجـاء
قضيـت بحبكـم مـا علــيّ إذا ما دعيت لفصـل القضـاء
وأيقنــت أن ذنوبــي بــه تساقـط علـيّ سقـوط الهبـاء
فصلـى عليكـم إلـه الـورى صلاة تـوازي نجـوم السمـاء
وله غيرها، وديوانه مطبوع.

توفي سنة ثلاثمائة وخمسين، رحمه الله.

محي الدين بن محمود بن أحمد بن طريح المسلمي الرماحي

من أبناء عم فخر الدين المتقدم، ومن الفصيلة المعروفة بآل الطريحي.

كان فاضلا تقيا مصنفا أديبا شاعرا، له شعر كثير في الحسين، ذكره الحر في الأمل وذكر له ديوانا، وشعره في الطبقة الوسطى، فمن شعره قوله:
هي الشمس أم نار على علم تبدو أم البدر أم عن وجهها أسفرت هندُ
وتلك رماح الخط تلوي متونهـا يد الريح أم تيهاً يميس بها القـدُّ
وذا عطرها قد فاح أم نشر عنبر أم المسك أم طيب الكباد أم النـدُّ
669
ومن ترب ذي النادي النسيم تأرجت أم اهتاج في الوادي العرار أو الرند
نعم هذه سعدى بدت من حجالها فأبرت عليلاً داؤه النأي والصـد
رنت فرمت قلبي بسهمي لحاظها فسال دماً من مثله نضح الخـد
عجبت لخال في لظى وجناتهـا أقام ليصلي ريثما يجتنى الـورد
ولكنه مـا ضـره حـر نارهـا وقد مسّه من روح وجنتها البرد
فثمة روض قد ترقـرق مـاؤه وجذوة حسن كالشهاب لها وقـد
إلى الله عذّالي بها إنّ لي حشـا تشب بها نار يسعرهـا الوجـد
أما علموا أنى تميل لـي العلـى فأوطئها نعلى ويعلو بي المجـد
وإن ليوث الغاب تخشى حفيظتي فترعد من بأسي وتخضع لي الأسد
ويأنف كعبي أن يطا مفرق السهى ولم ترض ذات الخال أني لها عبد
ومن شعره في المذهب قوله من حسينية أوله:
جاد ما جاد من دموعي السجـامِ لمصاب الكريـم نجـل الكـرامِ
قلّ صبري حتى انتشيت بوجدي فهمومي كأسي ودمعي مدامـي
يقول فيه:
إنما حسرتـي وهمـي وحزنـي ونحيبي وزفرتـي واضطرامـي
لسليل البتول سبط رسـول اللـه نـور الإلـه خيــر الأنــامِ
فتكت فيه عصبة الكفـر حتـى قتلـوه ظلمـاً بغيـر احتــرام
منعـوه مـاء الفـرات مباحـاً لســواه تمــرّداً بالخصــام
حلـأوه عـن المبـاح وحامـوا دونـه بالمهنــد الصمصــام
ويقول:
يابنـي أحمـد عصـام البرايـا أنتم النور فـي دياجـي الظلـامِ
أنتـم عدتـم ليــوم معــادي لست أخشى من الذنوب العظـام
670
أنتـم العارفـون مقـدار حبـي فهو كافٍ عن منطقي وكلامـي
قلت في مدحكم وأخلصـت ودّي يا رجائي وملجأي واعتصامـي
فخذوهـا مـن مسلمـيّ وفـيّ نجفــي مهــذب بالنظــام
وهي طويلة، وله غيرها، وشعره كما ترى.

توفي في النجف سنة ألف وثلاثين ودفن بالوادي المقدس، رحمه الله تعالى.

وله حفيد اسمه محيي الدين بن كمال الدين بن محيي الدين هذا له شعر في نشوة السلافة توفي سنة 1141ه ورثاه الشيخ أحمد النحوي بقوله:
والدهر أعلـن بالنـداء مؤرخـاً (المجد مات لموت محي الديـن)

المرتضى بن عبد الحسين بن الباقر بن محمد الحسن بن ياسين الكاظمي

فاضل جمع على الفضل طيلسانه، وطوى إلا عن نشر الفضل لسانه، فهو مؤدب الأخلاق الكريمة، آخذ بالمناهج المستقيمة، مشتمل على الفضائل العميمة، رأيته واجتمعت به وحاضرته، فرأيت منه الرجل الفاضل، التقي الناسك، والشاعر الذي تطاف منه المشاعر والمناسك، فمن شعره قوله في أبيات كتبها تهنئة لأخيه:
مــا أنـــت إلاّ شـــادن جئـت علـى شكــل وثــن
جوهــرة أنـــت ومـــا قــط تـــوازى بثمـــن
وواحــد الحســن فـــلا بســواك يحكيــك ولـــن
ومن شعره في المذهب قوله في مدح الكاظميين عليهم السلام مجاريا لي قصيدة في مدحهما عليهم السلام ملتزمة الواو له:
أطلـع الوجـه وجـلّ الكؤسـا لنرى بـدر السمـا والشموسـا
ملتزما ما التزمه وذلك:
671
أطلعتهـا أوجهـاً أم شموســا وجلتهـا أنجمــاً أم كؤوســا
بأبـي مـن باسمـات ثغـوراً أنذرت روحـي يومـاً عبوسـا
مسلمـات للـردى عاشقيهــا حين أضحوا في هواها مجوسـا
أسفـرت لـي وجـوه صبـاح فقرأت الحسـن فيهـا دروسـا
كـم لحـاظ أورثتنـي جراحـاً فارشفيني فعسى الجرح يوسـى
ليس يوسى الجـرح إلاّ بمدحـي للجـواد بـن علـي وموسـى
هيبـة اللـه الـذي مـذ براهـا صاغهـا اللـه عليهـم لبوسـا
فاحت الأنفـاس منهـم عبيـراً والوجوه الغرّ ضـاءت شموسـا
جلّل الـأرض سناهـم سعـوداً ومحا عـن خافقيهـا النحوسـا
بأبـي نفسيـن حـلاّ مقامــاً راح يستهـوي إليـه النفوســا
طالمـا الأملـاك أهـوت إليـه ولـوت حـول فنـاه الرؤوسـا
ولكـم أصحـت لديـه قيامــاً واستوت فـوق ثـراه جلوسـا
كم حبينـا مـن ثناهـم بنعمـىً كشفت عنّا مـن الدهـر بؤسـا
لست أحصي في طروسي ثناهم وثناهـم كـاد يفنـي الطروسـا
هذه صحـف ثنائـي ومدحـي أين عنها صحف عيسى وموسى
وهي طويلة، وله غير ذلك.

ولد سنة ألف وثلاثمائة وإحدى عشر، وهو اليوم في الكاظمية مكب على التحصيل، مدأب على العلم، سلمه الله ووفقه.

مرتضى قلي خان بن محمد علي خان بن عبد الله خان أمين الدولة ابن محمد خان الصدر الأصفهاني النجفي

672
كان فاضلا مشاركا في الفنون، وسيم الشكل، وقور المجلس، تلمذ على الشيخ محسن خنفر النجفي المتوفى سنة1271 ه، وكان أديبا شاعرا له مطارحات في ديوان عبد الباقي العمري، وكان شاعرا حسن القريحة، جيد النظم رقيقه، فمن شعره قوله:
جـدد التذكـار للقلـب المعنـىً لمح برق لـاح بالأبـرق وهنـا
طـار شوقـاً وهفـا لمـا رأى فوق أيك طائـر رجّـع وهنـا
فمتـى شاهـد شمـلاً جامعـاً ذكر الأحباب والوصـل فحنّـا
يطـرب القلـب دنـوّاً منهــم وهم منـي إلـى قلبـي أدنـى
يا ليالي الوصـل حيـاك الحيـا كم بها نال فـؤادي مـا تمنـى
جـاد فيهـا بوصـال أهيــف يخجـل الميّـاد مهمـا يتثنـى
ر شأ من حاجبه السيـف ومـن لحظه مهما رنـا الأسهـم سنّـا
لأريقــن دموعــاً حنتهــا بالهوى من بعده سهـلاً وحزنـا
وقوله من موشحة أوله:
يا رعـى اللـه زمانـاً بالنقـى وسقى الخيـم وهاتيـك الخيـام
كم وقفنا العيـس فـي كثبانـه ونعمنـا فـي حمـى نعمانــه
غازلتني الغيـد مـن غزلانـه راق فيها العيش والدمـع رقـى
بحمى أغيد ممشوق القوام
ر شأ مـن جفنـه سـل الظبـا وعلا حسناً على البيض الظبـا
ليّن الأعطاف يحكـي القضبـا عـود أنسـي بلقـاه أورقــا
إذ وفى بالعهد ريم لا يرام
أهيف حاز من الحسـن الكمـال ذو جبيـن يتلــالا كالهلــال
مذ بدا كالصبح في ميل القـذال فأرانا البدر في غصـن النقـى
673
مشرقاً والشمس في جنح الظلام
ر برب مـن قـدّه هـزّ القنـا كلمـا كلمنـي خفـت الضنــا
سدد السهـم لحتفـي مـذ رنـا يـا لقلبـي مـن سهـام رشقـا
فغدا قلبي سهاماً للسهام
أفتـدي حيـاً بقلبـي نزلــوا عن ربى الجرعاء لمـا رحلـوا
فيهــم رق وراق الغـــزل نهبـوا الـروح وأبقـوا رمقـا
كيف أفنى وبهم محيي الرمام
بابلي الطرف معسـول اللمـى كم أقاسي فيه من حـرّ الظمـا
ليت شعري هل درى ظبي الحمى بـتُّ لمـا صـدَّ عنـي أرقـا
ساهراً ما لذَّ طرفي بالمنام
يا أخـا البـدر ضيـاءً وسنـا هل لأيـام مضـت بالمنحنـى
رجعة نقضي بها بعض المنـى ويولـي جنـد همـي مزقــا
فعسى يبرأ قلبي المستهام
زارني والليـل مسـوّد العـذار خجلاً ممّا جرى فـي الاعتـذار
طرفه يرمق طرفـي بانكسـار ويـروي الـورد مـاء غدقـا
قد حكى في صوبه صوب الغمام
دع ملامي في هوى الغيـد وذر لست أصغي لـك كـلاً لا وزر
قد قضـى اللـه بهـذا وقـدر أقلـل اللـوم كفـاه مـا لقـى
في ظبيّ الحي من طول الغرام
حبـذا ليلـة تيــه ومــرح كـم وكـم مابيننـا دار القـدح
قدح مـن نورهـا الليـل قـدح فأحال الليـل صبحـاً مشرقـا
وسرى بالظلم عنا والظلام
674
ومن شعره في المذهب، ولم أقف منه إلا على القليل لبعد الدار، قوله:
يا إمام الـورى وخيـر البرايـا بك أضحى دون الأنام اعتصامي
كيـف لا ألتجـي لخيـر إمـام صاغـه اللـه رحمـة للأنـام
فمحـال أكفـي بخفـي حنيـن وإلى الرأي منك ملقـى الزمـام
سكن أخيرا طهران وتوفي فيها في ذي القعدة سنة ألف وثلاثمائة وست، ودفن في مقبرة عبد العظيم رضي الله عنه ورحمه الله برحمته.

مروان بن محمد السروجي الحلبي البغدادي الأموي

كان فاضلا جامعا وأديبا بارعا، كتب في حلب وبغداد، ودخل فارس فتقلد بعض الأعمال، وكان شاعرا متجاهرا في مدائح أهل البيت عليهم السلام، حتى عجب الزمخشري في الفائق من أموي مفرط المحبة لعلي عليه السلام. فمن شعره ما ذكره الزمخشري، وهو قوله:
يا بني هاشم بـن عبـد منـاف إننـي منكـم بكــل مكــان
أنتـم صفـوة الإلـه ومنكــم جعفـر ذو الجنـاح والطيـران
وعلـي وحمـزة أسـد اللــه وبنــت النبــي والحسنــان
فلئـن كنـت مـن أميـة إنـي لبـريء منهـا إلـى الرحمـن
وقوله في المناقب:
يا آل أحمد يا خير الورى نسبـاً مفرعاً أصله من أحمـد وعلـي
الله صفاكم مـن خلقـه حججـاً على البرية يوم الجمـع للرسـل
خيـر البريـة آبـاء وأشرفهـا قـدراً وأسمحهـا كفـاً لمبتـذل
صدوركم لبحور العلـم واعيـة ظهوركم قبلة من أفضل القبـل
من دوحة من جنان الخلد نابتـة وفرعها ثابـت للواحـد الـأزل
محمد أصلها والطهـر حيـدرة وفاطم وبنوهـا أطيـب الأكـل
675
وحسن أوراقها قوم بهـا علقـوا فيا لها دوحة جلت عـن المثـل
وله شعر كثير في هذا المعنى منشور في المناقب.

توفي حدود الثلاثمائة والستين من الهجرة، رحمه الله ورضي عنه بمنه ورضوانه.

مسلم بن عقيل بن يحيى بن عبدان بن سليمان الوائلي الكناني اليثربي الجصاني النجفي

كان فاضلا مشاركا، وأديبا مطارحا، وشاعرا بارعا، وتقيا ناسكا، وقفت له على مرثية للسيد صادق الأعرجي والسيد سليمان الحلي، ومطارحات بينه وبين جماعة من أدباء ذلك الزمان كعلي بن محمد الحسين بن زين العابدين التميمي الكاظمي وغيره رحمهم الله.

فمن شعره قوله مخمسا أبيات الصاحب في أمير المؤمنين عليه السلام:
ألم تر أن الشهب دون حصى الغري فعجها إلى وادي الغري المطهر
سألتك بالحي المميت المصـور (إذا مت فادفني مجـاور حيـدر
أبا شبر أعني به وشبير)
إمام لأهل الجود أعلـى منـاره يزيد ندى لا يصطلي الجبن ناره
ولما استجار الدين فيـه أجـاره (فتى لا يذوق النار من كان جاره
ولا يختشي من منكر ونكير)
فيا مخمداً حر الطيس إذا حمـى ومفترساً بالكر ليثـاً وضيغمـا
أتسلم عبداً للـولاء قـد انتمـى (وعار على حامي الحمى هو بالحمى
إذا ضل في البيدا عقال بعير)
وله مراث في الحسين عليه السلام، ذكرها ابن كبة النجفي في مجالسه الحسينية.
676
توفي في حدود سنة ألف ومائتين وألف وعشرين رحمه الله تعالى، وله ولد يدعى مصطفى.

مصطفى بن الحسنى بن الباقر بن أحمد التبريزي، المشهور بمصطفى آغا

فاضل خيم الفضل ببابه، وعد من أصحابه، وأديب ذل له من العلوم كل عزيز، ودر له كل غزيز، فتقدم بتبريز، وشاعر رقيق الشعر بديعه، مهذب التركيب صنيعه، رأيته بالنجف واجتمعت به فرأيت منه الخفيف الطباع، الحلو المفاكهة في الاجتماع، جارى لي قصيدة من المخلع سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، أولها قولي:
وجهـك فـي حسنـة تفنــن أنبت حـول الشقيـق سوسـن
فقال:
سبحـان مـن صاغـه وكـون فـي غصـن وردة وسوســن
وجل مـن صنـع كـل شـيء من أوجه الحسـن فيـه أتقـن
فيـا لـه مـن طيـب غصـن فينـان فـي حسنــه تفنــن
أحـن مـن ثغـره ومــن ذا رأيتــه لليتيـــم ماحـــن
شطـر بالوجـد بيـت قلبــي وفيـه كـل الغـرام ضمــن
بـدريّ وجـه غـزال طـرف فكم علـى القلـب غـارة شـن
مـن سـن لـدن القـوام منـه قلبي بشـرع الهـوى لـه سـن
اللـه كـم مـن دقيـق معنـىً للحسـن ذاك الوشــا بيــن
ضمن قلبـي الأسـى وعهـدي بمتلـف الحــب لا يضمــن
لـولا ثنايـاه مــا حسبنــا إن صغـار الجمــان أثمــن
677
وهي طويلة.

ومن شعره قوله مسمطاً الأبيات المشهورة:
تجرد عن الـذل مثـل الحسـام وآثـر لنفسـك عيـش الكـرام
ولا تشـك مـن سغـب أو أوام (إذا أظمأتـك أكــف اللئــام
كفتك القناعة شبعاً وريا)
فضـن بعرضـك دون الـورى ولا ترض باوقـر أن يشتـرى
ولا تشعر النفـس أن تصغـرا (وكن رجلاً رحله فـي الثـرى
وهام همته في الثريا)
إذا كـان فاتــك أن تثريــا فكـن مـاء وجهـك مستبقيـا
ولا تـرض نفسـك مستجديـا (فـإن إراقـة مــاء الحيــا
دون إراقة ماء المحيا)
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة حسينية أوله:
أمـا لنـار الوجـد أن تخمـدا أو لدمـوع العيـن أن تجمــدا
إن صروف الدهر دون الهـوى قضت علـى عينـي أن تشهـدا
ويل ابن أم الدهـر هـلاّ يـرى غيري ابن حرّ أو فتـىً أمجـدا
يا راكب القـود تجـوب الفـلا وتقطـع الأغـوار والأنجــدا
عرج على الطف وعـرس بهـا عني وقف في أرضهـا مكمـدا
وأنشد بها من كل تـرب العـلا من هاشم من شئـت أن تنشـدا
فكم ثوت فيهـا بـدور الدجـى وكم هوت فيهـا نجـوم الهـدى
وكم بهـا للمجـد مـن صـارم عضب على رغم العلى أغمـدا
كل فتى يعطـي الـردى نفسـه ولم يكـن يعطـي لضيـم يـدا
يخوض ليل النقع يـوم الوغـى تحسبـه فـي جنحـه فرقــدا
678
يصدع قلب الجيش إمـا سطـا ويصـدع الظلمـاء إمـا بــدا
تلقاه مثل الليـث يـوم الوغـى بأساً ومثل الغيـث يـوم النـدى
إن ركـع الصـارم فـي كفـه خرت له هـام العـدى سجـدا
لم يعترض يوم الوغى جحفـلاً إلا وثنــى جمعــه مفــردا
سامهـم الـذل بهـا معشــر والمـوت أحلـى لهـم مـوردا
فمــذ رأوا عيشهــم ذلــة والمـوت بالعـز غـدا أرغـدا
خاضوا لظى الهيجـاء مشبوبـة واقتحموا بحـر الـردى مزبـدا
وقبلـوا خـد الظبـا أحمــراً وعانقـوا قـد القنــا أغيــدا
وجردوا مـن عزمهـم مرهفـاً أمضى مـن السيـف إذا جـرد
يفدون سبـط الصطفـى أنفسـاً قـل بأهـل الـأرض أن تفتـدا
عجبت مـن قـوم دعـوه إلـى جنـد عليــه بذلــه جنــدا
وواعـدوه النصـر حتــى إذا وافى إليهـم أخلفـوا الموعـدا
وأوقـدوا النـار علـى خيمـة وتدهـا بالشهـب مـن وتــدا
وأطفأوا نـور الهـدى يـا لمـا أطفأ فـي الطـف ومـا أوقـدا
فـإن يكونـوا استشهـدوه فمـا عابوا له يـوم الوغـى مشهـدا
أو سلبـــوه لا وعليائـــه مـا سلبـوه المجـد والسـؤددا
يـا بأبـي ظمـآن مستسقيــاً وما سقوه غيـر كـأس الـردى
ويا بروحي جسمـه مـا الـذي جرى عليه مـن خيـول العـدا
وذات خـدر بــرزت بعــده فـي زفـرات تصـدع الأكبـدا
وقومهـا منهـا بمـرأىً فمــا أقربهـم منهـا ومــا أبعــدا
فلتبك عين الديـن مـن وقعـة أبكت دماً فـي وقعهـا الجلمـدا
وله غيرها من المحاسن.
679
ولد في تبريز في حدود سنة ألف ومائتين وخمس وتسعين، وهاجر إلى النجف لطلب العلم، ثم حج وعاد، فعرض عليه الفالج فسافر إلى أوربا للتداوي، ثم عاد إلى تبريز، وهو اليوم بها منقطع الخبر، سلمه الله.

ثم جاء نعيه إلى النجف، وأنه توفي في شهر رمضان في سنة ألف وثلاثمائة وسبع وثلاثين، وجاءت جنازته في أواخر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ودفن مع أبيه مقابل الطوسي في النجف.

المصطفى بن الحسين الحسيني الكاشاني الطهراني النجفي

فاضل العصر علماً، وبحره فضلاً، وطوده حلماً، وأديبه باللسانين نثراً ونظماً، رأيته شيخاً قد حل الدهر سبكه، وترك له تقاه ونسكه، ولكن لم يستطع مقاومة همته العالية، ومكارمه السامية، وأخلاقه الراضية، فهو اليوم واقف نفسه لقضاء حوائج الإخوان عند السلطان، دافع بنفسه في مضايق لا يصلها كل إنسان، وله ديوانا شعر، ديوان في الفالاسية وديوان شعر في العربية، كله مديح لآل بيت النبوة عليهم السلام، فمنه قوله سلمه الله تعالى:
شمت برق الحمي وآنست نـارا فأحبس العيس كي نحيي الديـارا
يا نسيم الحمى أفضت دموعـي وفؤادي رميـت فيـه شـرارا
فذكرت الحمـى ومعهـد أنـس ولشذى مـن نسيمـه أسحـارا
وزمانـا بالرقمتيـن تقضــى فجـرت أدمعـي لـه مـدرارا
ياغزالا يردي الأسـود بطـرف فاتـر فاتـك يعـدو جهــارا
حارت الشمس في ضياء المحيا منك كالناظرين فيهـا حيـارى
كم قلوب بليـل جعـدك ظلـت وهـي فيـه مكبلـات أسـارى
680
خل عنك الشيب يا صاح كـم ذا تذكر الحي والحمـى والديـارا
وحـز الفخـر والعلـى بعلـي واقضين في مدحـه الأوطـارا
هو صهر الرسول بل نفسه مـن طاب نفسـاً ومحتـداً وفخـارا
أنت شرفت زمزمـاً والمصلـى بل وركن الحطيـم والمستجـارا
حازت الكعبة التي خارها اللـه بميلــادك السعيــد فخــارا
لو على الأرض منك قطرة علم نزلـت عـادت القفـار بحـارا
أنت مولى الورى بما نص خير الرسل يوم الغدير فيـك جهـارا
مـلأ الخافقيـن فضلـك حتـى لـم يجـد منكـر لـه إنكـارا
أيها المرتضى فداؤك كل الكون لا زلـت للـورى مستجــارا
رمـد قـد أذلنـي منـذ عـام وتداويـت فيـه منـه مــرارا
لم يزدنـي الـدواء إلا سقامـاً لم يفدنـي العلـاج إلا خسـارا
فاشف عيني، عين الإلـه فإنـي قد ملكت الأسمـاع والأبصـارا
وهي طويلة. أخبرني ولده الفاضل السيد أبو القاسم أن أباه السيد مصطفى رمدت عيناه سنة، وعجز الأطباء عنها وأيسوا منها حتى استجار بأمير المؤمنين عليه السلام وولده الحسين عليه السلام فأخذ من تراب قبريهما واكتحل به فبرئتا كما ذكر في شعره، وكما رأيته صحيحاً سوياً.

ومن شعره أيضاً قوله من قصيدة أوله:
أم الغري وقبل ترب مـا فيـه ودع خمائل نجـد فـي فيافيـه
واخضع ونعليك فاخلع دون ساحته فطور سينين قـدراً لا يضاهيـه
قبل فناء الذي جبريـل خادمـه ومؤئل الرسل والأملـاك ناديـه
زوج البتول ابنة الطهر الرسول أبو الأئمة الغر لا تخفى معاليـه
عمت نوائلـه جمـت فضائلـه راقت خلائقـه فاضـت أياديـه
681
الدين من سيفه قامـت دعائمـه والكفر من بأسه دكت رواسيـه
ما لاذ ذو عاهة يومـاً بتربتـه إلا ومن جملة العاهـات يشفيـه
شفيت من رمد قد كنت في كمدٍ من طوله حين أعيى من يداويـه
وقوله من أخرى فيه:
أشمس أفـق تبـدت أم محيـاك والمسك قد ضاع لي أم نشر رياك
سريت والليل داج جنح ظلمتـه ثم اهتديت ببـرق مـن ثنايـاك
إن غبت عن ناظري بالهحر نائية فلم تغب عن حشا مضناك ذكراك
رميت قلبي بسهم اللحظ فاتكـة أما علمت بـأن القلـب مثـواك
فتكت بالصب من هذا الصدود فمن بالصد أوصاك أو بالفتك أفتـاك
سللت سيفاً على العشاق منصلتاً من جفن طرف سقيم منك فتاك
كذي فقار عليّ يوم سـل علـى أصحاب بغي وإلحاد وإشراكـك
مولى الأنام الذي طافت بحضرته كرام رسل أولي عـزم وأملـاك
صهر النبي أخوه والوصي لـه ومن بكل على للمصطفى حاكي
معارج المصطفى الأفلاك يصعدها ومنكب المصطفى معراجه الزاكي
وكلهن طوال، وله غير ذلك من مراث حسينية.

ولد سلمه الله في حدود سنة ألف ومائتين وستين، كما أخبرني به ولده المذكور.

وقد جاء نعيه إلى النجف وأنه توفي بالكاظميين لليلتين بقيتا من شهر رمضان من سنة 1338ه.

مغامس بن داغر الحلي، المعروف بالشيخ مغامس

كان أديباً شاعراً نظم الشعر فأجاده، وحصل من زمنه فرصة إفادة من العلوم الآلية واستفادة، وما رأيت له شعراً على كثرة ما رأيت له إلا في المراثي الحسينية الطوال، فمن شعره قوله من قصيدة أولها:
682
فصلت صروف الحادثات مفاصلي وأصاب سهم النائبـات مقاتلـي
قطع الزمان عرى هواي وكلنـا قطع الزمان فماله مـن واصـل
خلط الزمـان نعيمـه بغمومـه غدراً وشـاب زلالـه بزلـازل
فاحذر زمانك يـا أخـي فإنمـا فعل الحزامة من صنيع العاقـل
لا يخدعنك ما ترى من صفـوه إن الخديعـة مصـرع للجاهـل
أم كيف يعشق دهر سوء همـه بغض المحب له وصوم الواصل
فعرى بخفض البارعين من الورى بالنائبات ورفع ركـن الخامـل
أخنى علـى آل النبـي محمـد فأصيب شملهـم ببيـن شامـل
كانوا غياثـاً للـورى وسعـادة وغيوث حصب في الزمان الماحل
كانوا سحائب رحمـة فتقشعـت بفجائـع فـي كربـلا ونـوازل
كانوا نـوراً يستضـاء بنورهـا وكواكبـاً للحـق غيـر أوافـل
والمجد مهضوم الجناب لحزنهـم والدين في كرب وشفل شاغـل
لهفي لمولاي الحسين وقد غـدا بالطف بيـن مجالـد ومجـادل
يقول فيه:
يـاآل بيـت محمـد ياســادة جازوا الورى بفضائل وفواضل
أنتم هداة المسلمين فمـن يـزع عنكم فليـس لـه الإلـه بقابـل
أنتم بنو المختـار غيـر مدافـع لكـم ولا أحـد لكـم بمشاكـل
أنتم إذا هلّ المحـرم هـاج لـي حزن يذيب حشاشتـي بثواكلـي
يفنى الزمان ولا أرى لمصابكـم إلا أخا حـرق وجفـن هاطـل
وهي طويلة، وله غيرها كثير.

توفي في أواخر المائة التاسعة بالحلة، ودفن بها، ولم يكن له من يجمع شعره على كثرته، رحمه الله تعالى.
683

مفلح بن الحسن الصيمري

كان فاضلاً مشاركاً في علوم، مصنفاً أديباً حسن المنظوم، قدم الحلة فاستفاد

وأفاد، وقرأ على ابن فهد وشرح بعض كتبه، فمن شعره قوله:
إلى كم مصابيح الدجى ليس تطلع وحتى م غيـم الجـو لا يتقشـع
لقد طبق الآفاق شرقـاً ومغربـاً فـلا ينجلـي آنـاً ولا يتقطـع
وأمطر في كل البلـاد صواعقـاً وهبت له ريح من الشر زعـزع
يقولون في أرض العراق تشعشع وما بقعـة إلا وفيهـا تزعـزع
يقول فيه:
وأعظم من كل الرزايـا رزيـة مصارع يوم الطف أدهى وأشنع
بها لبس الديـن الحنيفـي حلـة من الـذل لا تبلـى ولا تتقطـع
فما أنس لا أنس الحسين ورهطه وعترته بالطف ظلمـاً تصـرع
تزلزلت الأفلاك من كل جانـب وكاد السما ينقض والأرض تقلع
وعرج جبريـل ينـوح بحرقـة ويشجي لأفلاك السمـا ويفجـع
ويقول:
أيا سادتي يـا آل بيـت محمـد بكـم مفلـح مستعصـم متمنـع
فدونكموها مـن محـب متيـم له كبـد حـرى وقلـب مولـع
ولا طاقتي إلا المدائـح والهجـا وليس بهذا علـة القلـب تنقـع
وقوله:
أعدلـك يـا هــذا الزمــان أم الجور مفروض عليك محتـم
إذا زاد فضل المرء زاد امتحانه وترعى لمن لا فضل فيه وترحم
وذاك لأن الدين والعلـم والتقـى له معدن أهلـون يؤخـذ عنهـم
فمعدنـه آل النبــي محمــد وخيرهم صنـو النبـي المعظـم
684
فأقبلـت الدنيـا إليـه بزينــةٍ وألقت إليـه نفسهـا إذا تبسـم
فأعرض عنها كارهـاً لنعيمهـا وقابلها منـه الطلـاق المحـرم
ثم استرسل ورثى فقال:
ففوق كل سهمه وهـو مغـرق من النزع نحو السبط وهو مصمم
فخر طريحاً في التراب معفـراً يعالج نزع السهم وهـو محكـم
تكاد السمـوات الشـداد لقتلـه تفطر والأرضون تخسف فيهـم
ثم قال:
أيا سادتي يـا آل بيـت محمـد بكـم مفلـح مستعصـم متلـزم
فأنتم له حصـن منيـع وجنـة وعروته الوثقـى بداريـه أنتـم
ألا فاقبلوا من عبدكم ما استطاعه فعبدكـم عبـد مقـل ومعــدم
وله غير ذلك.

توفي سنة تسعمائة تقريباً، رحمه الله تعالى.

منصور بن الزبرقان بن سلمة بن شريك بن مطعم الكبش، من النمر ابن قاسط النمري الجزري، أبو عبد الله

كان شاعراً غير منازع، فحلاً غير مفارع.

قال الشريف في الدرر: إن أبا عصمة الشعبي لما أوقع بأهل ربيعة، أوفدت ربيعة وفداً إلى الرشيد فيهم منصور النمري، فلما صاروا بباب الرشيد أمرهم باختيار من يدخل منهم عليه، فاختاروا عداداًً بعد عدد، إلى أن اختاروا رجلين أحدهما النمري ليدخلا عليه ويسألا حوائجهما، وكان النميري مؤدباً، ولم يسمع منه شعر قط قبل ذلك ولا عرف به، فلما مثل هو وصاحبه بين يدي الرشيد قال لهما: قولا
685
ما تريدان، فاندفع النمري فأنشده قوله [من البسيط]:
ما تنقضي حسرة مني ولا جزع إذا ذكرت شباباً ليـس يرتجـع
فقال الرشيد: قل حاجتك، وعد عن هذا، فقال:
بـان الشبـاب وفاتتنـي بلذتـه صروف دهر وأيام لهـا خـدع
ماكنت أوفي شبابي كنه عزتـه حتى انقضى فإذا الدنيا له تبـع
فلما بلغ إلى هنا تحرك الرشيد وقال: صدقت والله لا يتهنأ أحد بعيش حتى يخطر برداء الشباب، هيه، فاندفع يقول [من البسيط]:
ركب من النمر عاذوا بابن عمهم من هاشم إذ ألح الأزلـم الجـذع
منوا إليك بقربى منـك تعرفهـا لهم بها في سنام المجـد مطلـع
إن المكارم والمعـروف أوديـةٌ أحلك الله منهـا حيـث تجتمـع
نفسي فداؤك والأقـوام معلمـة يوم الوغى والمنايا بينهـا قـرع
إذا رفعت امـرأً فاللـه يرفعـه ومن وضعت من الأقوام متضع
أي امرىءٍ بات من هارون في سخط فليس بالصلوات الخمس ينتفـع
إن أخلف القطر نلنا من ميامنـه أو ضاق أمـر ذكرنـاه فيتسـع
حتى أتى على آخرها، فقال: ويحك! قل حاجتك.

فقال: يا أمير المؤمنين أخربت الديار، وأخذت الأموال، وهتكت الحرم.

فقال: اكتبوا له بكل مايريد، وأمر له بثلاثين ألف درهم، واحتبسه عنده، وشخص أصحابه بالكتب، ولم يزل عنده يقول الشعر فيه حتى استأذنه بالانصراف، فأذن له فانصرف، ثم اتصل بالرشيد أن يوري عن علي بن أبي طالب عليه السلام بذكر هارون.

قال الشريف: أخبرني المرزباني قال: حدثني يموت بن المزرع قال: حدثني أبو عثمان الجاحظ قال: كان منصور النمري ينافق الرشيد ويذكر هارون في شعره
686
ويريه أنه من وجوه شيعته، وباطنه ومراده بذلك أمير المؤمنبن عليه السلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) وذلك كقول فيه:
آل الرسول خيار الرسول كلهـم وخير آل رسول اللـه هـارون
رضيت حكمك لا أبغي به بـدلاً لأن حكمك بالتوفيـق مقـرون
قال: إلى أن وشى به العتابي.

قال الحصريفي زهر الآداب: قال الجاحظ: وكان منصور دخل الكوفة وجلس إلى هشام بن الحكم الرافضي وسمع كلامه فانتقل إلى الرفض، قال: وسبب الوشاية أن النمري مر فلقى العتابي مستعجلاً، فقال: مهيم، قال: إن امرأتي معسرة وأريد لها رقية، فقال له: أين أنت عن ذكر هارون، أما سمعت قولي فيه شعر:
إن أخلق الأمر نلنا من ميامنـه أو ضاق أمـر ذكرنـاه فيتسـع
فغاظه، وأسرها في نفسه، فما لبث أن وشى به عند الرشيد وحلف له أنه لا يريده بالمدح، وأنشده قوله فيه:
آل النبــي ومــن يحبهــم يتطامنـون مخافــة القتــل
أمن النصـارى واليهـود ومـن فـي أمـة التوحيـد فـي أزل
إلا مـا صالـت ينصرونهــم بظبا الصـوارم والقنـا الدبـل
وأنشده أيضاً قوله فيه [من المنسرح]:
شاء من النـاس راقـع هامـل يعللـون النفــوس بالباطــل
تقتـل ذريـة النبـي ويرجـون خلـود الجنـان فـي الآجــل
ويلـك قاتـل الحسيـن لقــد جئت بعـبء ينـوء بالحامـل
أي حبا قد حبـوت أحمـد فـي حفرتـه مـن حـرارة الثاكـل
بأي وجـه تلقـى النبـي وقـد دخلت فـي قتلـه مـع الداخـل
هلـم فاطلـب غـداً شفاعتــه أولا فرد حوضـه مـع الناهـل
687
ما الشك عندي في حـال قاتلـه لكنني قـد أشـك فـي الخـاذل
نفسي فداء الحسيـن يـوم غـداً إلـى المنايـا غـدو لا قافــل
ذلـك يـوم أنحـى بشفرتــه على سنـام الإسلـام والكاهـل
حتى متـى أنـت تعجبييـن ألا تنـزل بالقـوم بأسـه العاجـل
لا يعجل الله إن عجلـت ومـا ربـم عمـا تريـن بالغافــل
ما حصلـت لامـرىء سعادتـه حقـت عليـه عقوبـة الآجـل
مظلومـة والنبــي والدهــا تديـر آرجـاء مقلـة حافــل
إلا مساعيـر يغضبـون لهــا بسلـة البيـض والقنـا الذابـل
كـم ميـت منهــم بغصتــه مغترب القبـر بالغـرى نـازل
مـا أنتجـت حولـه قرابتــه عنـد مقاسـاة يومـه النـازل
أذكـر منهـم ومـا أصابهــم فيمنـع القلـب سلـوه الذاهـل
أعاذلـي أننـي أحـب بنــي أحمد والترب فـي فـم العـاذل
قد دنت فيما دنتـم عليـه فمـا رجعت عن دينكم إلـى الجاهـل
دينهـم جفـوة النبــي ومــا الجافي لـآل النبـي كالواصـل
فاستشاط الرشيد غيظاً وبعث عيناً يتجسس أخباره، فأتاه عينه وقال: رأيته منكباً ليلاً على قبر الحسين عليه السلام ينشده وينشج، فحفظت ما أبقاه لي النشيج، وهو قوله:
متى يشفيك دمعك مـن همـول ويبرد مـا بقلبـك مـن غليـل
فـؤادك والسلـو فـإن فيــه سيأتي أن يعـود إلـى ذهـول
فيا طول الأسى من بعـد قـوم أديـر عليهـم كـأس الأفـول
تعاورهـم سنــة آل حــرب وأسيـاف قليلــات الفلــول
فما وجدت على الأكتاف منهـم ولا الأعقـاب آثـار النصـول
688
ولكــن الوجــوه مكلمــات وفوق صدورهم مجرى السيـول
بتربـة كربـلاء لهـم ديــار نيام=الأهـل دارسـة الطلـول
تحيــات ومغفـــرة وروحٌ علـى تلـك المحلـة والطلـول
لأوصال الحسيـن ببطـن قـاع ملاعـب للدبــور وللقبــول
قتيـل مـا قتيـل بنـي زيـاد ألا بأبـي وأمـي مـن قتيــل
أريق دم الحسين ولـم يراعـوا وفي الأحيـاء أمـوات العقـول
فدت نفسي جبينك مـن جبيـنٍ جرى دمه على الخـد الأسيـل
أيخلـو قلـب ذي ورع وديـن عليـك مـن التزفـر والعويـل
وقد شرقت رمـاح بنـي زيـاد بري من دمـاء بنـي الرسـول
برئنـا يارسـول اللـه ممــن أصابـك بالأذيـة والذحــول
قال: فأعطى لمن يأتي برأسه ألف دينار، فهرب وتبعه رجل من بني فزارة إلى رأس عين فوجده قد مات، وفي خبر قد وجده مريضاً من الغرق، فاستمهله ثلاثة أيام إلى أن يموت فيأخذ رأسه، ففعل وأتى برأسه إلى الرشيد.

ورأيت في بعض كتب الأدب أنه وجد الرشيد وقد بلغه خبر الاستمهال فلم يجزه.

ومن شعره في هذا المذهب ما أنشده الشريف من قوله:
لو كنت أخشى معادي حق خشيته لم تسم عيني إلى الدنيا ولم تنـم
يحاولون دخولي فـي سوادهـم لقد أطافوا بصدع غيـر ملتئـم
لكنني عن طلاق الدين محتبـل والعلم مثل الغنى والجهل كالعدم
مايغلبون النصارى واليهود على حب القلوب ولا العبـاد للصنـم
يـا زائريـن مــن الخيــام حياكــم اللـــه بالسلـــام
لـم تأتيانـي وبـي نهــوض إلــى حلــال ولا حـــرام
يحزننـي إن أطفتمــا بــي وليـس عنـدي سـوى الكلـام
689
بـورك هـارون مـن إمــام بطاعـة اللـه ذي اعتصــام
لـه إلـى ذي الجلـال قربـى ليســت لــوال ولا إمــام
وقوله في الرشيد على ما يرضيه [من الوافر]:
بني حسنٍ وقـل بنـي حسيـنٍ عليكـم بالسـداد مـن الأمـور
تسمـون النبـي أبـاً ويأبــى من الأحزاب سطر في سطـور
فقد ذقتـم قـراع بنـي أبيكـم غداة الـروع بالبيـض الذكـور
وإنــك حيــن تبلغهــم أذاةً وإن ظلموا لمحـزون الضميـر
والقصيدة طويلة، وفيما ذكرناه كفاية.

توفي برأس عين على ما ذكرناه سنة مائة وتسعين تقريباً، رحمه الله تعالى ورضي عنه.

موسى بن أمير العاملي، من آل شرارة، بيت في الجبل

كان عالماً فاضلاً مصنفاً، دقيق النظر، خفيف الروح، دخل العراق غلاماً وجاور في النجف لطلب العلم، ثم عاد إلى الجبل، وكان شاعراً فمن شعره قوله:
ألا أيها القلب الذي قاده الحـب أفق إن أمر الحب أيسره أصعب
إذا كان لا يسليك طول تجنـب وصد ولا يشفيك من علة قـرب
فمـا أنـت إلا هالـك ومعـذب رهين بأيدي الشوق مرتهن صب
تكلفني مالا أطيق مـن الهـوى وترحل عني حين حل بي الخطب
كمن شن نحوي غارة البغي والجفا وليس سوى ودي علي له ذنـب
في أبيات أجاب بها الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، وكان كتب إليه إلى جبل عامل بقوله:
690
العاملـي تقـر فيـك عيونــه وأراد منـك بصفقـة المغبـون
فلأجلبن على العوامـل غـارة من كل جائلة النسـوع صفـون
سلبوا سويـداء الفـؤاد وظنهـم سلبي عليهـم ليـس بالمظنـون
وقوله:
كم ذا يقاطعني مـن لا أقاطعـه وتشرب اللؤم جهلاً بي مسامعـه
ليس التلون من خيمي ومن شيمي إذا تلون من سـاءت صنائعـه
ولا أصانـع إخوانـاً صحبتهـم فما خليلك يوماً مـن تصانعـه
وقوله في حسينية:
دهى هاشماً ناع نعى في محـرم بيوم على الإسلام أسـود مظلـم
بيوم جليل رزؤه جلـل السمـا وشمس الضحى فيه بأغير أقتـم
بيوم أحال الدهر ليـلاً مصابـه وأجج أحشـاء العبـاد بمضـرم
مصاب على آل النبـي محمـد عظيم مدى الأيام لـم يتصـرم
وخطب كسا الدنيا ثياباً من الأسى وطبـق آفـاق البلـاد بمأتــم
عشية جادت عصبـة هاشميـة بأنفسهم عن خير مولـى مقـدم
إلى أن قضوا والماء طام ظوامياً يرون المنايا دونه خيـر مطعـم
وأضحى فريداً سبط أحمد لا يرى نصيراً سوى عضب ولدن مقوم
فصال بوجه مشـرق وبعزمـة تفلل ملتف الخميـس العرمـرم
إلى أن دعاه اللـه جـل جلالـه فألوى عنان العزم غيـر مذمـم
وهي طويلة.

وله في المذهب أمثالها.

ولد في الجبل سنة ألف ومائتين وسبع وستين.

وتوفي في الحادي عشر من شعبان سنة ألف وثلاثمائة وأربع، ورثته شعراء جبل
691
عامل على طبقاتهم لما له من الفضل، رحمه الله تعالى.

موسى بن جعفر الحسيني الطالقاني النجفي

كان فاضلاً أديباً ظريفاً وشاعراً بارعاً حصيفاً، وكان يكثر التردد إلى بدرة المسماة قديماً بادوريا.

فمن شعره قوله في غلام تركي:
بـــدر بـــدا ببــــدرةٍ يــرزي ببـــدر الفلـــك
كــم نصبـــت أجفانـــه لمهجتــي مــن شـــرك؟
قلـت: أفنـدم كــل بــورا فقـال: كـت قلــت: بكــي
ومن شعره في المذهب قوله مشطراً البيتين المشهورين:
(علــيٌ حبـــه جنـــة) لمــن ليـــل العناجـــه
حمـى الأنـس مــع الجــن (إمــام الإنــس و الجنــة)
(وصـي المصطفـى حقــاً) بخــم مجمـــع اللجنـــة
وفـي الأخـرى هـو البـاري (قسيــم النــار والجنــة)
وقال مسمطاً لهم:
إذا اشتــدت بــك المحنــة فلـذ بحمـى أخــي المنــة
سيكفـــي حبـــه أنـــه (علـــيٌ حبـــه جنـــة
إمـام الإنس والجنـــة)
هـو السامـي بهــا سبقــاً ومـن حـاز العلـى صدقــا
بخــم إذ جــرى طلقـــاً (وصـي المصطفــى حقــا
قســيم النار والجنــة)
وله ديوان فيه من الديح والرثاء لأهل البيت النبوي الشيء الطيب لم يحضرني لدى الكتابة.
692
ولد في النجف سنة ألف ومائتين وخمسين، وتوفي في بدرة سنة ألف ومائتين واثنين وتسعين، ونقل إلى النجف فدفن بها وله ذرية بين النجف وبدرة، رحمه الله تعالى.

موسى بن شريف بن محمد بن يوسف بن جعفر بن علي بن محيي الدين، من آل أبي جامع العاملي، المعروف بالشيخ موسى شريف

وله ولد اسمه الحسن وحفيد معاصر اسمه القاسم شاعر له في أهل البيت عليهم السلام ديوان مطبوع.

كان فاضلاً جامعاً، وأديباً مطارحاً، وشاعراً بارعاً، له مطارحات مع أدباء النجف وبغداد، وفي ديوان عبد الباقي مدح له ومطارحة، كان حسن الطريقة في تركيب الألفاظ، فخم المعاني.

فمن شعره قوله يمدح الشيخ جعفر كاشف الغطاء بخالية عند ورود خالية بطرس إلى داود باشا، وقد مر ذكرها وهي:
سقى الخال من نجد وساكنه الخال
وأزهر في أكنافه الرند والخال نبت
فلي بين هاتيك الرباع خريدة
هواها لأحشائي وحق تاهوى خال ملازم
موردة الخدين مهضومة الحشا
يحن لها شوقاً أخو العشق والخال الخالي من الحب
ولي بالكمى حتى الحمى صيب الحيا
رقيقة خصر شانها التيه والخال الكبر
693
لها حسن وجه يخجل البدر طلعة
ومرهف جفن دونه المرهف الخال القاطع
تميل كغصن البان ليناً وتنثني
كما ينثني النشوان والمعجب الخال المتكبر
ويهتز من سكر الشباب قوامها
ويسحب من تيه بأعطافها الخال الثوب
على حبها أفنيت شرخ شبيبتي
ومن أجلها طاف البلاد بي الخال البعير الأسود
أظن بها أن لا تضن بوصلها
وخلت بها الحسنى فلم يكذب الخال الظن
وجادت بوصل نلت ماكنت أ رتجي
به ووفت بالوعد إذ دارنا الخال موضع
ولما بدت تختال من فرط تيهها
لي ولا عمّ يلوم ولا خال أخو الأم
تخيلت في مرآة صفحة خدها
فخلت سواد العين فيه هو الخال شامه
لئن زعم الواشون أني سلوتها
فإني لما لفقوه الفتى الخال البريء
أساو هواها لا ومن خلق الهوى
هواها بأحشائي وإن ضمني الخال الكفن
حنانيك يا معطي الصبابة حقها
ومن هو في بذل الحياة الفتى الخال السمح
694
وأصبحت في أسر التصابي مقيداً
أخو كمد مما تجن الحشا خال الضعيف
إذا هانت النفس النفسية في لبهوى
فليس يعز الملك بعد ولا الخال الخلافة
وكل جماح يحسن الخال عنده
وما لجماح الحب يستحسن الخال اللجام
خليلي من همدان مالي سواكما
خليل إذا جار الزمان ولا خال صاحب
إذا أنتما لم تسعداني على البكا
فقد أخطأ الحدس المجرب والخال المتوسم
بعيشكما عوجا على سفح رامة
لأسفح فيها الدمع إن بخل الخال السحاب
فقد شاقني رمل الحمى حيث أنه
يمثله لي في كل حين لي الخال المخيلة
وأصبوا إلى رند الحمى وعراره
كما للحسان الكاعبات صبا الخال العزب
وأشتاق ربع المالكية كلما
سمعت حنين النيب أو أرقل الخال البعير
ولولا الهوى ما شاقني ذكر بارق
ولا أبرق الحنان والأجرع الخال موضع بلا أنيس
أنا السابق المقدام في كل غاية
جريت بها والغرم مني به خال ثابت
695
وإني وآبائي الكرام إلية
لكل المعاني المشكلات الفتى الخال الحسن المخيلة
سبقت بجدي بل بجدي وما اعترى
جواد إذا ما جد في حلبة خال ضلع
كأني من بحر ابن جعفر وارد
ومن يمنه ملقى على منكبي خال برد
جرى في ميادين المكارم والعلى
إلى غاية ما كان يبلغها الخال الوهم
إذا قيس يوماً بابن قيس وجدته
هو الطود حلماً وابن قيس هو الخال الأكمه
ولما حوى في العلم كل فضيلة
له دون أهل العلم قد عقد الخال اللواء
وقوله مسمطاً خالية بطرس كرامة التي طلب معارضتها داود باشا من الأدباء:
أراك يوجد لا ينوء بـه الخـال وفرط هوى إي والهوى بالي خال
فما أنت من سلمى به الدنف الخال (أمن خدها الوردي أفتنك الخال
فسح من الأجفان مدمعك الخال)
فهل فاح في واديك طيب دلالها وأسفر منها فيه صبـح كمالهـا
وهل بعد صد لاح بدر وصالهـا (وأومض برق من محيا جمالها
لعينيك أمن ثغرها أومض الخال)
تتيه ارتفاعاً عنكك سلمى ولم تهن إذ أنت عنها فرط حبك لم تصن
فقل إن تكن ترعى العهود ولم تخن (وعلى الند ذياك القوم وإن يكن
تلاعب في أعطافه التيه والخال)
696
خيول الأسى ذاك القـوم أعنهـا علي وكم من غارة قـد أشنهـا
رعى الله من لم ترع قلباً أكنهـا (وللـه هاتيـك الجفـون فانهـا
على الفتك يهواها أخو العشق والخال)
إذا ما فنى صبري وقل مساعدي فأفرط في لومي عذولي وحاسدي
قليل لها أفدي طريفـي وتالـدي (مهاة بأمـي أفتديهـا ووالـدي
وإن لام عمي الطيب الأصل والخال)
فكم مهجة لمـا رمتهـا بلجـة من الوجد والتبريح من غير حجة
وقادت ملوكاً مذ حوت كل بهجة (ولما تولى طرفها كـل مهجـة
على قدها من فرعها عقد الخال)
فدع عنك ما خولت إن كنت مغرماً وكن لهوى الغيد الحسان مسلمـا
أما كنت تدري بعد أن كنت مغرماً (إذا فتكت أهل الجمـال فأنمـا
يهون على أهل الهوى الملك والخال)
إذا كنت ترعى الود في الجهر والخفا فلا ترتكب نهج التباعد والجفـا
فليس الوفا إلا المـودة والصفـا (وليس الهوى إلا المروءة والوفا
وليس له إلا امرء ماجد خال)
إذا لم ترد على الغـرام ونهلـه فلا ترتكب ما ليس تستطيع حمله
فكم جاهل بالحب لم يعص جهله (وكم يدعي بالحب من ليس أهله
وهيهات أين الحب والأحمق الخال)
قضينا الأسى فيها ولم تقض ديننا وقرب وشك البين والصد حيننـا
بحق الهوى إن كنت أجمعت بيننا (معذبتي لا تجحدي الحب بيننـا
لما اتهم الواشي فإني الفتى الخال)
أبت شيمتي إلا المـودة حرفـة وإلا الوفا ما عشت في الدهر إلفة
697
ولي همة لم تكسني قـط خفـة (ولي شيمة طابت ثنـاء وعفـة
تصاحبني حتى يصاحبني الخال)
أمرتجحة الأعطاف من نشوة الصبا إليك فؤاداً فـي هـواك معذبـا
ويا ظبية تسبي بمقلتهـا الظبـا (سلي عن غرامي كل من يعرف الصبا
ترى أنني رب الصبابة والخال)
صلي مغرماً ما خامر النوم جفنه وما برح الوجد المبـرح شانـه
ولا تقبلي ممن غدا اللـوم فنـه (ولا تسمعي قول الحسود فانـه
لقد ساء فينا ظنه السوء والخال)
فقل لعذولي أي صـب لحيتـه وأي فـؤاد بالملــام فريتــه
ولم بنى جهلاً على اللـوم بيتـه (سعى بيننا سعي الحسود فليتـه
أشل وفي رجليه أوثقه خال)
أما وثنايا مـا شربـت مدامهـا هي الغصن ليناً حين هزت قوامها
بل البدر حسناً مذ أماطت لثامها (وظبية حسن مذ رأيت ابتسامها
عشقت ولم تخط الفراسة والخال)
بدت تسحب الأردان من فرط تيهها تحف بها من كل بيضاء شبههـا
بديعة حسن لم أطق وصف كنهها (توهم طرفي في محاسن وجهها
فلاح له في بدر تلك السما خال)
بها حسن وجه قد كساها مهابـة به فتنت من كل حـي عصابـة
حـري لمثلـي أن يحـن كآبـة (إلى مثلها يرنو الحليـم صبابـة
ويعشقها سامي النباهة والخال)
إلى الله كم من خطرة بعد خطرة أتاحت لقلبي زفرة بعـد زفـرة
وكم رمت من شوق أنادي بجيرة (أيا ركب يفري الفلـاة بجسـرة
698
يباع بها النهد المطهم والخال)
ويا صاحب الوجناء عرج بها على محل عليه بعدنـا حكـم البـلا
ويا راكباً قد شـق أفئـدة الفـلا (بعيشك إن جئت الشآم فعج إلى
مهب الصبا الغربي يعن لك الخال)
وقف بي على رسم به العيش قد صفا وربع لنا بالأمس قد كان مألفـا
وإن كنت من أهل المودة والصفا (فسلم بأشواقي على مربع عفـا
كأن رباه بعدنا الأقفر الخال)
بما بننا من خالص الود والـولا ترفق بقلبي عن هوى الغيد ما سلا
وبلغ سلامي مـن أود وإن قـلا (وإن ناشدتك الغيد عني فقل على
عهود الهوى فهو المحافظ والخال)
فإن قلن هل يرعى أخو الود ودنا وهل هو بعد البعد لم ينس عهدنا
فقل هو يرعى الود إن شط أودنا (وإن قلن هل سام التصبر بعدنا
فقل صبره ولى وفرط الجوى خال)
أبت لي مقام الذل نفس كريمـة توازرها مني على الدهر شيمـة
وإني أرى مذ بي تمادت عزيمة (لكل جماح أن تمـادى شكيمـة
ولكن جماح الدهر ليس له خال)
ومن شعره في المذهب قوله مخمساً الدريدية في مدح أمير المؤمنين عليه السلام، وقد نقلت مختصرها من خطه:
أوهى القوى كتم الهوى وصونه وخانـه يامـي فيـك عونــه
يا من بها رأسـي شـع جونـه (أما ترى رأسي حاكـى لونـه
طرة صبح تحت أذيال الدجى)
ولى الصبا ومـا وافـى بعهـده وخامر القلـب الجـوى لفقـده
699
وحان وخط الشيب بعـد بعـده (واشتعل المبيض فـي مسـوده
مثل اشتعال النار في جزل الغضا)
صاح بأرجـاء شبـاب مغـدف صبح مشيب شبه در الصـدف
وكأن من قبـل كليـل مسـدف (فكان كالليل البهيـم حـل فـي
أرجائه ضوء صباح فانجلى)
لما ذكـا حبـي بقلبـي ونمـا وذاع من مكنون سري ما اكتمى
أفاض مـا عبرتـي هـم طمـا (وغاض ماء شرتي دهري رمى
خواطر القلب بتبريح الجوى)
فأصبح الدهر الخـؤون طاويـاً محاسنـاً وناشــراً مساويــا
وقد غدا ربع السـرور خاويـاً (وآض روض اللهو يبساً ذاويـاً
من بعد ما كان مجاج الثرى)
أتاح لي فـرط التنائـي صبـوة ما تركـت قـط لقلبـي سلـوة
وأوهن الأعـراض منـي قـوة (وضرم النأي المشـت جـذوة
ما تأتلي تسفع أثناء الحشا)
فكيـف لا يـذوب قلبـي كلفـا ولا يسيـل دمـع عينـي أسفـا
والوجد قد صيـر قلبـي كنفـا (واتخذ التسهيـد عينـي مألفـا
لما جفا أجفانها طيف الكرى)
هـم وحـزن وعنـا وكــدر متصــل ودمــع منهمــر
إني وإن لم تحص ما بي فكـر (فكلمــا لاقيتــه مغتفـــر
في جنب ما أساره شحط النوى)
لا تلحني إن ذاب قلبـي سقمـاً أو أ، قضيـت أسفـاً وألمــا
ولا تسل إن سال دمعي عندمـا (لو لابس الصخر الأصم بعض ما
700
يلقاه قلبي فض أصلاد الصفا)
مم البكا بعـد التجافـي ولمـن والدهر قد ضن بما أعطا ومـن
وقد لحا عودك صرف ذا الزمن (إذا ذوى الغصن الرطيب فاعلمن
أن قصاراه نفاد وثوى)
هل فرصة أحظى بها أو رخصة تزورني فيهـا لمامـاً رخصـة
ومذ نأت من هي بي مختصـة (شجيت لا بل أجرضتني غصة
عنودها أقتل لي من الشجى)
ما رمت كتم عبرتي عن حسدي إلا وقـد أجريتهـا فـي كبـدي
هيهات أن يحمي شجوني جلدي (إن يحم عن عيني البكا تجلـدي
فالقلب موقوف على سبل البكا)
ومنه:
جبت العـراق وعـره وسهلـه وقـد وردت علــه ونهلــه
فقلت مذ لم تـر عينـي مثلـه (إن العراق لـم أفـارق أهلـه
عن شنآن صدني ولا قلا)
كلا ولا شاهدت مـذ صادقتهـم سواهـم ناسـاً ومـذ رافقتهـم
أصفيتهـم ودي ومـا نافقتهـم (ولا أطبق عيني مـذ فارقتهـم
شئ يروق العين من هذا الورى)
لقيت منهم من إذا خطـب عـرا كانوا شآبيب الندى لمـن عـرا
هم المحاريب الوثيقـات العـرا (هم الشناخيب المنيفات الـذرى
والناس أدخال سواهم وهوى)
بنـو الألـى أو لهـم عليهــا دان لهـم مـن الـورى عليهـا
هـم الغيـوث ساكـب ماذيهـا (هـم البحـور زاخـر آذيهـا
701
والناس ضحضاح ثغاب وأضا)
قوم سموا هام السهـى بجدهـم وقد علوا هـام العلـى بجدهـم
لا والـذي أتحفنــي بودهــم (إن كنت أبصرت لهم من بعدهم
مثلاً فأغضيت على وخز السفا)
ولم تكـن تبصـر عينـي أبـدا من الورى أكرم منهـم محتـدا
ولم أجد أعظـم منهـم سـؤددا (حاشا الأميريـن الذيـن أوفـدا
علي ظلاً من نعيم قد ضفا)
هما سليلا أحمـد خيـر المـلا الحسنيـن الأحسنيـن عمــلا
هما اللـذان أنقعـا لـي غلـلاً (هما اللـذان أثبتـا لـي أمـلا
قد وقف اليأس بي على شفا)
فقدت من شرخ الصبـا ريقـه أيـام يرعـى ناظـري رونقـه
ومـذ أحـال الدهـر رقرقــه (تلافيـا العيـش الـذي رنقـه
صرف الزمان فاستساغ وحلا)
هما اللـذان أوردانـي مـورداً عاد بي روض المنـى مـوردا
وأنتشاني بعد مـا كنـت سـداً (وأجريا ماء الحيا لـي رغـدا
فاهتز غصني بعدما كان ذوى)
همـا اللـذان رفعـا نواظـري وأعليا قـدري علـى نظائـري
وعندمـا قـد نفـدت ذخائـري (هما اللـذان سمـوا بناظـري
من بعد أغضائي على لذع القذى)
كم ردني بعـد الرجـاء خائبـاً مـن خلتـه أن لا يـرد طالبـا
وحيـن أصبحـت لـه مجانبـاً (هما اللذان عمـرا لـي جانبـا
من الرجاء كان قدماً قد عفا)
702
وأولياني ما به النفـس اقتنـت عزاً به عن درن الدنيا اغتنـت
وعوداني عـادة مـا امتهنـت (وقلدانـي منـة لـو قرنــت
بشكر أهل الأرض طراً ما وفى)
بل كل من فوق الثرى عنها نكل وحار بل أعيى عن بعض وكل
بل لم يف لسان كل مـن شكـل (بالعشر من معشارها فكان كال
حسوة في آي بحر قد طما)
أحمد الله ربـي مـا أعاشنـي إذ في ولاء المرتضى قد راشني
فلم أقـل وهـو بخيـر ناشنـي (إن ابن ميكال الأمير انتاشنـي
من بعد ما قد كنت كالشئ اللقا)
ومذ وفى لي بالذي لـه ضمـن وخصني بمـا بـه قلبـي أمـن
قلت أبو السبطين بالوفـا فمـن (ومد ضبعي أبو العبـاس مـن
بعد انقباض الذرع والباع الورى)
ذاك علي المرتضى عقد الـولا وصنو طه المصطفى خير الملا
ذاك الـذي رام المعالـي فعـلا (ذاك الذي ما زال يسمو للعلـى
بفعله حتى علا فوق العلى)
وقد علا بالرغم مـن حسـوده بجوده الضافـي علـى وفـوده
قلت وحـق القـول مـن ودوده (لو كان يرقـى أحـد بجـوده
ومجده إلى السماء لارتقى)
إن كنت تشكو من أوار متلـف فـرد نـداه بفــؤاد شغــف
وثـق إذا مـا كنـت ذا تلهـف (ما إن أتى بحـر نـداه معتـف
يشكو أوار عيم إلا ارتوى)
فعد إلى مدح الحسين والحسـن تأمن في مدحهما مـن الزمـن
703
وقل إذا ما فزت منهمـا بمـن (نفسـي الفـدا لأميـري ومـن
تحت السماء لأميري الفدا)
كم قلت من حسن الثنـاء آمـلاً عـدا سجايـا لهمـا ونائــلا
وحين أعييـت غـدوت قائـلاً (لا زال شكري لهمـا مواصـلا
لفظي أو يعتاقني صرف المنى)
فهذا تخميس اثنين وثلاثين منها نقلته عن خطه.

وقد قرض هذا التخميس جماعة، فمنهم الشيخ جابر الكاظمي الربعي بقوله:
ألقت لموسى الشعـراء العصـا كما لموسى ألقـت الساحـرون
بشعـره للشعــراء معجــز مثل العصا تلقف مـا يأفكـون
ومنهم الحاج جواد بدكت الحائري بقوله:
إن آيـا أبديتهـا فـي القوافـي قد هوت سجـداً لهـا الشعـراء
إن هوت سجداً فغيـر عجيـب أنت موسى وهي اليد البيضـاء
وقوله أيضا:
ومذ كفرت بالشعر قوم وقد قضى علينا الردى حزناً عليه وتبئيسـا
وأحييتنا فيمـا نظمـت وآمنـوا فكنت لنا عيسى وكنت لهم موسى
ومنهم الحاج محمد علي كمونة الحائري بقوله:
رأيت من التسميط ما سلب النهى وقرط لي أذناً وقلد لـي النحـرا
وحيث أتى موسى به قلت معجزاً ولو لم يكن موسى تيقنته سحـراً
وقوله مسمطاً بيتي صاحبه العباس بن علي المتقدم الترجمة في مديح الكاظميين عليهم السلام:
كــم للزمـــان خبايـــا مـن العنــا فــي الزوايــا
فيــا كريـــم السجايـــا (لــذ إن دهتــك الرزايــا
704
والدهر عيشك نكد)
بمـن بـه الكســر يوســى وتنــزوي كــل بؤســـا
بالشامخيـــن رؤوســــا (بكاظــم الغيــظ موســى
وبالجواد محمد)
وقوله مصدراً ومعجزاً لهم:
(لــذ إن دهتــك الرزايــا) وحيــــاء لا تتـــــردد
فالهــم أولـــاك خطبـــا (والدهــر عليــك نكـــد)
(بكاظــم الغيــظ موســى) فهــو الملــاذ الموطـــد
مستشفعــــاً بعلـــــي (وبالجــــواد محمــــد)
وقوله وهو من الرقائق:
أقــول لمقتعــد اليعملــات يلف الوعوث علـى السجسـج
أنخهـا علـى ذكـوات الغـري وفـي بـاب حيـدرة عــرج
على أسد الغاب بحـر الرغـاب مغيث السغاب سـرور الشجـي
وصي الرسـول وزوج البتـول ومعطي السؤال إلـى المرتجـي
أبي الحسنيـن وطلـق اليديـن إذا العـام ضـاق ولـم يفـرج
وقل يا يد اللـه فـي الكائنـات ويا وجهه فـي الظلـام الدجـي
سلـام عليـك بصـوت رقيـق من الخطب والكرب لم يخـرج
أتيتــك ملتجــأ منهمـــا لأنـك أنـت حمـى الملتجـي
وجئـت وأيقنـت أن يصــدا طريديـن عنـي مهمـا أجـي
فمثلك من كـف عنـي الهمـوم وألحـب فـي أعينـي منهجـي
وله غير ذلك من المدائح والمراثي الحسينية، كما ذكرها عبد الباقي العمري في مدحه له، وللعباس بن علي البغدادي قصيدة في مديحه مهنئاً له بأوبته من سفر،
705
وهي قوله:
تجلـى فصيـر ليلـي نهــاراً هلال على غصـن بـان أنـارا
وزار فأزرى شمـس الضحـى شروقاً وظبـي الكنـاس نفـارا
وبات يعاطـي المـدام الندامـى فطوراً يمينـاً وطـوراً يسـارا
يديـر كـؤوس المـدام فكــم من الصـد كـأس المـدام أدارا
عقـاراً شربنـا ولكـن مــن لمن ثغره قـد شربنـا العقـارا
إلى أن تجلى ضيـاء الصبـاح وأثقـب زنـداً لينـار شـرارا
بدت نار خديه تجلـى الكـؤوس فآنست من جانب الكـأس نـارا
رشـأ كلمــا سمتــه زورة تباعـد عنـي وأبـدى ازورارا
فأغـدو كليـم الحشـا أشتكـي أواراً بقلبـي أبـى أن يـوارى
بنفسـي غـزالاً إذا مـا رنــا يفوق غزال الصريـم احـورارا
وبـي أفتـدي شادنـاً إن شـدا ترانا سكارى ولسنـا سكـارى
ولمـا تبـدى علــى خــده اخضرار العذار خلعت العـذارا
أبـى القلـب إلا هـواه كمــا أبى اللـه إلا لموسـى افتخـارا
كريـم تــردى رداء التقــى وأقسـم إلا المعالـي شعــارا
هـو الجوهـر الفـرد والعيلـم المحيط بغـر العلـوم اختبـارا
أخو عزمـات تزيـل الجبـال ورب هبـاة تمــد البحــارا
وبحر علوم أبى أن تحد وبدر معال بدا فاستنار
فتى فضلـه شـاع حتـى غـدا كشمس النهار علـى واشتهـارا
نأى فغـدا القلـب مـن بعـده حليف جوى لا يطيق اصطبـارا
وآب فـآب إلينــا الســرور وغادرنا الأنـس فيـه جهـارا
فيـا أيهـا الماجـد المرتجـى لكشف الكروب إذا الدهر جـارا
706
لأنـت أعـز الـورى جانبــاً وأوفى ذمامـاً وأحمـى ذمـارا
وأن الـذي إن جـرى ماجــد بمضمار نيل العلى لن تجـارى
لك الود مني صفاً مـا حييـت وحسـن الثنـاء إلـى أن أوارى
ودم سالماً مـا سـرت نسمـة سحيـراً وأعقـب ليـل نهـارا
توفي في حدود سنة ألف ومائتين وإحدى وثمانين في النجف ودفن بها، رحمه الله.

موسى بن عمير، أبو هارون المكفوف الكوفي، من موالي جعدة بن هبيرة المخزومي

كان شاعراً بارعاً، رقيق الشعر مختصاً بأبي عبد الله عليه السلام، يدخل عليه فيقرأ عليه شعره فيبكي ويبكي من خلف الستر أهل بيته الأطهار.

فمن شعره في الحسين عليه السلام قوله:
أمـرر علـى جـدث الحسيـن وقــل لأعظــه الزكيـــه
يـا أعظمـاً لا زلــت فــي وطفــاء ساكبــة رويـــه
ما لـذ عيشـي بعـد رضـك بالجيــــاد الأعوجيــــه
وابـك الزكـي ابـن المطهـر والمطهــــرة الزكيــــه
ومعاشــراً قــد غــودروا مـن حـول جثتــه رميــه
حـرى القلـوب مـن الظمــا والـأرض مـن دمهـم نديــه
ورؤوسهــم فــوق القنــا ينحـى الشـام بهــا هديــه
وهي طويلة ذكر منها جملة أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني، وله غيرها في الحسين عليه السلام كثيراً.

توفي سنة مائة ونيف وأربعين بالكوفة قبل الصادق عليه السلام.
707

المهدي بن الباقر بن الحسين الحسيني النقوي الهندي

فاضل متفنن بالعلوم النقلية والعقلية بارع فيها خصوصاً بالأصولية والفقهية، حفظة يكاد يكون من الرعيل الأول، ويكون على حفظه المعول، ولد في الهند وأتى مع أبيه لطلب العلم إلى العراق فسكن الحائر، ونال فيه من الفضل ما يغدو به الفكر حائر، وله شعر كثير، وأكثره في الأئمة عليهم السلام سماه المختار في مديح بني المختار، رأيته فرأيت منه السبح المرجانية والعقد الجمانية، فمنه قوله:
قلـب يقلـب غربـه عزمـات للدهـر دون مضائهـا وثبـات
قد ضقت ذرعاً بالزمان وأهلـه والمـوت فيـه للأبـي حيــاة
والدهر يعلم أننـي حـرب لـه للدهـر عـادات ولـي عـادات
طهر ثياب النفس فالآمـال فـي هـذا الزمـان بلؤمـه قـذرات
سألوذ بالصبر الجميـل تكرمـاً وأغض حتى تخضع الحاجـات
حسب الفتى من دهره مال وقى عرضاً وإن لم تبلـغ الشهـوات
فالنخل قد حمدت بما نفعت وما انتفعت وقد حفت بها الثمـرات
إنا بنو زاكـي النجـار وماجـد طابت له الحركـات والسكنـات
جدي الذي اختار المبيت على الطوى زهـداً تخلـل عيشـه تبعـات
وأبي الذي ترك الدنية وصلهـا وجرت عليهـا منـه تطليقـات
ومضى نقي الثوب عن أدرانهـا لـم تعتلـق منهـا بـه تبعـات
باب قد ابتلي الأنـام بـه فمـن لـم يأتـه تأتـي لـه الهلكـات
وقوله:
يـا آل أحمـد إننـي مولاكـم ويدي قد اعتلقت بحبـل ولاكـم
من ذا الذي يأتكم فنجـا ومـن ضل السبيل وتاه حيـن أتاكـم
أنتم كـرام لا يدانـي فضلكـم فضل وعند اللـه مـا أسماكـم
708
خلق السموات الطباق وما حوت لكــم وعلــم آدم أسمائكــم
ما استغنت الدنيا بشـيء عنكـم كـلا ولا ضراتهـا بسواكــم
أنتم صنائع ربكم والخلـق بعـد صنائـع لكـم فمـا أغناكــم
ما لواصفون لمجدكم وعقولهـم كلت ولم تبلغ حضيض علاكـم
إلا كأكمة ناعت شمس الضحـى حرصاً ومن ذا يستطيـع ثناكـم
شرفاً بني خيـر الأنـام محمـد اللـه فضلكـم بمــا آتاكــم
لولا الغلو لقلت إن الله قد حـف أمر هذا الخلـق حيـن براكـم
ولقد عرفنـا ربنـا بكـم ومـا كنـا لنعـرف ربنـا لولاكــم
سعد الـذي والاكـم وأطاعكـم وإلى الشقاء يعود مـن عاداكـم
وله الكثير الطيب غير هذا.

ولد في نصير آباد من الهند خامس محرم سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين من الهجرة، وهو اليوم حي في الحائر الحسيني مجد في التحصيل في علوم الدين، أحيى الله به مآثر الطاهرين.

ثم توفي في يوم الأحد الثاني من شهر رجب سنة ألف وثلاثمائة وتسع وأربعين فجأة في الكاظميين ونقل إلى كربلاء فدفن بها وله ولد في كربلاء.

المهدي بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني النجفي

أبو الأشبال الأربعة المذكوريين: جعفر والصالح ومحمد والحسين

كان آية في الفضل والإحاطة بالعلوم وكثرة التصنيف فيها والتحقيق، وكان حفظة لا يكاد ينسى ما سمعه أو رآه من المنثور والمنظوم.

أخبرني غير واحد أنه جلس في الصحن إلى كتبي اسمه (خدا بخش) أدركته أنا، فأخذ كتاب لغة وأطال فيه النظر حتى استقصاه، ثم سأله عن ثمنه فأسقطه، فقال: إني حفظته، فإن شئت اشتريته بثمنه، فاستغرب جلساؤه فأخذوا الكتاب واستقرأوه
709
فأخذ يلقي عليهم ما طلبوه من المواد حتى أيقنوا بحفظه.

وكان لا يفتر عن التصنيف، وله رحل إلى الأعراب، هدى بها كا ضال عن الصواب، ومكاشفات وكرامات يضيق عنها نطاق الكتاب في عدها وتحتمل مجلدة على حدتها وحدها، وهو أبو الأربعة من كريمة الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء.

وكان السيد أديباً شاعراً، فمن شعره قوله:
دعاني الهوى يوماً وقد كنت راقداً فقيد قلبي مـذ أجـاب وأسـره
ففتحت طرفي نحو مسراه لاحظاً لأبصر مـن دعانـي فلـم أره
فما أدري من دعـاه كدعوتـي ومن ذا الذي عني رماه وغيـره
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة حسينية:
حرام لعيني أن يجف لها قطـر وإن طالت الأيام واتصل العمـر
وحجر على الأيام منـي كآبـة بأن تطعم التغميض ما بقي الدهر
وما لعيون لا تجـود دموعهـا همولاً وقلب لا يذوب جوىً عذر
على أن طول الوجد لم يبق عبرة وإن مدها من كل جارحة بحـر
كذا فليجل الخطب وليفدح الأسى ويصبح كالخنساء من قلبه صخر
لفقد إمـام طبـق الكـون رزؤه وحالت عليه الشمس والأنجم الزهر
وماجت له السبع الطباق ودكدكت له الشامخات الشهب وانخسف البدر
ورجت له الأرضون حزناً وزلزلت وضجت على الأملاك أملاكها الغر
وقد لبست أكناف مكة والصفـا عليه ثياب الحزن وانهتك الستر
وهد له ركن الحطيـم وزمـزم تفور منها الماء وانهدم الحجـر
وهي طويلة، وله غيرها كثير.

ولد سنة ألف ومائتين واثنتين وعشرين. ونال رتبة الاجتهاد وهو مراهق.
710
وتوفي في صفر سنة ألف وثلاثمائة بعد مجيئه من الحج وفي طريقه قريباً من السماوة بمرحلة عنها، ونقل إلى النجف، فدفن بمقبرته المتبرك فيها، ورثي بمحاسن الشعر، وكتب على ضريحه المبارك:
هذا ضريح هدى أم ضراح علاً أضحى لضرغام آل المصطفى غابا
قد غاب مهدينا والعلم فيه معـاً فأرخو: (أي بدر للهدى غابـا)

المهدي بن داود بن سليمان الحسيني الحلي عم السيد حيدر.

كان فاضلاً أديباً مصنفاً في الأدب، شاعراً مطارحاً لأدباء وقته، وكان نظم في آل محمد عليهم السلام روضة وكرر أكثر الحروف، فمن غزله من قصيدة قوله:
سقتك من ريق الثنايـا سلسـلاً فبت مـن خمـر لماهـا ثمـلا
ودب بالأعضـاء منـك مثلمـا تدب بالأعضاء صهبـاء الطـلا
قد شابـه المـدام لكـن وجـه من يرشفـه مـن فـرح تهلـلا
ومحتس كـأس المـدام وجهـه مقطـب وإن عليــه تجتلــى
فارشف هنيئاً لعسا فهـو الـذي في هذه الدنيـا يسمـى العسـلا
ومن شعره في المذهب قوله في الجوادين عليهم السلام:
موسـى بـن جعفـر والجـواد ومـن همـا ســر الوجــود
هــذا غيــاث الخائفيـــن وذاك غيـــث للوفــــود
ملــك الوجــود فطوقـــا بالجـود عاطـل كـل جيــد
وقوله مذيلاً له:
موسى بن جعفر والجواد ومن هما سـر الوجـود وعلـة الإيجـاد
هـذا غيـاث الخائفيــن وذاك غيث للوفد وروضـة المرتـاد
ملكا الوجود فطوقا بالجود عـا طل كـل جيـد للأنـام وهـاد
711
وقوله مشطراً له:
(موسى بن جعفر والجواد ومن هما) للخلـق كالـأرواح للأجســاد
بهما الوجود قد استفاد لأن همـا (سر الوجـود وعلـة الإيجـاد)
(هذا غياث الخائفين وذاك غي) ظ الحاسدين ومضمري الأحقـاد
بل ذا مغيث الصارخين وذاك غي (ث للوفود وروضـة المرتـاد)
(ملكا الوجود فطوقا بالجود عا) فيـه وقـاد قماقـم الأمجــاد
حتى برفد نداهما قد زيـن عـا (طل كل جيـد للأنـام وهـاد)
وله في المراثي الحسينية الكثير الذي لا يكاد يضبط إلا بديوانه.

ولما توفي أوصى ابن أخيه السيد حيدر - المذكور في بابه - أن يدفن معه في كفنه، مدائحه ومراثيه في النبي وآله عليهم الصلاة والسلام، ففعل، فرثاه السيد حيدر بقصيدة جاء منه:
وأرى القريض وإن ملكت زمامه وجريت فـي أمـد إليـه بعيـد
لم ترض منه غير مـا ألزمتـه من مدح جدك، طائراً في الجيد
إشارة إلى ذلك وتلميحاً إلى قوله تعالى: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه)

توفي سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين بالحلة، ونقل إلى النجف فدفن بها، ورثاه ابن أخيه السيد حيدر وغيره بما هو مذكور. رحمه الله تعالى.

المهدي بن الرضا بن أحمد الحسيني الطالقاني النجفي

أديب ذو إلمام، وشاعر حسن النظام، رأيته وسمعت أوصافه، فكنت أرى منه الرجل الظريف العفيف الشامخ الهمة، المنفرد بنفسه عن الأمة، وسمعت عنه أنه كان في صباه من ذوي المعارف والعوارف، والظرافة التي يقصدها العارف،
712
والشيب يغير ولا ريب وهو في الحالتين ملازم للتقوى، ماسك بحبل الله الأقوى، فمن شعره قوله:
يمينـاً قـدك الرمـح الردينـي ولحظك حد ماضـي الشفرتيـن
وهما جرحا حشاي بغير ذنـب وكـان كلاهمـا لـي قاتليــن
نأيت فلـم تنـم عينـاي ليـلاً كأنـك كنـت نـوم المقلتيــن
فرفقاً بـي وإلا صحـت أنـي قتلت وأنت مخضـوب اليديـن
وهبتك مهجتـي حتـى إذا مـا ملكت مطلتني وعـدي ودينـي
فحسبك أدمعي ونحول جسمـي فقـد كانـا بذلـك شاهديــن
فصلني قبـل بينـك أو فعدنـي فقدحان السلـام عليـك حينـي
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله من حسينية أوله:
عج بـي علـى تلـك الربـوع تنشـق بهـا نشــر الربيــع
وأقـم ولـو لــوث الــأزار بذلــك الربــع المريـــع
يـا سعــد قــد حدثتنــي عـن ذلـك الحسـن البديــع
فصغــى لمـــا حدثتـــه لـك مسمعـي لا بـل جميعـي
ومــن البليــة بالحمـــى داري وفـي نجــد ولوعــي
أمسـي وأصبـح لــم أجــد ورداً سـوى فيـض الدمــوع
إن جــف دمعــي بعدهــم رعفـت جفونــي بالنجيــع
لهفـي ومـا لهفــي لغيــر السبـط مـا بيــن الجميــع
أمسـى مروعــاً بالطفــوف وكــان أمنــاً للمـــروع
يسطــو بأبيــض صــارم كالشمـس والبــرق اللمــوع
وبأسمــر كالصــل يــأو ي نافــث الســم النقيـــع
713
فبخيـط أسمــره وأبيضــه يفصــل فــي الـــدروع
خــاض الحمــام بفتيـــة كالأسـد فـي سغـب وجـوع
إن يدعهــــم لملمـــــة لبسوا القلـوب علـى الـدروع
طلعــوا ثنيــات الحتــوف وهـم بـدور فـي الطلــوع
خيـر الأصــول أصولهــم وفروعهـم خيــر الفــروع
حتــى إذا مــا صرعــوا أرخـى المداكــع بالدمــوع
ومشـى إلـى المـوت الـزؤام مشمــراً مشــي السريــع
وهي طويلة، وله غيرها كثير.

ولد سنة ألف ومائتين وخمس وستين بالنجف. وهو بها اليوم حي سلمه الله تعالى.

[ثم توفي في سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وأربعين هجرية بالنجف ودفن بها، رحمه الله تعالى].

المهدي بن الصالح الكاظمي الشهير بالشيخ مهدي المراياتي

فاضل مشارك بالعلوم، حسن المنثور والمنظوم، جيد الفكرة، دقيق النظرة.

رأيته واجتمعت به فرأيت الرجل الحصيف، والأديب الظريف، الحسن المحاضرة، الممدوح المعاشرة، إلى طبع خفيف، ورزانة وقار، وشعار تقى خال من العار، فمن شعره قوله من قصيدة أوله:
رام العـواذل فـي كـل مـرام وأبيـت إلا صبوتـي وهيامـي
ملك الهوى كبدي ولم أك نطفـة وحننت للأشواق فـي الأرحـام
أثر الصبابة في حشاي ومهجتي أثر المواعظ فـي حشـا همـام
لولا عيون العين مـن غزلانـه ما نافرت عيناي طيـب منـام
714
هي رامة مأوى الظباء ومألـف الخود الحسان ومسقـط الـآرام
من كل ظامية الوشـاح خريـدة وأغن مخطوف الحشاشة ظامي
أنا للهوى مادام غصن شبيبتـي غـض وأيـام الصبـا أيامـي
فالآن إذ علق المشيب بمفرقـي وأقـام فـي فـودي أي مقـام
ألقيت أعباء الهوى عن عاتقـي وجذبت من كف الغرام زمامـي
كم من فتى صعب المقاود مبلـغ ألجمتـه مـن مقولـي بلجــام
أمسى يعيرني بنظـم قصائـدي ويلح في عذلي وفـرط ملامـي
أتراه أزري بالشريـف نظامـه أم عيب لإي نظـم أبـو تمـام
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة صاحبية:
لا تخل يجديه لـو رام اعتـذارا ألف الشيـب وملتـه العـذارى
وتقضـت صبـوة كـان بهـا يتخطـى للهـوى داراً فــدارا
لا تذمـي غـررا مـن شعـره أنها كانت لذي الرشـد شعـاراً
كان ليلا داجيـاً فـي مفرقـي فتجلـى بيـن فـودي نهــارا
صفقة في الدهر قـد عاجلتهـا أصبحت والحب غبناً وخسـارا
ما اعتـذاري للعـذارى بعدمـا طرزت ناصية الشيـب العـذارا
لا أرانـي طـارداً عـن لمتـي مستجيراً بين فـودي استجـارا
وبشيـراً بالنهـى قـد زارنـي وهلـالاً بيـن فـودي أنــارا
لتـراه الغيـد عـاراً للفتــى وأراه قـد نفـى عنـي عـارا
كم غروري في أصيحاب الهوى فمتى أصحب غربـاً وغـرورا
لا أذم الأرض ما كانـت دمـاً وسما العلياء ما كانـت غبـارا
فأغيـري يـا جيـادي للعلـى فلقد خلى لـك الدهـر المغـارا
715
وأقلـي للغـوى كــل فتــى كيفما دارت لاحى الهيجـاء دارا
وإلـى المنتظـر المهـدي قـد أوقفوا جامحة العـزم انتصـارا
رقبوا الداعي متى يدعـو بهـم نهـض القائـم بالثـأر وثـارا
ومقيـم الديـن مـن تأويــده بعدما عاجلـه البغـي انتظـارا
يمـلأ الآفـاق قسطـاً بعدمـا عسعس الجور عليهـن وجـارا
أخلـدت آبـاؤه الغــر لــه في نعيم العز فضلاً لـن يعـارا
سل بهم ربع العلا كـم شيـدوا للعلـى بيتـاً وللمجـد منــارا
ملـأوا الدنيـا سماحـاً ونـدى وسنـاءاً وعــلاءاً وفخــارا
كم حسود رام يطـوي فضلهـم وأبـى اللـه لـه إلا انتشــارا
وهي طويلة، وله غير ذلك في المدائح والمراثي.

ولد في الكاظميين في حدود سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين، وهو اليوم بها حي مقيم مكب على تحصيل العلوم والإفادة والاستفادة بها سلمه الله تعالى.

ثم سافر إلى البصرة وعاد فتوفي سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وأربعين.

المهدي بن محمد بن الحسن بن إبراهيم بن ناصر بن قاسم بن محمد ابن كاسب بن فاتك بن أحمد بن نصر الله بن ربيع بن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن محمد بن جعفر الطويل ابن علي بن الحسين بن إبراهيم المجاب الموسوي البغدادي النجفي

كان فاضلاً جامعاً، أديباً بارعاً، وشاعراً حسن البديهة رائعاً، وكان خفيف الطبع، رقيق الحاشية ظريفاً حسن الحال والشكل والبزة، فمن شعره قوله:
طاب النسيم فشعشع ذائب الراح جامات ثغرك لا جامات أقـداح
716
راح تجاذبني منه علـى شغـف كأنمـا هـي مغناطيـس أرواح
كأنما الكاس والساقـي يشعشهـا مصباح نور مقل نار مصبـاح
وقوله:
أتـرى شملنـا يكـون جميعـاً فنحيـي بعـد البعـاد الربوعـا
فعلـى شوكـة القتـاد مهـادي وعلى جمرة طويـت الضلوعـا
ما تذكرت أربعـا كنـت فيهـا متضلـلاً إلا أذلـت الدموعــا
كنـت فيهـا منعمـاً فرمتنـي بنوى تمـلأ الغـرام صدوعـا
يا لي الله مـن صريـع ندامـى لست بالخـرد الملـاح صريعـا
وقوله:
ما هز عطف الصـب صبـوه كربــوع لميــاء وعلــوه
بيـض نواعـم مـا لـي فـي أعطافهـــا دل ونشــــوه
فــإذا هــززن معاطفـــاً قابلـن مـن بانــات ربــوه
وإذا انتضيـــن لواحظـــاً فمهفهـف مــا فيــه نبــه
وإذا التفتــــن فغزلــــة حـذر القوانـص فـوق علـوه
وجناتهــا رقــت ولكـــن القلــوب أشـــد قســـوة
ومن شعره في المذهب قوله:
حتى متى تبقى بظهر الغيب محتجبا ما آن أن تطلب الثأر الذي وهبا
وما انتظارك بالهنـدي تغمـده رفقاً أما آن أن تستلـه عضبـا
ومـا لخيلـك ملقـاة أعنتهــا ما آن في جريها أن تدرك الطلبا
سقوا أباك بكأس مـر مطعمـه ما آن تسقيهم الكأس الذي شربـا
فكم لكم من دم في كربلا هرقوا وكم لكم عندهم حق قد اغتصبـا
جرد حسامك واطلب فيه ثاركـم فالثأر يدركه الموتور إن طلبـا
717
سل كربلا كم أباح القوم حرمتكم وكم لكم حرة تدعو أخـاً وأبـاً
وقوله:
عرج النبي على السماء وعرشها وعلا علي كتفه فـي المسجـد
فلننظر الحالـان مـن أعلاهمـا وطئ السماء أم وطئ كتف محمد
وقوله:
ولما هزنـي شوقـي ضاقـت علي برحبهـا الدنيـا الوسيعـه
هممت بأن أشد الرحل نحو ابـن موسى إذ هـو الـدرع المنيعـه
ولما عاقني زمني أزرت القـوا فـي مستطيلــات ربوعــه
وله غير ذلك من المدح والرثاء فيهم عليهم السلام.

توفي في النجف في شهر رجب من سنة ألف وثلاثمائة وتسع وعشرين، رحمه الله تعالى.

المهدي بن المرتضى بحر العلوم الحسني الطاطبائي النجفي

كان آية الله البالغة، وحجته على العباد السابغة، وبحر العلوم الزخار بأمواج الفنون، وسحاب الفضل الموار بالمحاسن والعيون.

ولد بكربلاء ثم سافر إلى النجف ثم زار الرضا وعاد، ثم حج، ثم رجع وأقام بالنجف، وهو في كل هذا ينشر حقائق العلم على التلامذة الذين هم في ذلك العصر النوري أساتذة، وله مراجعات ومكاتبات ومطارحات جميلة.

كتب إليه النزاقي العالم الكبير من فارس قوله:
ألا قـل لسكـان أرض الغـري هنيئـاً لكـم بالجنـان الـورود
أفيضوا علينا من المـاء فيضـاً فنحـن عطاشـى وأنتـم ورود
718
فراجعه بقوله:
ألا قـل لسكــان دار تــرى مغيب الحبيـب بعيـن الشهـود
فنحن على القرب نشكو الظمـا وأنتم علـى البعـد منـه ورود
ولما زار مراد خان العثماني، أمير المؤمنين ووصل إلى قريب من المرقد ترجل، فقال له بعض حاشيته: أنت سلطان وهو سلطان

فلم تترجل، وبعد فالحي أفضل من الميت، فتفاءل بالقرآن، فخرجت الآية: (فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى سورة طه الآية 12) فاحتفى وضرب رأس الناهي، وقال فخمسها السيد بحر العلوم فقال:
تطوف ملوك الأرض حول جنابه وتسعى لكي تحظى بلثـم ترابـه
فكان كبيت الله بيـت عـلا بـه (تزاحم تيجان الملوك ببابه
ويكثر عند الإستلام ازدحامها)
أتاه ملوك الأرض طوعاً وأملت مليكاُ سحاب الفضل منه تهللـت
ومهما دنت زادت خضوعاً به علت (إذا ما رأته من بعيد ترجلت
فإن هي لم تفعل ترجل هامها)
ثم صدرها وعجزها فقال قدس الله روحه:
(تزاحم تيجان الملـوك ببابـه) ليبلغ من قـرب إليـه سلامهـا
وتستلم الأركان عنـد طوافهـا (ويكثر عند الاستلام ازدحامها)
(إذا ما رأته من بعيد ترجلـت) ليعلو فـوق الفرقديـن مقامهـا
فإن فعلت هاما على هامها علت (وإن هي لم تفعل ترجل هامها)
ولما سمع قصيدة مروان بن أبي حفصة الشاعر الذي يذم بها أمير المؤمنين عليهم السلام وينال فيها من ولد فاطمة عليها السلام التي أوله:
سلام على جمل وهيهات من جمل ويا حبذا جمل وإن صرمت وحبلي
719
يقول فيه:
علي أبوكم كان أفضـل منكـم أباه ذوو الشورى، وكانوا ذوي فضل
وساء رسول الله إذ سـاء بنتـه بخطبته بنت اللعين أبـي جهـل
فذم رسول اللـه صهـر أبيكـم على منبر بالمنطق الصادع الفصل
وحكم فيهـا حاكميـن، أبوكـم هما خلعاه خلع ذي النعل للنعـل
وقد باعها من بعده الحسن ابنـه فقد أبطلا دعواكم الرثة الحبـل
وضيعتموها وهي في غير أهلها وطالبتموها حين صارت إلى الأهل
ناظر ورد عليه بقصيدة طويلة تنيف على المائتي بيت، ثم اختصرها بخمسين بيتاً، وأنا أذكر لك أوائل الأولى، ثم أذكر الثانية من المطلع، وذلك قوله قدس سره:
ألا عد عن ذكري بثينة أو جمل فما ذكرها عندي يمر ولا يحلي
وما أطربتني البيض غير صحائف محبرة بالفضل ما برحت شغلي
وعوج يقيم الاعوجاج انسلالهـا إذا حان منها الحين حنت إلى السل
وعد للألى هم أصل كل فضيلة ويمم منار الفضل من ربعه الأصلي
وعرج على الأطهار من آل هاشم فهم شرفي والفخر فيهم وهم أصلي
وسلم على خير الأنـام محمـد وعترته الغر الكرام أولي الفضل
وخص علياً ذا المناقب والعلـى وصي النبي المرتضى خيرة الأهل
وبث لهـم بثـي فإنـي فيهـم أكابد أقوامـاً مراجلهـا تغلـي
وقل للذي خاض الضلالة والعمى ومن خبط العشواء في ظلمة الجهل
ومن باع بالأثمان جوهرة الهدى كما باع بالخسران جوهرة العقل
هجوت أناساً في الكتاب مديحهم وفي العقل بان الفضل منهم وفي النقل
ولفقت زوراً كادت السبع تنطوي لهو والجبال الشم تهوي إلى السفل
720
علوا حسباً من أن يصابوا بوصمة فيدفع عن أحسابهم أنا أو مثلـي
ولكن أبت صبراً نفـوس أبيـة وأنف حمي لا يقر علـى الـذل
ألا قل لمروان الحمار أخي الجهل ومن باع رشد النفس بالرفد والبذل
هجوت علياً ذا المناقب والعلـى لحنك اللواحي ما اعتذارك للفضل
وبعت الهدى والرشد من أسفه الورى فيا صفقة المغبون من ضيعة العقل
فاصغ إلى قولي وهل أنا مسمـع غداة أنادي الهائمين مع الوعـل
علي أبونا كـان الطهـر جدنـا له ما له إلا النبوة مـن فضـل
وبلغ فيه المصطفى أمـر ربـه على منبر بالمنطق الصادق الفصل
وأنزلـه منـه بمنزلـة مضـت لهارون من موسى بن عمران من قبل
وشبهـه بالأنبيــاء لجمعــه جميع الذي فيهم من الفضل والنبل
أباة أباة الفضل وانطلقـوا إلـى هواهم فضلوا عاكفين على العجل
أبوا حيدراً إذ ليس فيهم مشاكـل له في العلى والشكل أميل للشكل
أبوة ويأبى الله إلا الـذي أبـوا وهل بعد حكم الله حكم لذي عدل
وما هم خير الخلق قط بخطبـة حياة البتول الطهر فاقدة المثـل
بذا أخبر المختار والصدق قولـه أبو حسن ذاك المصدق في النقل
فأضحى بريئـاً والنبـي مبرئـاً فقد أبطلوا دعواكم الرثة الحبـل
بذلك فاعلم جهل قـوم تحدثـوا بخطبة بنت اللعين أبـي جهـل
وليس علي حـاش للـه بالـذي يسوء أخاه المصطفى سيد الرسل
وهل ساء نفساً نفسها وسرورها إذا سرها مر المساءة من محـل
ولا ضره جهل ابن قيس وقد هوى ودلاه جرو العاص في الدحض الزل
فقد بان عجز الأشعري وبجـره وما كان بالمرضي والحكم العدل
نهاهم عن التحكيم والحكم بالهوى فلم ينتهوا حتى رواسبه الجهـل
721
وحاولت نقصاً من علي وإنمـا نقصت العلى إن كنت تعقل ما تملي
فما علـت العليـاء إلا بمجـده ولو خلع العلياء خرت إلى السفل
وقست العلى بالنعل وهي بقلبهـا مواقعها جيـد اللعينيـن العجـل
فبشراكـم بالنعـل تتبـع لعنـة مضاعفة من تابعي خاصف النعل
وما شان شأن المجتبى سبط أحمد مصالحة الباغي الغوي على دخل
فقد صالح المختار من صالح ابنه وصد عن البيت الحرام إلى المحل
وقال خطيباً فيـه ابنـي سيـد يكف به الله الأكف عـن القتـل
كما كف أيديكـم بمكـة عنهـم لما كان في الأصلاب من طيب النسل
فتلك شكاة ظاهر عنـه عارهـا وإن مال فيها العاذلون إلى العذل
لئن كنتم أنكرتـم حسنـاً أتـى به الحسن الأخلاق والحسن الفعل
ففي مثلهـا ذم الذميـم محمـداً على صلحه كفار مكة من قبـل
وسماه بعض الناصبيـن دنيـة فطابقتموه واحتذى النعل بالنعـل
وقلتم أضاعوهـا كذبتـم وإنمـا أضيعت بكم لما انطويتم على الغل
وهل يطلبون الأمر من غير ناصر أو النصر ممن لا يقيم علـى إل
فمهلاً فإن اللـه منجـز وعـده وموهن كيد الكافرين على مهـل
زعمتم بني العباس عقدة أمرهـا وما صلحوا للعقد يوماً ولا الحل
وجدهم العبـاس أفضـل منهـم وما دخل الشورى ولا عد المفضل
وقد نصبوا التيمي قدمـاً لسنـه وقد رفضوا شيخ الكهول أبا الفضل
لقد ظلموا العباس إن كان أهلهـا وإن لم يكن أهلاً فما الولد بالأهل
فما بالكـم صيرتموهـا لولـده وأثبتم للفرع ما ليـس للأصـل
وقد بذل العباس نصـرة حيـدر وبيعته بعد النبـي بـلا فصـل
وكان بحق الطهر كالحبر نجلـه عليماً وأكرم بابن عباس من نجل
722
ولكن أبى الأحفاد سيـرة دهـم فجدوا بظلم الطيبين من النسـل
أساؤوا إلى الأهلين فاجتث أصلهم وبادوا كما بادت أمية من قبـل
فسل عنهم الزوراء إذ باد أهلهـا فأمست لفقد الأهل بادية الثكـل
أبيد بها خضـراء ذات سوادهـا وأضحت بها حمراء من حلب النصل
وإن شئت سل أبناء يافث عنهـم فعندهم أبناء صدق مـن الكـل
فكم ترك الأتـراك كـل خليفـة ببغداد خلقاً لا يمـر ولا يحلـي
وكمك قلبوا ظهر المجن لهم بها وكم خلعوهم خلع ذي النعل للنعل
وكم قطع الجبار دابـر ظالمـي أولي عدله والحمد لله ذي العدل
انتهت المختصرة وصدر المطولة إلى حد قوله: (ألا قل لمروان نقلت عن خطه المبارك).

وله في الحسين عليه السلام أحد عشر مرثية، كل مرثية اثنتا عشرة بيتاً وهي يوسفية الحسن، يعقوبية الحزن أراد تكميلها لتكون اثنتي عشرة فلم يساعده الزمن فكملها حفيده السيد حسين المتقدم الترجمة، وخمس الإثنتي عشرة وهي موجودة في ديوانه. وله غير ذلك من المحاسن.

ولد بكربلاء سنة ألف ومائة وأربع وخمسين، أرخ ذلك بعض الأدباء بقوله: (لنصة آي الحقد قد ولد المهدي).

وسافر إلى النجف سنة تسع وستين.

وزار الرضا سنة سبع وثمانين.

وحج سنة أربع وتسعين.

وتوفي سنة ألف ومائتين واثنتي عشرة بالنجف ودفن بقبرته مجاور مقبرة الشيخ الطوسي، ورثاه جملة الفضلاء منهم تلميذه كاشف الغطاء بقوله رحمه الله:
إن قلبي لا يستطيـع اصطبـاراً وقراري أبـي الغـداة القـرارا
723
ثلم الدين ثلمـة مـا لهـا سـد وأولى العلـوم جرحـاً جبـارا
لمصاب العلامة العلم (المهـدي) مـن بحـر علمـه لا يجـارى
خلف الأنبيـاء، زبـدة كـل الأ صفياء، الذي سمـا أن يبـاري
واحد الدهر، صاحب العصر، ماضي الأمر، في كنة ذاته الفكر حـارا
وهي طويلة، وهذا أقل ما يقال في ترجمة هذا الشريف، قدس الله روحه.

المهيار بن مرزويه الديلمي، تلميذ الشريف الرضي

كان فاضلاً في المعقول والمنقول، أديباً شاعراً ساحراً للعقول، كاتباً متفنناً تقصر عنه عبارة الواصف في كل ما يقول، وكان رقيق الشعر مرصعه، سهل اللفظ ممتنعه، لم يسع السامع لشعره إلا أن يميل سكراً بسماعه، ويحفظه على ظهر قلبه بمجرد اطلاعه، من سهولة المبنى وقرب المعنى، وكان سريع البديهة، نظم في ليلة واحدة ثلاث عشرة قصيدة مهرجانية في ثلاثة عشر ممدوحاً، فمن شعره قوله:
نشدتك بالمـودة يـا بـن ودي فإنك بي من ابـن أبـي أحـق
أسل بالجزع عينـك إن عينـي إذا استبرزتهـا دمعـاً تعــق
لأن شق البكاء علـى المعانـي فلـم أسألـك إلا مــا يشــق
وقوله:
اللـه يــا سائقهــا فإنهــا جرعة حتف إن تجوز الأجرعـا
اسل بها الـوادي رفيقـاً إنمـا تسيـل فيهـا أنفسـاً وأدمعــا
من بمنـى وأيـن أيـام منـى كانت ثلاثـاً لا تكـون أربعـا
سلبتمونـي كبــداً صحيحــة أمـس فردوهـا علـي قطعـا
وأنت يـا ذات الوشـاح بينهـم عهدك يوم عالـج مـا صنعـا
وقوله:
724
بعينيك والمسحور لا يقسم بالسحر أعمداً رماني أم أصاب ولا يدري
رمى اللحظة الأولى فقلت: مجرب فلما رمى الأخرى تيقنت بالشـر
ومن شعره في المذهب قوله:
مشين لنا بيـن ميـس وهيـف فقـل بالقنـاة وقـل بالنزيـف
على كل غصن ثمـار الشبـاب من مجتنيهـا دوانـي القطـوف
ومن عجب الحسـن أن الثقيـل منـه يـدل بحمـل الخفيــف
خليلي ما خبـر مـا تبصـران بيـن خلخالهــا والشنــوف
سلانـي بهـا فالجمـال اسمـه ومعنــاه مفســده للعفيــف
أمـن (عربيـة) تحـت الظلـام تولـج ذاك الخيـال المطيـف؟
سرى عينهـا أو شبيهـاً تكـاد يفضح نومـي بيـن الضيـوف
يقول فيه:
يعـز علـي ارتقـاء المنــون إلى جبـل منـك عـال منيـف
ووجهـك ذاك الأغـر التريـب يشهر وهو على الشمس موفـي
فأنـت وإن دافعـوك الإمــام وكـان أبـوك برغـم الأنـوف
لمن آيـة البـاب يـوم اليهـود ومن صاحب الجن يوم الخسيف
ومن جمع الدين في يوم (بـدر) و (أحد) بتفريق تلك الصفـوف
أغيـر أبيـك إمــام الهــدى ضياء النـدي هزبـر العزيـف
تفلل سيف به فللـوك الزائريـن لسود خزيـاً وجـوه السيـوف
أمـر بفـي عليــك الزلــال وآلـم جلـدي رفيـع الشفـوف
أنشرك مـا صحـب الزائريـن أم المسك خالط ترب الطفـوف؟
كأن ضريحـك نشـر الربيـع هـب عليـه نسيـم الخريـف
وقوله من قصيدة أوله:
725
سلا من سلا من بنـا استبـدلا وكيـف محـا الآخـر الـأولا
يقول فيه:
ستصرفنـي نـزوات الهمــوم بالــأدب الجــد إن أهــزلا
وتنحـت مـن طرفـي زفـرة مباردهـا تأكــل المنصــلا
وأعـرى مياميـن آل النبــي إن نسـب الشعـر أو غــزلا
بنفسـي نجومهـم المخمــدات ويأبى الهدى غيـر أن تشعـلا
وأجسام نور لهم فـي الصعيـد تملــؤه فيضــيء المـــلا
ببطن الثرى حمل ما لم تطيـق على ظهرها الأرض أن تحمـلا
تغيـض وكانـت نـدىً أبحـراً وتهـوي فكانـت عـلاً أجبـلا
تعـود بمـن شرفتـه تظــام وتبلـى إلـى مـن بـه تبتلـى
سل المنجدين لهم فـي الفخـار، أيـن سمـت شرفـات العـل:
بمـن باهـل اللــه أعــداءه فكـان الرسـول بهـم أبهـلا؟
وهـذا الكتــاب وإعجــازه على من؟ وفي بيت من؟ نـزلا
(وبدر) و (بدر) به الديـن تـم مـن كـان فيـه جميـل البـلا
ومن بات والموت فـوق الفـرا ش لـه فاديـاً وبــه مبــدلا
ومـن خـم فسـل حنيـن لـه وقد نشر الخطب له واستفحـلا
وعمـرو الزبيـدي مـن قـاده وعمـرو بـن ود بمـن جـدلا
ومن شـل مـن خبيـر أسدهـا وأغمـد فـي ريهـا المنصـلا
وقـد نـام قـوم سـواه وقـام فمـن كـان أفقـه أو أعـدلا؟
بمن فصل الحكم يوم (الجنيـن) فطبـق فـي ذلـك المفصـلا؟
ببــاع أطيــل بتفضيلهــا كفى معجـزاً ذكرهـا مجمـلا
يمينـاً لقـد سلـط الملحــدون على الحـق أو كـاد أن يبطـلا
726
فلولا ضمان لنا فـي الظهـور قضى جدل القـول أن نخجـلا
أألله يا قـوم، يقضـى (النبـي) مطاعاً فيعصـى ومـا غسـلا!
ويوصي فيحرص دعوى عليـه فـي تركـه دينـه مهمــلا!
ويجتمعـون علــى زعمهــم وينبيـك (سعـد) بـم أشكــلا
فيعقـب أجماعهـم أن يبيــت مفضولهـم يقــدم الفضــلا
وأن ينـزع الأمـر مـن أهلـه بـأن (عليــاً) لــه أهــلا
وسـاروا يحيطـون فـي آلـه بظلمهــم كلكــلا كلكـــلا
تـدب عقـارب مـن كيدهــم فتفنيهــــــــم أولاً أولا
أضاليل ساقت مصاب (الحسين) وما قبـل ذاك ومـا قـد تـلا
(أميــة) لابســة عارهــا وإن حقـق الثـأر أو حصــلا
وهي طويلة، وله غيرها، وديوانه مطبوع فلا حاجة إلى نقل أكثر من هذا.

توفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادة الآخرة ببغداد سنة أربعمائة وثماني وعشرين ودفن بقابر قريش، رحمه الله تعالى.
727

حرف النون

ناصر بن أحمد بن عبد الصمد الموسوي الشباني البحراني البصري

كان فاضلاً جامعاً، وأديباً بارعاً، وحفظة لم يجد منازعاً، ورئيساً تقف ببابه الملوك خواضعاً، وجواداً ممدحاً، أحلته السعادة في أفلاكها بدراً طالعاً من بيت علم وأدب.

ترجم جملة منهم صاحب السلافة، وقال المترجم فيما نقل عن لسانه صاحب أنوار البدرين: أنا أعد آبائي واحداً واحداً وأصفه بالعلم والأدب إلى تمام سلسلة النسب.

وكان انتقل مع أبيه من البحرين إلى فارس ثم إلى العراق فكمل تحصيله في النجف حتى نال مناه متلمذاً على الشيخ راضي بن الشيخ محمد بن الشيخ محسن بن الشيخ خضر الجناجي المتوفي سنة 1290ه، والشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفي سنة 1289ه، ثم عاد إلى البصرة فسكنها، فغدا مطاف الأنام، وكعبة الستلام، ومسألة الحلال والحرام.

عاصرته ولم أره، ولكن سمعت متوافراً خبره، وقد مدحه جملة من أكابر الشعراء، كالسيد جعفر الحلي بقصيدة، فتأخرت جائزتها فعاتبه بأخرى خالفت الجائزة في الطريق، فحين وصلته اعتذر إليه، فكتب إليه المترجم:
يا جيرة الحـي وأهـل الصفـا قد بـرح الوجـد بنـا والخفـا
قد لاح لي من أرضكـم بـارق ذكرنـي رسمـاً لسلمـى عفـا
فقلت أهـلاً يـا أهيـل التقـى وإن بـدا منهـم أشـد الجفــا
هيهـات أجفوهـم وقلبـي لهـم لم يـر عنهـم أبـداً مصرفـا
يـا سيـداً بـرز فـي فضلـه يعرف هـذا كـل مـن أنصفـا
جاء كتـاب منـك تشكـو بـه جفاء خل عنـك لـن يصدفـا
728
لكنــا جشمتنــي خطـــة كلفتنـي فيهـا خلـاف الوفــا
فحيـث أدليـت بعــذر لنــا قلنا عفا الرحمـن عمـن هفـا
جرحـت جرحـاً ثـم آسيتــه فأنت منك الـدا ومنـك الشفـا
ومن شعره في المذهب قوله مسمط:
لي همة فوق هام المجد قد ضربت سرادقاً للعلى فوق السهى نصبت
ونفس قدس لحب المرتضى رغبت (لا عذب الله أمي أنهـا شربـت
حب الوصي وغذتني من اللبن)
بشرى لها مذ أتت تمشي على سنن من الموالات في سر وفي علـن
قد قرطت بحلى من فخرها أذني (وكان لي والد يهوي أبا حسن فصرت
من ذي وذا أهوى أبا حسن)
وقوله معتذراً عن زيارة أمير المؤمنين عليهم السلام مدة مقامه في البصرة:
قد عداني عن لثم أعتـاب بـاب لأمير النحـل العلـي الجنـاب
مـا أراه مقيـداً كــل حــق من خطوب الدهر الشداد الصعاب
فعسـى أن ينفـس اللـه همـي باستلامـي لأرفـع الأعتــاب
وقوله في مقام أمير المؤمنين عليهم السلام بالبصرة:
إن لم أكن زرت إمـام الـورى وخيـرة اللـه مـن العالميــن
فإننــي زرت مقامــاً لــه بالبصرة الفيحاء طـول السنيـن
ما زرت ذاك الأسـد المعتلـي فلـم يفتنـي أن أزور العريـن
وله في مراثي الحسين قصائد محفوظة:
لم لا نجيب وقد وافى لنا الطلب وكم نولي ومنا الأمـر مقتـرب
ماذا الذي عن طلاب العز يقعدنا والخيل فينا وفين العمر واليلـب
تأبى عن الذل أعراق لنا طهرت فلم تلم علـى ساحاتهـا الريـب
729
هي المعالي فمن لا يرق غاربها لـم يجـده النسـب الوضـاح
أكرم ببطن الثرى عن وجهه بدلاً إن لم تنل رتبة من دونها الرتب
كفاك في ترك عيش الذل موعظة يوم الطفوف ففي إنبائه العجـب
قطب الحرائب يطوي للسباسب من فوق النجائب أدنى سيرها الجنب
يحمي عن الدين لا يلوي عزيمته فقد النصير ولا تثني لها النـوب
وكيف تثني صروف الدهر عزمته وهي التي من سناها تكشف الكرب
لم أنسه لمحاني الطف مرتحـلاً تسري به القود والمهرية النجب
حتى أناخ عليها في جحا جحـة تهون عندهم الجلى إذا غضبـوا
أسود غاب يريع الموت بأسهـم ولا تقوم لها أسد الوغى الغلـب
الضاربو الهام لا يردى قتيلهـم والسالبو الشوس لا يرتد ما سلبوا
إيمانهم في الوغى ترمي بصاعقة وفي الندى من حياها تخجل السحب
واسوا حسيناً وباعوا فيه أنفسهم ووازروه وأدوا فيه مـا يجـب
حتى تولوا وولى الدهر خلفهـم وما بقي للعلى حبـل ولا سبـب
وظل سبط رسول اللـه منفـرداً لا معشر دونه تحمي ولا صحب
ليث تظل لـه الآسـاد مطرقـة وعن ذراعيه أسد الغاب تنتكـب
إذا تجلى عن الأغماد صارمـة تجلت الشوس أعلا قصدها الهرب
ما زال في غمرات الموت منغمساً وزاخر الحتف بالآجال يضطرب
وهي طويلة جداً.

توفي في البصرة سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وثلاثين قبل الحرب العامة بأشهر عن عمر ينيف على الثمانين، ونقل إلى النجف محترماً في المواضع التي يمر بها نعشه، بحيث تغلق له الأسواق ويستقبل ويشيع،

وعطلت في النجف له المدارس والأسواق وأقيمت عليه المآتم بعد دفنه بها، رحمه
730
الله تعالى.

نجيب الدين بن محيي الدين بن نصر الله بن محمد بن علي بن يوسف من آل فضل الله الحسني العاملي العيناثي

من سلالة السيد محمد العيناثي. يتصل نسبهم بشرفاء مكة آل أبي نمي، كما ذكر ذلك هو في قصيدته التي مدح بها الشريف لدن حج.

كان فاضلاً في العلوم، مشاركاً في الفنون، ذا همة رفيعة، والتزام بآداب الشريعة، حج من الجبل العاملي، وتعرف بابن عمه الشريف فأكرمه، وعاد فورد العراق لطلب العلم، فبقي في النجف مدة ونال بها من الفضل قصده، وحضر عند الشيخ محمد طه وغيره، ثم عاد إلى محله عيناثا، فكان مورد الشيعة، ومصدر الشريعة، وكان أديباً حسن النظم، فخم الألفاظ، رأيته في النجف واجتمعت به وقرأ لي من نظمه. فمن شعره قوله من قصيدة رثائية:
رحل الخليط مع الضعون عشية لو كان قبل رحيلـه قـد ودعـا
فوقفت أذري الدمع في عرصاتهم حتى كأن لكـل عضـو مدمعـا
وقوله من حماسية:
اللـه أكبـر مـا أشـد ثباتـي لمـا دعتنـي للرحيـل دعاتـي
رام البغيض بأن يجاريني علـى ما أنت ممن يجري في حلباتـي
أعزب بخيلك لا تثنني عن حلبتي عجزاً فخيلك لا تسابـق شاتـي
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة علوية قالها في وروده للنجف:
جادت ربوعكم وطفـاء مودقـة تـدر أخلافهـا سحـاً وتوكافـا
قد رافدتها النعامى حيث أشغلهـا نـوء توطـد إعجـالاً وأهدافـا
731
إذا أحكت بزند البـرق جانبهـا لا يرعوي رعدها الرجاس إرجافا
قم فانتشطها فقد أزرى العقال بها كوماً تلاطم وجه الأرض إخفاقا
إذا حللنا بساحات الغـري فقـد نزلن عند أبي السبطين أضيافـا
يقري السواغب في الدنيا ويمنحها جنات عدن بيوم الحشـر إلفافـا
ذاك ابن عم رسول الله أكرمهـم يداً وأسمحهـم بالهـز أعطافـا
وهي طويلة، وله غيره لم يصلني لبعده عني.

ولد في حدود سنة ألف ومائتين بعيناثا.

وتوفي بها سنة ألف وثلاثمائة وخمس وثلاثين في أثناء الحرب العمومية، رحمه الله تعالى، آمين.

نصر الله بن إبراهيم يحيى العاملي

كان فاضلاً جم الفضائل، كثير الفواضل، مشاركاً في العلوم، حسن الخط، بديع المنثور والمنظوم، فمن شعره قوله في المناجاة:
إلهي كما عودتني الفضـل أولاً فلا تقطعن عني عوائدك الحسنى
رجوتك في الدارين يا غاية الرجا لأنزل من جدواك بالمنزل الأسنى
وقوله راثياً محمد الأمين بن أبي الحسن الحسيني العاملي المتوفى سنة 1213 ه، كما قال السيد فخر الدين في تأريخه:
قضى السيد المولى الأمين وقد مضى إلى جنة الفردوس فيها له قصرا
واقبل رضوان ينادي مؤرخـاً: (أمين به الجنات ينل بها البشرى)
[وقوله يرثيه]:
دعني فجرح فؤادي ليس يندمـل والنار في الصدر والأحشاء تشتعل
والجفن مني جفا طيب الهجوع وذا صوب الدموع على الخدين ينهمل
والهم مقترب والأمن مضطـرب والصبر مغترب والنس مرتحـل
732
قد كنت أرجو انصرافي قبل منصرف الصحب الكرام فخاب الظن والأمل
لم يدعهـم ربهـم إلا ليجزيهـم خير الجزاء على الخير الذي عملوا
وهي طويلة.

ومن شعره في المذهب قوله مخمساً أبيات نسبها للفرزدق، ومن خطه نقلت:
إلا خلني والجفن يجري حشاشة فقـد الدمـع المطيـل رشاشـة
ولا تطلب لي في الزمان انتعاشه (أبعد بني الزهراء أرجو بشاشة
من العيش أو أرجو رخاء من الدهر)
أولئك آل اللـه أقصـى دليلهـم إلى الله في مسراهـم ومقيلهـم
هم المعسفو أهل الرجا بجميلهـم (غطارفة زهر مضوا لسبيلهم
فلهفي على تلك الغطارفة الزهر)
إذا ما أرى خيراً فمنهـم بلغتـه وإن أختش شراً ففيهـم دفعتـه
فهم حاضري في كل شيء رجوته (يذكر فيهم كل خير رأيته وشر فما انفك
منهم على ذكر) وله غير ذلكز

توفي سنة ألف ومائتين وثلاثين تقريباً في الجبل العاملي.

نصر الله بن الحسين بن علي بن إسماعيل الموسوي الفائزي الحائري، أبو الفتح

كان فاضلاً جامعاً للعيون، مشتملاً على الفنون، وكان مدرساً في كربلاء بالعلوم، أديباً شاعراً عالي طبقة المنظوم، وكان أحمد النحوي والحسين الهندي من تلاميذه، ولما ورد سلطان العجم نادر شاه سنة ألف ومائة وست وخمسين إلى العتبات العالية وأراد اجتماع الإسلام أحضر جملة من العلماء من أقطار مملكته وقرر أن
733
تكون المذاهب خمسة فكتب السجل بذلك، ثم اجتمعوا في مسجد الكوفة فصلى بهم السيد المترجم وخطب بخطبة وصفها السويدي في رحلته المطبوعة، ثم أرسله نادر شاه إلى مكة ليظهر مذهبه بها، وكتب معه إلى الشريف مسعود، فلما ورد أراد أبو بكر، زير جده قتله فمنعه الشريف وكتب إلى السلطان محمود خان بذلك، فطلب إليه فسار مع الحاج الشامي بصحبة أميرة في أواخر سنة سبع وخمسين وقتل في إسلامبول، كما ذكر هذا في الخلاصة.

وله كتب جليلة وشعر جيد، سهل ممتنع، حلو الألفاظ رقيقها، جليل المعاني دقيقها، فمنه قوله:
قالوا قد لاح العذار بخـد مـن تهوي وجرحك عن قليل يلتئـم
فأجبت أن عذار من جرح الهوى مسك وإن المسك يوذي من كلـم
ومن شعره في المذهب قصيدته التي مدح بها أمير المؤمنين عليهم السلام لدن ذهبت القبة الشريفة وأرخ التذهيب، وذلك سنة ألف ومائة وخمس وخمسين، وقد سمط هذه القصيدة تلميذه الشيخ أحمد النحوي المتقدم الذكر لحسن نظامها، وبديع انسجامها، وأنا أنص عليك الأصل والتسميط وإن كان فيه طول لم يكن بالمحلول لبني الآداب، على أن هذه القصيدة وتخميسها لم توجد في أيدي الناس، فحق لها أن تحفظ من الضياع، وهي قولهم:
إلى كم تصول الرزايـا جهـارا وتوسعنا في الزمـان انكسـارا
فيا من على الدهر يبغي انتصارا (إذا ضامك الدهر يوماً وجـارا
فلذ بحمي أمنع الخلق جارا)
تمسك بحبل الصـراط السـوي أخي الفضل رب الفخار العلـي
إمام الهـدى ذو البهـاء البهـي (علـي العلـي وصنـو النبـي
وغيث الولي وغوث الحيارى)
734
جمال الجلـال، جلـال الجمـال جميل الخصال، حميـد الخلـال
بعيـد المنـال، عديـم المثـال (هزبر النزال، وبحـر النـوال
وشمس الكمال التي لا توارى)
بـه المجـد نـال عـلا رتبـة وزان بـه الحلـم فـي هيبــة
ومـا رد راجيـه فـي خيبـة (له ردت الشمـس فـي طيبـة
على عهد خير البرايا جهارا)
أبـان الإلــه بــذا أمــره وأعلـى بتكريرهــا قــدره
ففي يثـرب قـد جلـت ذكـره (وفي بابـل فقضـى عصـره
أداءً ففاق البرايا جهارا)
علـى شوقهـا لسنـاه السنـي فردت تحيـي المحيـا الوضـي
ففي الحالتين اكتست خيـر زي (وردت له ثالثـاً فـي الغـري
ترى قبة ألبسوها نضارا)
فيـا قبــة زانهــا مشهــد لمن فضلـه الدهـر لا يجحـد
سنا نورهـا فـي السمـا يوقـد (هـي الشمـس لكنهـا مرقـد
لظل المهيمن جل اقتدارا)
هي الشمس من غير حر يذيـب ولا ضيـر فيهـا لنـاءٍ قريـب
لقـد طالعتنـا بأمـر عجيـب (هي الشمـس لكنهـا لا تغيـب
ولا يحسد الليل فيها النهارا)
هي الشمس جلـت ظلـام العنـا وبشرنــا سعدهــا بالمنــى
فـلا الليـل يسترهـا إن دنـا (ولا الكسف يحجب منها السنـا
ولم تتخذ برج نحر مدارا)
هي الشمس تبهر فـي حسنهـا ويهدي لنا اليمـن فـي يمنهـا
735
وتمحو دجى الخوف عن أمنهـا (هي الشمس والشهب في ضمنها
قناديلها ليس تخشى استتارا)
بـدت وهـي تزهـو بدريــة منمقــــة أرجوانيـــــة
شقيقــة حســن شقيقيـــةٍ (عـروس تجلــت بورديــةٍ
ولم ترض غير الدراري نثارا)
هوت نحوها الشهب غب ارتفاع لتعلـو بتقبيـل تلـك البقــاع
ولم ترض عن ذا الجناب اندفاع (فها هي في تربهـا والشعـاع
جلاها لعينيك دراً صغارا)
عروس سبـت حسـن بلقيسهـا وعم الورى ضـوء مرموسهـا
زهت فزهـى حسـن ملبوسهـا (بدت تحـت أحمـر فانوسهـا
لنا شمعة نورها لا يوارى)
هو الشمع ضـاء بأبهـى نمـط وقـد قميـص الدياجـى وقـط
كفانا سنـا النـور منهـا فقـط (هو الشمع ما احتاج للقـط قـط
ولا النفخ أطفأه مذ أنارا)
جلـى للمحـب دجـى كربــه وأهـدى الضيـاء إلـى قلبــه
ترفـرف شوقـاً إلـى قربــه (ملائكـة العـرش حفـت بـه
فراشاً ولم تبغ عنه مطارا)
فيـا قبـة سـاد منهـا المحـل بعـز فتــي للأعــادي أذل
ولا عجب حيـن فيهـا استقـل (هي الترس ذهب ثم استظل بـه
فارس ليس يخشى افتقارا)
غمامــة تبرجلــت غمــة أظلـت وكـم قـد هـدت أمـة
ومرجانــة بهــرت قيمــةً (وياقوتـة خرطــت خيمــة
736
على ملك فاق كسرى ودارا)
كحوريـة قـد ذكـت معطـرا وكالجلنــار زهــا منظــرا
ولـون شقيـق سمـا مفخــرا (وحق عقيـق حـوى جوهـرا
تخطى الجبال وعاف البحارا)
عقيق يفوق الحلـى فـي حلـاه غـداة تسامـى بأعلـى علـاه
إلى حيدر ليـس يبغـي سـواه (ولم يتخذ غيـر عـرش الإلـه
له معدنا وكفاه فخارا)
فكـم قـد عرتنـا بهـا زهـوةُ لدى سكـرة مـا لهـا صحـوة
فقلـت ولـي نحوهـا صبـوةُ (حميـا الجنـان لهـا نشــوة
تسر النفوس وتنفي الخمارا)
فيا لك صهباء فـي ذا الوجـود تجلـت أشعتهـا فـي السعـود
ترى عندها الناس يقظى رقـود (إذا رشفتهـا عيـون الوفــود
تراهم سكارى وما هم سكارى)
هي الطود طالت بأعلـى العـلا ولم ترض غير السهـا منـزلا
غـدت لعلـي العلـى موئــلاً (عجبت لهـا إذ حـوت يذبـلا
وبحر بيوم الندى لا يجارى)
فيا أيهـا التبـر قـدك اغتنـم فخارا وركـن العلـى فاستلـم
فما زلـت اطلـب برهـان لـم (وكنت أفكـر فـي التبـر لـم
غلا قيمةً وتسامى فخارا)
وكيف غـدا وهـو مستظـرف وبيـن السلاطيـن مستطـرف
مطـل علـى هامهـم مشـرف (إلى أن بـدا فوقهـا يخطـف
النواظر مهما بدا واستنارا)
737
فثـم تسامـى إلــى رتبــة تسامـت ونـال علـى نسبــة
ولم يخش في الدهر مـن سبـة (ومـا يبلـغ التبـر مـن قبـة
بها عالم الملك زاد افتخارا)
فيـا قبـة نلـت عـزاً وجـاه وعين النضار بـك اليـوم تـاه
ومع نورها فهي عيـن الحيـاه (ومـذ كـان صاحبهـا للإلـه
يداً أبداً نعمة واقتدارا)
يرى الركب إن ضـل هاديهـم يـداً فـي علاهــا تناديهــم
بهـا آيـة الفتــح تهديهــم (يـد اللـه مـن فـوق أيديهـم
بدت فوق سر طوقها لا توارى)
يد ربـح الوفـد فـي سوقهـا ترى البـذل أحسـن معشوقهـا
تسامـت إلـى أوج عيوقهــا (وقد رفعت فوق سـر طوقهـا
تشير إلى وافديها جهارا)
هلموا لمن سـاد أهـل النهـى هلمـوا إلـى سـدرة المنتهـى
هلموا إلـى ذي النهـى والبهـا (هلموا إلى من يفيـض اللهـى
ويردي العدا، ويفك الأسارى)
تضـرع تطلـب نيـل المنـى لمـن أمهـا واثقــاً بالغنــى
وتثنــي أناملهــا بالثنـــا (وتدعـو غلـه السمـا بالهنـا
لمن زار أعتابها واستجارا)
فيـا لـك كفـاً تكـف الهمـوم وتدفـع عنـا العنـا والغمـوم
فهيهـات تسمـو إليهـا الغيـوم (قـد اتصلـت بـذراع النجـوم
وقد صافحتها الثريا جوارا)
بـدت وهـي مخضوبـة للهنـا بغال من التبـر عالـي السنـا
738
إلى حسنها الطرف جهـراً رنـا (وكف الخطيب لهـا قـد عنـا
غداة اختفى وهي تبدو نهارا)
عروس عليها الجمـال اعتمـد وفي حسنها جاوزت كـل حـد
زهت بحلـى وصفهـا لا يحـد (قلائدها الشهـب والنجـم قـد
غدا شنفها والهلال السوارا)
عروس أماطـت لدينـا اللثـام فجـلا سناهـا دياجـي الظلـام
تطوقهـا عـروة لا انفصــام (وبالآي خـوف عيـون الأنـام
ممنطقةُ قد بدت كالعذارى)
فيا لك شمساً سمت عـن أفـول ونزهها الفخر عـن أن تـزول
فماذا عسى في علاهـا أقـول (علت في السمو فظن الجهـول
بأن لها عند كيوان ثارا)
ألم تنظـر الأنجـم الزاهـرات مدى الدهر من نورها غائـرات
فأنى لها الثـأر فـي السائـرات (وكيـف وكيـوان والنيــرات
بها من صروف الزمان استجارا)
فيـا كعبـة قـد ترامـوا لهـا حجيجـاً وقـد أمنـوا هولهــا
سعوا نحوهـا فحبـوا طولهـا (تـرى لوفـود النـدى حولهـا
طوافاً بأركانها واعتمارا)
هي القصر فاقت جميع القصور وأضحى لها المجد حصناً وسور
فللجوسق الفرد عنهـا حسـور (وفي قصر غمدان بان القصور
غداة تجلت وإن عز دارا)
علا في العلـى شـأن ديوانهـا فسامى السمـا فـرع صيوانهـا
فدع في العلـى ذكـر كيوانهـا (ومهمـا بـدا طـاق إيوانهــا
739
أرانا الإله هلالاً أنارا)
كضـوء شهـاب بـدا ثاقبــاً غـدا لمريـد الـردى صائبـاً
ولما عـلا فـي العلـى ذاهبـاًُ (لعيـن ذكـاء غـدا حاجبــا
بنور أحال الليالي نهارا)
حسـام لعمـر الهـدى حاصـد وقـوس لطيـر المنـى صائـد
هلـال بأفـق البهـا صاعــد (هلـال السمـاء لـه حاســد
لذلك رق وأبدى اصفرارا)
يزيـد سنـاه مــدام المــدى ولا يعرف النقـص مهمـا بـدا
يسـر الولـي وينكـي العــدا (هلـال لصـومٍ وفطـرٍ غـدا
لهذا يسر ويسمو فخارا)
فيا مؤمن الطـاق سـر طائعـاً إلـى طاقهـا واستلـم خاشعـاً
ألـم تـره بالسنــا ساطعــاً (له طاق كسرى غـدا خاضعـا
وقد شق من غيظه حين غارا)
هلـال عـلا قـط لـم يكسـف ولــم يستتــر ولا يختفــي
بـه وبهـا لـاح سـر خفـي (ولما بدا لـي المنـار أن فـي
حماها الذي في العلا لا يباري)
رأيـت عجيبـاً بديـع الحلـى وشاهدت مـرأى لعينـي جـلا
وأبصرت أمـراً غـدا مشكـلاً (رأيـت الغرييـن بالتبــر لا
تبان من الدم أمسى حمارا)
سماكـان: جلاهمـا الاعتبـار ونسران طـارا بأعـلا مطـار
همـا الفرقـدان بـأوج الوقـار (هما الهرمان بمصـر الفخـار
أبانا عجائب ليست تمارى)
740
هما سمهريـا قلـوب الأعـادي هما غصنا روض مردي المعادي
هما شمعتا زين أهـل النـوادي (هما إصبعا يـد نيـل الأيـادي
فكم أغنتا من تشكى افتقارا)
عمـودان كـل سناهـا سمــا أنافـا بخيمـة حامـي الحمــا
فقل حين شمـت السنـا منهمـا (عمـودا صبـاح ولكـن همـا
معاً صادقان لنا إن أنارا)
فيـا قبـة نورهـا قـد زهــا إلى حسنها كـل طـرف سهـا
يحف بها مـن صنـوف البهـا أحاطـت بهـا حجـرات بهـا
نقوش بزينتها لا توارى)
لزهر الكواكـب قـد سامـرت علـى ولأنوارهــا ناظــرت
ولما لأعلـى السمـا جـاورت (لأطلـس أفلاكهـا فاخــرت
بموشي برد به الطرف حارا)
عجائـب نقـش سـوى أنهــا بأوصافها حـار أهـل النهـى
ورود سما في البهـا فازدهـى (أزاهــر روض ولكنهـــا
أبت منه السحب إلا اضطرارا)
فكم هـام فـي حسنهـا ناسـك وكم مـن حسـود بهـا هالـك
تريـك السنـا والدجـى حالـك (فثغر الأقاحـي بهـا ضاحـك
وإن لم يرق جفن مزن قطارا)
بها وجنة الورد ذات اخضلـال وسوسنها الغض باهي الجمـال
ونوارهـا وصفــه لا ينــال (ونرجسهـا طرفـه لا يــزال
يلاحظ للحب ذاك المزارا)
طـراز يـرف علـى رفـرف سما حسنها كـل ذي زخـرف
741
بدائع في الوشـي لـم توصـف (كوشي الحباب وكالوشـم فـي
معاصم بيض جلتها العذارى)
لديهـا الأرائـك قـد نضـدت عليهـا طيـور الهنـا غـردت
حكت جنـة الخلـد لمـا بـدت (وقد أخجلـت إرمـاً فاغتـدت
محجبةً لا تميط الخمارا)
حمـام المعـارف فيهـا يحـوم وتزهـو بطلابهـا كالنجــوم
بها الذكر يجلى وتنسى الهمـوم (بها الآي تتلى وتحيـى العلـوم
فيشفي غليل القلوب الحيارى)
إلى نارها قـد غشـت مقلتـي وغبت عن الحسن في حضرتي
أقول ولم أخـل مـن خجلتـي (هي النـار نـار الكليـم التـي
عليها الهدى قد تبدى جهارا)
أيا يا لهيف لها الـآن فاصـرخ ومن عرفها المسك طيباً تضمخ
وطف حولها تعل قدراً وتشمـخ (تبـدى سناهـا عيانـاً فـارخ
ت (آنست من جانب الطور نارا)
وكان الشيخ أحمد النحوي أحد من يمدح السيد نصر الله المترجم، فقد مدحه سنة ألف ومائتين وثلاث وأربعين بقصيدة فريدة، وهي قوله:
مقيم على يأس من الحزم راحل ومغض على ضيم عن العزم ناكل
تروم اقتناء الدر والبحر زاخـر وما قطعت منه لديك السواحـل
وترجو اقتناص الوحش في فلواتها وما نصبت للصيد منك حبائـل
وتأمـل إدراك الأمانـي جمـة وما قربت للسير منك الرواحـل
أبى الله إلا أن أجـوب قفارهـا بمنصلت ما أرهفتـه الصياقـل
قفار فلا للوحش فيهـن وحشـة وللغول فـي أكنافهـن غوائـل
742
ولائمة قدراً بهـا مـن مطيتـي رغاها وهزتهـا إلـي الأفاكـل
تجاذبني ذيل المسيـر وتنحنـي علي عطوفا والدمـوع هواطـل
تقول أرحها واكفني حادث النوى فأي الورى ترجى لديه الطوائـل
ذريني وإدمان السرى إنني أرى مخايل لم يكذب لها قـط خائـل
وما هي إلا أن أرى المورد الذي يبل الصدى منه وتروى الغلائل
هو الشهم (نصر الله) والسؤدد الذي لأمثاله تعنـو القـروم الأمائـل
سخي لو أن الغيث يحكي بنانـه لما عاد يوماً نبتـه وهـو آفـل
هو الغيث للوارد والقطر ممسك هو الخصب للرواد والعام حائل
أقل مزايـاه العلـى والفضائـل وأدنى سجاياه الندى والفواضـل
وأدون ما يعطي جياد صواهـل وأيسر ما يحبو عتـاق ذوامـل
قريب على الجلى سريع إلى الندى بعيد منال الفخر ممـن يحـاول
نمته إلى العلياء أزكى عصابـة منازلهـا للنيريــن منــازل
(أبا الفتح) نصر الله حسبك في العلا فخار له فـوق الثريـا كلاكـل
أحطت بعلـم لـو يبـث أقلـه على من على الغبراء لم يبق جاهل
فضائل منها مقفر ربـع عامـر ومن درها صدر الأفاضل عاطل
فما مالك منها اليسريـن مالـك ولا واصل منها إلى العشر واصل
وهي تنيف على السبعين بيتاً. وله في المدائح والمراثي الإمامية كثيراً، وسيأتي له تخميس الفرزدقية في الهاء إن شاء الله تعالى.

ذكر الحسين بن رشيد الرضوي: روى بعض العلماء [أنه رأى] فاطمة الزهراء عليها السلام وتقول: (من غير جرم الحسين يقتل) وأمرت بعضاً بإجازتها، فقال السيد نصر الله:
743
وتنسج الأكفان من عفر الثـرى لـه جنـوب وصبـاً وشمـأل
ويوطئـون صـدره خيولهــم والعلم فيـه والكتـاب المنـزل
ويشتكي حر الظما والسيف مـن أوداجـه يـروى دمـاً وينهـل
أفديه فرداً ما لـه مـن ناصـر سـوى أسـىً وعبـرة تسلسـل
قد حرموا المـاء عليـه قسـوة وهو على وحـش الفـلا تحلـل
فصرعت أصحابه مـن حولـه فيا لشهب فـي التـراب تأفـل
وله يمدح الشريف مبارك بن الشريف صايل أمير الحاج العراقي:
صيرت قلبـي المستنيـر دارك فلـم جعلـت حرقـة شعـارك
فلا تـرى أرفـع منـه منـزلاً كلا ولا أضحى السمـا قـرارك
جرحت خديـك بلحـظ مقلتـي فلم من القلـب أخـذت ثـأرك
علمت بان الجزع كيـف ينثنـي تيهـاً وعلمـت الظبـا نفـارك
يا خده المحمر سبحـان الـذي سقى بمـاء الحسـن جلنـارك
ويا صباح الفرق قد جل الـذي في ليل ذاك الفرع قـد أنـارك
وأنت يا كـاس رحبـق ريقـه من لي بأني أحتسـي عقـارك
ويا أراك قـد مـن همـت بـه أراك صيـرت الحلـي ثمـارك
وأنت يـا بلبـل أفراحـي مـن عن غصن الإقبال قـد أطـارك
فعد وغرد فوق أغصـان الهنـا إن صبـاح سعدنـا (مبـارك)
يا أيها المولى الشريف المرتضى أنت الذي في العز لـم تشـارك
وأنت بدر لاح في أفـق البهـا لكننـا لا نختشــي ســرارك
وأنت لا شك ربيع الجـود لكـن الدنانيــر غــدت بهــارك
وأنت ذو الفضل الذي توقد فـي أعلى الروابي للضيـوف نـارك
جدك خير المرسلين المصطفـى من نطقـت بفضلـه (تبـارك)
744
تبـارك اللـه المهيمـن الـذي حلـى بعقـد عـزة فخــارك
فاسحب ذيول الفخر يا غيث الندى وابن على أعلـى السمـاء دارك
واركب جواد المجد في سبل العلى فإن من طيـب الثنـا غبـارك
وسر على اسم الله فالتوفيق قـد أصبح في كل الأمـور جـارك
وابشر فقد نلـت الـذي أملتـه أعني بـه حجـك واعتمـارك
ولا تخف مـن درك فاللـه قـد أعلى على رغم العدى منـارك
لا زلت في برد التهاني رافـلاً متخـذاً ثـوب التقـى شعـارك
وله يمدح الجواد بن عبد الرضا البغدادي:
قـد هــان قتلــي عنــدك مذ صرت فـي الحـب عبـدك
فكــم تصغـــر قـــدري وكــم تصغـــر خـــدك
مـــا آن إنـــك يومـــاً للصــب تنجــز وعــدك
حرمــت نومـــي لمـــا حللــت للفتـــك بنـــدك
وفــد سنـــاك تجلـــى لطــول صبــرك قـــدك
يــا نــد خــال حبيبــي ما شمـت فـي الطـب نـدك
وأنــت يــا ريــق فيــه ماذقـت فـي الثلـج بــردك
يــا بيــن باللــه مالــك لـم تـأل فـي الظلـم جهـدك
أرتنــي الشهــب ظهــراً فأتعــس اللـــه جـــدك
وبالجــــواد بعـــــاداً أريتنــي فنــح قصـــدك
جــواد يحصــر نطقـــي إن رمـت أحصــر حمــدك
قـد كنـت بحــراً خضمــاً بالرفــد تغمــد وفـــدك
أضعـت مســك افتخــاري فاللــه يحفــظ عهـــدك
وقــد رفعــت مقامـــي فاللــه يخفــض ضـــدك
745
فجــاد ربعـــك غيـــث يحكــي إذا انهــل رفــدك
وله يمدح الشيخ علي بن الشيخ محمد قنديل الكاظمي:
ناحت علـى الغصـن الحمامـه فتوقـع المضنــى حمامــه
وبـدا لـه بــرق فسحــت عينــه شبـــه الغمامـــه
واهــاً لــه مــن هائــم ملـك الغـرام بكـم زمامــه
مــا زار مقلتــه الكــرى غـب الفـراق، ولا كرامــه
وبنفســي البــدر الـــذي يبـدي عـن الشهـب ابتسامـه
هيهـات أيـن البـدر ممــن لا نــــرى إلا تمامــــه
والشمـس تكسـف إن نضــا عـن وجهـه الزاهـي لثامـه
ذو قامــة أحســن بهـــا قامـت علـي بهـا القيامــه
ولواحــظ مهمــا رنـــت ناديــت يــارب السلامــه
ورحيــق ريــق رائـــق مسـك اللمـى أمسـى ختامـه
بيــن العقــود وقرطـــه مـا بيـن سمعـي والملامــه
لا أنثنــي عــن وصفــه إلا لمـدح أخــي الشهامــه
شيــخ الشيــوخ المجتبــى مـن ذا الزمـان غـدا غلامـه
مـن ليـس يــدرك شــأوه يوم السخا (كعـب بـن مامـه)
علامــة فـــي وجهـــه منـة كـل مكرمـة علامــه
مولـى جليـل القــدر فــي كـل العلـوم لــه الإمامــه
لــولا عذوبـــة لفظـــه خلنـاه مـن صافـي المدامـه
نظـم حكـى المسـك الذكــي شــذاه والدمــع انسجامــه
يـا مشفقـاً وضـع الدقائــق لـي علـى طـرف الثمامــه
مـا كنـت أعـرف قدركــم حتـى مضيتــم بالسلامــه
746
والشمــس تفقــد عندمــا جنح الدجـى يرخـي ظلامـه
مـا زلـت بعــدك قارعــاً سنـي وهـل تغنـي الندامــه
متذكــراً عصــراً مضــى بالطـف مـا خلـت انصرامـه
لا زلـت مـا بيـن الــورى طول المـدى سامـي المقامـه
ثـم السلــام عليــك مــا (ناحت على الغصن الحمامـه)
ومدح ملا مطلب الكليدار وابنه ملا محمود والشيخ محمد علي بن بشارة الموحي النجفيين.

توفي سنة ثمان وخمسين قتيلاً في القسطنطينية، ودفن بها عن عمر يقارب الستين، وله ذرية في كربلاء يقال لهم آل نصر الله، سلمهم الله تعالى ورحمه بمنه وكرمه.

نصر بن الصباح البلخي، أبو القاسم

كان فاضلاً محدثاً نبيلاً، وكان أديباً شاعراً، وكان من مشايخ شيخنا الكشي ويغمز بالغلو، فمن شعره قوله من قصيدة طويلة في مدح أمير المؤمنين عليهم السلام ومناقبه:
أخبرته عـن اعتقـادي معلنـاً فراجع القول بما خـص وعـم
قال فبعد المصطفى الأمر لمـن كان؟ فقلت: الأمر للطهر العلـم
قال: فمن خير الورى من بعده؟ قلـت: علـي خيرهـم أبـاً وأم
قـال: فمـن أقربهـم لأحمـد قلت: شقيق الروح أولى والرحم
قال: فصحب المصطفى! قلت: فهل يبلغ للمختار صهر وابـن عـم
قال: فمن أدناهم؟ قلـت: الـذي لم يتخذ من دون ذي العرش صنم
قال: فمن أكرمهم؟ قلت: الـذي صدق بالخاتم فـي يـوم العـدم
قال: فمن أفتكهم؟ قلـت: الـذي تعرفه الحـرب إذا فيهـا هجـم
747
قال: فمن أقدمهم؟ قلـت: الـذي كان له المختار أخـاً يـوم خـم
قال: فمن أعلمهم؟ قلت: الـذي كان له العلم ومـذ كـان علـم
قال: وأحد! قلت: مـا زال بهـا مجاهداً حتى له الجمـع انهـزم
قال: [فسل] عمرو بن ود ماله؟ قلت: سقى عمراً بكأس لم يـرم
قال: وفي خيبـر مـن نازلـه؟ قلت له: من لم يكن منـه سلـم
قال: فباب الحصن من دكدكـه؟ قلت: الذي أومى إليـه فانهـدم
قال: وذي البصرة ماذا نالهـا؟ قلت: ملا الغدران بالبصـرة دم
قال: صفين ابـن لـي أمرهـا؟ قلت: علا بالسيف أولـاد التهـم
قال: ومن خاطب ثعبانـاً ومـن كلمة الذئـب إذ الذئـب ظلـم؟
قلت: الذي ردت له شمس الضحى وخاطبتـه بلســان منعجــم
قال: فعند الحوض من يسقي الورى؟ قلت: علي فهو يسقي مـن قـدم
قال: فما العين وفيـم صـورت قلت: هو العيـن علـي فابتسـم
قال: وما الأذن وعت عن ربها؟ قلت: هو الأذن وعت بلا صمم
قال: وما لجنب ومـا تفصيلـه؟ قلت: هو الجنب وحبل المعتصم
قال: فما الفلك المنجـى أهلهـا؟ قلت: هو الفلك وأسبـاب النعـم
فقال لي: من ذا فدتك مهجتـي؟ قلت له: ذاك الإمـام المحتـرم
ذاك علـي حجـة اللـه علـى من خلق اللـه وشاهـد الأمـم
وهي طويلة، وله كثير أمثالها. توفي في حدود سنة ثلاثمائة وأربع عشرة من الهجرة، رحمه الله.

نصر بن المنتصر الدؤلي، أبو مقاتل

كان كاتباً أديباً شاعراً، ذكره ابن النديم في الفهرست وذكره أن شعره خمسون ورقة، ولم أقف من شعره إلا على ما نظمه في الأئمة عليهم السلام فقد أخرج له
748
ابن شهر آشوب جملة وافرة في المناقب، فمن شعره قوله في قصيدته المقصورة التي مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم ثم انتقل لمدح الوصي عليه السلام:
من قاتل الجن على الماء ومـن ردت له الشمس فصلى وسـرى
من خاطب الحيتان لما بـرزت مذعنـة يـوم الفـرات بالـولا
من زجر الماء ففـاض طائعـاً لأمره من بعد ما كـان طغـى
من عبر الجيش على الماء ولـم يخـش عليـه بلـل ولا نـدى
ومن حوى علـم الكتـاب كلـه علم الذي يأتي وعلم ما مضـى
وهي طويلة منشورة في المناقب، وله غيرها.

توفي سنة ثلاثمائة وخمس وعشرين.
749

حرف الهاء

الهادي بن أحمد بن الحسن النحوي الحلي، أبو محمد الرضا النحوي

كان فاضلاً أديباً بارعاً، وشاعراً حسن الشعر مقله، حلو الانسجام، بديع النظام، سكن النجف مدة ثم عاد إلى الحلة، فمن شعره قوله:
لمن الضعائن في اليباب المقفـر واصلن بين سرى وطول تهجر
من كل وافرة الحجاب مصونـة للحي من فرط الحيا لـم تسفـر
لاحت وماست بينهـم وتطلعـت كالبدر أو كالغصن أو كالجـؤذر
ومن شعره في المذهب، قوله مسمطاً أبيات البرسي الذي سمطها أخوه:
بنو أحمد قد فاز من يرتضيهـم أئمـة حـق للنجـا يرتجيهــم
وطوبى لمن في هديهم يقتفيهـم (هم القوم آثـار النبـوة فيهـم
تلوح وآثار الإمامة تلمع)
هم وسموا للدين واضح وسمـه وفاز الهدى منهم بوافـر قسمـه
كواكب دين اللـه أقمـار تمـه (مهابط وحي الله خـزان علمـه
وعندهم سر المهيمن مودع)
قضى لهم الرحمـن أن يتقدمـوا على كل ذي علم فهم منه أعلـم
فما أحد يدري سواهـم فيحكـم (إذا جلسوا للحكم فالكـل أبكـم
وإن نطقوا فالدهر أذن ومسمع)
فهم لفؤادي والحشاشـة موئـل وليـس لـودي عنهـم متحـول
إذ وعدو ذا الكرب قد زال كربه وإن أوعدوا فالخطب قد زاد خطبه
وإن حاوروا فالخصم قد طار لبه (وإن حاربوا فالدهر يخفق قلبـه
لسطوتهم والأسد في الغاب تفزع)
750
بيمنهم نوح على الفلك قد جرى وهم من موسى إذ أجيب. . . . . .
وهم شرعوا نهج السماحة والقرى (وإن ذكر المعروف والجود في الورى
فبحر نداهم زاخر يتدفع)
لهم نسب في قنة الفخر قد رقى إلى فخرة طرف النجابة حدقـا
حكى فلق الاصباح نوراً ورونقاً (فيا نسباً كالشمس أبيض مشرقا
ويا شرفاً من هامة النجم أرفع)
فلولاهم أخنى على المجد طمسه وختـم عليـه للقيامـة رمسـه
بهم عاد للمجد الموئـل غرسـه (أبوهم سماء المجد والأم شمسه
نجوم لها برج الجلالة مطلع)
فيا فوز معمود له الحب متجـر بمن فاق بدر التم من حيث ينظر
وأزرى لهم بالمسك خيم ومخبر (فمن مثلهم إن عد في الناس مفخر
أعد نظراً يا صاح إن كنت تسمع)
مغاوير شوس والإلـه بغيرهـم بها ليل غر عز من يستجيرهـم
مساميح وهابون عذب نميرهـم (ميامين قوامون عز نصيرهـم
هداة ولاة للرسالة منبع)
مواريث علم منهج الرشد سبلهم وحكام عدل قوم الزيـغ عدلهـم
قضى جودهم أن لا ينافس بذلهم (فلا فضل إلا حين يذكر فضلهم
ولا علم إلا علمهم حين يرفع)
فليس لندبي سامع غيـر ندبهـم فهل عطفه كيما أعـد بحزبهـم
فهذا ولائي تابـع إثـر ركبهـم (ولا عمل ينجي غداً غير حبهم
إذ قام يوم البعث للخلق مجمع)
ولائهم أضحى إلى الفوز قائـدا ووجهته قبلى إلى الخلـد رائـدا
751
فيا خسر من أمسى عن الود حائدا (ولو أن عبدا جاء للـه عابـدا
بغير ولا أهل العبا ليس ينفع)
منحتكم ودي برغم مـن العـدى وغالطت من أضحى عليكم مفندا
فمن غيركم طرفي حالـه غـدا (فيا عترة المختار يا راية الهدى
إليكم غداً في موقفي أتطلع)
فرفقـاً بعبـد وامـق متــودد أسير خطايا رهن ذنـب مقيـد
أقيلوا عثاري واشفعوا لي في غد (خذوا بيدي يا آل بيـت محمـد
فمن غيركم يوم القيامة يشفع)
وقوله في مرثية للحسين عليه السلام طويلة أوله:
هذي الطفوف فسلها عن أهاليها وسح دمعك في أعلـى روابيهـا
ومدها بدم الأجفـان إن نفـدت دموع عينيك أو جفـت مآقيهـا
وقف على جدث السبط الشهيد وقل سقاك رائحها من بعـد غاديهـا
فديت بالروح مني أعظماً سكنت ذيالك الرمس في نائي مواميهـا
لهفي لناءٍ عن الأوطان منتـزح عليه سدت من الدنيـا نواحيهـا
ثوى قتيلاً بشط الغاضرية ظمـآ ن الفؤاد فلا ساغـت مجاريهـا
ولا تعاهدها الوسمي إذ هطلـت بجانبيها السواري كـي ترويهـا
إذ حل فيها سليل المصطفى فغدت عليه منفـرداً شتـى عواديهـا
خلواً عن النصر يدعو لا مجيب له سوى حدود شفار من مواضيهـا
من بعد ما تركت بالرغم نجدتـه كأنها في رباها مـن أضاحيهـا
تسابقت للفنا فـي ذات سيدهـا واستبدلت بجوار عنـد باريهـا
ما ضرها بز أثـواب وأرديـة والله من حلل الرضوان كاسيهـا
أفدي جسوماً على الرمضاء قد كسيت أكفان ترب أكف الريح تسديهـا
752
فيا لها وقعة بالطف ما ذكـرت إلا وقد بلغت روحـي تراقيهـا
للـه أي شمـوس ذر شارقهـا فأظلمت بعدها الدنيا ومـا فيهـا
لله أسد أقيمـت عـن فرائسهـا ريا الأظافر بالأشـلاء داميهـا
لله كم سيـد قـام الوجـود بـه ملقىً على الأرض ضاح في ضواحيها
لو شاء عطل للأفلـاك دائرهـا وكور الشهب من أعلى مجاريها
يا أعبداً فتكت جهـراً بسادتهـا بئس العبيد الأولى خانت مواليها
تلك الدماء الزواكي الطاهرات لقد بردتم بربـى الآكـام جاريهـا
غيبتم في الثرى أنوارهـا حنقـاً والله من نوره قد كـان مبديهـا
أخمدتم ذكرهـا واللـه خالقهـا قد زادها في صريح الذكر تنويها
أقعدتم المجد في إزهاق أنفسهـا وقد أقمتم ليوم الحشـر ناعيهـا
أوسعتم كبد المختار جرح أسـى وقرحـة بحشـاه عـز آسيهـا
سجرتم مهجة الكـرار حيـدرة بقادح من زناد الوجـد يوريهـا
أودعتم قلب بنت المصطى حرقاً مشبوبة لا يبوح الدهر حاميهـا
أورثتم الحسن الزاكي لهيب لظى بين الجوانح كف البيـن تذكيهـا
أضرمتم بفؤاد الدين نار شجـىً إلى القيامـة لا يخبـو تلظيهـا
حملتم كاهل الإسلام عبء جوى تنهد من حمل أدنـاه رواسيهـا
أجريتم دمع عين المكرمات دمـاً فليس يرقى على الأيام جاريهـا
فقبة المجد زعزعتـم جوانبهـا وقنة الفخـر صوبتـم أعاليهـا
تباً لرأي بني حرب لقد تعسـت منها الجدود وقد ضلت مساعيها
أما رعت ذمم المختـار جدهـم ألم يكن لطريق الرشـد هاديهـا
ألية بالهدايا المشعـرات ضحـىً بين المشاعر قد دانت هواديهـا
إن المنابر لـولا سيـف والـده لم ترق يوماً ولا شيدت مراقيها
753
وإن غرة هذا الدين ما اتضحـت ولا جلت عن طريق. . . . داجيها
فيا لها نكسة للدين قد عرضـت على المدى ليس يرجى برؤه فيها
ما عذر أرجاس هند يوم موقفها والمصطفى خصمها والله قاضيها
ما عذرها لا رعاها الله قد خفرت منها الذمام ولحت فـي تعديهـا
يا آل أحمد يا من محض ودهـم فرض على الخلق دانيها ونائيها
يا سادتي أنتم سفن النجـاة بكـم قد أنزل الله (باسم الله مجريهـا)
خذوا إليكم أيا أزكى الورى نسباً عذراء تمرح دلاً فـي قوافيهـا
أمت إلى ربعكم تسعى على خجل قد جاء طائعها يقتـاد عاصيهـا
هادي بن أحمد قد أهدى لكم مدحا إن الهدايا على مقـدار مهديهـا
صلى عليكم إله العرش ما بزغت شمس النهار وجلى البدر داجيها
وهي طويلة، وله غيرها.

توفي رحمه الله في الحلة سنة ألف ومائتين وخمس وثلاثين بالحلة، ودفن بالنجف مع أبيه وأخيه رحمهم الله.

هاشم بن حردان الكعبي الحويزي المعروف بالحاج هاشم

كان أديباً شاعراً بارعاً قوي الأسر، شديد العارضة، جزل اللفظ والمعنى، رقيق المقاصد، منسجم التركيب سهله، مقتدراً في فنون الأغراض، متصرفاً بالمطالب، مشبع الشعر من الحكم والأمثال، مقرباً عند ملوك البصرة، محترم الجانب، له ديوان أكثره في الأئمة عليهم السلام، فمن شعره قوله:
بنفســي البــارع الحســن المقيـم لصبوتــي الحجــة
ثـوى قلبــي ولكــن قــد أثـار بـه الهــوى عجــه
754
رمــاه بسهـــم ناظـــره فأشجــاه كمـــا شجـــه
ضــرورة حسنــه أغنــت عــن البرهــان والحجــة
ومــا للمدعــي دعـــوى لهــا وجــه وإن وجـــه
جفــون للحمــى ترنـــو وبيـن يديـه لــي مهجــه
فهــذي حرهـــا نـــار وتلــك مسيلهــا شجـــه
وقوله:
وددت بزعمي أن في الود راحة ولـم أن الـود غايتـه الهلـك
عشقت فلم أعلم فلمـا استرقنـي علمت ولكن حيث لا يمكن الفك
وقوله:
ما ذقت لذة ساعـة مـن قربـه إلا ونغصهـا بروعـة بينــه
عين الغـزال بصـده ونفـاره وابن الغـزال بجيـده وبعينـه
لم يلوي غيري في معاملـة لـه أبداً ويلـوي ذا الغـرام بدينـه
ومن شعره في المذهب مقصورته التي تنيف على المائتين والخمسين يذكر في أولها حكماً وأمثالاً، وفي وسطها حماسة، وفي آخرها مديح أهل البيت عليهم السلام واحداً واحداً، وأوله:
يا بارقاً لاح على أعلى الحمـى أنت أم أنفاس محـروق الحشـا
وله في رثاء الأئمة عليهم السلام ما يناهز الأربعين قصيدة وكلها محفوظة، وجملة منها مطبوعة في مجموعة الدر النضيد، وفي آخر الكشكول للشيخ يوسف، فمن محاسنها قوله من قصيدة أوله:
أرأيت يومـاً تحملتـك الفـودا من كان منا المثقـل المجهـودا
حملتنا الغصن الرطيـب وورده وحملت فيـك الهـم والتسهيـدا
فلئن أبحـت تجلـدي فلطالمـا ألفيتني عنـد الخطـوب جليـدا
755
أو رحت تنكر صبوة قامت على إثباتها فـرق النحـول شهـودا
فلقبلما التزم العناد القوم الأولـى جحدوا عليـاً يومـه المشهـودا
أخذوا بمطروق الشراب وجانبوا عذباً يميـر الوارديـن بـرودا
مصباح ليلتها صبـاح نهارهـا يمنى نداهـا تاجهـا المعقـودا
مطعامهـا مطعانهـا مصداقهـا مقدامهـا ضرغامهـا المعهـودا
ضلت قريش كم تقيـس بسابـق الحلبات ملطوم الجبيـن مـذودا
يا صاحب المجد الـذي لجلالـه عنت السرايا مبغضـاً وعنيـدا
لك عـز أفعـال إذا استقريتهـا أخذت علـي مفـاوزاً ونجـودا
أنى تشق غبار شـأوك معشـر كنت الوجود لهم وكنت الجـودا
يجنون ما غرست يداك قضيـة ألقت على شهب العقول خمـودا
أنى هم والخيـل ينشـر وقعهـا نفعاً تظن بـه السمـاء كديـدا
ومواقف لك دون أحمد جاوزت بمقامـك التعريـف والتحديـدا
فعلى الفراش مبيت ليلك والعدى تهوى إليـك بوارقـاً ورعـودا
فرقدت مثلـوج الفـؤاد كأنمـا يهدي القراع لسمعـك التغريـدا
رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى أو ما دروا كنز الهدى مرصودا
وغـداة بـدر وهـي أم وقائـع كبرت وما زالـت لهـن ولـودا
قابلتهـن فلـم تـدع لعقودهـا نظمـاً ولا لنظامهـن عقيــدا
فالتاح عتبة طاوياً بيميـن مـن يمنـاه أردت شيبـة ووليــدا
وقضية المهراس عن كثب وقـد عـم الفـرار أسـاوداً وأسـودا
فشددت كالليث الهزبر فلم تـدع ركناً لجيـش ضلالـة مشـدودا
وكشفتهم عن وجه أبلـج ماجـد لم يعـرف الإدبـار والتغريـدا
وعشية الأحـزاب لمـا أقبلـت كالسيـل مفعمـة تقـود القـودا
756
عدلت عن النهج القويم وأقبلـت حلف الضلـال كتائبـاً وجنـودا
فأبحت حرمتها وعدت بكبشهـا في القاع تطعمه السبـاع حنيـدا
وبني قريضة والنضير وسلعـاً والوادييـن وخثعمـاً وزبيــدا
مزقت جنـد نفاقهـم فتركتهـم أمماً لعاريـة السيـوف غمـودا
وعلى حنين أين يذهـب جاحـد لمـا ثبـت بـه وراح شريـدا
ولخيبـر خبـر يصـم حديثـه سمع العـدى ويفجـر الجملـودا
فلقيتهـا وعقلـت فارسهـا ولا عجب إذا افترس الهزبر السيدات والسادة
ويل أمة أيظنك الرجـل الـذي ولى غداة الطعن يلـوي جيـدا
فحديث أهل النكث عسكر عسكرا بهم البهيمة جندهـا المشحـودا
لاقاك فارسهـا فيغـدو هاربـاً لو كان محتوم القضـا مـردودا
وعلى ابن هند طار منك بأشيـم يوم غدا لبنـي الـولاء سعـودا
حتى إذا اعتقد الفتى ورأى القنـا مذ رأيت ورأى الحسـام حديـدا
رفع المصاحف لا يرفعها عـلاً لكن ليخفـض قدرهـا ويكيـدا
فجنى بها ثمر الأمـان وخلفـه يوم يجرعـه الشـراب صديـدا
وكذاك أهل النهر ساعة فارقـوا بفراقهـم لجلالــك التأييــدا
فوضعت سيفك فيهـم فأفادهـم تلفـاً فديتـك متلفـاً ومفيــدا
ما أنصفتك عصابة جهلتـك إذ جعلت لذاتك في الوجـود نديـدا
ثم استرسل فيها ما شاء، ثم رثى الحسين عليه السلام بما يذيب قلب الصخر، لهذه الألفاظ المندفعة كالسيل، والقصيدة تناهز المئتي بيت.

ومن محاسنه في رثاء أمير المؤمنين عليه السلام قوله:
ألم يعلم الجاني على الليث أنـه أتى الليث في محرابه وهو ساجد
ولو جاءه من حيث ما الليث مبصر لخانته عن حمل السلاح السواعد
757
لقد فل في ذاك الحسـام مهنـداً تفل بماضي شفريتـه الشدائـد
وقوله:
فديت قتيلاً من حسام ابن ملجـم بنفسي وما أهوى وما ملكت يدي
علياً أمير المؤمنين وخيرا مـن أشارت إليه بالعلى كف سـؤدد
أخا النص والسبق القديم إلى الهدى وهادي الورى بعد النذير محمـد
فشلت يد الجاني عليه أمـا درى غداة أصابت قلب كـل موحـد
أضاعت غنى العافي وكنز الهدى الباقي وطود العلا الراسي وكف الندى الندي
فتىً شيد الإسلام في كل موقف وشد عرى الإيمان في كل مشهد
فتىً كالحيا في السلم والحتف في الوغى وكيوان في الهيجاء والبدر في الندي
وفي رثاء الحسين عليه السلام قوله:
بانـت علـي مـع العــوادي لوامــة خلـــو الفـــؤاد
وغــدت تطيــل ملامتــي يـا مـي كـم هـذا التمـادي
واهـاً لهــا لمــا رأتنــي مطرقــاً قلــق الوســـاد
يا مـي صبـري فـوق مقـدو ري فخلـي عــن عنــادي
ظننـت صلاحــي بالسلــو وكـان لـي عيــن الفســاد
مــا للخواطــر والسلـــو وللنواظــــر والرقــــاد
قـد كنـت أجــدر بالسلــو لـــو أن زاد أميـــم زادي
جهــل يطالــب سلـــوة مـن ظاهـر الأحـزان بـادي
لفــؤاده جمــر الغضـــا ولجنبــه شــوك القتـــاد
ولجفنــه مــاء الدمـــوع فرائــح منهــا وغـــادي
مـا بعـد يـوم ابـن النبــي سـوى المدامــع والسهــاد
والثكــل والويــل الطــو يـل ولبـس أثـواب الســواد
758
يـا راحـلاً نحــو المدينــة قاصــداً خيـــر البلـــاد
قــل للنبــي المصطفـــى يـا خيـر مبعـوث وهــادي
هـذا الحبيـب معفـر الخــد يـن فــي عفــر المهــاد
شلــواً تــرض ضلوعــه بحوافــر الخيــل الصلــاد
قـل للجيــاد عســى درت لا أم للخيـــل الجيــــاد
أشـلاء مـن قــد وزعــت بالركـض فـي تلـك الوهـاد
قــل للمطهــرة البتـــول وأمهــــا ذات الســــداد
تأتــي الحسيــن بكربــلا ملقــىً تكفنــه البـــوادي
تأتــي معلـــى الـــرأس فوق الرمح مقطـوع الهـوادي
تأتـي إلـى الصـدر المكسـر حطمتــه يــد العـــوادي
تأتـي البـدور التــم كيــف عـدا بهـا للتــرب عــادي
تأتـي البحـور الفعـم كيــف تزايلـت ظمــأى صــوادي
تأتي السحـاب الجـون تستقـي الثــرى رشــح الثمـــاد
تأتـي الهـدى والمجـد ساعـة ألبســا حلـــل الحـــداد
تأتـي السوابـق عـدن مــن ثكــل مطأطــأة الهــوادي
تأتي السوابـغ كيـف أضحـت والصــوارم فــي اتحــاد
تأتي الأسـود الصلـب كيـف تقودهــا بقــر الســـواد
تأتـي شريعـة جـده البيضـا ء لابســــة الســـــواد
تأتـي الـدم المسفــوح قــد صبـغ الثـرى صبـغ الجسـاد
تأتـي الأسـارى مــا لهــا مـن عقـدة الأعـداء فــادي
تأتـي المصفـد فـوق قتــب الرحـل مغلــول الأيــادي
يــا للرجـــال لخطـــة دهمــاء حالكــة الســواد
759
لا شمـــس تجلوهـــا ولا تنجــاب ظلمتهــا بهــادي
فمــن المرجــى بعدهـــم يـا قـوم للكــرب الشــداد
قــد صـــوح الـــوادي وأظلم حيـن غابـوا كـل نـاد
مــن للمحافــل للجحافــل للنوافــــل للأيـــــادي
للسابقــــات يجيلهــــا شعثـاً تشـذب فـي الطــراد
للوقعــة الشنعــاء طبــق وقعهــا سمــت البلـــاد
للبيــض تقــرع بالمـــوا ضـي تحـت قسطلـة الحـداد
للحـرب ساعـة ليــس يــد عـى غيـر ممتـط النجــاد
للجـود حيــن كبــا غــذ يـات النــدى واري الزنــاد
للخطــب ساعــة طبـــق الدنيــا بداهيـــة تـــآدي
للفيـض فـي قحـم السنيــن غــداة ضنــت بالعهـــاد
للمجــد يجمـــع شملـــه مـن بعـد صرختــه بــداد
لكفالــة الأيتــام [أحــوط مـــن أب وأخ جــــواد]
[للموسريـــن غــــداة لا] منــا ولا فــاد يفـــادي
للملــة الغــراء لا تنفعــك فــي ســـوق الكســـاد
هيهـات لا يرجــى انحــلا ل الخطـب مـن بعـد انعقـاد
لا مــن يصــد النازلــات ولا عــن العليــا بصــاد
كـان الحسيـن وقـد مضــى فليهنهــا نيــل المـــراد
يـا بـؤس حــظ المستفيــد عقيــب حــظ المستفـــاد
وهي طويلة.

توفي سنة ألف ومائة وإحدى وثلاثين، رحمه الله تعالى.

همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن

760

محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، أبو فراس التميمي الدرامي

كان أحد الشاعرين اللذين يقال فيهما أشعر المخضرمين، ويختلف بتفضيل أحدهما، وثانيهما جرير.

وكان من سروات العرب وأشرافهم.

دخل أبواه على أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة ومعه ابنه الفرزدق وهو غلام، فسأله أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: غالب، فقال: ذو الإبل الكثيرة! أين إبلك؟ قال: ذعذعتها يا أمير المؤمنين الحقوق، قال: ذلك أحمد سبلها، ومن هذا الذي معك؟ قال: ابني وقد رويته يا أمير المؤمنين الشعر، فقال عليه السلام: لو علمته القرآن لكان خيراً لهو قال الفرزدق: فما زالت كلمته في نفسي حتى قيدت نفسي وحفظته.

ومن شعره يمدح أباه غالباً قوله:
وركب كأن الريح تطلب عندهـم لها ترةً من جذبهـا بالعصائـب
سروا يخبطون الليل وهي تلفهـم على شعب الأكوار من كل جانب
إذا أبصروا ناراً يقولون: ليتهـا وقد خصرت أيديهم، نار غالـب
وهذه الأبيات أنشدها لسليمان بن عبد الملك حين استنشده شعراً فأحفظته، فالتفت إلى نصيب الشاعر، فقال له نصيب: ألا أنشدك على رويها؟ قال: هات، فأنشده قوله:
أقـول لركـب قافليـن لقيتهـم قفا ذات أو شال ومولاك قارب
قفوا خبروني عن سليمان إننـي لمعروفه من أرض ودان طالب
فعاجوا فأثنوا بالذي أنـت أهلـه ولو سكتوا أثنت عليك الحقائـب
761
فقال سليمان للفرزدق: كيف تراه؟ قال: هو أشعر أهل جلدته، ثم نهض وهو يقول:
فخير الشعـر أكرمـه رجـالاً وشر الشعـر مـا قـال العبيـد
ومن شعره، قوله وهو بالمدينة الطيبة النبوية:
هما دلياني مـن ثمانيـن قامـة كما انقض باز أقثم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا: أحي فيرجى أم قتيـل تحـاذره
فقلت: ارفعوا الأسباب لا يشعروا بنا وافلت في أعجاز ليـل أبـادره
فلما بلغت الأبيات جريراً قال:
لقد ولدت أم الفـرزدق فاجـراً فجاءت بوزار قصيـر القـوادم
يوصـل حبليـه إذا جـن ليلـه ليرقـي إلـى جاراتـه بسلالـم
تدليت تزني من ثمانيـن قامـة وقصرت عن أوج العلى والمكارم
فلما بلغت أبياته الفرزدق قال:
وإن حرامـاً أن أسـب مقايسـاً بآبائي الغر الكـرام الخضـارم
ولكن نصفاً لو سببـت وسبنـي بنو عبد شمس من مناف وهاشم
أولئـك آبائـي فجئنـي بمثلهـم واعتد إن أهجـو كليبـاً بـدارم
واجتمع أهل المدينة وشكوه إلى واليها مروان بن الحكم فأمره بالخروج منها وأجله ثلاثاً فقال:
توعدنــي وأجلنــي ثلاثــاً كمـا وعـدت لمهلكهـا ثمـود
فكتب مروان إلى عامله بحده وسجنه وأعطاه الكتاب وأوهمه الجائزة، فخرج ثم ندم مروان فاتبعه بسفير ينشده:
قـل للفــرزدق والسفاهــة إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس
ودع المدينـة إنهـا مرهوبــة واقصد لمكة أو لبيـت المقـدس
762
ففطن الفرزدق ورمى الصحيفة وقال:
يا مـروان مطيتـي محبوسـة ترجو الحياء وربها لـم ييـأس
وحبوتنـي بصفيحـة مختومـة نكد عليـك صحيفـة المتلمـس
إلق الصحيفة يا فـرزدق إنهـا نكد عليـك صحيفـة المتلمـس
ثم هرب فمر بالحسن عليه السلام ثم الحسين عليه السلام، ثم عبد الله بن جعفر فأعطاه كل واحد منهم مائة دينار، فتوجه إلى البصرة. قال المرتضى في الدرر: ثم إنه تاب وحسنت حاله، ونزع في آخر عمره عما كان عليه من السب والقذف والفسق وراجع طريقة الدين، على أنه لم يكن في خلال ذلك منسلخاً عن الدين جملة، ولا مهملاً لأمره أصلاً، فقد كان حسن الوثوق بالله جداً، ورؤي آخر أيامه مقيداً ليحفظ القرآن، ورؤي متعلقاً بأستار الكعبة معاهداً الله تعالى على ترك الهجاء الذي يستعمله قائلاً في ذلك:
ألم ترني عاهدت ربي، وإننـي لبيـن رتـاج قائــم ومقــام
على حلفة لا أشتم الدهر مسلماً، ولا خارجاً من فـي زور كلـام
أطعتك يا إبليس سبعين حجـة، فلما انقضى عمري وتم تمامـي
فررت إلى ربي، وأيقنت أننـي ملـاق لأيـام الحتـوف أمـام
وله شعر في الموعظة كثير، وأخباره في الانزجار وافرة ذكرها المرتضى وغيره.

ومن شعره في المذهب قوله في علي بن الحسين عليه السلام حين حج هشام ابن عبد الملك في خلافة عبد الملك وهو حدث السن فأراد أن يستلم الحجر فلم يتمكن من ذلك لتزاحم الناس عليه، فجلس على كرسي ذهب ينتظر، فأقبل علي بن الحسين عليه السلام وعليه إزار ورداء، وهو أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم ريحاً، وبين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف البيت، فإذا بلغ الحجر تنحى
763
الناس له حتى يستلمه هيبة له وإجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه الناس، فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكني أعرفه، فقال: ومن هو يا أبا فراس؟ فقال: (هذا ابن خير عباد الله. . . إلى آخر الأبيات)، وهذه القضية هي التي نظمها الشيخ أحمد النحوي صدراً لهذه القصيدة وخمسها ابناه الرضا والهادي - كما تقدم - وخمس هذه القصيدة الفرزدقية جماعة، فمنهم السيد نصر الله الحائري، وأنا أنصها عليك بتخميسه تاركاً ما زيد عليها وخمسه، وذلك قوله:
هذا ابن من زينوا الدنيا بفخرهم وأوضحوا ديننا في صبح علمهم
وأخصبوا عيشنا في قطر جودهم (هذا ابن خير عباد اللـه كلهـم
هذا التقي النقي الطاهر العلم)
هذا الذي ضمن القرآن مدحتـه هذا الذي ترهب الآساد صولتـه
هذا الذي تحسد الأمصار راحته (هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم)
هذا ابن من قط لم تحجب فضائلهم من ذا يفاخرهم من ذا يساجلهـم
هذا ابن من عم كل الناس نائلهم (إذا رأته قريش قـال قائلهـم:
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم)
كالبدر يزهر والظلما قد اعتكرت كالغصن يهتز إذ ريح الثنا خطرت
كالطود يثبت والأرماح قد شجرت (ينمي إلى ذروة العز التي قصرت
عن نيلها عرب الإسلام والعجم)
هذا الذي فاق قساً في فصاحتـه وفاق حاتم طي فـي سماحتـه
فهل درى البيت من يمشي بساحته (ويكاد يمسكه عرفـان راحتـه
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم)
764
هذا الذي لم يماثل فـي نجابتـه هذا الذي فاز من يحظى بطاعته
إذا أتى نحوه العانـي بحاجتـه (يغضي حياءً ويغضي من مهابته
فلا يكلم إلا حين يبتسم)
برغم مبغضـه الرحمـن كملـه وبالبهـاء وبالأنــوار جللــه
وهو الذي لم يخب من كان آمله (من جده دان فضل الأنبياء لـه
وفضل أمته دانت له الأمم)
قد شابه البحر إلا فـي مذاقتـه وشاكل الليث إلا فـي قساوتـه
إذا غدا الليل يرخي سجف ظلمته (ينشق نور الدجى عن نور طلعته
كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم)
هذا الذي فاقت الأقمـار طلعتـه هذا الذي ألسن التنزيـل تنعتـه
من ليس ترقى لخوف الله دمعته (مشتقة من رسول اللـه نبعتـه
طابت عناصره والخيم والشيم)
هذا الذي لم يحاك البحـر نائلـه هذا الذي فخم البـاري فضائلـه
وشابه الزهر الزاهـي شمائلـه (هذا ابن فاطمة إن كنت جاهلـه
بجده أنبياء الله قد ختموا)
ساد البريـة والرحمـن أنزلـه منه منازل قـدس حيـن بجلـه
فلا تسلنـي مريـداً أن افضلـه (اللـه شرفـه قدمـاً وفضلـه
جرى بذاك له في لوحة القلم)
في حسن باطنه مع حسن ناظره قد فاق وهو فريد فـي مفاخـره
ففضله ليس ذو عقـل بناكـره (فليس قولك من هـذا بظائـره
العرب تعرف من أنكرت والعجم)
هذا الذي قدره فوق السماء سما هذا الذي لم يزل بالمجد متسمـا
765
يمينه لم تزل تهمي لنـا كرمـاً (كلتا يديه غيـاثُ عـم نفعهمـا
يستوكفان فلا يعروهما عدم)
مفخّم كل من الـأرض شاكـره مكرّم خالـق الأكـوان ناصـره
مهذب مـا لـه مثـلٌ يناظـره (سهل الخليقة لا تخشى بـوادره
يزينه اثنان حسن الخلق والشيم)
من معشر عن عظيم الجرم قد صفحوا حسّاده قط ما فازوا ولا ربحـوا
وقومه في بحار الجود قد سبحوا (حمّال أثقال أقـوام إذا فدحـوا
حلو الشمائل تحلو عنده نعمُ)
من هيبة الله قد شقّـت مهابتـه لذلك ترهب يوم الحرب صولته
قد أنشأت سحب الإفضال راحته (لا يخلف الوعد ميمون نقيبتـه
رحب الفنا أريب حين يعتزم)
له الفضائل في الدارين قد جمعت ومن محيّاه شمس اليمن قد طلعت
وراية الجود في كفّيه قد رفعـت (عمَّ البريّة بالإحسان فانقشعـت
عنها الغياهب والإملاق والعدم)
مبجَّل من أنـاس عـزَّ جارهـم قوم سمت فوق هام النجم دارهم
قد فاق في سائر الآفاق مدحهـم (من معشر حبُّهم فرض وبغضهم
كفرٌ، وقربهم منجى ومعتصمُ)
من معشر أوضح الباري محجّتهم وأوثق الله في القـرآن حجّتهـم
ولم يزل قارناً بالصدق لهجتهـم (إن عدَّ أهل التقى كانوا أئمتهـم
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم)
المؤمنون جميعاً تحـت رايتهـم قد أبصروا بصباح من هدايتهـم
وقد رعوا في رياض من رعايتهم (لا يستطيع جواد بعـد غايتهـم
766
ولا يدانيهم قوم وإن كرموا)
أفعالهم بالتقى والرشد قد وسمت هاماتهم قد علت فوق السما وسمت
بين الندى والوغى أيامهم قسمت (هم الغيوث إذا ما أزمة أزمـت
والأسد أسد الشرى والبأس محتدمُ)
لا يثمر الرشد إلا غصن هديهـم لا يطلع السعد إلا أفـق مدحهـم
لا يذبح الفقر إلاّ سيـف بذلهـم (لا ينقص العسر بسطاً من أكفّهم
سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا)
قد طرزوا حلل العليـا بفخرهـم وانقاد كل أخـي عـزّ لعزهـم
قوم إذا طرقـت أبوابنـا النقـم (يستدفع السوء والبلوى بحبِّهـم
ويسترب به الإحسان والنعمُ)
يجري بأمر إله الخلـق أمرهـم مسلّم عند كلّ النـاس فخرهـم
بذكرهم صدع القـرآن أمرهـم (مقدّم بعد ذكـر اللـه ذكرهـم
في كلّ بدءٍ ومختوم به الكلمُ)
لو تمح شمس الضحى يوماً صباحتهم كلاّ ولا حاز ذو حلم رجاحتهـم
ترى حواسدهم تبـدي مداحتهـم (يأبى لهم أن يحلّ الذم ساحتهـم
خيمٌ كريمٌ وأيدٍ بالندى هظمُ)
قد طوّقوا الناس طرّاً في نصابهم وقد سقوها بمروٍ مـن سحابهـم
هم هم خير خلق فـي نصابهـم (أي الخلائق ليست في رقابهـم
لأوليّة هذا أو له نعم)
هذا الذي فيه سيف الحقّ قد شحذا هذا الذي من هواه لم يصبه أذى
ومن يعاديه في النيران قد نبـذا (من يعرف الله يعرف أوليّـة ذا
فالدين من بيت هذا ناله الأممُ)
767
فلما أنشدها غضب هشام وأمر بحبسه بعسفان بين مكة والمدينة، بلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام، فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، وقال: إعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا غيرها في هذا الوقت لوصلناك بها، فردها الفرزدق وقال: يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضباً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ما كنت لأرزء عليه شيئاً، فردها عليه وأقسم عليه بالله في قبولها وقال: قد رأى الله مكانك، علم نيتك، وشكر لك، ونحن أهل البيت إذا أنفذنا شيئاً لم نرجع فيه فقبلها، وجعل الفرزدق يهجو هشاماً في الحبس، فمما هجاه به قوله:
أيحبسني بيـن المدينـة والتـي إليها قلوب الناس يهوى منيبهـا
يقلِّب رأساً لم يكـن رأس سيِّـد وعيناً له حـولاء بـادٍ عيوبهـا
حتى أطلقه.

توفي الفرزدق في البصرة سنة مائة وعشر أو إحدى عشرة، ودفن بالمربد، رحمه الله ورضي عنه وأرضاه بمنه وكرمه.
768

حرف الواو

الورد بن زيد الأسدي، أخو الكميت الأسدي

كان شاعراً، وفد على أبي جعفر الباقر عليهما السلام ومدحه، فمن شعره قوله من قصيدة فيه أوله:
كم جزت فيك من أجواز وإيقاع فأوقعت بي من قاع إلـى قـاع
يا خير من حملت أنثى ومن وضعت أبداً إليك غدا سيري وانصياعي
أما بلغتـك نيـلاً نـال بالغـه بنا إلى غاية يسعى لها الساعـي
من معشر شيعة للـه ثـم لكـم صور إليكـم بالصبـا وأسمـاع
دعاه أمر ونهـي عـن أئمتهـم يوحي بها منهم داعٍ إلى داعـي
يقول فيه:
من الوليـد لسامـرا إذا بنيـت يبدو كمثل شهاب الليـل طلـاّعِ
حتى إذا قذفت أرض العراق به إلى الحجـاز أناخـوه بجعجـاعِ
وغاب سبتاً وسبتاً مـن ولادتـه مع كل ذي جوب للأرض قطّاع
لا يسامون به التجواب قد تبعوا أسباط هارون كيل الصاع بالصاع
شبيه موسى وعيسى في مغيبهما لو عاش عمراً بها لم ينعه نـاعِ
. . . . . . النقباء المسرعين إلى موسى بن عمران كانوا خير سرّاعِ
أو كالعيون التي يوم العطا انفجرت فانصاع منها إليه كل منصـاع
إني لأرجو لـه رويـاً فأدركـه حتى أكون له من خبـر أتبـاع
بذاك أنبأنا الراوون عـن نفـر منهم ذوي خشيـة للـه طـوّاع
روته عنكم رواة الحق إذ شرعت آباؤكـم خيـر آبـاء وشـرّاع
وهي طويلة، رواها في المقتضب، وفيها من ذكر سامرا قبل كونها ما يعجز. توفي في حدود (مائة وأربعين من الهجرة)، رحمه الله.
769
وهب بن زمعة بن أسيد بن أحيحة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، أبو دهبل الجمحي كان من أشعر قريش، وممن جمع إلى الطبع التجويد، وكان هو صاحب الأبيات التي يصف بها ناقته ويقول [من الطويل]:
وأبرزتها من بطن مكـة بعدمـا أصات المنادي بالصلاة فاعتمـا
فذيلها الشريف المرتضى وقلبها إلى صفة امرأة إجابة لسؤال بعض فقال:
فطيب مراها الحجون وضـوأت بإشراقها بين الحطيـم وزمزمـا
فيا رب إن لقيت وجهـاً تحيـة فحيّ وجوهـاً بالمدينـة سهّمـا
في أبيات، وذيلها جماعة بعده. ومن شعره الذي أعجب به أبو عمرو بن العلاء قوله [من الكامل]:
يا عمـر حـمَّ فراقكـم عمـراً وعزمت منـا النـأي والهجـرا
يا عمرو شيخك وهو ذو شرف يرعي الذمار ويكـرم الصهـرا
واللـه مـا أحببــت حبكــم لا ثيبـاً خلفــت ولا بكــرا
إن كان هذا السحر منـك فـلا ترعى علـيَّ وجـددي السحـرا
أحـدى بنـي أود كلفـت بهـا حملـت بـلا تـره لنـا وتـرا
وتـرى لهـا دّلاً إذا نطقــت تركـت بنـات فـؤاده صغـرا
كتساقط الرطـب الجنـيّ مـن الأقنـاء لا نثـراً ولا نــزرا
ومقالـة فيكـم عركـت لهــا جنبـي أريـد بهالـك العـذرا
ومريـد سركـم عدلـت بــه عمّـا يحـاول معـدلا وعـرا
قالـت نقيـم لـه لنجـز بــه يومـاً فخيّـم عندنـا شهــرا
ما إن أقيـم لحاجـة عرضـت إلاّ لأبلــى فيكــم عــذرا
770
وإذا هممـت برحلـة جزعـت وإذا أقمنـا لـم نفــد نقــرا
إني لأرضى مـا رضيـت بـه وأرى لحسـن حديثكـم شكـرا
وقوله كما في الحماسة [من الطويل]:
هبوني امرءاً منكم أضل بغيـره لـه ذمـة إن الذمـام كبيــر
وللصاحب المتروك أعظم حرمة على صاحب من أن يضل بعير
عفا الله عن ليلى الغـداة فإنهـا إذا وليت حكمـاً علـيّ تجـور
أأترك ليلى ليس بينـي وبينهـا سـوى ليلـة إنـي إذاً لصبـور
ومن شعره في المذهب قوله في مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم [من الكامل]:
إن البيـوت معـادن فنجــاره ذهـب وكـل بيوتـه ضخــم
عقم النساء فمـا يلـدن شبيهـه إن النســاء بمثلــه عقــمُ
متهلـل بنعـم بـلا متباعــد سيّـان منـه الوفـر والعــدم
نزر الكلام من الحيـاء تخالـه ضمنـاً وليـس بجسمـه سقـم
وقوله وقد وقف على قبر الحسين عليه السلام يوم خرج مع سليمان بن صرد لأخذ الثأر [من الطويل]:
عجبت وأيام الزمـان عجائـب ويظهر بين المعجبات عظيمهـا
تبيت النشاوى من أميـة نومـاً وبالطف قتلى ما ينـام حميمهـا
وتضحى كرام من ذؤابة هاشـم يحكم فيها كيـف شـاء لئيمهـا
وتغدو جسوم ما تغذت سوى العلى غذاها على رغم المعالي سمومها
وربات صون ما تبـدت لعينهـا قبيل السبا إلا لوقـت نجومهـا
تقنعهـا أيـدي الهـوان كأنمـا تقحم ما لا عفـو فيـه أثيمهـا
وما ضيع الإسلـام إلا عصابـة تأمـر نوكاهـا ودام نعيمهــا
771
فصارت قناة الدين في كف ظالم إذا مال منها جانـب لا يقيمهـا
فخاض بها طخياء لا يهتدي لها سبيل ولا يرجو الهدى من يعومها
يجشمها ما لا يجشمـه الـردى لأودى وعادت بالنفوس جسومها
إلى حيث ألقاها ببيـداء مجهـل تضل لأهل الحلم فيها حلومهـا
رمتها بأرض ألطف منه عصابة حداها إلى هدم المكـارم لومهـا
فشنت بها شعواء في خير فتيـة تخلت لكسب المكرمات همومهـا
على أن فيها مفخراً لو توسمـت به الشمس لم تحجب سناها غيومها
أولئـك آل اللــه آل محمــد كرام تحدت ما حـداه كريمهـا
يخوضون تيار المنايـا ظوامئـاً كما خاض في عذب الموارد هيمها
يقوم به للحرب أبيـض ماجـد أخو عزمات أقعدت من يرومها
فأقسمت لا تنفك نفسي جزوعـة وعيني عبرى لا يجف سجومها
حياتي أو تلقـى أميـة خزيـة يذل بها حتى الممـات قرومهـا
وهي أكثر من هذه. توفي في حدود سنة خمس وثمانين من الهجرة، وله أخبار حسان في التراجم، لا سيما أخباره في الأغاني، رحمه الله.
772

حرف الياء

يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد البطريق الأسدي الحلي

كان من جملة العلماء الذين نالوا المفازة، ولبسوا من العلم والعمل عمته، وعطفوا عليها طرازه، وكان من مشايخ الإجازة، وله مصنفات منها: (العمدة) و (المستدرك) و (الخصائص) وغيها في المعقول والمنقول. وكان محباً لأهل البيت، حسن الشعر، لم أر له شعراً إلا فيهم عليهم السلام، فمنه قوله نقلته من المستدرك بخطه في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:
مديحك عندي واجب زاد قـدره طويل المدى شكري لديه قصيرُ
فإن كنت عن مدحي. . . . . . . . . فإنـي لمحتـاج إليـك فقيــرُ
أبا حسن إنـي بحبلـك ممسـك وأنت بما أرجوه منـك جديـرُ
تحكّم في سري وجهري ولـاؤه لأنـي بـه دون الأنـام حقيـر
وقوله في مدح فاطمة عليها السلام:
سليلة خيـر الأنبيـاء وزوجـة الوصي وأم للحسيـن وللحسـن
ومن زادها نور النبـوة رفعـة وسيدة النسوان بنـت. . . . . .
وقوله في. . . . .:
بـــأم سيـــدة النســـا ء ويهنـك المجــد المنيــف
فلــك التليـــد بأحمـــد وبفاطـم الشـرف الطريــف
وقوله في السجاد والباقر والصادق عليهم السلام:
هــو السجــاد إلاّ أن فيــه مشابـه مكرمـات مـن علـيّ
وباقر علمه الحسـن المصفـى شبيــه بالنبــي الأبطحــيّ
وصادقهم إمامهم الحـق أيضـاً نتيجـة عيبـة العلـم الوصـي
773
وقوله في الأئمة الإثني عشر عليهم السلام ويخص المهدي (عجل الله فرجه):
ساد الورى اثنى عشـر يقتـدى بأبـي وأمـي قـدوة الثقليــنِ
فلهم بثاني عشرهم فخر الـورى وله بهم شرف مـن الطرفيـنِ
وقوله في أبي طالب عليه السلام:
أبا طالب ما كان لولاك للهـدى هداة ومن يؤمن بنجلك يهتـدي
من يجتنب نهج الضلال ويتبـع سبيل الهدى في آل بيتك يقتـدي
كفلت رسول الله طفـلاً ويافعـاً وصدّقته في كل غيب ومشهـدِ
وله غير ذلك فيه وفي الخصائص المطبوعة. توفي سنة ستمائة من الهجرة. يحيى بن سلامة بن الحسن بن محمد، معين الدين، أبو الفضل الخطيب الحصكفي كان فاضلاً جامعاً مصنفاً أديباً مسترسلاً شاعراً بارعاً، نشأ بحصن كيفا فنسب إليها، وورد بغداد ثم نزل ميافارقين فسكنها، وله شعر حسن، ونسبه ابن خلكان إلى الشافعية ورماه بالتشيع، فمن شعره قوله في المراجعة:
وخليــع بـــتُّ أعذلـــه ويـرى عذلـي مـن العبــثِ
قلـتُ: إن الخمــر مخبثــةٌ قـال: حاشاهـا مـن الخبـثِ
قلـت: فالأرفــاثُ تتبعهــا قال: طيبُ العيش فـي الرفـثِ
قلت: منها القـيء، قـال: نعـمْ شرفت عـن مخـرج الحـدثِ
وسأجفوهـا، فقلـت: متــى؟ قال: عند السكون فـي الجـدثِ
وقوله:
أشكو إلى الله من نارين: واحـدة في وجنتيه وأخرى منه في كبدي
774
ومن سقامين: سقم قد أحلَّ دمي من الجفون، وسقم منه في جسدي
ومن نمومين: دمعي حين أذكره يذيع سرى، وواشٍ منه بالرَّصد
ومن ضعفين: صبري حين يهجرني ووده ويراه الناسُ طـوع يـدي
مهفهف رقَّ حتى قلت من عجبٍ أخصره خنصري أم جلده جلدي
وقوله في مغن رديء:
ومسمــــع غنـــــاؤه يبــدلُ بالفقـــر الغنـــى
شهدتــه فــي عصبـــةٍ رضيتهــم لـــي قرنـــا
أبصرتــه فلـــم تخـــبْ فراستـــي لمـــا دنـــا
وقلــت مــن ذا وجهـــه كيــف يكــون محسنـــا
ورمـــت أن أروح لـــل ظـــنِّ بـــه ممتحنـــا
فقلـــت مـــن بينهـــمُ هـاتِ أخــي غــنِّ لنــا
فانشــال منــه حاجـــبٌ وحاجــبٌ منــه انحنـــى
وامتــلأ المجلــسُ مـــن فيـــه نسيمـــاً منتنـــا
أوقــع إذ وقّـــع فـــي المجلــس أسبــاب العنــا
ومـا اكتفــى باللحــن وال تخليــطِ حتـــى لحنـــا
وصــاح صوتــاً نافـــراً يخـرج مــن حــدِّ البنــا
فـــذا يســـدّ أنفــــه وذا يســــدّ الأذنـــــا
فاغتظـت حتـى كـدت مـن غيظــي أبــثُّ الشجنـــا
وقلـتُ يـا قــومُ اسمعــوا أمّــا المغنِّـــي أو أنـــا
أقسمـــت لا أجلــــس أو يخـرجَ هــذا مــن هنــا
جـروا برجــلِ الكلــبِ إن السقــم هـــذا والضنـــا
قالــوأ: لقـــد رحمتنـــا وزلــتَ عنَّـــا المحنـــا
775
فحــزت فــي إخراجـــه راحــة نفســي والثنـــا
وحيــن ولّــى شخصـــه قــرأت فيهـــم معلنـــا
الحمـــد للـــه الـــذي أذهــب عنـــا الحزنـــا
في أبيات. ومن شعره في المذهب قوله أنشده في نسمة السحر:
أقوت مغانيهم فأقـوى الجلمـدُ ربعان كـل بعـد سكـن فدفـدُ
أسأل عن قلبـي وعـن أحبتـي ومنهـم كـل مقــرّ مجحــدُ
وهـل تجيـب أعظـم باليــة وأرسـم خاليـة مـن ينشــد
ليـس بهـا إلا بقايـا مهجــة وذاك إلاّ حجـــر ووتـــد
كأننـي بيـن الطلـول قائمــاً أنشدهـنّ الأشعــثُ المقلــد
صاح الغـراب فكمـا تحمَّلـوا أضحـى بهـا كأنــه مقيَّــد
لبئس ما اعتاضت وكانت قبل ذا ترفـع فيهـا ظبيـات خــرد
ليت المطايا للنوى مـا خلقـت ولا حـدا مـن الحـداة أحــد
رغاؤها وحدودهم مـا اجتمعـا للصـبّ إلاّ ونحــاه الكمــد
تقاسمـوا يـوم الـوداع كبـدي فليـس لـي منـذ تولـوا كبـد
على جفوني رحلوا وفي حشـاي نزلـوا ودمـع عينــي وردوا
وأدمعـي مسفوحـة وكبــدي مقروحـة وغلّتـي لا تبــرد
وصبوتـي دائمــة ومقلتــي داميــة ونومهــا مشــرد
تيّمنـي منهـم غـزال أغيــد يا حبـذا ذاك الغـزال الأغيـد
حسامـه مجــرَّد وصرحــه ممــرّدٌ وخــدّه مـــورّد
وصدعه فـوق احمـرار خـدّه مسلسـل معقــرب محــدّد
لـه قـوام كقضيــب بانــة تهتـزّ نضـراً ليـس فيـه أود
776
يقعـده عـن القيــام ردفــه وفي الحشى منه المقيـم المقعـد
أيقنت لما أن حدى الحادي بهـم ولـم أمـتْ أنَّ فـؤادي جلمـد
كنت على القرب كئيبـاً مغرمـاً صبّا فما ظنـك بـي إذ بعـدوا
هم الحيـاة أعرقـوا أم أشأمـوا أم أيمنوا أم أتهمـوا أم أنجـدوا
ليهنهـم طيـب الكـرى فإنـه من حظّهم وحظ عينـي السهـد
نعم، تولـوا بالفـؤاد والكـرى فأين صبـري بعدهـم والجلـد
لولا الضنا لهمـت وجـداً بهـم لكـن نحولـي بالغـرام يشهـد
لله مـا أجـور أحكـام الهـوى فمـا لمـن يظلـم فيـه يسعـد
ليس على المتلف غـرمٌ عندهـم ولا لمـن يقتـل عمـداً قــود
هل أنصفوا إذ حكموا أم أسعفوا من تيمّوا أم عطفـوا فأقصـدوا
بل أسرفـوا وظلمـوا وأتلفـوا من هيموا وأخلفوا مـا وعـدوا
يا سائلي عن حبّ أهل البيت هل أقـرُّ إعلانـاً بـه أم أجحــد
هيهات ممزوج بلحمـي ودمـي حبّهـم وهـو الهـدى والرشـدُ
حيـدرة والحسنــان بعــده ثـم علــي وابنــه محمــدُ
وجعفر الصادق وابـن جعفـر موسى ويتلـوه الإمـام السيـد
أعني الرضا ثـم ابنـه محمـد ثـم علـي وابنــه المســدد
والحسـن الثانـي ويتلـو بعـده محمـد بـن الحسـن المفتقـد
فإنهــم أئمتــي وسادتــي وإن لحانـي معشـر وفنّــدوا
أئمـة أكــرم بهــم أئمــة أسماؤهـم مطـرودة تطّــردُ
هم حجـج اللـه علـى عبـاده وهـم إليـه منهـج ومقصــد
هـم النهـار صـوَّم لربهــم وفـي الدياجـي ركّـعٌ وسجّـد
هم الصـراط للإلـه فالـورى عنهـم تضـل وإليهـم ترشـد
777
قوم لهم فضـلٌ ومجـد بـاذخ يعرفـه المشـرك والموحّــد
قوم أتى في هل أتـى مديحهـمْ هل يشك فـي ذلـك إلا ملحـد
قوم لهم في كـل أرض مشهـد لا بل لهم في كل قلـب مشهـد
قـوم منـى والمشعـران لهـمُ والمروتـان لهـمُ والمسجــد
قوم لهم مكة والأبطح والخيـف وجمــع والبقيــع الغرقــد
ما صدق النـاس ولا تصدقـوا وأمسكـوا وأفطـروا واعتقـدوا
ولا غزوا وأوجبـوا حـدّاً لهـم ولا صلوا ولا صاموا ولا تعبّدوا
لولا رسول اللـه وهـو جدّهـم يـا حبـذا الوالـد ثـم الولــد
ومصرع ألطـف فـلا أذكـره ففي الحشا منه المقيـم المقعـد
يرى الفرات ابن الرسول ظاميـاً يلقى الردى وابن الدعـي يـرد
حسبك يا هذا وحسب من بغـى عليهـمُ يـوم المعـاد الصمـد
يا أهل بيت المصطفى يا عدّتـي ومـن علـى حبّهـمُ أعتمــد
أنتم إلـى اللـه غـداً وسيلتـي وكيف أخشـى وبكـم أعتضـد
ولَّيُّكمْ فـي الخلـد حـيٌّ خالـد والضدُّ في نـار لظـى مخلـد
وزاد ابن الجوزي لها أبياتاً في المنتظم أنه شافعي المذهب. وكانت ملحقة، كما زاد طابع ابن خلكان بعد قوله: (وكان يتشيع). قلت: هذه زيادة من بعض مجوس الأمة. إنتهى ما في الطبعة الميمنية للبابي، ثم تحققت أن تلك الأبيات مدسوسة بالقصيدة، فقد ذكرها صاحب الروضات والأبيات هي:
محمــد والخلفــاء بعــده أفضل خلـق اللـه فيمـا أجـدُ
ومن يخن أحمد فـي أصحابـه فخصمه يـوم الحسـاب أحمـدُ
والشافعـي مذهبــي مذهبــه لأنـه فــي قولــه مســدّد
778
وأنت بعد تحقيقي وعلمك بمسلك الشعرين ومسلكيهما تعرف ما يصنع التعصب بأهله. ولد في طنزة في حدود سنة أربعمائة وستين. وتوفي سنة إحدى وخمسين وخمسمائة أو ثلاث وخمسين في ميافارقين، رحمه الله تعالى. يحيى بن عبد العظيم، أبو الحسين الجزار المصري المعروف بالجزار كان فاضلاً جامعاً، وأديباً بارعاً، وشاعراً رقيق الشعر، بديع النظام، حاملاً علم التورية والاستخدام، وكان صاحباً للسراج الوراق والنصير الحمامي وأظرف الثلاثة في المطارحات، فمن شعره قوله:
يمضي الزمـان وأنـت هاجـرْ أفمـا لهـذا الهجــر آخــرْ
يـا مـن تحكّـم فـي القلـوب بحاجــب منــه وناظـــرْ
مولـاي لا تنــس المحــب فإنــه لهـــواك ذاكـــر
وإذا رقــــدت منعّمــــاً فاذكـر شقيّـاً فيـك ساهــر
شتّـان مـا بينــي وبينــك فـي الهـوى إن كنـت عـاذر
النـار فـي كبـدي وظلمــك بــارد والجفـــن فاتـــر
ومن شعره في المذهب قوله في أمير المؤمنين عليه السلام وجدتها في مجموعة حلبية:
حكم العيون على القلوب يجـوزُ ودواؤهـا مـن دائهـن عزيـزُ
كم نظرة نالـت بطـرف فاتـر ما لـم ينلـه الذّابـل المهـزوزُ
فحذار من تلك اللواحـظ غـرّة فالسحر بين جفونهـا مركـوز
779
يا ليت شعري والأمانـي ضلّـة والدهر يدرك طرفـه ويحـوز
هل لي إلى روض تصرّم عمره سبب فيرجع ما مضـى فأفـوز
وأزور من ألف البعـاد وحبّـه بين الجوانح والحشـا مركـوز
ظبيٌ تناسب في الملاحة شخصه فالوصف حين يطول فيه وجيز
والبدر والشمس المنيـرة دونـه في الوصف حين يحرّر التمييـز
لولا تثنى خصـره فـي ردفـه مـا خلـت إلا أنّـه مغــروز
تجفـو غلالتـه عليـه لطافـة فبحسنها مـن جسمـه تطريـز
من لي بدهرٍ كان لـي بوصالـه سمحاً ووعـدي عنـده منجـوز
والعيش مخضرّ الجنـاب أنيقـه ولأوجـه اللـذات فيـه بـروز
والروض في حلل النبات كأنـه فرشت عليـه دبابـج وخـزوز
والماء يبدو فـي الخليـج كأنـه ظـلّ لسرعـة سيـره محفـور
والزهـر يوهـم ناظريـه إنمـا ظهرت به فوق الرياض كنـوز
فأقاحـه ورق ومنثـور النـدى ورد ونـور بهــاره إبريــز
والغصن فيـه تغـازل وتمايـل وتشاغـل وتراسـل ورمــوز
وكأنما القمري ينشـد مصرعـاً من كل بيـت والحمـام يجيـز
وكأنمـا الدولـاب زمـر كلّمـا غنّت وأصوات الدوالـب شيـز
وكأنما الماء المصفَّـق ضاحـك مستبشـر ممّـا أتـى فيـروز
يهنيك يا صهـر النبـي محمّـد يـوم بـه للطيبيــن هزيــز
أنت المقدّم في الخلافة مـا لهـا عن نحو ما بك في الورى تبريز
صبَّ الغدير على الألى جحدوا لظى يوعى لهـا قبـل القيـام أزيـز
إن يهمزوا في قول أحمد أنت مو لىً للورى، فالهامـز المهمـوز
لم يخش مولاك الجحيـم فإنّهـا عنه إلى غيـر الولـيّ تجـوز
780
أترى تمـرُّ بـه وحبّـك دونـه عـوذٌ ممانعـة لـه وحــروز
أنت القسيم غـداً فهـذا يلتظـي فيها وهذا فـي الجنـان يفـوز
وهي طويلة لم يسع أن نذكرها كلها. وقوله في رثاء الحسين عليه السلام من قصيدة:
ويعـودُ عاشـوراءُ، يذكرنـي رزَء الحسيـنِ فليـتَ لـم يعـدِ
أو أن عينـاً فيـه قـد كحلـتْ بمسرّة لـم تخـلُ عـن رمـدِ
ويـداً بـه لشماتـةٍ خضبــتْ مقطوعـةً مـن زندهـا بيـدي
يـوم سبيلـي حيـن أذكــرهُ أن لا يدورَ الصَّبرُ فـي خلـدي
أمَّـا وقـد قتـل الحسيـنُ بـهِ فأبـوا الحسيـنِ أحـقُّ بالكمـدِ
وقوله حين احترق الحرم النبوي من أبيات:
لله في النار التـي وقعـت بـه سـرّ عـن العقـلاء لا يخفيـهِ
أن ليس تبقى فـي فنـاه بقيّـة ممـا بنتـه بنـو أميـة فيــهِ
وله تخميس قصيدتين لأبي تمام ونقلهما إلى رثاء الحسين عليه السلام. الأولى قوله:
أصمّ بك الناعي وقد كان أسمعا
والثانية قوله:
أي القلوب عليكم ليس ينصدع
ذكر ذلك السيد علي صاحب السلافة في سلوة الغريب. ولد سنة إحدى وستمائة. وتوفي سنة اثنتين وسبعين وستمائة بمصر، كما ذكره ابن حجة في الخزانة، رحمه الله تعالى بمنه ورضوانه. يعقوب بن جعفر النجفي الحلي، الذاكر المشهور
781
بالشيخ يعقوب كان أديباً حافظاً نائحاً على الحسين عليه السلام، وكان خرج من النجف فسكن الحلة ثم السماوة ثم عاد إلى الحلة. وكان ضعيف الصوت والجسم، مفوهاً في منبر الخطابة، مكثر الشعر جداً، لكن شعره في الطبقة الوسطى. رأيته واجتمعت به وطارحته، وكان لا ينظم إلا في أهل البيت عليهم السلام ثم نظم في غيرهم مديحاً ورثاء. وعمل في الحسين عليه السلام روضة مرتبة الحروف تناهز كل قصيدة منها المائتين وتنيف، فلمته على ذلك وأشرت عليه بانتخاب القوافي، فقال: لا، أنا أنظم حتى لا أدع قافية لغيري. فمن شعره قوله:
رنا الجرعاء لي لحـظ طمـوحُ فلـاح لـه بهـا بـرق لمـوحُ
فذكرني عهـوداً قـد تقضـت فعاد الجفن وهـو بهـا قريـحُ
وطاب لمنشقي مذ شـم عرفـاً به هبّت مـن الأحبـاب ريـح
وذاك الطيب أهدتـه الخزامـي ورنـد مـن مرابعهـم وشيـح
سقـى تلـك الديـار ونازليهـا همول العيـن والدمـع السفـوح
ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة حسينية:
لقد ضربت فوق السماء قبابهـا بنو من سما فخراً لقوسين قابهـا
فكانت لعلياها الثريا هي الثـرى غداة أناخت في الطفوف ركابها
وثارت لنيل المجد والعز امتطت من الغاديات الصافنات عرابهـا
أعدت صدور الشمس مركز سمرها لطعن وأغماد السيـوف رقابهـا
فيا بأبي آساد حـرب تهايجـت إلى الحرب إذ كنَّ الأسنّة غابهـا
782
سطت وبها ارتجت بأطباقها الثرى وكادت لها الدنيا تبين انقلابهـا
وقد طفحت في الحرب للموت أبحراً غدت خيلها منها تخوض عبابها
وحين غدت منقضة في عداتهـا تولت كرخم الطير لاقت عقابها
فكم جدلت أبطال حرب بحربهـا وكم زلزلت منها هناك هضابهـا
ولما بقرع الهام فلت شبا الظبـا ودقت من الأرماح طعناً حرابها
هوت وبرغم الدين راحت نحورها تعد لأسيـاف الضلـال قرابهـا
قضت عطشاً ما بل حر غليلهـا شراب وفيض النحر كان شرابها
توفي في النجف لأربع خلون من ربيع الثاني سنة تسع وعشرين وثلاثمائة فدفن بها، ومات عن عمر قدره ثمان وخمسين سنة، وله بالحلة ذرية، رحمه الله وسلمهم. ثم انتقلوا إلى النجف، ومنهم الخطيب الشاعر المفوه الشيخ محمد علي المترجم في الميم من هذا الكتاب (سنة1357ه). يوسف بن أحمد بن إبراهيم العصفوري الدارازي البحراني صاحب الحدائق، كان عالماً نبيلاً، مصنفاً جليلاً، وأديباً شاعراً، وناسكاً تقياً. ولد بالبحرين ثم خرج منها إلى فارس ثم حج وعاد، ثم سافر إلى العراق وقطن في كربلاء. فمن شعره قوله في مكاتبة ذكرها في كشكوله:
قلبي لأجـل فراقكـم موجـوعُ هل لي إلى ذاك الوصال رجوعُ
رقّوا لصبّ قـد تدفّـق جفنـه ببكائــه فكأنــه ينبـــوعُ
كيف التصبّر والحشا قد ضمّـه ماء ونـار والهـوى مجمـوع
783
في أبيات، وله غير ذلك. ومن شعره في المذهب قوله من قصيدة:
برق تألـف بالحمـى لحماتهـا أم لامع الأنـوار مـن وجناتهـا
وعبير نـدّ عطّـر الأكـوان أم ذا عنبر أهدتـه مـن نفحاتهـا
أكريمة الحسبين هل مـن زورة تشفي المعنّى من عنا حسراتهـا
شاب العذار ولم تشوبوا هجركم منهـا بشـيء لا ولا بعداتهــا
جودوا ولو بالطيف إن خيالكـم يطفي من الأحشا لظى لهباتهـا
يقول فيه:
للـه أيــة وقفــة لمحمــد في كربلا ريب علـى وقعاتهـا
ضربت عران الذل في أنف الهوى فغـدا يقادبـه بنـو قاداتهــا
من حيث أنصار هنـاك وفتيـة سارت بما حفظته من ساداتهـا
فـوق الخيـول تخالهـا كأهلـة وبدور حسن لجن فـي هالاتهـا
فإذا سطت تخشى الأسود لكرّها في الحرب من وثباتها وثباتهـا
وهي كبيرة، وله غير ذلك. ولد سنة ألف ومائة وسبع. وتوفي في كربلاء سنة ألف ومائة وست وثمانين فدفن عند الشهداء، ورثاه السيد محمد الزيني مؤرخاً بقوله من قصيدة:
قامت عليه نوائـح مـن كتبـه تشكو الظلامـة بعـده وتأسـفُ
مذ غاب واحد ذا الزمان وأرخو: (قرّحت قلب الدين بعدك يوسفُ)
يوسف بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم، أبو المحاسن، شهاب الدين المعروف
784
بالشواء الكوفي الحلبي

كان فاضلاً أديباً مشاركاً في العلوم، شاعراً بارعاً، له ديوان أربعة أجزاء، وذكره ابن خلكان ووسمه بغلو التشيع، وذكر فضله ومحاسنه ومشاركته في العلم:
هاتيك يـا صـاحِ ربـى لعلـعِ ناشدتـكَ اللـه فعـرّجْ معــي
وانزلْ بنـا بيـن بيـوت النقـا فقـد غـدت آهلـة المربــعِ
حتى نطيلَ اليـومَ وقفـاً علـى الساكنِ أو عطفاً على الموضـعِ
وقوله:
أرسل صدغـاً ولـوى قاتلـي صدغاً فأعيـا بهمـا واصفـه
فخلـت ذا فـي خـدّه حيــةً تسعى وهـذي عقربـاً واقفـه
فذا ألـفٌ ليسـت لوصـلٍ، وذا واوٌ ولكـن ليسـت العاطفــه
وقوله:
هـواك يـا مـن لـه اختيـالُ مـا لـي علـى مثلـه احتيـالُ
قسمــةُ أفعالــه لحينـــي ثلاثـةٌ مــا لهــا انتقــال
وعـدك مستقبـل، وصبــري مـاضٍ، وشوقـي إليـك حـال
ومن شعره في المذهب قوله، وقد أورد ابن خلكان بعض الأبيات:
ضمنت لمن يخاف من العقـاب إذا والى الوصـي أبـا تـراب
يرى في حشـره ربّـاً غفـوراً ومولىً شافعـاً يـوم الحسـاب
فتىً فاق الورى كرمـاً وبأسـاً عزيزُ الجارِ مخضـرّ الجنـابِ
يرى في السلم منه غيـثَ جـود وفي يوم الكريهة ليـثَ غـاب
إذا ما سـلّ صارمـه لحـربٍ أراك البرق في كـفّ السحـاب
وصي المصطفـى وأبـو بنيـه وزوج الطهر من بين الصحـابِ
785
أخو النص الجلـي بيـوم خـمّ وذو الفضل المرتل في الكتـابِ
ولم أقف منها على أكثر من ذلك. ولد سنة خمسمائة واثنتين وستين تقريباً ممن رآه.

وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر المحرم سنة ستمائة وخمس وثلاثين في حلب ودفن بظاهرها، رحمه الله.

يوسف بن محمد بن أبي ذيب البحراني

كان فاضلاً مشاركاً تقياً ناسكاً أديباً شاعراً جيد الشعر، قوي أسره، ذا عارضة، وكان مفوهاً حسن الخط، رأيت ديوان أبي الغنائم بخطه، مضبوط الشكل، وكان ورد العراق وأقام بها طالباً للعلم مع جماعة من آل أبي ذيب، ثم عاد، فمن شعره قوله من حسينية أوله:
نعـم آل نعـم بالغميـم أقامـوا فيـا حبـذا ربـع لهـم ومقـامُ
وقفت المطايا أسأل الربع عنهـم ومن أين للربع الدريـس كلـامُ
على دمنتي سلمى بمنفرج اللوى سلام وهل يجدي المحب سلـام
يقول فيه:
بنفسي أبيّ الضيم أضحى نصيره لدى الروع لدن ذابـل وحسـامُ
يجرد عزماً لـو يجـرّده علـى هضاب شمام ما دمنـه شمـامُ
يصول كليث الغاب يسطو كأنما تراءت له بيـن الشعـاب نعـام
حنانيك يا معطي البسالة حقهـا ومرخص نفس لا تكـاد تسـام
فهل لك في وصل المنية مطلب وهل لك في قطع الحيـاة مـرام
فليت أكفّـاً حاربتـك تقطعـت وأرجل بغـي جاولتـك جـذام
وخيلاً غدت تردي عليك جوارياً عقرن فلا يلـوى لهـن لجـام
أصبت فلا يوم المسـرّات نيّـر ولا قمـر فـي ليلهـنّ تمــام
786
ولا رفعت للديـن بعـدل رايـة ولا قام للشرع الشريـف قـوام
ألا إن يوماً أي يوم دهى العلـى وحادثـه يجثـى لهـا ويقــام
غـداة حسيـن والمنايـا جليّـة وليـس عليهـا برقـع ولثــام
وهي طويلة.

وقوله من أخرى ارتجلها في زيارته:
قف بالطفـوف وقـوف حائـرْ وابـك الحسيـن بدمـع حائـرْ
قــف نبكـــه بمدامـــع مثـل الخناجـر فـي الخناجـرْ
ضـاق الفضـاء بــه فلــم يـر ملجـأً يؤويــه ساتــر
وتقاسمتــه يــد السفـــار سفــار الفنــاء المقـــادر
يزجــي القالنــص سائــراً ولـه القضـا أبــداً يسايــر
يحـدو بـه حـادي الــردى وإليـه أنّـى صـار صايــر
حتـى دنــا مــن كربــلا بمــوارد ليســت تصــادر
يقول فيه:
أبنـي الفرائــض والنوافــلْ والمناســـك والمشاعـــرْ
وبنـي الترائــك والأرائــك والعواتـــك والحرائــــر
أنـا قــادر إن لــم أكــن لكـم وليــاً وابــن غــادر
وأجـدّ فـي نظـم المعانــي الغـرّ فيكـم نظــم ماهــر
أنتــم محجتـــي التـــي لا غيرها فـي الحشـر ذاخـر
وبصيرتــي يومــاً تحــا ر بهولــه كــل البصائــر
أنــا يوســف بمديحكـــم أصبحـت مفتخــراً أجاهــر
وأتيتكــم أطــوي البحــار ولجّــة البحريــن زائـــر
ملقــىً علــى أعتابكـــم متمـرّغ الخديــن صاغــر
787
لا أتّقــي يــوم المعـــاد فقــد تعاظمــت الجرائــر
والنــار لا أخشــى لظــا هـا والمجـاد علـى الضمائـر
أيقنــت حبكــم النجـــاة إذا تطايـــرت الدفاتــــر
وعرفـت أنكــم الصــراط المستقيــم لكــل عابـــر
وحسابنــــا وإيابنـــــا لكـم عليكـم فهــو صائــر
صلــى الإلـــه عليكـــم ما نـاح فـوق الـدوح طائـر
توفي في حدود سنة ألف ومائتين وخمس في البحرين، رحمه الله تعالى.

يوسف بن محمد بن عبد الصمد بن مراد الأزدي البغدادي

كان فاضلاً جامعاً وأديباً بارعاً مشاركاً، وكان تقياً ناسكاً، معروف الفضل، معتمد القول، محترم الجانب، ظاهر الحال في العبادة، وكان مقل الشعر لم يكد يسمع له شعر في غير أهل البيت عليهم السلام إلا ما طارح فيه أصحابه بعصره، وكان يسكن بغداد، أرسل إلى السيد محمد الزيني شطباً وكتب معه تنكيتاً بأخبار:
زان بعينـــي إذ تأملتـــه شطباً حكـى القـدّ بـلا ميـن
فقلـت أهديـه إلـى سيــدي ما يشرب الزين سـوى الزينـي
فرده إليه وكتب معه مجيب:
لا أشرب الشطب لأنـي امـرء أتبـع الشــراع ولا أختلــف
فكيـف لا تعـرف هـذا بــه وقد بـدا باللـام بعـد الألـف
ومن شعره في المذهب قوله رحمه الله مخمساً البيتين في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:
هبط الروح بمـا اللـه قضـى قائلاً عـن ربـه مـا فرضـا
788
يا رسول الله يا فضـل القضـا (قل لمن والى على المرتضـى
لا يخافنَّ عظيم السيئات)
قالـوا لا فـرض كـل المـلا قـل فـلا أسألكـم إلاّ الــولا
فليسني من سـاء بعـد الأتيـلا (حبّه الإكسيـر لـو دار علـى
سيئات الخلق صارت حسنات)
وقوله:
حبـي لـآل محمـد حسبــي في كـل مـا ألقـى بـه ربـي
فودادهـم قوتــي وذكرهــم في كـلّ يـوم ينجلـي شربـي
وهم أمانـي إن خشيـت لـدى يـوم القيامـة مثقـل الذنــب
توفي ببغداد سنة ألف ومائتين وإحدى عشرة من الهجرة ودفن في الكاظميين في مقبرتهم عند مرقد السيد المرتضى، ورثاه السيد محمد الزيني بقصيدة أوله:
بكيت لو أن الدمع من لوعة يجدي ونحت لو أن النوح يشفي أخا الوجد
وآخره:
ومذ سكن الجنات يوسف أرخو: (ليوسف مكنّا المنازل في الخلد)
وترك والدين فاضلين أديبين أحدهما: الشيخ مسعود وله فضل جامع، وشعر بارع، وثانيهما: الشيخ راضي، وتوفيا في الطاعون سنة ألف ومائتين وثلاث وثلاثين، وانقطع بهما نسل الأزريين من البنين، والذين يسمون اليوم بالأزريين إنما هم من قبل البنات.