الأزرية

في مدح النبي والوصي والآل

صلوات الله عليهم أجمعين

لناظمها

الشيخ كاظم الآزري

وتخميسها

للأديب الأريب الشيخ جابر الكاظمي

عليه الرحمة

‹ صفحة 3 ›

الأزرية

في مدح النبي والوصي والآل

صلوات الله عليهم أجمعين

لناظمها

الشيخ كاظم الآزري

وتخميسها

للأديب الأريب الشيخ جابر الكاظمي

عليه الرحمة

‹ صفحة 4 ›

 

حقوق الطبع محفوظة للناشر

الطبعة الأولى

1409 ه‍ 1989 م .

دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان

إعداد : موقع المكتب العلوي

www.maktabalevi.com

 

                           المحتويات          

تعريف بشاعر الأزرية الشيخ محمد كاظم الأزري|5

تعريف بالشاعر مخمس الأزرية الشيخ جابر الكاظمي|17

تغزل|23

مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم|30

مدح الأئمة المعصومين عليهم السلام|32

عودة لمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم|34

مدح أمير المؤمنين عليه السلام|44

حكاية موقعة بدر|51

حكاية موقعة الخندق|52

حكاية موقعة خيبر|61

أنا مدينة العلم وعلي بابها|62

حكاية موقعة حنين|72

عودة الشمس له عليه السلام بعد المغيب|75

مدحه عليه السلام في سورتي : ( هل أتى ) و ( عم يتسائلون )|77

علي مني كهارون من موسى|78

تبليغ الناس بولاية الإمام ( ع ) بعد النبي ( ص )|79

في الشوق إلى صفرة الأمير وزيارته عليه السلام|84

يوم السقيفة|90

قصة الغار|94

حكاية مبيت الامام على فراش النبي|95

في بعض مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وغير ذلك|97

في إحتجاج الزهراء ( ع ) على القوم وحرمانها من الإرث|103

في دفن الزهراء ( ع ) سرا|109

أصل الأزرية للمغفور له الشيخ محمد كاظم الأزري|113

 

 

‹ صفحة 5 ›

 

محمد كاظم الآزري

شاعر الأزرية

نسبه وولادته ووفاته :

محمد كاظم المعروف بالملا - تصحيف " المولى " هو ابن الحاج

محمد بن الحاج مراد بن الحاج مهدي بن إبراهيم بن

عبد الصمد بن علي الآزري البغدادي التميمي ، نسبة إلى بني

تميم القبيلة العربية المعروفة في العراق . وآل الآزري من أشهر

بيوتات بغداد الثرية في القرنين الأخيرين ، وهم غير آل الآزري

الذين منهم الشاعر الكبير الحاج عبد الحسين فإنهم قبيلة ثانية

تغلب عليهم هذا الاسم والمترجم له تولد في بغداد سنة 1143 ه‍

وتوفي سنة 1211 ه‍ غرة جمادى الأولى حسبما يذكره صاحبا الذريعة

والكنى والألقاب ودفن في الكاظمية ولهم مقبرة خاصة فيها قبالة

مدفن السيد المرتضى علم الهدى والآن هي في داخل بناية مقبرة

السيد ، ولم يترك له عقبا من الذكور ، وكذلك أخوه الشاعر الفحل

‹ صفحة 6 ›

العالم الشيخ محمد رضا ، ولعل هذا من أهم أسباب تفرق آثارهما

وضياع جملة منها

مكانته الاجتماعية :

تخلد هذا الشاعر الفحل بألفيته المشهورة ب‍ " الأزرية "

فكان مذ ذلك الحين مثار اعجاب الأدباء والعلماء بشاعريته وأدبه

وفضله ، وكان لدى علماء عصره مبجلا محترما لا سيما عند السيد

بحر العلوم ، وتنقل إلى اليوم على ألسنة الناس ، مبالغات

في احترامه وتقدير ألفيته خاصة لدى العلماء ، حتى ينقل عن الشيخ

صاحب الجواهر انه كان يتمنى أن يكتب في ديوان أعماله

القصيدة الأزرية مكان كتابه ( جواهر الكلام ) . وجواهر

الكلام ! هذا الكتاب العظيم في الفقه الذي لم يكتب مثله

. وكان - على ما هو المعروف - حليقا مفتول الشاربين على

عادة أهل زمانه ، وهذا ما ينكره المتشرعون ولا سيما انه تربى

في النجف الأشرف تربية دينية ، ولكن أهل الدين مع ذلك لم يكونوا

يتضايقون منه لما عرف به من الجهاد والدفاع عن العقيدة ، وقيل إن

بحر العلوم نفسه ربما كان يعتذر له بأن ما يقوم به من الدفاع

والجهاد وما يقتضي ذلك من الانغمار في محيط بغداد وحكامه هو

الذي كان يدفعه إلى اختيار هذه الهيئة مجاراة لمحيطه وتعزيزا

لمواقفه المجيدة وربما كان هذا في نظره ما يبرر له هذا العمل

. نعم ان الرجل كان من شخصيات بغداد اللامعة الذين يشار

إليهم بالبنان وكان ممن يتقى في صولته وقوة عارضته وحجته ،

‹ صفحة 7 ›

وكان صريحا في مخاصماته لا ينيم على ضيم ولأجل ذلك كان

مهاب الجانب محترما في نظر الجميع العدو والصديق ، الشعب

والحكومة أضف إلى أنه كان عزيز الجانب بانتسابه إلى بني تميم

وهم في جوار بغداد وهو أيضا من بيت رفيع في بغداد . وزاد في

منعته اتصاله بأمراء آل الشاوي وصداقته معهم صداقة وثيقة وكان

أكثر مديحه في ديوانه للحاج سليمان الشاوي الذي كانت له

الصولة حتى في مقابلة الحكومة العثمانية .

شاعريته : ومن ناحية شعره كان من فحول شعراء القرنين

الثاني عشر والثالث عشر للهجرة ، وهذا القرن الثالث عشر

بالخصوص كان لا معا من ناحية أدبية في تأريخ القرون الاسلامية

بعد القرن الرابع وكان زاخرا بالشعراء المجيدين كالرابع .

وفى الحقيقة ان الروح الأدبية في العالم العربي بعد القرن

الرابع قد تدنت وجمدت إلى حد بعيد ولم يعد الأدب في القرون

اللاحقة إلا صناعة لفظية باهتة وكلما تقدم الزمن كانت تتأخر هذه

الصناعة حتى بلغ أقعى تدنيها في القرن العاشر والحادي عشر .

وفجأة بدت تباشير حركة أدبية عالية في العراق في النصف

الثاني من القرن الثاني عشر الذي كان صاحبنا المترجم له وأخوه الشيخ

محمد رضا من ألمع شخصياته الأدبية . ولم تعرف إلى الآن

الأسباب الحقيقة لتلك الحركة المفاجئة على التحقيق وان كانت

التكهنات والتخرصات كثيرة . في حين ان ذلك القرن كالذي قبله

من أظلم القرون التي مرت على البلاد الاسلامية عامة والبلاد

العربية خاصة ولا سيما العراق الذي كان في تلك الأيام ساحة

‹ صفحة 8 ›

للصراع العنيف بين الحكومتين الإيرانية والعثمانية إحداهما مع

الأخرى وبين القبائل العراقية مع إحدى هاتين الحكومتين وفيما   

بينها . وهذا عادة مما يسبب خمود كل حركة فكرية وغير فكرية .

ومن الغريب حقا أن يتفق مع ظهور هذه الحركة الأدبية ظهور

حركة واسعة لم يسبق لها مثيل للعلوم الدينية في العتبات المقدسة

النجف وكربلا ، وبرز في هذه الظروف علماء مجتهدون جددوا

الفقه وأصول وجددوا في نوع التفكير وأسلوبه ، ولا تزال الدراسة عندنا

تستقي من ينبوعهم بل هي عيال عليهم . وهنا يحير الباحث

ويحضر عنده السؤال عن أن هذه المقارنة بين ظهور الحركتين هل

كانت بمحض الاتفاق أو ان الحركتين كانتا يستقيان من منبع

واحد ؟ ولا شك ان مجال البحث لا يزال واسعا أمام المعنيين بهذه

الشؤون ، بل لا يزال الموضوع بكرا ، ولسنا الآن بصدد علاج هذه

الناحية وليست هذه الكلمة العابرة بمتسعة لمثل هذا البحث

الشائك .

وكل الذي أردناه هو الإشارة إلى اقتران الحركتين اللتين أثر

إحداهما في الأخرى فكان أكثر الفقهاء من الأدباء أو المتأدبين

وأكثر الشعراء من المتفقهين ، والمترجم له صاحبنا قد جمع بين

هاتين الفضيلتين . ولا شك ان دراسته في النجف كان لها الأثر

الكبير في نمو ملكته الأدبية ، وما انتقل إلى بغداد إلا وكان من أبرز

أقطاب الحركة الأدبية فيها ، بل على يديه وعلى يدي نفر قلائل

في بغداد والنجف والحلة بدأ ظهور الحركة الأدبية القوية الناضجة

في القرن الثاني عشر . ومنهم استمدت هذه الحركة واستمرت إلى

‹ صفحة 9 ›

القرن الثالث عشر كله فبلغت أوجها في أخرياته ، بل ما كان تطور

الشعر والأدب في قرننا الحاضر - الرابع عشر - إلا بفضل تلك

الحركة التي ابتدأت بالأزريين واستمرت إلى أوائل قرننا إذ هيأت

شعراء أفذاذا صادفوا ابتداء طلائع الحركة التجديدية الحديثة التي

دبت في المحيط العربي ، فتمكنوا من تغيير أسلوبهم وتفكيرهم .

فشاعرنا فضلا عن كونه من فحول الشعراء له فضل انشاء

الحركة الأدبية العالية في العراق . ولم نعرف أحدا قبل تأريخه لا

سيما في بغداد يبلغ أو يجري في مضماره وقد صدق فيما قال

عن نفسه :

 

يا أبا أحمد رويدا رويدا * أنا في الشعر صاحب المعجزات

 

وحقا انه صاحب المعجزات في الشعر ، وكفى في معجزاته

ألفيته التي تقدم ترجمته لأجلها . وهو ممن غرم بالشعر إلى حد

الافراط حتى صار يأكل معه ويشرب ولكنه يريد أن يوهمنا أن

الشعر هو الذي يتعشقه فيقول :

 

أبى الشعر إلا أن يحل بساحتي * فيأكل من زادي ويشرب من شربي

إذا أنا لم أعبأ به عمر ساعة   * توهم هجراني فلاذ إلى جنبي

 

ولأجل ذلك كان رحمه الله بارعا في جميع فنون الشعر

المعروفة يومئذ ، فهو في الرثاء يستدر الدموع وفي التشبيب يدغدغ

القلوب وفي المديح يحلي جيد العاطل ، وفي كل فن له آية ، وله

من روائعه في الغزل ما يزال سائرا على أفواه الناس كقصيدته

اللامية التي يقول في أولها :

‹ صفحة 10 ›

بأي جناية منع الوصال * أبخل بالمليحة أم دلال

تحرم أن تمس النوم عيني   * مخافة أن يمر بها خيال

وفي الركب اليمانيين خشف * بحبات القلوب له اكتحال

 

إلى أن يقول ما يذوب رقة ولطفا :

 

يمينا ان في برديه نشرا * كما هبت بغالية شمال

وفي ديباجتيه فتاة مسك * يقال لها بزعم الناس خال

 

وكقصيدته الميمية الرقيقة التي يقول في مطلعها :

 

أي عذر لمن رآك ولاما  * عميت عنك عينه أم تعامى

أو لم ينظر اللواحظ تهدى * سقما والشفاه تشفي السقاما

 

وله في مراثي الحسين عليه السلام من الشعر الخالد ما يزال

يقرأ على المنابر ويعد في الطليعة مثل رائيته المشهورة التي يقول

في مطلعها :

 

هي المعاهد أبلتها يد الغير * وصارم الدهر لا ينفك ذا أثر

 

ومن براعته في فن الأدب وتمكنه من اللغة نظمه لعدة قصائد

عامرة كل منها تأريخ للحادثة التي نظم فيها قصيدته . وقد لا

ترى أثرا للتكلف إلا ضعيفا ، كالقصيدة التي يمدح بها نقيب

الاشراف سنة 1181 وهي تبلغ 65 بيتا ، ومطلعها :

 

قم للدنان فقدم بهجة ( 1 ) الطرب * وشفف الكأس في مرعى من اللعب

 

( 1 ) يلاحظ : انه في هذا البيت وفي غيره يعد التاء القصيرة بأربعمئة بينما يجب أن

تعد بخمسة لأنها تكتب هاء .

 

‹ صفحة 11 ›

 

وكان له ذوق خاص في ضرب الأمثال واقتفاء التشبيهات

المستملحة ، ولا تكاد تخلو قصيدة من قصائده من روائع

ومبتكرات في هذا الباب فامتاز شعره بذلك ويكفي للشاهد على

ذلك أن نحيلك إلى قصيدته الرائعة في رثاء الحسين عليه السلام

التي تقدمت الإشارة إليها وهي الرائية .

ثقافته :

لم يذكر عن شاعر نا ماذا درس من النجف وعلى من تلمذ

وبأية درجة كانت ثقافته ، نمير ان الذي يقرأ شعره يرى فيه لفتات

الفاضلي العالم بالمعارف الاسلامية ، بل أكثر من ذلك يجد انه قد

درس الفلسفة وفهم دقائقها ، وإن كان يقول :

 

كفى رويدك واقصري يا هذى * هيهات ليس الفيلسوف بهاذ

 

وإلا فلا تخل غير الدارس للفلسفة المتذوق لها يتمكن أن

يقول في " ألفيته " في مدح أمير المؤمنين عليه السلام :

 

وهو الآية المحيطة في الكون ففي عين كل شئ تراها

الفريد الذي مفاتيح علم * الواحد الفرد غيره ما حواها

هو طاوس روضة الملك بل * ناموسها الأكبر الذي يرعاها

وهو الجوهر المجرد منه * كل نفس مليكها سواها

لم تكن هذه العناصر إلا * من هيولاه حيث كان أباها

 

ففي هذه الأبيات - أولا - تلمح النزعة الاشراقية إلى القول

بوحدة الوجود ، ذلك قوله ( ففي عين كل شئ تراها ) وأراد بالعين

‹ صفحة 12 ›

الوجود العيني للشئ كما هو اصطلاحهم ، و - ثانيا - قوله

( طاوس روضة الملك ) وهو اصطلاح عرفاني المسمى عندهم

أيضا بالعنقاء ويقصدون به الملك الروحاني المدبر أو العقل

الفعال ، وكذلك كلمة ( ناموسها الأكبر ) من اصطلاحهم ،

و - ثالثا - في البيتين الأخيرين يشير من طرف خفي إلى نظرية المثل

الأفلاطونية في أحدث تفاسيرها الدقيقة ، فيطبق المثال المجرد

للنوع الانساني على الامام ، كما هو رأي بعض الفلاسفة

الاشراقيين ، ولذلك هو يعبر عن الامام بالجوهر المجرد الذي منه

أشخاص النوع تمتد في تكونيها وتزكية أخلاقها بتدبير المليك

المصور تعالى شأنه .

ويشير إلى نظرية السببية استطرادا وهي عنده بموضوع

الاعتبار فيقول من قصيدة :

 

هي له تصلي إلى حر الغنى * لا بد من سبب لكل مسبب

 

وهكذا تجد في أبيات كثيرة إذا تدبرتها ان الرجل صاحب

 

فلسفة وعلم ، فضلا عما ينطق به شعره وبراعته فيه من دراسته

للعلوم العربية والاسلامية .

 

حالته المالية :

كان أبوه من تجار بغداد وأثريائها ، وقيل إن له ، موقوفات في

بغداد لا تزال باقية إلى الآن ، ولكن هل معنى ذلك أن ابنه هذا

ورث هذا الثراء والتجارة فعاش عيشة الأثرياء التجار ، أو أنه قد

أدركته حرفة الأدب ؟ أحسب ان الذي يستقرئ شعره يجد أثر نكبة

‹ صفحة 13 ›

الأدب له ظاهرة في ثناياه ، فكان حليفه الفشل في الحصول على

أسباب الرزق الحر ، وإلا فما للثري أن يقول :

 

اني وان أمسيت صفر أنامل  * فمعظم الأفلاك غير مكوكب

يا ناق ان حمى سليمان الندى * مرعى الجديب فيمميه لتخصى

 

وسليمان هذا هو سليمان بك الحميري لا سليمان الشاوري ،

ويبدو أنه كان يستعين به على زمانه وأكثر من ذلك نجده يقول لنا

معتذرا عن حاجته في استجدائه منه في قصيدة أخرى :

 

أيرو عني الزمن الذي لا جوده *  جودي ولا اقدامه اقدامي

لم يعيني طلبا ولكن ربما       * أتت السهام خلاف قصد الرامي

وإذا طلبت منى ولم أظفر بها   * فالعضب قد ينبو نبو كهام

ومتى وصلت إلى سليمان العلى * عرفته بمقامه ومقامي

 

إلى أن يقول معترفا بفضل ممدوحه عليه :

 

لله أنملك اللواتي ألحمت * بسدا منايحها العظام عظامي

 

وهذا لا شك شعر محتاج قد انسدت في وجهه أسباب الرزق

من طريق الكسب وقبل منح وهدايا ممدوحيه ، وله من هذا الباب

شعر ليس بالقليل .

ولا شك أيضا ان ضيق ذات يده وتقطع أسباب الرزق عليه

هو الذي جعله في دخيلة نفسه يؤمن بالحظوظ بالدرجة الأولى

وينسب كل نجاح أو فشل إليها ، وان كان هو في عين الوقت ممن

يؤمن عليا بنظرية السببية كما قدمنا قريبا ، فإنه قال مرة :

 

‹ صفحة 14 ›

لولا الحظوظ لما ألفيت ذابله * يجني النظار وشهم القوم يحتطب

تالله كم قاعد يؤتى خزائنها * وربما لا ينال القوت مكتسب

 

وقال مرة أخرى :

 

وما هو إلا الخط يولي معاشرا * نحو ويولي آخرين سعودا

 

وله من هذا النحو في إرجاع كل شئ إلى الحظ القول

الكثير الذي يدل على تأثره النفسي الذي اضطره إلى الايمان

بالحظ الايمان والمطلق كأكثر الناس الذين لا يكون حليفهم النجاح

في حياتهم المادية .

وبعد هذا يستطيع الباحث أن يستخرج كثيرا من أفكاره

وأحواله الشخصية من شعره لولا أن هذه الكلمة العابرة لا تسع

لأبحاث أخرى . ولعلي أفتح الباب بهذا الترجمة المختصرة إلى

من يريد أن يحيط بأحوال هذا النابغة فمثلا نستطيع أن نستنتج

انه كان ؟ ؟ بالراء ويقلبها عينا من قوله :

 

ولم ألغ حرف الراء إلا لحكمة * إذا فهت بالراوي تاسطت بالعاوي

وقالوا روى عنك الأحاديث كاذب * لقد صدقوا لكنما كذب ( الراوي )

ألفيته :

وختم كامتنا عند بالحديث عن ألفيته العامرة المعروفة

بالأزرية التي لأجلها ترجمنا له ، وقد طبقت شهرتها الآفاق واقتنتها

رواد الأدب والمعرفة وحفظتها أهل المنابر والخطباء وخلدت

شاعرها في الطبقة الأولى من شعراء اللغة العربية ، ولا غرو ،

‹ صفحة 15 ›

فإنها تجمع إلى المتانة والجزالة وضوح الديباجة ورقة

الأسلوب ودقة التعبير وتركيز الفكرة وقوة الحجة وسلاسة البيان

وسلامة اللفظ . كما تجمع إلى الاستدلال المتين على العقيدة

والحماسة الدينية المشبوبة القصص التأريخية والمناحي

الأخلاقية العالية والدعوة إلى العدل الاسلامي كل ذلك مع

المدح والثناء البالغ لسيد الرسل وآل بيته الطيبين عليه وعليهم

السلام ، فجاءت كما تقرأها آية في الفن ومفخرة من مفاخر الشعر

العربي ، بل معجزة من معاجزه لم يسبقه إلى مثلها وطول نفسها

سابق ولم يلحقه لاحق ، وهي على طولها مع أنها على قافية

واحدة لا تجد بين أبياتها ضعفا أو هبوطا عن مستواها العالي ومما

يؤسف له حقا ان ناظمها كتبها في طومار للاحتفاظ بها وهي تبلغ

الف بيت فأكلت الأرضة جملة منها ، والذي بقى منها على

التحقيق 587 بيتا ، وهو الموجود المتداول بين أيدي الناس الذي

خمسه المرحوم الشيخ جابر الكاظمي .

وهي ينبغي أن تعد كتابا دينيا لا قصيدة ، فإنها تمثل رأي

الامامية في النبوة والإمامة كاملا وفيها كثير من المباحث الكلامية

وإقامة الحجج عليها في باب الإمامة تغني بجملتها عن مجلدات

ضخمة ولا شك ان تركيز الفكرة واختصار العرض وايجاز

الدليل وتلخيص الوقايع ودقة التعبير كل ذلك لا يحصل

بالنثر كما يؤديه الشعر ، مضافا إلى للشعر تأثيره الكبير في

النفوس لاقناعها وتوجيهها ، فهو أكثر أثرا في الجدل الديني وغير

الديني من النثر .

‹ صفحة 17 ›

الشيخ جابر الكاظمي

مخمس الأزرية

1222 - 1313

كان لتخميس ( الأزرية ) الذي برع فيه الشاعر رنة

استحسان في الأوساط الأدبية والدينية ، بل كان السبب في ذيوع

صيته وشهرته وتخليد اسمه في مصاف ( شعراء آل البيت ) في

القرن الثالث عشر الذي نبغ فيه جماعة كبيرة من فحول الشعراء

كما قلنا في ترجمة الآزري ، وكاد أن يعد بسبب هذا التخميس في

الطليعة منهم .

وفى الحقيقة ان الشيخ جابر الكاظمي هذا شاعر كبير ممن

ازدان به عصره ، ولو لم يكن له إلا تخميس الأزرية هذا لكفى

دلالة على شاعريته وبراعته الأدبية ، فإنه يدل على سلامة ذوقه

وجودة تفكيره وتمكنه من اللغة ومعرفته بأساليب البيان . ومع ذلك

فله ديوان شعر عامر فيه كثير من الشعر العالي المطبوع ولا يزال

مخطوطا واسمه ( سلوة الغريب واهبة الأديب ) وتجد جملة

من شعره العامر في ( أعيان الشيعة ) في ترجمته .

‹ صفحة 18 ›

وكانت تربيته الأولى في النجف في الوقت الذي كانت تعج

فيه بالشعراء ونوادي الأدب العامرة ، ولا شك ان لتربيته هذه التأثير

الكبير في صقل قريحته وتوجيهه إلى الناحية الأدبية ، ومن أجل

ذلك كان يتصل بجماعة كبيرة من ذوي البيوتات في النجف من

شعراء وفضلاء وعلماء ، وله أصدقاء كثيرون فيها قارضهم الشعر

ومدحهم وساجلهم فيه ، كآل كاشف الغطاء وآل الخرسان والشاعر

المعروف السيد راضي القزويني وغيرهم .

ولذا يقول في مطلع رثاء المرحوم السيد حسن الخرسان

( وهو من الأفذاذ في علمه ومنزلته الاجتماعية وشجاعته وإياء

نفسه ) وذلك سنة 1265 :

دمن قضيت بربعها أو طارى * وخلعت فيها للشباب عذارى

 

وكان له مطارحات ومساجلات مع جملة من شعراء عصره

في النجف وبغداد ، منهم الشاعر المشهور عبد الباقي العمرى .

وفى ديوان عبد الباقي جملة من هذه المساجلات التي تدل على

ذوق رفيع وأدب عال .

وأديبنا فضلا عن كونه شاعرا بالعربية فإنه كان شاعرا

بالفارسية مجيدا فيها ، وله ولعبد الباقي العمرى قصائد مشتركة

مامعة من شطر فارسي وآخر عربي والقسم الفارسي منها لأديبنا

والعربي لعبد الباقي . وكان يتصل بالملوك والامراء الذين كانت

عندهم سوق الأدب رائجة ويعطفون على الأدباء والشعراء . وسافر

هو إلى ( طهران ) في زمان فتح علي شاه وامتدحه بقصيدة باللسان

‹ صفحة 19 ›

العربي فأجازه عليها ، وكذلك سافر مرة أخرى إليها في زمان

محمد شاه ومدحه أيضا بقصيدة عربية .

وأصيب في أخريات عمره بمرض عصبي شديد ، قيل حتى

سكن ستة أشهر تحت السماء في أعلى السطح مكشوف الرأس

ولم يتكلم بكلمة . وكان يتخيل في الشيخ محمد حسن آل يس

المجتهد الكبير المشهور انه صاحب الامر المنتظر متسترا باسم

الشيخ محمد حسن . وقد عولج بالأخير فتحسنت حاله ، وقد نقل

السيد الاجل العلامة الأمين حفظه الله تعالى في كتابه ( أعيان

الشيعة ) انه رآه وهو شيخ كبير .

نسبه :

في أعيان الشيعة : انه ابن الشيخ عبد الحسين بن

عبد الحميد ( المعروف بحميد ) بن الجواد "(1) بن أحمد (2)"

بن عباس بن خضر بن عباس بن محمد بن المرتضى بن أحمد بن محمود

بن محمد بن الربيع الربيعي ، ينتهي نسبته إلى ربيعة بن نزار ، فهو

عربي الأصل والمنشأ ولكنه لم يلقب بقبيلته وانما المعروف تلقيبه

بالكاظمي

وأمه علوية تسمى بالهاشمية بنت السيد جواد البغدادي ،

وكانت جليلة القدر عابدة زاهدة ، يحكى ان صاحبي الفصول

 

_____________________

 

( 1 ) الجواد أبو قبيلة تعرف بالجوادات في " بلد " التي بين بغداد وسامراء .

( 2 ) وفي الذريعة أضاف اسم " خضر " بين أحمد وعباس والعباس هذا كان أبا لتسعة

أولاد يسكنون في " بلد " .

 

‹ صفحة 20 ›

والجواهر كانا إذا جاء الزيارة الكاظمين عليهما السلام يزورانها في

دارها لجلالتها . ويشير هو إلى نسبه من أمه بأن التي مدح بها

الشيخ محمد الشيخ علي كاشف الغطاء ، وكان الشيخ يتعهده

ويجزل له العطاء فأعطاه مرة عباءة فاخرة فأنشأ ارتجالا :

 

ان خير الورى محمد من في * مثله بعده عقمن النساء

شملتني منه العبا فجتني * بفخار يدوم تلك العباء

أنا من ( أهلها ) وقد شملتني * نسبة حيث جدتي ( الزهراء )

 

وهو خال السيد الجليل المجتهد السيد حسن الصدر

الكاظمي رحمه الله

محمد رضا المظفر

أبو قبيلة تعرف بالجوادات في " بلد " التي بين بغداد وسامراء . " 2 "

وفي الذريعة أضاف اسم " خضر " بين أحمد وعباس والعباس هذا كان أبا لتسعة

أولاد يسكنون في " بلد " .

‹ صفحة 23 ›

بسم الله الرحمن الرحيم

شمس حسن كالشمس رأد ضحاها * كم أماطت عن الليالي دجاها

قلت إذ لاح العيون سناها * لمن الشمس في قباب قباها

شف جسم الدجى بروح ضياها

 

ليس يدري من شام منها اتقادا * وإليها رأى الورى قصادا

المن تجنب السراه جيادا * ولمن هذه المطايا تهادا

حي أحياءها وحي سراها

 

هاجها ضوء بارق مستنير * فمضت تسبق الصبا بمسير

ولديها العسير غير عسير * يعملات تقل كل غرير

قد حكته شمس الضحى وحكاها

 

أنحل الجسم لم يدع لي ظلا * مذ علي النوى نواهم تولى

فوحق الذي بقلبي استقلا * ما أراني بعد الأحبة إلا

رسم دار قد انمحى سيماها

 

أنا حلف الهوى فلم أر ضيرا * في غرام رأيت عقباه خيرا

 

‹ صفحة 24 ›

ولسجع يطير باللب طيرا * كم شجتني ذات الجناح سحيرا

حين طار الهوى بها فشجاها

 

أنا مهما أنسى الصبا وزرودا * لست أنسى بها ورود ورودا

وهي في ذكرها جوى معهودا * ذكرتني وما نسيت عهودا

لو سلا المرء نفسه ما سلاها

 

لم أزل في جوى فؤاد مؤجج * من هوى صرف راحة ليس تمزج

ولكم حيث فرع مي تأرج * نبهت عيني الصبابة والوج

د وإن كان لم ينم جفناها

 

كنت لم أعرف الهوى وهو أتقى * لي والنفس بالصبابة تشقى

ولكم نبه الهوى من توقى * فتنبهت للتي هي أشقى

والهوى للقلوب أقصى شقاها

 

كم ألم الهوى بقلب فألم * بحشا من أو أمه تتضرم

لا تلو ماذا ناظر فاض بالدم * يا خليلي كل باكية لم

تبك إلا لعلة مقلتاها

 

أضرم الحب في حشاها وأجج * نار وجد على الدوام تؤجج

فإذا خدها بدمع تضرج * لا توما الورقاء في ذلك الوج

لعل الذي عراني عراها

 

ذكرت جيرة أطالت عناها * إذا طالت على الشناء جباها

فهي إن بل بالبكاء جواها * خلياها وشأنها خلياها

فعساها تبل وجدا عساها

 

‹ صفحة 25 ›

جد فيها الغرام من دون مين * فأسالت دمعا جرى كلجين

ولعمري إذ لا تراع ببين * كان عهدي بها قريرة عين

فاسألاها بالله مم بكاها

 

طائر القلب صادح فوق دوحي * يقرأ العشق من لوائح لوحي

كم يروحي أودى الهوى وبروحي * ليت شعري هل للحمائم نوحي

أم لديها لواعجي حاشاها

 

كم لعشق أسرعت وهي تأنت * وبنفسي في الحب جدت وضنت

ولكم هاجني الهوى واطمأنت * لو حوت ما حويته ما تغنت

سل عن النار جسم من عاناها

 

كم رحلتم إذ قدر رحلتم بقلب * وبوجد أتحفتم كل صب

فبحق الهوى ولوعة حب * أهل نجدرا عواذ مام محب

حسب الحب روضة فرعاها

 

فوفاء أهل الوفى والتحنن * فالجفا من وفاكم ليس يحسن

إن أردتم تصحو القلوب وتسكن * عودونا على الجميل كما كن

تم فقد عاود القلوب أساها

 

كم حبينا بالقرب منكم سرورا * وشربنا من الشفاه خمورا

إن منعتم من الثغور ثغورا * قربونا منكم لنشفي صدورا

جعل الله في الشفاه شفاها

 

إن نأيتم عنا وشط مزار * وتناءت عن المحب ديار

عللونا بالقرب فهو افتخار * وعدونا بالوصل فاهجر عار

‹ صفحة 26 ›

كيف تستحسن الكرام جفاها

 

كم ليال بالوصل كانت تحلى * وزمان به الهموم

تجلى إن تحي العهد الذي قد تولى * حي أوطاننا بوادي المصلى

فهي أوطار نشوة نلناها

 

كان أهل الهوى إليها تقاصد * والغواني بين المغاني مما يد

وأولوا الحب بالوفاء تعاهد * حيث صحف الغرام تتلى وما أد

رآك ما لفظها وما معناها

 

أربع والحسان مؤتلفات * في رباها وللزمان التفات

وثنايا كأنها عرفات * كم لأهل الهوى بها وقفات

أوفقتها على بلوغ مناها

 

ولكم للزمان بيض عطايا * حلن ما بيننا وبين الرزايا

ذكرتنا بها وقوف المطايا * حبذا وقفه بتلك الثنايا

صح حج الهوى بوادي صفاها

 

لم تشب وعدنا العذارى بمطل * لا ولم نصغ في الغرام لعذل

وبروض الهوى بهتان وبل * كلما مر من سحائب وصل

سار سر الهوى فمزاها

 

كم كسانا الهوى ثياب عفاف * وسقانا منه كؤوس تصاف

وبعهد الصبا لأجل ارتشاف * كلما أسلف الصبا من سلاف

تصقل الدهر نسمة من شذاها

 

كم ليال بيض حبتنا صفاها * ذهبت لو تعود ما أحلاها

‹ صفحة 27 ›

أججت في الحشا لظى ذكراها * أين أيام رامة لا عداها

مدمع العاشقين بل حياها

 

ذاك دهر للعيش فيه بعثنا * ومن البؤس كم به قد أغثنا

ولهونا به وكم قد عبثنا * دهر لهو كأننا ما لبثنا

فيه إلا عشية أو ضحاها

 

 

بالنوى يأمر الغرام وينهى * في قلوب لها الحوادث تنهى

كم روت ألسن الصبابة عنها * ما لنا والنوى كفى الله منها

أي نكر أتت به كفاها

 

كم من النائبات لذنا لواذا * بالأسى إذ نأوا ورمنا معاذا

فاغتدى القلب في نواهم جذاذا * حيث بتنا شتى المغاني وما ذا

أنكر الدهر من يد أسداها

 

كم جنيتم يوم الرحيل ذنوبا * كم جلبتم لكل صب خطوبا

كم تركتم في كل قلب شعوبا * يا أخلاي لو رعيتم قلوبا

جد جد الهوى بها فابتلاها

 

طالما أضرمت بنار هواكم * وبراها يوم التنائي جفاكم

فوهت بالأسى لطول عناكم * أنصفوها من جور يوم نواكم

حسب تلك الأكباد جور جفاها

 

كم سقتنا خمر الصبابة صرفا * كل عذراء فاقت الظبي طرفا

قل لمن رام من أميمة عطفا * عمرك الله هل تنشقت عرفا

من دمى الحي أو وردت لماها

 

‹ صفحة 28 ›

أفهل لوعة لك الحب أنهى * أم تعرفت للصبابة كنها

أم سألت الغيد الأوانس عنها * أم لمحت القباب أم شمت منها

تلكم الومضة التي شمناها

 

رحلوا والزمان لو لم يخنهم * عن ربوع زهت بهم لم يبنهم

ونأوا لا ترى سوى النؤى منهم * خبرينا يا سرحة الواد عنهم

أين ألقت تلك الظعون عصاها

 

أيها القوم إن حفظتم ذماري * وعرفتم للجار حق الجوار

فاطلبوا عند غيدهم أوتاري * يا لقومي ما دون ورامة ثاري

فاسألوا عن دمي المراق دماها

 

وأسرعوا للتراث بعد أناة * يا سراة الوغى وأي سراة

وخذوا الثأر من جفون فتاة * إن حتف الورى بعين مهاة

لا تخال الحمام إلا أخاها

 

إن أطالت بالهجر في جفانا * فالهوى للكرام يولي الهوانا

وإن أزداد في هواها جوانا * ما على مثلها يذم هوانا

وعلى مثلنا يذم قلاها

 

خلياني وزفرتي وحنيني * واتركاني بلوعتي وأنيني

كدت أقضي بالعذل في كل حين * يا خليلي والخلاعة ديني

فاعذرا أهلها ولا تعذلاها

 

كم قلوب أوهى الغرام وأزعج * وبها أوقد الضرام وأجج

أفهل من مضابق الصد منهج * إن تلك القلوب أقلقها الوج

د وأدمى تلك العيون بكاها

 

‹ صفحة 29 ›

كم أسالت لها الصبابة طرفا * ولها أرغمت يد البعد أنفا

فرويدا يا لائمي وعطفا * ولا تلوما من سيم في الحب خسفا

إنما آفة القلوب هواها

 

أبدل الهجر حلو عيشي بمر * وسقاني على النوى كأس صبر

لا تسلني عن صفو أنكد دهر * أي عيش لعاشق ذات هجر

لا يزال الحمام دون حماها

 

بي عهود كانت من الخلد روضا * وبها العيش كان بالغد غضا

وزمان فيه لو العيش يقضى * اي عيش للسالفين تقضى

كان حلو المذاق لولا نواها

 

فالليالي وضمنها آمال * تارة منحة وأخرى وبال

وبأخرى قبح وأخرى جمال * هي طورا هجر وطورا وصال

ما أمر الدنيا وما أحلاها

 

إن زمتنا بغضاء دهر بغيض * ببعاد عن ذات طرف غضيض

فغدونا منها كجفن مريض * كم ليال مرت بلمياء بيض

كان يجني النعيم من مجتناها

 

هي أجرت دمعي ولم تدر أني * جامد الدمع والتثبت فني

أنا طود رساسل الخطب عني * كان أنكى الخطوب لم يبك مني

مقلة لكن الهوى أبكاها

 

كنت لم أصغ للغرام بسمعي * وفؤادي لم يرم منه بصدع

‹ صفحة 30 ›

يا أخا الحب والتجلد طبعي * لو تأملت في مجامد دمعي

لتعجبت من أسى أجراها

 

أنا غوث العلى بي المجد قد قر * أنا طود الوغى إذا طودها فر

أنا قطب الهيجاء في ملتقى الكر * أنا سيارة الكواكب في الحر

ب فأنى يعده علي سهاها

 

كم صروف للنائبات شداد * رائحات على الأنام غواد

ولكم سومت كخيل طراد * كل يوم للحادثات عواد

ليس يقوى رضوى على ملتقاها

 

كم خطوب للدهر لا تتجلى * وذنوب عن نهجها النسك ضلا

إن عدت فضل من دنا فتدلى * كيف يرجى الخلاص منهن إلا

بذمام من سيد الرسل طه

 

أفهل طائل المديح موف * مدح من عنه قاصر كل وصف

ملجا الخاطئين أمنع كهف * معقل الخائفين من كل خوف

أوفر العرب ذمة أوفاها

 

ليس يعدو فعل الورى ناظريه * مفرد جمعها عيال عليه

علم عود كل علم إليه * مصدر العلم ليس إلا لديه

خبر الكائنات من مبتداها

 

كل عن كنه ذاته كل نبل * وتحامى عن دركه كل عقل

ملكت كفه الوجود ببذل * ملك يحتوي مما لك فضل

غير محدودة جهات علاها

 

‹ صفحة 31 ›

رب جود أغنى الوجود جداه * وعلى طالت السماء سماه

إنما كوثر الجنان يداه * لو أعيرت من سلسبيل نداه

كرة النار لاستحالت مياها

 

إن عفو الاله عنه روته * مكرمات للفضل طرا حوته

وعذاب الجحيم عنا طوته * هو ظل الله الذي أو آوته

أهل وادي جهنم لحماها

 

جل رب أبان ما لم يبنه * بنبي فيض الهدى فاض عنه

فهو والرسل بالعلى لم يزنه * علم تلحظ العوا لم منه

خير من حل أرضها وسماها

 

ملك دون فخره كل فخر * أمره نافذ بحشر ونشر

كم بنهي منه انتهى صرف دهر * ذاك ذو إمرة على كل أمر

رتبه ليس غيره يؤتاها

 

ذاك أدنى الورى من الله قربا * ذاك أسمى من السماوات كعبا

ذاك ليث لكنه الغيث سكبا * ذاك أسخى يدا وأشجع قلبا

وكذا أشجع الورى أسخاها

 

فلك أنجم العلى تتحلى * فيه والكون في سناه تجلى

مبتدى العلم منتهاه محلا * ما تناهت عوالم العلم إلا

وإلى ذات أحمد منتهاها

 

خاتم الرسل علمها فض عنه * مبدء الفيض فضلها من لدنه

فإذا الكون كله لم يزنه * أي خلق لله أعظم منه

‹ صفحة 32 ›

وهو الغاية التي استقصاها

 

إن ربا أولاه أعظم من * وحياه بكل حسنى وحسن

هو مذ شاء خلق إنس وجن * قلب الخافقين ظهرا لبطن

فرأى ذات أحمد فاجتباها

 

لم يسم مثل فضله الكون سوما * لا ولا حام حوله الرسل حوما

من يمين الاقدار كم فلك قوما * من ترى مثله إذا شاء يوما

محو مكتوبة القضاء محاها

 

موضع السر بالهدى خير مسل * ألهم الوحي قبل أن يتنزل

وحوى كل مجمل ومفصل * ذات علم بكل شئ كان ال‍

- لوح ما أثبتته إلا يداها

 

ضمنت منه طيبة خير رمس * مستجارا أمسى إلى كل نفس

إن بدرا به سما كل شمس * لست أنسى له منازل قدس

قد بناها التقى فأعلى بناها

 

عرشها كم أظل من ملكوت * جلل العرش منه في جبروت

وحوى فتية كرام نعوت * ورجالا أعزة في بيوت

أذن الله أن يعز حماها

 

فازتا الله من بهم قد تولى * أي فوز ومن عداهم تخلى

هم ونور في الطور منهم تجلى * سادة لا تريد إلا رضا ال‍

- له كما لا يريد إلا رضاها

 

قد براهم مكون الأكوان * زينة للوجود والامكان

‹ صفحة 33 ›

جل رب نائي المدى متداني * خصها من كماله بالمعاني

وبأعلى أسمائه سماها

 

بهم المعجزات زادت بروزا * بعد ما كان كنزها مكنوزا

فئة للغيوب حلت رموزا * لم يكونوا للعرش إلا كنوزا

خافيات سبحان من أبداها

 

هم كنوز العلم الإلهي عج بي * لحماهم ففيه تنفيس كربي

هم وعاء الاسرار للغيب تحبي * كم لهم السن عن الله تنبي

هي القلام حكمة قد براها

 

هم ليوث للحتف بالرعب تردى * وغيوث راحاتها الدهر تندى

هم عقول تهدي الأنام لرشد * وهم الأعين الصحيحات تهدى

كل عين مكفوفة عيناها

 

هم نجوم للنجم فيها اهتداء * وشموس للشمس فيها لقتداء

كم بأبنائها أتت أنبياء * علماء أئمة حكماء

يهتدي النجم باتباع هداها

 

أنجم الفضل أشرقت في سماهم * وبدت شمسه بأفق علاهم

واحتمى العلم والعلى بحماهم * قادة علمهم ورأى حجاهم

مسمعا كل حكمة منظراها

 

أنا في جنة تحصنت في الذر * بلائي لآل طه وحيدر

فإذا الكون كله جاش بالشر * ما أبالي ولو أهليت على الأر

ض السماوات بعد نيل ولاها

 

‹ صفحة 34 ›

هم شموس بنت على النجم مغنى * وبدور جلت عن الدهر دجنا

لا تبارى سنا وفضلا ومنا * من يباريهم وفى الشمس معنى

مجهد متعب لمن باراها

 

ملكوا الكائنات عرضا وطولا * مثلوا في الثرى لكي تزولا

سبقوا الرسل أجهدوها وصولا * ورثوا من محمد سبق أولا

ها وحازوا ما لم تحز أخراها

 

صاغه الله رحمة للتفضل * وحساما دم الضلال به طل

خاتم الرسل ما تشاء به قل * آية الله حكمة الله سيف ال‍

- له والرحمة التي أهداها

 

مرسل معجزاته خالدات * نيرات السما لها حاسدات

وسماواتها له ساجدات * أريحي له العلى شاهدات

إن من نعل أخمصيه علاها

 

قمر مشرق بأفق علاء * في سماء الهدى بأبهى سناء

قد سمى كل نير بضياء * نير الشكل دائر في سماء

بالأعاجيب تستدبر رحاها

 

هو روح للعلم والعلم جسم * وهو مبدي لكل فضل وختم

رشحه الغيث وهو للفيض يم * فاض للخلق منه علم وحلم

أخذت عنهما العقول نهاها

 

فلك قد سمى على العرش مرسى * واستطارت به النبوة أنسا

فأجارت به الولاية نفسا * واستعارت منه الرسالة شمسا

‹ صفحة 35 ›

لم يزل مشرقا بها فلكاها

 

غرس الحب في رياض اختبار * من محب حبيب أكرم بار

فجنى منه قرب أي جوار * حي ذاك المليح أي ثمار

من حبيبية الاله اجتناها

 

جاء بالمعجزات في أفعال * أيدتها آياته بمقال

وصفات قد أعذرت كل غال * ما عسى أن أقول في ذي معال

علة الكون كله إحداها

 

غمرت في نداه سبع شداد * ومن الأرض مثلها في عداد

فجميع الأكوان ضيف جواد * كم على هذه له من أياد

ليست الشمس غير نار قراها

 

كم لجدواه من عميم امتنان * في الورى عم كل ناء ودان

فالورى ضيفه بكل مكان * وله في غد مضيف جنان

لم يحل حسنها ولا حسناها

 

كل شئ بجوده أغناه * إذ أفاضت ندا عليه يداه

فالغنى لم يزل فقير نداه * كيف عنه الغنى بجود سواه

وهو من صورة السماح يداها

 

بنداه الأكوان منغمرات * والوجودات كلها خضرات

فالغوادي إليه مفتقرات * أين من مكرماته معصرات

دون أدنى نواله أنداها

 

كان هذا الملا خلاء وفضلا * من وجود فعاد بالجود وصلا

‹ صفحة 36 ›

ومن العلم حيث قد كان محلا * ملأت كفه العوالم فضلا

فلهذا استحال وجه خلاها

 

باسمه يرزق الاله ويثري * وبه يذهب السقام ويبري

سيف حتى للحق مشهور ذكر * بأبي الصارم الإلهي يبري

عنق الأزمة الشديد براها

 

كم أراشت منه يد الرشد سهما * أو سعت فيه الضلالة كلما

مذ رأته أمضى من السيف عزما * جاورته طريدة الدين علما

أنه ليثها الذي يرعاها

غر آيات فضله محرزات * كسواها لو أنها موجزات

ولكم وهى أنجم بارزات * نطقت يوم حملة معجزات

قصر الوهم عن بلوغ مداها

 

جاءت الرسل بالبشارة دهرا * قبله فيه والثرى فاح عطرا

ومذ الكون عمه الله بشرا * بشرت أمه به الرسل طرا

طربا باسمه فيا بشراها

 

إن أتت دورة زهت بشمول * للمزايا وأطربت كشمول ( 1 )

لم تزل غب سرعة أو لطول * تلتقي كل دورة بر سول

أي فخر للرسل في ملتقاها

 

صدق الرسل منه فعلا وقولا * وهو أحيا آثارهم منه طولا

 

ــــــــــــــــــ

( 1 ) الشمول - بفتح الشين - ريح الشمال والخمر أو الباردة منها .

 

‹ صفحة 37 ›

فنما الفخر فيه حولا فحولا * كيف لم يفخروا بدولة مولى

فخر الذكر باسمه وتباهي

 

حاز فضلا أدناه لا يتأنى * لأولي العزم أين منه ابن متى ( 1 )

والذي خصه بأشياء شتى * لم يكن أكرم النبيين حتى

علم الله أنه اتقاها

 

كم بتقوى سمى النبيين ذكرا * وشأى العالمين بالعلم قدرا

فلعلياه يخضع الدهر قسرا * ولتقواه تنثني الرسل حسرى

حيث لا تستطيع نيل ذراها

 

مرسل كل مرسل فيه بشر * وبه بارئ البرية أخبر

ولكم حين خلق آدم والذر * نوهت باسمه السماوات والأر

ض كما نوهت بصبح ذكاها

 

هو نور منه الحجى ولدته * كل نور وللسنا هو كنه

روت الكتب والنبيون عنه * وبدا في صفائح الصحف منه

بدر إقبالها وشمس ضحاها

 

صان سرا وغيره لم يصنه * فيه دان الاله من لم يدنه

فغدت تأخذ الفواضل منه * وغدت تنشر الفضائل عنه

كل قوم على اختلاف لغاها

 

شكل الرسل شخصه تشكيلا * للبرايا ووصفه تمثيلا

 

ــــــــــــــــ

( 1 ) أولو العزم هم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام .

 

‹ صفحة 38 ›

فترجوه للضلال مزيلا * وتمنوه بكرة وأصيلا

كل نفس تود وشك مناها

ومذ الحق فيه أشرق ملكه * وبه الدين قد تنظم سلكه

كل شئ قد انجلى فيه شكه * وتنادت به فلاسفة الكه‍

- هان حتى وعى الأصم نداها

ذات قدس ليس الثنا يكفيها * لا ولا العالمون مدحا تفيها

بل ولا الأنبياء مع من يليها * وصفوا ذاته بما كان فيها

من صفات كمن رأى مرآها

 

بسناه حوالك الدهر حالت * وبه ظلمة الضلالة زالت

رب فيض منه العوالم زالت * طربت لاسمه الثرى فاستطالت

فوق علوية السماء سفلاها

 

أسفر الحق إذ تحقق ظن * لظهور منه أتى فهي إذن

وحبى الكون منه فضل ومن * ثم أثنت عليه إنس وجن

وعلى مثله يحق ثناها

 

بث فيه الضلال مولاه بتا * بعد ما كان ناتئ العرق ثبتا ( 1 )

فالورى قبله وقد زدن مقتا * لم يزالوا في مركز الجهل حتى

بعث الله الورى أزكاها

 

كان إذ لم يكون الله نفسا * ولهذا الأكوان لم تر همسا

 

ـــــــــــــــــ

( 1 ) الناتئ : المنتفخ .

 

‹ صفحة 39 ›

وصباح الوجود قد كان ممسى * فأتى كامل الطبيعة شمسا

تستمد الشوس منه سناها

 

فأضائت كواكب منه زهر * وهي اثنان كالبروج وعشر

فجلى ليل مكة منه بدر * وإلى فارس سرى منه سر

فاستحالت نيرانها أمواها

 

ولقد حان هلكها فيه وقتا * حيث ظلت وزادها الغي بهتا

ولكن بت عزها البغي بتا * وأحاطت به البوائق حتى

غاض سلسالها وفاض ظماها

 

تلك آياته مدى الدهر تترى * طبقت جملة البسيطة مسرى

تحت الشام والعراق ومصرا * وأقامت في سفح إيوان كسرى

ثلمة ليس يلتقي طرفاها

 

كم أبانت عن الاله علوما * وأطاشت من الضلال حلوما

ورمت ماردا فأضمت مشوما * وتهاوت زهر النجوم رجوما

فانزوى مارد الضلال وتاها

 

فاغتدى كل ضلال بشعب * والشياطين قد توارت بحجب

كلما أرصدت لرجم بشهب * رميت منهم القلوب برعب

دك تلك الجبال من مرساها

 

نير قد أضاء في كل قطر * بسنالا يغيب في كل عصر

وبه زال كل غي وكفر * وانمحت ظلمة الضلال ببدر

كان ميلاده قران انمحاها

 

‹ صفحة 40 ›

ومليك الرشاد ساد بحكم * وفؤاد الأعداء خيط بسهم

وارتمت أربع الضلال بهدم * فكان الاشراك آثار رسم

غالها حادث البلا فمحاها

 

وتلافي الاله مثلا بمثل * عز رشد بذل غي وجهل

فكأن الصلبان أو صال نبل * وكأن الأوثان أعجاز نخل

عاصب الريح هزها فرماها

 

ملا الأرض والسماوات نورا * وعن الدين كم جلى ديجورا

فبسيط الثرى يميد حبورا * ونواحي الدنيا تميس سرورا

كغصون مر النسيم ثناها

 

كم جموح قد عاد طوع يديه * ورميم في الرمس فاه لديه

وسلام أهدى السلام إليه * سيد سلم الغزال عليه

والجمادات أفصحت بنداها

 

عرش مجد علياوه قد تسنت * ذروة العلم وهي للعلم سنت

باسمه خرد الفضائل غنت * وإلى نشره القلائس حنت ( 1 )

راقصات ورجعت برغاها ( 2 )

 

معجزات شأو المعاجز فاقت * أحيت الرشد والضلال أماتت

كيف تفنى إذا المعاجز ماتت * وإلى طبه الإلهي باتت

 

ـــــــــــــــــ

( 1 ) الخرد جمع خريدة وهي : البكر التي لم تمس قط .

( 2 ) القلائص جمع قلوص - بفتح القاف - وهي : من الإبل الشابة منها والباقية على

السير والطويلة القوائم .

 

‹ صفحة 41 ›

علل الدهر تشتكي بلواها

 

فالليالي لم تشك إلا لديه * حيث قد عولت بضر عليه

ملك والزمان طوع يديه * كيف لا تشتكي الليالي إليه

ضرها وهو منتهى شكواها

 

نور حق جلى عن الحق عينا * بسنا لم يجد له الدهر بينا

كم به وفت الرسالة دينا * وبه قرت الغزالة عينا

بعد ما ضل في الربى خشفاها

 

حر العز والعلا مغناه * توج السبعة الشداد علاه

هو عرش للكبرياء بناه * من لشمس الضحى بلثم ثراه

فتكون التي أصابت مناها

 

من سناه صبح الهدى قد تنفس * بل من جوده الوجود تأسس

ممكن كل ممكن فيه يحرس * جاء من واجب الوجود بما يس ( 1 )

تصغر الممكنات أن يغشاها

 

شاد بيتا علاه بالعرش متا * بيد بتت الحوادث بتا ( 2 )

كم لعلياه مع مكارم شتى * سؤدد قارع الكواكب حتى

جاوزت نيراته جوازها

 

عم نفعا حسامه ويداه * تلك تحيى وذا يميت شباه

 

ــــــــــــــــــ

( 1 ) الوجود ( الواجب ) في اصطلاح المتكلمين : هو الذي لا يقبل العدم و ( الممكن )

هو الذي يقبل العدم ، والواجب هو الله تعالى ، وجميع مخلوقاته ممكنات .

( 2 ) مت الشئ متا : مده .

 

‹ صفحة 42 ›

فهو ذو حالتين مهما تراه * بأسه مهلك وأدنى نداه

منقذ الهالكين من بأساها

 

ذو نوال على العلا حام حوما * ومعال ما خالطت قط لوما

رب فيض كفى وما كف يوما * كم سخى منعما فأعتق قوما

وكذا أشرف الطباع سخاها

 

هو بحر وغيره شبه آل * ليس يروى من الظما ببلال ( 1 )

وهو بالغيث فيضه متوال * كم نوال له عقيب نوال

كسيول جرت إلى بطحاها

 

ملك الدهر كم بحل وربط * نظم الكون نظم عقد بسمط

إن بقبض ساس الوجود وبسط * إنما الكائنات نقطة خط

بيديه نعيمها وشقاها

 

ــــــــــــــــــ

( 1 ) آلا : السراب .

 

من شذاه أحيى البرية ضوع * وأمات الردى لماضيه روع

ذو هبات من فيضها الكون نوع * كلما دون عالم اللوح طوع

ليدي فضله الذي لا يضاها

 

ذو أياد أضحى لها الكون ضيفا * وظبا يقظة ترو وع وطيفا

كم له كالأفلاك كما وكيفا * هم قلدت من الله سيفا

ما عصته الصعاب إلا براها

 

ذو معال به العلوم أمأنت * ونوال جدواه بالكون منت

‹ صفحة 43 ›

كم له والاقدار فيه استكنت * عزمات محيلة لو تمنت

مستحيلا من المنى ما عصاها

 

ذو صفات شعث المكارم لمت * وهبات بالمجد نائب وزمت

قس عليها ودع مناقب جمت * لا تسل عن مكارم منه عمت

تلك كانت يدا على ما سواها

 

لم يزل للأكوان يولي التفضل * ولكل الوجود بالجود يشمل

صيغ من جوهر الندى والتطول * جوهر تعلم الفلزات من ك

ل القضايا بأنه كيمياها

 

جرد الله للمعالي ذواتا * منه عادت لوصفه مرآتا

وهو للحق إذ غدى مشكاتا * جاز من جوهر التقدس ذاتا

تاهت الأنبياء في معناها

 

إن آياته العظيمة ذكرا * بعضها أعجز النبيين طرا

دع مزايا أبت مدى الدهر حصرا * لا تجل في صفات أحمد فكرا

فهي الصورة التي لن تراها

 

ذاته آية من الله كبرى * شمخت بالعلا على العرش كبرا

وكست جملة العوالم فخرا * تلك نفس عزت على الله قدرا

فارتضاها لنفسه واصطفاها

 

وحد الله فيه كل إلهي * فاغتدى خافي الحق فيه شفاهي

وجلى الغي منه نور سماوي * صيغ للذكر وحده والإلهي

ون كانت في الذكر عنه شفاها

 

‹ صفحة 44 ›

ان مبدأ توحيدها كان منه * والعقول اهتداؤها من لدنه

فإذا من علاه أجهل كنه * سل ذوات النمير تخبرك عنه

ان حال التوحيد منه ابتداها

 

جل رب بر براه فعلم * من علوم الغيب التي ليس تعلم

فهو فيما يوحى إليه ويلهم * حاز قدسية العلوم وان لم

يؤتها احمد فمن يؤتاها

 

أتحف البحر جوده باللآلي * والغوادي بفيضه المتوالي

وأظل العلى بأعلى ظلال * أقسمت جميع المعالي

انه ربها الذي رباها

 

أدرك الخافيات منه بحس * طوع معناه كل جهر وهمس

فهو بالعلم لا بظن وحدس * يصدر الامر عن عزائم قدس

ليست السبعة السواري سواها ( 1 )

 

كم على عرش مجده المتعالي * أفق مجد زها بشهب المعالي

ولكم طال من عروش طوال * بطل طاول الظبا والعوالي

بيد لا يطولها ما عداها

 

غمرت كفه العوالم بالدر * حيث عمت بجودها البحر والبر

فهي مجرى الندى ومن عالم الذر * أنمل عاشت السماوات والأر

 

ـــــــــــــــــ

( 1 ) السبعة السواري : هي النجوم السيارة على الهيئة القديمة وهي : الزهرة ،

والمشتري ، والمريخ ، وعطارد ، والشمس ، والقمر ، وزحل .

 

‹ صفحة 45 ›

ض ومن فيها على جدواها

 

واستطالت بالفضل طولا * ونداها أنال منا وأولى

فهي اجرى بكل سؤل وأولى * لا تضع في سوى أياديه سؤلا

ربما أفسد المدام أناها

 

بسناه ليل الضلالة مجلي * وبه عارض الهداية مطلي

ان عدا وصف ذاته كل عقل * عد إلى بعض وصفه تلق كلي

يأت مجد لم تنحصر أجزاها

 

كم حبا الكائنات منه بفضل * وهدى نوره إلى خير سبل

فعرفنا به الهدى بعد جهل * ذاك لو لم تلح عوالم عقل

منه لم يعرف الوجود الإلها

 

وجهه النير الذي في التفاضل * فصل النيرات عند التقابل

فهو بالضوء والعلى والتطاول * شمس قدس بدت فحق انشقاق ال‍

بدر نصفين هيبة لبهاها

 

اي نعمى على الندى لم يفضها * اي طخياء عن هدى لم يغضها ( 1 )

اي ظلماء للوغى لم يخضها * اي أرضية عصت لم يرضها

أو سماوية سمت ما سماها

 

من إلى غيره العلى ليس يأوي * من سوى فيض كفه ليس يروي

من خطى ساحة الوجود بخطو * من تسنى متن البراق ليطوي

 

ــــــــــــــــــــ

( 1 ) الطخياء من الليالي : المظلمة .

 

‹ صفحة 46 ›

صحف أفلاكها به فطواها

 

زاد قربا فزاده الله نعتا * في عروج حوى مآثر شتى

وبه كم رقى على عنه شتى * وترقى لقاب قوسين حتى

شاهد القبلة التي يرضاها

 

شاق محبوبه المحب فأعجل * وله قرب الطريق وذلل

فدعاه إليه والليل * حيث لا همس للعباد كأن ال

له من بعد خلقها أفناها

 

وحباه رب السما كل فضل * حيث أدناه بعد فصل لوصل

وهو لما رقى السماء بنعل * داس ذاك البساط منه برجل

نيرا كل سؤدد نعلاها

 

ذات قدس في السر لله جدت * وعن الحجب في سراها تعدت

ويد الفيض كم له قد أمدت * وعلى متنه يد الله مدت

فأفاضت عليه روح نداها

 

فيه اسرى ليلا إلى خير محفل * هو عن عالم الشهود بمعزل

فأماط الحجاب عن غير ذي ظل * وأراه ما لا يرى من كنوز ال‍

صمدانية التي أخفاها

 

أم شأوا جبريل عنه توقف * ومقاما من للعلى ليس يوصف ( 1 )

تلك كيفية وانى تكيف * ليت شعري هل ارتقى ذروة الأف‍

 

ــــــــــــــــــ

( 1 ) أم شأوا : تقدم شوطا . أو قصد غاية .

 

‹ صفحة 47 ›

لاك أم طأطأت له فرقاها

 

جاز فيه الأفلاك حتى يريه * ربه غيبه الذي يخفيه

لست أدري أخطوة تطويه * أم لسر من مالك الملك فيه

دون مقدار لحظة أنهاها

 

بأيديه عم أدنى وأقصى * ولماضيه دان من كان أعصى

وهو من راحة بها الفيض خصا * كم روى العسكر الذي ليس يحصى

حيث حر الربى يذيب حصاها

 

وتخطى من المجرة نهرا * ببراق طوى السماوات طرا

ولكم شق بالإشارة بدرا * وأعاد الشمس المنيرة قسرا

بعدما عاد ليلها يغشاها

 

نال فضلا على السماوات يرجح * ومعال بها الأماني تنجح

وحبي بالذي لعلياه يصلح * وأظلت عليه من كلل السح‍

ب ظلال وقته من رمضاها

 

ان سر الوجود يلفى لديه * وغنى الكائنات ينمى إليه

فاعتماد الورى بيسرى عليه * واخضرار العصا بيمنى يديه

كاخضرار الآمال من يسراها

 

عول الرسل في الأمور عليه * وأشارت بالمعجزات إليه

ولكم سبح الحصى في يديه * وكلام الصخر الأصم لديه

معجز بالهدى الإلهي فاها

 

فيه قرت بجسمها كل روح * ورأى الكون فيه كل فتوح

‹ صفحة 48 ›

حيث غاض الطوفان بعد طفوح * وسمت باسمه سفينة نوح

فاستقرت به على مجراها

 

عنه قد نابت النبيون سرا * ولهم فيه خلد الله ذكرا

فبه الرسل طالت العرش كبرا * وبه نال خلة الله إبرا

هيم والنار باسمه أطفاها

 

وبه الله صير البحر برا * وبه قد محا لفرعون أثرا

وابن يعقوب فيه ذلل مصرا * وبسر سرى له في ابن عمرا

ن أطاعت تلك اليمين عصاها

 

وبه الله أسس التأسيسا * وبه أسكن السما إدريسا

وبه جاء بالمعاجز موسى * وبه سخر المقابر عيسى

فأجابت نداءه موتاها

 

نوره في الأصلاب ما زال يلمع * وبغيب الغيوب كالشمس يسطع

فبه تسجد الكرام وتركع * وهو سر السجود في الملأ الأع‍

لى ولولاه لم تعفر جباها

 

هو نور ضائت به ظلم الجو * وهو بدر عن الهدى كم جلى السو

وهو شمس كسا العوالم بالضو * وهو الآية المحيطة في الكو

ن ففي عين كل شئ تراها

 

كنز فضل لمنزل الوحي منزل * صدره الرحب وهو للغيب موئل

خازن العلم للعلى خير معقل * الفريد الذي مفاتيح علم ال‍

واحد الفرد غيره ما حواها

 

‹ صفحة 49 ›

من عذاب الجحيم فيه امنا * وبه كل حكمة قد علمنا

كم شهدناه بالصفات فقلنا * هو طاووس روضة الملك بل نا

موسها الأكبر الذي يرعاها

 

هو نفس الندى له الفيض كنه * كل فضل ونعمة من لدنه

وهو روح الهدى نأى الجسم عنه * وهو الجوهر المجرد منه

كل نفس مليكها زكاها

 

نور قدس له الاله تجلى * وبه عاطل الوجود تحلى

فهو مبدي التكوين جزءا وكلا * لم تكن هذه العناصر الا

من هيولاه حيث كان أباها

 

ذو علو لم يرق وهم إليه * ونوال رزق الوجود عليه

فنعيم الخلود يلفى لديه * من يلج في جنان جدوى يديه

يجد الحور من أقل إماها

 

هو ظل الله المخلد ظلا * ما حباه الله الشفاعة الا

لكنوز من جاهه زكاها

 

غمر الكون بالنوال وكلا * كل جيد بجوده فتحلى ( 1 )

بحر جود على الوجود أطلا * ما رأت وجهه الغمامة الا

وأراقت منه حياء حياها ( 2 )

 

ــــــــــــــــــــ

( 1 ) كلل ، أي : أحاط بها من كل جانب وطوقها .

( 2 ) كلمة الحياء في الأولى : الخجل ، والثانية المطر .

 

‹ صفحة 50 ›

نشق الكون من شذاه نسيما * فانتشى بالشذا وكان رميما

ان ترم جنة وتخشى جحيما * ثق بمعروفه تجده زعيما

بنجاة العصاة يوم لقاها

 

جوده كوثر وكم من لدنه * فيض جود جرى له الفضل كنه

ان روى السلسبيل بالفيض عنه * كيف تظمأ حشا المحبين منه

وهو من كوثر الوداد سقاها

 

كم أناس عبت به في شفات * فأشتفي منها الداء في رشفات

وروتها فخلدت بحياة * شربة أعقبتها نشوات

رق نشوانها وراق انتشاها

 

ان حباك الاله فضلا وأولى * قوة لم تزل لديك وحلا

فاقترفت الذنوب فعلا وقولا * لا تخف من أسى القيامة هولا

كشف الله بالنبي أساها

 

فالبرايا جميعها ترتجيه * وهو عند الاله اي وجيه

ملك الملك فاسترق ذويه * ملك شد أزره بأخيه

فاستقامت من الأمور قناها

 

ميت الغي بأسه أفناه * والهدى الحي سيفه أحياه

كم عرين أورى ببرق شباه * أسد الله ما رأت مقلتاه

نار حرب تشب إلا اصطلاها

 

سيفه روع الحمام بغرب * قد أطاعته أهل شرق وغرب

كم رمى المشركين منه برعب * فارس المؤمنين في كل حرب

‹ صفحة 51 ›

قطب محرابها إمام وغاها

 

ذو حسام بحده الدين إحدى * ويمين من دونها السيف حدا

أروع روع الضلال وأردى * لم يخض في الهياج الا وأبدى

عزمة يتقي الردى إياها

 

ناصر شرعة الهدى والمحامي * عنه حامي حقيقة الاسلام

قاصم المشركين عند الصدام * ذاك رأس الموحدين وحامي

بيضة الدين من اكف عداها

 

نال صبح التوحيد فيه التنفس * وبه الشرك في ثرى هلكه رس ( 1 )

مفرد ليس مثله في التجسس ( 2 ) * جمع الله فيه جامعة الرس‍

ل وآتاه فوق ما آتاها

 

ذو سنان وصارم يوم معضل * ذا يخيط الكلى وهذا يفصل

فإلى رمحه انتمت نهشة الصل * وإذا ما انتمت قبائل حي ال‍

موت كانت أسيافه آباها

 

أسد ان رأى الهياج تبختر * وإذا الرعب لجلج الأسد زمجر

وذراها ذرو الهشيم بصرصر * من ترى مثله إذا صرت الحر

ب ودارت على الكماة رحاها

 

كم لأفعى سنانه من تلوي * ولصمصامه دوي يدو

وعلى الصيد كم له من سمو * ذاك قمقامه الذي لا يروي

غير صمصامه أوام صداها

 

آية قد أتت بفتح ونصر * للهدى والرشاد أعظم ذخر

ــــــــــــــــــ

( 1 ) رس الميت : دفنه . ورس : دفن .

( 2 ) يريد لا يعثر على مثيل له بعد البحث والتحري .

 

‹ صفحة 52 ›

كم تجلى بسيفه ليل كفر * وبه استفتح الهدى يوم بدر

من طغاة أبت سوى طغواها

 

كم تراءى من غمد رعب حسام * بهم منه قد أحاط حمام

مذ أظلت منه الطغام غمام * صب صوب الردى عليهم همام

ليس يخشى عقبى التي سواها

 

سيف حق ماضي الغرار صقيل * صك سمع الزمان منه صليل

كم به إذ برى تداوى عليل * يوم جاءت وفي القلوب غليل

فسقاها حسامه ما سقاها

 

بطل كل فرية فيه تبطل * وبه الحق يستقيم ويكمل

ليس يخشى الردى ولا عنه ينكل * كيف يخشى الذي له ملكوت ال‍

أمن والنصر كله عقباها

 

كم رمى رعبه الطغاة بكرب * فتفانت منه يطعن وضرب

وأحاطت بها فيالق خطب * فأقامت ما بين طيش ورعب

وكفاها ذاك المقام كفاها

 

أروع كم خطت له خطوات * لمقام من دونه كبوات

ولكم إذ سمت به صهوات * ظهرت منه في الوغى سطوات

ما أتى القوم كلهم ما أتاها

 

كم حمى الدين منه مرهف حد * ومحا كل ذي خصام ألد

ورمى رعبه الرعان بهد * يوم غصت بجيش عمرو بن ود

لهوات الفلا وضاق فضاها

 

‹ صفحة 53 ›

أسد في الهياج يقدم أسدا * ونسورا على المراقب ربدا ( 1 )

فخطاهم وجر للحتف جندا * وتخطى إلى المدينة فردا

بسرايا عزائم ساراها

 

عبر الخندق العظيم بصافن * وبعضب كم قد برى ذي براثن

وجنان ما خانه في المواطن * فدعاهم وهم ألوف ولكن

ينظرون الذي يشب لظاها

 

أفهل من مناجز لي حري * بكفاحي من الحياة بري

أو سري يجيب صوت سري * أين أنتم عن قسور عامري

تتقي الأسد بأسه في شراها

 

ورأى القوم منه ليثا أحما * ملأ الدهر منه عزما وحزما

فانثنوا عنه خيفة إذ ألما * فابتدا المصطفى يحدث عما

يؤجر الصابرون في أخراها

 

ضامنا جنة النعيم ضمانا * معطيا من لظى الجحيم أمانا

لمذيق العدى ردى وهوانا * قائلا إن للجليل جنانا

ليس غير المجاهدين يراها

 

أين من شاء في القيامة يأمن * أين من رام من عذاب يحصن

أين من للجهاد في الدين يركن * أين من نفسه تتوق إلى الجن‍

نأت أو يورد الجحيم عداها

ــــــــــــــــــــ

( 1 ) ربد ربودا بالمكان : أقام .

 

‹ صفحة 54 ›

من تراه دم الضلال مطلا * من مجلي منه غماما مطلا

من مبير عن الرشاد مضلا * من لعمرو وقد ضمنت على ال‍

- له له من جنانه أعلاها ؟

 

ودعاهم لنيل أعلى مقام * ونعيم باق ودار سلام

ولمجد مخلد الذكر سام * فالتووا عن جوابه كسوام

لا تراها مجيبة من دعاها

 

تختشي بأس عامري سري * قد دعاهم يأسمر سمهري

راعهم كل بكرة وعشي * وإذا هم بفارس قرشي

ترجف الأرض خيفة إذ يطأها

 

وبيمنى يديه سيف صقيل * بشباه صرف الزمان جديل

كم لرعب منه تزلزل غيل * قائلا ما لها سواي كفيل

هذه ذمة علي وفاها

 

يتهادى بصارم لا يصادم * وببأس هد الردى فتهادم

ومضى للوغى بعزم تراكم * ومشى يطلب الصفوف كما تم‍

شي خماص الحشا إلى مرعاها

 

لا يهاب الردى ولا يتوقى * من كفاح على المنية شقا

ورأى الطعن حاق والضرب حقا * فانتضى مشرفية فتلقى

ساق عمرو بضربة فبراها

 

ضربة عن قضائها لم يصنه * قدر الله والقضا لم يعنه

من همام تروى مدى الدهر عنه * والى الحشر رنة السيف منه

‹ صفحة 55 ›

يملأ الخافقين رجع صداها

 

قد قضاها ماضية دون أناة * فمضى صيتها بست جهات

وروتها الرواة * يا لها ضربة حوت مكرمات

لم يزن ثقل أجرها ثقلاها

 

ضربة قد حوت من الأفضال * عدد النجم والحصى والرمال

فمزاياه أنجم في المثال * هذه من علاه إحدى المعالي

وعلى هذه فقس ما سواها

 

كم قرون أبادها ونفوس * أوقدت نار كل حرب ضروس

بحسام كم قد سقى من كؤوس * وبأحد كم فل آحاد شوس

كلما أوقدوا الوغى أطفاها

 

وبه الأرض زلزلت حين سلا * وظلام الهيجاء فيه تجلى

إذ طوى فيه من سماها سجلا * يوم دارت بلا ثوابت الا

أسد الله كان قطب رحاها

 

هو للمؤمنين أكرم مولى * كم به الله قد كفى الأرض هولا

وهو في حفظها من الزيغ أولى * كيف للأرض بالتمكن لولا

أنه قابض على أرجاها

 

جوهر قد نأى عن الاعراض * وسما ذكره عن الانقراض

عبدته قضب القنا والفواض * رب سمر القنا وبيض المواضي

سبحت باسم بأسه هيجاها

كم أناس جارت عن الدين قصدا * وأضلت من الهداية نجدا

‹ صفحة 56 ›

كم جازت من خطة الرشد حدا * يوم خانت نبالة القوم عهدا

لنبي الهدى فخاب رجاها

 

مذ رأت باسلا بعضب أشتا * جمع أعدائها وللعزم بتا

ورأت في أعضادها الرعب فتا * وتراءت لها غنائم شتى

فاقتفى الأكثرون إثر ثراها

 

عنه ولت والحتف بين يديه * ورأت حيدرا فآبت إليه

وهي من قبل إن توافي لديه * وجدت أنجم السعود عليه

دائرات وما درت عقباها

 

شام منها النبي ودا أكيدا * ولديها أصاب رأيا سديدا

وفؤادا لدى النزال حديدا * فئة ما لوت من الرعب جيدا

إذ دعاها الرسول في أخراها

 

فأجابت نداء أكرم هاد * إذ دعاها مستنصرا للجهاد

حيث جالت بالمشركين العوادي * وأحاطت به مذاكي الأعادي

بعدما أشرفت على استيلاها

 

والتقاهم بأس به العزم يفسخ * ومواض بها الجسوم تضمخ

فانثنوا والقلوب بالرعب تسلخ * فترى ذلك النفير كما تخ‍

بط في ظلمة الدجى عشواها

 

واستظلوا من الردى بالثنايا * حين طاشت أحلامهم بالرزايا

ولكم منهم لعظم البلايا * يتمنى الفتى ورود المنايا

والمنايا لو تشترى لاشتراها

‹ صفحة 57 ›

كم عليها سدت من الرعب طرق * ولديها قد ضاق غرب وشرق

فهي من رعبها وللرعب رشق * كلما لاح في المهامه برق

حسبنه قنا العدى وظباها

 

ولرمي الابصار منه بخطف * أو لرعب منه وأهوال رجف

كالخلال أية نحف * لم تخلها إلا أضالع عجف

قد براها السرى فحل براها

 

قارعتها الخطوب أي قراع * ورمتها أحداثها بانصداع

فهي إن أصبحت بقلب مراع * لا تلمها لحيرة وارتياع

فقدت عزها فعز عزاها

 

وتلافي الاله في المكر مكرا * من طغاة طغت وبالغدر عدرا

عاد فيه عليهم الحجر حجرا * إن يفتها ذاك الجميل فعذرا

إنما حلية الرجال حجاها

 

مضغتها الخطوب أية مضغ * مذ رأت سمعها لها غير مضغ

فئة لم تزل بذل لنزغ * لدغتها أفعالها أي لدغ

رب نفس أفعالها أفعاها

 

عضبه للحمام كم فل عضبا * وشباه كم راع للدهر قلبا

وبيوم فيه رمى الكفر شهبا * قد أراها في ذلك اليوم ضربا

لو رأته الشبان شابت لحاها

 

هد فيه من عزمها كل حصن * ورماها بالخوف من بعد أمن

وسقاها كأس الحمام بلدن * وكساها العار الذميم بطعن

‹ صفحة 58 ›

من حلى الكبرياء قد أعراها

 

وبطون النسور أمست مدافن * لطغام لها الجحيم مساكن

طحنتها قب البطون الطواحن * يوم سالت سيل الرمال ولكن

هب فيها نسيمها فذراها

 

ذاك يوم أنى له من شبيه * ذاك يوم سما عن التنويه

ذاك يوم مدح الورى لا يفيه * ذاك يوم جبريل أنشد فيه

مدحا ذو العلى له أنشاها

 

كم له في العلى مقام علي * وفخار من كل فضل ملي

حيث فيه قد جاء نص جلي * لا فتى في الوجود الا علي

ذاك شخص بمثله الله باهى

 

ممكن غير ممكن بعيان * وصفه في بديع كل بيان

إن من كل عنه كل لسان لا ترم وصفه ففيه معان

لم يصفها إلا الذي سواها

 

غرس الله حمده أي غرس بفؤاد منه وروح ونفس

فهو في ذكره بجهر وهمس * من رآه رأى تماثيل قدس

عن ثناء الاله لا تتلاهى

 

لرضى ربه يقوم ويقعد * وبذكراه ليس إلاه يقصد

في فؤاد عن ذكره ماله بد * وسمت في ضميره حضرة القد

س فانى يفوته ذكراها

 

شمل الذر من أياديه من * غمر الكون ظاهر مستكن

‹ صفحة 59 ›

ويقينا ما شابه قط ظن * ما حوى الخافقان انس وجن

قصبات السبق التي قد حواها

 

هو خدن العلى وللعلم مأوى * كل فضل عنه مدى الدهر يروى

مذ سواه العلياء لم تر كفوا * ألفته بكر العلى فهي تهوى

حسن أخلاقه كما يهواها

 

طابق اسم العلى بفضل مسمى * منه أعيا ظنا وأتعب وهما

هو نفس العلى القديم وقدما * شق من ذكره العلي له اسما

فهو ذات العلياء جل ثناها

 

كم بقتلاه صير الأرض أمتا * فاغتدت بالاشلاء وعرا وخبتا ( 1 )

مذ بها الدهر ضاق فوقا وتحتا * ملا الأرض بالزلازل حتى

زاد من أرؤس الكماة رباها

 

كم على معشر من الدم قمص * نسج سيف لهم بهن يخص

أروع عنه للمنية نكص * لا تخل سيفه سوى نفخة الص -

ور يسل الأرواح من أشلاها

 

كيف تنجو أشباح من كابدته * وجميع الأرواح قد عاقدته

فهي تجفو الأجسام إن فكأن الأنفاس قد عاهدته

في جفاء النفوس مهما جفاها

 

لم يزل خائضا قتام القتال * بانتصار الهدى ومحق الضلال

 

ــــــــــــــــــــــ

( 1 ) الأمت : المكان المرتفع . والخبت : ما اطمأن واتسع من الأرض .

 

‹ صفحة 60 ›

أسد باسل بسوق النزال * كم شرى أنفس الملوك الغوالي

بالعوالي فأرخصت مشتراها

 

كم وجوه كانت من الكفر غبرا * مظلمات ولونها مكفهرا

ثم عادت من رعب ماضيه صفرا واستحالت من الصوارم حمرا

كفتاة توردت وجنتاها

 

ولكم حين عزمها عنه نكب * فأضلت من رعبها كل مذهب

طلبت مهربا فلم يلف مهرب * فأبان الأعناق عن مركز الأب

دان حتى كأن ناف نفاها

 

فانتفت في ثبات عضب مذكر * باتر في غراره كل أبتر

كم به قد أباد جيشا ودمر * وأعاد الأجسام قفرى من الأر

واح يبكي على الأنيس صداها

 

مشرفي في رعبه الموت مغمر * وبه قهر خالق الخلق مضمر

حده للفناء أعظم مظهر * كم عقول أطاشها وهي لو تر

مى نجوم الدجى لحطت سهاها

 

ذو سنان يرمي الجسوم بجمر * من طعان كالشهب تهوي بأمر

كم قلوب منه رماها بذعر * وعيون لم يقذها صرف دهر

مذ رماها ببأسه أقذاها

 

ذل كسرى وقيصر والنجاشي * لعلى خير راكب بل وماشي

ملك مذ أضلهم بالغواشي * قاد تلك الملوك قود المواشي

وعلى صفحة القلوب كواها

 

‹ صفحة 61 ›

كم له باختراع حرب نكات * وبإذلال غلبها ملكات

وله باصطيادهم شبكات * وله يوم خيبر فتكات

كبرت منظرا على من رآها

 

عزمات عن دركها الوهم يخطي * وعقول الأنام فيها بخبط

إن يوما أوهى منى كل رهط * يوم قال النبي إني لأعطي

رايتي ليثها وحامي حماها

 

لم ير الله غيره في مضيق * بزعيم لها ولا بحقيق

وإليه أشار خير شقيق * فاستطالت أعناق كل فريق

 ليروا أي ماجد يعطاها

 

فاغتدى كل مدبر هو مقبل * ولذاك الفوز العظيم مؤمل

وعلى الوعد كم أتى من معول * فدعا أين وارث العلم والحل

م مجير الأيام من بأساها

 

أين من كف قادر صنعته * وعلى كل ذي على رفعته

أين من عين ربه قد رعته * أين ذو النجدة الذي لودعته

في الثريا مروعة لباها

 

من جلا صبح فتحه كل عين * ووفى كنز نصره كل دين

إذ دعاه النبي من بعد بين ( 1 ) * فأتاه الوصي أرمد عين

فسقاها من ريقه فشفاها

 

ــــــــــــــــ

( 1 ) البين : الفرقة .

 

‹ صفحة 62 ›

موقظا عزمة يد الشرك غلت * مذرأتها وأنفس الغي سلت

فانتضى ماله ( رصا ) ( 1 ) الأسد ذلت * ومضى يطلب الصفوف فولت

عنه علما بأنه أمضاها

 

كم نفوس بالبرق من ذي فقار * خطفت منهم وعادت لنار

إذ براهم منه بسطوة بار * وبرى مرحبا بكف اقتدار

أقوياء الاقدار من ضعفاها

 

مذ أراح الغبراء من كل رجس * فاغتدت خيبر لهم شر رمس

رس فيهم حصونها اي رس * ودحى بابها بقوة بأس

لو حمتها الأفلاك منه دحاها

 

ذاك المصطفى الحبيب حبيب * وعلى شرعه القويم رقيب

ولسقلم الدين الحنيف طبيب * عائد للمؤملين مجيب

سامع ما تسر من نجواها

 

إن تميز هما بلفظ من أسم * لا تميزهما بعلم وحلم

فهما واحد كروح بجسم * إنما المصطفى مدينة علم

وهو الباب من اتاه اتاها

 

ملكا النشأتين دنيا وأخرى * ملاا العالمين يمنا ويسرى

فهما راحتا الفيوضات طرا * وهما مقلتا العوالم يسرا

ها علي واحمد يمناها

 

ــــــــــــــــــــ

( 1 ) هكذا في النسخ .

 

‹ صفحة 63 ›

ماله في العلى سواه مماثل * وأخ ناصر له في الزلازل

وابن عم في الخطب للروح باذل * من غدا منجدا له في حصار ال

شعب إذ جد من قريش جفاها

 

حيث همت به طغاة طغام * زعمت أنها له أرحام

فمحاها حامي الذمار همام * يوم لم يرع للنبي ذمام

وتواصت بقطعه قرباها

 

فيه شائت كيدا فضلت برأي * وبخسر أبت وخابت بسعي

وبثكل فائت ونائت ببغي * فئة أحدثت أحاديث بغي

عجل الله في حدوث بلاها

 

فذراهم ليث به الطود بنسف * كيفما شاء بالنفوس تصرف

كم كفاه العدى وعنه الردى كف * فغدى نفس أحمد منه بالنف‍

س ومن هول كل بؤس وقاها

 

وله كم أعان إذ لم يعنه * غير رب عن عينه لم يبنه

وهو ذاك الأخ الذي اشتق منه * كيف تنفك في الملمات عنه

عصمة كان في القديم أخاها

 

فالفيوضات في الوجدات منها * وإليها أمر العوالم منهى

كم لها والسما علا لم تزنها * عزمة قصرت أولو العزم عنها

أين أولى الجياد من أخراها

 

كبرت فالسما لديها تصغر * وهي أوفى منها بدورا وأوفر

وهي من جملة الوجودات أكبر * عزمة عرضها السماوات والأر

‹ صفحة 64 ›

ض أحاطت بصبحها ومساها

 

وازرت أورعا سمى الكون عزما * وحساما عنه القضا ناب حسما

فاسئل الدهر عن معاليه قدما * وإذا لم تحط بمعناه علما

فاسئل العرب من أطل دماها

 

ثل للعرب رعبه كل أس * بمواض كم نكست كل نكس

وسقاها من الردى أي كأس * وغزاها في كل دو ببأس

لو تعاصت غول الفلا لغزاها

 

بت منها عرق الضلالة بتا * وبأعضادها من الرعب فتا

وكساها الردى بأنواع شتى * وسقاها صم الأنابيب حتى

شرقت شوسها بكأس رداها

 

لم يزل بأسه عليهم مطلا * جاعلا رعبه الأعز أذلا

فهي أين انتحت رأت منه ظلا * لم ترد مواردا من الماء إلا

ورأت ظل شخصه تلقاها

 

كم كساها شباه أثواب يتم * بضراب أودى بروح وجسم

تتقيه بيقظة وبحلم * كيف لا تتقي مضارب قرم

يصعق الموت من سماع صداها

 

كم دعاها إلى الهدى فأجابت * ثم خانت عهدا وبالسعي خابت

ورأت للقنا عقودا فأبت * كلما حلت العقود أصابت

ناظما ينظم القنا في كلاها

 

جر من عزمه العرمرم جيشا * ولأهل الضلال رنق عيشا

‹ صفحة 65 ›

من أباد الابطال رعبا وطيشا * ومن اقتاد بالحبال قريشا

بعد ما طاول الجبال إباها

وانتحى كل موطئ وطأته * وثناها عن كل شأو وشأته

واستباح العز الذي كلئته * وأراها اليوم الذي ما رأته

فلهذا ألقت إليه عصاها

 

أدبرت حين شافهت عزمات * نافذات وكم لها من سمات

بوجوه كأهلها مظلمات * ملأت منهم الثرى ظلمات

وبنورية الحسام جلاها

 

فلك منه كم رماهم شهاب * فانثنوا عنه صاغرين وآبوا

وأرادوا إطفاء نور فخابوا * عسعسوا كالدجى ولكن أصابوا

نيرات يجلوا الظلام ضحاها

 

لبس الدين حلة من لدنه * زين فيها وغيرها لم تزنه

مذ ترائى نسج الهداية عنه * أحكم الله صنعة الدين منه

بفتى ألحمت يداه سداها

 

ذو حسام صرف الردى يخشاه * فالردى تابع الحد شباه

فإذا قست بالقضاء قضاه * لا تقس بأسه ببأس سواه

إنما أفضل الظبا أمضاها

 

سيف حق به القضاء استظلا * وإذا ظل في شباه استدلا

كم أسى للكمات سقما أعلا * جس نبض الطلا فلم ير إلا

مرهف الحد برأها فبراها

 

‹ صفحة 66 ›

غير جاش يوم الوغى لم يعنه * وحسام مدى المذي لم يخنه

وسنان حتف الضلالة منه * كلما ضلت المنية عنه

جعلته دليلها فهداها

 

طاعن الحتف في كل ونحور * وصميم منه وصم صخور

قاصم في الكفاح كل هصور * كم لكفيه في صدور صدور

طعنة يسبق القضاء قضاها

 

ضاء منه الدجى ببيض رقاق * كم برت للكماة من أعناق

إن تناسى الورى زمان شقاق * لست أنسى الدهر رمد آماق

ما جلى غير ذي الفقار جلاها

 

رمحه روع الزمان بوخز * فأتى تائبا إليه بعجز

أروع غرب سيفه خير كنز * كم عتات أذلها بعد عز

وعفات بعد العفا أغناها

 

مرهف غاشت النشور عليه * والمنايا بالامر تحت يديه

فكأن الردى غلام لديه * لو ترى بالمرهفات تشكو إليه

حالها وهو راحم شكواها

 

لرأيت الأشلاء لا يحتويها * كل قطر والأرض لا تكفيها

أو رأيت النحو إذ يفريها * لرأيت الدماء يسبح فيها

من أعالي الجبال شم ذراها

 

حملته يد جرت بعباب * غب في كل فد فد ويباب

هي في يوم نائل وضراب * فاض منها ما لم يفض من سحاب

‹ صفحة 67 ›

لو رآها السحاب لاستجداها

 

حلف عضب بيض الظبا لم تزنه * فهو الحتف والفنا من لدنه

وسنان سل اللوابد عنه ( 1 ) * كل يوم يجرد الطعن منه

همة تمسح الكماة يداها

 

لم يزل يعلب الردى بجنان * سبق الحتف جريه في رهان

لاذ فيه في الروع حد سنان * أعلم الناس بالوغى كم معان

من طعان على يديه ابتداها

 

أي فضل وفضله لم يكنه * أو علوم ولم تكن من لدنه

فإذا العلم كله كان منه * كيف تخفى صناعة الحرب عنه

وجميع الذرات قد أحصاها

 

قد تراءت آي له محكمات * واستضاءت بوجهه مكرمات

كم له إذ ترادفت أزمات * عزمات تحفها عزمات

كل يمنى تنحط عن يسراها

 

كم فتوح له عقيب فتوح * بحسام ماض وطرف سبوح

وبجزم تحثه بجموح * عزمات مؤيدات بروح

لا ترى الخلق ذرة من هباها

 

ليس يهوي روضا كروض النزال * وظلالا كمثل ظل النضال

لا ولم يجن غير نور المعالي * رايد لا يرود إلا العوالي

 

ـــــــــــــــــ

( 1 ) اللابد : الأسد .

 

‹ صفحة 68 ›

طاب من زهرة القنا مجتلاها

 

قاضيات على العدى بالمنايا * ماضيات عليهم بالرزايا

من همام لم يبق منهم بقايا * جاء بالسيف هاديا للبرايا

حيث لم يثنها الهدى فثناها

 

أسد كم رمى الأسود برعب * سار مثل أسمه بشرق وغرب

وبحرب كم أباد أرجاس حرب * من تلقى يد الوليد بضرب

حيدري برى اليراع براها

 

كم أفاع أباد ماضيه ملس * وأسود من رعبها منه خرس

وكسى حده الردى كل رجس * وسقى منه عتبة كأس بؤس

كان صرفا إلى المعاد احتساها

 

مد عضبا كم للقضاء أمدا * ولنصر الاقدار أرهف حدا

فأقام الهدى وللغي هدا * ورأى تيا ذي الحمار فردا

ـه من الذل بردة ما ارتداها

 

ما رد قد رماه منه بشهب * قد تهاوت للرجم من كف ندب

إن نسيم مهواه منها بضرب * لست أنسى له شياطين حرب

بإلهي بأسه أخزاها

 

رمحه زينة الوغى لم يشنه * قصر إذ لساعد الحتف كنه

حل في ساعد سل الضرب عنه * ذاك من ليس تنكر الحرب منه

بارقات يجلو الظلام ضحاها

 

لشباه عريكة الدهر لانت * وله الأرض والسماوات دانت

‹ صفحة 69 ›

ومنايا الاشراك إذ فيه جاءت * كم رمى فشلت وكانت

قلة ليس يلتوي عطفاها

برياض الهدى ليمناه غرس * وبعرش العي لعلياه عكس

فله من خلاصة القدس نفس * وله من أشعة الفضل شمس

ودت الشمس أن تكون سماها

 

زاد فضلا فزاد فيه التحير * ملك في الوجود ينهى ويأمر

فإذا فات عنك فيه التبصر * أعد الفكر في معانيه تنظر

كيف يحيي الأجسام بعد فناها

 

نور قدس لضوئه الرشد كنه * فهدى كل ذي هدى من لدنه

سل عقولا تضئ بالنور منه * واسأل الأنبياء تنبئك عنه

أنه سرها الذي نباها

 

حاز مجلدا كل العلا من لدنه * ملا الأرض والسماوات منه

فاسئل الكون عنه إن تجهلنه * وكذا فاسئل السماوات عنه

من أطاعت لوحيه يوحاها

 

كم ورى في حسامه هر وريا * وله كم غدى دم الشرك سقيا

من أقام الهدى ودمر غيا * ومن استل للحوادث رأيا

كسنى المبرقات يفري دجاها

 

كم بكسر الأصنام يمناه سرت * إذ رمى متن به الأرض قرت

والسماء باسمه العظيم استقرت * وامتطى الكاهل الذي قد أمرت

قدرة الله فوقه يمناها

 

‹ صفحة 70 ›

كم أباد الردى بقضب وملد * هي تحيي الهدى وللرشد تهدي

فهو عن حكمة يعيد ويبدي * ذاك يحيي الموتى وإن كان يردي

كل نفس أخنى عليها خناها

 

فيض فضل كم غاض ثم تدفق * وبأخلاق ربه قد تخلق

فمع الفيض إن على البعض ضيق * كم نفوس تصحها علل الفق‍

ر ولو نالها الغني أطغاها

 

أسعر الكفر من شباه اشتغال * وتداعت للغي فيه جبال

أروع من سطاه راعت نصال * حسب أهل الضلال منه نبال

هي مرمى وبالها وبلاها

 

بحر فيض أفاضه ذو الجلال * صدف الدهر في لياليه حالي

وهو كنز العلى وعز الفعال * قائم في ذكوة كل المعالي

دائم دابة على ايتاها

 

فالبرايا ما بين نهل وعل * من محيط بالكون فضلا مطل

ونوال غنى لكل مقل * لو سرت في الثرى بقية طل

من نداه لروضت حصباها

 

زال عرش العلى بأنجم سعد * نورها في الظلام يهدي لرشد

ملك منه كل حل وعقد * كم أدارت يداه أفلاك مجد

مقر على الزمان بقاها

 

دوحة أثمرت ثمارا ضروبا * وأضلت قبائلا وشعوبا

إن سمى فرعها السماء ركوبا * ذاك من جنة المعالي كطوبى

‹ صفحة 71 ›

كل شئ تظله أفياها

 

كم أضاء الثرى به إذا أطلا * بسنا فيه كل داج تجلى

إن به أضحت العلى تتحلى * ذاك ذو الطلعة التي تتجلى

خفرات الجمال دون اجتلاها

 

كم أباد الابطال منه بضل * فاصل للأعناق حاكم فصل

ولكم داس ملك بنعل * إي وعينيه لا أكاليل فضل

لملوك الملوك إلا احتداها

 

لم يزل للوجود بالجود يسدي * أنعما غير فيضها ليس يجدي

إن رماك الزمان منه بجهد * لذ إلى جوده تجد كيف يهدي

حلل المكرمات من صنعاها

 

غمر الكون كله بأياد * أبد الدهر مالها من نفاد

فهو البحر فاض في كل واد * كم له من روائح وغواد

مدد الفيض كان من مبداها

 

شرع العلم والمكارم سنا * وبجود على الوجودات منا

عرض فض أقصى سماء تسنى * كم له شمس حكمة تتمنى

غرسة الشمس أن تكون سماها

 

كم غيوب قد حاز بعد تخفى * وعلوم لم تحوها كل صحف

خازن غيب كل خاف للطف * لم تزل عنده مفاتح كشف

قد أماطت عن الغيوب غطاها

 

ما لعلياه في العلا من مضاهي * وعلاه كفضله متناهي

‹ صفحة 72 ›

ذو معال بها الاله مباهي * رب حالي أوامر ونواهي

ليس يرضى الاله دون رضاها

 

بأبي من يمناه للكون تهمي * بأبي من ضباه للغي تدمي

بأبي من حماه للرشد يحمي * بأبي ذويد عن الله ترمي

أي سهم الله في مرماها

 

هي كف على الوجودات تشمخ * هي عضب عزم الردى فيه يفسخ

هي قطب بها السماوات ترسخ * هي طورا مديرة فلك الاخ‍

رى وطورا مديرة أولاها

 

من لدين الهدى وفى كل دين * وعن الرشد قد جلى كل مين

ذاك عين الهدى سنا كل عين * ومن المهتدي بيوم حنين

حين غاوي العزور قد أغواها

 

يوم ضاق القضا بأسطر كتب * من صفوف صفت كأسطر كتب

فانثنت والكتاب عن ذاك ينبي * حيث بعض الرجال تهرب من بي‍

ض المواضي والبعض من قتلاها

 

كم بنصر له على الدين عطف * وانحناء على الرشاد ولطف

فهو إلف الهدى وللرشد حلف * حيث لا يلتوي إلى الألف ألف

كل نفس أطاشها ما دهاها

 

كم من المسلمين قد صان نفسا * ومحى أنفس الضلالة خلسا

وكساها من صبغة الرعب ودسا * من سقاها في ذلك اليوم كأسا

فايضا بالمنون حتى رواها

 

‹ صفحة 73 ›

ما درت أن بأسها لم يصنها * والمواضي على العدى لم تعنها

مذ رأت عدة كبى الحصر عنها * أعجب القوم كثرة العد منها

ثم ولت والرعب حشو حشاها

 

أذعنوا للقنا وبالعجز قروا * ثم فروا وأين ينجي المفر

ولئن قبله على الجبن قروا * وقفوا وقفة الذليل وفروا

من أسود الشرا فرار مهاها

 

ضاق رعبا عليهم كل رحب * إذ رمتهم تلك الصفوف برعب

فتواروا في كل كهف وشعب * وعلي يلقى الألوف بقلب

صور الله فيه شكل فناها

 

كم قبيل أفنى بمرهف حد * وقرون ما ليس تحصى بعد

وبذاك استولى على كل مجد * إنما تفضل النفوس بحد

وعلى قدره مقام علاها

 

سيفه مثله بيوم ضراب * ذو لسان أولى بكل صواب

فاضل فيه فضل كل خطاب * لو رعت كفه بغير حراب

أجل الخلق لاستجاب دعاها

 

منه كم لاح للنجاح صباح * واحتيت من نواله أرواح

بحر فيض للعالمين مباح * لو تراه وجوده مستباح

قبل كشف العفات سر عفاها

 

لرأيت الجدب المصوح خصبا * والصفا الصلد مه أنبت عشبا

أو ترى رشحه وقد فاض سكبا * خلت من أعظم السحائب سحبا

‹ صفحة 74 ›

سقت الروض قبل ما استسقاها

 

ذو يمين من فيضها الكون مترع * وجبين شمس الهدى منه تطلع

فهو النيرات أشرف المطلع * وهو للدائرات داءرات السع‍

د إلا ساء حظ من ناواها

 

بحماه يحمي الوجود ويسعف * والسماوات فيه كالذر في الكف

كم له وهو في الوجود تصرف * همم لا ترى بها فلك الأف‍

لاك إلا كحبة في فلاها

 

خير أس للدين داوى هموما * وجلى عنه للغموم غيوما

ومن الكون كم أسى محموما * لم يدع ذلك الطبيب كلوما

قد أساءت بالدهر إلا أساها

 

بحر جود أحاط الايجاد * غامرا ما استكن أو هو بادي

فغواديه لم تزنها الغوادي * وأياديه لم تقس بالأيادي

أين ماء العيون من أصداها

 

ذو معال علا السماوات تطوي * ونوال ظما لوجودات يروي

وهو مع صدق رمحه حيث يهودي * صادق الفعل والمقالة يحوي

غرة مثل حسنه حسناها

 

طرفه للعدى لمحني عطف * جردته يد القضاء بكف

لم يزل سهم سخطه حلف حتف * كم رمى بهمة بلحظة طرف

كان ميقات حتفه مرماها

 

كم أرى البدر بين بأسا حنيني * قرشي في حد عضب يماني

‹ صفحة 75 ›

منه إذ فصل المفاصل محني * خاط للعنكبوت نسج الرديني

وأبيات عزمه أوهاها

 

مذ محت للهدى يد الغي رسما * والثرى أشحنت ضلالا وظلما

قوم الحق بعد ما ساخ هدما * وأقام الجهول بالسيف رغما

هل تقوم الدنيا بغير ظباها

 

لم يزل للأمين طه أمينا * ووزيرا وناصرا ومعينا

ومفيض الفيوض حينا فحينا * باسط عن يد الاله يمينا

يرسل الرزق للعباد عطاها

 

بحر جود مفيض بيض أباد * مستمد من فيض رب جواد

قابض من علومه بغواد * قابض عن جلاله بجلاد

لو بدت صورة الردى أرداها

 

سخر الله فيه كل البلاد * وإليه انقادت جميع العباد

إن لديه انقادت صعاب القياد * رب صعب من جامحات العوادي

قاده من يمينه إيماها

 

لحبيب الاله خير حبيب * ولمضنى الرشاد أي طبيب

إن له القرص عاد بعد مغيب * قد أعاد الهدى وغير عجيب

أن يعيد الأشياء من أبداها

 

ذو حسام منه بنو الشرك خصوا * بحمام وفيه قد جاء نص

جسم الموت فرتأى منه شخص * بأبي منشي الحوادث كم صو

رة حتف بزجره أنشاها

 

‹ صفحة 76 ›

ملا الكائنات يسرى ويمنى * سيفه والسنان ضربا وطعنا

إن تر الرعب منه للعرب أفنى * كانت العرب قبل قوة يمنا

ه عروقا لا تلتوي فلواها

 

رحمة للأنام قد صاغه الرب * وعذابا على ذوي الكفر منصب

كم رماها سهام حتف فأغرب * وأراها طعنا يفل عرى الصب‍

ر وضربا يحل عقد عراها

 

مرقتها ظباه كل ممزق * وبها جمع شملها قد تفرق

ولكم جيدها بهن طوق * فاستعاذت من ذاك بالهرب الأف‍

صى لتنجو به فما أنجاها

 

ليس ترجو منجى من السيف منجي * لا ولا ملجأ من الحتف يلجي

حيل ما بينها وبين الترجي * لا تخل مهرب الجبان ينجي‍

ـه إذا مدت المنايا خطاها

 

فئة أغضبوا وكسب يديهم * حلب الذل أين حلوا إليهم

فهو لا غرو إن أقام لديهم * جر طغواهم الوبال عليهم

رب قوم أذلها طغواها

 

قد أماط الدجى عن الدين رأي * دونه الشمس بالضياء وسعي

ولكم قبل ذاك والدهر غي * كان ملا الثرى ضلال وبغي

لكن السيف منهما أخلاها

 

كم بناء من ثلة الشرك ثلا * بحسام ماضي الشبا لكن يفلا

أروع كم كسى ذوي الغي ذلا * لم تفه ملة من الشرك إلا

‹ صفحة 77 ›

فض بالصارم الإلهي فاها

 

كم بأرواحها أحاط حمام * قوضت فيه للنفوس خيام

فمحاها حامي الذمام إمام * وطواها طي السجل همام

نشر الحرب علمه وطواها

 

كم بصمصامه أباد مضلا * وبه كم كسى اللوابذ ذلا

إن سواه عن أكبد الغي ضلا * لم يدع سيفه حشى قط إلا

وبفوارة الغليل حشاها

 

قل لمن حاد عن رشاد لغي * وتعاني عن فضل أي كمي

إن عدى ناظريك بأس علي * سل كمات الابطال من كل حي

غير ذاك الكمي من أفناها

 

قد رأى صورة الهدى من رآه * وأنى باب العلم من قد أتاه

من عن الغيب قد أماط غطاه * كم عرى مشكل فحل عراء

ليس للمشكلات إلا فتاها

 

هل أحاط الوجود في معناه * هل حوى الذكر غير ذكر علاه

هل حلت سورة بغير حلاه * هل أتت ( هل أتى ) يمدح سواه

لا ومولى بذكره حلاها

 

هو روح العلوم أجهل كنه * منه والروح علم العلم منه

ذلك الذكر عنه إن تسألنه * فتأمل ب‍ ( عم ) تنبئك عنه

نبا كل فرقة أعياها

 

تجد الأرض والسما في التحير * والبرايا عن درك معناه تقصر

‹ صفحة 78 ›

فهي غرق بكنهه في التفكر * وبمعنى أحب خلقك فانظر

تجد الشمس قد أزاحت دجاها

 

كل جود لدى الوجودات منه * ولكنه الندى أياديه كنه

سل دهورا حياتها من لدنه * واسأل الأعصر القديمة عنه

كيف كانت يداه روح غذاها

 

فصل الله فيه ما كان أجمل * في نبي الهدى وللدين أكمل

فهو كنز كم اغتنى في مرسل * وهو علامة الملائكة فاسأل

روح جبريل عنه كيف هداها

 

من لروح الهدى هداه معدا * وبنفس الندى نداه مفدى

وهو ما زال للوجود ممدا * بل هو الروح لم يزل مستمدا

كل دهر حياته من قواها

 

هو نفس الهدى وذاك سناه * بعيون الورى عيانا تراه

وبأشكالها بدى معناه * أي نفس لا تهتدي بهداه

وهو من كل صورة مقلتاها

 

آية الله في الورى فاقتصدها * وتتبع آياتها واعتمدها

هي نفس النبي اعتقدها * وتفكر بانت مني تجدها

حكمة تورث الرقود انتباها

 

هو هارون رتبة فاعرفوه * ووزير له فلا تنكروه

ووصى من بعده فانصروه * أو ما كان بعد موسى أخوه

خير أصحابه وأعظم جاها

 

‹ صفحة 79 ›

فاق منه كنه النبيين كنه * وسوى أحمد فتى لم يزنه

فهو منه كنفسه ناب عنه * ليس تخلو إلا النبوة منه

ولهذا خير الورى استثناها

 

ليس إلا له الولاية تجمل * وهو المقتدى وفيه التوسل

وهو ثان لعدة فيه تكمل * وهو في آية التباهل نفس ال‍

مصطفى ليس غيره إياها

 

سل إذا ما جهلت منه محلا * من على كل ذي وجود تولى

و ( بأكملت دينكم ) من تحلى * ثم سل ( إنما وليكم الل‍

ـه ) ترى الاعتبار في معناها

 

ذاك رمز بحيدر الطهر جلا * بل وعقد حلاه المدين حلى

ولكم قد أتت وليل تجلى * آية خصت الولاية لل‍

ـه وللندب حيدر بعد طه

 

آية كل منحة تحتويها * آية كل مدحة لا تفيها

آية قد سمت علا بذويها * آية جاءت الولاية فيها

لثلاث يعدو الهدى من عداها

 

رب خسر يأتي عقيب نجاح * وفساد يتلوه أي صلاح

فبقلع الميزاب أي افتضاح * وبسد الأبواب أي افتتاح

لكنوز الهدى ففز بغناها

 

من بماضي الشبا عرى الشكر فلا * من سواه أمر النبي تولى

من فداه وبالمبيت استقلا * من تولى تغسيل سلمان إلا

‹ صفحة 80 ›

ذات قدس تقدست أسماها

 

شمل العالمين ميتا وحيا * بأياد طوت ( أيادا وطيا )

وبطي الزمان ضاهى النبيا * ليلة قد طوى بها الأرض طيا

إذ نأت داره وشط مداها

 

جاء في معجز سمى كل معجز * قل بل ما تشا فأطنب وأوجز

وعجيب لكل أمر ينجز * وابن عفان حوله لم يجهز

ه ولا كف عنه كف أذاها

 

صد عن نصره وأعرض سمتا * فأحاطت به قبائل شتى

وهو لو شاء شتها لا شتا * لست أدري أكان ذلك مقتا

من علي أم عفة ونزاها

 

وهو عنه النور القديم تفرق * والهدى للأنام فيه تحقق

بل ومن شمس رشده الصبح أشرق * فلك لم يزل يدور به الحق

ق وهل للنجوم إلا سماها

 

أي من الله في الخلق جم * جل عن وصفه بكيف وكم

يوم بعث الهادي بفضل أعم * وبخم ماذا جرى يوم خم

تلك أكرومة أبت أن تضاهي

 

فأبتها قوم على الكفر كانت * إذ أجابت داعي الهدى ثم خانت

يوم صدت عنه وللغي دانت * ذاك يوم من الزمان أبانت

ملة الحق فيه عن مقتداها

 

إن أفاضت عن العليم علوما * شفة قد شفت وأبدت كلوما

‹ صفحة 81 ›

من حروف غدت هدى ورجوما * كم حوى ذلك الغدير نجوما

ما جرت أنجم الدجى مجراها

 

فهدى نورها لكل رشاد * وحوت كل سؤدد وسداد

وبها للهدى حدى خير حاد * إذ رقى منبر الحدايج هاد

طاول السبعة العلى برقاها

 

كم أتاه جبريل في خلوات * بأمور أهم من صلوات

فاغتدى والهجير في علوات * موقفا للأنام في فلوات

وعرات بالقيظ يشوي شواها

 

واعظا فيهم بأحمد رأي * داعيا للهدى بأكرم هدي

طالبا رشدهم بأعظم سعي * خاطبا فيم خطابة وحي

يرث الدين كله من وعاها

 

قام فيهم مبلغا في علي * أي نص عن العلي جلي

قائلا وهو فخر كل نبي * أيها الناس لا بقاء لحي

آن من مدتي أوان انقاضاها

 

جئتكم في كواكب من مقال * داعيا للهدى مبير ضلال

من إله مهيمن متعال * إن رب الورى دعاني لحال

قبل أن يخلق الورى أقضاها

 

من وعاها ارتضاه فعلا وقولا * وحبى من أجاب فضلا وطولا

وكفاه يوم القيامة هولا * أن أولي عليكم خير مولى

كلما اعتلت الأمور شفاها

 

‹ صفحة 82 ›

قد براه لي الاله وصبا * وله جل من عطوف وليا

أسدا باسلا وندبا أبيا * سيدا من رجالكم هاشميا

صافحته العلا فطاب شذاها

 

أعظم الرسل والنبيين جاها * أشرف العالمين من بعد طه

المبين الذي به الذكر فاها * صالح المؤمنين سر هداها

عظم الذكر نفسه فكناها

 

ذو معال على البرية سادت * وعوال ركن الهداية شادت

ويد بالوجود والجود جادت * صاحب الهمة التي لو أرادت

وطأت عاتق سها فدماها

 

وأتى الوحي يقظة لا بنوم * فه حبيبي لا تخش من كل لوم

بأمور قد نغصت كل نوم * وتطيرت من مقالة قوم

قد غلا بابن عمه وتناهى

 

وتأملت إذ خشيت الدواهي * من طغام نفاقهم متناهي

كم عتت عن أوامر ونواهي * فأتتني عزيمة من إلهي

أو عدتني إن لم أبلغ سطاها

 

فرأيت التبليغ للامر أسدى * وهو للعالمين أهدى وأجدى

وتطلبت للسلامة نجدا * فهداني إلى التي هي أسدى

وحباني بعصمة من أذاها

 

فأسرعوا للنجاح بعد التأني * وخذوا الرشد والهداية مني

واشكروا للإله أعظم من * أيها الناس حدثوا اليوم عني

‹ صفحة 83 ›

وليبلغ أدنى الورى أقصاها

 

فأسموا ترشدوا ولا تعصوا قولا * وأطيعوا يزدكم الله طولا

أو لست الذي بكم أنا أولى * كل نفس كانت تراني مولى

فلترى اليوم حيدرا مولاها

 

وليفز بالنعيم في دار خلد * ذو ولاء من كل حر وعبد

ليؤدي أمانة من يؤدي * ربى هذا أمانة لك عندي

وإليك الأمين قد أداها

 

فاهد يا رب في ولاه المضلا * وارع من يرع فيه عهدا وإلا

وإذا ضل من سواه تولى * وال من لا يرى الولاية إلا

لعلي وعاد من عاداها

 

فعلى غل معشر بغيها غل * ومشى في أنوف أحقادها الذل

ورأوا لا يفيد فيها التعلل * فأجابوا بخ بخ وقلوب ال‍

قوم تغلي على مغالي قلاها

 

كتموا أمرهم وللسلم ألقوا * إذ شقوا أنفسا وللناس شقوا

إن أجابوا زورا وللحقد أبقوا * لم تسعهم الا الإجابة بالقو

- ل وان كان قصدهم ما عداها

 

زادهم كربهم عويلا ونوحا * إذ نفى عنهم المهيمن روحا

وبكره رضوا بما فيه أوحى * ثم لما مضى للقضاء بروحا

نية الكون وانقضى رياها

 

ولهم ملة الضلال أباحت * نقض عهد له حقودا أتاحت

‹ صفحة 84 ›

وذروها على الهدى مذ تلاحت * وجدوا فرصة من الدهر لاحت

فأصابت قلوبهم منتهاها

 

أنكرت نص ربها أشقياها * في علي والمصطفى فيه فاها

ولكم أولت حديثا أتاها * قل لمن أول الحديث شفاها

وهو إذ ذاك ليس يأبى السفاها

 

يحسب المصطفى وما ضل سعيا * ترك السعي يتل الناس وحيا

للذي لا يفيد في الدين هديا * أترى أرجح الخلايق رأيا

يمسك الناس عن مجاري سراها

 

جامعا للأنام من كل شعب * قائلا ان ذاك من أمر ربي

ماسكا كف حيدر خير ندب * راكبا ذروة الحدائج ينبي

عن أمور كالشمس زاد ضحاها

 

كاد قوم والرب قد كاد كيدا * وكفى بالجحيم سجنا وقيدا

قل ودع في الأنام عمرو أو زيدا * أيها الراكب المجد رويدا

بقلبو تقلبت في جواها

 

أم يطوي الفلا على ذات أربع * يتخطى عن مربع

بعد مربع قاصدا تربة بها الضر يدفع * إن تراءت أرض الغريين فاخضع

واخلع النعل دون وادي طواها

 

أو بدى للسنا بسيناء مطلع * ولعين الحياة في النور منبع

فابتهل وانتهل وطف وتطوع * وإذا شمت قبة العالم آلاء

لي وأنوار ربها تغشاها

 

‹ صفحة 85 ›

فأعتمد للنبي أعظم رمس * فيه للطهر أحمد أي نفس

أو ترى العرش فيه أنور شمس * فتواضع فثم دارة قدس

تتمنى الأفلاك لثم ثراها

 

واسع عني فأنت أي حقيق * لوقاء بالفضل خير عريق

وإذا نبت عن أخ وشقيق * قل له والد موع سفح عقيق

والحشى تصطلي بنار غضاها

 

لك جود على الوجود أطلا * وعلا جلل السماء وجلا

إن عمرت الأشياء فيضا وفضلا * يا بن عم النبي أنت يد الل‍

ـه التي عم كل شئ نداها

 

يا عليا عن الظنون وأقصى * ووصيا محمد فيه أوصى

بك كل الأشياء ذو العرش أحصى * أنت قرآنه القديم وأوصا

فك آياته التي أوحاها

 

لك فضل بأحمد الطهر متا * وعلا بت عزمة الوهم بتا

عنك إن كلبت الوجودات نعتا * حسبك الله في مآثر شتى

هي مثل الاعداد لا تتناهى

 

حبك الروض فيه للدين مرعى * راق طرف الهدى وشنف سمعا

ضاق في وسعه معاذيل ذرعا * ليت عينا بغير روضك ترعى

قذيت واستمر فيها قذاها

 

جمعت في علاك خير السجايا * وحماك الاله فضل القضايا

أيها المرتضى بغر المزايا * أنت بعد النبي خير البرايا

‹ صفحة 86 ›

والسما خير ما بها قمراها

 

أنت مولى لمن له هو مولى * بل وأولى بمن به هو أولى

ما ثلثة علياك فعلا وقولا * لك ذات كذاته حيث لولا

أنها مثلها لما آخاها

 

أنتما توأما علا وجلال * قد ترعوعتما بحجر كمال

ولكم في القديم قبل فضال * قد تراضعتما بثدي وصال

كان من جوهر التجلي غذاها

 

بمعاليك جملة الخلق فاهو * وبمعناك أكثر الناس تاهوا

لك فضل لم ينحصر أدناه * يا علي المقدار حسبك لاهو

- تية لا يحاط في علياها

 

لك مجد أعيت معاليه وهما * وتسامت عن أسهم الظن مرمى

لست أدري وقد تعاليت عظما * أي قدس إليه طبعك ينمى

والمراقي المقدسات ارتقاها

 

لك نور يبدو على الناس في غت * ومجاري فضل حلت وأسيغت

يا لطيفا أقواله ما أزيغت ( 1 ) * لك نفس من معدن اللطف صيغت

جعل الله كل نفس فداها

 

كم بها الله قد كفى الكون هولا * وبها من بالوجود وأولى

هي نفس الفيض الذي عم طولا * هي قطب المكونات ولولا

 

ــــــــــــــــــــ

( 1 ) تخميس هذا البيت للمرحوم الشيخ محمد السماوي .

 

‹ صفحة 87 ›

ها لما دارت الرحى لولا ها

 

جودها في الأكوان ما زال سري * وهي للكائنات بالفيض تقري

فالوجودات كلها بك ندري * لك كف من أبحر الله تجري

أنهر الأنبياء من جدواها

 

لم تزل بالتوحيد قلبا منيطا * وبقلب الاشراك سهما مخيطا

وغطاء من الغيوب مميطا * حزت ملكا من المعالي محيطا

بأقاليم يستحيل انتهاها

 

غمر الذر من أياديك ذر * فاق منه در السحائب در

أنت يا من منه سمى الفخر فخر * ليس يحكي دري فخرك در

أين من كدرة المياه صفاها

 

بك فيض الباري بست جهات * فاض حتى أحيى رميم رفات

وقضى بالحياة بعد ممات * كلما في القضاء من كائنات

أنت مولى بقائها وفناها

 

أنبأت عنك في العلى أنباء * ملا الكائنات منها علاء

إن على الليل من ذكاها سناء * يا أبا النيرين أنت سماء

قد محى كل ظلمة قمراها

 

إن على الكون در كفك بالنو * وأخاف الأسود رعبك في الدو

أنت يا من عن الهدى كشف السو * لك بأس يذيب جامدة الكو

نين رعبا ويجمد الأمواها

 

لك بأس بأعين الحتف يعظم * وسنان سهم الردى منه أسهم

‹ صفحة 88 ›

إن قوام زان الدمى وتبسم * زان شكل الوغى حسامك والرم‍

ح كما زان عادة قرطاها

 

أي سيف على الرقاب تولى * وبمحق المنافقين استقلا

ومن الشرك فيه أين تولى * ما تتبعت معشرا قط إلا

وأناخ الفنا بعقر فناها

 

مذ جلى للوغى حسامك ليلا * خضت بالخيل من دم الشرك سيلا

نعلها الهام حيث تحسب ذيلا * كلما أحفت الوغى لك خيلا

أنعلتها من الملوك طلاها

 

لك بأس قد راعها لم يسعه * كل وسع رعبا فدعها ودعه

وبذاك الرعب الذي لم تضعه * قدتها قود قادر لم ترعه

أمم غير ممكن إحصاها

 

جائت الرسل والنبيون تروي * عن علوم إلى معاليك تأوي

كم حوت من علا به العرش تطوي * لك ذات من الجلالة تحوي

عرش علم عليه كان استواها

 

ملل الكفر كن من قبل شتى * غرب ماضيك قلها وأشتا

ولنصر الرشاد وقتا فوقتا * لم يزل بانتصارك الدين حتى

جردت كف عزمتيك ظباها

 

فلوى عزمك الكتائب ليا * ورعيت الهدى وأرعيت غيا

وطويت الاشراك والغي طيا * فرقعت الرشاد فوق الثرايا

ووضعت الضلال تحت ثراها

 

‹ صفحة 89 ›

فيك كم للتوحيد أصبح رفع * بعد خفض وعاد للشرك قلع

ومن الكفر كم تفرق جمع * فاستمرت معالم الدين تدعو

لك طول الزمان فاغنم دعاها

 

إن إليك انتهت جميع المزايا * أنت منها طلاع تلك الثنايا

أو بفضل أويت غر السجايا * إنما البأس والتقى والعطايا

حلبات بلغت أقصى مداها

 

بنداك الأكوان أي رتاع * والوجودات كلها بارتياع

إن ملأت الأكوان غر مساع * لك من آدم القديم مراع

أمة بعد أمة ترعاها

 

كم لجدواك فيض فض سكوب * ليس عن ودده فتى محجوب

إن تغطت بالمحق فيه عيوب * يا أخا المصطفى لدي ذنوب

هي عين القذا وأنت جلاها

 

أيوازي ذنبي رياء عفاف * وبعينيك كل باد وخاف

إن دعاك العافي بصدق اعتراف * يا غياث الصريخ دعوة عاف

ليس إلاك سامع نجواها

 

يا أمان الجانين دان وقاصي * من ذنوب منهن مامن مناص

أنت منجي لكل جان وعاصي * كيف تخشى العصاة بلوى المعاصي

وبك الله منقذ مبتلاها

 

فأجب دعوتي وأنجح سؤالي * وتفضل ومن بالافضال

أنت في المجد والندى ذو الجلال * لك في مرتقى العلا والمعالي

‹ صفحة 90 ›

درجات لا يرتقى أدناها

 

قد حباك الاله فضلا وأولى * من على القرب ما به أنت أولى

وبالا إن فهمت في الغيب أولا * عرفت ذاتك القديمة مولى

ك فوحدت في القديم الإلها

 

لا يزال التوحيد خير لباس * لك والشرك للمضلين كأس

ضل من فيك قاسهم بقياس * أين معناك من معاني أناس

كان معبودها اتباع هواها

 

خرقوا في الاسلام والدين خرقا * ليس تلفى له مدى الدهر رتقا

فامهلا من بباطن راض حقا * يا خليلي إن الله خلقا

حسبها النار في غد تصلاها

 

أشقياه كم قد أضلوا سبيلا * للهدى حيث قد أضلوا دليلا

إن هم بالهدى أقاموا قليلا * سبحوا في الضلال سبحا طويلا

وعلى الرشد أكرهوا إكراها

 

هم طغام شقوا نفوسا وأشقوا * وغشا داجيا على الدين ألقوا

ومساو لم تنس في الدهر أبقوا * إن تناسيتما السقيفة والقو

م فإني والله لا أنساها

 

إذ أتت والقلوب بالغل تغلي * شر قوم يقفوهم شر نسل

باجتماع على الضلالة تدلي * يوم خطت صحيفة الغي يملي‍

ها عليها خداعها ودهاها

 

هي شر وهل من الشر يأمن * من على خيرها استدل وبرهن

‹ صفحة 91 ›

قل لمن باجتماعهم رشدهم ظن * ما اجتماع المهاجرين مع الأن‍

صار فيها وقد علت غوغاها

 

وعليهم منهم أشاد مثير * بأمير والبدر فيهم منير

فتعاموا عنه وضل كثير * حيث قالوا منا ومنكم أمير

ووزير يدير قطب رحاها

 

ورأوا أن سعيهم غير مجد * لاتفاق في كل حل وعقد

فاستقالوا لعجزهم لا لرشد * وأرادوا لها تدابير سعد

فارتضاها بعض وبعض أباها

 

وأضلت للرشد كل طريق * إذ نفت من بالحق أي حقيق

إن تراها حلت بكل مضيق * أتراها درت بأمر عتيق

فلما ذا في الامر طال مراها

 

تركوا للهدى إماما مبينا * ولغاو في الغي أعطوا يمينا

قل لمن صير الخؤن أمينا * إن تكن بيعة الصحابة دينا

لم يحل عن محلها أتقاها

 

سابق في الخيرات مجرى يديها * حاضر أمرها شهيد عليها

يبصر القوم يسرعون إليها * كيف لم يسرع الوصي إليها

وهو باب العلوم بل معناها

 

وعليه نص النبي وصرح * وأبان الرشاد فيه وأوضح

بحر علم على الموجودات يطح * كيف لم تقبل الشهادة من أح‍

مد فيه بأنه أقضاها

 

‹ صفحة 92 ›

هو نعم الراعي لبئس الرعايا * عن قضاه مالت لسوء القضايا

حيث فيهم خطت لسود الخطايا * بيعة أورثت جميع البرايا

فتنة طال جوردها وجفاها

 

أهي تلك النار التي اقتسموها * أم هي الجنة التي حرموها

أم هي الفرصة التي اغتنموها * بل هي الفلتة التي زعموها

كفي المسلمون شر أذاها

 

كم صريح للحق قد غيرته * ومضل في الدين قد وقرته

فهي إن تدري بالذي أمرته * يا ترى هل درت لمن أحرته

عن مقام العلى وما أدراها

 

مذ أضلت من حل عن تشبيه * كبني إسرائيل حلت بتيه

فهي إن أخرته والرشد فيه * أخرت أشبه الورى بأخيه

هل رأت في أخ النبي اشتباها

 

هي أقصت أدنى الهدى عن يديها * وهي أدنت أقصى الضلال إليها

وهي قد أمنت خؤنا لديها * كيف لا تأمن الأمين عليها

وهو في كل ذمة أوفاها

 

أن من لم يزل له الغي بردا * من فتى لم بحر عن الرشد قصدا

فو استرشدوا هدوا فيه نجدا * ولو أن الأصحاب لم تعد رشدا

كان رشدا فرارها من عداها

 

ضل من قال أن طه تغافل * عن وصي من بعده وتعالل

إن يكن ذاك قالاله تساهل * أنبي بلا وصي تعالى ال

‹ صفحة 93 ›

له عما يقوله سفهاها

 

رتعوا في الضلال والغي رتعا * واغتدوا كالسوام في اللهو ترعى

ثم باعوا بالخسر في الدين نفعا * زعموا أن هذه الأرض مرعى

ترك الناس فيه ترك سداها

 

مذ إله العباد للأرض كون * بنبي على البرايا تحنن

ومتى عين الوصي تعين * كيف تخلو من حجة وإلى من

ترجع الناس في اختلاف نهاها

 

وأرى أهل الغي نخطي مرمى * وبسهم ترى به فيه ترمى

وأراها ترى الصواب فتعمى * وأرى السوء للمقادير ينمى

فإذا لا فساد إلا قضاها

 

يا عواتا وكم لديهم رحيم * وسواما وليس فيهم عليم

هل أراكم والغي فيكم قديم * قد علمتم أن النبي حكيم

لم يدع من أموره أولاها

 

أم فقدتم للدين فيه التصدي * أم لاحكام ربه لم يؤد

أم عن الحق خذتم بالتحدي * أم جهلتم طرق الصواب من الد

ين ففاتت أمثالكم مثلاها

 

أم على مؤمن مضل تولى * أم نبي أضل قوما وضلا

أم وصي بالدين عنه استقلا * هل ترى الأوصياء يا سعد إلا

أقرب العالمين من أنبياها

 

فاخش ربا بجاحد الحق يبطش * وتصفح أمر الاله وافتش

‹ صفحة 94 ›

هر تراه على المنيبين يغطش * أو ترى الأنبياء قد تخذوا المش‍

رك دهرا بالله من أوصياها

 

أرأته الولي حقا فولت * وعلى ذاك خاتم الرسل دلت

أم درت أنها بذلك زلت * أم نبي الهدي رأي الرسل ضلت

قبله فاقتفى خلاف اقتفاها

 

ضل أهل الغي الأولى نبهتهم * فئة عنه بل وكم قد نهتهم

غمروا في ضلالة فازدهتهم * أو ما ينظرون ماذا دهتهم

قصة الغار من مساوي دهاها

 

كم مخار فيها روى الذكر شتى * جذ أضلا لهم وفرعا وبتا

وبها شمل فضلهم قد أشتا * يوم طافت طوايف الحزن

حتى أو هنت من جنى عتيق قواها

 

قصدت أحمدا وما قصدته * آية عن سكينة أفردته

حيث منه الايمان قد فقدته * إن يكن مؤمنا فكيف عدته

يوم خوف سكينة وعداها

 

وهو لو كان للإله منيبا * ولداعي الايمان قدما مجيبا

شملته وكان منها مصيبا * إن للمؤمنين فيها نصيبا

وهو يوم الوبال أقصى وقاها

 

قد أماط الغطاء إله السماء * عن تقي وعن شقي مرائي

في كتاب أحاط بالأشياء * كم وكم صحبة جرت حيث لا إي‍

مان والله في الكتاب حكاها

 

‹ صفحة 95 ›

فلفرعون بالفنا لم يعجل * ولقارون بالردى لم يمهل

ولذا الرجس بالهدى لم يؤمل * وكذا في براءة لم يبسمل

حيث جلت بذكره بلواها

 

سل غوات الشرك التي لم يخنها * ألماذا قد خيب الرجس منها

وإليه تبليغها كان منهى * ثم سلها من بعد مارد عنها

صاحب الغار خائبا من تلاها

 

ما سمعنا بمثله في القبائل * من كفور يروض حقا بباطل

ناصر الغي في الهدى متخاذل * أين هذا من راقد في فراش

المصطفى يسمع العدى ويراها

 

كم نحته من الضلال بجيش * نغصت فيه للهدى كل عيش

إذا أرادت كيدا بطه لطيش * فاستدارت به عتات قريش

حيث دارت بها رحى بغضاها

 

ورأت أي رابع مخبوء * لفؤاد من رعبه مملوء

فانثنت بالوبال عن مكلوء * وأرادت به مكائد سوء

فشفى الله دائها بدواها

 

ورأت هيبة بها عزمها ثل * ورأيت أروعا على الحتف يفضل

ورأت صارما هو الموت إن سل * ورأيت قسور لو اعترضه ال

إنس والجن في وغى أفناها

 

يتبع الحزم حزمه ثم يردف * بالحمام الردى وللعمر يقصف

مذ أراها من الفنا أي موقف * مد كف الردى فلو لم تكفكف

‹ صفحة 96 ›

 

عنه آثار بغيها لمحاها

 

قد أحاطت بها الخطوب وحاقت * وعليها الأرض البسيطة ضاقت

ولرعب مر المية ذاقت * نظرت نظرة إليه فلاقت

قدرة الله لا يرد قضاها

 

ورأت منه ناظرا يصميها * بل يد الله أسهما ترميها

ودرت أن رعبه يفنيها * فتولت عنه وللرعب فيها

فلك دائر على أعضاها

 

بأبي من بده الاله هدانا * وحبانا بحبه الإيمانا

بأبي من رعى الهدى وأعانا * بأبي من غدى يؤدي أمانا

ت أخيه حتى أنم أداها

 

شاد ركن الهدى بزرق النصال * وعلى الدين مد أعلا ظلال

وأمد العلى بغر المعالي * بأبي من حمى بطعن العوالي

حرم المصطفى وصان خباها

 

ملك حكمه على الكون يجري * وهو فيما يجري مد الدهر يدري

آمر تحت أمره كل أمر * رتبة سل بها العظيمين جبري‍

ل وميكال كيف قد خدماها

 

هو مثل الذي عن المثل جلا * بل عن الظل ظل رب تجلى

ضل قوم به تقيس مضلا * صاح ما هؤلاء في الناس إلا

كعيون داء العمى أعياها

 

دع طغا مالها عن الحق منأى * ليس منها امرئ يرى الرشد مرأى

‹ صفحة 97 ›

ومن الغين منهم العين ملاى * ألها منظر لادراك مرأى

أم لها مسمع لمن ناجاها

 

فهم للخنا وللخزي موطن * وهم للضلال والغي معدن

ليس يعني بها الكتاب ويعلن * أهم خير أمة أخرجت للن‍

ناس هيهات ذاك بل أشقاها

 

فلتلك الأشباح محوا ومحقا * ولتلك السوام في الأرض سحقا

إن تراها كالناس خلقا ونطقا * أتراها من ولد آدم حقا

أم سواما كانت لهم أشباها

 

ضل شيخاهما ضلال عظيما * وبغي ما زال كل مقيما

إن بفخر قد كان كل زعيما * أي مرمى من الفخار قديما

أو حديثا أصابه شيخاها

 

أفهل منهما ذباب تسر بل * بدم أم شبا حسام قد أبتل

أم حديث عليهما في علا دل * أي أكرومة ولو أنها قل‍

ت ودقت تراهما انتمياها

 

بهما ائتمت البهائم لما * في ذمام الاسلام بغيا ألما

سفهت أمة رأته مهما * الزهد في الجاهلية عما

عهدته الأيام من جهلا ها

 

أم لمجد مؤثل أم لجود * أم لطول الركوع لسجود

أم لرعي الذمام أم لعقود * أم لذكر أناف أم لعهود

في ذمام الاسلام قد حفظاها

 

تسعت غاويين فلتتبوء * مقعدا في لظى لها قد تهيأ

فهما والغوات للحق تدرأ * إن يكونا كرغمهم أسدى بأ

س فأي الفرايس افترساها

 

النص في الفضل جاء صريح * فيهما أم حديث بأس صحيح

كم ظفرنا لا صيد بذبيح * كيف لم يظفروا ولا بجريح

ويد الليث جمة جرحاها

 

كم بحرب لحيدر وبسلم * من جهاد بسيف قول وسهم

قل لقوم تجاهلت بعد علم * إن تكن فيهما شجاعة قزم

فلماذا في الدين ما بذلاها

 

أبها أججا الوغى بسعير * أم بها زلزلا الشرى بزئير

لست أدري وليتني بخبير * ذخراها لمنكر ونكير

أم لأجناد مالك ذخراها

 

كم عقود لمصطفى الطهر حلا * وبناء من الهداية شلا

فوحق الهدى الذي عنه ظلا * لم يجيبا نداء أحمد إلا

لأمور من كاهن عقلاها

 

كم على الناس موها تمويها * في أمور والله أعلم فيها

إن أجابا فأدركا تنويها * علما أن أحمدا سيليها

وإذا مات أحمد ولياها

 

 فأقام على الضلال بعمد * فاستقاما فأدركا كل قصد

إذ دعى المصطفى لأوضح نجد * فأجابا لرغبة لا لرشد

‹ صفحة 99 ›

كلمات الاسلام إذ سمعاها

 

بضلال قاما وقد تابعته * شعب منهما وكم شايعته

وبه إذ قواهما طاوعته * نكثا بيعة الذي بايعته

من ملوك السبع الأولى عظماها

 

لا تزال الأسود في تشويش * منه والدار عون في تخديش

وهو عنها ما زال في تفتيش * أهو المختفي بظل عريش

حيث ظل الكماة كان قناها

 

فأسئل القوم والجحيم مقيل * عنه إذ عنه جاء قول مقيل

أهو بالعجز قر إذ لا مقيل * أم هو القائل الملح أقيلو

ني منها فإنني أأباها

 

أين منه من للهدى لم يطعه * وإذا الحق حق لم يتبعه

واغض عن جهله وبالجبن دعه * لو حوى قلب بنته لم ترعه

من صفاح اليهود وقع شباها

 

كم برجس إبليسها قد تلبس * فغوى والغوي لا يتحرس

ولكم محتد لقوم تدنس * يوم جاءت تقود بالجمل العس‍

كر لا تتقي ركوب خطاها

 

سبحت في الضلال والغي سبحا * حيث باعت بالخسر في الدين ربحا

ومضت تخبط السباسب كدحا * فألحت كلاب حوئب نبحا

فاستدلت به على حوباها

 

كم غوات حفت ببنت غوي * جهدت في قتال خي وصي

‹ صفحة 100 ›

وتخطت من الرشاد لغي * يا ترى أي أمة لنبي

جاز في شرعه قتال نساها

 

أتراها درت بما فيه جاءت * أم بأي الضلال والاثم باءت

فاسألوها إذ بالغواية فاءت * أي أم المؤمنين أساءت

ببنيها ففرقتهم سواها

 

فرقتهم بالبغي عن كل ناد * جمعتهم للغي بعد رشاد

جعلت شمل جمعهم لبداد * شتتتهم في كل شعب واد

بئس أم عتت على ابناها

 

وبذاك النبي يدري ويعلم * وبه أعلن الكتاب وأعلم

فهي مع حفظها الكتاب المعظم * نسيت آية التبرج أم لم

تدر أن الرحمان عنه نهاها

 

من مجير الهدى وهل من مغيث * من أتان ضلت بسير حثيث

وعجيب من بنت رجس خبيث * حفظت أربعين ألف حديث

ومن الذكر آية تنساها

 

نكست ضلة وخزيا رؤسا * لم تنكس في عثير الحرب شوسا

إن نسينا للدهر ما ليس يوسى * ذكرتنا بفعلها زوج موسى

إذ سعت بعد فقده مسعاها

 

عاجلت تلك بالذي آجلته * هذه بالوصي إذ قابلته

وبما تلك عاملت عاملته * قاتلت يوشعا كما قاتلته

لم تخالف حمراؤها صفراها

 

‹ صفحة 101 ›

فاغتدت بعد حلمها تتسفه * وبغير الأوثان لم تتأله

واستدامت بغيها تتوله * واستمرت تجر أردية الله‍

و الذي عن إلاهها ألهاها

 

ذات غي بها الغواية تجزى * وشقاء بها الشقاوة ترزى

وإليها نفس الضلالة تعزى * فبإحراق مالك سوف تجزى

من لظى مالك أشر جزاها

 

إن لعن ألغوا ت في كل يوم * كصلاة وجوبه أو كصوم

عام فكري في مقتهم أي عوم * لا تلمني يا سعد في مقت قوم

ما وفت حق أحمد إذ وفاها

 

أمة الغي أي نكرى أتيتي * بعد طه وأي حق أبيتي

وعن الرشد أي نأي نأيتي * أو ما قال عترتي أهل بيتي

احفظوني في برها وولاها

 

هدموا إذا عصوه للرشد بيتا * ثم قالوا للغي والبغي هيتا

وامتطعوا في عناد طه كميتا * نازعوه حيا وخانوه ميتا

يا لتلك الحظوظ ما أشقاها

 

قدر ما ها الاله في كل معضل * وأراها يبغيها كل مهول

ومن النار بوءت أي منزل * أمة لم توم أمر سفير ال‍

له ضلت وضل من يهواها

 

هم غواة كلابها كم تعاوت * لاجتماع على الخنا فتعاوت

أتراها من دائها لا تداوت * كيف أقصت أخا نزار وآوت

‹ صفحة 102 ›

من أعادي محمد أعداها

 

من رجى الخير من يدي شرحا في * أمل الري من سراب الفيافي

أرأيت السقيم سقما يشافى * تعست جبهة الجبان تنافى

كل خير لا خير فيمن رجاها

 

كم من المين قد أتانا بمزعج * كل وغد في القلب نارا يؤجج

قل لمن يفتري الحديث وينسج * أحديث القيان يكرهه الرج‍

س وللمصطفى يلذ غناها

 

ذو ضلال والغي فيه جلي * ومن البغي والبغاء ملي

ومن الفضل والعلوم خلي * ليته حين قال لولا علي

وبدت آية الهدى فاقتفاها

 

كم أراد الهدى وعاد أسيرا * لهواه واختار عنه سعيرا

ولو اختاره استنار ضميرا * لكن الجهل لم يدعه بصيرا

أي عين رأت عقيب عماها

 

ليس أولى بالامر إلا ولي * للبرايا والنص فيه جلي

كنز فضل م كل علم ملي * إي وحق الاسلام لولا علي

ما قضاها فتى ولا أفتاها

 

كل علم أعيى الورى لم يبنه * غير ندب علم الغيوب لدنه

مذ أضائت شمس الفضائل عنه * قد أطلت على العوالم منه

حكمة الله لم يسعها فضاها

 

هو بعد النبي أول فعل * فاض من مصدر الجلال بنبل

‹ صفحة 103 ›

فلك مشرق بنير عقل * تتجلى به منيرات فضل

كالدراري سيارة في سماها

 

فيئ آل الهدى قد اقتسموه * وعليهم شيخ الخنا قدموه

فو حق الحق الذي حرموه * لم يذوقوا الهدى لو طعموه

عرفوا للنبي قدرا وجاها

 

مذ دعى للهدى أجابت دعاه * ألسن والقلوب تأبى نداه

هم وإن وافقت شفاها شفاه * صاحبوه ونافقوا في هواه

فهو أولى جحيمها ولظاها

 

بايعوا كل ذي ضلال سفيه * وتخطوا من الرشاد لتيه

أشقياء والابن مثل أبيه * نقضوا عهد أحمد في أخيه

وأذاقوا البتول ما أشجاها

 

منهم أغضب البتولة علج * إذ أتته تراثها منه ترجو

فأبى الرجس إذا رآها تعج * وهي العروة التي ليس ينجو

غير مستعصم بحبل ولاها

 

أرسل الله سيد الرسل طرا * بالهدى والشيطان يعبد جهرا

ومذ الحق شق للبعث فجرا * لم ير الله للرسالة أجرا

غير حفظ الوداد في قرباها

 

لم تزل بعد أحمد الطهر عبرى * بغموم من ذلك الرجس تترى

ويل علج بها استخف وأدرى * لست أدري إذ روعت وهي حسرى

عاند القوم بعلها وأباها

 

‹ صفحة 104 ›

مذا ضيمت من بعده أي ضيم * لم يزل حزنه لديها كغيم

جرعت من سمام سام وأيم * يوم جاءت إلى عدى وتيم

ومن الوجد ما أطال بكاها

 

قد أغاظوا السيد الرسل صنوا * حين رضوا من فاطم الطهر عضوا

ولكن بثت المهيمن شكوى * فدعت واشتكت إلى الله شجوا

والرواسي تهتز من شكواها

 

ثم عادت بخطبة وأعادت * كلمات لها الرواسخ مادت

وبكت واشتكت بحزن ونادت * فاطمأنت لها القلوب وكادت

أن تزول الأحقاد ممن حواها

 

حاججتهم بسنة وكتاب * أفلجتهم بحكمة وصواب

حين جاءت وقلبها بالتهاب * تعظ القوم في أتم خطاب

حكت المصطفى به وحكاها

 

ولخطب الخطاب أبد ت حنينا * ملا الدهر رنة وأنينا

وأسى أيقظ النبي الأمينا * أيها القوم راقبوا الله فينا

نحن من روضة الجليل جناها

 

حبنا دين الحق والبغض كفر * وولانا يوم القيامة ذخر

وبه في الجنان كم شيد قصر * نحن من بارئ السماوات سر

لو كرهنا وجودها ما براها

 

وبنا الله أكمل الإيمانا * ولنا زين الاله الجنانا

ولأعدائنا برى النيرانا * بل بآثارنا ولطف رضانا

‹ صفحة 105 ›

سطح الأرض والسماء بناها

 

من تنحى عنا فللغي يصبو * والذي عن طريقنا حاد يكبو

فبنا يرضى الله والخير يربو * وبأضوائنا التي ليس تخبو

حوت الشهب ما حوت من سناها

 

فحمانا للوحي أكرم منزل * وعلانا للدين أعظم موئل

وهدانا للمهتدي خير معقل * واعلموا أننا مشاعر دين ال

له فيكم فأكرموا مثوانا

 

فإلى فضلنا لدى الحشر أيض * ولدينا في جنة الخلد حوض

ولنا في النعيم أزهر روض * ولنا من خزائن الغيب فيض

ترد المهتدون منه هداها

 

إن رب السماء إلينا تجلى * وحبانا أمر الجنان وولى

وبها خص من بنا قد تولى * إن تروموا الجنان فهي من الل‍

ـه إلينا هدية أهداها

 

بل ولانا الجنان لا تدعوها * والرضا أم روضها وأبوها

فاصحبوا حبنا ومنا خذوها * هي دار لنا ونحن ذووها

لا يرى غير حزبنا مرآها

 

خلقت للذي إلى الحق دانا * لا لمن خان عهدنا وجفانا

فجنان النعيم مهر ولانا * وكذاك الجحيم سجن عدانا

حسبهم يوم حشرهم سكناها

 

ليت شعري وفي الحشا أي كي * لا يداوى وأي داء دوي

‹ صفحة 106 ›

وأسى قد طوى الأسى أي طي * أيها الناس أي بنت نبي

عن مواريثها أبوها زواها

 

أفهل منكم بحق حقيق * وبنصري منكم يقوم وثيق

فيراني والدمع مني عقيق * كيف يزوي عني تراثي عتيق

بأحاديث من لدنه افتراها

 

أنكروا النص في أمور أتوها * ووصايا الاله فينا أبوها

فالأحاديث إن علينا افتروها * هذه الكتب فاسألوها تروها

بالمواريث ناطقا فحواها

 

ليس يجديكم من الذكر ذكر * إذ بكم قد أحاط غي وكفر

فبمعنى من آل يعقوب سر * وبمعنى يوصيكم الله أمر

شامل للعباد في قرباها

 

كل فضل لنا المهيمن أولى * إذ رآنا بذاك أحرى وأولى

وإلينا أهدى الوصية طولا * كيف لو يوصنا بذلك مولا

نا وتيما من دوننا أوصاها

 

يالخطب أعيا الورى إعياء * ولداء أعيا الطبيب دواء

إن ربا بنا برى أنبياء * هل رآنا لا نستحق اهتداء

واستحقت تيم الهدى فهداها

 

وهي كم أحدثت حدوث الرزايا * وتخطت إلى أشد الخطايا

أتراه لم يرع رشد الرعايا * أم تراه أضلنا في البرايا

بعد علم لكي نصيب خطاها

 

‹ صفحة 107 ›

أيها القوم هل ذمام يراعى * لنبي وفي الذمام وراعى

عاد حقي في ظالمين مضاعا * أنصفوني من جائرين أضاعا

ذمة المصطفى وما رعياها

 

فانظروا من يناببغى تحكم * ودهانا بالجوار أي مذمم

فغدونا من ظلمة نتظلم * وانظروا في عواقب الدهر كم أم‍

ست عتاة الرجال من صرعاها

 

قد سلكتم من الضلال طروفا * وحفظتم من النفاق شقوفا

ورأيتم للغي والبغي سوقا * مالكم قد منعتمونا حقوقا

أوجب الله في الكتاب أداها

 

وعلينا عتاتكم كم تعاتت * وعلى الحقد والحزازة باتت

وعليه عاشت قواكم وماتت * وحذوتم حذو اليهود غداة ات‍

خذوا العجل بعد موسى إلها

 

أعلمتم إذ غيكم هد طودا * للهدى كم أشاب للدين فودا

ولكم حين ذدتم الحق ذودا * قد سلبتم من الخلافة خودا

كان منا قناعها ورداها

 

ورميتم آل النبي بغدر * وقعدتم في الدين عن كل نصر

وأغرتم على الرشاد بكفر * وسبيتم من الهدى ذات خدر

عز يوما على النبي سباها

 

يا طغام الأنام زدتم فجورا * وأبيتم في الدين إلا كفورا

لكم الويل كم أتيتم أمورا * تدعون الاسلام إفكا وزورا

‹ صفحة 108 ›

كذبت أمهاتكم بادعاها

 

لست أدري إذ عن رشاد صددتم * ولا زر الضلال بغيا شددتم

البعل سجدتم إذ سجدتم * أي شئ عبدتم إذ عبدتم

أن يولى تيم على آل طه

 

قد جعلتم عليكم أمراء * أشقياء خانوا الهدى أدعياء

وائتمنتم فخنتم امناء * إن رضيتم من دوننا خلفاء

لاشتفت من قلوبكم مرضاها

 

أو أعنتم على الضلال معينا * لا سقيتم صوب الغمام معينا

أو نكلتم عنا شللتم يمينا * أو أبيتم عهود أحمد فينا

لأوقيتم من الرزايا سطاها

 

إنما البردة التي قد تحلى * بحلاها من عن ولانا تخلى

وتولى بغيا وعنا تولى * هذه البردة التي غضب الل‍

ـه على كل من سوانا ارتداها

 

قد تلفعتم بأثواب نار * وحبيتم منها بأي استعار

واشتملتم منها ببردة عار * فخذوها مقرونة بشنار

غير محمودة لكم عقباها

 

سلبتكم أثواب كل فخار * وكساكم بها العرى كل عار

فارتد وها قد طرزت بشرار * والبسوها لبسا عار ونار

قد حشوتم بالمخزيات وعاها

 

إن نسلكم أداء حق جوار * لو نسلكم وفاء أي ذمار

أو نسلكم عن نحلة وعقار * لم نسلكم لحاجة واضطرار

‹ صفحة 109 ›

بل ندل الورى على تقواها

 

إن بغدر سدتم وحل عقود * واتباع الهوى ونقض عهود

وببخل وشحة وجمود * كم لنا في الوجود رشحة جود

يعجز السبعة البحار غناها

 

ولنا حكمة ذكت لا بزيت * وسباق قد فات كل كميت

وعلاد ساد كل حي وميت * علم الله أننا أهل بيت

ليس تأوى دنية مأواها

 

فولانا للناس أعظم حصن * ومن الهول في غد أي أمن

كم علينا من الاله بمن * لو سألنا الجليل إلقاء عدن

أو مقاليد عرشه ألقاها

 

أين من شأو مجدهم كل شان * قاصر عن هجاه كل بيان

إن به فاه طول دهري لساني * سعد دعني وهجو سود المعاني

أكبر الحمد في معاني هجاها

 

قل لقوم سعت بجهد فسادا * ونفت حق آل طه ارتدادا

يا طغاما ضاهت ثمودا وعادا * كيف تنفى ابنة النبي عنادا

لا نفى الله من لظى من نفاها

 

ألأي الأمور تجهل قدرا * بنت خير الورى فتجهل قبرا

أم لأي الأمور تظلم جهرا * ولأي الأمور تدفن سرا

بضعة المصطفى ويعفى ثراها

 

تعصوا عيشها وقد كان رغدا * وفؤاد الهدى لها ذاب وقدا

‹ صفحة 110 ›

إذ قضت وهي أو فر الخلق جهدا * فمضت وهي أعظم الناس وجدا

في فم الدهر غصة من جواها

 

فاغتدى قلبها على الضيم يطوى * واغتدى دمعها به الأرض تروى

تخذت للأحزان كالقبر مأوى * وثوت لا يرى لها الناس مثوى

أي قدس يضمه مثواها

 

قدرتها يد الحقود بصرف * للرزايا ذاقت به أي حتف

فقضت والزمان عنها بخلف * ثم همت ببعلها كل كف

واستمدت له رقاق مداها

 

أمه ضل إذ غوت مسعاها * أمة خاب حين ضلت رجاها

أمة في الأنام ما أشقاها * أمة قاتلت إمام هداها

يا ترى أين زال عنها حياها

 

أدعياء قد انتمت لطغام * لا تبالي في البغي من آثام

وآزرتها في الغي أي سوام * كم أرادت إطفاء نار حسام

صاغه الله ثمرة لحشاها

 

حلف كف بها لهم أي كف * ونكال لهم وإرغام أنف

ولطغيانهم بها أي حتف * بأبي من له مطاعن كف

لا يداوى من الردى كلماها

 

كم بها للرشاد أسدى صنيعا * وبنى الاسلام حصنا رفيعا

إذ غد للعلوم كهفا منيعا * إن ذات العلوم تنمى جميعا

لعلي وكان روح نماها

 

‹ صفحة 111 ›

مذ يد الصنع للهدى كونته * وبحلي من فضلها زينته

كل أكرومة بمجد عنته * وكذا كل حكمة مكنته

من أعالي سنامها فامتطاها

 

فمعاليه للفضائل إلف * وأياديه للفواضل حلف

فمتى يلتجي العلى فهو كف * ومتى يذكر الندى فهو لطف

إن محيي الموتى به أحياها

 

فيه للغي ساخ كل أساس * ورسا للهدى به كل رأس

فلصمصامه القضاء مواس * ولاقدامه تزول الرواسي

والمقادير تقشعر حشاها

 

كم معال منه لديها التطول * وعلوم له عليها التفضل

فله انقاد صغيها بتذلل * ومرامي الأسرار سددهم ال‍

له منه لها فما أخطاها

 

بحر فيض أغنى افتقار عفاة * للوجودات منه في رشفات

وهو إن بالنوال أحيا رفات * كم له من مواهب مردفات

هي كالشمس لا يحول ضياها

 

قد تمت هذه القصيدة الفريدة نور الله ضريح ناظمها

‹ صفحة 113 ›

 

أصل الأزرية

نعيد نشر الأصل مستقلا عن التخميس لنضع هذه الفريدة النفيسة موصولة الحلقات بين يدي

القارئ ، فيستعين على استظهارها ويجد المتعة في تلاوتها متسلسلة الأبيات ، على انا

هنا ننشرها مصححة على نسخة مخطوطة متقنة التصحيح عثرنا عليها أخيرا بعد أن طبع

التخميس على النسخة المطبوعة في الهند وسننبه في التعليقة على بعض الهفوات

التي وقعت في المطبوع مع التخميس راجين من القارئ أن يعود عليها لتصحيحها .

‹ صفحة 115 ›

بسم الله الرحمن الرحيم

لمن الشمس في قباب قباها * شف جسم الدجى بروح ضياها

ولمن هذه المطايا تهادى * حي أحياءها وحي سراها

يعملات تقل كل غرير * قد حكته شمس الضحى وحكاها

ما أراني بعد الأحبة إلا * رسم دار قد انمحى سيماها

كم شجتني ذات الجناح سحيرا * حين طار الهوى بها فشجاها

ذكرتني وما نسيت عهودا * لو سلا المرء نفسه ما سلاها

نبهت عيني الصبابة والوجد * وان كان لم ينم جفناها

فتنبهت للتي هي أشقى * والهوى للقلوب أقصى شقاها

يا خليلي كل باكية لم * تبك إلا لعلة مقلتاها

لا تلوما الورقاء في ذلك الوجد لعل الذي عراني عراها

خلياها وشأنها خلياها * فعساها تبل وجدا غساها

كان عهدي بها قريرة عين * فاسألاها بالله مم بكاها

ليت شعري هل للحائم نوحي * أم لديها لواعجي حاشاها

‹ صفحة 116 ›

لو حوت ما حويته ما تغنت * سل عن النار جسم من عاناها

أهل نجد راعو ذمام محب * حسب الحب روضة فرعاها

عودونا على الجميل كما كنتم فقد عاود القلوب أساها

قربونا منكم لنشفي صدورا * جعل الله في الشفاه شفاها

وعدونا بالوصل فالهجر عار * كيف تستحسن الكرام جفاها

حي أوطاننا بوادي المصلى * فهي أوطار نشوة نلناها

حيث صحف الغرام تتلى وما أد * رآك ما لفظها وما معناها

كم لأهل الهوى بها وقفات * أوقفتها على بلوغ مناها

حبذا وقفة بتلك الثنايا * صح حج الهوى بوادي صفاها

كلما مر من سحائب وصل * سار سر الهوى بها فمراها

كلما اسلف الصبا من سلاف * تصقل الدهر نسمة من شذاها

أين أيام رامة لأعداها * مدمع العاشقين بل حياها

دهر لهو كأننا ما لبثنا * فيه إلا عشية أو ضحاها

مالنا والنوى كفى الله منها * أي نكر أتت به كفاها

حيث بتنا شتى المغاني وماذا * أنكر الدهر من يد أسداها

يا أخلاي لو رعيتم قلوبا * جد جد الهوى بها فابتلاها

أنصفونا من جور يوم نواكم * حسب تلك الأكباد جور جفاها

عمرك الله هل تنشقت عرفا * من دمى الحي أو وردت لماها

أم لمحت القباب أم شمت منها * تلكم الومضة التي شمناها

خبرينا يا سرحة الواد عنهم * أين ألقت تلك الظعون عصاها

‹ صفحة 117 ›

يا لقومي ما دون رامة ثاري * فاسألوا عن دمي المراق دماها

ان حتف الورى بعين مهاة * لا تخال الحمام إلا أخاها

ما على مثلها يذم هوانا * وعلى مثلنا يذم قلاها

يا خليلي والخلاعة ديني * فاعذر أهلها ولا تعذلاها

ان تلك القلوب أقلقها الوجد وأدمى تلك العيون بكاها

لا تلوما من سيم في الحب خسفا * إنما آفة القلوب هواها

أي عيش لعاشق ذات هجر * لا يزال الحمام دون حماها

أي عيش للسالفين تقضى * كان حلو المذاق لولا نواها

هي طورا هجر وطورا وصال * ما أمر الدنيا وما أحلاها

كم ليال مرت بلمياء بيض * كان يجنى النعيم من مجتناها

كان أنكى الخطوب لم يبك مني * مقلة لكن الهوى أبكاها

لو تأملت في مجامد دمعي * لتعجبت من أسى أجراها

أنا سيارة الكواكب في الحر * ب فانى يعدو علي سهاها

كل يوم للحادثات عواد * ليس يقوى رضوى على ملتقاها

كيف يرجى ( الخلاص ) منهن إلا * بذمام من سيد الرسل ( طه )

معقل الخائفين من كل خوف * أوفر العرب ذمة أوفاها

مصدر العلم لبس إلا لديه * خبر الكائنات من مبتداها

ملك يحتوي ممالك فضل * غير محدودة جهات علاها

لو أعيرت من سلسبيل نداه * كرة النار لاستحالت مياها

هو ظل الله الذي لو أوته * أهل وادي جهنم لحماها

‹ صفحة 118 ›

علم تلحظ العوالم منه * خير من حل أرضها وسماها

ذاك وذو إمرة على كل أمر * رتبة ليس غيره يؤتاها

ذاك أسخى يدا وأشجع قلبا * وكذا أشجع الورى أسخاها

ما تناهت عوالم العلم إلا * وإلى ذات ( أحمد ) منتهاها

أي خلق الله أعظم منه * وهو الغاية التي استقصاها

قلب الخافقين ظهرا لبطن * فرأى ذات ( أحمد ) فاجتباها

من ترى مثله إذا شاء يوما * محو مكتوبة القضاء محاها

رائد لا يزود إلا العوالي * طاب من زهرة القنا مجتناها

ذات علم بكل شئ كأن اللوح ما أثبتته إلا يداها

لست أنسى له منازل قدس * قد بناها التقى فأعلى بناها

ورجالا أعزة في بيوت * أذن الله أن يعز حماها

سادة لا تريد إلا رضى الله كما لا يريد إلا رضاها

خصها من كماله بالمعاني * وبأعلى أسمائه سماها

لم يكونوا للعرش إلا كنوزا * خافيات سبحان من أبداها

كم لهم ألسن عن الله تنبي * هي أقلام حكمة قد براها

وهم الأعين الصحيحات تهدي * كل نفس مكفوفة عيناها

علماء أئمة حكماء * يهتدي النجم باتباع هداها

قادة علمهم ورأي حجاهم * مسمعا كل حكمة منظراها

ما أبالي ولو أهيلت على الأرض * السماوات بعد نيل ولاها

من يباريهم وفى الشمس معنى * مجهد متعب لمن باراها

‹ صفحة 119 ›

ورثوا من " محمد " سبق أولا * ها وحازوا ما لم تحز أخراها

آية الله حكمة الله سيف الله * والرحمة التي أهداها

أريحي له العلى شاهدات * ان من نعل أخمصيه علاها

نير الشكل دائر في سماء * بالأعاجيب تستدير رحاها

فاض للخلق منه علم وحلم * أخذت عنهما العقول نهاها

واستعارت منه الرسالة شمسا * لم يزل مشرقا بها فلكاها

حي ذاك المليح أي ثمار * من حبيبية الإله اجتناها

ما عسى أن أقول في ذي معال * علة الكون كله إحداها

كم على هذه له من أياد * ليست الشمس غير نار قراها

وله في غد مضيف جنان * لم يحل حسنها ولا حسناها

كيف عنه الغنى بجود سواه * وهو من صورة السماح يداها

أين من مكرماته معصرات * دون أدنى نواله أنداها

ملأت كفه العوالم فضلا * فلهذا استحال وجه خلاها

بأبي الصارم الآلهي يبرى * عنق الأزمة الشديد براها

جاورته طريدة الدين علما * انه ليثها الذي يرعاها

نطقت يوم حمله معجزات * قصر الوهم عن بلوغ مداها

بشرت أمه به الرسل طرا * طربا باسمه فيا بشراها

تلتقي كل دورة برسول * أي فخر للرسل في ملتقاها

كيف لم يفخروا بدورة مولى * فخر الذكر باسمه وتباهي

لم يكن أكرم النبيين حتى * علم الله انه أزكاها

‹ صفحة 120 ›

فلتقواه تنثني الرسل حسرى * حيث لا تستطيع نيل ذراها

نوهت باسمه السماوات والأرض * كما نوهت بصبح ذكاها

وبدا في صفايح الصحف منه * بدر إقبالها وشمس ضحاها

وغدت تنشر الفضائل عنه * كل قوم على اختلاف لغاها

وتمنوه بكرة وأصيلا * كل نفس تود وشك مناها

وتنادت به فلاسفة الكهان حتى وعى الأصم نداها

وصفوا ذاته بما كان فيها * من صفات كمن رأى مرءاها

طربت لاسمه الثرى فاستطالت * فوق علوية السما سفلاها

ثم أثنت عليه إنس وجن * وعلى مثله بحق ثناها

لم يزالوا في مركز الجهل حتى * بعث الله للورى أزكاها

فأتى كامل الطبيعة شمسا * تستمد الشموس منه سناها

وإلى فارس سرى منه سر * فاستحالت نيرانها أمواها

وأحاطت بها البوايق حتى * غاض سلسالها وفاض ظماها

وأقامت في سفح ايوان كسرى * ثلمة ليس يلتقي طرفاها

وتهاوت زهر النجوم رجوما * فانزوى مارد الضلال وتاها

رميت منهم القلوب برعب * دك تلك الجبال من مرساها

وانمحت ظلمة الضلال ببدر * كان ميلاده قران انمحاها

فكان الاشراك آثار رسم * غالها حادث البلا فمحاها

وكان الأوثان أعجاز نخل * عاصف الريح هزها فرماها

ونواحي الدنيا تميس سرورا * كغصون مر النسيم ثناها

‹ صفحة 121 ›

سيد سلم الغزال عليه * والجمادات أفصحت بندا ها

وإلى نشره القلائص حنت * راقصات ورجعت برغاها

وإلى طبه الآلهي باتت * علل الدهر تشتكي بلواها

كيف لا تشتكي الليالي إليه * ضرها وهو منتهى شكواها

وبه قرت الغزالة عينا * بعدما ضل في الربى خشفاها

من لشمس الضحى بلثم ثراه * فتكون التي أصابت مناها

جاء من واجب الوجود بما يستصغر الممكنات أن يخشاها

سؤدد قارع الكواكب حتى * جاوزت نيراته جوزاها

بأسه مهلك وأدنى نداه * منقذ الهالكين من بأساها

كم سخى منعما فأعتق قوما * وكذا أكرم الطباع سخاها

كم نوال له عقيب نوال * كسيول جرت إلى بطحاها

إنما الكائنات نقطة خط * بيديه نعيمها وشقاها

كل ما دون عالم اللوح طوع * ليدي فضله الذي لا يضاها

همم قلدت من الله سيفا * ما عصته الصعاب إلا براها

عزمات محيلة لو تمنت * مستحيلا من المنى ما عصاها

لا تسل عن مكارم منه عمت * تلك كانت يدا على ما سواها

جوهر تعلم الفلزات من * كل القضايا بأنه كيمياها

حاز من جوهر التقدس ذاتا * تاهت الأنبياء في معناها

لا تجل في صفات " أحمد " فكرا * فهي الصورة التي لن تراها

تلك نفس عزت على الله قدرا * فارتضاها لنفسه واصطفاها

‹ صفحة 122 ›

صيغ للذكر وحده والآلهيون * كانت في الذكر عنه شفاها

سل ذوات التمييز تخبرك عنه * ان حال التوحيد منه ابتداها

حاز قدسية العلوم وان لم * يؤتها " أحمد " فمن يؤتاها

علم أقسمت جميع المعالي * انه ربها الذي رباها

يصدر الامر عن عزائم قدس * ليست السبعة السواري سواها

بطل طاول الظبى والعوالي * بيد لا يطولها ما عداها

إنما عاشت السماوات والأرض * ومن فيهما على جدواها

لا تضع في سوى أياديه سؤلا * ربما أفسد المدام أناها

عدا لي بعض وصفه تلق * كليات مجد لم تنحصر أجزاها

ذاك لو لم تلح عوالم عقل * منه لم يعرف الوجود الإلها

شمس قدس بدت فحق انشقاق * البدر نصفين هيبة لبهاها

أي أرضية عصت لم يرضها * أو سماوية سمت ما سماها

من تسنى متن " البراق " ليطوي * صحف أفلاكها به فطواها

وترقى " لقاب قوسين " حتى * شاهد القبلة التي يرضاها

حيث لا همس للعباد كأن * الله من بعد خلقها أفناها

داس ذاك البساط منه برجل * نيرا كل سؤدد نعلاها

وعلى متنه يد الله مدت * فأفاضت عليه روح نداها

وأراه مالا يرى من * كنوز الصمدانية التي أخفاها

ليت شعري هل ارتقى ذروة * الأفلاك أم طأطأت له فرقاها

أم لسر من مالك الملك فيه * دون مقدار لحظة أنهاها

‹ صفحة 123 ›

كم روى العسكر الذي ليس يحصى * حيث حر الربى يذيب حصاها

وأعاد الشمس المنيرة قسرا * بعدما عاد ليلها يغشاها

وأظلت عليه من كلل السحب * ظلال وقته من رمضاها

واخضر العصى بيمنى يديه * كاخضرار الآمال من يسراها

وكلام الصخر الأصم لديه * معجز بالهدى الإلهي فاها

وسمت باسمه سفينة نوح * فاستقرت به على مجراها

وبه نال خلة الله إبراهيم * والنار باسمه أطفاها

وبسر سرى له في ابن عمران * أطاعت تلك اليمين عصاها

وبه سخر المقابر عيسى * فأجابت نداءه موتاها

وهو سر السجود في الملأ * الأعلى ولولاه لم تعفر جباها

وهو الآية المحيطة في الكون * ففي عين كل شئ تراها

الفريد الذي مفاتيح علم * الواحد الفرد غيره ما حواها

هو طاوس روضة الملك بل * ناموسها الأكبر الذي يرعاها

وهو الجوهر المجرد منه * كل نفس مليكها زكاها

لم تكن هذه العناصر إلا * من هيولاه حيث كان أباها

من يلج في جنان جدوى يديه * يجد الحور من أقل إماها

ما حباه الله الشفاعة إلا * لكنوز من جاهه زكاها

ما رأت وجهه الغمامة إلا * وأراقت منه حياء حياها

ثق بمعروفه تجده زعيما * بنجاة العصاة يوم لقاها

كيف تطمى حشى المحبين منه * وهو من كوثر الوداد سقاها

‹ صفحة 124 ›

شربة أعقبتهم نشوات * رق نشوانها وراق انتشاها

لا تخف من أسى القيامة هولا * كشف الله بالنبي أساها

ملك شد أزره " بأخيه " * فاستقامت من الأمور قناها

أسد الله ما رأت مقلتاه * نار حرب تشب إلا اصطلاها

فارس المؤمنين في كل حرب * قطب محرابها امام وغاها

لم يخض في الهياج إلا وأبدى * عزمة يتقي الردى إياها

ذاك رأس الموحدين وحامي * بيضة الدين من اكف عداها

جمع الله فيه جامعة الرسل * وآتاه فوق ما آتاها

وإذا ما انتمت قبائل حي * الموت كانت أسيافه آباها

من ترى مثله إذا صرت الحرب * ودارت على الكماة رحاها

ذاك قمقامها الذي لا يروي * غير صمصامه أوام صداها

وبه استفتح الهدى يوم ( بدر ) * من طغاة أبت سوى طغواها

صب صوب الردى عليهم همام * ليس يخشى عقبى التي سواها

يوم جاءت وفي القلوب غليل * فسقاها حسامه ما سقاها

كيف يخشى الذي له ملكوت * الامن والنصر كله عقباها

فأقامت ما بين طيش ورعب * وكفاها ذاك المقام كفاها

ظهرت منه في الوغى سطوات * ما أتى القوم كلهم ما اتاها

يوم غصت بجيش ( عمرو بن ود ) * لهوات الفلا وضاق فضاها

وتخطى إلى المدينة فردا * بسرايا عزائم ساراها

فدعاهم وهو ألوف ولكن * ينظرون الذي يشب لظاها

‹ صفحة 125 ›

أين أنتم عن قسور عامري * تتقي الأسد بأسه في شراها

فابتدى المصطفى يحدث عما * تؤجر الصابرون في أخراها

قائلا ان للجليل جنانا * ليس غير المجاهدين يراها

أين من نفسه تتوق إلى * الجنات أو يورد الجحيم عداها

من لعمو وقد ضمنت على * الله له من جنانه أعلاها

فالتووا عن جوابه كسوام * لا تراها مجيبة من دعاها

وإذا هم بفارس قرشي * ترجف الأرض خيفة إذ يطأها

قائلا مالها سواي كفيل * هذه ذمة علي وفاها

ومشى يطلب الصفوف كما * تمشي خماص الحشا إلى مرعاها

فانتضى مشرفيه فتلقى * ساق عمرو بضربة فبراها

والى الحشر رنة السيف منه * يملا الخافقين رجع صداها

يا لها ضربة حوت مكرمات * لم يزن ثقل أجرها ثقلاها

هذه من علاه إحدى المعالي * وعلى هذه فقس ما سواها

و ( بأحد ) كم فل آحاد شوس * كلما أوقدوا الوغى أطفاها

يوم دارت بلا ثوابت إلا * أسد الله كان قطب رحاها

كيف للأرض بالتمكن لولا * انه قابض على أرجاها

رب سمر القنا وبيض المواضي * سبحت باسم بأسه هيجاها

يوم خانت نبالة القوم عهدا * لنبي الهدى فخاب رجاها

وتراءت لها غنائم شتى * فاقتفى الأكثرون اثر ثراها

وجدت أنجم السعود عليه * دائرات وما درت عقباها

‹ صفحة 126 ›

فئة مالوت من الرعب جيدا * إذ دعاها الرسول في أخراها

وأحاطت به مذاكي الأعادي * بعدما أشرفت على استيلاها

فترى ذلك النفير كما تخبط * في ظلمة الدجى عشواها

يتمنى الفتى ورود المنايا * والمنايا لو تشترى لاشتراها

كلما لاح في المهامه برق * حسبته قنا العدى وظباها

لم تخلها إلا أضالع عجف * قد براها السرى فحل براها

لا تلما لحيرة وارتياع * فقدت عزها فعز عزاها

ان يفتها ذاك الجميل فعذرا * انما حلية الرجال حجاها

لدغتها أفعالها أي لدغ * رب نفس أفعالها أفعاها

قد أراها في ذلك اليوم ضربا * لو رأته الشبان شابت لحاها

وكساها العار الذميم بطعن * من حلى الكبرياء قد أعراها

يوم سالت سيل الرمال ولكن * هب فيها نسيمه فذراها

ذاك يوم جبريل أنشد فيه * مدحا ذو العلى له أنشاها

لا فتى في الوجود إلا علي * ذاك شخص بمثله الله باهى

لا ترم وصفه ففيه معان * لم يصفها الا الذي سواها

من رآه رأى تماثيل قدس * عن ثناء الاله لا تتلاهى

وسمت في ضميره حضرة القد * س فانى يفوته ذكراها

ما حوى الخافقان إنس وجن * قصبات السبق التي قد حواها

ألفته بكر العلى فهي تهوى * حسن أخلاقه كما يهواها

شق من ذكره العلي له اسما * فهو ذات العلياء جل ثناها

‹ صفحة 127 ›

ملا الأرض بالزلازل حتى * زاد من أرؤس الكماة رباها

لا تخل سيفه سوى نفخة الصور * يسل الأرواح من أشلاها

فكأن الأنفاس قد عاهدته * بجفاء النفوس مهما جفاها

كم شرى أنفس الملوك الغوالي * بالعوالي فأرخصت مشتراها

واستحالت من الصوارم حمرا * كفتاة توردت وجنتاها

فأبان الأعناق عن مركز * الأبدان حتى كأن ناف نفاها

وأعاد الأجسام قفرا من الأرواح * يبكي على الأنيس صداها

كم عقول أطاشها وهي لو ترمى * نجوم الدجى لحطت سهاها

وعيون لم يقذها صرف دهر * مذ رماها ببأسه أقذاها

قاد تلك الملوك قود المواشي * وعلى صفحة القلوب كواها

وله يوم ( خيبر ) فتكات * كبرت منظرا على من رآها

يوم قال النبي اني لأعطي * رايتي ليثها وحامي حماها

فاستطالت أعناق كل فريق * ليروا أي ماجد يعطاها

فدعا أين وارث العلم والحلم مجير الأيام من بأساها

أين ذو النجدة الذي لودعته * في الثريا مروعة لباها

فأتاه الوصي أرمد عين * فسقاه من ريقه فشفاها

ومضى يطلب الصفوف فولت * عنه علما بأنه أمضاها

وبرى ( مرحبا ) بكف اقتدار * أقوياء الاقدار من ضعفاها

ودحا بابها بقوة بأس * لو حمتها الأفلاك منه دحاها

عائد للمؤملين مجيب * سامع ما تسر من مجواها

‹ صفحة 128 ›

إنما المصطفى مدينة علم * وهو الباب من أتاه أتاها

وهما مقلتا العوالم يسراها * علي ، وأحمد يمناها

من غدا منجدا له في حصار * الشعب إذ جد من قريش جفاها

يوم لم يرع للنبي ذمام * وتواصت بقطعة قرباها

فئة أحدثت أحاديث بغي * عجل الله في حدوث بلاها

ففدى نفس أحمد منه * بالنفس ومن هول كل بؤس وقاها

كيف تنفك بالملمات عنه * عصمة كان في القديم أخاها

عزمة قصرة أولو العزم عنها * أين أولى الجياد من أخراها

عزمة عرضها السماوات والأرض * أحاطت بصبحها ومساها

وإذا لم تحط بمعناه علما * فاسأل العرب من أطل دماها

وغزاها في كل دو ببأس * لو تعاصت غول الفلا لعصاها

وسقاها صم الانابيبت حتى * شرقت شوسها بكأس رداها

لم ترد موردا من الماء إلا * ورأت ظل شخصه تلقاها

كيف لا تتقي مضارب قوم * يصعق الموت من سماع صداها

كما حلت العقود أصابت * ناظما ينظم القنا في كلاها

ومن اقتاد بالحبال قريشا * بعد ما طاول الجبال إباها

وأراها اليوم الذي ما رأته * فلهذا ألقت إليه عصاها

ملأت منهم الثرى ظلمات * وبنورية الحسام جلاها

عسعسوا كالدجى ولكن أصابوا * نيرات يجلو الظلام ضحاها

أحكم الله صنعة الدين منه * بفتى ألحمت يداه سداها

‹ صفحة 129 ›

لا تقس بأسه ببأس سواه * إنما أفضل الظبى أمضاها

جس نبض الطلى فلم ير إلا * مرهف الحد برأها فبراها

كلما ضلت المنية عنه * جعلته دليلها فهداها

كم لكفيه في صدور صدور * طعنة يسبق القضاء قضاها

لست أنسى للدهر رمد أماق * ما جلا غير ذي الفقار جلاها

كم عتاة أذلها بعد عز * وعفاة بعد العفا أغناها

لو ترى المرهفات تشكو إليه * حالها وهو راحم شكواها

لرأيت الدماء يسبح فيها * من أعالي الجبال شم ذراها

فاض منها ما لم يفض من سحاب * لو رآها السحاب لاستجداها

كل يوم يجرد الطعن منه * همة تمسح الكماة يداها

أعلم الناس بالوغى كم معان * من طعان علي يديه ابتداها

كيف تخفى صناعة الحرب عنه * وجميع الذرات قد أحصاها

عزمات تحفها عزمات * كل يمنى تنحط عن يسراها

عزمات مؤيدات بروح * لا ترى الخلق ذرة من هباها

رايد لا يرود إلا العوالي * طاب من زهرة القنا مجتناها

جاء بالسيف هاديا للبرايا * حيث لم يثنها الهدى فثناها

من تلقى يد ( الوليد ) بضرب * حيدري بري اليراع براها

وسقى منه ( عتبة ) كأس بؤس * كان صرفا إلى المعاد احتساها

ورأى تيه " ذي الخمار " فردا * ه من الذل بردة ما ارتداها

لست أنسى له شياطين حرب * بالهي بأسه أخزاها

‹ صفحة 130 ›

ذاك من ليس تنكر الحرب منه * بارقات يجلو الظلام ضحاها

كم رمى راحة فشلت وكانت * قلة ليس يلتوي عطفاها

وله من أشعة الفضل شمس * ودت الشمس أن تكون سماها

أعد الفكر في معانيه تنظر * كيف يحيي الأجسام بعد فناها

واسأل الأنبياء تنبئك عنه * أنه سرها الذي نباها

وكذا فاسأل السماوات عنه * من أطاعت لوحيه يوحاها

ومن استل للحوادث رأيا * كسنا المبرقات يفري دجاها

وامتطى الكاهل الذي قد أمرت * قدرة الله فوقه يمناها

ذاك يحيي الموت وإن كان يردى * كل نفس أخنى عليها خناها

كم نفوس تصحها علل الفقر * ولو نالها الغنى أطغاها

حسب أهل الضلال منه نبال * هي مرمى وبالها وبلاها

قائم في زكاة كل المعالي * دائم دأبه على إيتاها

لو سرت في الثرى بقية طل * من نداه لروضت حصباها

كم أدارت يداه أفلاك مجد * مستمر على الزمان بقاها

ذاك من جنة المعالي كطوبى * كل شئ تظله أفياها

ذاك ذو الطلعة التي تتجلى * خفرات الجمال دون اجتلاها

اي وعينيه لا أكاليل فضل * لملوك الملوك إلا احتذاها

لذ إلى جودة تجد كيف يهدي * حلل المكرمات من صنعاها

كم له من روائح وغواد * مدد الفيض كان من مبداها

كم له شمس حكمة تتمنى * غرة الشمس أن تكون سماها

‹ صفحة 131 ›

لم تزل عنده مفاتيح كشف * قد أماطت عن الغيوب غطاها

رب حالي أوامر ونواه * ليس يرضى القضاء دون رضاها

بأبي ذويد عن الله ترمي * أي سهم لله في مرماها

هي طورا مديرة فلك * الأخرى وطورا مديرة أولاها

ومن المهتدي بيوم " حنين " * حين غاوي الفرار قد أغواها

حيث بعض الرجال تهرب من بيض * المواضي والبعض من قتلاها

حيث لا يلتوى إلى الألف إلف * كل نفس أطاشها ما دهاها

من سقاها في ذلك اليوم كأسا * فائضا بالمنون حتى رواها

أعجب القوم كثرة العد منها * ثم ولت والرعب حشو حشاها

وقفوا وقفة الذليل وفروا * من أسود الشرى فرار مهاها

وعلي يلقي الألوف بقلب * صور الله فيه شكل فناها

إنما تفضل النفوس بجد * وعلى قدره مقام علاها

لودعت كفه بغير حراب * أجل الخلق لاستجاب دعاها

لو تراه وجوده مستباح * قبل كشف العفاة سر عفاها

خلت من أعظم السحائب سحبا * سقت الروض قبل ما استسقاها

وهو للدائرات دائرة السعد * إلا ساء حظ من ناواها

همم لا ترى بها فلك الأفلاك * إلا كحبة في فلاها

لم يدع ذلك الطبيب كلوما * قد أساءت بالدهر إلا أساها

وأياديه لم تقس بالأيادي * أين ماء العيون من أصداها

صادق الفعل والمقالة يحوي * غرة ، مثل حسنه حسناها

‹ صفحة 132 ›

كم رمى بهمة بلحظة طرف * كان ميقات حتفه مرماها

خاط للعنكبوت نسج الرديني * وأبيات عزمه أوهاها

وأقام الجهول بالسيف رغما * هل تقوم الدنيا بغير ظباها

باسط عن يد الاله يمينا * يرسل الرزق للعباد عطاها

قابض عن جلاله بجلاد * لو بدت صورة الردى أرداها

رب صعب من جامحات العوادي * قاده من يمينه إيماها

قد أعاد الهدى وغير عجيب * أن يعيد الأشياء من أبداها

بأبي منشئ الحوادث كم صورة * حتف بزجره أنشاها

كانت العرب قبل قوة يمناه * عروفا لا تلتوي فلواها

وأراها طعنا يفل عرى الصبر * وضربا يحل عقد عراها

فاستعاذت من ذاك بالهرب * الأقصى لتنجو به فما أنجاها

لا تخل مهرب الجبان ينجيه * إذا مدت المنايا خطاها

جر طغواهم الوبال عليهم * رب قوم أذلها طغواها

كان ملء الثرى ضلال وبغي * لكن السيف منهما أخلاها

لم تفه ملة من الشرك إلا * فض بالصارم الإلهي فاها

وطواها طي السجل همام * نشر الحرب علمه وطواها

لم يدع سيفه حشا قط إلا * وبفوارة الغليل حشاها

سل كماة الابطال من كل حي * غير ذاك الكمي من أفناها

كم عرا مشكل فحل عراه * ليس للمشكلات إلا فتاها

هل أتت ( هل أتى ) بمدح سواه * لا ومولى بذكره حلاها

‹ صفحة 133 ›

فتأمل ( بعم ) تنبئك عنه * نبأ كل فرقة أعياها

وبمعنى ( أحب خلقك ) فانظر * تجد الشمس قد أزاحت دجاها

واسأل الأعصر القديمة عنه * كيف كانت يداه روح غذاها

وهو علامة الملائك فاسأل * روح جبريل عنه كيف هداها

بل هو الروح لم يزل مستمدا * كل دهر حياته من قواها

أي نفس لا تهتدي بهداه * وهو من كل صورة مقلتاها

وتفكر ( بأنت مني ) تجدها * حكمة تورث الرقود انتباها

أو ما كان بعد ( موسى ) أخوه * خير أصحابه وأكرم جاها

ليس تخلو إلا النبوة منه * ولهذا خير الورى استثناها

وهو في آية ( التباهل ) نفس * المصطفى ليس غيره إياها

ثم سل ( إنما وليكم الله ) * تر الاعتبار في معناها

آية خصت الولاية لله * وللطهر حيدر بعد طه

آية جاءت الولاية فيها * لثلاث يعدو الهدى من عداها

وبسد الأبواب أي افتتاح * لكنوز الهدى ففز بغناها

من تولى تغسيل ( سلمان ) إلا * ذات قدس تقدست أسماها

ليلة قد طوى بها الأرض طيا * إذ نأت داره وشط مداها

و( ابن عفان ) حوله لم يجهز * ه ولا كف عنه كف أذاها

لست أدري أكان ذلك مقتا * من علي أم عفة ونزاها

فلك لم يزل يدور به الحق * وهل للنجوم إلا سماها ؟

و " بخم " ما ذا جرى يوم خم * تلك أكرومة أبت أن تضاهي

‹ صفحة 134 ›

ذاك يوم من الزمان أبانت * ملة الحق فيه عن مقتداها

كم حوى ذلك " الغدير " نجوما * ما جرت أنجم الدجى مجراها

إذ رقى منبر الحدائج هاد * طاول السبعة العلى برقاها

موقفا للأنام في فلوات * وعرات بالقيظ يشوي شواها

خاطبا فيهم خطابة وحي * يرث الدين كله من وعاها

أيها الناس لا بقاء لحي * آن من مدتي أوان انقضاها

إن رب الورى دعاني لحال * قبل أن يخلق الورى أقضاها

أن اولي عليكم خير مولى * كلما اعتلت الأمور شفاها

سيدا من رجالكم هاشميا * صاحته العلى فطاب شذاها

صالح المؤمنين سر هداها * عظم الذكر نفسه فكناها

صاحب الهمة التي لو أرادت * وطأت عاتق السهى قدماها

فتفكرت في ضمائر قوم * وهي مطوية على شحناها

وتطيرت من مقالة قوم * قد غلا بابن عمه وتباهي

فأتتني عزيمة من إلهي * أوعدتني إن لم أبلغ سطاها

فهداني إلى التي هي أهدى * وحباني بعصمة من أذاها

أيها الناس حدثوا اليوم عني * وليبلغ أدنى الورى أقصاها

كل نفس كانت تراني مولى * فلتر اليوم حيدرا مولاها

رب هذي أمانة لك عندي * وإليك الأمين قد أداها

وال من لا يرى الولاية إلا * لعلي وعاد من عاداها

فأجابوا : بخ بخ ، وقلوب القوم * تغلي على مغالي قلاها

‹ صفحة 135 ›

لم تسعهم إلا الإجابة بالقول * وإن كان قصدهم ما عداها

ثم لما مضى القضاء بروحانية * الكون وانقضى رياها

وجدوا فرصة من الدهر لاحت * فأصابت قلوبهم مشتهاها

قل لمن أول الحديث سفاها * وهو إذ ذاك ليس يأبى السفاها :

أترى أرجح الخلائق رأيا * يمسك الناس عن مجاري سراها ؟

راكبا ذروة الحدائج ينبي * عن أمور كالشمس رأد ضحاها

أيها الراكب المجد رويدا * بقلوب تقلبت في جواها

إن تراءت أرض الغريين فاخضع * واخلع النعل دون وادي طواها

وإذا شمت قبة العالم * الاعلى وأنوار ربها تغشاها

فتواضع فثم دارة قدس * تتمنى الأفلاك لثم ثراها

قل له والدموع سفح عقيق * والجوى تصطلي بنار غضاها

يا بن عم النبي أنت يد الله * التي عم كل شئ نداها

أنت قرآنه القديم وأوصافك * آياته التي أوحاها

خصبك الله في مآثر شتى * هي مثل الاعداد لا تتناهى

ليت عينا بغير روضك ترعى * قذيت واستمر فيها قذاها

أنت بعد النبي خير البرايا * والمسا خير ما بها قمراها

لك ذات كذاته حيث لولا * أنها مثلها لما آخاها

قد تراضعتما بثدي وصال * كان من جوهر التجلي غذاها

يا علي المقدار حسبك لاهوتية * لا يحاط في علياها

أي قدس إليه طبعك ينمى * والمراقي المقدسات ارتقاها

‹ صفحة 136 ›

لك نفس من جوهر اللطف صيغت * جعل الله كل نفس فداها

هي قطب المكونات ولولاها * لما دارت الرحى لولاها

لك كف من أبحر الله تجري * أنهر الأنبياء من جدواها

حزت ملكا من المعالي محيطا * بأقاليم يستحيل انتهاها

ليس يحكي دري فخرك ذر * أين من كدرة المياه صفاها

كل ما في القضاء من كائنات * أنت مولى بقائها وفناها

يا أبا النيرين ، أنت سماء * قد محا كل ظلمة قمراها

لك بأس يذيب جامدة * الكونين رعبا ويجمد الأمواها

زان شكل الوغى حسامك * والرمح كما زان غادة قرطاها

ما تتبعت معشرا قط إلا * وأناخ الفنا بعقر فناها

كلما أحفت الوغى لك خيلا * أنعلتها من الملوك طلاها

قدتها قود قادر لم ترعه * أمم غير ممكن أحصاها

لك ذات من الجلالة تحوي * عرش علم عليه كان استواها

لم يزل بانتظارك الدين حتى * جردت كف عزمتيك ظباها

فجعلت الرشاد فوق الثريا * ومقام الضلال تحت ثراها

فاستمرت معالم الدين تدعو * لك طول الزمان فاغتم دعاها

إنما البأس والتقى والعطايا * حلبات بلغت أقصى مداها

لك من آدم القديم مراع * أمة بعد أمة ترعاها

يا أخاه المصطفى لدي ذنوب * هي عين القذى وأنت جلاها

يا غياث الصريخ دعوة عاف * ليس إلاك سامع نجواها

‹ صفحة 137 ›

كيف تخشى العصاة بلوى المعاصي * وبك الله منقذ مبتلاها

لك في مرتقى العلى والمعالي * درجات لا يرتقى أدناها

عرفت ذاتك القديمة مولاك * فو حدت في القديم الإلها

أين معناك من معاني أناس * كان مبعودها اتباع هواها

يا خليلي إن لله خلقا * حسبها النار في غد تصلاها

سبحوا في الضلال سبحا طويلا * وعلى الرشد أكرهوا إكراها

إن تسليما ( السقيفة ) والقوم * فإني والله لا أنساها

يوم خطت صحيفة الغي * يمليها عليها خداعها ودهاها

ما اجتماع المهاجرين مع الأنصار * فيها وقد علت غوغاها

حيث قالوا منا ومنكم أمير * ووزير يدير قطب رحاها

وأرادوا لها تدابير سعد * فارتضاها بعض وبعض أباها

أتراها درت بأمر عتيق * فلماذا في الامر طال مراها

إن تكن بيعة الصحابة دينا * لم يحل عن محلها أتقاها

كيف لم يسرع الوصي إليها * وهو باب العلوم بل معناها ؟

كيف لم تقبل الشهادة من * أحمد فيه بأنه أقضاها ؟

بيعة أورثت جميع البرايا * فتنة طال جورها وجفاها

بل هي ( الفلتة ) التي زعموها * كفي المسلمون شر أذاها

يا ترى هل درت لمن أخرته * عن مقام العلى وما أدراها

أخرت أشبه الورى بأخيه * هل رأت في أخ النبي اشتباها ؟

كيف لم تأمن الأمين عليها * وهو في كل ذمة أوفاها

‹ صفحة 138 ›

ولو أن الأصحاب لم تعد رشدا * كان رشدا فرارها من عداها

أنبي بلا وصي ؟ تعالى * الله عما يقوله سفهاها

زعموا أن هذه الأرض مرعى * ترك الناس فيه ترك سداها

كيف تخلو من حجة وإلى من حجة * ترجع الناس في اختلاف نهاها

وأرى السوء للمقادير ينمى * فإذا لا فساد إلا قضاها

قد علمتم أن النبي حكيم * لم يدع من أموره أولاها

أم جهلتم طرق الصواب من * الدين ففاتت أمثالكم مثلاها

هل ترى الأوصياء يا سعد إلا * أقرب العالمين من أنبياها ؟

أو ترى الأنبياء قد اتخذوا المشرك * دهرا بالله من أوصياها ؟

أن نبي الهدى رأى الرسل ضلت * قبله فاقتفى خلاف اقتفاها ؟

أو ما ينظرون ماذا دهتهم * قصة الغار من مساوي دهاها

يوم طافت طوائف الحزن حتى * أو هنت من جنى عتيق قواها

إن يكن مؤمنا فكيف عدته * يوم خوف سكينة وعداها

إن للمؤمنين فيها نصيبا * وهي يوم الوبال أقصى وقاها

كم وكم صحبة جرت حيث لا * إيمان والله في الكتاب حكاها

وكذا في براءة لم يبسمل * حيث جلت بذكره بلواها

ثم سلها من بعد ما رد عنها * صاحب الغار خائبا من تلاها ؟

أين هذا من راقد في فراش * المصطفى يسمع العدى ويراها

فاستدارت به عتاة قريش * حيث دارت بها رحى بغضاها

وأرادت به مكايد سوء * فشفى الله داءها بدواها

‹ صفحة 139 ›

ورأيت قسورا لو اعترضته * الإنس والجن في وغى أفناها

مد كف الردى فلو لم تكفكف * عنه آثار بغيها لمحاها

نظرت نظرة إليه فلاقت * قدرة الله لا يرد قضاها

فتولت عنه ، وللرعب فيها * فلك دائر على أعضاها

بأبي من غدا يودي أمانات * أخيه حتى أتم أداها

بأبي من حمى بطعن العوالي * حرم المصطفى وصان خباها

رتبة سل بها العظيمين جبريل * وميكال كيف قد خدماها

صاح ما هؤلاء في الناس إلا * كعيون داء العمى أعياها

ألها منظر لادراك مرأى * أم لها مسمع لمن ناجاها

أهم خير أمة أخرجت للناس ؟ * هيهات ذاك بل أشقاها

أتراها من ولد آدم حقا * أم سوام كانت لهم أشباها

أي مرمى من الفخار قديما * أو حديثا أصابه شيخاها

أي أكرومة ولو أنها قلت * ودقت إليهما منتماها ؟

الزهد في الجاهلية عما * عهدته الأيام من جهلاها

أم لذكر أناف أم لعهود * في ذمام الاسلام قد حفظاها

إن يكونا كزعمهم أسدى بأس ، * فأي الفرايس افترساها ؟

كيف لم يظفروا ولا بجريح * ويد الليث جمة جرحاها

إن تكن فيهما شجاعة قرم * فلماذا في الدين ما بذلاها ؟

ذخراها لمنكر ونكير * أم لا جناد مالك ذخراها

لم يجيبا نداء أحمد إلا * لأمور من كاهن عقلاها

‹ صفحة 140 ›

علما أن أحمدا سيليها * وإذا مات أحمد ولياها

فأجابت لرغبة لا لرشد * كلمات الاسلام إذ سمعاها

نكثا بيعة الذي بايعته * من ملوك السبع الأولى عظماها

أهو المختفي بظل عريش * حيث ظل الكماة كان قناها

أم هو القائل الملح أقيلوني * منها فإنني أأباها

لو حوى قلب بنته لم ترعه * من صفاح اليهود وقع شباها

يوم جاءت تقود ( بالجمل ) العسكر * لا تتقي ركوب خطاها

فألحت ( كلاب حوأب ) نبحا * فاستدلت به على حوباها

يا ترى أي أمة لنبي * جاز في شرعه قتال نساها

أي أم للمؤمنين أساءت * ببنيها ففرقتهم سواها

شتتتهم في كل شعب وواد * بئس أم عتت على ابناها

نسيت آية التبرج أم لم * تدر أن الرحمن عنه نهاها

حفظت أربعين ألف حديث * ومن الذكر آية تنساها

ذكرتنا بفعلها زوج موسى * إذ سعت بعد فقده مسعاها

قاتلت يوشعا كما قاتلته * لم تخالف حمراؤها صفراها

واستمرت تجر أردية اللهو * الذي عن إلهها ألهاها

فباحراق مالك سوف تجزى * من لظى مالك أشر جزاها

لا تلمني يا سعد في مقت قوم * ما وفت حق أحمد إذ وفاها

أو ما قال عترتي أهل بيتي * احفظوني في برها وولاها ؟

نازعوه حيا ، وخانوه ميتا * يا لتلك الحظوظ ما أشقاها !

 

‹ صفحة 141 ›

أمة لم تؤم أمر سفير الله * ضلت وضل من يهواها

كيف أقصت أخا نزار وآوت * من أعادي محمد أعداها

تعست جبهة الجبان تنافي * كل خير ، لا خير فيمن رجاها

أحديث القيان يكرهه الرجس * وللمصطفى يلذ غناها ؟ ؟ !

ليته حين قال : لولا علي * وبدت آية الهدى فاقتفاها

لكن الجهل لم يدعه بصيرا * أي عين رأت عقيب عماها

اي وحق الاسلام لولا علي * ما قضاها فتى ولا أفتاها

قد أطلت على العوالم منه * حكمة الله لم يسعها فضاها

تتجلى به منيرات فضل * كالدراري سيارة في سماها

لم يذوقوا الهدى ولو طعموه * عرفوا للنبي قدرا وجاها

صاحبوه ونافقوا في هواه * فهووا في جحيمها ولظاها

نقضوا عهد أحمد في أخيه * وأذاقوا البتول ما أشجاها

وهي العروة التي ليس ينجو * غير مستعصم بحبل ولاها

لم ير الله للنبوة أجرا * غير حفظ الوداد في قرباها

لست أدري إذ روعت وهي حسرى * عاند القوم بعلها وأباها

يوم جاءت إلى عدي وتيم * ومن الوجد ما أطال بكاها

فدعت واشتكت إلى الله شجوا * والرواسي تهمز من شكواها

فاطمأنت لها القلوب وكادت * أن تزول الأحقاد ممن حواها

تعظ القوم في أتم خطاب * حكت المصطفى به وحكاها

أيها القوم راقبوا الله فينا * نحن من روضة الجليل جناها

‹ صفحة 142 ›

نحن من بارئ السماوات سر * لو كرهنا وجودها ما براها

بل بآثارنا ولطف رضانا * سطح الأرض والسماء بناها

وبأضوائنا التي ليس تخبو * حوت الشهب ما حوت من ضياها

واعلموا أننا مشاعر دين الله * فيكم فأكرموا مثواها

ولنا من خزائن الغيب فيض * ترد المهتدون منه هداها

إن تروموا الجنان فهي من الله * إلينا هدية أهداها

هي دار لنا ونحن ذووها * لا يرى غير حزبنا مراها

وكذاك الجحيم سجن عدانا * حسبهم يوم حشرهم سكناها

أيها الناس أي بنت نبي * عن مواريثه أبوها زواها ؟

كيف بزوى عني تراثي عتيق * بأحاديث من لدنه افتراها ؟

هذه الكتب فاسألوها تروها * بالمواريث ناطقا فحواها

وبمعنى ( يوصيكم الله ) أمر * شامل للعباد في قرباها

كيف لم يوصنا بذلك مولا نا * وتيما من دوننا أوصاها ؟

هل رآنا لا نستحق اهتداء * واستحقت تيم الهدى فهداها ؟

أم تراه أضلنا في البرايا * بعد علم لكي نصيب خطاها ؟

أنصفوني من جائرين أضاعا * ذمة المصطفى وما رعياها

وانظروا في عواقب الدهر كم أمست عتاة الرجال من صرعاها

مالكم قد منعتمونا حقوقا * أوجب الله في الكتاب أداها

وحذوتم حذو اليهود غداة * اتخذوا العجل بعد موسى إلها

قد سلبتم من الخلافة خودا * كان منا قناعها ورداها

‹ صفحة 143 ›

وسبيتم من الهدى ذات خدر * عز يوما على النبي سباها

إن رضيتم من دوننا خلفاء * لا اشتفت من قلوبكم مرضاها

أو أبيتم عبود أحمد فينا * لا وقيتم من الرزايا سطاها

تدعون الاسلام إفكا وزروا * كذبت أمهاتكم بادعاها

أي شئ عبدتم إذ عبدتم * أن يولى تيم على آل طه

هذه البردة التي غضب الله * على كل من سوانا ارتداها

فخذوها مقرونة بشنار * غير محمودة لكم عقباها

وألبسوها لباس عار ونار * قد حشوتم بالمخزيات وعاها

لم نسلكم لحاجة واضطرار * بل ندل الورى على تقواها

كم لنا في الوجود رشحة جود * يعجز السبعة البحار غناها

علم الله أننا أهل بيت * ليس تأوي دنية مأواها

لو سألنا الجليل إلقاء عدن * أو مقاليد عرشه ألقاها !

سعد دعني وهجو سود المعاني * أكبر الحمد في معاني هجاها

كيف تنفى ابنة النبي عنادا * لا نفى الله من لظى من نفاها

ولأي الأمور تدفن سرا * بضعة المصطفى ويعفى ثراها

فمضت وهي أعظم الناس وجدا * في فم الدهر غصة من جواها

وثوت لا يرى لها الناس مثوى * أي قدس يضمه مثواها

ثم همت ببعلها كل كف * واستمدت له رقاق مداها

أمة قاتلت إمام هداها * يا ترى أين زال عنها حياها

كم أرادت إطفاء نار حسام * صاغه الله ثمرة لحشاها

‹ صفحة 144 ›

بأبي من له مطاعن كف * لا يداوى من الردى كلماها

إن ذات العلوم تنمى جميعا * لعلي وكان روح نماها

وكذا كل حكمة مكنته * من أعالي سنامها فامتطاها

ومتى يذكر الندى فهو لطف * إن محيي الموتى به أحياها

ولاقدامه تزول الرواسي * والمقادير تقشعر حشاها

ومرامي الاسرار سدد سهم * الله منه له فما أخطاها

كم له من مواهب مردفات * هي كالشمس لا يحول ضياها

تمت