مهيار الديلمي

(... - 428 هـ)

 

أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي. شاعر مبدع، وأديب فاضل. رفع راية الادب العربي وقدّم خدمات جليلة للغة الضاد.

شعره طافح بحبه لال الرسول (صلى الله عليه وآله) وينم عن مذهبه الذي هو مذهب أئمة أهل بيت النبوّة. فتراه يقول فيهم مدحاً وثناءً ورثاءً ومتظلما لهم بحسب ما يقتضيه المقام.

أسلم على يد الشريف الرضي (رحمه الله) عام 394 هـ، وتخرج عليه في الادب والشعر، فكان آية دهره وفريدة عصره ووحيد مصره، فاق أقرانه وبزّ نظراءَه في ما كتب وما نظم.

توفي ليلة الاحد الخامس من جمادى الاخرة عام 428 هـ/ 1036 م.

وله في غدير خم قوله:

هل بعد مفترق الاظعان مجتمعُ؟! * * * أم هل زمانٌ بهم قد فات يُرتجعُ؟!

حتى يقول:

ميثاقه فيهمُ ملقىً وأمَّته * * * معْ مَن بغاهم وعاداهم له شِيَع

تضاع بيعته يوم «الغدير» لهم * * * بعد الرِّضا وتُحاط الروم والبيعُ

وقائل لي: عليٌّ كان وارثه * * * بالنصِّ منه فهل أعطوه؟! أم منعوا؟!

فقلت: كانت هناتٌ لستُ أذكرها * * * يجزي بها اللهُ أقواماً بما صنعوا

أمرٌ، «عليٌّ» بعيدٌ من مشورته * * * مستكرَهٌ فيه و «العبّاس» يَمتنعُ

فأيّ خُلف كخلف كان بينكُم * * * لولا تُلفَّق أخبارٌ وتصطنعُ؟!

واسألهم يوم «خُمّ» بعدما عقدوا * * * له الولايةَ لمْ خانوا ولِمْ خلعوا؟!

قولٌ صحيحٌ ونيّاتٌ بها نَغَلٌ * * * لا ينفع السيف صَقلٌ تحته طبعُ

إنكارهم يا أمير المؤمنين لها * * * بعد اعترافهُمُ عارٌ به ادَّرعوا

ونكثهم بك ميلاً عن وصيَّتهم * * * شرعٌ لعمرك ثان بعده شرعوا

وله أيضاً في المعنى قوله:

حملوها يوم «السَّقيفة» أوزا * * * راً تخفُّ الجبال وهي ثِقالُ

ثمَّ جاؤوا من بعدها يستقيلو * * * نَ وهيهات عثرةٌ لا تُقالُ

يالها سوأة إذا أحمد قا * * * م غداً بينهم فقال وقالوا!

ربعُ همّي عليهمُ طللٌ با * * * ق وتَبلى الهمومُ والاطلالُ

يا لقوم إذ يقتلون عليّاً * * * وهو للمحل فيهمُ قتّالُ

ويُسرّون بغضه وهو لا تُقـ * * * ـبلُ إلاّ بحبِّه الاعمالُ

وتحال الاخبار والله يدري * * * كيف كانت يوم «الغدير» الحالُ

وأيضاً:

وهبِ «الغديرِ» أبوا عليه قوله * * * بغياً فقل: عدوا سواه مساعيا

بدراً واُحداً أُختها من بعدها * * * وحنين وقّاءً بهنَّ فصاليا

والصخرة الصمـّـاء أخفى تحتها * * * ماءً وغير يديه لم يك ساقيا

وتدبّروا خبرَ اليهود بخيبر * * * وارضوا بمرحب وهو خصم قاضيا

هل كان ذاك الحصن يرهب هادماً * * * أو كان ذاك الباب يفرق داحيا؟!

وتفكّروا في أمر عمرو أوَّلا * * * وتفكّروا في أمر عمرو ثانيا

وله من قصيدة قوله:

وقد جعل الامر من بعده * * * لحيدر بالخبر المسندِ

وسمـّـاه مولىً بإقرار مَن * * * لو اتَّبع الحقَّ لم يجحدِ

فملتم بها - حسدَ الفضل - عنه * * * ومن يك خير الورى يُحسدِ

يعزُّ على هاشم والنبيّ * * * تلاعب تَيم بها أو عدي

وإرث عليٍّ لاولاده * * * إذا آية الارث لم تُفسدِ

وله في رثاء أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:

بنفسيَ من كانت مع الله نفسه * * * إذا قلَّ يومَ الحقِّ مَن لم يجازفِ

إذا ما عزوا ديناً فآخر عابد * * * وإن قسموا دنياً فأوَّل عائفِ

كفى يوم بدر شاهداً وهوازن * * * لمستأخرين عنهما ومزاحفِ

وخيبر ذات الباب وهي ثقيلة الـ * * * ـمرام على أيدي الخطوب الخفائفِ

أبا حسن إن أنكروا الحق (واضحاً) * * * على أنَّه والله إنكارُ عارفِ

فإلاّ سعى للبين أخمص بازل * * * وإلاّ سمت للنعل إصبع خاصفِ

وإلاّ كما كنت ابن عمٍّ ووالياً * * * صهراً وصنواً كان من لم يقارفِ

أخصَّك بالتفضيل إلاّ لعلمه * * * بعجزهمُ عن بعض تلك المواقفِ

وله أيضاً:

لِمَن آية الباب يوم اليهود؟! * * * ومَن صاحبُ الجنِّ يوم الخسيف؟!

ومن جمعَ الدين في يوم بدر * * * وأُحد بتفريق تلك الصفوفِ؟!

وهدَّم في الله أصنامهم * * * بمرآى عيون عليها عكوفِ؟!

وله أيضاً:

بمَن باهل الله أعداءه * * * فكان الرَّسول بهم أبهلا؟!

وهذا الكتاب وإعجازه * * * على مَن؟ وفي بيت مِن نُزِّلا؟!

وبدرٌ، وبدرٌ، به الدين تـ * * * ـمَّ من كان فيه جميلَ البلا؟!

ومَن نام قومٌ سواه وقام؟ * * * ومَن كان أفقَهَ أو أعدلا؟!

بمن فُصل الحكم يوم الجنين * * * فطبَّق في ذلك المَفصلا؟!

أألله يا قومُ يقضي النبيُّ * * * مطاعاً فيُعصى وما غُسِّلا؟!

ويوصي فنخرص دعوىً عليـ * * * ـه في تركه دينه مهملا؟!

أيا راكباً ظهرَ مجدولة * * * تخال إذا انبسطت أجدلا

وحيِّ وقل: يا نبيَّ الهدى * * * تأشَّب نهجُك واستوغلا

قضيتَ فأرمَضَنا ما قضيت * * * وشرعك قد تمَّ واستكملا

فرامَ ابنُ عمِّك فيما سننـ * * * ـتَ أن يتقبَّل أو يَمثُلا

فخانك فيه من الغادريـ * * * ـن من غيَّر الحقَّ أو بدَّلا

ولمّا امتطاها «عليٌّ» اخو * * * ك ردّ إلى الحقِّ فاستثقِلا

وجاؤوا يسومونه القاتلين * * * وهم قد وَلَوا ذلك المقتَلا

وأيضاً:

إن يحسدوك فلفرط عجزهم * * * في المشكلاتِ ولما فيك كملْ

ألصنو أنت والوصيُّ دونهم * * * ووارثُ العلم وصاحب الرسُلْ

وآكلُ الطائر والطارِدُ لِلـ * * * ـصل ومن كلّمه قبلك صِلْ؟!

وخاصفُ النعل وذو الخاتم والـ * * * ـمُنهل في يوم القليب والمعِلْ

وفاصل القضيَّة العسراء في * * * يوم الجنين وهو حُكمٌ ما فصلْ

ورجعةُ الشَّمس عليك نبأٌ * * * تشعَّب الالباب فيه وتضِلّ

يا صاحبَ الحوض غداً لا حُلّئت * * * نفسٌ تواليك عن العَذب النهلْ

 

الشريف المرتضى

(355 هـ - 436 هـ)

 

الشريف ابو القاسم علي بن الطاهر ذي المنقبتين المتّصل نسبه الى الامام موسى بن جعفر عليهما الصلاة والسلام، إمام الفقه ومؤسس أصوله واستاذ الكلام ونابغة الادب الملقّب بعلم الهدى، ولد سنة 355 هـ/ 966 م، وقرأ هو وأخوه الرضي وهما صبيّان على أشهر علماء عصرهما كالشيخ المفيد وغيره فاستويا علمَيْن للهدى والفضل مع صفات حميدة وشرف وجلال وارتقاء في المحامد والمكارم، ولي الشريف المرتضى نقابة الطالبيين، وتسنّم إمامة المذهب الحق فكثرت تلاميذه وازدهرت الحركة العلمية في عصره وكثرت مؤلّفاته العظيمة المعتبرة واقتنى عشرات الالاف من الكتب، وحضر مجلسه العلماء والادباء والوزراء وكل ذي مرتبة وبقيت الدراسات الدينيّة مدينةً لنبوغه وما زال الادب يثرى باسلوبه الفخم، كتب الشعر وألّف في اللغة وعلومها فبرز أديباً كبيراً الى جانب علمه الجم، توفّي (قدس سره) سنة 436 هـ/ 1044 م.

واسأل به الجرد العتاق مغيرةً * * * يخبطن هاماً أو يطأن سنوَّرا

يحملن كل مدجج يقرى الظبا * * * علقاً وأنفاس السوافي عثيرا

قومي الذين وقد دجت سبُل الهدى * * * تركوا طريق الدين فينا مقمرا

غلبوا على الشرف التليد وجاوزوا * * * ذاك التليد تطرفاً وتخيرا

كم فيهم من قسور متخمط * * * يردى إذا شاء الهزبر القسورا

متنمر والحرب إن هتفت به * * * أدَّته بسّام المحيّا مسفرا

وملوّم في بذله ولطالما * * * اضحى جديراً في العلا أن يشكرا

ومرفّع فوق الرجال تخاله * * * يوم الخطابة قد تسنم منبرا

جمعوا الجميل الى الجمال وإنما * * * ختموا الى المرأى الممدَّح مخبرا

سائل بهم بدراً وأحداً والتي * * * ردّت جبين بني الضلال معفَّرا

لله درُّ فوارس في خيبر * * * حملوا على الاسلام يوماً منكرا

عصفوا بسلطان اليهود وأولجوا * * * تلك الجوانح لوعة وتحسرا

واستلحموا أبطالهم واستخرجوا الـ * * * ـأزلام من أيديهم والميسرا

وبمرحب ألوى فتىً ذو جمرة * * * لا تصطلي وبسالة «لا تُعترى»

إن حزّ حزّ مطبقاً أو قال قا * * * ل مصدَّقاً أو رام رام «مطهّرا»

فثناه مصفرَّ البنان كأنما * * * لطخ الحمامُ عليه صبغاً أصفرا

«تهفو» العقاب بشلوه ولقد هفت * * * زمناً به شم الذوائب والذُّرا

أما الرسولُ فقد أبان ولاءَه * * * لو كان ينفع «جائراً» أن ينذرا

أمضى مقالاً لم يقله معرّضاً * * * وأشاد ذكراً لم يشده «مُغرَّرا»

وثنى اليه رقابهم وأقامه * * * علماً على باب النجاة مشهرا

ولقد شفى «يوم الغدير» معاشراً * * * ثلجت نفوسهم «وأدوى» معشرا

«قلقت» بهم أحقادهم فمرجّعٌ * * * نفساً ومانع أنة أن تجهرا

يا راكباً رقصت به مهريةٌ * * * اشبت بساحته الهموم فاصحرا

عج «بالغريّ» فإن فيه ثاوياً * * * جبلاً تطأطأ فاطمأن به «الثرى»

واقرا السلام عليه من كلَف به * * * كشفت له حجب الصباح فأبصرا

فلو استطعت جعلت دار إقامتي * * * تلك القبور الزُّهر حتى أقبرا

 

أبو العلاء المعري

(363 هـ - 449 هـ)

 

أحمد بن عبدالله بن سليمان المعري التنوخي، شاعر شهير وفيلسوف حكيم ومؤلّف فاضل، ولد بمعرّة النعمان في الشام من بيت فضل وأدب عام 363 هـ/ 974 م وفقد بصره منذ صباه وتعلّم على أبيه وغيره من علماء عصره فظهر نبوغه واشتهر بحافظته الغريبة فأصبح نسيج وحده بالعربية والعلوم وألّف كتباً كثيرة وطُبع على قول الشعر فأجاد فيه وبلغ الغاية وعُدَّ خاتمة شعراء العصر الزاهر في الادب كما كان المتنبي فاتحته، وأُثِر عنه الميل الى الاعتزال عن الناس فسمّي رهين المحبسين وامتنع عن أكل كلّ ذي روح او ما ينتج عنه وعُرِف بمذاهب خاصة به، وتشيُّعه معروف ولا أدلَّ على ذلك من شعره المستبطن ذلك في بعض قصائده، توفي عام 489 هـ/ 1057 م.

وهو القائل:

وعلى الدهر من دماء الشهيـ * * * ـدينِ علي ونجله شاهدانِ

فهما في أواخر الليل فجرا * * * ن وفي أولياته شفقان

ثبتا في قميصه ليجيء الـ * * * ـحشر مستعدياً الى الرحمن

وجمال الاوان عقب جدود * * * كلُّ جدٍّ منهم جمال اوان

يابن مستعرض الصفوف ببدر * * * ومبيد الجموع من غطفان

أحد الخمسة الذين هم الاعـ * * * ـراض في كل منطق والمعاني

والشخوص التي خُلقنَ ضياء * * * قبل خلق المريخ والميزان

قبل أن تخلق السماوات أو تؤ * * * مر أفلاكهن بالدوران

لو تأتّى لنطحها حمل الشهـ * * * ـب تروى عن ارسه الشرطان

أو أراد السماك طعناً لها عا * * * د كسير القناة قبل الطعان

أو رمتها قوسُ السماء لزال الـ * * * ـعجر منها وخانها الابرهان

أو عصاها حوت النجوم سقاه * * * حتفه صائد من الحدثان

وبهم فضّل المليك بني حوا * * * ء حتى سموا على الحيوان

شرفوا بالشراف والسمر عيدا * * * ن اذا لم يزنَّ بالخرصان

 

زيد بن سهل الموصلي

(... - 450 هـ)

 

زيد بن سهل الموصلي المعروف بـ «مزركّة»، فاضلٌ نحويٌ وأديب كاتب معروف بولائه وتشيّعه لاهل بيت الرحمة (عليهم السلام) أخذ عن جملة من العلماء مثل علي بن دبيس النحوي الموصلي، وله مؤلفات عدّة منها كتاب شرح الصدور، وقد ترجم له علماء الرجال واثنوا عليه ونصّوا على تشيّعه، توفي (رحمه الله)في حدود عام 450 هـ/ 1058 م، وله شعر في الائمة الطاهرين (عليهم السلام).

ومن ذلك قوله في أمير المؤمنين (عليه السلام):

مدينة العلم عليٌّ بابها * * * وكل من حاد عن الباب جهل

أم هل علمتم قيلة من قائل * * * قال سلوني قبل ادراك الاجل

وقوله:

ونام على الفراش له فداء * * * وأنتم في مضاجعكم رقودُ

ويوم حنين إذ ولوا هزيما * * * وقد نشرت من الشرك البنود

فغادرهم لدى الفلوات صرعى * * * ولم تغن المغافر والحديد

فكم من غادر ألقاه شلواً * * * عفير الترب يلثمه الصعيد

همُ بخلوا بأنفسهم وولّوا * * * وحيدرة بمهجته يجود

وفي الاحزاب جاءتهم جيوشٌ * * * تكاد الشامخات لها تميد

فنادى المصطفى فيهم علياً * * * وقد كادوا بيثرب أن يكيدوا

فأنت لهذه ولكل يوم * * * تذلّ لك الجبابر والاسود

فأسقى العامري كؤوس حتف * * * فهزمت الجحافل والجنود

وقوله فيهم (عليهم السلام):

قومٌ رسول الله جدُّهمُ * * * وعليٌّ الابُ فانتهى الشرفُ

غفر الاله لادم بهمُ * * * ونجا بنوح فلكه القذف

امناء قد شهدت بفضلهم التـ * * * ـوراة والانجيل والصحف

منهم رسول الله اكرم مَن * * * وطئ الحصى وأجلّ من أصف

وعليٌّ البطل الامام ومَن * * * وارى غرائب فضله النجف

وغدا على الحسنين متَّكلي * * * في الحشر يوم تنشّر الصحف

وشفاعة السجّاد تشملني * * * وبها من الاثام اكتنف

وبباقر العلم الذي علقت * * * كفي بحبل ولائه الزلف

وبحب جعفر اقتوى أملي * * * ولشقوتي في ظلّه كنف

ووسيلتي موسى وعترته * * * اكرم بهم من معشر سلَفوا

منهم عليٌّ وابنه وعـ * * * ـلي وابنه ومحمد الخلف

صلّى الاله عليهم وسقى * * * مثواهم الهطالة الوكف

 

 

الفصل السادس

في شعراء القرن السادس

 

 

أبو الحسن الفنجكردي

(433 هـ - 513 هـ)

 

علي بن أحمد الفَنجُكِردي النيسابوري شاعرٌ مؤلف. وفنجكرد قرية من نواحي نيسابور. نظمه ونثره جاريان مجرى السهل الممتنع. قرأ أصول اللغة على يعقوب بن أحمد الاديب. أصابته علة مزمنة منعته من الخروج. وكان قد سمع الحديث من القاضي الناصحي. ولعلمه ومكانته ; لقب بشيخ الافاضل.

له كتاب «تاج الاشعار وسلوة الشيعة».

توفي ليلة الجمعة في الثالث عشر من رمضان عام 513 هـ/ 1119 م.

وله في واقعة خم قوله:

لا تنكرنَّ غدير خمٍّ إنَّه * * * كالشمس في إشراقها بل أظهرُ

ما كان معروفاً بإسناد إلى * * * خير البرايا أحمد لا ينكرُ

فيه إمامة «حيدر» وكماله * * * وجلاله حتّى القيامة يُذكرُ

أولى الانام بأن يوالي «المرتضى» * * * من يأخذ الاحكام منه ويأثرُ

وذكر له في «مناقب» ابن شهر آشوب ج1 ص540، و «مجالس المؤمنين» ص234، و «رياض العلماء» قوله:

يوم الغدير سوى العيدين لي عيدُ * * * يوم يسرُّ به السّادات والصيدُ

نال الامامة فيه «المرتضى» وله * * * فيه من الله تشريفٌ وتمجيدُ

يقول «أحمد» خير المرسلين ضحىً * * * في مجمع حضرته البيض والسودُ

والحمد للهِ حمداً لا انقضاء له * * * له الصنايع والالطاف والجودُ

وله في الامام علي (عليه السلام) قوله:

إذا ذكرتَ الغرّ من هاشم * * * تنافرت عنك الكلاب شاردهْ

فقل لمن لامَكَ في حبِّهِ * * * خانتك في مولودك الوالدهْ

 

ابن العودي

أبو المعالي سالم بن علي بن سلمان المعروف بابن العودي النيلي (نسبة إلى بلدة النيل الواقعة على نهر النيل(1) المستمدّ من الفرات، شاعرٌ فاضلٌ، وقد ولد بها عام 478 هـ/ 1085 م).

وله في مديح أهل البيت قوله ; ونقتطع منه موضع الحاجة:

متى يشتفي من لاعج القلب مغرمُ * * * وقد لجَّ في الهجران مَن ليس يرحمُ؟!

بكيت على ما فات منّي ندامة * * * كأنِّي خنسٌ في البكا أو متمّمُ

وأصفيت مدحي للنبيِّ وصنوه * * * وللنّفر البيض الذين همُ همُ

هم التين والزيتون آل محمَّد * * * همُ شجر الطوبى لمن يتفهَّمُ

أبوهم أمير المؤمنين وجدُّهم * * * أبو القاسم الهادي النبيُّ المكرَّمُ

وقد علموا أنَّ الولاء لحيدر * * * ولكنَّه ما زال يؤذى ويُظلمُ

فما عذرهم للمصطفى في معادهم * * * إذا قال: لِمْ خنتم عليّاً وجرتمُ؟!

وما عذرهم إن قال: ماذا صنعتمُ * * * بصنويَ من بعدي؟! وماذا فعلتم؟!

عهدتُ إليكم بالقبول لامره * * * فلِمْ حلتمُ عن عهدهِ وغدرتُم؟!

قلبتم لهم ظهر المجنّ وجرتمُ * * * عليهم وإحساني إليكم كفرتمُ

نصبتُ لكم بعدي إماماً يدلّكم * * * على الله فاستكبرتُم وظلمتمُ

وقد قلت في تقديمه وولائه * * * عليكم بما شاهدتُم وسمعتمُ

عليٌّ غدا منّي محلاًّ وقربةً * * * كهارون من موسى فلِمْ عنه حلتمُ؟!

شقيتم به شقوى ثمود بصالح * * * وكلُّ امرئ يبقى له ما يُقدِّمُ

لحى الله قوماً أجلبوا وتعاونوا * * * على «حيدر» فيما أساؤوا وأجرموا

زووا عن أمير النحل بالظلم حقَّه * * * عناداً له والطّهر يغضي ويكظمُ

وقد نصَّها يوم «الغدير» محمَّدٌ * * * وقال: ألا يا أيّها الناس فاعلموا

لقد جاءني في النصِّ: بلّغ رسالتي * * * وها أنا في تبليغها المتكلّمُ

عليٌّ وصيّي فاتبعوه فإنَّه * * * إمامكمُ بعدي إذا غبتُ عنكمُ

فقالوا: رضيناه إماماً وحاكماً * * * علينا ومولىً وهو فينا المحكّمُ

أما قال: إنّـي اليوم أكملتُ دينكم * * * وأتمتُ بالنعماء منّـي عليكمُ؟!

وقال: أطيعوا الله ثمَّ رسوله * * * تفوزوا ولا تعصوا أُولي الامر منكُم

أشورى؟ وإجماعٌ؟ ونصٌّ؟ خلافةٌ * * * تعالوا على الاسلام نبكي ونلطمُ

وصاحبها المنصوص عنها بمعزل * * * يُديمُ تلاوات الكتاب ويختمُ

ولو أنَّه كان المولّى عليهمُ * * * إذن لهداهم فهو بالامر أعلمُ

هو العالم الحَبر الذي ليس مثله * * * هو البطل القرم الهزبر الغشمشمُ

وما زال في بدر وأُحد وخيبر * * * يفلُّ جيوش المشركين ويحطمُ

يكرُّ ويعلوهم بقائم سيفه * * * إلى أن أطاعوا مكرهين وأسلموا

وله قصيدةٌ أُخرى يذكر فيها حديث الغدير ويراه نصّاً على الامامة والخلافة لامير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبيِّ الاعظم صلوات الله عليه وآله أوّلها:

بفنا الغريّ وفي عراص العلقم * * * تُمحى الذنوب عن المسيء المجرم

حتى يقول:

أبني رسول الله: إنَّ أباكُم * * * من دوحة فيها النبوَّةُ تنتمي

آخاه من دون البريّة «أحمد» * * * واختصَّه بالامر لو لم يُظلم

نصَّ الولاية والخلافة بعده * * * يوم «الغدير» له برغم اللُّوَّمِ

ودعا له الهادي وقال ملبّياً * * * يا ربِّ قد بلّغت فاشهد واعلمِ

حتَّى إذا قبض النَّبي وأصبحوا * * * مثل الذباب تلوح حول المطعمِ

 

القاضي ابن قادوس

(... - 551 هـ)

 

جلال الدين أبو الفتح بن القاضي إسماعيل بن حميد الشهير بابن قادوس الدمياطي المصري شاعرٌ وعالمٌ فاضل، وكان يكتب الانشاء بالديار المصرية للعلويين. جمع بين فضيلتي العلم والادب، وبرع في الشعر والنثر حتى لقَّبه تلميذه القاضي الفاضل البيساقي بـ «ذي البلاغتين».

توفي في مصر عام 551 هـ/ 1156 م.

وله في يوم الغدير قوله:

يا سيِّد الملاءِ طـ * * * ـرّاً بدوِهم والحضَّرِ

إنْ عظَّموا ساقي الحجيـ * * * ـج فأنتَ ساقي الكوثرِ

أنت الامام المرتضى * * * شفيعنا في المحشرِ

ووليُّ خيرة «أحمد» * * * وأبو شبير وشبَّرِ

والحائز القصبات في * * * يوم «الغدير» الازهرِ

والمطفئ الغوغا بِبد * * * ر والنّضير وخيبرِ

ومن شعره في المذهب كما في مناقب ابن شهر آشوب قوله:

هي بيعة الرضوان أبرمها التّقى * * * وأنارها النصُّ الجليُّ وألحما

ما اضطرَّ جدّك في أبيك وصيَّة * * * وهو ابن عمّ أن يكون له انتمى

 

طلائع بن رزّيك

(495 هـ - 556 هـ)

 

أبو الغارات الملك الصالح نصير الدين طلائع بن رزّيك بن الصالح الارمني نسبة إلى أرمينية، شاعر فارس وعالم فاضل، وقد ولد بها عام 495 هـ/ 1102 م رغب في المعرفة منذ نعومة أظفاره فقصد البلاد النائية في طلب الفقه والحديث وطلب الشعر العربي وحفظه.

وكان بارعاً في مناظرة العلماء في الفقه والحديث إضافة إلى تشبعه بحب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبنائه والولاية لهم ونشر مآثرهم والدفاع عنهم. وقد ذكر المقريزي في خططه عنه قوله: «كان محافظاً على الصلاة نوافلها وفرائضها شديد المغالاة في التشيع». ونقل عنه ابن العماد الحنبلي قوله: «وكان في نصر التشيع كالسكة المحماة، كان يجمع الفقهاء ويناظرهم على الامامة والقدر».

وهذا يدلّنا على تضلعه بعلوم الحكمة والفقه والكلام. ولما زار ضريح أمير المؤمنين عليّاً أمر الامام (عليه السلام) السيد ابن معصوم في رؤيا رآها أن يأمر ابن رزّيك بالتوجه إلى مصر لان الامام قد ولاّه مصر. وذهب هناك وتدرّج في الحكم حتى اصدرت بحقه وثيقة تعطيه الحق في إدارة كل الحكم مكان الخليفة الفاطمي الفائز بنصر الله.

أغتيل في الخامس من رمضان سنة 556 هـ/ 1160 م في مؤامرة دبرتها عمة الخليفة حيث مات في التاسع عشر من شهر رمضان من نفس السنة إثر الجرح الذي أصابه في تلك المؤامرة.

قال يمدح الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قصيدة مطلعها:

لذاذة سمعي في قراع الكتائب * * * ألذُّ وأشهى من عتاب الحبايب

حتى يقول:

عليٌّ أمير المؤمنين ولاؤه * * * يراه ذوو الاحساب ضربة لازب

عليه ترى الاجماع لا شك واقعاً * * * ولم تره بعد النبي لصاحب

وزوَّجه الرحمن بالطهر فاطماً * * * وقد ردَّ عنها راغماً كل خاطب

عليٌّ هو الشمس المنيرة في الضحى * * * هو البدر تماً في سماء المناقب

عليّ الذي قد كان إن حضر الوغى * * * قليل احتفاء بالقنا والقواضب

عليّ الذي قد كان يضرب قرنه * * * بماض شبابين الطلى والترائب

اذا طلعت أسيافه في مشارق الـ * * * أكفّ هوت من هامهم في مغارب

وذكر صاحب أعيان الشيعة 7: 400 نقلاً عن المناقب 2: 63 - 64 بيتين من الشعر:

عليُّ الذي قد كان ناظر قلبه * * * يريه عياناً ما وراء العواقب

عليُّ الذي قد كان أفرس مَن علا * * * على صهوات الصافنات الشوارب

وأنشد في مدح الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) ويصف واقعة يوم غدير خم من قصيدة مطلعها:

سقى الحمى ومحلاّ كنت أعهده * * * حيا بحور بصوب المزن أجودهُ

يا راكب الغي دع عنك الضلال فهـ * * * ـذا الرشد بالكوفة الغراء مشهده

من ردّت الشمس من بعد المغيب له * * * فأدرك الفضل والاملاك تشهده

ويوم (خمَّ) وقد قال النبي له * * * بين الحضور وشالت عضده يده

من كنت مولى له هذا يكون له * * * مولىً أتاني به أمر يؤكده

من كان يخذله فالله يخذله * * * أو كان يعضده فالله يعضده

قالوا سمعنا وفي أكبادهم حرق * * * وكل مستمع للقول يجحده

وأظلمت بسواد الحقد أوجههم * * * وأنه لم يزل بالكفر أسوده

والباب لما دحاه وهو في سغب * * * عن الصيام وما يخفى تعبده

وقلقل الحصن فارتاع اليهود له * * * وكان أكثرهم عمداً يفنده

واسأل به مرحباً لما أعد له * * * مشطّبا غير فرّار مجرّده

ألقى مهنده في وسط قمته * * * فغاص في الارض يفريها مهنده

نادى بأعلى العلى جبريل ممتدحاً: * * * هذا الوصيّ وهذا الطهر أحمده

وفي الفرات حديث إذ طغى فأتى * * * كل إليه لخوف الهلك يقصده

قالوا: أجرنا فقام المرتضى فرحاً * * * بالفضل والله بالافضال مفرده

وقال للماء: غُرْ طوعاً فبان لهم * * * حصباؤه حين وافاه يهدده

فللعفاف وللايمان طاعته * * * وللقنوت وللتقوى تهجده

يا قائم الليل تمجيداً لخالقه * * * وأين مثلك قوّاماً تمجده

يا حجة الله يا من يستضاء به * * * إلى الهداية يا من طاب مولده

وقال في مدح الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة:

ما حاد عن حب البطين الانزع * * * متجنباً لولائه إلاّ دعي

وأنا الذي في حبّه وولائه * * * لا قابل مَينا ولا بالمدّعي

لو قيل بعد المصطفى من صفوة الـ * * * ـدنيا أشرت إلى البطين الانزع

من علمه صوب الحيا وعجيبه * * * من صيِّب لمّا همى لم يقلع

حكم حكت روض الربى في زهره * * * فعقول أهل الارض فيها ترتعي

كم أنزل الابطال حد حسامه * * * في الحرب من فوق المكان الامنع

كم طار منه حتفه يوم الوغى * * * بطل فنادى ذو الفقار به قع

ولرب يوم شمسه للنقع قد * * * لاءت خماراً أو بدت في برقع

تجلى غياهبه بغرة طلعة * * * كم روّعت قلب الكميّ الانزع

كل المنايا في مضارب سيفه * * * تبدو لوجه الناظر المتطلع

فعداه والاضداد كل لا يرى * * * بي عاطساً إلا بأنف أجدع

وإذا بَدا ذو غرة لي عاذلاً * * * أنأيته عني ذليل الاخدع

وإذا يقاس به سواه فإنه * * * طمع لعمرك ما له من موضع

وعلام تركي للعمارة مبدلاً * * * من حسنها سكان قفر بلقع

الكون في الطرف المكدّر ناهلاً * * * وأعود مطّرحاً لعذب المشرع

من كان قيداً للنواظر وجهه * * * وكلامه قد كان قيد المسمع

ربُّ الشجاعة والندى والعلم والـ * * * ـتقوى وزين للسجود الركع

ولّى به غسق الضلال وقد رمى * * * من هديه فيه بريح زعزع

لا يرهب البيض الصفاح كغيره * * * حينا ولا دَعْس الرماح الشرع

بتَّ المطامع من زخارف هذه الـ * * * ـدنيا ولم يخل امرؤ من مطمع

وقال الملك الصالح في مدح الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وعد مناقبه وفضائله (عليه السلام) من قصيدة مطلعها:

يا صاحبيَّ بجرعاء الغوير قفا * * * نجد لمن بان بالدمع الذي وكفا

وبان عذري أني لم أزل لعكو * * * ف البين فينا على الاشجان معتكفا

حتى يقول:

كما تبين حبي للوصي لها * * * بالشمس إن سامتت قطب السماء خفا

لانني كل يوم من محاسنه * * * أهدي إلى من توالى دينه تحفا

إن الولاء إذا حققته نِعمٌ * * * تمت لديّ وإحسان عليَّ صفا

لا يقصد الباطل المدحوض رتبته * * * بين البرية من للحق قد عرفا

لو استطعت ركبت الريح عاصفة * * * حتى أزور سريعاً سيد الخلفا

أناشد الغيث أن لا يستقل إلى * * * أن ترتوي أعظم قد حلت النجفا

هو الذخيرة لي عند الصراط إذا * * * أمسكت في الحشر من أسبابه طرفا

ولو إلى غيره أدعى وتُجعل لي * * * ما في البسيطة لم اعلق به أنفا

ولو ذنوبيَ ملء الارض قاطبة * * * تجاوز الله عنها لي به وعفا

وقال الملك الصالح في مدح الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ورثاء ابنه السبط المفدى الشهيد الحسين (عليه السلام) وذكر مناقبهما وفضائلهما. ولم يوجد أول القصيدة:

فإن زللت قديماً أو جهلت فقد * * * أزال ما كان من جهلي ومن زللي

فحبه قد محا عني الذنوب ولو * * * كانت ذنوبيَ ملء السهل والجبل

يا لائمي العروة الوثقى امتسكت بها * * * فلست أصغي إلى لوم ولا عذل

جعلته عدتي في النائبات إذا * * * أعيت عليَّ وضاقت أوجه الحيل

أما عليٌّ، علت رجلاه كاهل خيـ * * * ـر الخلق حتى أزال العز عن هبل

أما عليٌّ، له العلم المصون به * * * قد حلّيت هذه الدنيا من العطل

أما عليٌّ، له الايثار والكرم الـ * * * ـمحض الذي فاق أهل الاعصر الاول * * * أما عليٌّ، عنا ماء الفرات له

هل كلم الجن والثعبان غير علي * * * ومن سوى حيدر ردت ذكاءُ له

من بعد ما جنحت مَيلاً إلى الطفل * * * عليُّ هل كان ماضي غرب مِقْوَله

إذا تفلل سيف النطق ذا فلل * * * وراية الدين لما كان حاملها

دون الهنابين(2) هل نيطت إلى فشل؟ * * * ما جردت من علي ذا الفقار يدٌ

إلاّ وأغمده في هامة البطل * * * لم يقترب يوم حرب للكميّ به

إلاّ وتقربُ منه مدة الاجل * * * قد صاب في رأس عمرو العامري وفي

يافوخ مرحب صوب العارض الهطل * * * وفي مواقف لا يحصى لها عدد

ما كان فيها برعديد ولا نكل * * * ومدعي القول بالاجماع ينقضه

كم قد تخلف عند العهد من رجل * * * سلمان منهم، وعمار، وسعد، كذا

العباس لاشك والمقداد، والدؤلي * * * كم كربة لاخيه المصطفى فرجت

به وكان رهين الحادث الجلل * * * كم بين من كان قد سن الهروب ومن

في الحرب إن زالت الاجبال لم يزل * * * في (هل أتى) بيَّن الرحمن رتبته

في جوده فتمسك يا أخي بهلِ * * * عليُّ قال اسألوني كي أبين لكم

علمي وغير علي ذاك لم يقل * * * بل قال لست بخير إذ وليتكم

فقوّموني فإني غير معتدل * * * إن كان قد أنكر الحسّاد رتبته

فقد أقرّ له بالحق كل ولي * * * وفي (الغدير) له الفضل الشهير بما

نصّ النبي له في مجمع حفل * * * ومن يغطي نهار الحق منه فما

غنى بهارون فيه ضارب المثل * * * لو لم يكن لعلي غير منقبة

فقد كفاه بقربى خاتم الرسل * * *

 وقال في مدح العترة الطاهرة (عليهم السلام) وفيها ذكرٌ لامير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة مطلعها:

ما كان أول تائه بجماله * * * بدر منال البدر دون منالهِ

حتى يقول:

هذا أمير المؤمنين ولم يكن * * * في عصره من حاز مثل خصاله

العلم عند مقاله، والجود * * * حين نواله، والبأس يوم نزاله

وأخوه من دون الورى، وأمينه * * * قدماً على المخفيّ من أحواله

وصّاهم بولاية، فكأنما * * * وصاهم بخلافه وقتاله

واستنقصوا الدين الحنيف بكتمهم * * * يوم (الغدير) وكان يوم كماله

عدّوه في قوم ولو قبلوا الذي * * * سمعوه ما باؤوا بشسع نعاله

ما خلت أن الامر يشكل فيهم * * * حتى يعدوا قط من أشكاله

الجود يشهد في الانام بفضله * * * والعلم عند سؤاله وسواله

والحق يبدو للنواظر طالعاً * * * كالشمس بين جلاده وجداله

والفرق يظهر للخبير بهم إذا * * * أعماله قرنت إلى أعماله

لم يعبد الرحمن خلق قبله * * * بعد النبي، وذاك من إقباله

كشف الغطاء، وكلهم متستر * * * بالكفر يرفل في ظلال ضلاله

وسنا الصباح بيوم صحو مشرق * * * في النور ليس يعد معْ آصاله

واذا الحروب أتت بيوم معضل * * * يتقهقر الابطال عن أبطاله

(كحنين) أو أيام (خيبر) إنها * * * تبري مريض الشك من أغلاله

فرّوا، وخلّوه يكافح وسطه * * * فردا فلم ينسب إلى إخلاله

كالسيف صادق عزمه لكنه * * * في الحرب ليس يكل مثل كلاله

حتى أبان لهم بقائم سيفه * * * في الدين نهج حرامه وحلاله

فاستشعروا حداً له كالنار قد * * * أضحت رماح القوم بعض زباله

طعنوه، بل ضربوه، بل رجفوا له * * * برماحه، وسيوفه، ورجاله

وتعاونوا في حربه بمكائد * * * خدعت كما خدع السراب بآله

لم يلق في (صفين) من محتالهم * * * إلاّ كما لاقاه من مغتاله

ولقد بدا لي في المنام فهبته * * * وغضضت عنه الطرف من إجلاله

وأخذت من يده الامان مبادراً * * * ليعيذني في الحشر من أهواله

من بعد ما قد عشت عمري كله * * * أعنو إلى الرحمن في تسآله

لاراه ليس يحول دوني حايل * * * عنه سوى إعظامه وجلاله

فأنالني سُؤلي فما إن ينقضي * * * شكري له أبدا على أفضاله

وقال من قصيدة مطلعها:

(محمد) خاتم الرسل الذي سبقت * * * به بشارة (قسٍّ) وابن (ذي يزن)

فاجعله ذخرك في الدارين معتصماً * * * له و (بالمرتضى الهادي أبي الحسن)

وصيه، ومواسيه، وناصره * * * على أعاديه من قيس ومن يمن

ذاك الذي طلق الدنيا لعمريَ عن * * * زهد وقد سفرت عن وجهها الحسن

وأوضح المشكلات الخافيات وقد * * * دقت على الفكر واعتاضت على الفطن

أليس في (هل أتى) ما يستدل به * * * من كان لا يتعدى واضح السنن

وقصة (الطائر المشوي) قد كشفت * * * عن كل قلب غطاء الرين والظنن

في يوم (بدر) (وأحد) والمذاد وفي * * * (حنين) أو (خيبر) هل كان ذا وهن

ومن تفرد في القربى وقد حسنت * * * أفعاله فغدت تاجاً على الزمن

وصّى النبي إليه لا إلى أحد * * * سواه في - خمّ - والاصحاب في علن

فقال: هذا وصيّي والخليفة من * * * بعدي وذو العلم بالمفروض والسنن

قالوا سمعنا فلما أن قضى غدروا * * * والطهر (أحمد) ما واروه في الجبن

وقال من قصيدة:

أنا من شيعة الامام (عليِّ) * * * حرب أعدائه، وسلم الوليِّ

أنا من شيعة الامام الذي ما * * * مال في عمره لفعل دني

أنا عبد لصاحب الحوض ساقي * * * من يوالي فيه بكأس روي

أنا عبد لمن أبان لنا المشـ * * * ـكل فارتاض كل صعب أبي

والذي كبّرت ملائكة الـ * * * ـلّه له عند صرعة العامري

الامام الذي تخيّره الـ * * * ـلّه بلا مرية أخاً للنبي

قسماً ما وقاه بالنفس لما * * * بات في الفرش عنه غير (علي)

ولعمري إذ حل في يوم (خمِّ) * * * لم يكن موصياً لغير الوصي

المبرّى من كل عيب وريب * * * والمسوى بغير نقص وعي

فبه قد هداني الله للحـ * * * ـق فما لي ورأي كل غوي

خفي الفضل في سواه وأما * * * فضله في الورى فغير خفي

من تغابى عنه فمثلي عن الفضـ * * * ـل الشهير المبين غير غبي

واتصالي به لدى الحرب أبْداً * * * لي نصر على الشجاع الكمي

وإذا أظلمت حنادس خطب * * * كنت منه على رجاء مضي

وأنا منذ كنت أسعى لسادا * * * تي على منهج الصراط السوي

يا ضعيف اليقين إن اعتقادي * * * في (علي) على يقين قوي

أنا في القول لا أطيع غوياً * * * إذ مطيع الغوي نفس الغوي

ذكر آل النبي عندي كالبشـ * * * ـرى وذكري سواهم كالنعي

قد جرى حبهم بجسمي كما احتلّـ * * * ـت مجاري الرضاع جسم الصبي

 

 

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هو غير نيل مصر الشهير .

(2) كذا في الديوان المطبوع والاصل .