أنور العطّار
(1326 هـ - 1392 هـ)

 
الاستاذ انور العطّار، أديب شاعر وكاتبٌ مؤلف، ولد في دمشق عام 1326 هـ/ 1908 م ودرس في المكتب حتى اذا انهى منهجه عمل معلّماً ثم اتصل برموز الثقافة والادب السوري في عصره ورافق بعضهم ونشر نتاجه الشعري والكتابي في الصحافة منتهلاً من حافظته الحافلة وقراءاته المتعدّدة كما قصد العراق استاذاً لتدريس الادب العربي في معاهده العلمية منتدباً من وزارة المعارف فاتصل بشعرائه وكتّابه وزار حواضره ومنها النجف الاشرف وانشد في أهل البيت (عليهم السلام) قصائد معروفة، توفي عام 1392 هـ/ 1972 م.
وله في زياته للنجف الاشرف قوله:

سلام على النجف الاطيب * * * سلام على ورده الاعذبِ
على مهده عالم الذكريات * * * ودنيا توقد كالكوكب
وكوني كآذار جم العبير * * * انيفا كمنظوره الاهدب
تنشّقْ ففي الترب مسك العبير * * * تهادى وفي الجو عطر النبي
وطف بالهدى والندى والعلاء * * * وبالجدث الطاهر الطيب
وقل يا غمام نعشت الغمام * * * وقل يا ربيع نفحت الربي
وسلم على العبقري الهمام * * * على نبعة الخير من يعرب
يموج من النور في موكب * * * ويندى من الطيب في موكب
يطوف على الناس مثل الضباب * * * اذا افتر عن مبسم أشنب
ويختال في الكون مثل الربيع * * * يرن بفينانه المعشب
وعرج على موئل النعميات * * * على الاريحي النجيد الابي
اخي الحزم والعزم والمكرمات * * * اخي النائل الاطول الارحب
وهم بالبيان السني الشهي * * * وأعجب بروعته أعجب
ورد موردا حافلاً بالخلود * * * وما شئت من ممتع مطرب
علي ويا سحر هذا النداء * * * وأعجب بروعته أعجب
تحن اليك القلوب اللهاف * * * حنين الصغار لجنح الاب
اذا اغطش الليل كنت الشعاع * * * وكنت رجاء الغد الاصعب
وكنت الحنان ورمز الندى * * * وكنت المعين على المذهب
ولم لا وانت رفيق النبي * * * وانت شذى الطهر من يثرب
فيا ساكني النجف المستحب * * * سلام القريب الى الاقرب

 
عبدالكريم صادق
(... - 1392 هـ)

 
الشيخ عبدالكريم صادق العاملي، عالم فاضل وأديب شاعر ولد في النجف الاشرف وترعرع فيها بين يدي والده العالم الفاضل الشيخ عبدالحسين، ودرس عليه وعلى علمائها الافاضل حتى بلغ ما يريد وشارك في حلبات الشعر والادب ثم هاجر مع والده الى النبطيّة بلدتهم الاُولى في لبنان، حتى اذا توفي والده عام 1361 هـ تسنم مكانة في الارشاد والرعاية مع عفاف وتقوى وزهد الى جانب الادب والشعر وله مؤلّفات مخطوطة وديوان شعر، توفي عام 1392 هـ/ 1972 م.
له في مدح أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

مضى طه وقام وصي طه * * * مديراً من شريعته رحاها
وفوق منصة الاحكام منها * * * علي قد تربع واعتلاها
ففاضت ثم فاضت ثم فاضت * * * ركي الفضل طافحة دلاها
فلو وردته عطشى الخلق طرا * * * لروى من منابعه ظماها
له من فوق منبره سلوني * * * سلوني هل بها إلاّه فاها

وله أيضاً:

ولاؤك حصني يا علي وجنتي * * * اذا قصرت يوم القيامة حجتي
أفي النار ترضى أن يزع معذبا * * * وليك لا يشتم روحا لجنة
وحبك منه خامر اللحم وهو في * * * غشا الرحم في دور اختباء الاجنة
واذ ألقمتني ثديها الام في اللبا * * * تذوقته منه لاول رشفة
ببابك حط الرحل مولاك عالما * * * بأنك يا مولى الورى باب حطة

وله أيضاً:

هي بيعة لك يا علي أقامها * * * خير الانام بمشهد الاملاء
يوم الغدير اذ الحجيج معرس * * * فيما أحاط به من الصحراء
وله أقيم من الحلائج منبر * * * يحنو عليه الدوح بالافناء
حيث الهواجر قد ذكت نيرانها * * * والرمل متقد بحر ذكاء
فعلاه خير المرسلين محمّد * * * وأتى بتلك الخطبة العصماء

 
عبدالمهدي مطر
(1318 هـ - 1395 هـ)

 
الشيخ عبدالمهدي ابن الشيخ عبدالحسين ابن الشيخ حسن مطر الخفاجي، شاعرٌ فحلٌ وعالمٌ فاضل، ولد في النجف الاشرف عام 1318 هـ/ 1900 م ونشأ على أبيه ودرس مبادئ العلوم في الحوزة العلمية على اساتذة فضلاء وحضر الدروس العالية على مراجع التقليد كالميرزا النائيني والشيخ محمد حسين الاصفهاني والسيد محسن الحكيم والسيد ابو القاسم الخوئي، وقد برع في علوم الفقه والاصول والتفسير والحديث الى جانب الادب والشعر خاصةً، وله في كل ذلك آثارٌ ومؤلفاتٌ لم يُطبَع أغلبها، كما خاض مجال التدريس في كلية الفقه فهو من اساتذتها اللامعين وله تاثيرٌ واضح على مجمل الحركة الثقافية والادبيّة في النجف، كما عرف بقصائده القوية السبك الجيّدة الاختيار الفخمة الاسلوب، توفي عام 1395 هـ/ 1975 م.
له من قصيدة شهيرة قوله:

أرصف باب عليٍّ أيُّها الذهبُ * * * واخطفْ بابصار من سُرّوا ومَن غضبوا
وقل لمن كان قد اقصاك عن يده * * * عفواً اذا جئت منكَ اليومَ اقترب
لعل بادرةً تبدو لحيدرة * * * ان ترتضيكَ لها الابواب والعتب
فقد عهدناه والصفراء منكرة * * * لعينه وسناها عنده لهب
ما قيمةُ الذهب الوهاج عند يد * * * على السواء لديها التبر والترب
ما سرّه ان يرى الدنيا له ذهباً * * * وفي البلاد قلوبٌ شفّها السغب
ولا تضجّرُ اكبادٌ مفتتةٌ * * * حتى يذوب عليها قلبُهُ الحدب
او يسقط الدمع من عيني مولّهة * * * اجابها الدمع من عينيه ينسكب
تهفو حشاه لانات اليتيم بلا * * * أمٍّ تناغي ولا يحنو عليه اب
هذي هي السيرة المثلى تموج بها * * * روح الوصيِّ وهذا نهجه اللحب
فاحذر دخول ضريح أن تطوفَ به * * * الا باذنِ عليٍّ أيُّها الذهب
بابٌ به ريشةُ الفنان قد لعبت * * * فأودعته جمالاً كلّهُ عجب
تكادُ لا تدركُ الابصارُ دقته * * * مما تماوج في شرطانه اللهب
كأنها لجة الانوار موجته * * * خلالها صور الرائين تضطرب
سبائكٌ صبّها الابداع فارتسمت * * * روائع الفنِّ منها الحسن منسكب
يدنو الخيالُ لها يوماً لينعتها * * * وصفاً فيرجع منكوساً وينقلب
أدلت بها يد فنان منمقةً * * * تعنو لروعتها الاجيال والحقب
ملء الجوانح ملء العين رهبتُها * * * ومربض الليث غابٌ ملؤه رهب
يا قالع الباب والهيجاءُ شاهدة * * * من بعدما طفحت كأسٌ بمن هربوا
بابان لم ندر في التبريح أيّهما * * * أشهى إليك حديثاً حين يقتضب
بابٌ من التبر أم بابٌ يقوّمهُ * * * مسمارهُ وجذوع النخل والخشب
هذا يشعُّ عليه التبر ملتهباً * * * وذاك راح بنار الحقد يلتهب
وأيُّ داريك أحرى أن تطوف بها * * * وأن تجللها الاستار والحجب
دارٌ تحج بها الدنيا لمدك أم * * * دارٌ عليك بها العادون قد وثبوا
هذي تدالُ بها للحقِّ دولتُهُ * * * زهواً وفي تلك فيءُ الحق يغتصب
حتى اذا جاءت الدنيا مكفّرةً * * * عما جنته وجاء الدهر ينتهب
شادت عليك ضريحاً تستطيلُ على * * * هام السماء به الاعلام والقبب
وتلك عقبى صراع قد صبرت له * * * وذا فديتك مظلوماً هو الغلب
بلّغ معاويةً عني مغلغلةً * * * وقل له واخو التبليغ ينتدب
قم وانظر العدل قد شيدت عمارتُهُ * * * والجور عندك خزيٌ بيتُهُ خَرِب
تبني على الظلم صرحاً رنَّ معولُهُ * * * بجانبيه وهدّت ركنه النوب
أبت له حكمة الباري بصرختها * * * الا يخلّد مختالٌ ومرتكب
قم وانظر الكعبة العظمى تطوف بها * * * حشد الالوف وتجثو عندها الركب
تأتي له من اقاصي الارض طالبةً * * * وليس الا رضا الباري هو الطلب
قُل للمعربد حيث الكاس فارغةٌ * * * خفّض عليك فلا خمرٌ ولا عنب
سمّوك زوراً أمير المؤمنين وهل * * * يرضى بغير عليٍّ ذلك اللقب
هذا هو الرأسُ معقودٌ لهامته * * * تاج الخلافة فاخسأ أيها الذنب
يا باب حطة سمعاً فالحقيقةُ قد * * * تكشّفت حيث لا شكٌّ ولا ريب
مواهب الله قد وافتك مجزيةً * * * ما كنت تبذل من نفس وما تهب
هذي هي الوقفات الغرُّ كنت بها * * * للدين حصناً منيعاً دونه الهضب
هذي هي الضربات الوتر يعرفها * * * ضلع بها انقدّ أو جنب بها يجب
هذي هي اللمعات البيض كان بها * * * عن وجه خير البرايا تُكشفُ الكُرب
هذي هي النفس قد روّضت جامحها * * * فراق للعين منها عيشها الجشب
فلا الخوان لها يوماً ملوّنةً * * * منه الطعومُ ولا ابرادُها قشُب
لا تكتسي وفتاةُ الحيِّ عاريةٌ * * * ولا تعبُّ ومهضومُ الحشا سغِب
نفسٌ هي الطهر ما همّت بموبقة * * * وليس تعرف كيف الذنب يرتكب
هذي التي انقادت الاجيال خاشعةً * * * لهديها وترامت عندها النُجُب
تعيّفوا وركبنا في سفينته * * * فميّز اللُجَّ من عافوا ومن ركبوا
وساوموا فاشترينا حبَّ حيدرة * * * ولا نبيع ولو أنَّ الدُنا ذَهب
يا فرصةً كنت للاسلام ضيّعها * * * حقد النفوس وأبلى جدّها اللّعب
شجّوا برغمك امراً أنت تعصُبُه * * * في ذمة الله ما شجّوا وما شجبوا
فرحت تنفض من هذا الحطام يداً * * * اذ شُمتَ فيه يد الاطماع تنتشب
تكالبٌ عنه قد نزهت محتقراً * * * له وعندك ما يشفي به الكَلَب
فاستنزلوكَ عن العرش الذي ارتفعت * * * بك القواعد منه فهو منتصب
لو أنصفوك لفاض العلم منتشراً * * * في الخافقين وسارت بالهدى كُثُب
ولازدهى باسمك الاسلام دوحتُهُ * * * فينانةٌ وفناه مربعٌ خَصِب
لله أنت فقد حمّلت من محن * * * ما لم يُطق صابرٌ في الله محتسب
ولا ابتنيت عليه من سماء عُلاً * * * ما ليس تأفلُ عن آفاقها الشُهُب
أمرٌ به ضاقت الدنيا بما رحبت * * * ولم يضقْ عنه يوماً صدرُك الرحب

وله أيضاً من قصيدة:

أعلى غديرك هذه اللمعاتُ * * * أم من عبيرِكَ هذه النفحاتُ
يهتزُّ يومك وهو يومٌ حافلٌ * * * بالرائعات تحفُّها البركات
يوم تتوجك السماءُ ببيعة * * * عصماء لم تعبث بها الفلتات
جبريل يحمل سرّها ومحمدٌ * * * كان المبلّغ والقلوب دعاة
ربحت بها الدنيا وولّى خاسرٌ * * * منها تؤجج صدره الحسرات
فكأنَّ يومك وهو يومُ مسرّة * * * غيضٌ تشقُّ به الصدور ترات
ولربَّ مغبون تكلف بسمةً * * * تطغى عليها إحنةٌ وهناة
فدع الصدور يغصُّ في اكظامها * * * منهم فضاءٌ أو تضيقُ فلاة
فالكون يطربُهُ ولاؤكَ كلّما * * * غنت بركب الماجدين حُداة
ولانت محورها وتلك مواهبٌ * * * هبطت عليك وللسماء هبات
ذاتٌ من الطهر انبرتْ فتقدَّست * * * ألاّ تماثلها بطهر ذات
كف العناية توجتك بتاجها * * * رضيت نفوسٌ أم أبت شهوات
لبيك يا بطل المواقف ولتطح * * * من دون كعبك هذه النكرات
وفداك روّاغون لم تفقدهم الـ * * * ـهيجاء إن عاشوا لها أو ماتوا
فغداة عَمر حين زمجر في الوغى * * * كالليث تحجم عن لقاه كماة
وسطا فإما أن تثلّم شفرةٌ * * * للدين دهرا أو تقوم قناة
وأدال للاسلام من سطواته * * * وغدت تدورُ بأهلها السطوات
وغداة خيبر والحصون منيعةٌ * * * والبأس جاث والقروم حماة
والموت في يد مرحب قد سلّه * * * عضباً رهيفاً لم تخنه شباة
وتحامت الاسد الغضاب فرنده * * * الا تُطيح رؤوسها الشفرات
ولراية الاسلام لما اعطيت * * * لسوى فتاها محنةٌ وشكاة
فهنالك الفشل المريع اصابها * * * وهناك راحت تُسكبُ العبرات
حتى اذا اهتزَّت بكفِّ مديرها * * * رقصت بيمناه لها العذبات
فتنازلا وسط الهياج ولم تكن * * * مرَّت هناك عليهما لحظات
واذا بفارسِ خيبر أوداجُهُ * * * لحسام فارس هاشم نهلات
هذي وفودُكَ اقبلت ترتادُ مِن * * * حوض الولاء قلوبها الشغفات
قمْ حيِّ وفدك إنَّ دارك كعبةٌ * * * عظمى وليس لحجّها ميقات
من أيِّ ناحية اتاك مؤمّلٌ * * * ملات حقايب ركبه الحسنات
واديك وهو الطور في ذكواتِهِ * * * تشتاق رمل هضابه عرفات
هذا هو الوادي الذي يُلجى له * * * وتقالُ من زلاّتها العثرات
هذا هو الوادي الذي فيه استوت * * * في الدارجين رعيةٌ ورعاة
ترتادُهُ الاحياء تُحكمُ بيعةً * * * وتلوذُ في حفراتهِ الاموات
ويبيتُ روع اللاجئين اليه في * * * حصن منيع ما بنته بناة
والليلُ يعلمُ إنَّ حيدر لم ينمْ * * * فيه سوى ما تقتضيه سناة
متقوساً لله في محرابه * * * شبحاً تُذيبُ فؤاده الزفرات
قَلِقُ الوسادِ وإنه لصحيفةٌ * * * بيضاءُ لم تعلُقْ بها شبهات

 
محمد الحلي
(1319 هـ - 1393 هـ)

 
أبو علي السيد محمد ابن السيد حسين بن محمد بن علي بن كوّار، ينتهي نسبه بزيد بن الامام السجاد (عليه السلام)، شاعرٌ.
ولد في النجف عام 1319 هـ/ 1901 م ونشأ بها وترعرع وبعد أن تعلم القراءة والكتابة دخل الحوزة العلمية وحضر بعض دروسها، ثم تركها وانصرف الى شؤون حياته، وهو معدودٌ من الادباء الشعراء، توفي عام 1393 هـ/ 1973 م.
وله مؤرّخاً عام وضع الباب الذهبي في الايوان الذهبي 1373 هـ قوله:

حرم القدس تلالا وازدهى * * * بسنا مرقد خير الخلق طرا
وتعالى شرفا فوق السهى * * * وسما في أفق العلياء فخرا
حرمٌ فيه ملوك الارض كم * * * طأطأت هاماتها ذلا وذعرا
فتنال العز في أعتابه * * * وبأخراها به تكسب أجرا
حرمٌ تأوي اليه الخلق في * * * عسرها ترجو من الخالق يسرا
حرمٌ باهى السموات العلى * * * بوصيّ المصطفى شأنا وقدرا
وبنور المرتضى شع سنا * * * شق ليل الشرك بالانوار فجرا
حرم فيه الهدى والدين والـ * * * ـحق والايمان والتوحيد قرّا
بابُه بابُ المراد المرتجى * * * إذ غدا كهفاً وللراجين ذخرا
إلثم الباب وأرّخ (هاهنا * * * في علي يتلالا الباب تبرا)

وله مؤرّخاً الزخرف الذي يكلّل المرقد الحيدريّ قوله:

يا مرقداً قد ضمَّ أكرمَ راقدِ * * * شرفَ الغريّ بفخره والطورُ
هو مركز الافلاك أضحت حوله * * * كل الكواكب في السماء تدور
وسما ذكاء سناً فحيَّر كل ذي * * * لبٍّ وأخرس في الكلام فَكور
أعيى العقول بوصفه فبيانها * * * مهما أتى في حقه محصور
أنّى وذي زمر الملائك لم تزل * * * لتطوف تهبط حوله وتطير
والراكعون الساجدون تراهم * * * فيه عَلَتهم هيبةٌ وحبور
فمددت عشري للدعاء مؤرخاً * * * (حول الضريح أهلة وبدور)

وله أيضاً:

صندوق قدس قد سما رفعة * * * فكل قلب فيه مسرورُ
ومذ جلوه وبدا نوره * * * أرخته (بالخاتم النور)

وله أيضاً:

سما ضريح طاب بالمرتضى * * * خير الورى وطاب تمجيدهُ
ثم فأرخ (لعلي به * * * شباك قدس راق تجديده)

وله كذالك:

ضريح قدس قد سما * * * لصنو سيد البشرْ
مذ جدّدوا شباكه * * * أرختُه (نورٌ ظَهَر)

 
صالح صحين
(1322 هـ - 1394 هـ)

 
الشيخ صالح ابن الشيخ مهدي الساعدي، شاعرٌ فاضل.
ولد في النجف الاشرف عام 1322 هـ/ 1929 م وتتلمذ على أبيه وهو من الفضلاء حيث درس عليه المقدمات فتفوق فيها على أقرانه وقد برع في الفقه والاصول، تخرج على حلقته مئات الفضلاء وكان يعطي دروسه صباحاً ومساءً لفترة قد لا تقلّ عن خمسة عشر عاماً.
انتدبه المرحوم اغا حسين القمي لتدريس الطلبة العرب في كربلاء.
من أستاتذته الحجة السيّد حسين الحمامي وله مؤلفات عدة، توفي عام 1394 هـ/ 1974 م.
وله من أرجوزة:

ففي عليّ قاتل الكفار * * * لو لم يكن نص عن المختارِ
وعن إله الخلق والعباد * * * في أنه هو الوصي الهادي
من بعده وفي بنيه الهاديه * * * دلالة اللزوم فيه كافيه
وتلك في المحكم في عليّ * * * من الكثير الواضح الجليّ
وقد كفى تواتر النصوص * * * لفظاً ومعنىً فيه بالخصوص
والاي دلّ أَنه هو الخلفْ * * * من دون فصل بعده من السلف
كأنما وليكم من العليْ * * * ظاهرة بل هي نصٌّ في عليْ

 
محمد المحجوب
(من شعراء القرن الرابع عشر)

 
الاستاذ محمد المحجوب، اديب وشاعر مرموق، سوري الاصل والمولد، سني المذهب، عاش في منتصف القرن العشرين الميلادي.
لما شاهد، محمد محجوب قبر معاوية بن ابي سفيان، الواقع في خرائب دمشق الشام خلف الجامع الاموي، وفي أزقة في ملتوية، وراى المكان المهين، حيث دفن معاوية في قعر خربة مهجورة تحت النفايات اصيب بهزة عنيفة، واستيقض ضميره، وجرى على لسانه الحق، فوقف على قبره منشداً قصيدته الرائعة «الدالية» معبراً فيها عما يختلج في ضميره من صحوة وإستيقاض، ومقايساً بين مرقد الامام الطاهر علي بن أبي طالب، الذي نازعه معاوية الملك طيلة اربعين عاماً، ذلك المرقد الشامخ السامق الشاهق في النجف الاشرف، وشده زحام زواره وكثرتهم، ومقارناً بين قبره المهجور المهين.
وقد اسقطت القصيدة المذكورة من ديوانه «نار ونور» المطبوع سنة 1947 م وديوانه «همسات القلب» المطبوع في سنة 1970 م لظروف خارجة عن ارادته.
القصيدة تربو على الخمسين بيتاً اليك مقتطفات منها، وهذا مطلعها:

أين القصور أبا يزيد، ولهوها * * * والصافنات وزهوها والسؤدد
أين الدهاء نحرت عزته على * * * أعتاب دنيا سحرها لا ينفد
هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه * * * لاسال مدمعك المصير الاسود
كتل من الترب المهين بخربة * * * سكر الذباب بها فراح يعربد
أرأيت عاقبة الجموح ونزوة * * * أودى بلبك غيها المترصد
أغرتك بالدنيا فرحت تشنها * * * حرباً على الحق الصراح وتوقد
تعدو بها ظلماً على من حبه * * * دين وبغضته الشقاء السرمد
علم الهدى وإمام كل مطهر * * * ومثابة العلم الذي لا يجحد
ورثت شمائله براءة «أحمد» * * * فيكاد من برديه يشرق «أحمد»
وغلوت حتى قد جعلت زمامها * * * ارثاً لكل مذمم لا يحمد
هتك المحارم واستباح خدورها * * * ومضى بغير هواه لا يتقيد
ما كان ضرك لو كففت شواظها * * * فسلكت نهج الحق وهو معبد
ولزمت ظل «أبي تراب» وهو من * * * في ظله يرجى السداد وينشد
ولو أن فعلت لصنت شرع محمد * * * وحميت مجداً قد بناه «محمّد»
ولعاد دين الله يغمر نوره الد * * * نيا فلا عبد ولا مستعبد
أأبا يزيد وساء ذلك عترة * * * ماذا أقول وباب سمعك موصد
قم وارمق النجف الشريف بنظرة * * * يرتد طرفك وهو باك أرمد
أبداً تباكرها الوفود يحثها * * * من كل صوب شوقها المتوقد
نازعتها الدنيا ففزت بوردها * * * ثم انطوى كالحلم ذاك المورد
وسعت إلى الاُخرى فأصبح ذكرها * * * في الخالدين وعطف ربك أخلد

وقد القيت هذه القصيدة في حفل تكريمي أُقيم للامام علي (عليه السلام) بمناسبة يوم الغدير في سوريا ولبنان، ونشرتها مجلة «العرفان» البيروتية بموجب كتاب.

 

علي الصغير
(1333 هـ - 1395 هـ)

 
الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ حسين بن شبير الخاقاني، شاعرٌ فاضل مؤلف.
ولد في العمارة عام 1333 هـ/ 1915 م وانتقل مع والده إلى النجف حيث اتخذها موطناً له، أخذ مقدمات العلوم على أساتذة منهم الشيخ محمد طاهر الخاقاني، والشيخ مهدي الظالمي. ثم انتقل إلى البحث الخارج فحضر حلقة الشيخ محمد علي الخراساني في الاصول وأتمّ فيها دورة كاملة، وحضر حلقة الامام الخوئي، والسيد حسين الحمامي، وهو أحد فرسان الشعر في نوادي النجف الاشرف واحتفالاتها وله شهرة اجتماعيةٌ وأدبه يمتاز بالجودة والرصانة.
وتتضح في شعره مواقفه العربية والاسلامية، ونقده الصريح لواقعه.
توفي في العام 1395 هـ/ 1975 م.
وله وعنوانها: «يوم الغدير» وقد نظمها في 1370 هـ، قوله:

ولاك من الله إيمانها * * * ونهجك للحق قرآنها
وحبّك فرض بهذي الرقاب * * * وإن يأب ذلك طغيانها
وآي المودة تنزيلها * * * بحبّك صرّح تبيانها
وأنت من الذكر أمُّ الكتاب * * * ومن سورة الدهر إنسانها
وإنك من أنفس المؤمنين * * * هداها اليقين وإيمانها
وإنك ميزان أعمالها * * * إذا خفّ في الحشر ميزانها
فأنت بحق وصي النبي * * * وصرّح في ذاك فرقانها
علمتُ بأنَّ ولاك السفين * * * وحبُّك في الحشر ربانها
وهلَّلت باسمك حيث الصلاة * * * ولاك وإنك أركانها
هدى المتقين وللعاطفات * * * خضوع ببابك أوزانها
وهل يستطيع بأن يرتقي * * * لمعناك في الشعر شيطانها
فنظّمت قلبيَ في باقة * * * من الحب تهتزّ أغصانها
وقلت هو العيد (عيد الغدير) * * * وخير الهدية أثمانها
على قدس مجدك تهفو السنين * * * وتعشق ذكرك أزمانها
وفي الذرّ والكونُ في ظلمة * * * تجليتَ فازدان كيوانها
وطفت على الروح فاستنشقت * * * ولاك وإنك سلطانها
ومذ لحت في الكون فاستبشرت * * * سهول البطاح وكثبانها
ولدت بمكة في بيته * * * فخرّت لذلك أوثانها
ونلت الشهادة في مسجد * * * وخانك في ذاك شيطانها
ومتّ وفي شفتيك الصلاة * * * ليرضى بذلك ديّانها
حياتك سفر إلى العارفين * * * يخلّد بالنور عنوانها
وذاتك في كتب المرسلين * * * يضيق عن العقل تبيانها
فعن وضعها ضل أحبارها * * * وفي فهمها حار رهبانها
فخبّر إنجيلها عن علاك * * * وبشر في ذاك فرقانها

 
موسى بحر العلوم
(1327 هـ - 1396 هـ)

 
السيد موسى ابن السيد جعفر ابن السيد محمد ابن السيد محمد تقي ابن السيد رضا ابن السيد بحر العلوم، فاضلٌ شاعر.
ولد في النجف عام 1327 هـ/ 1909 م وترعرع فيها وقد توفي والداه في عام واحد وهو ابن سبع سنين، التحق بالحوزة العلميّة فقرأ المقدمات على الشيخ المظفر وأضرابه ثم تردد على حلقات الامام الخوئي والشيخ العراقي والشيخ حسين الحلي، وكان أحد المشاركين في هيئة (الرابطة) وأحد مؤسسي فكرة جمعية المنتدى.
زار إيران اربع مرات حيث تبرك بالوصول إلى الحرم الرضوي المقدس.
كان شاعراً متأمّلا رصينا دقيق الروح نظم أول قصيدة له عام 1931، وهو إضافة إلى ذلك ذو علم جم وله تعليقات على أمهات كتب الدرس وتقريرات أساتذته في الاصول والفقه.
توفي عام 1396 هـ/ 1976 م.
وله مؤرخاً نصب باب المرقد العلوي المذهب، قوله:

أوتيت سؤلك فاستأنف من العملِ * * * يامن أتى زائراً قبر الامام علي
نهضت للحق تستهدي مراشده * * * والحق أوضح من نار على جبل
هذا الوصي ولا يخفى له أثر * * * فكيف يخفى وسر الله فيه جلي
تكسو من الذهب الابريز قبته * * * يد الولا حلة من أجمل الحلل
صفراء يفعلُ بالالباب منظرها * * * فعلَ المدام بلبّ الشارب الثمل
شمسٌ من النجف الاعلى تشعُّ سناً * * * يضيق عنه نطاق الاعين النجل
إن قلت شمس الضحى قالوا أعد نظراً * * * الشمس ذات زوال وهي لم تزل
تقدَّست قبةٌ ضمت قرارتها * * * خير الوصيين تالي سيد الرسل
حضيرة القدس والاملاك تسكنها * * * أجل فثمَّ نعيمٌ دائم الاكل
تهوى القلوب عليها غير أن لها * * * من الزحام يد الوفّاد لم تصل
محط آمالهم قبر الوصي إذا * * * باءت أماني ذوي الحاجات بالفشل
فلست تنظر ممن حل بقعته * * * إلا إلى ذاكر لله مبتهل
لله كعبةُ قدس بالغريّ سعت * * * لها الملوك على الهامات والمقل
قامت على بابها تدعو مؤرخةً * * * (لذنا بباب أمير المؤمنين علي)

وله مؤرخاً ايضا عام صنع الباب الذهبي وذلك 1375 هـ:

أيها الراجوان لله رضىً * * * يوم لا ينفع مالٌ وبنونا
دونكم قبر ابن عم المصطفى * * * أسد الله أمير المؤمنينا
فاخلعوا النعل بواد دونه * * * شرفاً وادى طُوى أو طور سينا
ثمة الحق فخذ في وصفه * * * وتعالى الله عما يصفونا
بل نفوسٌ خلعت أبدانها * * * وقلوبٌ ركّبت فيها عيونا
ورجال عجنت طينتهم * * * بولا آل الرسول الاكرمينا
فجزاهم ربهم من فضله * * * وأياديه جزاء السامعينا
شيَّدوا أبوابها واستفتحوا * * * بعلي المرتضى فتحاً مبينا
وكسوها حللا من ذهب * * * فاقع اللون يسرُّ الناظرينا
فعلى اسم الله أرخ (رتّلوا * * * أدخلوها بسلام آمنينا)

 
محمد صادق بحر العلوم
(1315 هـ - 1397 هـ)

 
السيد أبو المهدي ابن السيد حسن ابن السيد إبراهيم آل بحر العلوم، عالم فاضلٌ محقّق أديب.
ولد في النجف الاشرف عام 1315 هـ/ 1897 م، درس المقدمات والسطوح على علماء عصره وحضر البحث الخارج على الميرزا حسين النائيني ، والسيد الاصفهاني، وحلقة الشيخ البلاغي في التفسير.
سافر عام 1353 هـ إلى سورية وبقي فيها سنتين اجتمع فيها بكبار علمائها وأدبائها وكانت له معهم مناظرات أدبية وعلمية.
ارتأت وزارة العدل تعيينه قاضيا للشرع في محاكم العراق بتاريخ 23 جمادى الثانية 1367 فتولّى القضاء في العمارة ثم البصرة.
أجازه جمع من العلماء في مقدمتهم السيد محسن الامين، وأجازه برواية الحديث جمع من الاعلام كالسيد أبي تراب الخوانساري، والميرزا النائيني، وآغا بزرگ الطهراني، وغيرهم مما ينوف على العشرة، له عدّة مؤلّفات هامّة.
توفّي في النجف الاشرف عام 1397 هـ/ 1977 م.
وله في ولادة الامام علي (عليه السلام) وقد شاركه النظم صديقه الشيخ محمد علي الاردوبادي:

أيا كعبة البيت الحرام لك البشرُ * * * فقد فاق أطباق السماء بك البدرُ
وأضحى لامر الله فيك خليله * * * يجدد ما أوهى بحدثانه الدهر
هلمَّ معي يا صاح في (رجب) الهنا * * * الى البيت حتى يستبين لك الامر
أتت فاطم بنت العلى وهي حامل * * * بخير جنين ضمَّه الجنب والصدر
فقالت إذاً يا كاشف الضر والاذى * * * ومن بيدي سلطانه الخلق والامر
فبينا تناجي ربها بدعائها * * * وملء حشاها خشية الله والذعر
وإذ بجدار البيت مبتسماً لها * * * بثغر لفرط البشر أصبح يفتر
وموسى كليم الله أظهر معجزاً * * * بضرب عصاه البحر فانفلق البحر
وأحمدٌ المختار طه نبينا * * * أشارَ بكفٍّ منه فانصدع البدر
فلا غرو إن شقَّ الجدار لفاطم * * * وفي طيّها سرٌّ يَحارُ به الفكر
وأوسع بيت الله بالشوق حجره * * * ليحضن مولود العلى ذلك الحجر
فقرَّت به عيناً وقيل لها ادخلي * * * ليرفعَ عن لبّ الهدى هاهنا القشر
فحلَّت ببيت الله ضيفاً لربها * * * وللضيف حقٌّ لازمٌ حيثما يعرو
وإذ دخلت بالبيت أرأبَ صدعه * * * وعاد بأمر الله في كسره الجبر
فجاءت لها حور الجنان خوادماً * * * وجاءت من الافلاك أملاكها الغر
وأولد شخص (المرتضى) فتبلَّجت * * * أسارير وجه الدين وابتسم الثغر
غدا الركن يسعى نحوه لاستلامه * * * وطاف به البيت المحرَّم والحجر
وأضحى وليد البيت لله ساجداً * * * وذاك لما أسداه خالقه شكر
تلا الصحف الاولى وقرآن أحمد * * * فماست له فخراً وباهى به الذكر
ألا مَن يباري حيدراً بفضائل * * * تقاصرَ عن إحصائها العد والحصر
فهل غيره بالبيت كان ولاده * * * وذلك فضلٌ في علي له قصر
ولسنا نرى فخراً بذاك لحيدر * * * بل الكعبة العلياء حلَّ بها الفخر
هل الدرُّ بالاصداف يكسب مفخرا * * * أم الفخر للاصداف حيث بها الدر
عليٌّ وصيُّ المصطفى ووزيره * * * ووارثُه في الخلق والاخُ والصهر
وهل يقدر الانسان أن يمدح الذي * * * يردّد آيات الثناء له الذكر
فيا فرحةً عمَّ الانامَ سرورُها * * * وخصَّ علي المرتضى منهم البشر
إمام الورى حلف الندى علم الهدى * * * ومنهلها العذب المجاجة والغمر
هو البحر من عليا نزار فلم يكن * * * سميراً له إلاّ الاحاديث والذكر
إمام تردّى بالمكارم والتقى * * * وقد شهدت في فضله البدو والحضر
أبو حسن من ذا يدانيه رفعة * * * وأنّى وطود العلم يرجحه الذر
(علي) علا هام السما بمفاخر * * * نمتها له من قبل آباؤه الغر
فان عدَّ أهل الفضل كان إمامهم * * * وإلا فمن زيدٌ يكون ومن عمرو
لقد فاز بالقدحْ المعلّى فأصبحت * * * فضائله لا يُستطاع لها نكر

 
عبد الصاحب الخضري
(1325 هـ - 1397 هـ)

 
عبد الصاحب ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ محسن الخضري، شاعر أديب فاضل.
ولد في النجف الاشرف عام 1325 هـ/ 1907 م وترعرع فيها حيث تلمذ على أبيه في المقدمات. إلتحق بعدها بالمدارس الاكاديمية والتحق بعدها بسلك التعليم، ثم ترك مهنته والتجأ الى العمل الحرّ، وكان ولوعاً بالاناشيد والتلحين حتى أنه حاز إعجاب فيصل الاول.
وله من قصيدة في يوم الغدير تقع في مائتي بيت قوله:

بخ لولي الله خيرة هاشمِ * * * عليّ الهدى والدين مولى الاعاظمِ
قد اختاره الرحمن من بعد ما اصطفى * * * لنا المصطفى المختار من نسل آدم
هناك رسول الله حط رحاله * * * وحطت رحال المسلمين الضياغم
فشيَّد من أقتابها خير منبر * * * عليه ارتقى أرقى خطيب وقائم
وأدلى ويمناه بيسرى خليله * * * ويُومي بيسراه ويحكي بباسم
مشيراً لهم هذا علي وليكم * * * إمام به أوصى إله العوالم
خليفة حقٍّ يحكم العدل فيكم * * * ألا بايعوا بالامر أعدل حاكم
فبايعَ كلٌّ للامام مهنّئاً * * * بدون توان من محبٍّ وناقم
فأوحى الاله اليوم أكملتُ دينكم * * * لكم في أمير المؤمنين الاكارم
ومنكم على الابرار أتممت نعمتي * * * بدين إلى كل العصور ملائم

 
محمد جمال الهاشمي
(1332 هـ - 1397 هـ)

 
السيد محمد ابن السيد جمال ابن السيد حسين ابن السيد محمد علي الموسوي الگلبايگاني، عالمٌ فاضلٌ مؤلّف وشاعر، شارك في المنابر والاحتفالات والمنتديات.
ولد في النجف الاشرف سنة 1332 هـ/ 1914 م، ونشأ بها على أبيه الذي أدخله المدرسة العلوية الايرانية، ثم بدأ يتردد على الجامع الهندي فأخذ فيه المقدمات والسطوح على الشيخ المظفر وغيره، والحلقات التي حضرها في البحث الخارج كحلقة الاغا العراقي، والسيد الاصفهاني، ثم أبيه الذي أصبح احد المراجع بعد وفاة السيد الاصفهاني.
سافر إلى إيران أكثر من مرّة وتعرف إلى رجالات العلم والسياسة. وكان أحد المساهمين في جمعية المنتدى، وبعد انهيار كليتها خرج منها إلى جمعية الرابطة، وعمل بها فترةً حيث أصبح أحد الوجوه الادبيّة البارزة في الحوزة.
أجازه في الاجتهاد الشيخ العراقي والسيد الاصفهاني، وكان يقيم الصلاة في مسجد الرأس الشريف. وله كتب عدة منها اثنان مطبوعان: الزهراء، الادب الجديد، والباقية مخطوطةٌ منها: تأريخ الادب العربي، هكذا عرفت نفسي، حاشية على حاشية ملا عبد الله، حاشية على المطول، حاشية على الكفاية، حاشية على الرسائل، حاشية على المكاسب، رسائل في أهم المباحث الاصولية، توفي عام 1397 هـ/ 1977، وطبع ديوان شعره مؤخّراً.
له، وعنوانها «ملحمة بدر الكبرى» قوله:

هتفت يثرب برمز الجهادِ * * * فتبارت فرسانها للطرادِ
ومشت حيث ضمها المسجد السا * * * مي جلالا بخشعة واتئاد
ساد فيها السكون لما علا طـ * * * ـه نبي الهدى على الاعواد
راية الحمد ظللته فأمسى * * * يتهادى في ظلها المياد
تحتها فارس تجلل بالنو * * * ر فشعت منه الربى والبوادي
النبي الهادي الذي قاد بالاعـ * * * ـجاز للحق موكب الاباد
وعلي على اليمين وقد ظلـ * * * ـله في لوائه المتهادي
صهره وابن عمه من فداه * * * (ليلة الغار) فهو أعظم فادي
هاج وادي القرى وماجت قريش * * * تتهيا للحرب في كل وادي
ومطت للكفاح حيث التقت في * * * (سفح بدر) مع النبي الهادي
وهناك السيوف غنت نشيد الـ * * * ـمجد حتى هزت قدود الصعاد
ألبراز البراز صوت تعالى * * * رددته السهول للاطواد
وعلا صوت (حيدر) بطل الاسـ * * * ـلام للحرب والصراع ينادي
وجم الجيش هائباً من صراع * * * فيه خارت عزائم القواد
فانثنى هارباً وأبقى لجيش الـ * * * ـلّه غنماً يربو على التعداد
وله، وعنوانها «عيد الغدير» قوله:
حسرت عن جمالك الابصارُ * * * واختفت في جلالك الاعصارُ
أي سحر هواه معناك حتى * * * وقفت دون سره الافكار
بات فيك الزمان ما بين شك * * * ويقين ماذا يضم الستار
راح يخفي العدو فضلك جهلا * * * ويح إدراكه، أيخفى النهار
وغلا العاشق المضلل حتى * * * قال ما فوق قدره مقدار
بَيدَ أَني أراك للحق ميزا * * * ناً تساوت في عينه الاقدار
عد على المسلمين بالخير يا عيـ * * * ـد فبالشر تطفح الاقطار
فيك فجر الهدى أطل فشعت * * * من سناه الانجاد والاغوار
أمك الحق ظامئاً فرواه * * * بالاماني (غديرك) الفوار
وأقام الاسلام فيك كياناً * * * ينمحي الدهر وهو لا ينهار
نزل الوحي في رباك عليه * * * واستبانت لعينه الاسرار
واعتلى يخطب الحجيج وما المنـ * * * ـبر إلاّ الحدوج والاكوار
فأحاط الجمهور بالوحي علماً * * * وعليه سكينة ووقار
وبأمر الاله صار علي * * * ملكاً إذ عنت له الامصار
بايعته المهاجرون ونادت * * * باسمه في جموعها الانصار

وله من قصيدة أيضاً:

ذكرى لها نفسُ الشريعة تجزعُ * * * وأسىً له عينُ الهداية تدمع
رزءٌ له الاسلام ضجَّ وحادثٌ * * * من وقعه قلبُ الهدى يتصدَّع
أدرى ابن ملجم حين سلَّ حسامَهُ * * * للفتك بالايمان ماذا يصنع
أردى به التوحيد في ملكوته * * * فالعرشُ مما قد جنى متفجّع
أردى به الاسلام في توجيهه * * * فشعاعُهُ بدمائه متبرقع
يا فتكة جبارةً لم تندمل * * * أبداً وغُلَّةَ واجد لا تنقع
الدين من جرَّائها متزلزلٌ * * * والحقُّ من نكبائها متزعزع
صُمَّت لها أُذُنُ الحوادث دهشةً * * * وتلجلج التاريخ وهو المصقع
جُرحٌ أصاب الطهر في محرابه * * * من وقعه قلب الهدى يتوجع
لاقى الاله وذكره بلسانه * * * ومضى اليه ساجداً يتضرّع
بين الصلاة وتلك ارفع شارة * * * يقضي شهيداً بالدماء يلفّع
ونعاه للملا المقدس صارخاً * * * جبريل قد مات الامام الاورع
وتهدمت في الارض أركان الهدى * * * فكيانُهُ من بعده متضعضع

وله كذلك:

أيُّها الليلُ الذي أوصافهُ * * * فوق ما يرسمُ منا القلمُ
ما الذي تخفيه يا ليل ففي * * * وجهك الكالح رعبٌ مؤلم
وإذا الصرخة تعلو بغتةً * * * وإذا المحراب يغشاه دم
أيها المجرم هل تعلم ما * * * ارتكبت نفسك أو لا تعلم
هل درى سيفُك في ضربته * * * هدم الطود الذي لا يُهدم
وَجَمَ الايمانُ منها فزعاً * * * وتلاشى في لهاه النغم
وهوى الاسلامُ منها خائراً * * * وانبرى موكبُهُ يستسلم
والصلاة انهدمت أركانها * * * بعدما طاح العماد الاعظم
والجهاد انغلقت ابوابُهُ * * * بعدما فُلَّ الحُسامُ المخذم
والكتاب التبست آياتُهُ * * * بعدما جفَّ البيان المحكم
والضمير انهارَ لما سقطت * * * قيمٌ فيها تقوم الشيم
أيها الفجر الذي آلاؤهُ * * * لم تزل في كلِّ جوٍّ تبسم
عميتْ عنك عيونٌ كُحلتْ * * * ضوؤها في مروديه الظُلَم
زحفت أوغادها ناقمةً * * * ومن الفجر انبرت تنتقم
أطفأتْ شعلتَهُ في ضربة * * * في ضمير الحقِّ منها ضَرَم
سفكت فيها دماً لمّا يزلْ * * * مائراً تيارُهُ يحتدم
شرحت تاريخ جيل ركبُهُ * * * حفّزتهُ للصعود القمم
ضربةُ المجرم رمزٌ ملهبٌ * * * وشعارٌ فيه رفَّ العلم
أيُّها الدمع انسجم في ليلة * * * مدمعُ الحقِّ بها منسجم
فالامامُ المرتضى محرابُهُ * * * مائجٌ في دمه ملتطم
وأمينُ الله في لاهته * * * نادبٌ يقطرُ من الالم
هُدمت والله أركان الهدى * * * وعُرى الحقِّ غَدت تنفصم

وله أيضاً:

عيد، ويومُك للعواطف عيدُ * * * فيه لكل قريحة تغريد
يومٌ ابانك للوجود كأنما * * * فيه أفيض على الوجود وجود
ما كنت الا الفجر فاجأ أُمةً * * * غمرت عوالمها ليال سود
بك يبتدي التأريخ تاريخُ السما * * * وإليك موكبه السعيدُ يعود
البيتُ بيت الله جلَّ جلالُه * * * لا، ما بنته قُضاعة وزبيد
هو مقصد الارواح حين عُروجها * * * للحق يحدو ركبَها التجريد
يسعى له التسبيح وهو مطأطئ * * * ذُلاً، ويلثمُ ساحَه التحميد
هو رمز معنىً لا يُحيط بكُنهه * * * لفظٌ، أشارَ لافقه التوحيد
بيتٌ يطوفُ به الخلود مُدلّها * * * فله رُكوعٌ حوله وسجود
الله قدّس ساحتيه، فما حوى * * * إلا الجلالَ فضاؤه الممدود
غفلت فهامت مريم مطرودة * * * منه وضاع مَقامها المحمود
وولدت فيه، فأيُّ سرٍّ كامن * * * بك قد تقدّس سره المولود
بشر باُفق الله يبزغُ نجمُه * * * فشُعاعُه من نوره موقود
سُبحان مجدك ينتمي لاواصر * * * بالله حبل نظامها مشدود
لاغرو أن عبدتَكَ منهم فرقة * * * فجمال وجهك للهوى معبود
مولاي هَبْ لي من رحيقك جُرعةً * * * يقوى به تفكيري المكدود
فالحادثاتُ وما أمضَّ هجومها * * * أبلت قواي فعالمي مهدود
ويكاد لولا إنَّ لُطفك عاصمي * * * ينحلُّ حفل جهادي المحشود
فإذا نظرت الى حياتي رحمةً * * * سعُدت وأمرع حقلها المخضود
ورجعت يصحبني النجاح بموكب * * * في جانبيَّ لواؤه معقود

وله أيضاً:

طافَ كالحُلم في ضمير العصورِ * * * واعتلا كالشُعاع فوق الاثيرِ
وتجلّى كالفجر فاستقبلَته * * * بالتهاني مواكبُ التكبير
رددته الاجيال فاخترق التأ * * * ريخ يطوي الدهور بعد الدهور
ولدته عناصرُ العالم الاعـ * * * ـلى وربّته أُمهات النور
هو صوت الحياة طاف على الكو * * * ن بروح علويّة التأثير
ردّدته قيثارة الله وحياً * * * عبقريَّ الخَيال والتصوير
يُلهم الانبياء معجزةَ الرو * * * ح فيُبدي للعين ما في الضمير
هو سرُّ الاسرار أظهره اللـ * * * ـه لنا من حِجابه المستور
وانبرى يعبر العُصور الى أن * * * بلغ القصد وانتهى بالمسير
كم طوى البحر من قرون وأجيا * * * ل إلى أن سما ليوم الغدير
أكمل الله سُنّة الخلق فيه * * * وانتهى من كتابه المسطور
وعلا ذلك النداء وقد كا * * * ن خفيّاً في العالم المستور
وتلاقى النوران في الاُفق النا * * * ئي فشعّت عوالم الديجور
وسما البدر بالشعاع، فلا تُبـ * * * ـصر إلا نوراً سما فوق نور
منبرُ الحقِّ كان من حدق الشهـ * * * ـب وما كان من حدوج وكور
عانق الروح جسمه فهما في * * * نشوة الوصل والتذاذ السرور
ووفود الحجيج في غفوة الوحـ * * * ـي ترى اللُبَّ من وراء القشور
نسمات الجنان قد أسكرتها * * * فهي لم تلتفت للفح الهجير
ونداءُ السماء اشغلها عن * * * زعقات الحادي وهمس الخفير
منظرٌ هائلٌ يحارُ به اللـ * * * ـبُّ وتنهدُّ قوة التفكير
وكلام تعيه بالروح حين الـ * * * أُذن صُمّت من روعة التعبير
يرفع المصطفى علياً، لكي يكـ * * * ـشف فيه عن فضله المستور
رامزاً أنه عن الناس أسمى * * * رتبةً في جهاده المشكور
إنَّ فعل النبي أفصح من أن * * * يلجأ المستريب للتفسير
فهو يغني الجمهور عن نغمة الوحـ * * * ـي وتوقيعها على الجمهور
قُل لمن يستجير باللفظ هذا الـ * * * ـفعل يلغي مكائد المستجير
إنما الوحيُ كان للفعل تأكيـ * * * ـداً وللقول لذّة التقرير
توّج المصطفى عليّاً فأمسى * * * ملكاً للهدى بأمر القدير
فأعيدي يا ربّة الشعر ذكرا * * * ه وثرْ حافلاً به يا شعوري

 
بولس سلامة
(1320 هـ - 1399 هـ)

 
هو بولس سلامة، من لبنان مسيحيٌّ أديبٌ كاتبٌ شاعرٌ فاضل نشأ في بلده، وتلمذ على جملة من ادباء عصره لا سيما النصارى منهم، وقد تدرّج حتى أصبح أحد المشار اليهم بالبنان، أمّا مشاركاته في الحياة العامّة فهو قاضي بيروت المسيحي لفترة اضافة الى أعمال أخرى تردّد فيها، ويغلب على ادبه عامّة والشعريّ خاصّة قوة السبك وروعة التخييل ونحت المفردات.. وله ملحمة عيد الغدير وعلي الحسين ومؤلّفات اخرى.
ولد عام 1320 هـ/ 1902 م وتوفي بعد مرض عضال في 1399 هـ/ 1979 م.

 

مولد عليّ (عليه السلام)

 
وله من قصيدة في ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:

سمع الليل في الظلام المديد * * * همسةً مثل أنة المفؤود
من خفيّ الالام والكبت فيها * * * ومن البشر والرجاء السعيد
حُرَّةٌ ضامها المخاض فلاذت * * * بستار البيت العتيق الوطيد
صبرت فاطم على الضيم حتى * * * لهث الليل لهثة المكدود
وإذا نجمة من الافق خفَّت * * * تطعن الليل بالشعاع الجديد
وتدانت من الحطيم وقرَّت * * * وتدلت تدلّيَ العنقود
تسكب الضوء في الاثير دفيقاً * * * فعلى الارض وابل من سعود
بَسِمَ المسجد الحرام حبوراً * * * وتنادت حجارهُ للنشيد
هالت الامّ صرخةٌ جال فيها * * * بعض شيء من همهمات الاسود
دعت الشبل (حيدراً) وتمنت * * * وأكبت على الرجاء المديد
(أسداً) سمّتِ ابنها كأبيها * * * لبدة الجد اهديت للحفيد
بل (علياً) ندعوه قال أبوه * * * فاستفزَّ السماء للتأكيد
ذلك اسم تناقلته الفيافي * * * ورواه الجلمود للجلمود
يهرم الدهر وهو كالصبح باق * * * كل يوم يأتي بفجر جديد
وحبا الطفل نابهاً هاشمياً * * * خصب عقل وساعدٌ من حديد
ورآه النبي كنزاً صغيراً * * * طلعة الليث في بهاء العيد
بُدّل (القاسمَ) الفقيدَ عليّا * * * بدّل الدرَّ طارفاً بتليد

 
فجر الاسلام

وتلا زوجة النبي عليّ * * * بكرُ من آمنوا وبكر الخلود
أول المسلمين لله طوعاً * * * بكره عند حوضه المورود
وأبوه الحامي الرسول من العد * * * وان والبطش والردى والوعيد
إذ تداعت قريش للغدر كالعقـ * * * ـبان تسطو بالبلبل الغرِّيد
يا أبا طالب يقولون أفسح * * * بين أسيافنا وعُنق المريد
نزلت آية تقول ألا اصدع * * * واتلُ إنذار خالق لعبيد
ودعا السمحُ أهله لطعام * * * جاد فيه الكريم بالمجهود
ودعاهم لله، للنور، للجنـ * * * ـات خضراً على الزمان الابيد
لم تحرك يد ولا اهتز طرف * * * أو لسان يهم بالتأييد
كلهم غير واحد تتشظى * * * بين جنبيه جمرة الصيهود
قال: إني لها، وإن كنت غضّ الـ * * * ـعمر، فالسيف للعتاة بريدي
وأعاد النبي حرَّ دعاء * * * لم يحرك سوى جنان الودود
نجدة الدين والمروءات والاخـ * * * ـلاق وقف على الهمام النجيد
وإذا بالنبي يرسل قولاً * * * رنَّ في مسمع الزمان البعيد
أنت مني ووارثي ووزيري * * * وعلى الحوض أنت بكر شهودي
يا علي العصور نسر قريش * * * رافع السيف والقنا والبنود
إنك البكر في الشهادة والاخـ * * * ـلاق والعلم والفعال الحميد

 

هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

 
وله من قصيدة في هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء فيها:

واستبدت بالمسلمين الدوائر * * * فاستطار الردى وعزّ الناصر

إلى أن يقول:

مات عم النبي ليث البوادي * * * شيخ أُمّ القرى وشيخ الحواضر
فمضى الشر ينحر الخير نحراً * * * وتبارت إلى الحمام الكواسر
بيَّتوا للنبي ميتة غدر * * * تحت سدل من عتمة الليل ساتر
واستنابوا لصرعة الليث ختلا * * * عصبة مثلت شتيت العشائر
واطمأن القنَّاص فالصيد باق * * * ولقد بات في الحبالة طائر
يا ذئاباً حول العرين تعاوت * * * إن مِلءَ العرين ليثاً خادر
لفَّ بردُ النبي صدرَ عليّ * * * فالاطار السنيُّ ضمَّ المفاخر
هو ملء الثوب العظيم، وطه * * * ملء جفنيه والنهى والمشاعر
هو يفديه بالحياة ويرضى * * * ألف موت به لو الله ناشر
كلما عاش مرة مات أخرى * * * باسمَ الثغر باسمَ الوجه شاكر
رقد الليل ناعماً بفراش * * * حشوه الموت فالوساد مخاطر
بات فوق الخناجر الزرق ليث * * * دون أظفاره رهيف الخناجر
إن ينم في مضاجع الموت حبّاً * * * بالنبي العظيم فالله ساهر
لوّح الصبح وانجلى عن هصور * * * ثابت البأس مطمئن الناظر
درعه الحق واليقين وقلب * * * بالمروءات كالخضمِّ الزاخر
حبّهُ الموت هالهم فتواروا * * * كالخفافيش في ضياء باهر

 

هجرة علي (عليه السلام)

 

هزَّه الشوق للنبي فشدَّ الـ * * * ـعزم يهفو إلى جُماع المآثر
صابر في العذاب والجوع حتى * * * عجب الفقر من تقشف صابر
فيناجي السهى يصعِّد في الاجـ * * * ـواء طرفاً، يشق ستر الدياجر
إن هذا الصمت الرهيب لقدسٌ * * * يغسل المرء بالعذاب الصاهر
فالخطوب الجسام والالم الممـ * * * ـدود وحي مطهر للضمائر
فإذا كان طاهراً كعلي * * * شدّ لله قلبه بأواصر
يذكر الله بكرة وعشياً * * * ويصلي في كل ومضة خاطر
فالمناجاة والصلاة عطور * * * تتعالى إلى السماء مباخر
يا رمال الصحراء هذا عليّ * * * فاملئي الدرب والضفاف أزاهر
هو بعد النبي أشرف ظلّ * * * لاح في السَّبْسَبِ الحليّ مهاجر
حمِّلي أجنُح الاثير نسيماً * * * من جفون الاسحار ريان عاطر
وليفض صدرك المعبِّس واحاً * * * باسماً بالرطيب في وجه عابر
تسرح الرئم حوله والحباري * * * والنعامات والمها والجآذر
وابسطي حوله الزنابق فرشاً * * * وانشري فوقه الغمام مقاصر
كل ما تبلغ الرؤى من جمال * * * فَتَّحتْ افقه أمانيُّ شاعر

 

عليّ (عليه السلام) في يثرب

 
وحول وصوله إلى مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) يعرّج قائلاً:

تعب القفر من أناة الساري * * * إذ أتى النسر ساحة الانصار
وأبى أن يكون ضيفاً فراح الـ * * * ـليث يرتاد مهنة الاكَّار
يَغرس النخل عاملاً ويخلّي * * * للعشاء الهزيل أجر النهار
ويعود المساء والصدر يشكو * * * عَرَق الكدّ لاصقاً بالغبار
حسبه الدرهم الرخيص فلم يحـ * * * ـلم عليٌّ بصفرة الدينار
تحمل الرفش كفه وهي كفٌّ * * * صاغها الله للشؤون الكبار
لليراع النضير للخيل تجري * * * للقناة السمراء للبتَّار
فهي محق للغادرين وحرب * * * وبلاء يُحيق بالاشرار
تسكب الموت والصواعق وبلاً * * * فتميد الغبراء بالفجَّار
أيّ كفّ من جبهة الصخر قدّت * * * هي أسطى من صولة الاقدار
حسبها أن تسلَّه مشرفيا * * * فتطل المنون من ذي الفقار
قل: هو الله أكبر إن سيف الـ * * * ـلّه يزهو بفارس من نزار
مدّ في رفرف الخلود جناحاً * * * يُلبس المسلمين هالة غار
تلك كفّ لم يعلق اللؤم فيها * * * فتسامت عن الهوى والصغار
إنها الشمس في الضحى لم تدنّس * * * يعصم الله أن تهمّ بعار
يبذل المال لليتامى فقير * * * ويلفُّ العطاء بالاستار
من يجد من خصاصة مستجنّاً * * * فالعطايا هدية للباري
تلكم الكف تسطر الوحي فالقر * * * طاس كون يشع بالانوار
بينها (النجم) (والضحى) (وبروج) * * * (وانشقاق) يجيء بعد (انفطار)
هذه الكف للمعارف باب * * * مُشرع من مدينة الاسرار
لم يؤاخِ النبيُّ غير علي * * * حفنة التبر أدمجت بالنضار
حسدٌ جال في الصدور وهمس * * * وعيون في حيرة وازورار

 

بـدر

 
وله معرّجاً على موقعة بدر قوله:

حَمل الليل من صميم الدعاء * * * ما أهاج الحزون في البيداء
أحمد الساهر الوحيد يصلي * * * يغرق الخوف في صباح الرجاء
«يا إلهي اكفني قريشاً» وألبس * * * أرض بدر مطارف الخيلاء
ودعا (بالعقاب) رايته السو * * * داء منسوجة بكف الضياء
واصطفى حيدر الهصور علياً * * * فلواء يعتز فوق لواء
جال في حومة البراز عليٌّ * * * جولة الليث في قطيع الشاء
لا يدانيه في الصيال كميّ * * * غيرُ عَمٍّ موكل بالفناء
اسد الله (حمزة) لا يبالي * * * بالمنايا فالترس حلي نساء
يخسف السهل والجبال ويبقى * * * وعيه الفَذّ في السنا والصفاء
يسحب السيف ذا الفقار رهيفاً * * * ويُدوّي بالضربة العصماء
لمعة البرق في السحاب ورعد * * * وقتام ينجاب عن اشلاء
صامتٌ في الطعان صمت رياح * * * منذرات بالعصفة الهوجاء
أعمل الفتكَ في أميّة حتى * * * تخم السيف من سموم الرياء
حنظل والوليد وابن سعيد * * * وحماة الوطيس في اللاواء
نالهم ذو الفقار نيل ضرام * * * شبّ طيّ السنابل الحصداء
وتبارى الجمعان ضرباً وطعناً * * * وانثنت كل صعدة سمراء

 

زواج عليّ (عليه السلام)


 
وله بمناسبة زواجه صلوات الله عليه قوله:

عاد إثر الوقيعة البكر ليث * * * رمقته القلوب بالايماء
سار خلف النبي غير حفيّ * * * بالرياحين في أكفّ الاماء
يلمس الدرع فيئهُ وهي كنز * * * لفقير لم يلتفت للثراء
أتراها تفي بمهر عروس * * * أتراه يُردّ ردّ جفاء
وأبوها لو رام عدل صداق * * * مال قارون ظلَّ دون الوفاء
دون ما تستحق إيوان كسرى * * * واللالي وحلية الزّباء
ولو ان الدهناء تبرٌ لكانت * * * بعض شيء بجانب الزهراء
بضعة من أب عظيم يراها * * * نور عينيه مشرقاً في رداء
جاء بيت النبي والقلب خفق * * * فهو في مثل رجفة البرداء
قال: «إني ذكرت فاطمة» وانـ * * * ـبثّ صوت مكبَّل بالحياء
فأجاب النبي: أبشر علياً * * * خير صهر مشى على الغبراء
بيعت الدرع في الصداق وزفَّت * * * لعلي سليلة الانبياء
هو خير الازواج عفَّة ذيل * * * وهي خير الزوجات من حوّاء
في نقاء السحاب خلقاً وطهراً * * * في صفاء الزنابق العذراء

 

أحُـد

 
وفي معركة أحد له:

ترك النصر في النفوس ذحولا * * * وبكاءً مضرجاً وعويلا
كلما قارب الضرام انطفاءً * * * راح (صخر) يمدّ فيه الفتيلا
زوج هند، ألدّ أعداء طه * * * وأخسّ الانام خلقاً وقيلا

إلى أن يقول:

والاحابيش من رعاع أبي سفـ * * * ـيان حلَّت في الطود حملاً ثقيلا
راية المشركين في كفّ (عبد الـ * * * ـدار) تدعو إلى البراز الفحولا
أرجف الارض (طلحة) يتحدى * * * باسطاً للنضال باعاً طويلا
وهو في زهوة الطواويس دلاّ * * * وزئير الاسود تمنع غيلا
وإذا بالذي يسابق درَّ الـ * * * ـغيث خلقاً وصارماً ومقولا
بعلي، يجري إليه سكوتاً * * * شيمة الصقر يأنف التهويلا
أوجز السيف خطبة الموت حتى * * * لم يشأ من جلاله أن يقولا
خفّ (عثمان) ثائراً لشقيق * * * ولواء لا يرتضيه ذليلا
فإذا حمزة يهزُّ قناة * * * خضبت رافع اللواء جديلا
ومضى ثالث الصريعين يهوي * * * بالردينيّ للطعان عسولا
فرماه على الرغام علي * * * فاتقاه بعورة مخذولا
عورة يكشفونها، فيغضّ الـ * * * ـطرف، ليث جاز الحياة نبيلا
وانجلى النقع عن عتاد قريش * * * سائباً والفلول تقفو الفلولا
فتعادى الرماة للغُنم والاسـ * * * ـلاب والمال يبهر الضلِّيلا
وتناسوا أمر النبي يقول: «الـ * * * ـنبل لا غيره يصُدّ الخيولا»
واستحرّ الضرابُ، وانهزم الابـ * * * ـطال، ناسين أن فيهم رسولا
وأصيب الرأس الشريف بجرح * * * لفَّه الله بالسنا منديلا
يتقيه (أبو دجانة) حتى * * * طوّق النبل رأسه اكليلا
وعليّ حاط النبي بسور * * * من رؤوس أقام منها تلولا
ثابت والجراح مدت رداء * * * من عقيق غطاه إلاّ قليلا

 

الخندق

 
وعن الخندق كتب يقول:

جمع المشركين رحب فنائه * * * حاقد ظلّ سادراً في عدائه
خالفته اليهود من كل فج * * * يبعثون الدفين من بغضائه

إلى أن يقول:

قادهم فارس يقود المنايا * * * ويثير الوطيس بعد انطفائه
راح يدعو إلى البراز فخوراً * * * كاختيال الطاووس في لالائه
بارزوني يقول هل من شهيد * * * قربته المنون من حورائه
واستعاد النبي منْ لابن ودٍّ * * * وجنان النعيم بعض جزائه
لم يجب طوع صوته غير صهر * * * يبذل الروح باسماً لافتدائه
فيقول النبي لا! ذاك عمرو * * * هو نار الجحيم عند التظائه
قال: إني له وإن كان عمرواً * * * وغلى كالهجير عند اصطلائه
وانتضى ذا الفقار سيف خلود * * * لم تزل زرقة السماء بمائه
يا إلهي هذا أخي وابن عمي * * * فليكن نصره جزاء وفائه
«لا تذرني فرداً فغب (عبيد) * * * (حمزة) الليث غاب قبل مسائه»
ومشى حيدر يروم هصوراً * * * يلتوي الاخشبان قبل التوائه
أيها النسر دونه كل نسر * * * ليس غير النجوم في أجوائه
جلجلت فيك روح عبد مناف * * * (وقصيّ) و (غالب) من ورائه
فاذا بطشه رماد وذلّ * * * وعيون تبكي على أشلائه
كبّر المسلمون لما رأوه * * * جبلاً ماد في خضيب دمائه
ضربة ذكرها يظل فتياً * * * بعد موت الزمان بعد فنائه
هابها الضيغمان كسرى وروما * * * وتغنى الحادي بها في حدائه

 

خَيْبَر

 
وعن وقعة خيبر أنشأ يقول:

قلعة السهل يا مطلّ الغمائم * * * ومقر الخنى وكهف المآثم

حتى يقول:

والمغيرون لا حصون تقيهم * * * غير بيض الظبى وسمر اللهاذم
ويهودٌ ترميهم بصخور * * * صاعقات تنقض من كف راجم
أعجز المسلمين خصم عنيد * * * إنه في السحاب في حصن (ناعم)
كل يوم يُعطى اللواء عقيد * * * فيعود المساء والوجه ساهم
قائد تلو قائد يتولى * * * واللواء الحزين كالقبر جاهم
واذا بالرسول يرفع طرفاً * * * ويشق السكوت لمعة صارم
قال إني غداً سأعطي لوائي * * * رجلاً راح مفرداً في الاوادم
قد أحب الاله حتى كأن الـ * * * ـلّه في قلبه خفوق ملازم
وأحب الرسول حتى تحدى * * * كل ما ضمَّت الدنى من عوالم
وهو حبّ الرحمان وهو حبيبي * * * قاسم مات فهو عندي قاسم
بطل لا يفرّ لو فرّ (رضوى) * * * ويصيد الرئبال والليث آجم
فاشرأبت آمالهم وتمنى * * * كلهم أن يكون ذاك الضبارم
فاذا أصبح الصباح تلاشت * * * وأباد الضياء أضغاث حالم
ودعا أحمد عليّاً وقال: الـ * * * ـيوم يوم اللواء، يوم العظائم
وعلي لا يهتدي لطريق * * * أرمد العين، أحمر الجفن، وارم
لامست إصبع النبي جفون الـ * * * ـنسر فالطرف كالمهند حاسم
وحباه سلاحه ذا الفقار الـ * * * ـعضب يهوي على الجلاميد فاصم
ويقول النبي: بشراك فاهنأ * * * سيد العرب لا يضيرك هاجم
ومشى كاشف الكروب وثُوبَ الـ * * * ـليث يجري وراء خيط النعائم
فاذا (حارث) يصدّ عليّاً * * * بحسام كالموت أحمر جاحم
لم تكن غير ضربة وتردى * * * (حارث) كالبناء وهن الدعائم
فأتى (مرحب) أخوه يثير الـ * * * أرض رعباً والجو رجع زمازم
ثم أهوى بضربة لعلي * * * فأطار المجنَّ من كف خاطم
واذا بالامير يخلع بابَ الـ * * * ـحِصن ترساً ويتَّقي ضرب قاصم
هو باب الحديد كالطود ثقلاً * * * محكم السبك كالصخور الصلادم
وكوى ذو الفقار كفّ علي * * * يهتف: اضرب فليس حدي براحم
فلق العضب هامة سيَّجتها * * * خوذة فوق صخرة وعمائم

 

وادي الرمل والطائف وزبيد

 وعن موقعة وادي الرمل التي هي من المعارك الهامة في حياة الرسالة، يقول:

أمن المسلمون شر الجوار * * * فاستناموا لهدأة الاقدار

حتى يقول:

جاء من أنبأ النبي بأن الـ * * * ـنار مدت لسانها لاستعار
(فسليم) تروم يثرب تلاًّ * * * من رماد يروي نشيد الدمار
وسليم في بطن واد كعمق الـ * * * ـخبث في صدر حاسد غدَّار
ودعا للصلاة أحمد يبغي * * * قبل رأي العبيد نور الباري
علم الجمع بالذي كان فاشتا * * * قت نفوس لرنَّة البتار
يتوالى قوادهم في السرايا * * * ويعودون خضَّع الانظار
أين من يكشف الخطوب إذا ما * * * لبس المسلمين ذل انكسار
فدعاه النبي فافتر بشراً * * * وأتى الزوج يبتغي ذا الفقار
ناوليني عصابة الموت إني * * * سألاقيه كالمهند عاري
صنه يا رب إنه زوج بنتي * * * وابن عمي ووالد لصغاري
هكذا قال أحمدٌ وعلي * * * قد أعدَّ الخطَّاف للاعمار
أعلموا الخيل قال للصحب ثمّ انـ * * * ـقض كالصقر والشهاب الساري
أوطؤوها صدور قوم سليم * * * وانجلى النقع عن محاق السرار
أعلم الله عبده فتهامت * * * سورة (العاديات) بشرى انتصار
دوّن المصحف المجيد علياً * * * قبلما فضّ خاتم الادهار
فهو في رفرف البطولة رأس * * * وعظيم في رفرف الابرار
هبّ طه وصحبه للقاء الـ * * * ـنسر يأتي مجلّلا بالفخار
فتهاوى الامير فرط حياء * * * أين منه خفارة الازهار
«ويقول النبي»: إركب فان الـ * * * ـلّه راض عن حيدر كرّار
«وأنا من علمت حباً وقربى» * * * فبكى الليث، دمعة استعبار
واجباً للفتوح كان علي * * * كوجوب الغيوم للامطار

 

وعن وقعة الطائف كتب يقول:

زف للموت (نافعاً) (وشهاباً) * * * طائفيَّين في جلود النمار

وعن غزوة زبيد أنشد:

هو من ردّ للرشاد (زبيداً) * * * وهي في مثل سكرة الاغرار
ساقها للغرور عمرو بن معدي * * * كرب ليث الفلا وعزِّ الجار
قال: يا قوم إنني لعليٍّ * * * سوف يدري مخالب الزؤآر
ودعا للبراز وهو كحرف الـ * * * ـطود ثاو على جواد مثار
جاش في صدر خالد بن سعيد * * * نخوة ترتمي على الاخطار
بأبي أنت يا علي فدعني * * * ألتقيه فلست بالخوّار
فأجاب الامير كلا فهذا الـ * * * ـليث ضار محدّد الاظفار
وأتاه كالطود يهدر بالنيـ * * * ـران مدت لسانها لانفجار
صيحة تصدع الجبال فولى * * * عمرو منها كالزئبق الفرار

 
 

حُنَيْن

وقد عرّج على حنين فقال من ضمن ما قال:

أكبرته (هوازنٌ) صنديدا * * * فتلاقت على (ابن عوف) عميدا

إلى أن يقول:

فإذا بالكمين ينقضّ خلف الـ * * * ـجيش كالريح تهصر الاملودا
يرسل الموت مشرعاً في سهام * * * كشرار الجحيم حمراً وسودا
كان جيش الاسلام عقداً نظيماً * * * مزقته النكباء حبّاً بديدا
والنبي العظيم لولا عليّ * * * وبنو هاشم لظلّ وحيدا
تسعة حول أحمد حضنوه * * * مثلما تحضن الضلوع الكبودا
فأبو جرول عديل (دريد) * * * كان كالحصن بالحديد مشيدا
فأتاه (ابو تراب) فمال الـ * * * ـطود في دمّه يخضَّب جيدا
ومشى ذو الفقار يلتهم الاتـ * * * ـراس برْياً والجوشن المسرودا

 

أهل البيت (عليهم السلام)

 
ومن قصيدة بعنوان أهل البيت كتب يقول:

عترة الطهر يا ورود الخمائل * * * عطّري الجو بالشذا والفضائل
يا شروق الانوار في غيهب الاز * * * مان ظلَّت على العصور مشاعل
ايها المركب القويّ شراعاً * * * سر على البحر لو تعالى جحافل
قال طه: تركت فيكم كتاب الـ * * * ـلّه بعدي واهل بيتي وسائل
«فاحفظوني في عترتي أهل بيتي» * * * يحفظ الكف من احب الانامل
سبَّني من يسبُّهم ورماني * * * من رماهم فالقلب أوحد كامل
فبهم أبهل الخصوم وما في الـ * * * أرض من يقرب العرين مباهل
جمع الله خمسة في كساء * * * ليس فيه إلا الجسوم فواصل
وعليّ مني كهارون من مو * * * سى ولكن من النبوة عاطل
«إنه الباب في مدينة علمي» * * * وهو أتقى من شرّف الارض ناعل
«لو مشى الناس وادياً وعليّ * * * وادياً فاتَّبع صراط العاقل»
رأيه حكمة السماء ونبع الـ * * * ـحق فانزل على صفيّ المناهل

 

يوم الغدير

عاد من حجة الوداع الخطير * * * ولفيف الحجيج موج بحور
لجة خلف لجة كانتشار الغـ * * * ـيم صُبحاً في الفدفد المغمور

إلى أن يقول:

بلغ العائدون بطحاء (خمّ) * * * فكأن الركبان في التنُّور
عرّفوه غدير خمّ وليس الـ * * * ـغور إلاّ ثمالة من غدير
بلغوه لا يحمدون مقيلاً * * * بل يحثُّون نوقهم للمسير
وإذا بالنبي يرقب شيئاً * * * وهو في مثل جمدة المسحور
جاء جبريل قائلاً: يانبي الـ * * * ـلّه بلّغ كلام رَبّ مجير
أنت في عصمة من الناس فانثر * * * بيِّنات السماء للجمهور
وأذعها رسالة الله وحياً * * * سرمدياً وحجة للعصور
ودعاهم إلى السماع مناد * * * فاستجابوا رجع النداء الجهير
حسب طه إيماءة وتكرّ الـ * * * ـناس كالِهيم أحدقت بالنمير
هيبة لم تكن لقيصر روما * * * ونفتها الايام عن أردشير
ما دعاهم طه لامر يسير * * * وصعيد البطحاء وهج حرور
وارتقى منبر الحدائج طه * * * يشهر السمع للكلام الكبير
أوَلا تشهدون أن لا إله * * * غير ربٍّ فرد رحيم غفور
وبأني عبدٌ له ورسولٌ * * * لم يقصِّر في النصح والتبشير
فأجابوا: بلى فقال: إلهي * * * أنت فاشهد لعبدك المأمور
أيها الناس انما الله مولا * * * كم ومولاي ناصري ومجيري
ثم إني وليُّكم منذ كان الـ * * * ـدهر طفلاً حتى زوال الدهور
يا إلهي من كنت مولاه حقاً * * * فعليٌ مولاه غير نكير
يا إلهي والِ الذين يوالو * * * ن ابن عمي وانصر حليف نصيري
كن عدواً لمن يعاديه واخذل * * * كل نكس وخاذل شرير
قالها آخذاً بضبع علي * * * رافعاً ساعد الهمام الهصور
راوياً للزمان فضل علي * * * باسطاً للعيون حق الوزير
حيدر زوج فاطم وأبو السبـ * * * ـطين، والرمح يوم طعن النحور
وأمير الزهّاد قبلاً وبعداً * * * حسبه في الطعام قرص الشعير
بثّ طه مقاله في علي * * * واضحاً كالنهار دون ستور
فأتاه المهنئون عيون الـ * * * ـقوم يبدون آية التوقير
جاءه الصاحبان يبتدران الـ * * * ـقول طلاّ على حقاق العبير
«بتّ مولىً للمؤمنين هنيئاً * * * للميامين بالامام الجدير»
عيدك العيد يا علي فان يصـ * * * ـمت حسود أو طامس للبدور
تنطق البيد ناثرات على الصحـ * * * ـراء وشياً من كل زهر نضير

 

وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

 
ثم كتب عن وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:

دبّ وهن الفناء في جسم طه * * * فالنبي العظيم بات عليلا
ورآه العبّاس كالشمعة الصفـ * * * ـراء يذوي ويستدقّ نحولا
فدعا سيّد العرين علياً * * * وأسرّ الكلام همساً ضئيلاً
يا حبيب النبي شمتُ خيال الـ * * * ـموت في جبهة النبي نزيلا
أحمد جاوز الاصيل وأشفى * * * وتحسستُ حوله عزريلا
أقبل الوامق الحزين عليّ * * * مشية العبد راسفاً مغلولا
فحباه النبي خاتمه العلـ * * * ـويّ قدراً والمستحيلُ عديلا
وحباه حمائل السيف، فوق الـ * * * ـختم رمزاً لا يقبل التأويلا
وأحست جزيرة العرب أن الـ * * * ـبدر يمشي في جوّها مشلولا
وعلي وقد تمرّس بالا * * * فات حتى يرى الاشمّ هزيلا
لم يرعه إلاّ الرسول يوارى * * * لم يرعه إلاّ التراب مهيلا
وحثت فاطم التراب وداعاً * * * واكبَّت على الثرى تقبيلا
وتوالت تحت السقيفة أحدا * * * ثٌ أثارت كوامنا وميولا
وانجلت عن ضياع حق وليٍّ * * * كان إلاّ عن حزنه مشغولا
وتعيد الاصنام دولة عزّ * * * ويعود الشرك المزمجر غولا
ويموت الاسلام في المهد طفلاً * * * شارقاً في نجيعه مطلولا

 

عثمان بن عفّان

وله قصيدة يؤرخ فيها بعض الاحداث التي وقعت في عصر الخليفة الثالث منها قوله:

إيهِ عثمان هل ذكرت الغفار * * * يّ المجلي وكان قدْسَ زمانه
يالتعس المنفيّ من دون ذنب * * * غير صدق في قوله وجنانه
رام مروان أن يصدّ علياً * * * عن وداع المطرود من أوطانه
قال: دعه إن الخليفة يأبى * * * أن تجلّ الطريد في خذلانه
هاله أن يرى علياً بلون الـ * * * ـجمر هاج الكمين من بركانه
زمجر الليث قائلاً: لا تمانع * * * مَدَّكَ الله في لظى نيرانه
وَعَلا مركب العتيّ بسوط * * * فثنى النكس فضلة من عنانه

وفيها يثبت حادثة سكر الوليد والي الكوفة وإمامته الناس في الصلاة، فيقول:

كيف يسمو من قلبه في التحظي * * * يتلاشى وعقله في دنانه
فاذا فاضت الدنان رحيقاً * * * جاءها يستحمّ في أجرانه
قال: هلاّ أزيدكم عشرات * * * وتمادى السكير في هذيانه
جيء بالفاسق الخليع أخي عثـ * * * ـمان من أمه فيا لحنانه
رام أن يرذل الشهود دفاعاً * * * عن أمير المجَّان عن سكرانه
واتى حافظ الشريعة، سيف الـ * * * ـلّهِ، نور المصباح في فرقانه
مغضباً عاتباً رآه ابن عفَّا * * * ن فشام الكتاب من عنوانه
هل أقمت الحدود فالذنب أجلى * * * من وضوح النهار في ريعانه
صاح قم يا حسين فاجلده جلداً * * * خذ حقوق الرحمان من شيطانه

 

خلافة عليّ (عليه السلام)

 

مات عثمان والبلاء ازدادا * * * وادلهمّ النهار والهرجُ سادا
أصبح (الغافقيّ)، وهو رئيس الـ * * * ـثائرين الالى أثاروا البلادا
ينشد النابهين، يبغي وليا * * * بعد عثمان يصطفيه عمادا
ودعا الفيصل الوحيد علياً * * * فتوارى عن العيون المنادى
لم يردها خلافةً عن يد الثـ * * * ـوّار تعطي وهو النبيل نجادا
وتجاروا للمسجد النبويّ الـ * * * ـبكر يمشون زمرةً وفرادى
وأتوا يُشهدون منبر طه * * * محكم العقد بيعة وانعقادا
(طلحة) (والزبير) والصِيد من أصـ * * * ـحاب طه، والاوَّلون جهادا
والتقيّ ابن ياسر، وأبو أيّـ * * * وبَ وجهُ الانصارِ، خلقاً وزادا
أجمعوا هاتفين باسم علي * * * وعليّ ما ازداد إلا عنادا
قال ياقوم إن دنياكُمُ عنـ * * * ـدي لنزر أقلّ من أن يرادا
فاتقوا الله واتركوني تروني * * * أسلس الناس للولي انقيادا
واستداروا ببيته يقطعون الـ * * * ـليل لغطاً فنازعوه الرقادا
قال في مسجد الرسول أُولّى * * * فألاقي من جُدره أشهادا
حملوه للامر حمل عروس * * * في مطاوي حيائها تتهادى
وأحاطوا به إحاطة إبل * * * حول ماء تدافعت وُرّادا
يا لشؤم الاقدار أول كف * * * مدها طلحة فنزّت فسادا
أزهد الناس منذ ما عرف التأ * * * ريخ زهداً فخلّد الزهّادا
يغمر الناس عدله بالعطايا * * * لا يرى أعْبُداً ولا أسيادا
هاله أن يرى دموع اليتامى * * * والمساكين تمزق الاكبادا
ويرى المسرفين تنهب بيت الـ * * * ـمال في جنَّة النظام اطّرادا
طمست سنَّة الرسول، فأحيا * * * ها عليٌّ وجدّد الابرادا
أيّ شرّ يلقى أبو الحسن الصنـ * * * ـديد من خبث رهطه إن حادا
زرع الشوك غيره فحرام * * * أن يكون المعذَّب الحصّادا
يدأب الليل والنهار فيلقى * * * عوسجاً جارحاً وشوكاً قتادا
هاج سخطَ القلوب نهجُ علي * * * في صدور تفجرت أحقادا

 

 

يوم الجمل


وعن يوم الجمل يقول:
أصبح السهل ضفتين من الابـ * * * ـطال عَدّ الحصى عُلوَّ الرمال
بين بحرين برزخٌ من عداهُ * * * لزمته عواقب الاهوال
وقف القائد الامير كئيباً * * * كوقوف الولهان بالاطلال
قال لا تبدهوا العدو بحرب * * * علّ فيهم إفاقة من ضلال
وإذا بالسهام، من ضفة الاعـ * * * ـداء، تهمي تدفق الشلال
عيل صبر الابطال، صحب علي * * * فتنزّت قلوبهم للنزال
جاء عبد الرحمن، نجل أبي بكـ * * * ـر، يقول انتهى زمان المطال
إن إخواننا يخرّون صرعى * * * أترانا نموت موت السخال
حقك الحق يا أمير فدعنا * * * ننصرف أو نمت بظل المعالي
رفع الليث طرفه في خشوع * * * في انكسار اليتيم، قبل السؤال
قال: يا مبصر الغيوب، وذات الـ * * * ـعدل، والجود، والعليم بحالي
لنتُ حتى مرونة الغصن دوني * * * واتضاع الشذا ولطف الظلال
كثر القتل في اليمين وطار الـ * * * ـريش من مقدم الجناح الشمال
وعلي نعسان يخفق طرفاً * * * كخفوق الغصون في الاثال
أغبر الوجه جاءه (ابن جهين) * * * ضَيِّقَ الصدر، واسعَ البلبال
أدركِ الناس يا أبا الحسن الصنـ * * * ـديد فالجيش في طريق الزوال
فاستفاق الامير كالليث مجرو * * * حاً يشق الطريق في الادغال
وأتوه ببغلة لرسول الـ * * * ـلّهِ صارت إلى الحبيب الغالي
شق بين الصفوف سمتاً عريضاً * * * كطريق الشعاع في الاظلال
وتراءت له (حنين) و (بدر) * * * فاستجدّ الشباب غب اكتهال
وأغار الصنديد فالحرب دالت * * * واستحال الذؤبان سرب رخال
ومشت بغلة الرسول على الا * * * بطال تفري وجوههم بالنعال
وأبى ذو الفقار أن يستحمّ الـ * * * ـيوم إلا بمهجة الاقيال
وأذاع الامير «لا تقتلوا الجر * * * حى ورفقاً بهارب مجفال
فأشاروا عليه ان يقتل الاسـ * * * ـرى وفيهم سلالة الاصلال
قال بل رحمة لمن يتزكّى * * * للمصلين، رحمة للعيال
جمع الابعدين قلب عليّ * * * همة الليث في صفاء الزلال
إنما الحق شيمة لعلي * * * لحمة التوأمين دون انفصال

صفين

وله قصيدة بعنوان صفين يقول فيها:
وقف الطامع الحريص ابنُ هند * * * يرسل الطرف من ذرى (قاسيونا)
أيخلِّي هذي الرياض وينحو * * * جانب البيد خاسراً محزونا
فليثرها خلافة ويَذرّ الـ * * * ـتبر ذرّا، فالمال يعمي العيونا
وليطالب بدمِّ عثمان، ولينـ * * * ـشر قميصاً به يثير الشؤونا
سار والجند طوّع لابن هند * * * كالدمى في أنامل اللاعبينا
وأتاهم للحرب، أقطع خلق الـ * * * ـلّه سيفاً، وأصدق الناس دينا
بشيوخ المهاجرين، وأنصا * * * ر صحاب، وأهل بدر مئينا
واستحرَّ القتال حتى تغطت * * * جبهة السهل بالنجيع سخينا
وأراد الامير حجب دماء * * * لم يرقها إلاّ نبيلا ضنينا
أغبياء لعلّ فيهم بريئاً * * * إن يكن في أميَّة مسلمونا
فدعا للبراز صلاًّ عجيباً * * * يعجز العين جلده تلوينا
قال عمرو هيَّا معاويَ فابرز * * * هكذا ينصف القرين القرينا
فأجاب الروّاغ يا عمرو ماذا * * * أتراني مغامراً مجنونا
ما سئمت الحياة بعد، فمن يلـ * * * ـقَ عليّاً، فقد أحب المنونا
ضجّ جند الشآم من هول حرب * * * وتولى أبطالهم مدبرينا
وابن هند خلا بعمرو مشيرا * * * يرقب الوحي هابطاً من (سينا)
قال يا عمرو من دهائك أغدق * * * كاد سيف ابن هاشم يفنينا
قال عمرو: على الرماح ارفعوا القر * * * آن ختلاً فتخدعوا المتقينا
نشروها مصاحفاً وتنادى الـ * * * ـجند هيّا إخواننا أنصفونا
مزَّق المكر شمل صحب علي * * * فاذا هم كتائب حائرونا
صاح (عمَّارهم) الى الموت هبُّوا * * * ظِلُّ (طوبى) وَرَوحُها يدعونا
فاستجابت كتيبة لنداء الـ * * * ـشيخ، جازت سنونه التسعينا
جندل السيف صاحباً لرسول الـ * * * ـلّهِ من خير صحبه الاكرمينا
مصرع الشيخ فضّ صبر علي * * * فبكى الصاحب الجليل الخدينا
وامتطى صهوة الجواد ونادى * * * أين أنتم معاشر المؤمنينا
يا لها حملة كزعزاع ريح * * * تفرش الارض في الكروم غصونا
زغرد السيف، ذو الفقار، فلا يبـ * * * ـغي قراباً، إلاّ الكلى والوتينا
أيّ ترس سوى المصاحف ينجي * * * عسكر الشام أعولوا باكينا
يستغيثون يا أبا الحسن الصدّ * * * يق أشفق فإننا قد فنينا
إن تُبدنا فقد أبدت الذراري * * * واليتامى تركتهم جائعينا
فعل المكر في صحاب علي * * * فاذا هم كعوسج شائكونا
ألجأوه للصلح ما حيلة المـ * * * ـلاّحِ إن تصبح المياه غرينا
كلما هيَّأ الشراع لسير * * * أنبت الوحل حوله تنينا

التحكيم والخوارج

 

ثم كتب عن مأساة التحكيم وما ترتب عليها من نكوص طائفة من أصحاب الامام (عليه السلام) فقال:

ألجأوه ليقبل التحكيما * * * مُكرهٌ رام قومُه أن يروما
وأتى الفيصلان للحكم والاجـ * * * ـفان حامت عليهما تدويما
وقف الشيخ قائلاً: إن أبع ديـ * * * ـني بدنياي كنت وغداً أثيما
قد خلعنا الاثنين، إنَّ بعبد الـ * * * ـلّه ما تطلبون فضلا سجوما
قال عمرو: لئن خلعتَ علياً * * * فلقد ظل صاحبي معصوما
إنني مثبت معاوية والـ * * * ـحكم أحرى بمثله أن يقوما
أسخط الشيخُ كل صدر، فلم يشـ * * * ـهد عذيراً، إلاّ الامام الحليما
حيدر ساد شيمة وإباءً * * * وكلاما وفيصلا وأروما
وتنادت للنهروان قروم * * * ردّها الغيّ بعد ودِّ خصوما
فدعاهم إلى الامان عليّ * * * ناشراً راية السلام رحيما
يشهد الله إنكم خنتموني * * * ما رضيت التحكيم إلاّ كظيما
كنت حذّرتكم عواقب غدر * * * فأبيتم إلاّ المقال السقيما
إن أبيتم إلاّ القتال فإني * * * من عرفتم سَمَيدَعاً قيدوما
فاتقوا الله واذهبوا ودعوني * * * قبل أن يأخذ اللهيب الهشيما
فأشاحوا عن نصحه وتنادوا * * * من يصالح يكن خبيثاً عديما
فالتقاهم (حجر) (وشيت) (وقيس) * * * وصحاب النبي شوساً قروما
وعلى رأسهم، يهزّ (أبو أ * * * يوب)، سيفاً ما نام قط ذميما
صفوة الاكرمين حزب علي * * * ينصرون الحق الصريح الهضيما
يذكرون النبي بابني عليّ * * * يذكر الروض من أحب الشميما
هات يا ذا الفقار من يوم بدر * * * صانك الله أن تكون مليما
وتداعت أعداؤه مثل صرح * * * يتهاوى على الصعيد رميما
وخلا النهروان إلاّ من العقـ * * * ـبان والوحش لم يعد منهوما

الحُلم الاخير
 

وعند هذا المنعطف الخطير ألقى الشاعر عصاه ورسا بسفينته في ميناء التأريخ ليسدل الستار على آخر ليلة من حياة رجل عظيم، عظيم بنفسه، وعظيم بإباء الدنيا أن تلد مثله فكتب يقول:

أرِق الليل لا يذوق المناما * * * غير ما تخطف العيون لماما
ليلة تصبغ النجوم بلون الـ * * * ـهمّ حتى الظلام يخشى الظلاما
وأحس الامير مثل انقباض الـ * * * ـورد، إمّا يُقطِّبِ الاكماما
ناء بالحمل وَعيُهُ كمريض * * * بهظته همومه فاستناما
وتراءى له الرسول كضوء الـ * * * ـفجر يلقي على الرياض سلاما
غبطةٌ لم ينل سواها عليٌّ * * * منذ مات الرسول إلا مناما
وشكا للرسول شعباً عقوقاً * * * عاد أعمى أو مبصراً يتعامى
خاصموني كأن صهرك لم يسـ * * * ـلل حساماً فينصر الاسلاما
وأنا من علمت في الدين والهيـ * * * ـجاء كهلا ويافعاً وغلاما
إن أكافأ بكل جرح وساماً * * * كان لي مِئزر السماء وساما
إن هذي الكلوم لسنٌ فِصاح * * * لا تماري لو يفقهون الكلاما
قال: تدعو عليهم قال: أدعو الـ * * * ـلّه رَبي أن يفقدوني إماما
فيليهم بعدي إمام ظلوم * * * وأرى جنة النعيم ختاما
واستفاق الكئيب يغرق في الرؤ * * * يا ويستشعر الممات الزؤاما
ذلك الليل لَفّ صِلاّ وأفعى * * * خارجيَّين يشحذان الحساما
مشرفيّاً يفي صداق (قطام) * * * لعن الله (ملجماً) و (قطاما)
هَبّ في الصبح للصلاة عليّ * * * كصباح يُودّع الاياما
حاسراً سار للصلاة كوجه الـ * * * ـحق، والحق لا يطيق اللثاما
بلغ المسجدَ الطَهور فلاقا * * * هُ الاوزُّ الصَخَّاب يرفع هاما
رامَ أن يسكت النوائحَ صحبٌ * * * روَّعته صيحاتها استشآما
فيقول الامير لا تزجروها * * * غمر الله قلبها إلهاما
سوف تأتيكم النوائب بعدي * * * دفق غيث من ثقله يتهامى
تشهق الارض من دماء الضحايا * * * فيموتون خضَّعا أغناما
يا حساما قد فلّ رأس عليّ * * * طبت من طعنة الورود حساما
قد شربت الدمَ الزكيّ، فطار الـ * * * ـرجس، كالشمس اذ تحلّ الغماما
يا صلاة الختام، في المسجد المحـ * * * ـزون، طيري إلى السماء ضراما
طيِّبي مجلس الامير ومدِّي * * * ظل (طوبى) لظله إكراما
مسجد كان مهده، يوم جاء الـ * * * ـكون، فاستقبل الحطيمُ الاماما
لاح في مكة هلالا وليداً * * * وهوى في العراق بدراً تماما

 

رثاء أمير المؤمنين (عليه السلام)

 

وهنا يضع الشاعر آخر قطرة من مداد قلمه ليرثيه بهذه القصيدة التي نقتطف منها هذه الابيات:

غاب ضوء النهار قبل انقضائه * * * هات يا شعر أدمعاً لرثائه
واذكر النسر عالياً لم يُدَنّس * * * فالاثير الطهور في أجوائه
يكسف الشمس بالجناح عريضاً * * * ويسد الفضاء رحب فضائه
في خضمٍّ من الضياء رحيب * * * صبَّ فيه الاله فيض بهائه
زوج بنت الرسول خلقك أسمى * * * من مناط العيُّوق في إسرائه
شيمة النور أن يظلّ نقياً * * * لا يمسّ الغبار كُنْهَ صفائه
يا أمير البيان نهجك بحر * * * تتلاقى الارواح في أثنائه
متعة السمع والقلوب رواءً * * * وزئير الاقدار في أنوائه
يا أمير الزهّاد صيتك أنقى * * * من جبين العذراء قبل اصطلائه
يا يمين السفاح شلَّت يمينٌ * * * حملت للامام يوم انتهائه
لم يرعه الامام وهو يصلي * * * والملاك السميع في إصغائه
ومشى الليث للعرين جريحاً * * * مرسلاً طرفه إلى أجوائه
قال مدّوا له الفراش وثيراً * * * وأعدّوا أطايباً لغدائه
فاذا عشت فالجروح قصاص * * * وإذا متّ حان يوم انقضائه
جهش المسجد اليتيم بكاءً * * * حين غاب الامام من فقهائه
وبكى الشط والفرات وغاضت * * * زقزقات الهزار في غينائه
فقدت عِزّة الحجاز علياً * * * خاتم الراشدين من أمرائه
واشرأبت تهامة وعسير * * * وتنادت جبالها لبكائه
وأخيراً فقد وضع لملحمته هذه المسماة عيد الغدير خاتمة مطلعها:
يا إله الاكوان أشفق عَليّا * * * لا تمتني غِبّ العذاب شقيّا

ثم يقول:

أنت ألهمتني مديح عليّ * * * فهمى غيدقُ البيان عَلَيّا
وتخيّرتَ للامير وأهل الـ * * * ـبيت قلباً آثرته عيسويّا
هكذا كان صهر أحمد يضفي * * * نبله ملء سرحة الدهر فَيّا
هو فخر التاريخ لا فخر شعب * * * يدّعيه ويصطفيه وليّا
لا تقل شيعةٌ هواةُ عليّ * * * إن في كل منصف شيعيّا
يا عليّ العصور هذا بياني * * * صغت فيه وحي الامام جليّا
أنت سلسلت من جمانك * * * للفصحى ونسَّقت ثوبها السحريّا
يا أمير البيان هذا وفائي * * * أحمد الله أن خُلِقت وفيّا
جلجل الحق في المسيحيّ حتى * * * عُدَّ من فرط حبِّه علويّا
فإذا لم يكن عليّ نبيّاً * * * فلقد كان خلقه نبويّا
سفر خير الانام من بعد طه * * * ما رأى الكون مثله آدميّا
يا سماءُ اشهدي ويا أرض قرّي * * * واخشعي إنني ذكرت عليّا

بيروت في حزيران سنة 1948

وله في غير هذه الملحمة قوله:

أنا مولى من حباه ربّه * * * بالرضا فاطمة زين العربّ
لست مولى الخاطب الوغد الذي * * * رُدَّ بالخيبة لمّا أن خطبْ