جعفر الهلالي
(1345 هـ -...)

 
الشيخ جعفر ابن الشيخ عبد الحميد بن ابراهيم الهلالي الاحسائي البصري النجفي. عالم فاضل وخطيب شهير وشاعر أديب.
ولد في البصرة عام 1345هـ/ 1927م، ونشأ فيها على والده الخطيب العالم، ودرس في المدارس الرسمية. مارس بعدها الخطابة الحسينية، ثمّ انتقل إلى النجف الاشرف لمواصلة دراسته فيها فدرس في حوزتها على اساتذة مشهورين.
انتسب إلى كلية الفقه بعد افتتاحها، وتخرج منها عام 1383هـ/ 1963م، وحصل على البكالوريوس في العلوم العربية والاسلامية.
مارس الخطابة والتبليغ اللذين شغلاه عن مواصلة دراسته الاكاديمية، فاتجه إلى وسط وجنوب العراق وبعض دول الخليج.
له مؤلفات عدة وشعر كثير، ولا زال يرفد المناسبات الدينية بشعره الثر. أما علاقاته الادبية فهي واسعة ومتنوعة.
وهو يعدُّ اليوم من شيوخ الخطابة الحسينية وله فيها اسلوبٌ مميّز، امّا في الادب فطالما أغنى ساحته بالرائق الكثير من نتاجاته الشعرية، حيث يعدُّ من طليعة شيوخه.
وله في مدح أمير المؤمنين قوله:

إلى من غدت تعنو له الفصحاء * * * توجهت يحدوني هوىً وولاءُ
أبا حسن يا آية الله في الورى * * * ويا معجزاً حارت به الحكماء
مقامك أسمى أن تُحيط بكنههِ * * * نعوت ولا يرقى إليه ثناء
تعثّرت الاقلام والفكر دونه * * * فياليت شعري هل تفي الشعراء
وهل بعد مدح الله يا نفس أحمد * * * سيبلغ أدنى وصفك البلغاء

وله أيضاً من قصيدة طويلة:

لَكَ هذا الشّعرُ اُنضِّدُه * * * وعلى أعتابِكَ أُنْشِدُه
ماذا سأعدُّ بِقافِية * * * مهما للشّعرِ اُردِّدُه
ولفضْلكَ عدٌّ لا يُحصى * * * قِدْماً قد حارَ مُعَدِّدُه
وبِكَ الشّعراءُ وإن بَلَغَتْ * * * أقصى ما المَدْحُ يُعَدِّدُه
فبلوغُ الغايةِ مَبْدَؤُها * * * بِمديحكَ فهو مُؤَبَّدُه
لكنَّ ولاَءكَ في قَلْبي * * * فأَتيتُ اليومَ أُجَسِّدُه
قدْ سارَكما قد سارَ دمي * * * في جِسمي كيفَ أُبَدِّدُه
حِرزي إن قَصَّرَ بي عَمَلي * * * وضَماني باسْمِكَ أعقِده
إنّي وولاكَ لنا فَرضٌ * * * أضحى المختارُ يُؤكّدُه
وبـ (قُلْ لا أسألُكم) نَصٌّ * * * جاء القرآنُ يُؤَيِّدُه
وبِنَصِّ حَديث مُعْتَبَر * * * قد صَحَّ هناكَ مُوَرَّدُه
عِنوانُ صحيفةِ مُؤمِنِنا * * * بِولاكَ تَشَيَّدَ مَعْقِدُه
بِكَ قِدماً قالَ أبو الزَّهرا * * * ءِ مقالاً عال مُسنَدُه
لَولا ما أخْشى مِنْ قَوْم * * * قَوْلاً في عِيسى تُوردُه
لابَنْتُ مقالاً لَستَ تَمـ * * * ـرُّ بِقَوْم فيما أعْهَدُه
الاّ أَخَذَتْ مِمّا وَطِئَتْ * * * قَدَماك تُراباً تفسدُه
ويَروْنَكَ حِينَ تَهِلُّ الطَّرْ * * * فَ لِحُبِّ اللهِ وتَحْمدُه
تَدْعوه تُناجِيه لَيلاً * * * بالذُّلِ هُناكَ وتَقْصُدُه
تُولِيهِ الفَضْلَ وتَشْكُرَه * * * فيما أعطاكَ ونَقْصُدُه
وبِذَاكَ تَقُولُ لِمنْ غالى * * * إنّي لِلخالِقِ أعْبُدُه
أنا عبدُ مَشِيئَتِهِ الكُبرى * * * أنا نُوْرٌ مِنه تَوَقُّدُه
لكنَّ عُقولَهمُ تاهَتْ * * * مُذ شَخْصُكَ لاحُ مُمجَّدُه
ودَعَتْكَ بأنّكَ رَبُّ الخَلْـ * * * قِ تُفِيضُ الرِّزْقَ تُحَدِّدُه
يا وَيْلَهُمُ مِمّا قَالوا * * * قَولاً نَقلُوه ونَجْحَدُه
وبِذاكَ معاويةُ جَلى * * * وسواه مِمَّنْ يَعْضُدُه
فَلِحَرْبِكَ قادَ جَحافِلَهِ * * * ولِسبِّكَ رَاحَ يُمَهِّدُه
وَنَهى أن تُرْوى مَنْقَبَةٌ * * * لَكَ والرّاوي يَتَهَدَّدُه
قَدْ كانَ (وِلاكَ) جريمتهم * * * واللهُ ولاك مُؤَيِّدُه
وهُناكَ كَثِير لا يُحْصى * * * لِلقَولِ يَطُوْلُ تَعَدُّدَه
أأبا حَسَن وَمُصَابُكَ ما * * * زِلنا في الدَّهْرِ نُرَدِّدُه
قدّسْتُ شَهَادَتَكَ العُظمى * * * شَوقاً بالعِزَّةِ تَعْقِدُه
يَوْمٌ في البَيْتِ بَدا ألقاً * * * ميلادُك وهْوَ مُخَلّدُه
وبيوم تُصرَعُ عندَ البَيْـ * * * تِ فَطابَ الخَتْمُ وموْلِدُه
قَدْ كُنْتَ أَتَيْتَ تُؤَدّي الفرْ * * * ضَ وذكْرُ اللهِ تُرَدِّدُه
فأتاكَ هناكَ شَقِيُّ الخَلْـ * * * قِ بِغَدْر كانَ يُجَسِّدُه
فَصَرَخْتَ هُنَالِكَ فَزْتُ بها * * * ولِربِّكَ رِحْتَ تُمَجِّدُه
أأبا حَسَن بكَ قد ثُكِلَتْ * * * دُنْيا الاسلام ومَعْبَدُه
فَبَكَاكَ الدّينُ وشِرْعَتُهُ * * * ونَعاكَ الكَونُ وَفَرْقَدُه
وغَدا جبريل أسىً يُعلي * * * صَوْتاً بالاُفْقِ يُرَدِّدُه
والمِنْبَرُ بَعْدَكَ والِمحرا * * * بُ نَعى والفَرْضُ ومَسْجِدُه
وَبَكَتْكَ يَتامى ما فَتِئَتْ * * * لِعَظِيمِ نَوالِكَ تَعْهَدُه

وله في ذكرى مولد الامام علي (عليه السلام) قوله:

ذكراك يا بطل الخلود بمسمعي * * * خطرت فكانت في القصيدة مطلعي
وتفجرت بفمي فرحت أبثها * * * مدحاً تفوح بنشرك المتضوع
ذكراك يا رمز الجهاد عقيدة * * * خلدتها نزهت بلون ممتع
ذكراك دستور الحياة سمت به * * * أمم لخير علا وأشرف موضع
تمضي الدهور وأنت في أفق الهدى * * * قمر ينير الدرب للمتطلع
أبداً ستقرؤك الحياة رسالة * * * للحق في وجه الضلال الاسفع
إيهاً وليد البيت ذكرك عاطر * * * إما يمرّ على المحب المولع
فعلاك شمس قد تألق مشرقا * * * تعنو له الدنيا بغير تمنع
وليوم مولدك المبارك قصة * * * فيها لشخصك ميزة لم تدفع
شكوى اليك أبا الحسين يبثها * * * قلبي ونار الحزن تلهب أضلعي
هي نفثة المصدور فجّرها الاسى * * * شعراً على فم شاعر متفجع
قد عاد وضع المسلمين كما ترى * * * بدداً بأيدي الخائنين الوضّع
وبلادنا وهي الجريحة قد غدت * * * نهباً لرغبة طامع أو أجشع

وله أيضاً:

حين انثنت للبيت امك فاطم * * * تدعو بدعوة خاشع متضرع
يا رب جئتك كي تسهل حاجتي * * * فإليك منقلبي وعندك مفزعي
واذا النداء يقول فاطمة ادخلي * * * حرم الاله وعند مثواه ضعي
فولدت طهراً فوق أشرف بقعة * * * هي قبلة للساجدين الركّع
لك سجل التأريخ أروع صفحة * * * وكفى بها - مثلاً - على ما أدعي
كرّمت عن (هبل) لتسجد نحوه * * * ولغير رب العرش لم تتضرع
وسبقت للاسلام لا مترددا * * * والناس ثوب الشرك لما تنزعِ
وبذلت نفسك في المواطن كلها * * * في الله لا تخشى لقاه مدرع
كم وقفة لك دون احمد جاوزت * * * حد الثناء ومثلها لم نسمع
حتى رفعت لدين أحمد راية * * * خفاقة بالنصر فوق الاربع
أأبا الحسين وما اقول بمعشر الـ * * * أصحاب بعد أبي الهداة الاروع
لو قلدوك الامر ما زلّت بهم * * * قدمٌ عن النهج القويم المهيع
ولابصروا بحرا خضماً طافحا * * * بالعلم لانقص به في موضع
وامام حق لم يلن بحكومة * * * جورا ولم يرغب بلذة مطمع
وفتى سياسيا ولكن ليس في * * * أفعاله ميل لغدر أفضع
كلا ولن يلج القصور وغيره * * * من شعبه يأوي لكوخ أضلع
أو كان يلبس للحرير وفي الورى * * * فرد يحن أسى لثوب أرقع
الملح والخبز الشعير غذاؤه * * * متأسيا بالبائسين الجوع
أأبا الهداة الغر أنت زعيمنا * * * لسواك بعد المصطفى لم نتبع
وولاك قد نشأت عليه نفوسنا * * * أفهل نحيد عن الصراط المهيع
وبذاك قرآن الاله مصرح * * * والناس منه بمنظر وبمسمعِ
يا سيدي واليوم يرجع نفسه * * * تأريخنا الماضي بشكل مفزع
أيكون حبك يا علي جريمة * * * فيها الاقي في بلادي مصرعي
الانني في كل آن ثورة * * * في وجه كل مخرب أو مبدع
أم ان جرمي أنّني لا أبتغي * * * حكماً سوى الاسلام يا دنيا اسمعي

 

محمد آل حيدر
(1346 هـ -...)

 
الشيخ محمد ابن الشيخ جعفر ابن الشيخ باقر آل حيدر، مرشد دينيٌّ وخطيب وأديب من أسرة في النجف وسوق الشيوخ معروفة بالفضل والتدين والادب، وهو ابن عم الشاعر جميل حيدر.
ولد في الناصرية/ سوق الشيوخ عام 1346هـ/ 1927م ونشأ بها حيث رعاه أبوه الذي تزعَّم منطقته دينيّاً. إنتقل بعد ذلك إلى النجف لمواصلة دراسته حيث درس ودرّس بعض علومها.
نظم الشعر وهو لمّا يتم العقد الثاني بعدُ، حتى استوى شاعراً يُشار اليه بالبنان، وله اكثر من مجموعة شعرية ونثرية، استقرَّ في الحلّة مرشداً دينيّاً وما يزال.
وله يمدح الامام عليّاً (عليه السلام) قوله:

أستهل المدح بالشعر حياءا * * * أنت أسمى منه فاعفُ الشعراءا
نحن لو نقوى على آمالنا * * * لرفعناها على الشمس لواءا
ورمينا الشعر في كل فم * * * يا أبا السبطين حمداً وثناءا
فإذا ما قصَّرت همتُنا * * * حسبُنا إنا به نلنا السماءا
نفس الشاعر روح برةٌ * * * تملا الاجواء لطفاً ورخاءا
ودَّ لو يملا مصباح الضحى * * * منه زيتاً شاعريا واهتداءا
فلقد أبصر في وادي طوى * * * قبسةَ الحق جلاء فاستضاءا
وأميط الستر عنه فرأى الـ * * * ـوحي فوق الارض يمشي خيلاءا
فوق عينيه ابتسامات الهدى * * * وعلى جبهته الحق تراءى
ضُمَّني يا فجرُ إني شاعرٌ * * * فوق ما غُذّيتُ غُذّيتُ ضياءا
فأنا من حيدر لا أستقي * * * غير نور الله هدياً وصفاءا
أستقي من روحه النور الذي * * * في جبين العرش قد لاح جلاءا
يا أبا السبطين إني شاعرٌ * * * تحت ظلٍّ منك استوحي السماءا
أحتسي بالنور من قارورة * * * قد حواها الوحي من قبل رواءا
أنا لا ألثم إلا تربةً * * * بشذا القرآن قد طابت ثراءا
أنا لا أعتز إلا في هوى * * * حيدر ما دمت أجتاز البقاءا
أنا لا أرمق إلا طالعاً * * * طالما موسى به شام السناءا
أنا حسبي منه لو كنت على * * * حبه كالشمع ذوباً وانطفاءا
يا أبا السبطين هبنا قبسةً * * * لتزيل البؤس عنا والعناءا
فأَنِرْ دربَ الورى يابَلْسم الـ * * * ـجرح يامن جئت هدياً وشفاءا
وله في يوم الغدير وعنوانها - أبا الاحرار - قوله:
حملت ولاك رأياً واعتقادا * * * وفي دنياك بصَّرتُ الفؤادا
وما انصبَّ الدمُ العربيُّ إلاّ * * * على حب الوصي وما تهادى
ولا عجبٌ فإنَّ ولاه فينا * * * بياض العين يكتنف السودا
غرستُ ولاك في قلبي ليوم * * * به أبغي على يدك الحصادا
أميرَ المؤمنين وكلُّ جيل * * * على واديك يحتشد احتشادا
يحوّم فوق ربوته جلالاً * * * ويمسك باب مسجده اعتمادا
ولمَّ الفجر ذيلاً ذهَّبَتْهُ * * * دماء بنات ليلته ودادا
على مجرين من نار ونور * * * به موسى بن عمران تهادى
وحاز من النبوة معجزات * * * بها يستنطق الصم الجلادا
أبا حسن تجشَّمت الليالي * * * مُدِلاًّ ما تشكيت الجهادا
وكيف الدهر يوهن منك عظماً * * * وقد حمّلتَها سبعاً شدادا
قنعت بكوخك الذاوي ضلوعاً * * * وفي خفقات شمعته اتقادا
وأقراص الشعير ألذّ شيء * * * إلى شفتيك طعماً وازدرادا
يلفك من نسيج الصوف ثوبٌ * * * لتسعد في خشونته العبادا
وبعد الكوخ تحتضن الدراري * * * بأذرعها لك الصرحَ المشادا
وذاك القرص يا رحماك فينا * * * جرى ذهباً على يدِنا وجادا

 

مصطفى جمال الدين
(1346 هـ - 1417 هـ)

 
السيد مصطفى بن جعفر ابن الميرزا عناية الله، من أسرة جمال الدين، وهي أسرةٌ مشهورة بالعلم والشرف والادب.
أديب كبير وعالمٌ فاضل مؤلف وعلمٌ بارز.
ولد في قرية المؤمنين التابعة لسوق الشيوخ عام 1346هـ/ 1927م.
وأرسله أهله إلى النجف الاشرف للدراسة في الحوزة العلميّة، صبيّاً فتدرّج في مراحلها حتى حضر بحوث مرحلة الخارج على أيدي امثال السيد الخوئي (قدس سره) وغيره وتأثّر بمنهج الشيخ المظفّر الاصلاحي وساهم فيه إلى جانب زملائه العديدين من رموز دينيّة وسياسيّة معاصرة، ووقف في خضمّ ذلك مع حركة التجديد في النجف المنادية بتغيير المناهج الدراسيّة وتطويرها، كما برز شاعراً مميَّزاً من الرعيل الاوّل له أسلوبه الخاص ورؤيته الفريدة التي صقلتها في موهبته مواكبته لمجمل حركة الادب العربي فجاء شعره امتداداً لمدرسة العمود العتيدة التي كادت أن تأتي عليها نزعات التحديث والاستلاب، وله في ذلك اتباعٌ من الشعراء الشباب.
وقد واصل إلى جانب ذلك دراسته الاكاديميّة متخرّجاً من كليّة الفقه عام 1382هـ/ 1962م، ثمّ من جامعة بغداد في مرحلتي الماجستير والدكتوراه برسالتين مشهورتين تعدّان الى جانب مؤلّفاته الاخرى في النحو والاصول والادب ثروةً هامّة للحركة الثقافية المعاصرة وقد صدر له اخيراً (الديوان) قبل وفاته بعام.
كما ارتبط بأغلب ادباء العربية بعلائق متينة، وشارك في مؤتمرات شعريّة وملتقيات كثيرة، كما كتبت عنه الصحافة الادبيّة واحتفى به الشعراء والمثقفون.
هاجر من بلده العراق في عام 1401هـ/ 1980م الى الكويت ثمّ إلى سوريا حيث شاركَ في تجربة معارضة النظام المتسلّط على العراق الى جانب مشاركته في رعاية الحركة الثقافية والادبيّة حتى وافته المنيّة في دار الهجرة في عام 1417هـ - 1996م، وبذلك فقد الادب العربي المعاصر واحداً من اعلامه الكبار، والحوزات والمؤسسات العلميّة شيخاً من روّادها المميّزين.
وله من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:

سَمَوْتَ فكيف يَلحَقُكَ القصيدُ * * * وأجنحةُ الخيالِ لها حُدُودُ؟!
وكيف يُطالُ شأوُكَ في جناح * * * قوادِمُهُ مزاميرٌ وعُود!!
فَهبْني ما أقولُ.. فإنّ فِكرا * * * إليكَ رقى.. سيُتعِبُه الصُعود
فلستَ الارضَ يَقطعُها مُغِذّ * * * ولستُ النورَ يُدرِكُ ما يُريد
أبا حَسَن وإنْ أعيا خَيالي * * * فَقَصَّر دونَ غايتِهِ النشيدُ
فليس لانّ أجنحَتِي قِصارٌ * * * وأنّ مُثارَ عاطفتي جَلِيد
وأنّ هوىً تَرعرَعَ وهو بَذْرٌ * * * بظِلّكمُ.. سيَذْبُلُ وهو عود
وأنّ يَراعةً غَنَّتْ هواها * * * ستَخْرَسُ حين تَزْحَمُها الرُعود
ولكنْ كانَ مَرمانا سَماءً * * * قَريبُ مَنالِها أبداً بَعيد
يَراكَ الفِكرُ منه قِيَد باع * * * فيحسِبُ أنّ مَطلَبَهُ زهيد
وهل أجلى من الاِصباحِ شيءٌ * * * وقد شَقّ السماءَ له عَمُود
فَيُمعِنُ في لُحوقِكَ، حيثُ يَلْظى * * * فَيُجْمِرُ.. ثم يُدرِكُه الخُمودُ
فأنتَ بعينِ شامِخِهِ سَماءٌ * * * وأنتَ بعينِ خاشعِهِ صَعيد
أبا الحسنَيْنِ هَبْ لي ما أُغنّي * * * به الدنيا ليَسكَرَ بي وُجود
فقد سَئِمتْ حَديثَ النفسِ رُوحٌ * * * لها في كلِّ آونة شُرود
يُحمِّلها العذابَ ضُمورُ جيل * * * تَجاذَبُهُ المَطامِعُ والوعود
أبا حسن ولولا أنَّ روحي * * * بحبلِ هُداكَ تَربُطُها عُهود
لاوشَكَ أنْ تَزِلَّ به دُروبٌ * * * تَفاخَرُ أنّ مَزْلَقَها (جَدِيد)
فبينَ الزيغِ والاِيمانِ خَيطٌ * * * إذا ما انْبَتَّ تَضطرِب الحدود
فكلُ مخالِف، أبداً، عَدُوّ * * * وكلُّ مُخاتِل، كَذِباً، وَدُود!!
وكلُّ غد تَحشَّدَ بالمنايا * * * لنُطعَمَهنَّ فهوَ (غدٌ سعيد)!!
أهذا ما يُقَضّي العمرَ فيهِ * * * شبابٌ ذابلٌ وحَشَىً وَقِيد
فكم لَفظ تَراقَصَ عَبقريّاً * * * فأوحَشَ وَجهَهُ المعنى البَلِيد!!

وله أيضاً قوله:

ظَمئ الشِعرُ أم جَفاكَ الشُعورُ * * * كيف يَظما مَنْ فيه يجري الغديرُ
كيف تَعنو للجدبِ أغراسُ فِكر * * * لِعليِّ بها تَمُتُّ الجذورُ
نَبتَتْ - بين (نَهجِهِ) وربيع * * * من بَنيهِ، غَمْرِ العَطاءِ - البُذورُ
وسقاها نَبعُ النَبيِّ، وهل بعـ * * * ـدَ نَمِيرِ القُرآن يحلو نَميرُ؟
فَزَهَتْ واحةٌ، وَرَفّتْ غصونٌ * * * ونما بُرعُمٌ، ونَمّتْ عُطورُ
هكذا يَزدهي ربيعُ عَليٍّ * * * وتُغنّي على هواه الطيور
شَرِبتْ حبَّهُ قلوبُ القوافي * * * فانتشتْ أحرفٌ، وجُنّتْ شُطور
وتَلاقى بها خَيالٌ طَروبٌ * * * وَرُؤىً غَضّةٌ، ولفظٌ نضيرُ
ظامِئَ الشِعرِ، هاهنا يُولَدُ الشِعـ * * * ـرُ، وتَنمو نُسورُهُ وتطير
هاهنَا تَنشرُ البلاغةُ فَرعَيْـ * * * ـها، فَتَسْتافُ مِن شذاها الدهور
وَسَيبقى يهُزُّ سَمْعَ الليالي * * * مِنبرٌ من بيانهِ مسحور
تتلاقى الافهامُ من حوله شتّـ * * * ـى: فَفَهْمٌ عاد، وفَهمٌ نَصِير
وعَليٌّ إشراقَةُ الحبِّ، و شِيـ * * * ـبَ بسُودِ الاحقادِ، كادَتْ تُنير
أيُّها الصَاعِدُ المُغِذُّ مع النَجـ * * * ـم هنيئاً لكَ الجَناحُ الخبيرُ
قد بَهَرتَ (النجومَ) مَجْداً وإِشعا * * * عاً، وإنْ ظُنَّ: أنكَ المَبهور
ومَلاتَ الدنيا دَويّاً، فلا يُسـ * * * ـمَعُ إلاّ هُتافُها المخمورُ
فَقُلوبٌ على هواكَ تُغنِّي * * * وأكفٌ إلى عُلاكَ تُشِيرُ
وسيبقى لكَ الخلودُ، وللغا * * * فِينَ، في ناعِمِ الحريرِ، الغُمورُ
وستُبنى لك الضَمائِرُ عُشّاً * * * ولدنيا سِواكَ تُبنى القصور
وسيجري بمَرجِ عذراءَ من (حُجـ * * * ـرِكَ) نَحرٌ.. تقفو سَناهُ النحورُ
سيّدي أيّها الضميرُ المُصفّى * * * والصِراطُ الذي عليه نسيرُ
لك مَهوى قلوبِنا، وعلى زا * * * دِكَ نُربِي عُقولَنا، ونَمِيرُ
وإذا هَزّتِ الَمخاوِفُ روحاً * * * وارتمى خافِقٌ بها مَذعورُ
قَرَّبتْنا إلى جراحِكَ نارٌ * * * وهَدَانا إلى ثَباتِكَ نُور
باعَدَتْنا عن (قومِنا) لُغةُ الحـ * * * ـبِّ فظنّوا: أنّ اللُبابَ القُشور
بعضُ ما يُبتلَى به الحبُّ هَمْسٌ * * * من ظنون.. وبعضُهُ تَشهير
إنّ أقسى ما يَحمِلُ القلبُ أنْ يُطـ * * * ـلَبَ مِنهُ لِنَبضِهِ تفسير
نحن نهواكَ، لا لشيء، سوى أنّـ * * * كَ من أحمد أخٌ ووزير
ضَرَبَ الله بين وَهْجَيكُما حَـ * * * ـدْداً: فأنتَ المَنارُ وهوَ المُنِير
وإذا الشمسُ آذنَتْ بمَغيب * * * غَطّتِ الكونَ من سَناها البدورُ

 

أحمد الوائلي
(1347 هـ -...)

 
الشيخ أحمد ابن الشيخ حسون بن سعيد بن حمود.
خطيب شهير وعالم بارز وكاتب واديب شاعر.
ولد في النجف الاشرف في 17 ربيع الاول سنة 1347 هـ/ 1927م، وتتلمذ على أبيه الخطيب الشاعر، وعلى غيره ثمّ التحق بجمعيّة منتدى النشر متدرّجاً في مناهجها، ثم اكمل خارجها مراحل الدراسة الحوزوية العالية على يد اساتذة النجف ومجتهديها المشهورين، ثمّ ساهم في المنهج الاصلاحي يومذاك.
ضمّ الى جانب ذلك الدراسة المنهجيّة الاكاديميّة منتهياً بالحصول على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة.
كان عضواً في جمعيّة منتدى النشر لفترة طويلة، شارك خلالها في الكثير من مؤتمرات الثقافة والادب.
أما في الخطابة الحسينيّة فهو فارسها دون منازع، فقد تمرَّن عليها منذ حداثة سنّه ملازماً خطباءها المشهورين، ثمّ استقلَّ بأسلوبه الخاص المميَّز الذي أحدث نقلةً نوعيّةً واسعةً على صعيدي الشكل والمضمون فاعتُبرَ من جاءوا إثره عيالاً عليه في العصر الحاضر.
وهو إلى جانب ذلك مؤلّفٌ قدير وموسوعيٌّ حافل، وأديب شاعرٌ مرهف الحس حسن الديباجة.
وله مطلعُ مرثيّة في الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:

أفيضي فبرد الليل مُدَّت حواشيهِ * * * وعبّي فَوادي الكرم راقت دواليهِ

ومنها:

أطل عليٌّ يحمل الهديَ مشعلاً * * * لشعب تمادى في الضلال وداجيه
أسفّ فأعطى لابن هند زمامه * * * فضلَّ به في مهمه من فيافيه
فهبَّ عليّ والدروب حوالك * * * معتمة والاُفق غابت دراريه
بيمناه بتار ويسراه مشعل الـ * * * ـهدى وكتاب الله ينثال من فيه
رأى أن شعب المسلمين تلفه * * * حوالك من ليل الفساد وداجيه
ففي الشعب إرهان وفي المال إثرة * * * وفي الحكم إرهاب وفي الدين مافيه
ولاة تعبُّ الكأس من ضرع شعبها * * * وشعب يعبّ الدمع من جور واليه

حتى قال:

بيوت تبناها النعيم فأترعت * * * مقاصرها لهواً على الغيد تضفيه
تهدهدها من صادح العود نغمة * * * فيسكر بهو القصر من سكر أهليه
على حين راح البؤس ينشب مخلباً * * * بعاري جسوم البائسين ويفريه
وباتت بيوت تنصب القِدر فارغاً * * * على النار كي تغري الصبي وتلهيه

واردف قائلاً:

أبا حسن والليل مرخ سدوله * * * وأنت لوجه الله عان تناجيه
براك الضنا من خوف باريك في غد * * * وقد أمن المغرور من خوف باريه
على شفتيك الذكر يطفح سلسلاً * * * فتنهل علاًّ من سموّ معانيه
وغالتك كف الرجس فانفجع الهدى * * * وهدت من الدين الحنيف رواسيه
أبا حسن من روحك الطهر هب لنا * * * شعاعا فركب الشعب قد ضلّ هاديه
حنانيك حرّر في هداك نفوسنا * * * فأنت أبو الاحرار حين نناديه

وله أيضا:

غالى يسارٌ واستخفَّ يمينُ * * * بك يا لكنهك لا يكاد يبين
تُجفى وتُعبد والضَّغائن تغتلي * * * والدَّهر يقسُو تارةً ويلين
وتظلّ أَنتَ كما عهدتُكَ نغمةً * * * للان لم يرقى لها تلحين
فرأَيتُ أن أَرويك محضَ رواية * * * للنَّاس لا صوَرٌ ولا تلوين
فلانتَ أروع إذ تكون مجرَّداً * * * ولقد يضرُّ برائِع تثمين
ولقد يضيق الشَّكل عن مضمونه * * * ويضيع داخلَ شكلِهِ المضْمون
إنّي أتيتك أجتليك وأبتغي * * * وِرداً فعندكَ للعطاش مَعين
وأغصُّ من طرفي أمام شوامخ * * * وقع الزَّمان وأُسُّهُنَّ متين
وَأَراك أكبر من حديث خلافة * * * يستامها مروان أَو هارون
لك بالنُّفوس إمامةٌ فيَهُون لو * * * عصفت بك الشُّورى أو التعيين
فدع المعاولَ تزبئرّ قساوةً * * * وضراوةً إنَّ البناءَ متين
أأبا تراب وللتُّراب تفاخرٌ * * * إن كان من أَمشاجه لك طين
والنَّاس من هذا التُّراب وكلُّهم * * * في أصله حمأٌ به مسنون
لكنَّ من هذا التُّراب حوافرٌ * * * ومن التُّراب حواجبٌ وعيون
فإذا استطالَ بك التُّراب فعاذرٌ * * * فلانت من هذا التُّراب جبين
ولئِن رجعت إلى التُّراب فلم تمت * * * فالجذر ليس يموتُ وهو دفين
لكنَّه ينمو ويفترع الثَّرى * * * وترفُّ منه براعمٌ وغصون
بالامس عدت وأَنت أَكبرُ ما احتوى * * * وعيٌ وأَضخمُ ما تخال ظنون
فسأَلتُ ذهني عنك هل هو واهمٌ * * * فيما روى أم أنَّ ذاك يقين
وهل الّذي ربَّى أبي ورضعتُ من * * * أُمِّي بكلِّ تُراثِها مأمون
أم أنَّه بَعُدَ المدى فتضخَّمت * * * صُورٌ وتُخدع بالبعيد عيون
أم أَنَّ ذلك حاجة الدُّنيا إلى * * * متكامل يهفو له التَّكوين
فطلبت من ذهني يميط ستائراً * * * لَعبَ الغلوُّ بها أو التَّهوين
حتَّى انتهى وعيي إليك مجرَّداً * * * ما قاده الموروثُ والمخزون
فإذا المبالغُ في عُلاكَ مقصِّر * * * وإذا المبذِّر في ثناكَ ضنين
وإذا بك العملاقُ دونَ عيانه * * * ماقد روَى التَّاريخ والتَّدوين
وإذا الَّذي لك بالنُّفوس من الصَّدى * * * نزرٌ وإنَّك بالاشدِّ قمين

حتى يقول:

أَأَبا الحسين وتلك أروع كنية * * * وكلاكما بالرَّائِعاتِ قمين
لك في خيال الدَّهر أيّ رُؤىً لها * * * يروي السَّنا ويُترجم النِّسرين
هنَّ السَّوابق شزَّباً وبشوطها * * * ما نال منها الوَهنُ والتَّوهين
والشَّوط مملكة الاصيل وإنَّما * * * يؤذي الاصائِل أن يسود هجين
فسما زمانٌ أنت في أَبعاده * * * وعَلا مكانٌ أنتَ فيه مكين
آلاؤُك البيضاءُ طوَّقتِ الدُّنى * * * فلها على ذمَمِ الزَّمانِ ديون
أُفُقٌ من الابكار كلّ نجومه * * * مافيه حتّى بالتصوُّر عون
في الحرب أَنت المستحمّ من الدِّما * * * والسِّلم أنت التِّين والزَّيتون
والصُّبح أنت على المنابر نغمة * * * واللَّيل في المحراب أنت أنين
تكسو وأَنت قطيفةٌ مرقوعةٌ * * * وتموت من جوع وأَنت بطين
وترقُّ حتَّى قيل فيك دعابةٌ * * * وتفحُّ حتى يفزع التِّنِّين
خُلُقٌ أَقلّ نعوته وصفاته * * * أَنَّ الجلال بمثله مقرون
ما عدت أَلحو في هواك متَيَّماً * * * وصفاتك البيضاء حورٌ عين
فبحيث تجتمع الورود فراشة * * * وبحيث ليلى يوجد المجنون
وإذا سألت العاشقين فعندهم * * * فيما رووه مبرِّر موزون
قسماً بسحر رُؤاك وهي إليَّة * * * ما مثلها فيما إخال يمين
لو رمت تحرق عاشقيك لما ارعووا * * * ولقد فعلت فما ارعوى المفتون
وعذرتهم فلذى محاريب الهوى * * * صرعى ودين مغلق ورهون
والعيش دون العشق أو لذع الهوى * * * عيش يليق بمثله التَّأبين
ولقد عشقتك واحتفت بك أضلعي * * * جمراً وتاه بجمره الكانون
وفداء جمرك إنَّ نفسي عندها * * * توقٌ إلى لذعاتِه وسكون
ورجعت أعذر شانئيك بفعلهم * * * فمتى التقى المذبوح والسِّكين
بدرٌ وأحدٌ والهراسُ وخيبرٌ * * * والنَّهروان ومثلها صفِّين
رأس يطيح بها وينذر كاهلٌ * * * ويدٌ تُجذُّ ويُجدَع العرنين
هذا رصيدك بالنُّفوس فما ترى * * * أَيُحِبُّكَ المذبوح والمطعون
ومن البداهةِ والدُّيون ثقيلة * * * في أَن يقاضى دائِنٌ ومدين
حقدٌ إلى حسد وخسَّةُ معدن * * * مطرت عليك وكلُّهنَّ هتون
راموا بها أن يدفنوكَ فهالَهم * * * أن عاد سعيُهُم هو المدفون
وتوهَّموا أن يغرقوك بشتمهم * * * أتخاف من غَرق وأَنت سفين
ستظلُّ تحسبك الكواكبُ كوكباً * * * ويهزُّ سمع الدَّهر منك رنين
وتعيش من بعد الخلودِ دلالةً * * * في أَنَّ ما تهوَى السَّماءُ يكون

 

حسين بحر العلوم
(1348 هـ -...)

 
السيد حسين بن السيد محمد تقي بن السيد حسن بحر العلوم الطباطبائي.
عالم فاضل مجتهد محقّق وأديب شاعر.
ولد في النجف الاشرف عام 1348 هـ/ 1928م وسط أسرة علمية دينية شهيرة، ودرس عند والده المرجع المغفور له السيد محمد تقي بحر العلوم وكذلك عند جمع من أعلام عصره كالشيخ محمد رضا المظفر والشيخ حسين الحلي والسيد محسن الحكيم والسيد ابو القاسم الخوئي، كما أسّس في مقبرة جدّه السيد بحر العلوم إلى جنب مقبرة شيخ الطائفة الطوسي مكتبة العلمين التي كانت منتدىً عامراً للعلماء والادباء والرساليين، اضافة الى بروزه شاعراً مجسّداً لمعاني الالتزام وصدق الحس حيث شارك إلى جانب اقرانه في الاحتفالات والمنتديات الادبيّة والثقافية الاسلاميّة، أمّا في المجال العلمي فمساهماته عديدة في الفقه والاصول وتقريرات اساتذته، وهو اليوم أحد مجتهدي الحوزة العلميّة المعروفين، مرجعاً مقيماً لصلاة الجماعة في مسجد الشيخ الطوسي صدره ديوان شعر عنوانه: زورق الخيال، ينبئ عن أدبه الناضج وشاعريّته الخصبة أبان شبابه.
وليد البيت: القيت في المهرجان الحولي المقام في النجف بمناسبة ذكرى ميلاد الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتاريخ 13 رجب سنة 1380 هـ ونشرت في مجلة الفيحاء.

أسقني من وضح الحب دواءا * * * لاباري بسناه الشعراءا
واجرِ من اعماق روحي نغماً * * * فاض من روحك عطراً ونقاءا
وافجر الواقع من قلبي يفض * * * أدباً سمحاً، ويفتر ولاءا
إن قلباً لم تعش في جوه * * * نبضة الوجدان ينهار غثاءا
وشعوراً لم ينغِّم وعيه * * * وتر الحبِّ يضيع الاهتداءا
وخيالا - صوَّحت فكرته * * * من هدى الواقع، لم يملك اداءا
إنما الحبُّ شعورٌ ودمٌ * * * ومتى فاضا من القلب أضاءا
يا وليد البيت فخراً يرتمي * * * بين كفيه فم المدح حياءا
يا سميَّ الوحي، هبني نفحة * * * من شذا الوحي تؤدّيك الوفاءا
غذّني روحك ينشط قلمي * * * أن يفحَّ الوعي لفحاً ومضاءا
إن قلبي جمرةٌ مسعورة * * * تشرب الاصرار جرحاً ودماءا
يتشظى من يراعي حمماً * * * ترجم الكفر فترديه هباءا
هكذا الايمان جيشٌ أعزل * * * يقحم الموت فيضرى كبرياءا
ليس حد السيف إلا ساعداً * * * أريحي الدم: عزماً وفتاءا
إن من يرمي الى الافق يداً * * * يرفع الارض فيعليها سماءا
والذي ينتهج الحق أبى * * * عزمه الملحاح إلا الارتقاءا
هكذا علمنا تاريخنا: * * * أن بالاصرار هدماً وبناءا
يا مَعيناً لم يزل ينبوعه * * * ينفح المعجز: مدحاً وثناءا
بهداك السمح ينجاب عمى * * * أمة لم تر في الصحو ذكاءا
وعلى نهجك نضَّاخ السنا * * * يزحف التأريخ: جيشاً ولواءا
فاذا الكون عقول ثرةٌ * * * تستحث الفكر: كداً وعناءا
أنت فجرت من الصخرة ماءا * * * ومن الجدب تلمست ازدهاءا
أنت نبع الفكر مهما تنتهل * * * منه افكار الورى فاض سماءا
أنت والقرآن صنوا معجز * * * لنبيّ يتحدى الانبياءا
أنت من (أحمد) في روحيكما * * * صورة ابدعها الله سواءا
أحمد كالشمس لكن أفقها * * * أنت والشمس من الافق تراءى
شمخت ذاتك حتى لم تجد * * * غير بيت الله بدءاً وانتهاءا
إن ميلادك فجر زاحف * * * بقرون تخصب الخير نماءا
رشَّها بالوعي حتى برعمت * * * وسقاها العلم فازدادت بهاءا
واجتناها (العرب) روضاً معشباً * * * بمساعيه فأثرى وأفاءا
واجتنيناها - كسولين - خواءا * * * تثمر الخيبة جهلا ووباءا
نحن ما بين شباب نزق * * * يحسب الذروة قولاً وادعاءا
ويرى الخير لدى «حرية» * * * في الهوى، يمشي - كما شاءت وشاءا
وشيوخ هرمت أفكارهم * * * فهي لا تقوى على الوعي استواءا
قبعوا في كنف الصمت، وما * * * نطقوا الا ليغزوا البسطاءا
البلاء العقب: أنّا أمة * * * تخذت من دائها المضني دواءا
وبأنا كقطيع أبله * * * تخذ المرعى مقيلاً، لا غذاءا
فاذا «المسرح» مشلول الهدى * * * وفصول العرض لم تملك جلاءا
واذا الافلام تختل، فلا * * * تعكس (الشاشة) الا بلهاءا
يا لها مهزلة كم لعبت * * * دورها فينا: ابتداء وانتهاءا

 

محمد جواد الصافي
(1348 هـ -...)

 
السيد محمد جواد ابن السيد نعمة ابن السيد محمد ابن السيد صافي شاعر أديب.
ولد في النجف عام 1348هـ/ 1929م ونشأ بها على أبيه. دخل المدرسة الابتدائية ثمّ مدرسة منتدى النشر. وكان خلالها يعيش في جوّ أدبيّ يخيّم على المنتدى عن طريق الحفلات والاصدارات والمحاضرات ثم أصدر مجلة «البذرة». نظم الشعر. وكان يحسن الانشاء والانشاد، وقد واصل بعد ذلك حياته الادبية والثقافية، متنقلاً بين النجف وبغداد، ولم يتيسّر لنا الاطلاع بعد ذلك على ترجمته اللاحقة.
وله قصيدة مطلعها:

حيِّ الغري تحيِّ العلم والادبا * * * وحيِّه منبعاً للفضل ما نضبا

إلى أن يقول:

أرض الغري تسامَيْ للعُلا شرفاً * * * وفاخري كل شيء وازدهي طربا
أرض زهت بالحصا اللمّاع تربتها * * * ففاخرت بالحصا الافلاك والشهبا
وقد حنا الافق فوق الارض من لهف * * * لِظمّها فغدا مما حُني حدبا
أرض الحما خبّرينا أيّ نابغة * * * سخّرت في روحه الاجيال والحقبا
نهج البلاغة فيض من أشعته * * * مازال يدفع عنا الشك والريبا
قد حيَّرتْ كلَّ عقل عبقريتُه * * * وأعجزت كلَّ من قد قال أو كتبا
يا من غدوت لجمع المسلمين أباً * * * وكنت بالجهد في إسعادهم دئبا
أذبت روحك تسعى في هدايتهم * * * ولم تكن تبتغي أجراً ولا طلبا

 

محمد حسن آل ياسين
(1350 هـ -...)

 
الشيخ محمد حسن ابن الحجة الشيخ محمد رضا آل ياسين، عالم فاضل وأديب شاعر، وحجّة مشارٌ اليه في العلوم والاداب.
ولد في النجف عام 1350هـ/ 1931م ونشأ بها على أبيه فوجه جل عنايته له، فنشأ حسن السيرة والسريرة.
دخل مدرسة منتدى النشر فأكملها وانخرط في سلك الدراسات الحوزويّة فدرس على الشيخ محمد طاهر الشيخ راضي الفقه والاصول سطحاً، وحضر بحث الخارج على عمه الشيخ مرتضى آل ياسين والسيد الخوئي. وبعد وفاة عمّه الشيخ راضي طلبه الكاظميون ليحلّ مكانه عام 1371 هـ ; فتولى إقامة الجماعة وفصل الخصومات هناك. وكان ناديه علمياً دينياً يكتض بالمثقفين وأسس داراً للنشر نشر فيها كثيراً من الاثار التي عثر عليها، كما أسَّس مكتبة عامة أسماها: مكتبة الامام الحسن (عليه السلام).
له مؤلفات عدة: تقريرات بحث والده في الفقه، تقريرات بحث الامام الخوئي في الفقه والاصول، تاريخ الدولة البويهية، نفائس المخطوطات، شرح ديوان الصاحب بن عباد، معاني الحروف للرمّاني، تحقيق الشافي للمرتضى، وغيرها من المؤلفات الكثيرة، له نشاطات علميّة وثقافيّة ومناصب عديدة.
وله - وعنوانها: غدير علي - قوله:

هاتِ يا شعرُ ما يهزُّ المشاعرْ * * * وأجِبْ قلبُ ما يثير الخواطرْ[1]

حتى قال:

قُمْ وعُدْ للوراء شيئاً فشيئاً * * * واستبِنْ موقف الركاب المسافر
وانقع القلب من (غدير علي) * * * واستبِقْ وارداً اليه وصادر
واشهد الحفل والنبيّ على الكو * * * رِ خطيبٌ والجمعُ صاغ وصاغر
شارحٌ من جلال (حيدر) متناً * * * وقف الدهر دونه وهو حائر
مفصح أنه أمير البرايا * * * وإمام الهدى وربُّ المفاخر
ووليٌّ الاله شبلُ المعالي * * * صاحبُ الحوض خيرُ ناه وآمر
إنه الكفؤ للامامة لا غيـ * * * ـرَ بنصٍّ من المهيمن صادر
عقد التاج للوصي فرنت * * * شعب البيد في نشيد البشائر
وتهادى (عليُّ) يحمل اكليـ * * * ـلَ المعالي مبلّج الوجه زاهر

 
محمد سعيد الخنيزي
(1353 هـ -...)

 
محمد سعيد ابن الشيخ علي ابو حسن الخنيزي، شاعرٌ أديب، ولد في القطيف/ السعوديّة عام 1353هـ/ 1934م من أسرة لها في موطنها سجلٌ حافلٌ في الكفاح الوطني وعالم الفقه والادب، وترعرع في بيئة دينيّة ونال تربيةً أعدَّته ان يطوّر موهبته مثقفاً كاتباً وشاعراً أديباً، ساعدته على ذلك رغبة والده العلاّمة المجتهد الفاضل ومكتبته الحافلة، وله مجاميع شعرية وأدبيّة عديدة اغلبها مخطوط، كما له مشاركاتٌ صحفيةٌ منشورة، ووصف بأنّه شاعرٌ عميق التفكير رقيق خصب الخيال، وما يزال يواصل شوطه الادبي الى جانب اخوته شعراء المنطقة الشرقية في السعودية، حيث يعدُّ من طليعتهم، وله من قصيدة (يوم الغدير) قوله:

أشرق الفجر من كوى الظلماءِ * * * فإذا الكون رفقة من ضياءِ
وسرت همسة من الغيب كالانـ * * * ـغام طافت في عالم الاحياء
ومضت نجمة تقول لاخرى * * * إن في ذا الصباح فجر هداء
هتف الهاتفون في كعبة اللّـ * * * ـه أطل ابن سيد البطحاء
ولد الحق في صعيد امام الـ * * * ـلّهِ في مشهد من الانبياء
فتعالى الهتاف من كعبة الله * * * تدوي أصداؤه في الفضاء
وأبو طالب مع النفر البيـ * * * ـض حماة الديار كهف الرجاء
ينحرون الجزور فداءً عن الطفـ * * * ـل طعام الضيوف والفقراء
من ترى امه فردد صوت * * * كصدى الغيب شيق الايحاء
فأجاب النبي ذاك علي * * * اسمه كالاثير في الاجواء
هو سيف الاله في وهج الحر * * * ب وصبح في الظلمة العمياء
فإذا ذلك الصبي يشق الـ * * * ـجيش ضربا كالشعلة الحمراء
حاملاً راية الاله بيمناه * * * ومن خلفه جنود الفداء
موكب فيه للفروسية البيضا * * * ء كف أودت بعرش الشقاء
جلجل الحق صارخاً ببني الا * * * رض فهبوا للدعوة السمحاء
فإذا دعوة النبي انتصار * * * وازدهار كالواحة الخضراء
فأراد النبي إكمال دستو * * * ر بناه على أساس الاخاء
فأتم المطاف بالحجة الكبر * * * ى مبيناً عواقب الاشياء
فأتى راجعاً مع الصحب والجمـ * * * ـع كموج يضج في الدأماء
وهنا صاح في الجموع (بلال) * * * الصلاة الصلاة رجع النداء
الصلاة الصلاة الله أسمى * * * صلة الروح بين رب السماء
فاعتلى المنبر الرسول وأدلى * * * ببيان كالديمة الوطفاء
قد أقام الاله فيكم اماما * * * حاكماً بالكتاب لا الاهواء
دونكم كفه فمروا عليها * * * فهلموا للبيعة البيضاء
فعلي يدور والحق في افـ * * * ـق مدار الشموس في الاجواء
فأتته الجموع طوعاً تلبيـ * * * ـه خشوعاً في ذلك الامساء
مهرجان قد توج الحق فيه * * * عارياً من مظاهر الكبرياء
إنها الساعة التي تفصل التا * * * ريخ في قلب هذه الصحراء
هو يوم «الغدير» أكبر عيد * * * سجلته الحياة للاحياء
فارفعوا ذكره وحوطوا رؤاه * * * فهو فجر يشع للحكماء

ومن قصيدة (مصرع النور) قوله:

قطرة الدم في محيا السماء * * * هي رمز الشهادة العصماء
آية للشهيد تنطق بالحـ * * * ـق وتجلو غياهب الظلماء
حينما عمم المرادي بالسيـ * * * ـف جبيناً مكللاً بالضياء
فتعالى تحت الصباح ضجيج * * * ورنين وأنة في بكاء
فإذا بالامين يهتف في الجو * * * بصوت يهز قلب الفضاء
هدّ ركن الهدى واطفأ نور الـ * * * ـحق حامي الاسلام رب اللواء
أدركوا الليث فهو مختضب الجسـ * * * ـمِ سجي على بساط الدماء
انظروه على بساط مدمى * * * مثقلاً بالجراحة الخرساء
فافاقت من نومها كوفة الجنـ * * * ـد على مصرع العلى والاباء..
مصرع النور في الصباح تبدى * * * في سماء مربدّة الاجواء
فتعالى الصراخ من كوفة الجند * * * وماجت كصاخب الدأماء
فتحت جفنها على فجرها الدا * * * مي كليل يعوم في الارزاء
من دهى الليث في العرين ومن ذا * * * روّع الدين في مشيد البناء
فإذا الجامع العظيم كغصن * * * من عظيم المصاب في نكباء
احملوا الليث في بساط من الد * * * مِ إلى بيته بأشجى نداء
بقي الليث بعد ضربته النكـ * * * ـراء ثلاثاً على فراش العناء
يرشد الناس للمعالى ويحيي * * * كلما مات فيهم من إخاء
يسأل الناس وهو يحتضر الموت * * * سلوني فبعد هذا فنائي
أرسل الخطبة العظيمة في النا * * * س وأمسى مستسلماً للقضاء
فإذا روحه الزكية للعر * * * ش تعالت الى الفضا اللانهائي
واذا الكوفة الرهيبة بحر * * * مثقل بالهموم والارزاء
وطغت موجة الضلال على الديـ * * * ـنِ وأمسى يباع بالاهواء
وابن هند يميس من تخمة النصـ * * * ـر ومن خمرة المنى والهناء
ابن هند لازلت تنفث بالسـ * * * ـم وتسعى لمصرع العظماء
كم قتلت الاشراف والحسن السبـ * * * ـط فقطعت مهجة الزهراء
ورياء يسيل في كيدك القا * * * تل للنفس في سبيل الهواء
وحياة تركتها في سطور * * * سجلت في صحائف سوداء
هذه بيعة المهازل والغد * * * رِ تمشت كالداء في الاعضاء
وأعادت بفجرنا الضاحك البشـ * * * ـر إلى عصر ظلمة وشقاء
يا إمام الاسلام يا حامي الديـ * * * ـن تكلم عن أرضنا والسماء
فقه الناس في الحياة وفي الديـ * * * ـن وسر الشريعة السمحاء
أنت في نهجك البليغ نبيٌ * * * كاشف عن غوامض الانباء
تتحداه من كمامة غيب * * * صادق في حقيقة بيضاء
كم تحدثت في الملاحم بالغيـ * * * ـب وانبأت سيرة الفوضاء
سفرك الخالد الذي هو كالدهـ * * * ـر جديداً يضيء للحكماء
هو آي من السماء وفجر * * * غمر الروح قبسة من ذكاء
هو بعد القرآن اسلوبه المعـ * * * ـجز رمز العروبة العرباء
هذه آية الشهيد مآس * * * وجهاد في صفحة الغرباء

 

عدنان العوّامي
(1354 هـ -...)

 
السيد عدنان ابن السيد محمد محفوظ التوبي العوّامي، أديب شاعر ومثقفٌ نابه معروفٌ في بلده، ولد في القطيف/ السعوديّة عام 1354هـ/ 1935م ونشأ في احضان والده وأرسله الى الكتاتيب فقرأ القرآن الكريم وبعض العلوم ثم درس الانجليزيّة فأجادها وكان قد حصل على الشهادة الابتدائية ولم يتجاوزها لكنه تثقّف ثقافةً ذاتيّةً واسعة، وبدأ حياته الادبيّة بكتابة المقالة والقصة المسرحية ثم تحوّل عنهما للشعر الذي تأثّر به بأعمال المشاهير في الادب العربي وأثّر على مساحة من معاصريه الشباب في منطقته وتظهر خلال ذلك ذائقته الخاصة واضحةً في نتاجه المنشور في الصحف السعودية والعربية ومشاركاته في المهرجانات والامسيات والندوات، وكذلك في مجموعته الشعريّة شاطئ اليباب المطبوعة عام 1411هـ، وما يزال يواصل مشواره الطويل في الثقافة والادب السعوديين كاتباً وشاعراً وصحفيّاً، في الطليعة من ادباء منطقته، والقصيدة المذكورة هنا من نتاجه الاوّل لم يتسنّ لنا الاطلاع على نتاج لاحق له في الغرض ذاته وعنوانها (يوم الغدير) منها:

يوم الغدير على المدى متألق * * * وشذاه من أرج المسرة يعبق
فيه الحياة بدت تلالا بهجة * * * أنس الحجيج لها فكاد يصفق
وتبسمت آفاقها مزهوة * * * وأظل آهلها الصفاء المشرق
وزهت بمنتظم البهاء وأزهرت * * * حتى غدت لجمالها تتعشق
وغدى يضوّئها جلال أشعة * * * علوية بسنا الهدى تتألق
ولقد تبدت في مجالي جنة * * * زهراء يغمرها الجمال المشرق
فيما الخلائق تشرئب وكلها * * * أذن تصيخ ومهجة تتشوق
وإذا بصوت محمد يعلو بها * * * واذا القلوب بصوته تتعلق
هذا خليفتكم وسيد أمركم * * * وإمامكم بعدي فلا تتفرقوا
هذا موجهكم لمدرجة العلا * * * فتمسكوا بذيوله كي ترتقوا
هذا علي والعدالة نهجه * * * وذوو الجلالة بالعدالة أليق
فاقفوا خطاه على الطريق فانه * * * عن غير حكمته به لا ينطق
الله أية دعوة لما تزل * * * قبساً يشع على الوجود ويشرق
وعلى مدى الازمان نبع هداية * * * سيظل يجري بالمياه ويغدق
هذي مناهله يمد وجودنا * * * بدم الحياة نميرها المتدفق
سيظل والتأريخ يشهد أنه * * * روح الحياة وإن أبى متزندق
سيظل ينبئنا بان حياتنا * * * في المجد إذ نسمو به ونحلق
وبأن قيمتنا بقدر جهادنا * * * في الدين حيث بركنه نتعلق
في الدين عزتنا ورمز وجودنا * * * لا في الهراء نصوغه ونلفق
فهو السعادة في الحياة ومن يرد * * * غير السعادة في الحياة سيمحق
وهو الدعامة للوجود وهذه * * * أجلى حقائقه الوفاء وأصدق

 

محمد حسين فضل الله
(1354 هـ -...)

 
السيد محمد حسين ابن السيد عبد الرؤوف ابن السيد نجيب الدين العاملين عالمٌ جليل مجتهد ومفكّرٌ كبير وكاتبٌ بارز وسياسيٌّ معروف وأديبٌ شاعر.
ولد في النجف الاشرف عام 1354هـ/ 1935م، من أسرة علميّة دينيّة معروفة في لبنان، ودرس على أبيه المجتهد الفاضل مقدّمات العلوم، وعلى غيره من فضلاء عصره، ثم حضر الدروس العالية عند كبار مجتهدي ومراجع الحوزة العلميّة امثال الشيخ حسين الحلي والامام السيد محسن الحكيم والسيد محمود الشاهرودي والسيد ابو القاسم الخوئي والشيخ ملاّ صدرا البادكوبي، وساهم أيضاً في حركة التجديد الثقافي والفكري والسياسي ابّان ذلك من خلال الادب والكتابة الصحفيّة والعمل الحركي حتى أصبح واحداً من ابرز اعلام عصره، واتّصل كذلك بالامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر وعمل معه وتأثّر بنهجه، وهو عضوٌ فعّال مشارك في اغلب المنتديات والاصدارات، حتى عاد الى وطنه لبنان عام 1385هـ/ 1965م وأقام في بيروت وتصدّى لمشاريع متعدّدة ونشر الكثير من الدراسات والمؤلّفات المميّزة بأسلوبه المعروف وطابعه الخاص، اضافة الى زعامته الروحية لكثير من اتباعه، أمّا نشاطاته العامّة فهي عصيّةٌ على الحصر حيث عرف عنه دأبه وهمّته وجرأته في خوض الكثير من الحلبات إبان الحرب الاهلية اللبنانيّة ثم إبّان الثورة الاسلامية في ايران والتحرك الاسلامي في بلدان العالم حتى يومنا هذا إذ هو أحد أوسع الشخصيّات الشيعيّة المعاصرة شهرةً وتأثيراً ونفوذاً حيث يعدُّ مرجعاً ومرشداً روحيّاً وقمّةً فكرية وسياسيّة، صدر له في الشعر أكثر من مجموعة.
وله من رباعياته قوله:

هذِهِ رايَةُ الجِهادِ الّتي تَفْتَحُ كلَّ الدُّرُوبِ للاسْلامِ
يَسْتَرِيح الفَتْحُ المبينُ عَلى خَفْقاتِها الخُضْرِ في انْطلاقِ السّلامِ
هِيَ لِلْفاتِحِ الّذي يَتَحدّى الموتَ بِالْوعْي في اشْتِدادِ الصِّدامِ
هِيَ لِلْمُسْلم الّذي يَتَخَطَّى كُلَّ هَوْل في داجِياتِ الظَّلام

* * *
هِيَ للرّائِدِ الّذي عاشَ للهِ ، جِهاداً وَفِكْرَةً وابْتِهَالا
وَأَحبَّ الرّسولَ حبَّ الرسالاتِ ، سماحاً ودعوةً وامتثالا
ورَعتْه مَحبَّةُ اللهِ بالحسْنى فشدّته للذُرى إجلالا
وَمَعَ المصطَفى ، يعِيشُ ظِلالَ الحبِّ طُهراً وروعةً وجمالا
* * *
هِيَ لِلصَّامِدِ الّذي يرسِلُ الكرّة في الحَربِ قوَّةً وصمودا
لا تَفِرُّ الخُطى لَدَيْهِ ، إذا اشتدّ خُطى الحَرب عدَّةً وعديدا
قلبُهُ صخرةُ العقيدةِ ، لا يهتزُّ للهوْلِ ، لا يَهابُ الجُنودا
يَفْتَحُ اللهُ لِلحياةِ على كفَّيْهِ ، للنعمياتِ ، فَتْحاً جَديدا
* * *
مَن يكونُ الفتى الّذي يحلُمُ الفَتْحُ بِخُطواتِهِ ، ويَأسو الجراحا
مَن هُو المسْلِمُ الّذي عاش للاسلام وَعياً وقوَّةً وانْفِتاحا
والنّجاوى ، والوشوشاتُ ، وأحلامُ السّرايا ، تؤرّق الارواحا
كلُّ فرد ، في السَّاح ، يستنزفُ اللّيلَ ، بأحلامِه ، ليلقى الصّباحا
* * *
.. ويجيءُ الصباحُ .. والحربُ تشتَدُّ وتضرى ما بين كرِّ وَفرِّ
ويطوفُ الصوتُ الرِّساليُّ مَلهوفاً رحيماً يَنسابُ في كُلِّ صَدْر
أيْنَ حامِي الفتح الكبير الّذي يحمِي جِهاد الاسْلام من كُلّ غدر
أين صقرُ الاسلامِ ، أين عليٌّ ، إنّه بسمةٌ على كلِّ ثَغْر
* * *
وتنادَوْا : هَلْ يَفْتَحُ الارْمَدُ العَيْنِ بِحَمْلاتِهِ حُصُونَ اليهودِ
إنّه لا يرى الطَّريقَ ، ولا يُبصِرُ ـ في ساحِها ـ حُشُودَ الجنودِ
كيفَ تَجري خُطاهُ ، كيفَ تثيرُ الحرْبَ يُمناهُ بالجِهادِ العَنيدِ
إنَّهُ الموْقِفُ الّذي يَبْعَثُ الحَيْرةَ والرَّيْبَ في حديث الشُّهُودِ
* * *
وتهادى إلى النبيِّ ، وفي عَيْنيه شَوقٌ مُؤرِّق للجِهاد
فأفاضت يَدُ الرِّسالة سرَّ النُّورِ في جفْنِهِ بدونِ ضمادِ
فإذا بالشُّعاع ينهَلُّ كالفجر نديّاً .. في عزمِهِ الوَقّادِ
وإذا بالخُطى ، الّتي ثقلَ اللّيلُ عليها ، أقوى مِنَ الاوتاد
* * *
إنّني حيدرٌ .. وأُعِدّتِ السّاحَةُ .. دوَّتْ بصرخة التكبيرِ
إنّني حيدرٌ .. أتعرفُ مَعْنى أن يَشُقَّ الدُّجى صراخُ النَّذيرِ
إنّني حَيدرٌ .. وجَلْجَلَ صوتُ الحَقِّ .. أهوى بدمدماتِ الهديرِ
إنّه حَيْدرٌ .. فيا قاصفاتِ الرّعْدِ ثوري بكبرياءِ العصورِ
* * *
وتعالى الغُبارُ .. وانَصَرفَ الفارسُ .. أهْوى على التُّرابِ جديلا
ضَرْبَةٌ حرَّةٌ . كما يَقْصِفُ الرّعدُ ، ويطغى على الجبالِ سُيُولا
ضرْبَةٌ حرَّةٌ .. وزلزلتِ الارضُ ، وأهوى الحُصن المنيعُ ذليلا
ومضى حيدرٌ ليرفَعَ بالحَقِّ الفُتُوحاتِ مَنْهجاً وسبيلا
* * *
واستراحَ الاسلامُ لِلْفَتْحِ يوحي للهُدى أن يسيرَ شوطاً طويلا
أن يَشُدَّ الخُطى إلى كلّ أُفْق تَرْصُدُ الشَّمْسُ وحْيَه المجهولا
أن تُناجي الحياةُ كلَّ شعاراتِ الغدِ الحُرّ فِكْرَةً ورَسُولا
أن تَشُدَّ الاجْيالُ ، بالعَزْمِ رُوحَ الحقِّ حتَّى تَحطِّمَ المسْتَحيلا



 وله بعنوان: لا.. لن يموت على الشفاه نداء:

لا.. لن يموت على الشفاه نداء * * * ما دام يخصب وحيه الشهداء
ما دام يقتحم المجاهل ناهض * * * حر، بفكرته الحياة تضاء
يترصد الفجر الطليق وفي الذرى * * * من روحه أنّى يسير ضياء
ما دمت أنت وفي انطلاقك للهدى * * * نهج رعته الشرعة السمحاء
وعلى هدى ذكراك مولد دعوة * * * بعثت لينعم عندها البؤساء
ولدت على شفة النبي محمد * * * فتلقفتها روحك البيضاء
ووعيت ثورتها نضال حقيقة * * * تسمو ليعلو للحياة بناء
وحضنت فكرتها بوعي يلتقي * * * في روحه الايمان والايحاء
ومضيت تقتاد الصفوف، ليقظة * * * ألوحيُ في أعماقها وضاء
وتلاقت الاصداء وامتد السرى * * * وتلفتت للموكب الصحراء
فإذا النبي وأنت رائد فجره * * * ترتاع من لفتاته الظلماء
وعقيدة القرآن تمرع بالاخا * * * دنيا تظلل أفقها البغضاء
ذكراك.. ذكرى العبقرية حرة * * * تعطي الحياة لينعم الاحياء
وتفيض لا ليقال فاضت نبعة * * * لكن، لتخصب قفرة جرداء
.. ذكرى العدالة حين تصرع قوة * * * يشقى بسوط عذابها الضعفاء
ما المجد، ما الجاه المزيف ما الغني * * * فالخلق عندك في الحقوق سواء
أوضحت منهجها وصنت حياتها * * * من أن يدنس طهرها الاجراء
أو يشفع المتملقون لغاصب * * * يجني لتمحي مجده الاباء
رافقت أهل البؤس في بأسائهم * * * فمضيت تشمخ باسمك البأساء
لم ترض أن رفعتك كف محمد * * * علماً تسير بهديه العلياء
حتى انطلقت فلم يطب لك مورد * * * هيهات تروى والقلوب ظماء
أو يغتمض جفن وتسكن أنة * * * ما دام يلتحف الدجى الفقراء
فرضيت أن تحيا ويخشن ملبس * * * وأبيت ردحا أن يطيب غذاء
مادام في أرض اليمامة جائع * * * أو معدم حفت به الارزاء
اطلقته مثلا ليبقى منهجاً * * * للعدل، يتبع هديه الامناء

* * *

وله اخرى بعنوان: يا إمام الاحرار، قوله:
منك من وحي فجرك المسحور ينتشي الشعر بالندى والعطور حتى يقول:
أنت انشودة الذرى من رأى الفجر وقد فاض بالشعاع الطهور حضنتها الحياة وانطلق الخلف يوشّي بها حديث الدهور وأنا هاهنا التفات إلى الذكرى فنضر بوحيها تفكيري علني اقطف النجوم فأجلو عبر اضوائها طريق العبور يا نجي الذرى، ويا باعث التاريخ نوراً في وحشة الديجور جئت والوحي برعم لم تفتق عنه أوراق حلمه المنثور والصبا مائج بعينيك وثاب إلى جدول الحياة الكبير والاماني في جانبيك حيارى يترقبن ساعة التطهير ليمزقن ظلمة الليل في عنف ويبعثن صرخة التكبير فجأة واستفاقت الارض تصغي في ذهول الى نداء النذير أيها الناس حطموا القيد عنكم واجيبوا طلائع التحرير أنا منكم من طينة الارض لكني رسول من الاله القدير أيها الناس لا اله سوى الله وليّ الايجاد والتدبير واستداروا عنه يقولون همسا ما لهذا اليتيم كالمسحور فتحديتهم وعانقت وحي الله حبا في نشوة وحبور وبدأت انتفاضة الفجر واقتدت السرايا إلى النداء الاخير وإذا بالنبي يهتف بالدنيا عليٌّ خليفتي ووزيري يا إمام الاحرار حطمت أصنام الدياجي بخاطر مستنير وحملت الضحى بكفيك ينبوع حياة فواحة بالعبير يمرح النور في غلائلها الخضر رقيقاً كهينمات الغدير وعلى روحك انطلاقة وحي أريحي للعالم المسحور ويقولون والسياسة ألوان من الختل والخنى والفجور وفنون من زائف القول يمليها صراع القوى وراء الستور وصراع يصور الجور عدلا يتغنى به فم الجمهور وأحابيل ينسج المكر نجواها فيجتاح هدأة العصفور إن دنياك وهي بنت السماء البكر في زهو مجدها الموفور

 

فخر الدين الحيدري
(1354 هـ -...)

 
السيد فخر الدين ابن السيد علي نقي الحيدري الكاظمي، اديب فاضل، ولد في بغداد عام 1354 هـ/ 1935 م من اسرة علمية عريقة اشتهرت بالعلم والادب والتجارة، ترعرع في ظل والده العلامة آية الله السيد علي نقي، فنهل منه مقدمات العلوم الدينيّة والعربية والاداب الاسلامية.
ثم تتلمذ على يد ثلة من علماء الكاظمية وبغداد فدرس عنهم الفقه والاُصول والعربية والتفسير والمنطق وغيرها.
تخرج في كلية اصول الدين ببغداد عام 1388 هـ، ثم مارس التدريس والادارة في مدارس بغداد الرسمية لفترة طويلة، ثم هاجر الى الجمهورية الاسلامية الايرانية عام 1413 هـ واستقر بقم المقدسة، وهو من المشاركين في الذروات والمناسبات الادبية والدينية، ومن تراثه الشعري قصائد ولائية كثيرة، كما له ممارسة واسهام طويلين في فن الخط العربي، وما يزال يواصل نشاطه الادبي هو وثلة من اقرانه الادباء.
وله من قصيدة عنوانها (المولدُ العلويُّ الزاهر) قوله:

بذكرِكَ يحلو الشعرُ او يَتَرنّم * * * وفي ظل ذكراك الورى تتنعّمُ
وماذا عساني أن أقولَ وإنني * * * لاَعجزُ عن ادراك ما هو مُبهم
وهلْ بعد ما جاءَ الكتابُ يخصُّه * * * بأجلى المعاني والرسولُ المعظّم
يُدانيه وصفٌ أو تنال بشخصه * * * مشاعر حبٍّ او يُحيطُ به فم
وهل وضعت أُنثى وليداً كمثله * * * باشرفِ بيت يحتويه ويلثم
وهل وطئت رجلٌ على متن احمد * * * يكسّر اصنام الاُلى ويحطّم
وهل هُدَّ ركنُ الشرك الا بسيفه * * * يُدمّرُ اوكار الظلال ويهزم
وهل رُفعت للدين اعلامه التي * * * ترفرف فوق العالمين وتحكم
وهل نشر الاسلام غيرُ جهاده * * * يُشيّد اركان الهدى ويُقوّم
وهل زوّجت خير النساء لغيره * * * وليس لها كفوءٌ هناك فيقدم
وهل آيةٌ في الذكر تتلى وغيره * * * يبيّن من اسرارها ويُعلّم
وهل جادت الايام قرناً كحيدر * * * يخوض المنايا مفرداً ليس يُهزم
وكان رسول الله يسقيه ريقَه * * * ويُلقمه ما يَشتَهيه ويُطعِم
فشبَّ بحجر المصطفى سيد الورى * * * يُغذّيه من شتى العلوم ويُلهِم
وصار له نهجاً عظيماً وقدوةً * * * فكان رسول الله نعم المعلّم
لذا جمع الله الفضائل كلّها * * * بشخص عليٍّ فهو أحرى وأكرم
ولولاه ما كانت هناك دعامةٌ * * * تُشاد لدين الله او كان مسلم
فلو ان كلَّ الناس جاؤوا بحبه * * * جميعاً لما كانت هناك جهنّم
ايا ليلة الميلاد جودي بنفحة * * * ففيك الهنا يحلو وخيرُك مفعم
وزفّي الى الدنيا بشائر مولد * * * اطلَّ عليها وجهُهُ المتَوسِّم
واشرقَ منه الكون نوراً ورحمةً * * * وطبقها الخيرُ الوفيرُ واعظَم
ومُذ عَلِمَتْ بالوضع فاطمُ اَقبلَتْ * * * الى البيت تدعو الله فيه وتلثم
وقد وَلَجَتْ في كعبةِ الله بَعْدَما * * * اتاها الندا ما فيه امرٌ مُحَتَّم
وكان وليدُ البيت في بطن امّه * * * يُكلّمها طوراً واخرى تُكلّم
فمذ وَضَعَتْ في البيت فاطمُ طفلها * * * تشرّف حجرٌ والحطيمُ وزَمزم
اَيا ليلةَ الميلاد طابَ بك المنا * * * ففجُركِ فجرٌ صادقٌ مُتَبسِّم
دعيني اَبث الشوقَ لحناً ونغمة * * * ففيك الورؤى يحلو وفي الحب يَحلُم
لقد ولَدَتْ في البيت فاطمُ حيدراً * * * فعَمّ الورى فجرٌ وخيرٌ ومغنَم
تحارُ الاُولى عن كُنهه وصفاته * * * وقد عجزوا انه يُدركوه فاحجموا
فقد ضَلَّ قومٌ ألّهوه جَهالةً * * * كما زاغ قومٌ ابغضوه فاجرموا
فكلُّهُم ساروا بغير هداية * * * ولم يسلكوا درب الصواب وقد عَموا
ولكننا قومٌ نقدّسُ حيدراً * * * ومن بعده الطهر الهداةَ وهُمْ هُم
فهم قادةُ الدنيا وأركانها التي * * * بظلِّهُمُ سارَ العباد ويَمّموا
فحُبُّهُم فرضٌ ومنجُهُم هُدىً * * * وبغضُهُم ذنبٌ عظيمٌ ومأثَم
وطاعَتُهم من طاعة الله إنها * * * طريقٌ الى نيل الجناية وسُلَّم

كما له من قصيدة اخرى بعنوان (علي (عليه السلام) انشودة الدهر ومفخرة الوجود) قوله:

عشتَ في الخالدين سفراً جليلا * * * وصنعتَ التاريخَ جيلاً فجيلا
خلدتك الايامُ في صفحة المجد * * * مناراً وقد أنرتَ العقولا
يقفُ الكون صاغراً في خشوع * * * وتدوّي السماءف لحناً جميلاژ
فكشفت الافاق للعلم تبغي * * * مشعلاً للهدى ينيرُ السيبلا
وسمت للعُلا اُصولُ معانيك * * * صفات ترتلَت ترتيلا
أنتَ نورٌ وما سواك ظلامٌ * * * وسراجٌ وقد أبيتَ الاُفولا
وهديتَ العُقولَ شرقاً وغرباً * * * تبتغي للورى طريقاً ذَلولا
ودَخلتَ التاريخَ ترسِم للاجيا * * * لِ دَرباً وللشعوبِ دَليلا
وتألقتَ شامخاً تهبُ الكَو * * * نَ علوماً ومنهجاً واُصولا
وسَمَتْ في عُلاك أحلى المعاني * * * ترتقي في سماك تبغي الوصولا
قد ترسّمتَ في خطاك طريقاً * * * مستقيماً وفي هُداك الرَّسولا
يقفُ العقل حائراً لصفات * * * تجعَلُ الطرفَ حاسراً وكليلا
أنتَ عدلُ الكتاب معنىً ورمزاً * * * ترتقي سُلّمَ الخلودِ سَبيلا
قد فديتَ الرسولَ تبغي رضا اللـ * * * ـهِ تعالى مجاهداً وقتيلا
كعبةٌ أنتَ للوفود ومسعىً * * * وفرارٌ وقد أجرتَ النزيلا
مُثُلٌ خلّنتك في صفحة المـ * * * جدِ مناراً وقد عَدِمت المثيلا
وبيوم الغدير ذلك سفرة * * * خلّدته العُصورُ وقعاً جميلا
حيث نصّ الالهُ فيه بأمر * * * لعلي فانزل التنزيلا
فولائي ولاؤه أبدَ الدهر * * * ولمن قد جَفاهُ خزياً طويلا
فانصرِ اللهُ من لَهُ بنصير * * * واجعل الله خصمَه مخذولا
وبه الحقُّ حَيثُ دار فاضحى * * * مركز الكون صارماً مسلولا
يا ابا الثائرين يا منبعَ الـ * * * ـحقِّ صراطاً ومرشداً ودليلا
أنتَ سُر الحياةِ بل كنه معنا * * * كَ استحال التفسير والتأويلا
أنتَ فخرُ الوجود نفساً وذاتاً * * * جسَّدتْ مجدك السما إكليلا
وتروم العقولُ وصفك حتى * * * قد غَدت فيك تطلبُ المستحيلا
أيَّ مرقىً سَمَوْتَ في صفحة التا * * * ريخ طوداً معظّماً وجَليلا
أنتَ للعلمِ والمدينة بابٌ * * * يبتغيها الذي يُريدُ الدخولا
وبنهج من فكركَ الاروع سفـ * * * ـراً هديتَ فيه العقولا
كنتَ للمصطفى اخاً ووزيراً * * * ووليّاً وناصراً وخليلا
فاقتحمتَ الحروبَ ليثاً هزبراً * * * وأذقتَ الابطالَ حتفاً وبيلا
يومَ بدر وخيبر وحُنين * * * حينَ لاقيتهم قبيلاً قبيلا
فمعانيك قد فسامت صعوداً * * * ومراميهُمُ تهاوت نزولا
وتعاليت هِمّةً وعطاءً * * * وتقدَّستَ راعياً وكفيلا
وسبقت الورى الى الدين قدماً * * * وبسيفِ الهدى فديت الرسولا
أنت نفسُ النبي ترسِمُ في مَسْـ * * * ـراك درباً للثائرين طويلا
فافتديت الدين الحنيف بنفس * * * شاهراً دونه الحسامَ الصَّقيلا
ودفعتَ الاجيالَ نحو ذرى الـ * * * ـمجدِ سلوكاً ومنهجاً وفصولا
قِمَمٌ أنت في المواهب حتى * * * وقفَ الدهرُ خاشعاً مذهولا

 
 

عبد الرحيم آل فرج الله
(1355 هـ - 1404 هـ)

 
الشيخ عبد الرحيم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ فرج الله (الثالث)، من آل فرج الله الجزائري الربيعي الاسدي (المارّ ذكر بعضهم)، أديبٌ عالم وفاضلٌ مجاهد.
ولد عام 1355 هـ/ 1936م، في أسرة علميّة دينيّة ونشأ في كنف والده العلاّمة الحجّة المقدّس، ثم التحق بالحوزة العلميّة في النجف الاشرف وتدرّج في مراحلها على جملة من أساتذتها، حتى حضر الفقه والاصول على الافاضل الشيخ محمد تقي الايرواني والشيخ عبّاس المظفر والشيخ محمد تقي الجواهري وامثالهم، ثم بحث الخارج على نخبة من الاعلام مثل السيد محسن الحكيم (قدس سره) والسيد ابو القاسم الخوئي (قدس سره) والسيد محمد تقي بحر العلوم (قدس سره) والشهيد السيد الصدر (قدس سره) الذي تربطه به علاقةٌ وثيقةٌ خاصّة فهو من خلّص اصفيائه والمعتمدين لديه وقد تأثّر بفكره العلمي والسياسي وعمل تحت ظلّ مرجعيّته بنشاط وجرأة حتى استشهد إثره.
وكان للمترجم له حضورٌ فاعلٌ في الحركة الاصلاحيّة ومزاملةٌ لرجال الفضل والفكر من معاصريه، كما كانت له مساهمات ثقافيّة عديدة منها: عضويّته في تحرير مجلاّت عديدة كالاضواء وغيرها ومشاركته في المنتديات والاحتفالات والمكتبات ورعايته لطلبة العلوم الدينيّة والشباب المثقّف، إضافة إلى نشاطه السياسيّ المبكّر من خلال فعّاليات وحركات عديدة برز فيها كأحد الوجوه الناشطة حتى اعتقاله الاخير عام 1402 هـ.
التحق بكليّة الفقه في سنتها الثانية، ثم مارسَ مهنة التعليم - لظرفه المادي - إثر تخرُّجِه من دورة رجال الدين التعليميّة أوائل العهد الجمهوري مع ثلّة من اقرانه، ولم يمنعه ذلك من مواصلة الدرس والتدريس الحوزويين والخطابة والكتابة، وقد أُثِر عنه عفّته وإباء نفسه وإلزامُها بمثل عليا وجرأة في الحق ومواجهة للانحراف.
له من نتاجه مقالاتٌ كثيرة منشورة في المجلاّت النجفيّة آنذاك إضافةً إلى آثار مخطوطة - ضاع أغلبها - في التفسير والتربية والتاريخ والادب والعمل الحركي، وتقريرات فقهيّة، وديوان شعر، وغيرها.
اعتُقِل للمرّة الاخيرة إثر إعدام الشهيد الصدر (قدس سره) بتهمة المشاركة في الاعداد لانتفاضة رجب 1399هـ ومعارضة النظام الجائر، ولاقى صنوف التعذيب حتى بُلِّغَ بخبر استشهاده عام 1404هـ/ 1983م.
وله من قصيدة:

من عالم الغيب من أخفى سرائرِهِ * * * تنزَّلَ الوحيُ في اعطاف شاعرِهِ
وشاقَه همسُه البكرُ الذي هجَستْ * * * به المخايلُ في أعماق خاطره
فراحَ يرسم آفاقاً ملوَّنةً * * * من الشعور قصيّات لناظره
ويُنزلُ النغمة السكرى ويودعها * * * في أحرف ثملت من غيث ما طهره
تُسقى الولاءَ نميراً سلسلاً غَدقاً * * * وتنهلُ الحبّ ممزوجاً بباكره
من خمرة الوجدِ إذ صُفّت مدامَتُها * * * وإذ صَفَتْ في يد الساقي وسامره
معذَّبَينِ بهجر لاذع فعسى * * * يكوي به الجمرُ لذعاً قلبَ هاجره
ومغرَمينِ بأطياف مبرَّحة * * * تدوفُها بسهاد عينُ ساهره
وتستشفّ الرؤى فيها مُحسَّدةً * * * من الغريّ فيا سقياً لعاطره
ويا هناءً لاشباح تحفُّ به * * * ويا سلاماً على اعتاب زائره
ويا سجوداً على عافي الثرى ولهُ * * * من طيب حيدرَ نفحٌ في معافره
وللصباح شروقٌ دون قبّته * * * وللمساء ائتلاقٌ من منائره
وللندى بابُه المرجاةُ مشرعةٌ * * * وللعلى كلُّ مرقىً في منابره
وللعلوم رواقٌ ظلُّه شرفاً * * * يمتدُّ في كلّ سطر من محابره!
هذا هو المجدُ فليعزبْ أخو عذل * * * عن مثله وليزِدْ لوماً لناكره
وكيف يُنكرُ مَن شُدَّتْ أواصرُه * * * بالخلد في يوم ماضيه وحاضره
ومَن نمتْهُ الى الله الامامةُ بل * * * حبلُ النبوّة فرعٌ من أواصره
لولا أخوه ختام الرسل لاحتشدت * * * له الملائكُ توحي في سرائره
لكنّه الشاهدُ الموصى الامامُ ومن * * * آياتِه الفُ شمس في محاجره
شَعَّتْ على الارض فانجابت دياجرُها * * * وظلَّ يخبطُ بعضٌ في دياجرِه

وله ايضاً من قصيدة أخرى:

عرَّشَ الحلمُ في مداك وطالا * * * ونما مزدهىً وماسَ اختيالا
وتدانى إليَّ وهماً شفيفاً * * * وخطوراً مُجنّحاً وخيالا
فرَّ من زحمة الطيوف النشاوى * * * ونأى حيث ظله لن يُطالا
وصفا عالماً ودقَّ شعوراً * * * وسما خاطراً وعزَّ منالا
فهو من مشرق عرجت اليهِ * * * ومضة النور لا تطيق انفصالا
وهو من عالم تقدّستَ فيه * * * همسةٌ توسُع الدعاء ابتهالا
وهو حرفٌ ترقرقَ الشعرُ فيه * * * واستوى في الرؤى لها تمثالا
أنت جسَّدتَه لديَّ وأنت الـ * * * ـنافخُ الروح فيه حتى استحالا
فإذا كلُّ ما إخالُك من قُد * * * س ومجد وعصمة قد تلالا
في قصيدي وفي فمي فتوهَّجْ * * * واشتعلْ ايُّها المديحُ اشتعالا
لامام البيان يسجدُ حرفي * * * ولربّ النبوغ يُحفي السؤالا
ولذكراه يمنحُ القلبَ وصلاً * * * ويمدُّ الشغاف دمعاً مُذالا
يومَ أهوى به الحفاظُ قتيلاً * * * طالما كان للعدى قتّالا
طالما كان للمروءات خدناً * * * والبطولات فارساً رئبالا
لم يثُرْ في دجى الكريهة هدياً * * * علويّاً حتى يهدَّ الضلالا
أو يلُحْ في مواقف الحمد حتى * * * يُعجزَ الناسَ والزمانَ مثالا
فلتضِعْ في عثارها الفكرُ السو * * * دُ اندحاراً وذلّةً وانخذالا
يا إمامَ الهدى وحسبُكَ مجداً * * * أن يشدَّ الهدى اليك الرّحالا
ويُصافيك في ثراك مآلا * * * ويُناجيك في علاك مقالا
بليَ الدهرُ يا عليُّ ولمّا * * * يزلِ الموتُ ينسجُ الاجالا
غيرَ دنياك فهي تخلدُ عُمراً * * * يسترقُّ القرونَ والاجيالا
والجهادُ المغذُّ خلفَك يقفو * * * بيرقَ الفتح والكماةَ الرجالا
عبروا غابر السنين وطافوا * * * في دنى اليوم ثورةً ونضالا
لا لرأي الدخيل تُنمى ولا للـ * * * ـحقد يُلقي ظلامُه الاغلالا
في دروب الهداة ثم يغول الـ * * * ـفجرَ والوعي والتقى والجَمالا
ويلَها فكرةُ الخطيئة هلاّ * * * أعولت في احتراقها إعوالا
حين شاهت أبصارُها الرمدُ حسرى * * * وعليٌ مع الضحى يتعالى

 
 

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الاصل في العجز « يا قلب » وحذف حرف النداء ليستقيم الوزن.