ادب الطف

 
 

وقبته مائلة للعيان.ذكره النسابة السيد جعفر بن السيد محمد الاعرجي الكاظمي المتوفي سنة 1333 في كتابه .(مناهل الضرب في انساب العرب)

ادب الطف ـ الجزء الاول 239

وللسيدة الحوراء زينب سلام الله عليها مواقف مليئة بالبطولة والشجاعة يوم وقعت الواقعة بين الحق والباطل في كربلاء ويوم استشهد جميع انصار الحق لايريدون ان يذعنوا للباطل .زينب رمز المرأة المسلمة المؤمنة ، ومفخرة المرأة العربية المخلصة فقد شاطرت الحسين بهذه النهضة الجبارة ، قال العلامة المعاصر الشيخ عبد المهدي مطر في قصيدةعدد فيها مواقف السيدة زينب:

يا ريشة القلم استفزي واكتبي      هل كان هزك مثل موقف زينب

وفاتها :

ذكر المؤرخون ان السيدة زينب ماتت في النصف من رجب سنة 65هـ.

وقال الاستاذ حسن قاسم في كتابه ، السيدة زينب:

السيدة الطاهرة الزكية بنت الامام علي بن ابي طالب ابن عم الرسول وشقيقة ريحانتيه .لها اشرف نسب واجل حسب واكمل واطهر قلب . فكأنها صيغت في قالب ضمخ بعطر الفضائل . فالمستجلي آثارها يتمثل امام عينيه رمز الحق ، رمز الفضيلة . رمز الشجاعة . رمز المرؤة فصاحة اللسان. قوة الجنان. مثال الزهد والورع مثال العفاف والشهامة . ان في ذلك لعبرة .

وقال العلامة محمد علي احمد المصري في رسالته : السيدة زينب :

ادب الطف ـ الجزء الاول 240

هي بنت سيدي الامام علي كرم الله وجهه ، وبنت السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله وهي من اجل اهل البيت حسبا واعلاهم نسبا. خيرة السيدات الطاهرات ومن فضليات النساء وجليلات العقائل التي قامت الفوارس في الشجاعة واتخذت طول حياتها تقوى الله بضاعة كريمة الدارين وشقيقة الحسنين.

وقال عمر ابو النصر في كتابه ، فاطمة بنت محمد : واما زينب بنت فاطمة فقد اظهرت انها من اكثر اهل البيت جرأة وبلاغة وفصاحة . وقد استطارت شهرتها بما اظهرت يوم كربلاء وبعده من حجة وقوة وجرأة وبلاغة حتى ضرب بها المثل وشهد لها المؤرخون والكتاب.

وقال ابن الاثير : ان زينب ولدت في حياة النبي وكانت عاقلة لبيبة جزلة ، وكلامها ليزيد بن معاوية حين طلب الشامي اختها فاطمة مشهور، يدل على عقل وقوة جنان .

وقال العلامة البرغاني في (مجالس المؤمنين) : إن المقامات العرفانية الخاصة بزينب تقرب من مقامات الامامة ، وانها لما رات حالة زين العابـدين ـ حين راى اجساد ابيه واخوته وعشيرته واهل بيته على الثرى صرعى مجزرين كالاضاحي وقد اضطرب قلبه واصفر لونه ـ اخذت في تسليته ، وحدثته بحديث ام ايمن(1) كما روى ابن قولويه في

(1)هي مربية النبي (ص) ومولاته ، سوداء ورثها النبي عن امه ، وكان اسمها بركة ، فاعتقها وزوجها عبيد الله الخزرجي بمكة فولدت له ايمن ، فمات زوجها فزوجها النبي من زيد فولدت له اسامة اسود يشبهها ، فاسامة وايمن اخوان ، وام ايمن شهد النبي لها الجنة . ادب الطف ـ الجزء الاول 241
(كامل الزيارة) ص 261 : ان علي بن الحسين لما نظر الى اهله مجزرين و بينهم مهجة الزهراء بحالة تذيب القلوب، اشتد قلقه، فلما تبينت ذلك منه زينب أخذت تصبره قائلة:
مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي و أبي و إخوتي، فوالله إن هذا لعهد من الله الى جدك و ابيك، ولقد أخذ الله ميثاق اناس لا تعرفهم فراعنة هذه الارض و هم معروفون في اهل السماوات، انهم يجمعون هذه الاعضاء المقطعة و الجسوم المضرجة فيوارونها و ينصبون بهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لايدرس أثره و لا يمحي رسمه على كرور الليالي والايام، وليجتهدن ائمة الكفر و أشياع الضلال في محوه وتطميسه فلا يزداداثره الا علواً.  هذا هو الايمان الصادق ، و هذا هو السر الذي اخبرت به الحوراء عن عقيدة راسخة مستمد من ينبوع النبوة و فيض الامامة أتراها كيف تخبره متحققة ما تقول و توكد قولها بالقسم اذ تقول : فوالله ان هذا لعهد من الله.ثم افتكر في مدى علمها و قابيليتها لتقبل هذه الاسرار التي لا تستودع الا عند الاوصياء و الابدال و لا تكون الا عند من امتحن الله قلبه للايمان. و هكذا كانت ابنة علي كلما عضها الدهر بولاته ولج بها المصاب انفجرت كالبركان تخبر عن مكنونات النبوة واسرار الامامة، اقول و من هذا الحديث ترويه ام أيمن و هو من اصح الاخبار سندا، كما ورد على لسان ميثم التمار في حديث جبلة المكية: إعلمي يا جبلة ان الحسين بن علي سيد الشهداء يوم القيامة ، و لأصحابه على سائر الشهداء درجة وورد على لسان زين العابدين كما في - الكامل لابن قولية ص 268 قال: تزهر أرض كربلاء يوم القيامة كالكوكب

ادب الطف ـ الجزء الاول 242

الدري ، و تنادي انا ارض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة.  وزينب هي عقيلة بني هاشم. ولدها هاشم مرتين، و ما ولد هاشم مرتين من قبلها سوى ام هاني _ اخت امير المؤمنين ، وهي اول هاشمية من هاشميين. و العقيلة عند العرب و ان كانت هي المخدرة الكريمة لكن تخدر زينب لم يشابهه تخدر امرأة . قال ابو الفرج: العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي. وكانت ثانية امها الزهراء في العبادة، وكانت تؤدي نوافل الليل كاملة في كل أوقاتها حتى ان الحسين عليه السلام عندما ودع عياله وداعه الاخير يوم عاشوراء قال لها: يا اختاه لا تنسيني في نافلة الليل كما ذكر ذلك البيرجندي وهو مدون في كتب السير.

وكانت كما قال لها الإمام السجاد: انت يا عمة عالمة غير معلمة، و فهمة غير مفهمة و اما الصبر فقد بلغت فيه ابعد غاياته وانتهت فيه الى أعلا درجاته فانها لما سقط الحسين يوم عاشوراء خرجت من الفسطاط حتى انتهت اليه، قال بعض ارباب المقاتل : انها لما وقفت على جسد الحسين قالت : اللهم تقبل منا هذا القربان . و نقل صاحب الخصائص الحسينية أنها كانت قد وطنت نفسها عند احراق الخيم ان تقر في الخيمة مع النسوة، ان كانت الله شاء إحراقهن كما شاء قتل رجالهن، ولذلك قالت لزين العابدين عند اضطرام النار: يابن اخي ما نصنع، مستفهمة منه مشيئة الله فيهن ، والا فمن يرى النار يهرب منها بالطبع ولا يستشير فيما يصنع.

قال الشيخ المامقاني في(تنقيح المقال): زينب في الصبر والتقوى

ادب الطف ـ الجزء الاول 243

وقوة الايمان والثبات وحيدة، وهي في الفصاحة و البلاغة كأنها تفرغ عن امير الؤمنين كما لايخفى على من أنعم النظر في خطبتها، ولو قلنا بعصمتها لم يكن لاحد أن ينكر أن كان عارفا باحوالها في الطف و ما بعده ، كيف ولولا ذلك لما حملها الحسين مقدارا من ثقل الامامة أيام مرض السجاد، و ما أوصى اليها بجملة من وصاياه ، ولما أنابها السجاد عليه السلام نيابة خاصة في بيان الاحكام وجملة اخرى من آثار الولاية... الى ان قال... وعمرها حين توفيت دون الستين.

وقال الطبرسي: انها روت اخبارا كثيرة عن امها الزهراء، وروى انها كانت شديدة المحبة بالنسبة الى الحسين من صغرها، اقول كأن وحدة الهدف و نبل الغاية و المقصد وكبر النفس جعلت منهما أليفين عظيمين لذلك شاطرته النهضة و شاركته في ثورته المباركة، وعندما دخلت الكوفة ورأت تلك الجماهير كالسيل يدفع بعضها البعض واذا بابنة علي بمجرد أن أومأت الى الناس أن اسكتوا، ارتدت الانفاس و سكنت الاجراس.

توافرت الروايات عن حذلم بن كثير: قال: قدمت الكوفة في المحرم سنة احدى و ستين عند منصرفي علي بن الحسين و السبايا من كربلاء ومعهم الاجناد يحيطون بهم، و قد خرج الناس للنظر اليهم فلما اقبل بهم على الجمال بغير وطاء خرجن النسوة اهل الكوفة يبكين و ينشدن.

وذكر الجاحظ في (البيان والتبيين) عن خزيمة الاسدي قال: ورأيت نساء اهل الكوفة يومئذ قياما يندبن مهتكات الجيوب. قال حذلم بن كثير: فسمعت علي بن الحسين يقول بصوت ضعيف - وقد انهكته العلة، و الجامعة في عنقه: ان هؤلاء النسوة يبكين اذن فمن قتلنا.

ادب الطف ـ الجزء الاول 244

قال: و رأيت زينب بنت علي ولم أر خفرة أنطق منها، كأنها تفرغ عن لسان امير المؤمنين. قال: أومأت الى الناس أن اسكتوا. فارتدت الانفاس وسكنت الاصوات فقالت:

الحمد لله والصلاة على محمد و آله الطيبين الاخيار، اما بعد يا اهل الكوفة يا اهل الختر والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم، الا وهل فيكم الا الصلف و النطف (1)والكذب و الشنف (2)وملق الاماء و غمزة الاعداء أو كـمرعى على دمنة (3)او كقصة (4)على ملحودة ، ألا ساء ما قدمت لكم انفسكم سخط الله عليكم و في العذاب انتم خالدون، أتبكون و تنتحبون اي والله فاكبوا كثيرا و اضحكوا قليلا فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها ابدا، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة و معدن الرسالة و سيد شباب اهل الجنة وملاذ خيرتكم و مفزع نازلتكم. و منار محجتكم. و قدرة سنتكم، ألا ساء ما تزرون و بعدا لكم وسحقا . فلقد خاب السعي وتبت الايدي، و خسرت الصفقة و بؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة و المسكنة، ويلكم يا اهل الكوفة أتدرون اي كبد لرسول الله فريتم. و اي كريمة له ابرزتم، واي دم له سفكتم، و اي حرمة له انتهكتم، ولقد جئتم بها صلعاء (5)عنقاء، سوداء، فقماء، خرقاء

(1) الصلف: الادعاء تكبرا ، و النطف: التلطخ بالعيب.
(2) الشنف: بالتحريك البغيض والتنكر.
(3) الدمنة: المكان الذي تدمن به الابل و الغنم فيكثر البول و البعر.
(4) القصة بالفتح: بناية مجصصة على القبر.
(5) الصلعاء: الداهية وما بعد صفات له بالقبح و الشدة.

ادب الطف ـ الجزء الاول 245

شوهاء كطلاع الارض (1)أو ملأ السماء، افعجبتم ان امطرت السماء دما و لعذاب الآخره اخزى وانتم لا تنظرون، فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه (2) البدار، ولا يخاف قوت الثار و ان ربكم لبالمرصاد.

قال الراوي: فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم على أفواههم، ورأيت شيخا واقفا الى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته بالدموع وهو يقول: بأبي انتم و امي. كهولكم خير الكهول ، و شبانكم خير شبان، ونساؤكم خير نساء، ونسلكم خير نسل، لا يخزى ولا يبزى (3) ثم انشد:

كهولكم خير الكهول و نسلكم      إذا عد نسل لا يبور ولايخزى

وهذا حذلم بن كثير من فصحاء العرب أخذه العجب من فصاحة زينب و بلاغتها و أخذته الدهشه من براعتها و شجاعتها الابية.

ولما أدخلت السبايا على ابن زياد في قصر الامارة بالكوفة وقد غص القصر بالناس اذ ان الرواية تقول: وأذن للناس اذنا عاما، ووضع ابن زياد رأس الحسين بين يديه و أدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه ودخلت زينب اخت الحسين في جملتهم متنكرة و عليها أرذل ثيابها و مضت حتى جلست ناحية و حفت بها إماؤها، فقال ابن زياد: من هذه المتنكرة فلم تجبه ترفعا عن مخاطبته حتى قال له بعض

(1) طلاع الارض: ملؤها.
(2) الحفز: الحت والاعجال.
(3) لا يبزي: اي لا يغلب و لا يقهر.

ادب الطف ـ الجزء الاول 246

امائها: هذه زينب بنت علي. فاقبل اللعين قائلا متشفيا شامتا:

كيف رأيت صنع الله بأخيك الحسين. قالت بما يكشف له أنها غير مبالية ولا متفجعة: ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك و بينهم فتحاج و تخاصم فانظر لمن الفلح ثكلتك امك يابن مرجانة.

فكان هذا الكلام اشق عليه من رمي السهام و ضرب الحسام ولهذا اغضبه حتى هم أن يشفي غيظه بضربه لها، فقام والسوط بيده فقام عمر بن حريث و قال: يا امير إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، قال أما تراها حيث تجرأت علي، قال: لا تلم زينب يرى ابن زياد انه القانط على العراق بيد من حديد والناس تناديه: يا أمير المؤمنين واذا بالمرأة الاسيرة تقول له: يابن مرجانة.

اما خطبتها بالشام في البلاط الاموي تلك الخطبة البليغة و المملؤة شجاعة و حماسة و قوة و رصانة و احتجاجا وادلة بذلك المجلس المكتظ بمختلف الناس و جماهير الوافدين رواها ابن طيفور في (بلاغات النساء) ص 21 وروراها الشيخ الصدوق وغيره من ارباب التاريخ قالوا:

لما ادخل علي بن الحسين عليه السلام وحرمه على يزيد وجيء برأس الحسين ووضع بين يديه في طشت وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده ، وهو يتمثل بابيات ابن الزبعري المشرك:

يـا  غراب البين ما شئت iiفقل      إنـما  تـذكر شـيئا قـد iiفعل
لـيت اشـياخي بـبدر iiشهدوا      جزع  الخزرج من وقع iiالاسل
لأهـلـوا و اسـتهلوا iiفـرحا      ثـم قـالوا يـا يـزيد لا iiتشل

ادب الطف ـ الجزء الاول 247

لـعبت  هـاشم بـالملك iiفـلا      خـبر  جـاء ولا وحـي iiنزل
لـست مـن خندف إن لم أنتقم      مـن  بـني احمد ما كان iiفعل
قـد قـتلنا الـقرم من iiساداتهم      وعـدلنا  مـيل بـدر iiفاعتدل
وأخـذنـا مـن عـلي ثـارنا      وقتلنا الفارس الشهم البطل 
(1)

فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب و أمها فاطمة بنت رسول الله (ص) وقالت:

الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على رسوله محمد و آله اجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول:« ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى أن كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزأون» أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أٌقطار الارض و آفاق السماء (2) فاصبحنا نساق كما تساق الإماء، إن بنا على الله هو انا و بك عليه كرامة، وان ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، و نظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحاً، و تنفض مذريك مرحاً (3)، جذلان مسرورا حين رأيت الدينا لك مستوسقة (4) و الامور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا (5) فمهلا مهلا، لا تطش جهلا، أنسيت قول الله تعالى « ولا يحسبن الذين

(1) ذكر ابن هشام في ( السيرة النبوية) قصيدة ابن الزبعري بكاملها.
(2)تريد عليها السلام بهذا القول: انك ملأت الارض بالخيل و الرجال و الفضاء بالرايات وضيقت الارض العريضة علينا. كما يقول شاعر الحسين:

يجمع من الارض سد الفروج      وغطا النجود و غيطانها

وطا الوحش اذا لم يجد مهربا      ولازمت الطير أوكانهـا

(3) تضرب أصدريك: اي منكبيك، و تنفض مذرويك: المذروان جانبا الاليتين، يقال: جاء فلان ينفض مذرويه: اذا جاء باغيا يتهدد.
(4) مستوسقة: مجتمعة. و متسقة: منظمة.
(5) تقول عليها السلام ان الملك ملكنا والسلطان لنا من جدنا الرسول (ص).

ادب الطف ـ الجزء الاول 248

كفروا انـما نملي لهم خير لأنفسهم انما نملى لهم يزدادوا أثما ولهم عذاب مهين» (1).

أمن العدل يابن الطلقاء (2)تخديرك حرائرك و أماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا. قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، وصحلت (3)أصواتهن، تحدو بهن الاعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن اهل المناهل و المناقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد, والشريف و الدني، ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي، وكيف ترتجى مراقبة ابن من لفظ فوه اكباد الاذكياء، و نبت لحمه من دماء الشهداء (4)وكيف يستبطأ في بغضنا اهل البيت من نظر الينا بالشنف و الشنآن (5)والأحن والاضغان، ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم داعيا باشياخك - ليت اشياخي ببدر شهدوا - منحنيا على ثناياي ابي عبد الله سيد شباب اهل الجنة تنكتها بمخسرتك (6)وكيف لا تقول

(1) سورة آل عمران -178.
(2) الطلقاء هم ابو سفيان و معاوية و آل امية الذين اطلقهم رسول الله (ص) عام الفتح اذ قال: اذهبوا فانتم الطلقاء ، و بهذا صاروا عبيدا لرسول الله هم و ذراريهم.
(3) صحلت: بحت يقال، صحل صوته: بح و خشن.
(4) اشارة الى ما فعلته هند ام معاوية يوم احد حيت شقت بطن الحمزة بن عبد المطلب وهو قتيل و استخرجت كبده فلاكتها باسنانها ثم جعلت من اصابع يديه و رجليه معضدين وقلادة وخلخالين.
(5) الشنآن: البغض والحقد. تقول عليها السلام. ان بذرة الحقد لم تزل متمكنة من نفوسكم يابني امية، واعظم ما شق عليكم وارثر في نفوسكم ان شرف النبوة في هذا البيت الطاهر كما قيل:

عبد شمس قد أضرمت لبني هاشم     حربا يشيب منها الوليد

فابن حرب للمصطفى، وابن هند      لعلي، و للحـسين يزيد

(6) المخصرة بكسر الميم كالسوط.

ادب الطف ـ الجزء الاول 249

ذلك وقد نكأت القرحة (1)واستأصلت الشأفة (2) بأراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه و آله و سلم و نجوم الارض من آل عبد المطلب. أتهتف باشياخك. زعمت انك تناديهم فلتردن وشيكا (3) موردهم، و تودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت و فعلت ما فعلت، اللهم خذلنا بحقنا و انتقم ممن ظلمنا . و احلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا.

فوالله يا يزيد ما فريت إلا جلدك و لا حززت الا لحمك، ولتردن على رسول الله بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته و لحمته حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم و يأخذ بحقهم «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون» (4)وحسبك بالله حاكما، وبمحمد صلى الله عليه و آله خصيما، و بجبريل ظهيرا.

و سيعلم من سول لك و مكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا (5)وايكم شر مكانا و أضعف جندا. ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك (6) إني لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك و أستكثر توبيخك. لكن العيون عبرى و الصدور حرى، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء. وهذه الايدي تَنْطِفُ من

(1) نكأت القرحة: اي وسعت مكانا جرحها.
(2) الشأفة: قرحة تخرج في اسفل القدم فتكيى و تذهب، ويقال، استأصل الله شأفته، اذهبها كما تذهب تلك القرحة.
(3) وشيكا: قريبا.
(4) آل عمران -169.
(5) الكهف - 50.
(6) الدواهي جمع داهية: هي النازلة الشديدة تنزل بالانسان.

ادب الطف ـ الجزء الاول 250

دمائنا (1)والافواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطـ واهر الزواكي تنتابها العواسل (2)وتعفرها أمهات الفراعل (3). ولئن اتخذتنا مغنما لتجدننا وشيكا مغرما حين لا تدل الا ما قد مت يداك وما ربك بظلام للعبيد. فالى الله المشتكى, وعليه المعول, فكد كيدك، واسع سعيك، و ناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا (4) ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند (5)وأيامك الا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين. فالحمد لله رب العالمين. الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة و الرحمة ونسآل الله ان يكمل لهم الثواب و يوجب لهم المزيد، و يحسن علينا الخلافة،إنه رحيم ودود وهو حسبنا و نعم الوكيل. فقال يزيد:

ياصيحة تحمد من صوائح     ما أهون النوح على النوائح

أرأيت ابنة علي و موقفها الذي تعجز عنه أبطال الرجال.. تأمل في كلامها الطافح بالعزة والإباء. و المملوء جرأة و إقداما،و المشحون بالابهة والعظمة، بعدم المبالاة بكل ما مر عليها من المصائب والنوائب

(1) تنطف: اي تقطر.
(2) العواسل: الذئاب.
(3) الفراعي : ولد الضبع.
(4) تقول عليها السلام انك بقتلك للحسين قد قضيت على اسمه فهيهات لا تمحو ذكرنا، ولقد صدقت ربية الوحي فهذه الآثار الباقية لأهل البيت والثناء العاطر، و هذه قبابهم المقدسة مطافا لعامة المسلمين. يبتهلون الى الله في مشاهدهم:
السلام عليكم يا اهل بيت النبوة و موضع الرسالة و مختلف الملائكة، و خزان العلم و منتهى الحلم و اصول الكرم، و قادة الامم الى آخر الزيارة.
(5) الفند: الكذب.

ادب الطف ـ الجزء الاول 251

لكأن نفس أخيها بين جنبيها ولسان أبيها بين فكيها، إنها بكل شجاعة تفرغ بليغ الخطاب غير مقحمة ولا متعلثمة فبخ بخ ذرية بعضها من بعض.

وان اختلاف الروايات في كون دفنها في الشام أو مصر أو البقيع يعود الى عظمة شخصيتها، فكل من هذه البلاد الثلاثة كانت تتجاذب رواية دفنها فيها و توكدها عندها لتجذب اليها انظار العالم الاسلامي، وان النفع الذي يتحقق لبلد الشام - اليوم - من وجود مشهد الحوراء زينب هو نفع اقتصادي، ان عشرات الالوف من الزائرين الذين يقصدونها من مختلف الاقطار القريبة و البعيدة يدر على البلد بربح طيب ومازال العمران و منذ اكثر من عشرة سنوات وحتى يومنا هذا يسعف اليد العاملة في البلد.

نشرت مجلة (الغري) النجفية في سنتها 15 تحت عنوان القفص الذهبي فقالت: أهدى أغنى أغنياء الباكستان السيد محمد علي حبيب قفصا ذهبيا للسيدة زينب بنت الامام علي بن ابي طالب، وكان السبب الوحيد لاهداء هذا القفص هو أنه كان له ولد مصاب بمرض مزمن وقد عجز أطباء العالم عن معالجته فأيس من شفائه، فتضرع الى الله تعالى و توسل بحفيدة النبي زينب الكبرى فقصد الشام لزيارة قبرها وبات ليلته في حضرتها متضرعا الى الله في شفاء ولده ثم سافر الى بلده، وحين وصوله شاهد ولده معافى بتمام الصحة من المرض الذي الم به، وهذ احدى كرامات الظاهرة زينب.

ثم روت مجلة الغري عن جريدة (الزمان) الدمشقية الخبر التالي: تصل خلال الايام القادمة الهدية الثمينة، وهي عبارة عن كسوة من الفضة المذهبة لضريح السيدة زينب عليها السلام حفيدة الرسول الاعظم.

ادب الطف ـ الجزء الاول 252

- ثم تعطي الجريدة المذكورة صورة عن الاحتفال في كراتشي بهذا الضريح - تقول: وقد سبقت للهدية قصة عجيبة اذ أن للسيد محمد علي حبيب نجل واحد اصيب بالشلل و عالجه ابوه في مستشفيات اوربا ولدى أمهر أطبائها ولكن المشلول لم يشفى، و منذ عامين في طريق عودة الوالد من احدى جولاته في اروبا مر في دمشق و زار قبر السيدة زينب و قضى ليلة في باحة الضريح وأخذ يبتهل الى الله أن يشفي ابنه الوحيد، وفي الصباح غادر المكان وقد علق بذهنه تاريخ تلك الليلة التي قضاها الى جانب حفيدة الرسول الكريم، وعند وصوله الى كراتشي كان اهله في استقباله، وكان أول سؤاله عن ابن المشلول المقعد، ولشدة ما كانت دهشته عظمية عندما قالوا له: انه شفي ، وانه يقضي دورة النقاهة في ضاحية من ضواحي العاصمة.

واستمع الرجل الى القصة من أولها فاذا هم يقولون: ان الولد المقعد شعر ذات ليلة و هي نفس الليلة التي قضاها ابوه في جوار ضريح السيدة زينب. شعر الابن بالقوة في قدميه فحركها ثم حاول ان يهبط من سريره الى الارض ليقف على قدميه ونادى امه و الخدم وسار بمعونهم، وكان فزع الام بالغا أشده لأن ابنها عاود الكرة في الصباح و أخذ يمشي طيلة النهار، والتقى الاب بابنه بعد ذلك فرآه يمشي كما يمشي السليم من الناس وشهد فلذة كبده بعينه صحيح الجسم بعد أن عجز أطباء العالم عن شفائه، وايقن ان الشفاء نزل في نفس الليلة التي يتوسل فيها الى الله . فاعتزم ان يقدم للضريح هدية ثمينة تليق بصاحبة الضريح المكرمة.

اقول و نشرت مجلة العرفان اللبنانية: ان هذا القفص الذهبي يزن 12 طن، وهو محلى بالجواهر الكريمة النادرة وقد ارخ وصول الضريح الخطيب المؤرخ الشيخ علي البازي بقوله:

ادب الطف ـ الجزء الاول 253

هذا ضريح زينب قف عـنده      واسـتغـفر الله لكل مذنـب

ترى الملا طرا و أملاك السما     أرخ( وقوفا في ضريح زينب)

1370ه

ونشرت مجلة العرفان اللبنانية مجلد 42 ص923 فقالت:

أهدت ايران حكومة وشعبا صندوقا أثريا من العاج و الآبنوس المطعم بالذهب لضريح السيدة زينب المدفونة في ظاهر الشام - قرية راوية - وهو من صنع الفنان الايراني الحاج محمد سميع، وبقي في صنعه ثلاثين شهرا وقد ساهم في نفقاته جلالة شاه ايران و بعض متمولي الشعب ، وقدر ثمنه بمائتي الف ليرة سورية، وله عطاء من البلور، وقد احضرته بعثة ايرانية رسمية برئاسة ضابط ايراني كبير، و اقيمت حفلة كبرى في الصحن الزينبي ترأس الحفلة السيد صبري العسلي رئيس الوزارة السورية وهو الذي ازاح الستار عن الصندوق.

ادب الطف ـ الجزء الاول 254

15ـ علي بن الحسين السجاد(ع)

قال بعد قتل ابيه عليه السلام مخاطبا أهل الكوفة:

فلا غرو من قتل الحسين فشيخه      أبـوه عـلي كان خيرا و iiأكرما
فلا  تفرحوا يا أهل كوفان بالذي      أصـاب حسينا كان ذلك iiأعظما
قـتيل  بشط النهر روحي iiفداؤه      جزاء الذي أراده نار جهنم
ا(1)

ولما أُدخل مع السبايا الى الكوفة قال كما رواه الطريحي في المنتخب:

يا امة الـسوء لاسقيا لربعكم      يا امـة لم تراع جدنا فينا

لو أننـا و رسول الله يجمعنا      يوم القيامة ماكنتم تقولونا

تسيرونا على الاقتاب عارية      كأننا لم نشيد فيـكم ديـنا

(1) عن (الراشق) للسيد احمد العطار الحسيني، الجزء الاول، مخطوط.
 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث