1- لا تعذلِ العيـنَ أن أرخـتْ عَزاليهـا | فالشـوقُ سائقُـهـا والبَـيْـنُ مُجريـهـا |
2- والهـمُّ يُسهدُهـا والطيـفُ يُسعـدُهـا | والدمـعُ ينجـدُهـا والـوعـدُ يُغريـهـا |
3- وللأمانـي بهـا فـي كــلِّ آونَــةٍ | وحــيٌ يقرّبـنـي منـهـا ويُقصيـهـا |
4- إنّي على العهـدِ مـا ناحـتْ مُطَوَّقَـةٌ | تـبـثُّ للنـفـسِ أشجـانـاً فتُشجـيـهـا |
5- وحدي بدائـيَ لا أشكـو إلـى أحـدٍ | لعـلَّ صـبـريَ دون الـنـاسِ يُسليـهـا |
6- إنّ الليـالـي عجيـبـاتٌ خلائقُـهـا | ترمـي المحـبَّ بسهـمٍ مـن تجافيـهـا |
7- يا ليتَ ذا السهمَ يوري قلـبَ عاذلتـي | بـجـذوةٍ أو لـعـلَّ السـهـمَ يُصليـهـا |
8- أقلّـبُ الـطـرفَ لا داراً أٌسائلـهـا | ولا رسومـاً عسـى أشـكـو لعافيـهـا |
9- أبيـتُ والليـلُ بالظلـمـاءِ ملتـحـفٌ | والأرضُ بالثلـجِِ قـد غطّـت روابيـهـا |
10- مثلَ السّليـمِِ ضجيـعَ الهـم ِّمفترشـاً | جمـرَ الضلـوعِ فتكويـنـي وأكويـهـا |
11- وقد يعـنُّ صـدى صمـتٍ فيحسبـهُ | سمعـي سميـراً سعـى للنفـسِ يلهيـهـا |
12- فاستفيـقُ علـى الأنفـاسِ لاهبُـهـا | سـوطُ العـذابِ وذاك الصمـتُ يذكيـهـا |
13- وتستهـلُّ مصونـاتٌ أضَـنُّ بـهـا | لوقفـةٍ عـنـد مــن أهــواهُ أبديـهـا |
14- حسرى فتعرف كم قاسيتُ مـن سَقَـمٍ | وبالـمـدامـعِِ حـسـبـي أن أحيّـيـهـا |
15- لا يعرفُ الحبَّ من ذاقـت نواظـرُهُ | طعـمَ المنـامِِ ومــا ذابــتْ مآقيـهـا |
16- ومنْ يَرَ العشقَ في طرفٍ بـه حَـوَرٌ | أوْ قـدِّ بــانٍ فـقـد أعـيـاهُ تشبيـهـا |
17- فما لقيسٍ سـوى ليـلاهُ مـن شُغُـلٍ | فـي كـلِّ شـيءٍ يـرى ليلـى فيبكيـهـا |
18- ولا يُـلامُ أخـو عبـسٍ إذا برقـت | بيـضُ السيـوفِ بومْـضٍ مـن تجلّيـهـا |
19- أنْ يوسـعَ السيـفَ لثمـاً أو يعانقََـهُ | فإنمـا العشـقُ أنْ تفـنـى بـمـا فيـهـا |
20- إني سلكـتُ دروبَ العشـقِ مُرديـةً | والعشـقُ بالنفـسِ دون المـوتِ يلقيـهـا |
21- وما شقيـتُ فلـي شـوقٌ يؤانسنـي | في وحشـةِ الـدربِ أو ذكـرى أناجيهـا |
22- برغمِِ مـا ذقـتُ مـن دهـرٍ أكابـدُهُ | شتّـى الـصـروفِ وأسـقـام ٍأقاسيـهـا |
23- ولي من الأمسِ أشجـانٌ تكـدِّر لـي | سوانـحَ الصَّـفْـوِِ إنْ مــرّتْ بناديـهـا |
24- والخالياتُ مـن الأيـامِ قـد رحلـتْ | مـلأى الهمـومِِ وقــد أودتْ دواهيـهـا |
25- لم يُبْقِِ لي الدهرُ في الأفراحِِ من وَطَرٍ | حتـى كـأنّـي بــلا قـلـبٍ ألاقيـهـا |
26- لا أرتجي الدهرَ يومـاً أن يُسالمنـي | وآل أحـمــدَ بـــالأرزاء يرمـيـهـا |
27- آلُ الرسول وهم أهـلُ الكِسـا وبهـم | باهـى الملائـكَ فـوق العـرشِ باريهـا |
28- هم حيدرُ الطهرِ والزهـراءُ فاطمـةٌ | والمجتـبـانِ مــن الدنـيـا لهـاديـهـا |
29- ريحانتـا أحمـدٍ أبـنـاءُ زهـرتـهِ | خيـرُ الـورى بعـدَهُ مَـنْ ذا يُدانيـهـا؟ |
30- من أنـزل اللهُ فـي القـرآن حبَّهـمُ | فرضـاً علـى النـاسِ دانيهـا وقاصيهـا |
31- مَنْ أذهبَ الرّجسَ عنهم ثـمَّ طهَّرهـم | مـن كــلِّ موبـقـةٍ لطـفـاً وتنزيـهـا |
32- سادوا البريَّةَ في علـمٍ وفـي عمـلٍ | سـلِ المكـارمَ مـن أزجـى غَواديـهـا؟ |
33- عِدْلُ الكتـابِ ولـولا سَيْـبُ نائلِهِـم | لـم يرعـوِ النـاسُ عـن غـيٍّ يُداجيهـا |
34- الناطـقـونَ إذا آيـاتُـهُ صمـتَـتَ | والراشـدونَ إلـى أقـصـى مَراميـهـا |
35- قد خصَّهـا الله بالقـرآنِ إذ ورثـتْ | أجـرَ الرسالـةِ عـن فـخـرٍ ليجزيـهـا |
36- وهـم إلـى الله أبــوابٌ مفتَّـحـةٌ | وبـابُ حِطّـةَ فــي أمــنٍ تُحاكيـهـا |
37- فُلْكُ الأمانِ لأهل الأرضِ من غـرقٍ | تـبـاركَ الله مُجـريـهـا ومُرسـيـهـا |
38- لم ينـجُ كنعـانُ إذ آوى إلـى جبـلٍ | وإنّمـا المـاءُ قـد غـطّـى رواسيـهـا |
39- وقد نجا نوحُ بالفلـكِ التـي حملـت | مـن كـلِّ زوجيـنِ واخُسْـراً لجافيـهـا |
40- وهم نجاةُ الـورى مـن كـلِّ غائلـةٍ | لـم تُبـقِ للـديـنِ والدنـيـا عَواديـهـا |
41- وما نجا من لظى مـن كـان شانِئَهـا | ولا عـدتْ جنّـةٌٌ مـن كــان راجيـهـا |
42- جزاهـمُ اللهُ أجـراً كـلَّ مَكْـرُمَـةٍ | مَنْ ذا مِنَ الخلـقِ فـي فضـلٍ يُباريهـا؟ |
43- قـد باهـل الله نجـرانـاً بفضلـهـمُ | إذ لم يكن فـي الـورى شـأواً يضاهيهـا |
44- فاختار بين النسـاءِ الطهـرَ فاطمـةً | والشبَّـريـنِ مــن الأبـنـا ثقفّـيـهـا |
45- ونفسَـهُ حيـدراً أكــرمْ بحـيـدرةٍ | فخـابَ نجـرانُ وانصـاعـتْ لداعيـهـا |
46- وخيَّبَ الشركَ مـن بالبيـتِ مولـدُهُ | وتـلـك أكـرومـةٌ سبـحـانَ موليـهـا |
47- قد خصَّها اللهُ بالمولـى أبـي حسـنٍ | دون الخـلائـقِ فـازدانـتْ براعـيـهـا |
48- واستبشرَ البيـتُ إذ أمَّتـهُ فاطمـةٌ | وداعــيَ اللهِ بالبـشـرى يوافـيـهـا |
49- وافتـرَّ عـن آيـةٍ لـلآنَ ظاهـرةٍ | هيهـاتَ مـا تلكـمُ الأستـارُ تخفيـهـا |
50- تنبيـكَ أنَّ لأهـلِ البيـتِ مرتـبـةً | فـوق المراتـبِ لا تُـرقـى مَراقيـهـا |
51- ذي مريـمٌ حينمـا وافتـه خائفـةً | إذ جاءهـا الطَّلْـقُ هـلا كـان يؤويهـا؟ |
52- هزّي إليك بجذعِ النَّخـلِ والتمسـي | سَقْـطَ الثمـارِ بـذا أضحـى يناديـهـا |
53- أما لعيسـى نبـيِّ اللهِ مـن خطـرٍ | يسمـو بمريـمَ حيـث البيـتُ يحميهـا؟ |
54- جاءتـه فاطـمُ والبشـرى تلكلِّلهـا | تاجـاً مـن الفخـرِ والدنـيـا تغنّيـهـا |
55- تدعو الإلـهَ بقلـبٍ مؤمـنٍ لَهِـجٍ | وخالـقُ الكـونِ سَمْـتَ البيـتِ يدنيهـا |
56- فضمَّها البيـتُ والأمـلاكُ محدقـةٌ | ترقَّـبُ الـوعـدَ إنَّ الـوعـدْ آتيـهـا |
57- فشعَّ في الكعبـةِ الغـرّاءِ مُشْرِقٌهـا | نــوراً لنـائـرةِ الطغـيـانِ يطفيـهـا |
58- تفتَّقََ البيـتُ عـن وجـهٍ بطلعتـهِ | يُغني عن الشمسِ فـي لطـفٍ يضاهيهـا |
59- وأسفرَ الافقُ عـن شمـسٍ يجلّلُهـا | وجـهُ الوصـيِّ وبـالأنـوارِ يَقريـهـا |
60- بهيبةٍ تُطـرقُ الابصـارَ لا رَمَـداً | وإنمـا الشـمـسُ لا تـبـدو لرائيـهـا |
61- رأى الإلهَ فلم يسجـدْ إلـى صنـم | وكيـف يسجـدُ مـن وافــى ليُفنيـهـا |
62- من سبَّحَ اللهَ قبل الخلقِ في حُجُـبٍٍ | مــع النـبـيِّ لِــذاتِ الله تنـزيـهـا |
63- وقبـل آدمَ كـان النـورَ متّـحـداً | بـنـورِ أحـمـدَ توحـيـداً لمُنشيـهـا |
64- ترشَّح الخلقُ مـن نورَيْهمـا فبـدا | مثـلَ الأظـلّـةِ والإمـكـانُ يحويـهـا |
65- فالممكناتُ وقد جاءت علـى رُتَـبٍ | مـن الكمـالِ ظِـلالُ النـورِ تحكيـهـا |
66- تسترفدُ الفيضَ من إشـراقِ طلعتِـهِ | ثـرّاً مـن اللطـفِ عـن فقـرٍ ليغنيهـا |
67- تبـارك الله إذ أولـى أبـا حسـنٍ | ذاتاً لهـا الوصـفُ لا يحـوي تناهيهـا |
68- لا يُدرَكُ الوصفُ في ذاتٍ لها صورٌ | شتّـى معالمُـهـا والغـيـبُ يطويـهـا |
69- في كلِّ شيءٍ له سرٌّ سرى فغـدت | مـن ملكِـهِ فهـو دون السـرِّ يُجليـهـا |
70- هذا الوصيُّ وخيرُ النـاسِ قاطبـةً | مـن بعـد أحمـدَ قـد وافـى ليهديهـا |
71- فبارك المسجـدُ الأقصـى بمولـدِهِ | الكعبـةَ الطـهـرَ إذ تـمَّـت معاليـهـا |
72- وأقبلـتْ تحمـل التوحيـدَ فاطمـةٌ | وأقـبـل المـجـدُ محـبـوراً يُهنّيـهـا |
73- أمُّ الكرامِ وفرعُ الطيبِ مـن أسـدٍ | وجـدُّهـا هـاشـمٌ بالـبـرِّ يُصفيـهـا |
74- خيـرُ البنيـن لهـا طـه فتغمـره | سَيْـبَ الحنـانِ بفضـلٍ مـن تفانيـهـا |
75- إن قـال أمّـاهُ لبَّـتـهُ مُسـارِعَـةً | وإنْ دعـتـهُ إلــى أمــرٍ يُلَبّـيـهـا |
76- غذَّتهُ عطفاً بمـا جـادت خلائِقُهـا | ولم يزل يرتـوي مـن عـذب صافيهـا |
77- حتـى إذا حُمِّـلَ الهـادي أمانتـهُ | وأُنـزلَ الوحـيُ بـالآيـاتِ، يُمليـهـا |
78- جاءته دونَ نسـاءِ العالميـنَ وقـد | شـاءَ الإلـهُ بفضـل السَّبـقِ يوليـهـا |
79- تتلـو خديجـةَ إيمـانـاً وسابـقـةً | دونَ النسـاءِ وهـذا الفـضـلُ يكفيـهـا |
80- وهاجرتْ فـي سبيـلِ الله حاملـةً | هـمَّ الرسـالـةِ إذ بـاتـت تُراعيـهـا |
81- وحُمّلت في حصار الشِّعْبِ ما حملت | مـن المكـارهِ فـي صـبـرٍ تقاسيـهـا |
82- قاست كما زوجُهـا، فالله شاهدُهـا | والصبـرُ رائدُهـا والـرشـدُ ساعيـهـا |
83- هـذا أبـو طالـب حامـى بمنعتـه | عـن النبـوّة فــي قــومٍ يُجاريـهـا |
84- ومثله كان أهلُ الكهـف إذ نصـروا | ديـن الإلــهِ وذا الفـرقـانُ يُبديـهـا |
85- آووا إلى الكهفِ في صمتٍ وأمرهُمُ | عــن الأنــام خـفـيٌّ لا يماريـهـا |
86- إنّ الحصافةَ وضعُ الشيء موضعَـهُ | ويُبلـغُ النفـسَ مـا شــاءت أمانيـهـا |
87- تلكم قريشٌ ترى المختارَ من كثـبٍ | يُبيـد مـا ســاءه منـهـا فيخزيـهـا |
88- ظنّت بهاشم ظنَّ السّـوء فابتـدرت | إلـى الرسـالـة بالـعـدوان ترميـهـا |
89- ظنّـت بـأنَّ رسـولَ الله يسلبـهـا | باسـم النبـوّة مجـداً فــي مغانيـهـا |
90- فعاجلتـه بغـدرٍ لا قــرارَ لــه | إلا بـهـاشـمَ أن تُـبــدي فتُفنـيـهـا |
91- وجـاء دورُ أبـي الكـرّار مُستلبـاً | مـا كـان يُقلقهـا أو كــان يُغريـهـا |
92- فأضمر الديـنَ كـي يحمـي بقيَّتـه | ـ من كـلِّ نائبـةٍ ـ مـن بـأس شانيهـا |
93- إنّ السياسـةَ إن أبـدت قوادمَـهـا | للناظريـن فـقـد أخـفـت خَوافيـهـا |
94- ما ساد بالمال فـي قـومٍ مبادؤهـم | قامـت عليـه ومـا جـازت مَباديـهـا |
95- وإنمـا سـاد بالأخـلاقِ فانبجسـت | عيـنُ النباهـةِ فـي حـلـمٍ يُداريـهـا |
96- وساس منها نفوسـاً لا شفـاءَ لهـا | عـلّ الزمـان مــن الأدواءِ يَشفيـهـا |
97- رعى النبـيَّ ولـم يُسلمْـهُ منفـرداً | للضّاريـاتِ ولـنْ يخـشـى تحدّيـهـا |
98- حامى وراعى وما لانـت عزيمتُـهُ | ما كـان بالكفـر بـل بالرشـد يُمضيهـا |
99- لِمْ لا يُعينُ علـى المختـار متَّخـذاً | درب السّلامـةِ مــن ذا لا يُرجّيـهـا؟ |
100- أودى بـه الهـمُّ والأيـام عابسـة | في وجهـهِ السّمْـحِ مـا أنكـى لياليهـا! |
101- ربَّ اللئـام أعـدّوا نَيـلَ غايتهـم | مـن النبـيّ بمكـرٍ مــن طَواغيـهـا |
102- حتى تقادَمَ عامُ الحزن مذ غربـت | شمس الشمـوس وكـان الخلـد ناعيهـا |
103- جاءت برعنـاءَ شوهـاءٍ مكـدَّرةٍ | وَقودهـا الجهـل والأضغـانُ توريـهـا |
104- في أنّه مات في شركٍ وفي عَمَـهٍ | وأنـه النـار يـوم الحـشـر صاليـهـا |
105- لو كان والـدَ عمـرٍو أو معاويـةٍ | لـكــان أسـبـقَـهـا لله تـألـيـهـا |
106- لكنّه والدُ الفـردِ الـذي نسجـت | لـه السمـاءُ ثيـابـاً مــن دَراريـهـا |
107- من إسمه شقَّ من إسم العليّ فمـا | فضيلـةٌ فـي الــورى إلا ويُنسيـهـا |
108- لم يُبقِ للإنس من فضـلٍ ومنقبـةٍ | إلا وزاد علـيـهـا مـــا يُمَحّـيـهـا |
109- لجْ بحره تجد الدنيا ومـا وهبـت | بجـوده لا بـمـا جــادت سواقيـهـا |
110- وما الأنامُ سوى إحـدى صنائعـهِ | وإن تـنـكّـر ذو لـــؤمٍ أيـاديـهـا |
111- عادت علياً وشاءت أن تضارعَـهُ | بالمكرمـاتِ فمـا اسطاعـت لتحصيهـا |
112- فهو المكارمُ في ذاتٍ وفي صفـةٍ | وهــي المـآثـم خافيـهـا وباديـهـا |
113- رامته شخصاً فلم تظفـر بشانئـةٍ | حتـى رمتـه بـإفـكٍ مــن تجنّيـهـا |
114- ماذا يضير شعاعَ الشمس إن عَميت | عنـه العيـونُ ومـاذا كـان يُجديـهـا؟ |
115- إن النفوسَ التي تُطوى على دَغَـلٍ | هيهـات نـورُ الهـدى يومـاً يؤاتيـهـا |
116- ما أنكـرت منـه إلا كـلّ مأثـرةٍ | تُنـمـى إلـيـه وفـضـلُ الله يُنميـهـا |
117- لو حاز هذا الورى منـه بمكرمـةٍ | مـا عـذّب الله يـومَ الوعـدِ جانيـهـا |
118- من حبّهُ جُنّةٌ في الحشر من سُعُـرٍ | نزّاعـةٍ للشَّـوى فـي قـعـر واديـهـا |
119- مـن وحّـد الله والأقـوام عاكفـة | كـلّ إلـى وثــنٍ بـالـذلّ يخزيـهـا |
120- ربّـاه طــه وغـذّتـه أنامـلُـه | صفواً مـن الـدِرِّ ممّـا فـاض طاميهـا |
121- يُشمُّـه عَرْفَـهُ يُغـذوه ســؤددَه | وحِـجـرُهُ المـهـدُ آمــالاً يربّيـهـا |
122- يحنـو عليـه وبالأخـلاق يرفـده | وفـي حـراءِ دروسَ الوحـي يُلقيـهـا |
123- وكان يسمع صوتَ الوحي حيـدرةٌ | يتلـو مـن الذكـر آيــاتٍ وينشيـهـا |
124- رأى الرسالةَ رأي العينِ مُخضلـةً | لفـحَ الهجيـر بنشـرٍ مــن غواليـهـا |
125- مُدَّت إليـه يـدُ التوحيـد حاملـة | عهـد الإمامـة عـن سبـق لتمضيـهـا |
126- فأنذر المصطفى يومـاً عشيرتَـهُ | وكــان للـديـن والدنـيـا يُرجّيـهـا |
127- وقال: يا قومُ من منكم يناصرنـي | علـى الخطـوبِ إذا هبّـت سوافيـهـا؟ |
128- إني لأرجو أخاً منكـم يؤازرنـي | وللخلافـة مــن بـعـدي سيحميـهـا |
129- فقـام أصغرهـم سنّـاً وأوثبهـم | للتضحـيـاتِ إذا نـــادى منـاديـهـا |
130- وقال: إني لها والقـوم شاخصـة | منهـا العيـون وكـان الأمـر يَعنيـهـا |
131- وقـد أعـاد ثلاثـاً قولَـه وكفـى | بهـنّ عــدلاً رســولُ الله يُجريـهـا |
132- جزّاه خيراً عن الإسـلام ممتدحـاً | ولـم يشـأ هـكـذا بـالأمـر يُنبيـهـا |
133- حتى أقـام عليهـم حجّـةً بلغـت | غـورَ القلـوبِ وقـد ألقـت مراسيهـا |
134- ناداه أنت أخي من بينهـم وكفـى | خلافـة الله مــن بـعـدي ستكفيـهـا |
135- محلّ هارونَ من موسى تسيّرهـم | علـى الطريـقـةِ تسقيـهـم غواديـهـا |
136- فصار أعظمَ من في الأرض منزلةً | بـعـد النـبـيِّ وكــان الله مؤتيـهـا |
137- وفرّق الجمـعُ والأمـواجُ متعبـةٌ | ألقـى بهـا اليـمُّ وانزاحـت دياجيـهـا |
138- وعاد حيدرُ جذلانـاً بمـا وهبـت | لـه الرسالـةُ مـن نُعـمـى تساميـهـا |
139- يقي النبـيَّ بـروحٍ غيـرِ مُكتـرثٍ | بالقـارعـاتِ ومــا تُلـقـي غواشيـهـا |
140- وكان كالظـلِّ يحـذو حَـذْوَ سيّـدهِ | والنـفـسُ بالـمـوتِ مُقـدامـاً يُمنّيـهـا |
141- ومن غدا الموتُ دون الحـقِّ مُنيتَـهُ | هانـت علـيـه مــن الدنـيـا مآسيـهـا |
142- رأى قريشاً وقـد كـادت مكائِدُهـا | تـودي النبـيَّ ومَـنْ بالعطـفِ يوليـهـا |
143- فقدّم النفـسَ قربانـاً وبـات علـى | فَـراشِ أحمـدَ كــي تلـقـى أمانيـهـا |
144- ويسلمُ الدينُ من غـدرٍ بـه عُرفـت | تلـك النفـوسُ وقـد سـادتْ بـه تيـهـا |
145- ترقَّبوا الفجرَ أنْ يأتي بمـا رغبـوا | فيستـريـحَ مــن الإســلامِ طاغيـهـا |
146- فأصبحـت وإذا الإسـلامُ مُمتشِقـاً | عَضْبـاً مـن الخـزي والإذلالِ يَسقيـهـا |
147- وأيقنتْ أنَّ هـذا السيـفَ صاعقـةٌ | مـن السـمـاءِ وقــد حـلَّـت بناديـهـا |
148- وكيف لا وعلـيٌّ مـن بـه قُرِنَـت | معنـى البطولـةِ حيـنَ البـأسُ يَنضيـهـا |
149- يدعو إلى الموتِ من يدنو لصارمِـهِ | فـلاذ بالصمـتِ خـوفَ البـأسِ عاتيـهـا |
150- ويمكـرون ولمّـا يعلمـوا سَفَـهـاً | أنَّ الإلــه بسِـنْـخِ الفـعـلِ يَجزيـهـا |
151- وآبَ بالجّمْـعِ ذلُّ الدهـرِ يَسقيَـهـمْ | كـأسَ الهـوانِ فـيـا بُـعـداً لحاسيـهـا |
152- وسار بالرَّكْبِ يطوي البيـدَ منفـرداً | يقـي الفواطـمَ مـن هــولٍ ويحميـهـا |
153- مهاجـراً وعيـونُ القـومِ ترمُـقُـهُ | كـأنَّـهُ الـمـوتُ إذ يـنـأى يُقَصّـيـهـا |
154- فأثلـجَ الله قلـبَ المصطفـى بفتـىً | يطـوي المـلاحـمَ ضحّـاكـاً ليُبكيـهـا |
155- الموردُ البيضَ في سوحِ الوغى مُهَجاً | والمُطعِـمُ الـمـوتَ أرواحــاً يُناويـهـا |