3 ـ السيد معتوق ابن شهاب الدين الموسوي الحويزي(1):

عتيق ابن عتيق وعريق في الأدب ابن عريق، ذو جِدّ وهزل،
وفكاهة وغزل، وخلاعة تُطرِبُ الَّثمالى، وتضحك الثَّكالى، وهو
المعتني بشعر أبيه وجمع شتاته وتدوينه وترتيبه بعد وفاته، وذكر في
فاتحة الدِّيوان أنّ وفاته كانت يوم الأحد لأربع عشر خلت من شهر
شوّال من السنة السابعة والثمانين والألف من
الهجرة، وله من العمر يومئذٍ اثنان وستّون سنة، ثم قال: وبقيت بحالةٍ
بغَّضت لديّ المقامَ والدَّوام، وحبّبت إليّ الهيام والحِمام:
مكتئبــاً ذا كبــدٍ حــرّى
|
يرفع يُمنــاهُ إلــى ربّــه
|
يشكو وفوق الكبد اليُســرى |
يبقــى إذا حــدّثتهُ بـاهتاً
|
____________
(1) هو معتوق بن شهاب الدين بن احمد بن ناصر بن حوزي المعروف بمعتوق
أيضاً وقد عُرِف به حفيده شهاب الدين الشاعر فسُميّ ابن معتوق نسبة إليه
وأبا معتوق كنيةً بابنه ومن هُنا عبّر صاحب التذييل في مدحه لمعتوق بن
شهاب الدين بقوله: (عتيق ابن عتيق) توريةً. ذكره صاحب كتاب (نشوة
السلافة ومَحلّ الإضافة) وأثنى عليه وأورد شيئاً من شعره (توفي سنة
1119هـ).
( 34 )
تحسبُــهُ مستمعـاً ناصتـاً
|
وقلبــه فـي اُمـَّةٍ اُخـرى
|

ومن شعره في السيّد علي خان قوله:
مــولىً فضائلــهُ ونائلهُ
|
كلٌّ يفوتُ العــدَّ والحَصـْرا
|
يُؤوي الفقيــر ويطردُ الفقرا
|
خيرُ الكــرامِ ولا مبـالغةٌ
|
فيــه وأفخَرُهُــمْ ولا فَخْرا
|
وهُمُ علـى الإطلـاقِ سيِّدُهُمْ
|
بنــوالهِ فهُـمُ لــه اسرى
|
لا غـروَ إن نُسِبَـتْ إليه مَعا
|
ليهم وحــاز الحمـدَ والشُكْرا
|
فهُمُ وإن شَرُفوا فقـدْ وضَعُوا
|
آلاءَه كــي توصــلَ البِرَّا
|
عَشِقُوا، المــديح فكان حظُّهُمُ
|
منـه القليـلُ وأتلفـوا الوَفْرا
|
وتنافســوا فيه لِمــا علِموا
|
أنَّ المديــحَ يخــلّدُ الذِّكْرا
|
وأتــاهُ إذ وافاهُـمُ خــجِلاً
|
ممّا أتاهُ يحــاول العــُذْرا
|
( 35 )
يـدري ويعلــم أنَّــهُ ملِكٌ
|
مولىً لـه وبمُلْكـه أحْـرى
|
وأحلّــه مـن عَرْضه قَصْرا
|
والقصــدُ منهُ أنْ يــدومَ لهُ
|
الذكرُ الجميلُ ويغْنمَ الأجــرا
|
ما كان فـي الاُولى لــه نظرٌ
|
إلاّ ومطمحـهُ إلـى الاُخـرى
|
*
*
*
( 36 )
4 ـ الشيخ فتح الله بن علوان الكعبي الدورقي(1):

ذو باع في الأدب مديد، ونظرٍ في إدراك اللّطائف حديد،
وفهم في مواقع النكات سديد، وكدٍّ في اقتناص المعارف شديد، ويد
تلعَب بالمعاني لعب الراح بالعقول، وذهن انطبع فيه فنون المعقول
والمنقول، رأيتُه في أواخر عمره وقد غيّره الزَّمان:
إنّ الثمـانيــن وبلِّغـتُهــا
|

له كتب منها:

(كتاب زاد المسافر)، في تحرير واقعة البصرة، ذكر في أوّله
أحواله، وأنّه وُلد بقبان، ولمّا ترعرع اشتغل على أبيه، ثُمَّ ارتحل إلى
شيراز واشتغل على السِّيد نعمة الله والسيد عزيز الله، والشاه ابي
الولي وغيرهم.

ثمّ رجع إلى مولده ووُلِّي قضاء البصرة، إذ كانت في تصرّف
العجم، وأدرج في كتابه هذا كثيراً من الأدبيات وحرّر فيه البديعيات
أكمل تحرير، ومنها: «كتاب الإجادة» في شرح قصيدة السيد علي
بن باليل الموسومة بالقلادة، ومطلعها:
رُدّي عَلـيَّ رُقادي أيّها الرُّودُ
|
علِّي أراك بــه والبيْنُ مفْقودُ |
____________
(1) وُلِد في القبان من توابع مدينة الدورق القديمة سنة 1053هـ، وتوفّي سنة
1130هـ، ذكر في أكثر المعاجم وكتب التراجم.
( 37 )

سلك فيه مسلك الصّفدي في شرح لامية العجم، وله كتبٌ
اُخرى لم أقف عليها وشعر قليل. توفّي سنة الثلاثين بعد المائة
والألف الهجرية رحمة الله عليه.
*
*
*
( 38 )
5 ـ السيد قوام الدين الحسني السيفي القزويني:

قوام المجد العصاميّ وعصامهُ، وذروة الشَّرف السامي
وسنامهُ، ومالك ناصية الفضل وعزَّتها، وانسان عينه وقُرَّتِها، وشمس
قلادته ودُرَّتها، ومُصرِّفُ أزمَّة النثر والنظم، ومُعيد رُواء الأدب بعدما
وهن منه العظم، وأوحده الذي يقطع البلغاء بفريد كلامه، ويلاعب
في حلباته بأسنّة أقلامه، إلى علم وسع المعقول والمشروع، وأحاط
بالاُصول والفروع، وحلم وكرم وجود، وأخلاق يحقُّ لها السُّجود،
وحظّ عظيم من قوّة الارتجال، والتهجّم على أبكار المعاني في
الحجال، وهتك الأستار منها والخدور، وافتراش الصُّدور وافتراع
البدور، واستخراج اللَّئالي من البحور، وتقليدها في أعناق الحور،
وتحلية السواعد منها والنحور، بألفاظٍ أعذب من السيح، وأسجاع
أطيب من أنفاس المسيح، وأمّا المُلَحُ والنوادر فهو أبو عذرها،
ومبتدىءُ حُلوها ومرِّها.

وكان بينه وبين الوالد أطال الله بقاه من المخالَّة والمصافاة ما
بين الخليصَيْن المُتصادقَيْن، والخليلَين المتوافقَين، لا يَرى أحدُهُما
فضلاً إلاّ للآخر، ومن شعره إلى الوالد في جواب كتاب:
نور الهداية قـد بـدا من تُستَرا
|
تأبى فضائُل سيّدي أن تُستَرا |
قد جاوز التحريرَ شوقُ لقاءِ مَنْ
|
فاقت مآثر مجـده أنْ تُسْتَرا |

ومن شعره ما كتبه إلى الوالد أيضاً في تعزية:
( 39 )
وفـوق مقام الصبـر للمتصبّرِ
|
مقامُ الرِّضا والشُّكرِ للمُتَبصِّرِ |

وقد كنت كثير الشوق إلى لقائه لما أسمعه من الوالد من
الإطراء في ثنائه، إلى أن سهّل الله الاجتماع به بقزوين، وقد أنهكه
الهرم، وأقعده الهمم، وذلك في عشر الخمسين بعد المائة والألف،
فرأيته فوقَ الوصف، وعرضت عليه بأمره كتاب (الذخر الرائع في
شرح مفاتيح الشرائع)، فلمّا أجال فيه النظر أخذ القلم وسطر:
بحسبِكَ ذُخْرُ السيِّد المُوسويّ في
|
بيان مفاتيــح الشَّرائعِ كافيَا
|
ففيه تمـامُ الكشفِ عن مُشْكلاته
|
بطـرزٍ أنيـق جاء للعيِّ شافيا
|
وأشرقَ نـورُ الدِّين منه بنعمةٍ
|
من اللهِ أبـدى كلَّ ما كانَ خافيا
|

ثم أمرني بإنشاد شيءٍ من الشعر، فأنشدته قطعات من
القصيدة البهائية التي تصرّفت فيها بالتعجيز والتصدير، فاستحسن
ذلك غاية الاستحسان وبسط في وصفه اللّسان، وأخذ يحمده لمَن
حضر، كأنّه لم يسمع بهذه الصنعة في ما غبر، ثمّ استدنى المحبرة
وجعل يكتب ما أنشدته وقد حفظ أكثره، ويعاودني في مواقع
الاشتباه، إلى أنّ أكمله وهي:
سرى البرق من نجد فهيّج تذكاري
|
سوالفُ أنْسَتْها تصاريفُ أَعصارِ
|
( 40 )
تألَّق مــن بعـد انثناءٍ مُجدّداً
|
عهوداً بحزوى والعقيق وذي قار
|
وهيّج مـن أشواقنا كـلّ كامنٍ
|
واجّج فـي أحشائنـا لاهبَ النَّار
|
ألا يا لُيَيْلات الغـوير وحـاجر
|
نعمتِ كأيّام الشبـاب بأنْضــار
|
ويا روضــة بالناضرات نديّةً
|
سُقيت بها من مُدمن المُزن مدرار
|
ويا ساكنــي دارَ الـسَّلام تحيةً
|
عليكم سلامُ الله مــن نازح الدَّار
|
خليليّ ما لــي والـزَّمان كأنّما
|
عليَّ له ما لـي عليــه من الثَّار
|
يماطلُنــي حتّـَى يُجاحدَ حجَّتي
|
يطالبنــي فـي كـلّ آنٍ بأوْتار
|
فأبْعَدَ أحبــابي وأخلى مرابعي
|
وزحزح عـُوَّادي وبدّد أنصاري
|
وأوحش اُنسـي بالـعذيب وأهله
|
وبدّلني مــن كلِّ صفوٍ بأكدار
|
وعادَل بي مَن كان أقصى مرامه
|
توسُّـد أعتابــي ويقفو آثاري
|
( 41 )
ويُبْخَـسُ في سوق الفَخارِ نصيبُه
|
من المجد أن يسمو إلى عُشْر مِعشار |

ومنها:
وأظـهر أنّــي مثلُهـم يستفزّني
|
تقلّبُ أحــوالِ الزَّمــان بأطوار
|
فيُحــزنني طوراً وطوراً يُسرُّني
|
صـروفُ اللَّيالـي باحتلاءٍ وإمرار
|
ويُصمي فـؤادي ناهد الثّدي كاعِبٌ
|
برشـــق نبالٍ لا تُنــاط بأوتار
|
ويلهو بقلبـي المُستهــام مُلاعبٌ
|
بأسمــر خطّارٍ وأحــورَ سحّار
|
ويُضجرني الأمـرُ المـهولُ لقاؤُه
|
ويجرح صدري عنـه صولةُ كرَّار
|
ويُنعشني الحادي إذا العيس أدْلجتْ
|
ويطربُني الشَّــادي بعُودٍ ومزْمار
|

ومنها:
أأضرع للبلوى واُغضي على القذى
|
واُسلم نفســاً للهضيمـة والعار
|
ويخفُـقُ قلبــي إنْ دهتنـي مُلمَّةٌ
|
فأرضى بما يرضى به كلّ خوّار
|
( 42 )
إذاً لا ورى زنـدي ولا عَزّ جانبي
|
ولا وفد المُستمنـحون إلـى داري
|
ولا أشرقت شمسي على اُفق العُلى
|
ولا بزغت في قمَّة المجـد أقماري
|
ولا بُلّ كفّي بالسَّماح ولا ســرت
|
ركابُ الكرام المُقترين إلـى ناري
|
ولا عبقت كالعود في كــلِّ مَربَعٍ
|
بطيب أحاديثي الرِّكابُ وأخبـاري
|
ولا انتشرت في الخافقين فضائلي
|
انتشارَ ضواع المسك أوقات تكرار
|
ولا أمَّني وفدٌ برائق شعــرهم،
|
ولا كان في المهديّ رائقُ أشعاري
|

وهو كثير الشعر جيّده بالعربية والفارسية والتركية، وقد نظم
كثيراً من الفنون باُرجوزات حسنة منها: التحفة القواميّة ـ نظم اللمعة
الدمشقية ـ ومنظومة صحيفة الاطرلاب للشيخ البهائي، ومنظومة
الكافية، ومنظومة خلاصة الحساب، واُرجوزة في التجويد،
والشجرة الحسينيّة، ومن شعره مرثية الشيخ جعفر القاضي لمّا توفّي
بالعراق عند قدومه من الحج سنة خمسة عشر بعد المائة والألف
وهي:
الدهرُ ينعى إلينا المجدَ والكرما
|
والعلمَ والحلمَ والأخلاقَ والشِّيَما |
( 43 )
ينعى العفافَ وينعى الفضلَ يندبُه
|
ينعى الحياءَ وينعى العهدَ والذّممـا
|
فليت بــالدَّهر ممّا قد حكى بَكَماً
|
أوْ ليت عن ذاك في أسماعنا صَمما
|
ولا تطيــق الجبـالُ الصمُّ داهيةً
|
دهياءَ دُكَّ لهــا الإسـلامُ وانثلما
|
وُزْلزِلَت أرضُ علمٍ بعدما انفطرتْ
|
سماءُ علمٍ وماجَ البحــر والتطما
|
يا صبرُ هـذا فــراقٌ بيننا ومتى
|
تطاق والدَّهـرُ أوهى الركنَ فانهدما
|
بشيخنــا جعفرٍ بحــرٌ بساحتـه
|
سفائنُ العلم مبــذولاً ومُقْتَسَمــا
|
يا عينُ جُودي فعــينُ الجود غائرةٌ
|
تبكي عليها العيـونُ الساهراتُ دما
|
مَنْ للحزيــن يُنـادي وهو مُنْقطعٌ
|
فيستغيثُ ويبــكي المفـردُ العَلَما
|
أين الذي بسط الإحســانَ مُنْبسطاً
|
قد عمّ فيــضُ نَداه العُربَ والعجَما
|
أيـن الذي فسـّر الآيـاتِ محكمةً
|
أين الـذي هذّب الأحكــامَ والحِكَما
|
( 44 )
وباطلٍ كــان بـالتحقيق يدمغُــه
|
كأنــّه بقَدومٍ يكســرُ الصَّنما
|
تُعَدُّ أيامُنـــا اللاّتــي مَضيْنَ لنا
|
إذ نحن من نوره نستكشفُ البُهَما
|
كانت هي العمرُ مرَّت وهي مُسرعةٌ
|
وهل سمعتَ بحـيٍّ عمرُه انصرَما
|
وإخــوة بــصفاء الـودّ رافقهُم
|
فجَمْعُهم بعــدَه عِقْدٌ قـد انفصما
|
ومســند زاده عـــزّاً تمـَكُّنُهُ
|
كخاتَمٍ فصُّه جورَ الزَّمان رمــى
|
ظـلَّ الإشاراتُ بعـد الشيخ مُبْهمةٌ
|
كما الشِّفاءُ عليلٌ يشتــكي السَّقما
|
بات الصحاحُ سقيمــاً منـذ فارقهُ
|
عينُ الخليلِ اُصيبتْ بعــدَهُ بعمى
|
تبكي عليه عيـونُ العلــمِ تُسعدها
|
شروحُهــا وحـواشيها وما رقما
|
تمضـي الليالــي ولا تَفنى مآثره
|
يبقـى على صفحة الأيَّام ما رسما
|
نظمــي مدامعُ تجري في مصيبته
|
فالقلــبُ مـا نثر العينان قد نظما
|
( 45 )
طوبى لــه من وفيّ في مُهاجَرِه
|
من بيته وهـو يرجو اللهَ مُعْتصما
|
والنفس فـي عرفات الشوق والهةٌ
|
والقلب منـه بنار اللَّوعة اضطرما
|
وإذ أنافَ على وادي السلام رأى
|
من جانب القُدس نوراً يكشفُ الظُّلَما
|
واستقبلتــْهُ بـه الأرواحُ طيِّبةً
|
والربُّ نــاداه قـف بالواد مُحْتشما
|
فقال لبَّيــْك يـا ربيّ ومُعتمدي
|
لبيك يا محيـي الأمــوات والرِّمما
|
لبّيك يــا سيدي لبيك يا صمدي
|
حجيّ إليــك علمـتَ السرّ والهِمما
|
فحلّ في مجمـع الأرواح يصحبهم
|
بالجسم والـرُّوح لا يلقـى بهم سأما
|
مُقرِّباً فـي منــى التسبيح مُهجته
|
أبدى مـن الحُبّ ما في صدره انكتما
|
فالناظــرون إلـى إشراق جبهته
|
يرون ثغر الرِّضا فـي وجهه ابتسما
|
والعاكفون على أطــراف مضجعه
|
يستنشقون نسيمَ الخلــد قـد هجما
|
( 46 )
قف بالسلام على أرض الغريّ وقلْ
|
بعد السلام على مَن شرَّف الحَرما
|
منّي السلام على قبـرٍ بحضــرته
|
أهمى عليه سحابُ الرَّحمـة الدِّيما
|
واقرأ عليه بترتيــلٍ ومــرْحمةٍ
|
طـه ويـس والفــرقان مُختتما
|
وابسط هناك وقل: يا ربّ صلِّ على
|
محمّد خير مَــنْ لبَّى ومَنْ عزما
|
وآلــه الطـيبين الطــاهرين بما
|
أسْدَوا إلينـا صنوف الخير والنِّعما
|
وحُفَّ بــالرّوح والــرّيحان تربتهُ
|
واقبَلْ شفاعتهُـمْ فــي حقّه كرما
|
تاريخ ما قد دهانا، (غاب نجمُ هدىً)(1)
|
فالله يهــدي بباقـي نوره الاُمما
|
يغلـي الفــؤادُ ولا تمتــدُّ زفرته
|
ضعفُ القوامِ أكلَّ النُّطقَ والقلمــا
|

وكان بينه وبين المصنّف
(2)بعد ارتحاله من البلاد الهندية إلى
ديار العجم مؤانسة ومداخلة عظيمة، واختصاص ومودّة قويمة لما
____________
(1) غاب نجمُ هدى = 1115هـ، وهو تاريخ وفاة المرثي حسب حروف
الأبجد.
(2) يقصد بالمصنّف صاحب سلافة العصر السيد ابن معصوم.
( 47 )
جمعهما من لحمة النسب، ونظمهما من نسبة الأدب وأهدى إليه
نسخة من التحفة القوامية، فوقّع المصنّف على ظهرها بخطّه ما هذا
لفظه:

بسم الله الرحمن الرحيم، لراقمه مخاطباً، مُهدي هذه التحفة
السنيّة ومبدي هذه الطرفة الحسنيّة، لا برح للدين قواماً، ولا فتىء
مُلقّىً تحيّةً وسلاما:
يا أيُّهـا المــولى الــذي
|
تحكي الكــواكبَ فـي الظُّلم
|
كـلاّ ولا رَقـــَمَ القلـــم
|
غنَّــى الحمــامُ بـذي سَلَمْ
|

قالها بفمه ورقَمَها بقلمه، راجي فضل ربّه السَّني علي بن أحمد
الحسيني الحسني، كان الله لهما وبلّغهما من فضله أملهما، وذلك رأد
الضحى من يوم الإثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع
( 48 )
الثاني سنة 1117هـ بدار الإيمان اصبهان حُفَّت بالعزّ والنصر والأمان.

فذيّله السيّد قوام الدّين بما هذا لفظه:

لناظم «هذه التحفة» مجيباً، لمُرسِل هذه التحية البهية، ومثنياً
على مجزل هذه العطية العَليَّة، وهو يدُ السَّماحة، ولسانُ الفصاحة،
وترجمانُ البلاغة وعنوانُ البراعة، لا زال صدراً للسيادة والعُلى ولا
انفكّ بدراً للسعادة والسنا.
يا أيُّهــا البــدرُ الـذي
|
ببهائـه كشــف الظــُّلَمْ
|
دأْبَ الكــريـم المحتشَــم
|
والعبــدُ رقٌّ وابــنُ عـم
|
آبـاؤك الغــرُّ الكــرامُ
|
وَلَــدُوا السِّيـادة والعُلـى
|
وبكَ الكمـالُ قــد انتظــم
|
( 49 )
و( سلافــةُ العصــر ) التي
|
أنشأتَهــا تُحيــي الـرِّمم
|
( أنوارُ الرَّبيـع ) إذا ابتسـم
|
أعيـا لسانـــيَ والقلـــم
|
تُثني عليـك بهــا الاُمــم
|

نقلت ذلك كلّه من خطّ السيد قوام الدين في كراسٍ أهداه إلى
الوالد باصبهان سنة 1123هـ وذلك بعد وفاة المصنّف بثلاث
سنين
(1).
*
*
*
____________
(1) يقصد بالمصنّف صاحب سلافة العصر ومن هنا يعلم انّ وفاته كانت
1120هـ ، أمّا السيد قوام الدين صاحب الترجمة فقد كانت وفاته حدود سنة
1150هـ، كما نقله الطهراني في الطبقات والذريعة.
( 50 )
6 ـ السيد نور الدين بن نعمة الله الجزائري(1):

نورُ الحقّ المتشعشع كنارٍ على عَلم، المهتدي بسناه
الحائرون في غياهب الظُلَم، ونوره الذي يزهر على شقائقه في
حدائقه، ويعطّر الأرواح بنشر حقائقه، ومحتد العلم المؤسّس على
التقوى بنيانه، المشيّدة بالمجد جدرانه، المتوقّدة للوفود نيرانه
الممتنعة في حماه جيرانه، المرصوصة بالعزّ حيطانه السامكة إلى
السماك مقاصيره وإيوانه، ومربع الفضل الزاهرة نجوم سمائه،
الماطرة مواقيت أنوائه، ومرتع البذل المتدفقة بالفيض عيونه
المتدلية بالثمرات غصونه، وعصام الشرع وموْئلُه وسناده الذي
عليه معوّله، إلى محاسن تخضع لها الرّقاب، ومكارم تحقّق إليها
الأعقاب، ومحامد هتفت بها العواتق في الخدور، وهوت إليها أفئدة
العظماء والصُّدور، من نسب شائقة إلى الملكوت راياته، متلوة في
الملأ الأعلى آياته، وشرف ذرّ عليه في غلالته وورثه عن عصبته
وكلالته، وحسب قرن بين التالد والطريف، وانبسط في ظِلّ عريشه
الوريف، ولهج معترفاً به كل وضيع وشريف، وتواضع زانهُ الوَقارُ
رزانةً ورجح قسطاس العدول وزانةً، وتؤدة وسكينة وإخبات،
وحلم وتروّ وثبات، وعذوبة ورقّة وغزل، وفكاهة حلوة في غير
هزل، وبشر في مهابة، وبشاشة في غير دُعابة، وطلاقة وجهٍ وسيم،
____________
(1) والد صاحب تذييل السُّلافة، وُلِد سنة 1088هـ وتوفّي سنة 1158هـ بتستر
ودُفِن عند المسجد الجامع في البلد بوصيّة منه وعليه قبّة معروفة له ذكر في
أكثر كتب التراجم والتذكرات في المنطقة.
( 51 )
وتلطّف أروح من النّسيم، ولفظ أروق من الراح، وأرقّ من الماء
القراح، ونفس قويّة، وفطرة عالية عَلَويّة، وها هو مدّ الله في سعادته،
وأبّد أيام إفادته، قد ذرَف على السبعين، وهو يُعين ولا يستعين
ويقوم بالأعباء من حفظ النِّظام، وفصل الخصام، وتنفيذ الأحكام
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الجماعات، وإمامة
الجمعات، وقضاء الحقوق والتدريس والخطابة والنقابة، والنظر في
مصالح كثيرة للخلق لا تنتظم بغيره، ومراقبة الوفود، وإصدارهم
بالصّلات والرُّفود، وأمّا الأدب فهو نادرة عصره، ورُواقُ قصره
ونطاق خصره، وأمير مصره، بل سناد ظهره، ووحيد دهره، تنثال
المعاني على ذهنه وتنهار، وتتوارد الأسجاع إلى لفظه توارد الفراش
إلى النّار، إن خطب انقطع خطيب خوارزم، وبان الفشل على وجه
أبي حزم، أو كتب مادَ الميداني والبديع الهمداني، وطرب صاحب
الأغاني، ومسلم صريع الغواني، أو أملى التقط الجوهريُّ جواهر
كلماته، وحصر الحريريُّ في مقاماته، ونضب ماء ابن ميّاح وأصبح
ابن نباتة هشيماً تذروه الرياح.

وإنّي وإن أطريت في وصفه، وقاه الله ريبَ المَنون، لربّما
تسارَعتْ إليّ الظنون فلأكفّ عن سرد مناقبه الجليلة، وقصيرة
بطويلة.

وُلِد دام عزّه في عشر التسعين بعد الألف بدار المؤمنين تُستَر
بعد انتقال والديه إليها من الجزائر بسبب الفتنة التي نشأت هناك في
السنة الثامنة والسبعين، وذلك حين توجّه العسكر من القسطنطينية
( 52 )
العظمى إلى البصرة لاستخلاصها من يد واليها حسين باشا بن علي
باشا بن افراسياب الدَيري، واشتعال نائرة القتال إلى أن آل الأمر
إلى ما آل، من اختلال رأي الوالي وفساده، وسكون ريحه وإصلاد
زناده، فخرج منها مذموماً مدحوراً وأتى عليه حين من الدهر لم
يكن شيئاً مذكوراً، حتى ألقى عصاه في البلاد الهندية وحيل بينه
وبين الاُمنيَّة، إلى أن حلّت به المنيّة على ما هو مذكور في كتاب (زاد
المسافر)
(1) وغيره من الموضوعات في هذا الشأن.
*
*
*
____________
(1) زاد المسافر ولهنة المقيم والحاضر، تأليف العلاّمة الشيخ فتح الله بن علوان
الكعبي الدورقي.
( 53 )
وفي تذييل علي سلافة العصر لبعض
الاُدباء جاء ما يلي:
7 ـ العلاّمة العارف الأديب السيد علي باليل الموسوي
الدورقي(1):

من أجلّة العلماء الأعيان، وأفاضل أبناء الزمان، ذو علم
وعمل، ونسب بدوحة النبيّ قد اتصل، وبداهة في التقرير والكلام،
ومنطق على الصواب قد استقام، إن نظم صاغ عقود الدّر والجواهر،
____________
(1) من أشياخ العلم والأدب في القرن الحادي عشر الهجري، ومن أبناء اُمراء
المشعشعيين له مؤلّفات في الحكمة والأدب، ذكره الاستاذ عمر رضا كحالة
في معجم المؤلّفين فقال: أديب نحوي لغوي عالم بالشعر والبلاغة... الخ.
جاء نسبه في حاشية كتاب «مناهل الضرب في أنساب العرب» صفحة
رقم 476 الطبعة الاولى في مكتبة آية الله المرعشي النجفي قدس سره في مدينة قم»
كما يلي:
هو العلاّمة الأديب السيد علي (المتوفى حدود سنة 1102 هـ)، ابن
الأمير السيد باليل (المتوفى في عشرة الستين بعد الألف) ابن السيد علي
ابن السيد اسماعيل ابن السيد ابراهيم (المتوفى في العقد الأوّل من القرن
العاشر) ابن السلطان السيد محمد المهدي الملقّب بالمشعشع (المتوفى سنة
866 هـ) ابن السيد فلاح ابن السيد هبة الله ابن السيد حسن ابن السيد علَم
الدين علي المرتضى النسّابة (المتوفى سنة 719 هـ) ابن النقيب السيد عبد
الحميد (المتوفى سنة 684 هـ) ابن العلاّمة الشهير السيد فخار (المتوفى سنة
630 هـ) صاحب كتاب «الحجّة على الذاهب الى تكفير أبي طالب» ابن
الشريف أبي جعفر مَعَدّ ابن السيد فخار ابن السيد احمد ابن السيد محمد ابن
السيد أبي الغنائم محمد ابن السيد أبي عبد الله الحسين الشيتي ابن السيد
محمد الحائري ابن السيد ابراهيم المجاب ابن السيد محمد العابد دفين
شيراز ابن الإمام الهمام موسى الكاظم عليه السلام.
( 54 )
أو نثر فاق الثريّا والزواهر، تميّز نظمه بالحكمة والعرفان، مشفوعاً
بإبداع وحسن بيان، ترفّع عن مدح الوُلاة والملوك شعره، فارتفع في
سماء الحقيقة والسلوك قدرُه، قصر مدائحه على ممدوح خالق
الأكوان، واتمّها بمدح آله المطهّرين في القرآن، وصدّق الشِّعرَ منه
المذهب، ليس كالأعذب فيه الأكذب، ومن غُرَرِ قصائدِهِ قصيدتُهُ
الحِكميّةُ الموسومَةُ بالقلادة، المشروحة بالإجادة ومطلعها:
رُدّي علَيّ رقادي أيّها الرُّوُدُ
|
عَلّي أراك به والبينُ مفْقودُ
|

توفّي عام الطاعون الذي ضرب البصرة والجزائر والدورق
والحويزة، فأهلك جمعاً كثيراً من علماء الحويزة والدورق وذلك
سنة 1102هـ، وبهذه المناسبة الّف المحدّث الجليل السيد نعمة الله
الجزائري كتابه الموسوم بـ(مُسكّن الشُّجون في جواز الفرار من
الطَّاعون)
(1).
____________
(1) وصف السيد نعمة الله الجزائري عليه الرحمة كارثة الطاعون هذه التي
حلّت بالمنطقة سنة 1102هـ، في كتابه (مسكّن الشجون في جواز الفرار من
الطاعون) فقال:
(وكان من أعظم المصائب لما فُقِد به من العلماء الصالحين خاصّةً في
الحويزة والدورق وأنّه أهلك عدداً كبيراً من العلماء والاُدباء والصالحين
والاتقياء...الخ).
وقال أيضاً في كتابه (مقامات النجاة):
(إنّه بعدما انتقل الطاعون إلى بلدة الدورق أتى على أهلها وأفاضلها
ومحدثيها وعلمائها فكانت مصيبة اُصيب بها الدين وفُقِد بها حاملوا أحاديث
سيد
=
( 55 )
8 ـ العالم الأديب السيد ابراهيم ابن السيد علي باليل الدورقي(1):

ماجد تفرّع من ماجد، وفاضل حاز كُلَّ طارف وتالد، ذو قدر
في العلم رفيع، وصدر في الحلم وسيع، وخُلُق حكى زهر الربيع.

صحبته في سفرٍ إلى اصفهان، فكان نخبة الصَّحب وتحفةَ الزَّمان،
أمّا شعره فالسِّحر الحلال، وأمّا نثره فالدرّ الغوال، فما أجلّه من رفيق في
السفر، حتى أنساني الأهل والوطر، وكيف لا وهو ابن ذاك العلم
____________
=
المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم. «كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا...البيت». فوالهفاه
على تلك المساجد التي أمست خالية المحراب، أبواب السماء تبكي على
فقد أعمالهم، والأرض تنوح على حُسِن أقوالهم وأفعالهم...الخ).
(1) ذكره السيد عبد الله الجزائري في إجازته الكبيرة فقال: كان عالماً أديباً،
شاعراً، مجيداً، حسن الصحبة توافقت معه في طريق اصفهان فرأيته فوق
الوصف قرأ على والده وعلى الشيخ فتح الله بن علوان الكعبي الدورقي
وغيرهما توفّي عشر الخمسين بعد المائة والالف رحمة الله عليه.
أقول: وكان سفر السيد عبد الله الجزائري برفقة السيد ابراهيم الدورقي
إلى اصفهان (بعد سنة 1130هـ) بقليل. وفي زمان السيد ابراهيم الدورقي
اشتهرت المدرسة الإبراهيميّة في الدورق ولا تزال مخطوطاتها متفرّقة في
المكتبات العامّة في إيران والعراق، منها مخطوطة «مختصر نهج البيان في
الكشف عن معاني القرآن» للشيباني من علماء القرن العاشر، كُتبت هذه
النسخة يوم الاثنين السابع والعشرين من شهر ربيع الثاني من السنة
الخامسة عشرة والمائة والألف في المدرسة الإبراهيميّة في الدورق، وكانت
من ممتلكات آل الطريحي القاطنين هناك ثم انتقلت إلى المكتبة المركزية
في جامعة طهران تحت رقم 816 وقد تمّ بحمد الله طبعها سنة 1418هـ في
مدينة قم المقدّسة.
( 56 )
العيلم، الذي شاع فضله وعمّ، فطرق الأسماع وطبّق الآفاق:
سادَةُ الناس بالتُّقى وسواهُمْ
|
سوَّدته الصفراءُ والبيضاءُ
|

لم أتأكّد من تاريخ وفاته بالدقّة والتعيين، سوى أنّه التحقَ
بربّه في عشر الخمسين، بعد المائة والألف من هجرة سيّد المرسلين
تغمّده الله برحمته ورضوانه وأسكنه مع أئمته في فسيح جنانه.