الصفحة ( 71 )
تعالى جعل
الشّفاء فيها من جميع الأمراض
, وأماناً من جميع الخوف
, وإذا أراد أن يستعملها للشفاء
, فليأخذ من تلك التّربة
, ثمّ يقبّلها ويضعها على وجهه وعينيه وينزلها على جميع بدنه
, ويقول : اللّهمّ بحقّ هذه التّربة وبحقّ مَن
حلّ بها وثوى فيها , وبحقّ جدّه وأبيه واُمّه وأخيه والأئمة
من ولده , بحقّ الملائكة الحافّين به
, إلاّ جعلتها شفاء من
كلّ داء , وبرء من كلّ مرض
, ونجاة
من كلّ خوف , وحرزاً مما أخاف وأحذر
, برحمتك يا أرحم الرّاحمين
. ثمّ استعمل من تلك التّربة
أقل من الحمّصة
, فإنّك تبرئ بإذن الله تعالى
)) . قال الرّجل : فو الله
, إنّي فعلت ذلك فشفيت
من علّتي في وقتي وساعتي
, من بركات سيدي وابن سيدي أبي عبد الله
الحُسين (عليه السّلام) .
وعن إسحاق بن إسماعيل
, أنّه قال : سمعت من الصّادق (عليه
السّلام) , يقول : (( إنّ لموضع قبر
الحُسين (عليه السّلام) حرمة معروفة
, مَن عرفها واستجار بها
اُجير )) . فقلت : يا مولاي
, فصف
لي موضعها جعلت فداك
! فقال : (( امسح من موضع قبره الآن خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية
رأسه , ومن ناحية رجليه كذلك
, وعن يمينه كذلك وعن شماله
, واعلم أنّ ذلك روضة من رياض
الجنّة , ومنه معراج الملائكة تعرج فيه إلى
السّماء بأعمال زوّاره
, وليس ملك في السّموات
ولا في الأرض , إلاّ وهم يسألون الله عزّ وجلّ في زيارة قبر
الحُسين , ففوج منهم ينزل
وفوج يعرج إلى يوم القيامة
)) .
يا جوهر قام
الوجود به والناس بعدك كلهم عرض
أسهرت عيناً
أنت قرتها ولهي عليك وليس تغمض
وأتهت قلباً
أنت منيته القصوى بحزن فيك يعترض
روي : أنّ
الصّادق (عليه السّلام) أصابه مرض
, فأمر مولى أن يستأجر له أجيراً
يدعو له بالعافية
عند قبر الحُسين (عليه السّلام) , فخرج المولى فوجد رجلاً مؤمناً على الباب
, فحكى له ما
أمر به الصّادق , فقال الرّجل : أنا أمضي
, لكنّ
الحُسين إمام مُفترض الطّاعة
, والصّادق إمام
مُفترض الطّاعة
, فكيف ذلك ؟! فرجع مولاه وعرّفه بمقالة الرّجل ، فقال
الصّادق : (( صدق الرّجل في
مقالته , لكنّ لله بقاعاً يُستجاب فيها الدُعاء
, فتلك البقعة من تلك البقاع
, وإنّ الله عزّ
وجلّ عوّض الحُسين (عليه السّلام) من قتله بثلاثة أشياء
؛ إجابة الدُعاء تحت قُبّته والشّفاء
في تُربته والأئمّة من ذُرّيّته
)) . :
يا بفعة مات
بها سيد ما مثله في الناس من سيد
الصفحة ( 72 )
مات الهدى
من بعده والندا والعلم والحلم مع السؤدد
روي في بعض
الأخبار : إنّ رجُلاً صالحاً
, قال : رفعت إليّ امرأة غزلاً أبيض
, فقالت لي : ادفع هذا
الغزل إلى سدنة مكّة
, ليخيط بها كسوة الكعبة
. فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة
, فقال (عليه السّلام) : (( اشتر به عسلاً وزعفراناً
, وخُذ قليلاً من طين قبر
الحُسين (عليه السّلام)
, واعجنه بماء السّماء
, واجعل فيه العسل والزّعفران
, وفرّقه على أوليائنا المؤمنين ليداووا
به مرضاهم )) . ففعلت ما
أمرني مولاي
, فكلّ مريض أخذ منه شفي بإذن الله تعالى .
فيا
إخواني , ما أطيب نشر فضائلهم الفاضلة
, وما أعذب ذكر مدائحهم الكاملة
, تقدست أنفس
امتنعت عليهم من الهجوع
, وطهرت أعين أسبلت عليهم شآبيب الدّموع
, وظفر بالنّصيب الوافر
مَن والاهم , وحصل الشّرف الظّاهر مَن مال عمّن عاداهم ، ما ضرّهم ما تجرّعوه من الآلام
, لم
تكن لحظة واحدة فيحلّون دار السّلم جوار الملك العلام
. فيا عيني سحّي دموعي ويا جفوني
وافقي وأطيعي .
فعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون
, وإيّاهم فليندب النّادبون
, ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان
, فنظم
وقال فيهم :
القصيدة
للشيخ مُحمّد السمين (رحمه الله )
بان صبري وبان خافي iiشجوني واسـتهلت بالدمع مني iiجفوني
واسـتهلت لـما استهلت iiبدمع حـين جادت به شؤون iiشؤوني
وقـلت مـقلتي الـرقاد iiارتقاباً بـالسهي والسهاد ألف iiعيوني
وأسـتسرت مـسرت السر iiلما بـان خوفي من سرها iiالمكنون
فتبدت مصونة الحزن من قلبي الـمـعنى الـمتيم الـمحزون
ثـمّ قالت للطرف أبرز ما iiكان مـصاناً مـن دمعك iiالمسجون
واسـتمد الـدماء أن نفد الدمع فـبالدمع أنـت غـير iiضنين
واندب السبط في الطفوف فريداً قـد تـخلا مـن مسعد ومعين
يـتـمنى لـكي يـبل iiغـليلاً وشـربه مـن مباح ماء iiمعين
فـسقاه الـعدو كـأساً iiدهـاقا من كؤوس الردى وماء iiالمنون
لـهف قـلبي عليه وهو فؤول يـهـدو فـي قـوله وسـكون
الصفحة ( 73 )
ويـحكم لا تـهونوا بقتل iiحسين فـتذوقوا طـعم العذاب iiالمهين
لا تـقولوا يـوم الـقيامة iiإنـا مـا عـلمنا وإنـكم iiتـجهلوني
تـعرفوني بأنني خير خلق iiالله قـدمـاً وآنـفـاً iiتـنـكروني
تـنكروني فـلم بـغير iiاجترام تـقـتلوني وأنـتم iiتـعرفوني
إن جـدي النّبي أشرف خلق الله ذو الـفضل والـفخار الـمبين
وأبـي المرتضى الوصي iiعليّ وهـو رب الإمـكان iiوالتمكين
والبتول الزّهراء بنت رسول الله أمــي لأجـلـها iiراقـبـوني
فـأجـابوه قـد عـلمنا iiيـقيناً أن هـذا الـكلام حـق iiالـيقين
غـير أنـا نـروم مـنك iiمراماً فـاعطياه بـالطوع يابن iiالأمين
قـل رضـينا يـزيد مولا iiولياً والـيـاً حـاكماً بـحق iiمـبين
فـمتى قـلت أنت في دعة iiالله وحــرز مـن بـأسنا iiبـيقين
عـندما أفحشوا الجواب iiاجتراءاً آب عـنهم بـصفقة iiالـمغبون
ثمّ نادى أهل الخيام ودمع iiالعين جــازيـة بـرقـة iiوبـلـين
أم كـلثوم يـا سـكينة يا iiزينب يـا بـنت فـاطمة iiجـاوبيني
أنت في عترتي وفي أهل iiبيتي وعـيالي وصـبيتي iiتـخلفيني
ثـمّ قـومي إذا أردت iiوداعـاً ودعـيني مـن قبل أن تفقديني
إن هــذا الأوان آن iiانـتقالي وارتـحالي وحان يا أخت iiحيني
أخـت ابـني عـليّ بعد iiوليي وإمــام هــاد لـدنيا iiوديـن
أخت صبراً صبراً فليس iiيضيع الله أجـر الـصبور iiوالمستكين
لا تـشقي جـيباً عـليّ iiوابكي كـلّ حـين بـفيض دمع هتون
وإذا مـا مررت بالجسد iiالملقى عـلى الأرض شـاحباً iiفاندبيني
وإذا مـا تـلوت نـافلة iiالـذكر وصـلّـيت دائـماً iiفـاذكريني
والـعني مـا شربت ماء iiفرات مـن عـن الماء ظامياً منعوني
فـأجابته عـزّ والله مـا iiقـلت عـلـينا ولـيـس ذاك iiبـهون
لـو قـدرنا على الفداء iiفديناك وبـأرواحـنـا iiوبـالـمخزون
وشـربنا مـن شـربك كاسات الـمنايا مـن كف ساقي iiالمنون
الصفحة ( 74 )
ثـمّ لـما رأته ملقى على الترب تـريب الـخدين دامـي iiالجبين
صـرخت صـرخة وقالت أجدة الـعيس رفـقاً هـنية iiأوقـفوني
لأودعــه كـي أبـل iiغـليلي بـوداعـي مـنه ولا iiتـمنعوني
فـهو روحـي فأين عنه iiرواحي وهـو قـلبي فـعنه لا تـقلبوني
وهو شخصي فأين عنه iiشخوصي فاشخصوا ثمّ عنه لا iiتشخصوني
وهـو عـدلي فأين عنه iiعدولي فـاعدلوا ثـمّ عـنه لا iiتعدلوني
فـأجابوا صـوت الشجي بسوط وبـضرب يـبدي خـفي iiالأنين
فـاسـتغاثت بـجـدها وأبـيها وأخـيها الـزاكي الإمـام iiالمبين
بـدموع عـلى الـخدود تجاري مـن جـفون قرحى وقلب iiحزين
ثـمّ قـالت يـا مـوئلي يا iiمآلي يـا حصوني وأين مني iiحصوني
آه يـا كـسرتي لـفقد iiحـماتي آه يــا خـذلتي لـفقد iiمـعين
آه يـا حسرتي ويا طول iiوحدي أه يـا ذلـتي ويـا طـول هوان
جـدي هـذا الـقناع يسلب iiمني ثــم بـالسوط بـعد iiقـنعوني
جدي هذا صدر الحُسين فقد iiديس عـنـاداً لــه بـقب iiالـبطون
رضـضوه بـغير إفراض iiغسل جـامـع لـلـحنوط iiوالـتكفين
جـدي هـذا الـكريم فوق iiسنان وســنـان يـغـله iiبـالـيمين
جـدي هذي الرؤوس فوق iiقناها وهـي تـهدي إلـى يزيد iiاللعين
جـدي هـذي سـكينة iiأسكنوها بـعد دار الأعـزاز في دار هون
والـسبايا عـلى الـمطايا iiعرايا مـبديات لـكل وجـه iiمـصون
سـائـرات بـنا بـغير iiوطـاء فـي سـهول من بيدها iiوحزون
وإذا قـلـت لـلـحداء iiرويـداً أزعجوا العيس عامداً iiوأزعجوني
وإذا قـلـت اسـتروني iiبـثوب سـلبوني ثـوبي ومـا ستروني
وإذا قـلت احـجبوني عن الناس تـعدوا كـفراً ومـا iiحـجبوني
وإذا مـا شـكوت ضـراً iiوبؤساً رجـموني بـغياً ومـا iiرحموني
وإلـى الله مـشتكانا ومـا نـلقاه فـيـه مــن الأذى iiوالـهـون
يا ذوي البيت والمشاعر والأركان والـحجر والـصفا iiوالـحجون
يــا ذوي الـذاريات iiوالـطور والأعراف والنحل والنساء ونون
الصفحة ( 75 )
فـاز من مكن اليدين من iiالود وفــازت يــداه بـالتمكين
فـاز بالصدق في الولاء iiكما فاز بصدق الولاء نجل السمين
عـبدكم أهـدى إلـيكم iiنظاماً فـاق فـي نظمه نظام iiالثمين
فـعليكم مـن ربـكم iiصلوات وسـلام فـي كل وقت iiوحين
الباب الثّالث
تفكّروا يا
إخواني في الدّين ، فيما قدم عليه الأنصار من إخوانكم المؤمنين
, لكنّهم ظهر لهم السّر
المكنون فعلموا ما كان وما يكون ، ورضوا عن الرّحمن فسمحوا في محبته بالأرواح ،
وغضبوا الملك الدّيان فأجادوا في سبيله بالكفاح
, آساد غيل غرير عرينها قليل قرينها ،
جاهدوا في سبيل ذي الجلال وبذلوا نفوسهم في محاربة أهل الزّيغ والضّلال ، رموهم
بالجياد حتّى انطوين
, وضربوهم
بالسّيوف حتّى انحنين ، وطعنوهم بالرّماح
حتّى ارتوين , أو ليس هم القوم الذين إذا دعوا
لم يقولوا أين أين ولم يخافوا الحين ، ولا سقطوا بين بين وأين
؟ لكم مثل أنصار
مولاكم الحُسين أين ؟ ولله درّ مَن قال فيهم من الرّجال :
هـم الـقوم أقـيال مـناجيد iiسادة مـذ أو يد أبطال لها الحرب iiمنزل
كـماة حـماة يرهب الموت بأسهم وليس لهم عن حومة الضرب معدل
فـكم غادروا من غادر في iiكريهة وكـم عـقلوا من كافر ليس iiيعقل
وحـادوا وجـادوا بالنفوس iiأمامه وذاك مـن الـجود العظيم المؤمل
وسـادوا فـشادوا مـنزلاً iiمتطاولاً دعـائمه فـوق الـسماكين iiأطول
وحـاموا فـحاموا دون سبط iiمحمد إلـى أن تـداعوا لـلمنايا وقـتلوا
فـلهفي لـهم صرعى أمام iiإمامهم ومـن دمـهم وجـهه الثرى iiمتبلل
وقد نسجت أيدي الرياح من الثرى لـهم حـللاً مـن فـوقهم iiتـتجلل
فـلو أنـني شـاهدت مشهد iiكربلا وسـيفي بـكفي كنت للنفس iiأبذل
وواسـيتهم بالطعن والضرب والقنا فـذاك الـمنى لو أن ذلك iiيحصل
روي من طريق
الخصم ، وعن أنس بن مالك , قال : قرأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
: ((
فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ
فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ
الصفحة ( 76 )
لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ(1)
))
. فقام إليه رجل
, فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله ؟ فقال :
(( بيوت الأنبياء
)) . فقام
الأوّل فقال : يا رسول الله
, هذا البيت منها ـ يعني بيت
عليّ وفاطمة ـ ؟ قال :
(( نعم ، من
أفاضلها )) .
ومن طريقهم أيضاً في الصّحيحين
, قال : لمّا نزل قوله تعالى
: (
قُل
لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى
)(2)
.
قالوا : يا رسول الله , ومَن قرابتك التي أوجبت علينا مودتهم ؟ فقال :
(( عليّ وفاطمة
وابناهما )) .
ومن طريقهم أيضاً , ما رواه الفقيه المغازلي الشّافعي
, بإسناده عن ابن عبّاس ,
قال : سُئل النّبي (صلّى الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقّاها آدم من
ربّه
فتاب عليه . فقال
: (( سأله بمُحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحُسين إلاّ تبت عليّ
, فتاب
عليه )) . :
آل طـه يـا مـن بهم يغفر iiالله ذنـوبـي ومـا جـنته يـميني
وإمـامي فـي يوم بعثي iiوأمني عند خوفي في كلّ خطب وضيني
أنـتموا قـبلتي وحجي iiوفرضي وصـلاتي وأصل نسكي iiوديني
مــن تـمسك بـكم وأم iiإلـيكم قـد نـجا والتجا بحصن iiحصين
لا أبـالـي وإن تـعاظم ذنـبي يـوم بـعثي لـكن يقيني iiيقيني
كـل عـزى بين الأنام iiوفخري يـوم أخـشى بـابكم iiتـقبلوني
أنـا مـنكم لـكم بـكم iiوالـيكم فـرط وجـدي وذا حنين iiأنيني
فـعـليكم مــن الإلـه صـلاة كـلما نـاح طـائر iiبـالغصون
يا إخواني
,
مَن علق بحبّهم سلم
, والتجأ إلى كهف عزّهم
ربح وغنم , ومَن اقتفى أثرهم حصل على سواء
الطّريق ، ومَن تنكّب عن سمتهم وقع في المضيق بالتّحقيق
, إذا أحبّ الله عبداً القى
حجّتهم عليه ، وإن أبغض عبداً ألقى الشّيطان بغضهم إليه ، فمحبّتهم المقرّبة إلى الملك
العلام , المؤدّية إلى أعظم المرام
, لا تحصل بمجرّد الكلام ما لم تفترق بإعتقاد يحصل
به برد الإيمان
, وتشبّ به على مصابهم نيران الأحزان .
روى قتادة
: أنّ أروى بنت الحارث
بن عبد الملك , دخلت على معاوية بن أبي سفيان وقد قدم المدينة
ـ وهي عجوز كبيرة
ـ , فلمّا
رآها معاوية , قال : مرحباً بك يا خالة
, كيف كنت بعدي ؟ قالت
: كيف أنت يابن أختي
, لقد
كفرت النّعمة وأسأت لابن عمّك الصّحبة
, وتسمّيت بغير اسمك
ــــــــــــــــ
(1)
سورة النّور / 36 - 37 .
(2) سورة الشّورى /
23 .
الصفحة ( 77 )
, واخذت غير
حقّك بلا بلاء كان منك ولا من آبائك في ديننا , ولا سابقة كانت لكم , بل كفرتم بما جاء
به مُحمّد (صلّى الله عليه وآله) , فانغس الله الخدود
, وأصغر منكم الخدود
, وردّ
الحقّ إلى أهله ، فكانت كلمتنا هي العليا
, ونبينا هو المنصور على مَن ناواه ، فوثبت
قُريش علينا من بعده حسداً لنا وبغياً
, فكنّا بحمد الله ونعمته
, أهل بيت فيكم بمنزلة
بني إسرائيل في آل فرعون ، وكان سيّدنا فيكم بعد نبيّنا
(صلّى الله عليه وآله)
, بمنزلة هارون من موسى ،
غايتنا
الجنّة وغايتكم النّار
.
فقال لها عمرو بن العاص : كفّى
أيّتها العجوز الضّالة
, واقصري من قولك مع ذهاب عقلك
, إذ لا تجوز شهادتك وحدك . فقالت :
وأنت يا بن الباغية
, تتكلّم واُمّك أشهر بغي بمكّة وأقلّهم أجرة
, وادعاك خمسة من قُريش
, فسألت اُمّك عن ذلك
, فقالت :
كلّ أتاها . فانظروا أشبههم به فالحقوه به
, فغلب شبه العاص بن
وايل جزار قُريش
, ألأمهم مكراً وأبهتهم خبراً
, فما ألومك ببغضاً
.
قال مروان بن الحكم :
كفّى أيّتها العجوز واقصدي لما جئت له
. فقالت : وأنت يابن الزّرقاء تتكلّم
, والله وأنت
ببشير مولى ابن كلدة أشبه منك بالحكم بن العاص
, وقد رأيت الحكم سبط الشّعر مديد
القامة , وما بينكما قرابة إلاّ كقرابة الفرس الضّامر من الأتان المقرف ، فاسأل عمّا
أخبرتك به اُمّك , فإنّها ستخبرك بذلك
.
ثمّ التفتت إلى معاوية
, فقالت : والله , ما جرّأ
هؤلاء غيرك , وإنّ
اُمّك القائلة في قتل حمزة :
نحن جزيناكم
بيوم بدر والحرب بعد الحرب ذات السعر
إلى آخر
الأبيات , فأجابتها ابنة عمّي :
خزيت في بدر وغير بدري يا بنت وقاح عظيم الكفر
إلى آخر
الأبيات .
فالتفت معاوية إلى مروان وعمرو
, وقال : والله , ما جرّأها عليّ غيركما
, ولا
أسمعني هذا الكلام سواكما ،
ثمّ قال : يا خالة , اقصدي ودعي أساطير النّساء عنك
. قالت :
تعطيني ألفي دينار وألفي دينار وألفي دينار
. قال : ما تصنعين بألفي دينار
؟ قالت :
أزوّج فقراء بني الحارث بن عبد المُطلب
. قال : هي لك ، فما تصنعين بألفي دينار
؟ قالت :
أستعين بها على شدّة الزّمان وزيارة بيت الله الحرام
. قال : قد أمرت بها لك
. قال
: فما تصنعين بألفي دينار
؟ قالت :
الصفحة ( 78 )
أشتري بها
عيناً خرّارة في أرض خوّارة
, تكون لفقراء بني الحارث بن عبد الملك
. قال : هي لك يا خالة
، أما والله لو كان ابن عمّك على ما أمر لك بها
. قالت : تذكر عليّاً فضّ الله فاك وأجهد
بلاك . ثمّ علا نحيبها وبكاؤها وجعلت تقول :
ألا يـا عين ويحك iiفاسعدينا ألا فـابكي أمـير المؤمنينا
رزينا خير من ركب iiالمطايا وجال بها ومن رب iiالسفينا
ومن لبس النعال ومن iiحذاها ومـن قـرأ المثاني iiوالمبينا
إذا استقبلت وجه أبي iiحسين رأيـت البدر راق iiالناظرينا
ألا فـابلغ معاوية بن iiحرب فـلا قـرت عيون iiالشامتينا
أفي الشهر الحرام iiفجعتمونا بـخير الخلق طراً iiأجمعينا
مضى بعد النّبي فدته iiنفسي أبـو حسن وخير iiالصالحينا
كـأن الـناس إذ فقدوا iiعلياً نـعام جـال فـي بلد iiسنينا
فـلا والله لا أنـسى iiعـلياً وحسن صلاته في iiالراكعينا
لقد علمت قريش حيث كانت بـأنك خـيرها حسباً iiودينا
فـلا يفرح معاوية بن حرب فـإن بـقية الـخلفاء iiفـينا
قال : فبكى
معاوية ثمّ قال : يا خالة
, لقد كان كما قُلت وأفضل .
فانظروا يا إخوان الدّين إلى هؤلاء
الكفرة الملاعين
, يعترفون بالحقّ ويرغبون عنه
, ويتطلّعون إليه ويفرّون منه
, استحوذ عليهم
الشّيطان فسلك بهم في أودية الهوان
, وقادتهم أزمّة الباطل وأرخت لهم العنان
, فباءوا
بالخيبة والخسران واستحقّوا عذاب النّيران
: (
وَمَا
ظَلَمْنَاهُمْ وَلكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
)(1)
.
روي عن بعض الصّادقين
, أنّه قال : دخلت إلى جامع بني
اُميّة لاُصلّي صلاة الصّبح
, وإذا أنا
برجل من بني اُميّة جاء ووقف يصلّي قريباً منّي
, فلمّا طأطأ رأسه للسجود
, سقطت عمامته عن
رأسه , فإذا رأسه ووجهه كرأس الخنزير وشعره كشعر الخنزير
, فلمّا نظرته , طار عقلي وطاش
لبّي , ولم اعلم ما صلّيت ولا ما قلت في صلاتي
, فلمّا فرغ من الصّلاة
, تنفّس الصّعداء وقال :
لا حول ولا قوة إلاّ بالله ، يا أخي
, إنّي أخبرك بقصّتي وأظهرك على حالي
. ثمّ إنّه كشف عن
رأسه ونزع قميصه
, فإذا رأسه ووجهه كالخنزير
, وبدنه وشعره مثل جلد الخنزير
, فتعجبت منه
وقلت له : ما الذي أرى
ــــــــــــــــ
(1)
سورة
النّحل / 118 .
الصفحة ( 79 )
بك من
البلاء ؟ فقال : اعلم أنّي كنت مؤذّناً لبني
اُميّة , وكنت
كلّ يوم العن عليّ بن أبي طالب ألف
مرّة بين الأذان والإقامة
, وإذا كان يوم الجُمُعة
العنه
أربعين ألف مرّة , فبينما أنا
نائم ليلة الجُمُعة
, رأيت في منامي كأنّ القيامة قد قامت
, ورأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعليّاً والحسن والحُسين وماء الكوثر مترع
, وبيد الحسن (عليه السّلام)
إبريق من نور , وبيد
الحُسين (عليه السّلام) كأس من نورهما
, يسقيان النّاس كافّة وأنا في
عطش شديد , فدنوت من
الحُسين (عليه السّلام) وقلت له : اسقني يابن رسول الله . فقال لي :
(( ستشرب من حميم جهنّم )) . فقال له
النّبي (صلّى الله عليه وآله) : (( لِمَ لا تسقيه ؟ ))
. فقال : (( يا جدّاه , كيف اسقيه وهو يلعن أبي
كلّ يوم ألف مرّة ؟ )) . فالتفت إليّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) , وقال لي :
(( ما لك يا لعين يا شقي
! أتلعن أخي وخليفتي وابن عمّي
عليّ بن أبي طالب
؟! )) . ثمّ بصق في وجهي
, وقال : (( غيّر الله ما بك
من نعمة )) . فانتبهت من منامي مرعوباً وإذا هو قد مُسخ كما ترى
, وصار عبرة لمن يسمع ويرى
, وأنا أحمد الله تعالى مما كان منّي
, وواليت
عليّ بن أبي طالب وتبرأت من أعدائه
. :
أيا من هم
فلك النجاة ومن هم هداة وغوث للأنام وجود
ولولاهم ما
كان نور ولا دجا ظلام ولا للخلق كان وجود
عليكم سلام
الله حيث ثناءكم حكى نشره نداً يضوع وعود
وحيث بكم
هبت نسيم ونسمة هبوب وللعيدان رنح عود
وأزهر من
زهر البروج زواهر وورد من زهر المروج ورود
فالويل
الدّائم لمن عاداهم
! والخيبة لمن ضلّ عن هُداهم وما والاهم
!
روي
: أنّه دخل أبو أمامة
الباهلي على معاوية
, فقرّبه وأدناه
ثمّ دعا بالطّعام ، فجعل يطعم أبا أمامة بيده
, ثمّ أوسع رأسه ولحيته طيباً بيده
, وأمر له ببدرة من دنانير فدفعها إليه
,
ثمّ قال : يا أبا
أمامة , أبالله أنا خير أم
عليّ بن أبي طالب ؟ فقال أبو
أمامة : نعم ولا كذب
, ولو بغير
الله سألتني لصدقت ،
عليّ والله خير منك وأكرم
, وأقدم إسلاماً وأقرب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قرابة
, وأشدّ في المُشركين نكاية ، وأعظم عند الاُمّة غناء
, أتدري مَن عليّ يا معاوية ؟
عليّ ابن عمّ رسول الله وزوج
ابنته سيّدة نساء العالمين ،
وأبو الحسن والحُسين سيّدا
شباب أهل الجنّة ، وابن أخي حمزة
سيّد الشّهداء , وأخو
جعفر ذي الجناحين ، فأين تقع أنت من
الصفحة ( 80 )
هذا يا
معاوية ؟! أظننت
أنّي اخترك على
عليّ بألطافك وإطعامك وعطائك
, فأدخل إليك مؤمناً وأخرج
منك كافراً ، بئس ما سوّلت لك نفسك يا معاوية
!
ثمّ نهض وخرج من عنده
, فاتبعه بالمال
, فقال : لا والله
, لا أقبل منك ديناراً واحداً .
فهذه هي المحبّة النّاصحة والمودّة
الرّائقة الخالصة ، وعلى مثل أهل البيت فليبك الباكون ، وإيّاهم فليندب النّادبون ،
ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان
, فنظم
وقال :
القصيدة
للشيخ الخليعي ( رحمه الله تعالى )
ألا مـا لـجفني بـالسهاد iiتـوكل وقـلبي لأعـباء الـهوى iiيـتحمل
ومـا بال عيني ليس ترقى iiدموعها وقـلبي بـعبء السم يذوي فينحل
ولـم يشجني فقد الأنيس ولم iiأطل وقـوفي على الربع الدريس iiفأسأل
ولا قـلت لـلحادي تـرفق iiهنيئة ولـلركب لـما سـار أيـن iiترحل
ولم ارتقيت طيف الخيال من الكرى ولا أنــا مـمن بـالمنى iiيـتعلل
ولـكن شـجتني عـصبة iiعـلوية تـداعوا جـميعاً بـالفتى ثمّ iiقتلوا
لـهم طال حزني وأسكنت iiأظالعي على جمرة في عشرة عاشور iiتشعل
ولـم أنس مولاي الحُسين وقد iiغدا يـودع أهـليه ويـوصي iiويعجل
يـنادي ألا يـا أهـل بـيت iiمحمد أصـيخوا لـما أوصيكموا iiوتقبلوا
عـلـيكم بـتقوى الله لا iiتـتغيروا لـعـظم رزايـاكـم ولا تـتبدلوا
ودومـوا عـلى أعمالكم iiوابتهالكم وقـوموا إذا جـن الـدجى iiوتقبلوا
وإن نـابكم خـطب فلا iiتتضعضوا لـوقع الـرزايا واصبروا iiوتحملوا
وفـاطمة الـصغرى تقول iiلاختها هـلمي إلـى التوديع فالأمر iiمهول
أرى والـدي يـوصي بـنا اخواته وعـيناه مـن حزن تفيض iiوتهمل
وتـدعو ألا يـا سـيدي بلغ iiالعدا بـنا مـا تمنوا في النفوس iiواملوا
فـيحنوا عـليها بـاكياً ويـضمها ويـدنـي إلـيه وجـهها iiويـقبل
ومـر إلـى حرب الطغاة ولم iiيزل يـفـلق هـامات الـعدى iiويـقلّل
إلـى أن هوى فوق التراب iiمجدلا قـتيلاً وراح الـمهر ينعي iiويعول
فـقمن الـنساء الـفاطميات iiولـهاً فـأبصرن مـنه مـا يسوء iiويذهل
|