|
الصفحة (1)
المُنتخب
في جمع
المراثي والخطب
المشتهر بـ
(الفخري)
الجزء
الثّاني
تأليف
الإمام
الكبير والمُصنّف الشّهير الشّيخ
فخر الدّين
الطّريحي النّجفي المتوفى سنة / 1085 .
الصفحة (2)
الصفحة (3)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المجلس
الأوّل
في الليلة
السّادسة من عشر المُحرّم
وفيه أبواب
ثلاثة
الباب
الأوّل
اعلموا
أيّها الإخوان ، إنّه لا خير والله في دمع يُصان عن سادات الزّمان وأولياء الملك
الدّيان , فوا حرّ قلباه على تلك الأجساد المطرّحات بغير وطاء ولا وساد ! وا أسفاه
على تلك الجسوم المرمّلات بغير فراش ولا مهاد ! جسوم والله طال ما أتعبوها في عبادة
الرّحمن وقراءة القرآن ، فوا عجباه ! كيف شمخت عليهم اُنوف الظّالمين حتّى فعلوا ما
أغضبوا ربّ العالمين ، وأبكوا به عين الرّسول ، وأحرقوا به فؤاد البتول ؟! فليت
فاطمة الزّهراء تنظر إلى الفاطميات وهن بين الأعداء مروّعات ، وما بين نادبة تأنّ
وثاكلة تحنّ . فيا خيبة من عرف حال الآل وسارع إليهم بالمحاربة والقتال ، ولكنّها
لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور :
لقد أورثتنا
قتلة الطف قرحة وحزناً على طول الزمان مطول
فلا حزنه
يسلي ولا الوجد نازح ولا مدمعي يرقي ونوحي يكمل
روي : أنّ
هند اُمّ معاوية جاءت إلى دار الرّسول (صلّى الله عليه وآله) عند وقت الصّبح ,
فدخلت وجلست إلى جنب عائشة وقالت لها : يا بنت أبي بكر , رأيت رؤيا عجيبة وأريد أن
أقصّها عليك لتقصّيها على رسول الله ـ وذلك قبل إسلام ولدها معاوية ـ ,
الصفحة (4)
فقالت لها
عائشة : خبّريني بها حتّى أخبر بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) . فقالت : إنّي
رأيت في نومي شمساً مشرقة على الدُنيا كلّها , فولد من تلك الشّمس قمر , فأشرق نوره
على الدُنيا كلّها , ثمّ ولد ذلك القمر نجمان زاهران قد أزهر من نورهما المشرق
والمغرب , فبينما أنا كذلك , إذ بدت سحابة سوداء مُظلمة كأنّها الليل المُظلم ,
فولد من تلك السّحابة السّوداء حيّة رقطاء , فدّبت الحيّة إلى النّجمين فابتلعتهما
, فجعلوا النّاس يبكون ويتأسّفون على ذينك النّجمين .
قال :
فجاءت عائشة إلى النّبي(ص) وقصّت الرّؤيا عليه ، فلمّا سمع النّبي (صلّى الله عليه
وآله) كلامها , تغيّر لونه واستعبر وبكى , فقال : (( يا
عائشة , أمّا الشّمس المُشرقة فأنا , وأمّا القمر فهي فاطمة ابنتي , وأمّا النّجمان
فهما الحسن والحُسين (عليهما السّلام) , وأمّا السّحابة السّوداء فهي معاوية ,
وأمّا الحيّة الرّقطاء فهي يزيد بن معاوية )) .
وكان الأمر
كما قال (صلّى الله عليه وآله) , فإنّه لمّا توفّي الرّسول (صلّى الله عليه وآله) ,
نهض معاوية إلى حرب عليّ (عليه السّلام) , ولازم حربه ثمانين شهراً حتّى هلك من
الفريقين خلق كثير ، ثمّ إنّ معاوية استمر مع قومه على سبّ عليّ ثمانين شهراً ، ثمّ
لم يكفه حتّى توصّل إلى سمّ الحسن (عليه السّلام) .
ولمّا هلك
معاوية , تولّى الأمر ولده يزيد لعنه الله تعالى , فنهض إلى حرب الحُسين (عليه
السّلام) وبالغ في قتاله وقتال رجاله , وذبح أطفاله وسبى عياله ونهب أمواله ، ألا
لعنة الله على القوم الظّالمين :
أأدهن رأسي أم تطيب مجالسي وخـدك مـعفور وأنت iiسليب
أأشرب ماء المزن أم غير iiمائه ويدخل في الأحشاء منك iiلهيب
بـكائي طويل والدموع iiغزيرة وأنـت بـعيد والمزار iiقريب
أروح بـغم ، ثـمّ أغدو iiبمثله كـئيباً ودمـع المقلتين iiسكوب
فـللعين مـنّي عبرة بعد عبرة ولـلقلب مـنّي عبرة iiونحيب
روي : أنّ
الإمام زين العابدين (عليه السّلام) مع كثرة علمه وحلمه , كان كثير البكاء لتلك
البلوى وعظيم البثّ والشّكوى , وإنّه بكى على مصاب أبيه أربعين سنة , وهو مع ذلك
صائم نهاره قائم ليله , وكان إذا حضر الطّعام لإفطاره , يبكي بكاءاً شديداً ,
فيُقال له : كُل يا مولاي . فيقول :
(( كيف آكل وقد قُتل ابن رسول الله جائعاً عطشاناً مظلوماً
؟! )) . ولم يزل يكرّر هذا القول , وهو مع ذلك يبكي حتّى يبلّ طعامه بدموعه
الصفحة (5)
ويمزج
بشرابه , ولم يزل كذلك مدّة حياته حتّى لحق بربّه .
وحدّث مولى
له , أنّه (عليه السّلام) برز يوماً إلى الصّحراء , قال : فتبعته فوجدته قد سجد على
حجارة خشنة , فوقفت من ورائه وأنا أسمع شهيقه وبكاءه زماناً طويلاً , فأحصيت عليه
حتّى قال ألف مرّة :
(( لا إله إلاّ الله تعبّداً ورقّاً , لا إله إلاّ الله
إيماناً وصدقاً )) . ثمّ رفع رأسه من سجوده , وإذا لحيته ووجهه قد غمرا
بالدّموع والتّراب , فقلت له : يا سيّدي , ما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقلّ ؟
فقال لي :
(( يا هذا , ألا تعلم أنّ يعقوب بن إسحاق كان نبيّاً ابن
نبيّ , وكان له اثني عشر ابناً , فغيّب الله عنه ولداً واحداً منهم , فشاب رأسه من
الحزن وذهب بصره من البكاء , هذا وابنه حيّ في دار الدُنيا , وأنا قد رأيت إخوتي
وأبي وسبعة عشر صالحاً من أهل بيتي , مقتولين مطرّحين حولي صرعى في الفلا مجدّلين ,
قد غيّرت الشّموس محاسنهم وأتلفت الأرض جسومهم والرّمال تسفى عليهم ؟! )) .
فاعلموا(1)
يا إخواني صوائب الفكر , وأطيلوا النّظر في حال هذا الإمام وما فعل به القوم اللئام
, فإنّه مصاب تحير فيه الأفكار ، وتذهل في معانيه القلوب والأبصار , ولكن المرجع
إلى الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله :
بـنفسي مـجروح الجوارح iiآيساً من النصر خلوا ظهره من iiظهيرها
بـنفسي مـحزوز الـوريد معفراً عـلى ظمأ من فوق حر iiصخورها
يـتوق إلـى مـاء الفرات ودونه حـدود شـفار أحـدقت iiبشفيرها
قـضى ظـامياً والماء يلمع iiظامياً وغـودر مـقتولا رويـن iiغديرها
هـلال دجـى أمسى بحد غروبها غـروباً عـلى قيعانها iiووعورها
فـيا لـك مقتولاً علت مهجة iiالعلا بـه ظـلمة من بعد ضوء سفورها
فـيا لـك عـيناً لا تجف iiعيونها ونـاراً يـذيب القلب حر iiزفيرها
على مثل هذا الحزن يستحسن البكا وتـقلع مـنا أنـفس من iiسرورها
أيـقتل خـير الـخلق أمـاً ووالداً وأكـرم خـلق الله وابـن iiنذيرها
ويـمنع مـن ماء الفرات وتغتذي وحـوش الـفلا ريانة من iiنميرها
يـدير عـلى رأس السنان iiبرأسه سـنان ألا شـلت يـمين iiمديرها
ويـؤتى بـزين الـعابدين مـكبلاً أسـيراً ألا روحـي الفدا iiلاسيرها
يـقاد ذلـيلاً فـي الـقيود iiممثلا لأكـفر خـلق الله وابـن كفورها
ــــــــــــ
(1) هكذا ورد , ولكن
الظّاهر أنّ الصّحيح هو : فاعملوا . (معهد
الإمامين الحسنين) .
الصفحة (6)
ويـمشي يزيد رافلاً في iiحريره ويمسي حسيناً عارياً في حرورها
ودار بني صخر ابن حرب أنيسة بـنشد أغـانيها وسكب iiخمورها
ودار عـليّ والـبتول iiوأحـمد وشـبرها مولى الورى iiوشبيرها
مـعالمها تـبكي عـلى iiعلمائها وزائـرها يـبكي لـفقد مزورها
متى يظهر المهدي من آل iiهاشم عـلى سـيرة لم يبق إلاّ iiيسيرها
هـنالك تـعلو هـمة طال iiهمها لإدراك ثـأر سـالف من iiمثيرها
روي عن ابن
محبوب رضي الله عنه , قال : خرجت من الكوفة قاصداً زيارة الحُسين (عليه السّلام) في
زمان ولاية آل مروان لعنهم الله تعالى ، وكانوا قد أقاموا اُناساً من بني اُميّة
على جميع الطّرق ؛ يقتلون من يظفروا به من زوّار الحُسين (عليه السّلام) , فأخفيت
نفسي إلى الليل , ثمّ دخلت الحائر الشّريف في الليل , فلمّا أردت الدّخول للزيارة ,
إذ خرج إليّ رجل وقال لي : يا هذا , ارجع من حيث جئت فقد قبل الله زيارتك عافاك
الله ؛ فإنّك لا تقدر على الزّيارة في هذه السّاعة . فرجعت إلى مكاني , فسرت حتّى
مضى أكثر من نصف الليل ثمّ أقبلت للزيارة , فخرج إليّ ذلك الرّجل وقال لي : يا هذا
, ألم أقُل لك إنّك لا تقدر على زيارة الحُسين (عليه السّلام) في هذه الليلة ؟ فقلت
له : ولِمَ تمنعني من ذلك وأنا قد أقبلت من الكوفة على خوف ووجل من بني اُميّة أن
يقتلوني ؟ فقال : يابن محبوب , اعلم أنّ إبراهيم خليل الرّحمن وموسى كليم الله ,
وعيسى روح الله ومُحمّد حبيب الله , قد استأذنوا الله عزّ وجلّ في هذه الليلة أن
يزوروا الحُسين (عليه السّلام) , فأذن لهم بزيارته , فهم عنده من أوّل الليل إلى
آخره في جمع من الملائكة المقرّبين والأنبياء والمرسلين , لا يحصي عددهم إلاّ الله
تعالى , فهم يسبّحون الله ويقدّسونه لا يفترون إلى الصّباح , فإذا أصبحت فأقبل إلى
زيارته إن شاء الله تعالى . فقلت له : وأنت مَن تكون عافاك الله ؟ فقال : أنا من
الملائكة الموكلين بقبر الحُسين (عليه السّلام) . فطار قلبي ورجعت إلى مكاني أحمد
ربّي وأشكره حيث لم يردني لقبح عملي , وصبرت إلى أن أصبحت فأتيت لزيارة مولاي
الحُسين (عليه السّلام) ولم يردني أحد , وبقيت نهاري كلّه في زيارته إلى أن هجم
الليل , وانصرفت على خوف من بني اُميّة فنجّاني الله منهم .
فانظروا يا
ذوي الأسماع والأبصار , وتفكّروا في هؤلاء الكفرة الفجّار , ما كفاهم قتل
الصفحة (7)
العترة الأطهار , وذرّيّة النّبي
المُختار حتّى دعتهم أنفسهم اللعينة إلى أن يمنعوا الزّوار :
(
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ
مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
)(1)
:
فـيا ذلـة الإسـلام مـن بعد عزه ويـا لـك رزء فـي الأنام iiخطير
فيا عبرتي سحي ويا حرقتي ازددي ويـا نـفس ذوبي فالمصاب iiكبير
روى مُحمّد
بن إسماعيل , عن موسى بن القاسم الحضرمي , قال : ورد أبو عبد الله الصّادق من
المدينة إلى الكوفة في أوّل ولاية أبي جعفر العباسي , فقال (عليه السّلام) :
(( يا موسى , اذهب إلى الطّريق الأعظم فقف هُنيئة , فإنّه سيأتيك رجل من ناحية
القادسية , فإذا دنا منك , فقُل له : هُنا رجل من ولد رسول الله (صلّى الله عليه
وآله) يدعوك , فإنّه يسرّ بذلك وسيجيء معك )) . قال موسى : فمضيت ووقفت على
الطّريق وكان الحَرّ شديداً , فمددت بصري في الفلاة , فنظرت شيئاً مُقبلاً من بعيد
, فتأمّلته وإذا هو رجل على بعير , فلمّا دنا منّي , قلت له : يا هذا , إنّ هُنا
رجل من ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يدعوك وقد وصف لي بجميع صفاتك . فزاد
إعجابه وسرّ بذلك وقال : اذهب بنا إليه . قال : فجاء الرّجل حتّى أناخ بعيره على
باب خيمة الصّادق (عليه السّلام) , ودخل إليه وسلّم عليه وقبّل يديه ورجليه , فقال
الصّادق : (( من أين أقبلت ؟ )) . فقال : من أقصى
بلاد اليمن . فقال له : (( أنت من وضع كذا وكذا
؟ )) . قال : نعم . قال : ((
فيما جئت ؟ )) . قال : جئت لزيارة الحُسين (عليه السّلام) . فقال له الصّادق
(عليه السّلام) : (( جئت من غير حجّة ليس إلاّ للزيارة ؟ ))
. قال : نعم , إلاّ أن أصلّي عند قبره ركعتين وأزوره وأسلّم عليه وأرجع إلى
أهلي . فقال له الصّادق (عليه السّلام) : (( وما ترون من
زيارته ؟ )) . قال : إنّا نرى من زيارته ؛ البركة والشّفاء والعافية في
أنفسنا وأهالينا وأولادنا , ومعائشنا وأموالنا وقضاء حوائجنا . فقال له الصّادق
(عليه السّلام) : (( أفلا تحبّ أن أزيدك من فضل زيارته يا
أخا اليمن ؟ )) .
فقال : أي والله , زدني يابن رسول الله . فقال : (( اعلم أنّ
زيارة الحُسين (عليه السّلام) تعدل حجّة مبرورة مقبولة زاكية مع رسول الله (صلّى
الله عليه وآله) )) . فتعجّب الرّجل من ذلك , فقال الصّادق (عليه السّلام) :
(( لا تعجب يا أخا اليمن , بل تعدل حجّتين متقبّلتين زاكيتين
مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) )) . فتعجّب الرّجل من ذلك ، قال : فلم
يزل الصّادق (عليه السّلام) يزيده من فضل زيارته حتّى قال له :
(( تعدل ثلاثين حجّة مبرورة مقبولة زاكية مع رسول الله
ـــــــــــــ
(1)
سورة الصّف / 8 .
الصفحة (8)
(صلّى الله
عليه وآله) ، فقال الرّجل : إذا كان هذا فضل زيارة الحُسين (عليه السّلام) , فو الله
, لا اُفارقه حتّى أموت . قال : ولم يزل الرّجل لائذاً بقبر الحُسين (عليه السّلام) حتّى أتاه الموت
.
فتفكّروا يا إخواني في هذا
الشّخص الرّباني , كيف تجرّأ عليه أهل الضّلال
وبارزوه بالحرب والقتال
, وسارعوا إليه بالسّيوف والرّماح وصادموه في ميدان الكفاح
, فقالوا لا براح ولا سعة ولا فساح
, كأنّهم قد نسوا المعاد إلى ربّ العباد
. فعلى
الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون
, وإيّاهم فليندب النّادبون
, ولمثلهم تذرف
الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان
, فنظم فيهم
وقال :
القصيدة
للشيخ الكامل الدّرمكي
خـل الـحزين بـهمه iiوبـلائه وبـوجـده وحـنـينه iiوبـكائه
لا تـعذل المحزون تجرح iiقلبه فـالبين أورى النّار في iiأحشائه
إن الـشقاء على الحزين iiمسلط لا يـستطيع الصبر في iiاخفائه
يـكفيك عن عذل الحزين iiسقامه قـد مـلّت الـعواد مـن iiإيتائه
وتـجمعت كـل الأطـبا حوله وتـفرقوا لـم يـظفروا iiبشفائه
وتـعاهدوا كـتباً لـهم iiمخزونة عجزوا وما قدروا على استشفائه
فـهو المحن لمّا تضمن iiصدره يـخفى لـعل العذل في iiاخفائه
يـخفي من الأعداء ما في iiنفسه ويـذيـعه سـراً إلـى iiأمـنائه
فاستخبروه ذوا البصائر iiوالتقى عـما يـحن لـيعلموا iiبـأذائه
قـالوا لـه يـا صاح بالله أنبئنا وبـجملة الـنعماء مـن iiآلائـه
مـا الـذي تـشكوه من ألم iiوما تـخفي لـعل الـبر في iiإبدائه
قـالوا اسـمعوا الله أكرم عادل لا يـنكر الـمقدور من iiإمضائه
لو نال رضوي بعض ما قد iiنلته هـد الـبلاء لـصخره iiوصفائه
والله مـا أجرى الدما من iiمقلتي إلاّ الـحُسين مـغسلاً iiبـدمائه
أبـكي لـه أم لـليتامى iiحـوله أم لـلـجواد أنـوح أم لـنسائه
أم أسـكب الدمع المصون iiلفتية عـافوا الـحياة وطـيبها iiلفدائه
فـكأنه طـود هـوى وكـأنهم أعـجاز نـخل جـثم iiبـفنائه
الصفحة (9)
يا عين سحي للغريب iiواسكبي وتـعودي سـهر الدجى لنعائه
وابـكي لزينب إذ رأته iiمجدلاً فـوق الـصعيد معفراً iiبدمائه
عـريان مبتول الجبين مجرحاً وا حـسرتاه لـذله iiوعـرائه
لـهفي له والشمر يقطع iiرأسه وخيولهم تجري على iiأعضائه
والـمهر يـندبه ويـلثم iiنحره ويقول عاري السرج في بيدائه
قـتل الحُسين وهتكت نسوانه وغـدا يـباح المحتمي بحمائه
فـلأبكينك يـابن بـنت مُحمّد حتّى يذوب القلب عن أفضائه
ويـزيدني حزناً ويسهر iiمقلتي خبر روى الصدوق من iiروّائه
اسـفاده عن ابن عباس iiالتقي أكـرم بـه وبـزهده iiوتـقائه
قـال : اجتمعنا والنبي iiجليسنا وشـعاعه يـعلو على iiجلسائه
قـد طـيبت كل البقاع iiبطيبه وتـلامعت حـيطانها iiبضيائه
فـي غبطة بالقرب منه iiفبينما بـعض يـهني بعضنا بولائه
فـإذا بسبطيه الكرام وكف iiذا فـي كف ذا يسراه في iiيمنائه
وهـما يجران الذيول iiغوافلا كـل يـصول بـجده iiوآبائه
فـرآهما الـهادي النّبي iiبنعمة فـتنفس السعداء من iiصعدائه
فـتظاهرت زفراته iiوتحادرت عـبراته سـحاً لـعظم iiبلائه
حـزناً وقـال بـحرقة iiوكآبة ودمـوعه كالسيل في iiإجرائه
يـعزز عليّ ومن توالى ملتي مـن كـل بر ماحض iiبولائه
مـا يلقيان من الإهانة iiوالأذى بـعدي وقـلبي والـه بشجائه
فـدعاهما فـتساقطا في حجره فـرحـاً بـه ولـذاذة بـلقائه
فترشف الحسن الزكي iiوضمه مـترشف الـشفتين لثم iiلمائه
وأتى إلى نحر الحُسين iiوشمه والـدمع يـسقيه بساكب مائه
فبكى الحُسين وسرها في iiنفسه وغـدا يهرول مسرعاً iiبخطائه
نـحو البتول فساء ما قد iiساءه فـاستعبرت وتحسرت iiلبكائه
فـأتت تـقبله وتـمسح دمعه ودمـوعها كالغيث في iiإهمائه
وتقول والعبرات تسبق iiنطقها يـا مـن حياتي اردفت iiببقائه
الصفحة (10)
مـاذا الـذي يـبكيك يـا من iiحبه فـي الـقلب مشتمل على iiإفصائه
قـال الـحُسين كـان جدّي iiملني مـا كـنت قـبل مـعوداً لـجفائه
جـئنا أنـا وأخـي إلـيه iiنزوره فـدعا الـزكي وشـمه فـي iiفائه
وأتى إلى نحري وأعرض عن فمي إعـراض مـن أبدى عظيم iiجفائه
وأنـا أظـن بـأن مـا فـيّ iiمن شـيء يـخاف الـجد مـن iiلقيائه
فـتخمرت سـت الـنساء iiويممت نـحـو الـنّبي شـجية لـشجائه
فـي الـذيل عـاثرة ومـعها إبنها فـرآهما الـمختار مـن iiخلصائه
يـبكون قـال لـهم فـما هذا البكا يـا صـفوة الرحمن من iiخلصائه
قـالت حبيبي كيف تكسر iiخاطري لــم لا تـقـبل شـبّراً iiكـأخائه
قـال الـنّبي لـها بـقلب iiموجع سـر أخـاف عـليك مـن ابدائه
قـالت بـحقك يـا أبـتاه أبنه iiلي وبـحق مـن أنـشئت في iiنعمائه
فـبكى وأطـرق سـاعة مسترجعاً والـدمع يـسقيه بـساكب iiمـائه
فـتـعاهدته فـقال ربـي iiعـالم والـكـل فـي تـدبيره iiوقـضائه
أمـا تـرشف شـبّر فـي فيه iiقد ظـلماً يـذوق الـسم مـن iiأعدائه
وتـرشفي نـحر الـحُسين فـإنه بـالسيف يـنحرنا زخـا iiبظمائه
فـجعلت ألـثم ذا بـموضع iiسمه وأشــم ذا فـي نـحره iiلأذائـه
فـتجسرت سـت الـنساء بحرقة أسـفـاً عـليه ولـوعة iiلـعزائه
فـأتـت تـقـبله وتـلثم iiنـحره والـجيب قـد مزقته عن iiأقصائه
حـزناً وتـلطم خـدها وتقول iiذا لـهفي عـليه وخـيبتي iiلـربائه
يـا قـرة الـعينين يا ثمرة iiالحشا هـل فـي زمـاني أم زمان iiآبائه
إن كـان فـي زمني أقمت عزائه وصـبغت ثـوبي من نجيع دمائه
ونـشرت شعري فوق كتفي iiشاملاً ونـدبـته يــا أب فـي يـتمائه
قــال الـنّبي إذا مـضينا iiكـلنا دار الـمنون عـليه قـطب رحائه
بـئس الـزمان ومـن تولى أمره فـالغوث كـل الـغوث من iiولائه
قـالت بـأي الأرض يقطع iiرأسه وبـأي شـهر كـان كـون iiفنائه
قـال الـنّبي يـكون ذا iiبـمحرم فـي يـوم عـاشورا شنيع iiنعائه
الصفحة (11)
ويـكون مصرعه المهول بكربلا ومـصارع الأنصار في iiصحرائه
قـالت غـريباً قال أعظم iiغربة قـالت وحـيداً قال من iiنصرائه
فـبكت وقالت وا شماتة iiحاسدي وا صـفوة الـجبار من iiخلصائه
مـن ذا يـغسله ويـحمل iiنعشه مـن ذا يـواري جـسمه بثرائه
مـن يـكفل الأيـتام بـعد iiوفاته مــن ذا يـقيم مـأتماً iiلـعزائه
فـبكى الحُسين وقال رزئي فادح فـتصارخوا أهـل الـعبا لبكائه
فـاتى الأمين إلى الأمين يقول iiقد أوحـى إلـه الـعرش في iiأنحائه
أن قـل لـسيدة الـنساء iiبـأنني أنـشي كـراماً شـيعة iiلـعزائه
الـناهظين إلـى مـنازل iiكربلا الـخـايظين غـبارها iiلـهوائه
الـسـاكبين دمـوعهم iiلـمصابه الـمظهرين الـحزن عن iiأقصائه
يـتـوالدون فـينسلون iiأطـائباً حـتّى يـصير الـحق في iiولائه
ويــقـوم قـائـم آل iiمُـحـمّد ويـطير طير النصر فوق iiلوائه
قـال الحُسين فما يكون iiجزاءهم عـند الإلـه غـداة يـوم iiجزاءه
قـال الـنّبي أنـا أكون iiشفيعهم وأجـيـب كـلا مـنهم بـندائه
قـال الـوصي أنـا الذي iiأسقيهم يـوماً يـفر الـمرء مـن ابنائه
قـالت حـبيبة أحـمد فوحق iiمن ربـيت مـذ أنـشئت في iiنعمائه
فـلأوقفن وشـعر رأسـي ناشر والـجيب مـمزوق إلى iiأقصائه
حـتـى يـشفعني إلـهي iiفـيهم ويـمـد كـلا مـنهم iiبـرضائه
قال الحُسين وحق من خلق الورى طـراً وسـقف أرضـه iiبسمائه
لا أدخـل الـجنات حتّى iiيدخلوا والله يـهدي مـن يـشأ iiبـهدائه
يـا أيّـها الـزوار مشهد iiكربلا كــل يـقصر مـنكم iiلـخطائه
فـلـكل عـبد حـجّة iiمـبرورة فـي كـل ما يخطوه من مسعائه
ولـكم بـما أنـفقتم مـن iiدرهم فـي جـنة حـرصاً على iiإيتائه
فـي جـنة الفردوس ألف iiمدينة فـي قصرها الإعلاء من iiإعلائه
ولـمن بـكاه تـفجعاً iiلـمصابه وتـأسفاً بـالحزن عـن iiاقصائه
فـي الحشر قصر لا يقاس iiعلوه در ومـرجـان بـحسن iiجـزائه
الصفحة (12)
وجميع أملاك السما iiيستغفروا لـكم ومـن ظل لكم iiبسمائه
يـا رب مد الدرمكي iiبسؤله عـجلاً وبـلغه جميل iiرجائه
صلّى الإله على النّبي iiمُحمّد وعـلى الكرام الغر من أبنائه
الـطيبين الطاهرين من الخنا سفن النجاة لمن حضى بولائه
الباب الثّاني
أيّها
المؤمنون الأخيار والأتقياء الكرام الأبرار
, تفكّروا فيمن تعدّى على العترة الأطهار
وذرّيّة النّبي المُختار
, كيف أذاقوهم الحتوف بأرض الطّفوف
, فكم من جسد مرمّل بالدّماء
, وكم
من كبد محترق من الظّماء والماء من حوله قد طمي
, وكم من رأس شريف على السّنان
, وكم من
كريم يسام الخسف والهوان
, وكم من معولة حاسرة
, وكم نابذة بشعرها ناشرة
, وكم من ربّة خدر
بارزة كالهلال مبذولة الوجه أسيرة على أقتاب الجمال
, وكم من قلب يحنّ
, وكم من جسم يأنّ
,
وكم من طفل مذبوح
, وكم من دم لرسول الله مسفوح
! فيا حرّ قلبي
لما جرى للآل من الكفرة
الفجرة الأنذال
, حسدوهم على معاليهم حيث عجزوا عن الوصول إلى ما أودعه الله فيهم
, فحملتهم تلك الأحقاد على المعصية والعناد والزّيغ عن طريق الرّشاد والسّداد :
يغيضهم
كغيضي بنقصهم وليس لأهل الفضل ضد سوى الجهل
فما لي لا
أندب تلك الأوطان وأسكب دموعي على سادات الزّمان
, الممدوحين في محكم القرآن على لسان
النّبي الكريم الصّادق العليم
؟
روي عن رسول
الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه خرج في سفر له , فلمّا كان في بعض الطّريق , إذ وقف
جواده , فقال : (( إنّا لله وإنّا إليه راجعون )) . ثمّ دمعت عيناه وبكى بكاء شديداً
, فسُئل عن
ذلك , فقال : (( هذا جبرائيل يخبرني عن هذه الأرض يُقال لها كربلاء
, يُقتل فيها ولدي
الحُسين (عليه السّلام) , وأنّي أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه
, وكأنّي أنظر إلى السّبايا على أقتاب
المطايا , وقد اُهدي رأس ولدي
الحُسين إلى يزيد لعنه الله , فو الله , ما ينظر أحد إلى رأس الحُسين (عليه السّلام) ويفرح إلاّ خالف الله بين قلبه ولسانه وعذّبه عذاباً أليماً
)) .
ثمّ رجع النّبي (صلّى الله عليه وآله) من سفره
؛ مغموماً مهموماً كئيباً حزيناً
, فصعد المنبر وأصعد معه الحسن
والحُسين وخطب ووعظ النّاس
, فلمّا فرغ
الصفحة (13)
من خطبته
, وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحُسين (عليه السّلام) , وقال
: (( اللّهمّ , إنّ مُحمّداً عبدك ورسولك , وهذان أطائب عترتي وأرومتي وأفضل ذرّيّتي ومن أخلفهما
في اُمّتي , وقد أخبرني جبرائيل أنّ ولدي هذا مقتول بالسّم والآخر شهيد مضرّج بالدّم
. اللّهمّ , فبارك له في قتله واجعله من سادات الشّهداء . اللّهمّ , ولا تبارك في قاتله
وخاذله واصله حرّ نارك , واحشره في أسفل درك الجحيم )) .
قال : فضجّ النّاس بالبكاء والعويل ،
فقال لهم النّبي (ص) : (( أيّها النّاس , أتبكونه ولا تنصرونه
؟! اللّهمّ , فكُن أنت له وليّاً
وناصراً )) . ثمّ قال : (( يا قوم , إنّي مُخلّف فيكم الثّقلين
, كتاب الله , وعترتي وأرومتي ومزاج
مائي وثمرة فؤادي ومهجتي , لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض , ألا وإنّي لا أسألكم في ذلك
, إلاّ ما أمرني ربّي أن أسألكم عن المودة في القُربى , واحذروا أن تلقوني غداً على الحوض
وقد آذيتم عترتي وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم , ألا إنّه سترد عليّ يوم القيامة ثلاث
رايات من هذه الاُمّة , الأولى : راية سوداء مُظلمة قد فزعت منها الملائكة , فتقف علي
, فأقول
لهم : مَن أنتم ؟ فينسون ذكري ويقولون نحن أهل التّوحيد من العرب . فأقول لهم : أنا
أحمد نبيّ العرب والعجم . فيقولون : نحن من اُمّتك . فأقول : كيف خالفتموني من بعدي في أهل
بيتي وعترتي وكتاب ربّي ؟ فيقولون : أمّا الكتاب فضيّعناه , وأمّا عترتك فحرصنا أن نبيدهم عن
جديد الأرض . فلمّا أسمع ذلك منهم , أعرض عنهم وجهي , فيصدرون عُطاشاً مسودّة وجوههم
.
ثمّ ترد
عليّ راية اُخرى أشدّ سواداً من الأولى , فأقول لهم : كيف أخلفتموني من بعدي الثّقلين
؛ كتاب الله وعترتي ؟ فيقولون : أمّا الأكبر فخالفناه , وأمّا الأصغر فخذلناه ومزّقناه كُلّ ممزّق
. فأقول : إليكم عنّي . فيصدرون عُطاشاً مسودّة وجوههم .
ثمّ ترد عليّ راية يلمع وجوههم
نوراً , فأقول لهم : مَن أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التّوحيد والتّقوى من اُمّة مُحمّد
المُصطفى , ونحن بقية أهل الحقّ , حملنا كتاب الله ربّنا وحللنا حلاله وحرّمنا حرامه
, وأجبنا ذرّيّة نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) ونصرناهم من كلّ ما نصرنا به أنفسنا . فأقول
لهم : أبشروا فأنا نبيّكم مُحمّد , ولقد كنتم في الدُنيا كما قُلتم , ثمّ أسقيهم من حوضي
, فيصدرون مرويين مستبشرين ، ثمّ يدخلون الجنّة خالدين فيها أبد الآبدين )) .
وعن عليّ
بن الحُسين (عليه السّلام) , أنّه كان يقول وهو في أسر بني
اُميّة : (( أيّها النّاس , إنّ كلّ صمت ليس
الصفحة (14)
فيه فكر فهو
غيّ , وكلّ كلام ليس فيه ذكر فهو هباء
, ألا وإنّ الله تعالى أكرم أقواماً بآبائهم
, فحفظ
الأبناء بالآباء لقوله تعالى :
وَكَانَ
أَبُوهُمَا صَالِحاً(1) فأكرمهما
,
ونحن والله عترة الرّسول
(صلّى الله عليه وآله) فأكرمونا لأجل رسول الله
؛ لأنّ جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يقول فوق منبره
: احفظوني في عترتي
وأهل بيتي , فمَن حفظني حفظه الله
, ومَن آذاني فعليه لعنة الله
. ونحن والله أهل بيت أذهب
الله عنّا الرّجس والفواحش ما ظهر منها وما بطن
, ونحن والله أهل بيت اختار الله لنا
الآخرة , وزوي عنّا
الدُنيا ولذّاتها ولم يمتّعنا بلذّاتها
)) .
فيا إخواني من أهل العقول
, كيف
ترضون بالدُنيا داراً بعد آل الرّسول
؟ أم كيف تتّخذون فيها لأنفسكم قراراً بعد أولاد
البتول ؟ مع ما فيها من الهموم والغموم
والابتلاء والالتواء
, وقد ورد ذمّها في الخبر عن
سيّد البشر ، روى سلمان الفارسي قال : كنت يوماً عند رسول الله
(صلّى الله عليه وآله) فبدأ يذّم
الدُنيا , فقال : (( يا سلمان , قال الله تعالى ما خلقت خلقاً أبغض
عليّ من الدُنيا )) . ثمّ قال :
(( لو كانت الدُنيا وما فيها تزن عند الله جناح بعوضة
, ما سقى كافراً
منها شربة ماء أبداً
)) .
ثمّ قال لي : (( يا سلمان ألا أريك
الدُنيا وما فيها
؟ )) . قلت : بلى يا رسول الله
. فأخذ بيدي وأتى إلى مزبلة من مزابل المدينة
, وإذا فيها ؛ خرق كثيرة وخزف
وعظام وعذرات وقذرات كثيرة
, فقال لي : (( يا سلمان
, هذه الدُنيا وما فيها وعلى هذا يحرص
النّاس , وهذه العذرات ألوان أطعمتهم التي اكتسبوها من الحلال والحرام ،
ثمّ قذفوها من
بطونهم , وهذه الخرق البالية كانت زينتهم ولباسهم فأصبحت الرّياح تصفقها يميناً
وشمالاً , وهذه العظام عظام دوابهم وأنعامهم وأغنامهم التي كانوا يتشاجرون عليها
, وهذه
الخزف كانت أوانيهم التي كانوا يأكلون ويشربون فيها
, فهذه الدُنيا وهذا مُنتهاها
, فمَن
ركن إليها ندم
, ومَن تجنّب عنها غنم وسلم
)) :
هون الدُنيا وما فيها عليك واجعل الهم لما بين iiيديك
إن هذا الدهر يدنيك iiإلى مـلك الموت ويدنيه إليك
فاجعل العدة ما عشت iiله إنـه يأتيك إحدى iiليلتيك
فيا إخواني
, لا يفتنكم إقبال الدُنيا على أعداء الرّسول بعدما علمتم حالها إلى هذا يؤول ,
وعليكم بتقوى الله ولا قوّة إلاّ بالله , وتفكّروا فيما ابتلى الله به هذا القبيل ,
ليس على سبيل الهوان بل على سبيل التّفضيل , فلو بكيتم عليهم بدل
ـــــــــــــــ
(1)
سورة الكهف / 82 .
الصفحة (15)
الدّموع دماً
, وجعلتم العمر كلّه مأتماً
, لكان أقلّ القليل لهذا الخطب الجليل :
ومن العجائب بعد قتل المجتبى تسبى كما تسبى بنات iiالأصفر
نسل النبي المصطفى iiوحريمه تسبى كما تسبى بنات iiالأصفر
ويـشهرون ويلبسون iiمدارعاً ومـقانعاً من بعد سلب iiالمعجر
ويـسيرون على المطايا كالأما بـين الـملأ وبـكل واد iiمقفر
روي : أنّ
الحُسين (عليه السّلام) لمّا رأى اشتداد الأمر عليه وكثرة العساكر عاكفة عليه كلّ
منهم يُريد قتله , أرسل إلى عمر بن سعد يستعطفه ويقول : ((
أريد أن ألقاك فأخلو معك ساعة )) . فخرج عمر بن سعد من الخيمة وجلس مع الحُسين (عليه السّلام)
ناحية عن النّاس فتناجيا طويلاً , فقال له الحُسين (عليه السّلام) :
(( ويحك يابن سعد
! أما تتقي الله الذي إليه معادك , أراك تُقاتلني وتُريد قتلي وأنا ابن مَن قد علمت
, ذر
هؤلاء القوم واتركهم وكُن معي ؛ فإنّه أقرب لك إلى الله تعالى )) . فقال له : يا حُسين
, إنّي
أخاف أن تُهدم داري بالكوفة وتُنهب أموالي . قال له الحُسين (عليه السّلام) :
(( أنا
أبني لك خيراً من دارك )) . فقال : أخشى أن تؤخذ ضياعي بالسّواد . فقال له الحُسين (عليه
السّلام) : (( أنا أعطيك من مالي البغية )) . ـ وهي : عين عظيمة بالحجاز
. وكان معاوية أعطاه في
ثمنها ألف ألف دينار من الذّهب فلم يبعه إيّاها ـ فلم يقبل عمر بن سعد شيئاً من ذلك
, فانصرف عنه الحُسين (عليه السّلام) وهو غضبان عليه وهو يقول :
(( ذبحك الله يا بن سعد
على فراشك عاجلاً , ولا غفر الله لك يوم حشرك ونشرك , فو الله , إنّي لأرجو أن لا تأكل من
برّ العراق إلاّ قليلاً )) . فقال عمر بن سعد ـ مستهزئاً ـ : يا حُسين , إنّ في الشّعير عوضاً عن
البرّ . ثمّ رجع إلى عسكره , فجاء برير بن خضير الهمداني الزّاهد العابد , وقال : يابن رسول
الله , أتأذن لي أن أدخل إلى خيمة هذا الفاسق عمر بن سعد فأعظه ؛ فلعلّه يرجع عن غيّه . فقال الحُسين (عليه السّلام) :
(( افعل ما أحببت )) . فاقبل برير حتّى دخل على عمر بن سعد
, فجلس معه ولم يُسلّم عليه , فغضب ابن سعد وقال له : يا أخا همذان , ما الذي منعك من
السّلام عليّ , ألست مُسلماً أعرف الله ورسوله ؟! فقال له برير : لو كنت مُسلماً تعرف
الله ورسوله , ما خرجت إلى عترة نبيّك مُحمّد (صلّى الله عليه وآله) تريد قتلهم وسبيهم
, وبعد , فهذا ماء الفُرات يلوح بصفائه يتلألأ تشربه الكلاب والخنازير , وهذا الحُسين
(عليه السّلام) ابن فاطمة
الزّهراء ونسائه
الصفحة (16)
وعياله
وأطفاله يموتون عطشاً , قد حلت بينهم وبين ماء الفُرات أن يشربوا منه , وتزعم أنّك تعرف
الله ورسوله ؟! قال : فأطرق ابن سعد رأسه إلى الأرض ساعة ، ثمّ قال : والله يا برير
, إنّي
لأعلم علماً يقيناً أنّ كلّ من قاتلهم وغصب حقّهم مُخلّد في النّار لا محالة , ولكن يا
برير , أتشير عليّ أن أترك ولاية الرّي فتصير لغيري , والله ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك
أبداً .
قال : فرجع برير إلى الحُسين (عليه السّلام) وقال له
: إنّ عمر بن سعد قد رضي
بقتلك بولاية الرّي . فقال الحُسين (عليه السّلام) : (( لا يأكل من برّها إلاّ قليلاً
ويذبح على فراشه )) .
وكان الأمر كما قال الحُسين (عليه السّلام)
, وسيعلم الذين ظلموا أيّ مُنقلب
ينقلبون , وعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون
, وإيّاهم فليندب النّادبون
, ولمثلهم
تذرف الدّموع من العيون
, أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان
, فنظم
وقال فيهم :
القصيدة
للشيخ الدّرمكي
جـواهر الـفكر تـزري لؤلؤ iiالصدف وكـل ذي دنـف يـرزي بـه iiدنـف
هــلا حـييت يـواسيني iiويـسعدني عـلى مـصابي لأهل المجد iiوالشرف
لأن حـزنـي لـهم لا يـنقضي iiأبـداً لـو مـات جـسمي بـه أودعته iiخلف
يـا لائـمي فـي مصابي كف لومك قد أتـعبت نـفسك يـا مغرور في iiعنف
فـالغيث والـسبعة الأبـحار قد iiخلقوا مـن دمع عيني سجع الطير من iiشغف
والوحش من وحشتي والموت من سقمي والـريح من زفرتي والموت من iiأسف
يـحق لـي سكب دمع العين إذ iiنظرت هـلال عـاشور مـوفيا وغـير iiوفي
أمـثل الـسبط في أرض الطفوف وقد دارت عـليه رحـى الأعـداء iiبالتلف
مـن بـعدما قـتلت أصـحابه iiومضوا مـعطشين وحـر الـصيف لم iiيصف
يـا لـيتني ذقـت طـعم الموت iiدونهم لـمّا أخـصهم الـرحمن مـن iiزلـف
لـهـفي لـسبط رسـول الله iiبـعدهم يـجود بـالنفس بين البيض iiوالحجف
يـخوض بـحر الـمنايا وهو iiمختطف الأبـطال بـالسيف يردي كل iiمختطف
فـعندها أحـرقوا مـن حـوله iiزمـراً وصـار كالصارم المصقول في iiالغلف
كـــل يـهـز الـقـنا iiويـطـعنه مــا بـيـن مـتفق فـيه iiومـختلف
حـتـى رمـوه بـسهم فـي iiمـقاتله فـخر مـن سـرجه هـاو على iiالأنف
الصفحة (17)
يـا فـجعة فـجعت آل الـرسول iiومن والاهـم صـار مـنها فـي شفا iiجرف
كـأنـهم كـسبوا إثـماً فـحاق iiبـهم أو خـالفوا مـا أوحاه الله في iiالصحف
وزادنـي مـا روت أهل البصائر iiعن زيـد بـن أرقـم فـي قول بلا iiخلف
إذا قــال كـنـت مـقيماً بـالشآم iiإذا بـالناس فـي رجـف يعلو على iiرجف
والـجـو مـستحكك الآفـاق iiمـنطبق والـبدر مـحترق والـشمس في iiكسف
فـقال مـا هـذه الأعـلام قـيل iiأمـا تـرى الـرؤوس عـلى الخطية iiالألف
فـحين عـاينت رأس الـسبط يـتبعه رؤوس أنـصاره والـسبي فـي iiطرف
لـطمت وجهي وبان الصبر من iiجلدي وقـلت يـابن رسـول الله وا iiأسـف
يـعزز عـلى المُصطفى المختار iiحالكم يـا سـادتي وعـلى الـمدفون iiبالنجف
وأقـبـلوا بـالسبايا والـرؤوس iiإلـى نـحوة الـلعين يـزيد الـكافر iiالجنف
ومـد طـرفاً إلـى سـبي الكرام رأى بـنت الـحُسين تـغطي الوجه iiبالكتف
فـقال مـن هـذه الحسنى التي iiملكت وجـهـاً كـبدر عـلى كـما iiالألـف
قـالوا سـكينة بـنت الـخارجي iiمـن جـميع مـلكك مـنه يـا أمـير iiعفى
فـقال كـيف رأيـت السبي قالت iiصه ألـيس قـلبك مـنا يـا لـعين iiشـفي
اسـمع مـنّي ما رأت عيناي إذ iiنظرت فـي لـيلتي هـذه قـال اللعين iiصفي
فـالنطق أعـوزها والـدمع iiعـاجلها فـقال قـصي لـنا الـرؤيا ولا iiتخفي
قـالت نـعم بـينما صـليت إذ هجعت عـيـني إذ بـأبي قـد جء مـرتشف
وأسـبل الـدمع مـن عـينيه iiغرقني وقـال هـا حـالكم مـن بعد iiمنصرف
فـالرأس والـقلب والأحـشاء iiعـندكم والـجسم سـلو بـأكناف الطفوف نفي
مـا حـال ابني من عظيم السقام iiلعلي الـجسم عـنه مـن السقم الشديد iiشفي
وكـل حـزن حـواه الـخلق iiمقترف وحـزن قـلبي عـليكم غـير iiمقترف
فـمن تـباكى وأبـكى أو بـكي iiلـكم أولـى ضـمنت لـه في الخلد iiبالزلف
فـقـلت يـا أبـتا حـال يـشيب لـه رأس الـرضيع ويرمي الطفل iiبالجرف
وراح عـني وخـلى الـنّار في iiكبدي وعـاينت مـقلتي أيـضاً كـأني iiفـي
قـصـر شـرائـفه الـياقوت iiمـلتمع بـالنور يـرصف يزري كل مرتصف
وفـي ذراه وصـيف قـلت iiاخـبرني يا ذا الوصيف لمن ذا القصر ذو الشرف
الصفحة (18)
فـقال هـذا لـمولاك الـحُسين مـعاً سيرى اخبرك ما في القصر من طرف
فـسرت أسـعى وأصغي ما يقول iiبه إذ نـخـبة أشـيـاخ بــلا iiلـحف
وجـوهـهم تـتلألأ كـالبدور iiوفـي أوسـاطـهم ثـاكل ذو مـدمع iiذرف
يـبكي وكـفاه طـوراً فـوق iiلـمته وتـارة يـمسك الاحـشا من iiالضعف
إذا بـكى بـكت الأشـياخ وانـتحبوا لـمّا بـه مـن أذى الأحزان iiوالنحف
فـقلت بالله يـا هـذا الوصيف iiفمن هـذي المشايخ مع ذا الشيخ ذو iiالدنف
فــقـال ذا آدم أب الـعـبـاد iiوذا نـوح وذاك خـليل الله خـير iiوفـي
ذلـك مـوسى بـن عمران الكليم iiوذا عـيسى الـمسيح بـلا شك ولا iiخلف
وذا الـذي بـلظى الأحـزان iiمحترق مُـحمّد الـمُصطفى عـيسية بـصفي
يـبكي لـمّا نـالكم حـزناً فقلت iiألا يـا جـد أخـبرك نـور للإله iiطفي
يـا جـد لو عاينت عيناك ما iiصنعت بـنـا اُمـيّة بـعد الـعز iiوالـشرف
ولـو رأيـت أبـي في الترب منجدلاً والـشمر يـذبحه قـهراً بـلا iiرئف
ولــو تـرانا نـخوفه الإلـه عـلى قـتل الـحُسين فلا يخشى ولم iiيخف
ولـو تـرانا على الأجمال في iiعنف بـلا وطـاء ولا سـتر ولا iiعـطف
مـكشفات الـنواصي لا نـصير iiلنا كـأننا سـلف مـن أسـقط الـسلف
ولـو ترى ضربنا بالسوط إن iiعثرت بـنا الـمطي ومـا نـلقى من iiالعنف
فـعندها صـار جـدّي ذاهـلاً iiصعقاً وقـال وا حـر قـلبي واشـقا iiخلف
هـذا يـكون جـزائي إذ نصحت iiلهم لا قـدس الله أهـل الـظلم iiوالسرف
فـبـينما هــو يـدنيني iiويـلثمني إذا بـخمس نـساء داخـل iiالـغرف
عـليهم حـلل الأحـزان قـد iiبرزوا وبـين تـلك الـنسا ذو مـدمع iiذرف
أثـوابها بـسواد الـحزن قد iiصبغت تـنوح والـشعر منشور على iiالكتف
قـد عـطرت بتراب الأرض iiمفرقها والـجيب مـمتزق والقلب فيّ iiوجف
فـقلت بالله يـا هـذا الوصيف iiفمن هـذي الـنساء ابن لي والضمير iiنفي
فـقال هاتيك حوا يا سكينة iiوالأخرى خـديجة فـي الـتقوى فـلا تـصف
ومـريم بـنت عمران وسارة الأخرى آســيـة ذو الـفـضل iiوالـعـفف
وهـذا الـكبد الـحري الـتي iiجمعت كـل الـمصائب لا تـهدئ ولم iiتقف
الصفحة (19)
تـنـوح طـوراً وتـبكي تـارة وإذا هـاج المصاب تعض الكف iiبالأسف
بـنت الـرسول أمـين الله iiفـاطمة تـبكي أبـاك قـتيل الـكافر iiالجلف
فـمذ تـحققتها قـلت السلام على iiمن نـور مـقلتها تـحت الـظلام iiخفي
قـالت سـكينة قـلت الحزن iiسكنني فـي حـرقة ما وراها قط من iiحرف
قـالت ومـا حـالكم بعد القتيل iiومن أحـنى عـليكم بكف الجود iiواللطف
فـقلت لا تـسألني عـن حالنا iiوسلي عن الذبيح الذي بأرض الطفوف iiنفي
زواره الـوحـش والأمـلاك iiتـندبه وجـسمه بـسوافي الـسافيات iiسفي
قـالت أحـرقتي قـلبي يا سكينة iiمن حـز الـوريدين لن يخشى ولم iiيخف
فـقلت شـمر فـقالت آه وا والـدي راح الـعزيز وخـلى الحزن iiمؤتلف
لــم لا فـديـتنه طـراً iiبـأنفسكم أنـتم أحـق وأولـى مـنه بـالتلف
فـقلت لـو قـبل الأعـداء لـه iiبدلاً كـنا فـداء لـه كـلا عـلى iiخـلف
قـالت ألا وا حـبيبي أضني iiجسدي لا قـدس الله أهـل الـبغي iiوالسرف
ربـيته وهـجرت الـغمض فيه iiولا أدري بـأن زمـاني فـيه ليس iiيفي
مـن كـان غـامضه من كان iiغاسله مـن كـان دارجه في القطن iiواللفف
ومـن تـقدم فـي وقت الصلاة iiومن سـعى إلـى قبره النائي عن iiالنجف
لأبـكينك طـول الـعمر يـا ولـدي وأقـطع الـدهر بـالتذكار والأسـف
من كان دافنك تحت التراب هل رفقت كـفاه بـالجسد الـمحطوم iiبـالجفف
دفـنت جـسماً بـلا رأس ولا iiكـفن ولا حـنـوط ولا غـسل بـمعترف
ومـن تـرى كـفل أيتام النّبي iiومن بـأمره قـام مـثل الـوالد iiالـعطف
يـا آل طـه ويـا سـفن النجاة iiويا خـير الـبرية مـن بـاد iiومـعتكف
هـواكم فـي قـلوب الـمؤمنين لـه وقـع لأمـكم مـن أطـهر iiالـنطف
أنـا الـعبد الـضعيف الدرمكي iiومن بـمدحكم يـا بـني خير الورى iiكلف
لا تـسلموني إذا مـا قمت من جدثي والـعين ذو مـدمع والقلب في iiوجف
وأنـقذوني مـن الـنيران يـا iiعددي يـوم الـتغابن والـزلزال iiوالـمخف
يـوم يـقول إلهي للجحيم هل إمتلأت يــا نـار مـن أعـدائنا iiانـتصف
تـقول هـل مـن مـزيد يا إله iiولو لاحـب حـيدر كـان الكل في iiكنف
|
|