صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)
الكتاب : يتيمة الدهر |
تحصى النجوم ولا تحصى فضائله ... ولا يحيط بها وصف وتكييف (1/105)
ومن أخرى:
لمن أمدح بالشعر؟ ... لمن أقصد؟ لا أدري!
إلى من إن دجا خطب ... ونابت نوب الدهر
فقد والشفع والوتر ... ومن أقسم بالفجر
تحيرت فما ادري ال ... ذي أصنع في أمري
على أني بالده ... ر وبالأيام ذو خبر
ولكني للحير ... ة سكران بلا سكر
كأني لست مخلوقاً ... لغير الجهد والضر
ومذ كنت فمدفوع ... إلى الفاقة والفقر
فما أصنع في مصر ... إذا لم أحظ في مصر؟
وفي الآفاق أقوام ... يميلون إلى شعري
ونبئت بأن القو ... م لا يخلون من ذكري
ففيم الترك للسير؟ ... وهل في ذاك من عذر؟
وقد قدمت أثقالي ... وسيري غرة الشهر
فأما أكثر الحمق ... فقد سيرت في البحر
وباقية معي يذه ... ب في البر على ظهري
ولا أترك في مصر ... لذكر الحمق من أثر
فمن بعدي ليطبي ... ه في النظم وفي النثر؟
ومن يلعب في الرأس ... من العصر إلى العصر؟
ومن من شدة الصفع ... له رأس بلا شعر؟
ومن هامته أقوى ... على الصفع من الصخر؟
ومن يضرط في الذقن ... بلا كيل ولا حرز؟
ومن ينتف بالدبق ... سبالات بني البظر؟
ولكني لا كنت ... لما في من الكبر
إذا أمراني الصفع ... تجشأت من الدبر
وهيهات ترى صفعاً ... لغيري أبداً يمري
ومنها:
ألا يا منهى الجود ... ويا ذا المجد والفخر
ويا ابن السادة الغر ... ويا ابن الأنجم الزهر
ويا أبهى من الشمس ... ضياء ومن البدر
لكاذا أنت لا تعدي ... على الأيام والدهر؟
همام طاهر الذيل ... سليل السادة الغر
كريم الأصل والخيم ... رحيب الباع والصدر
جواد غير مدفوع ... عن الإفضال والبر
وما زال إلى كل ... له عارفة تسري
لقد عمت أياديه ... جميع البدو والحضر
ومن أخرى:
عجب ما مثله عجب ... فعلوا بي غير ما يجب
قرقرت بطني فواحزني ... ذقن من بالسلح يختضب
هرباً من شرها هرباً ... فعسى أن ينفع الهرب
ذهب الناس فما أحد ... يشتهي أن تنفخ القرب
حزني أني مذ زمن ... ما لعبناه ولا لعبوا
ولكم بتنا على طرب ... ورؤوس القوم تستلب
وكؤوس الصفع دائرة ... ملؤها اللذات والطرب
وانتخبناها وهامهم ... وأكف القوم تصطخب
وكأن الصفع بينهم ... شعل النيران تلتهب
والعمى منهم وإن شغلوا ... عنه باللذات مقترب
سوف يدرون أيما رجل ... ضيعوا مني إذا طربوا
بسيوف شركها أدم ... مرهفات للعمى سبب
وعجيب والحسين له ... راحة بالجود تنسكب
أن شربي عنده رنق ... ولديه مربعي جدب
وله الورد المعاذ به ... والجناب الممرع الخصب
وهو الغيث الملث إذا ... أعوزتنا درها السحب
وإلى الرسي ملجؤنا ... من صروف الدهر والهرب
سيد شادت علاه له ... في العلا آباؤه النجب
وله بيت تمد له ... فوق مجرى الأنجم الطنب
حسبه بالمصطفى شرفاً ... وعلي حين ينتسب
رتبه في العز شامخة ... قصرت عن نيلها الرتب (1/106)
ذاك فخر ليس تنكره ... لكم عجم ولا عرب
ولأنتم من بفضلهم ... جاءت الأخبار والكتب
وإليكم كل منقبة ... في الورى تعزي وتنتسب
وبكم في كل معركة ... تفخر الهندية القضب
وبكم في كل معركة ... تفخر الهندية القضب
وبكم في كل عارفة ... ترفع الأستار والحجب
وإذا سمر القنا اشتجرت ... فبكم تستكشف الكرب
وقوله من قصيدة في الرسي أولها:
باح وجداً بهواه ... حين لم يعط مناه
مغرم أغرى به السق ... م فما يرجى شفاه
كاد يخفيه نحول ال ... جسم حتى لا تراه
لو ضنا يخفى عن العي ... ن لأخفاه ضناه
ومنها " :
حبذا الرسي مولى ... رضي الناس ولاه
جعل الله أعادي ... ه من السوء فداه
فلقد أيقن بالثر ... وة من حل ذراه
من رقى حتى تناهى ... في المعالي مرتقاه
فات أن يبلغ في السؤ ... ددوالمجد مداه
ملك مذ كان بالسط ... وةممنوع حماه
بحر جود ليس يدري ... أين منه منهاه
لم يضع من كان إبرا ... هيم في الناس رجاه
لا ولا يفرق من صر ... ف زمن إن عره
من به استكفى أذى الأي ... ام والدهر كفاه
كيف لا أمدح من لم ... يخل خلق من نداه
وقوله من أخرى يقول فيها:
لو برجلي ما برأسي ... لم أبت إلا بنجد
خفة ليست لغيري ... لا أراني الله فقدي
ومحال أن يرى مث ... لي أو يبصر بعدي
رجل لا يضرط الضر ... طة إلا بعد جهد
فلذا الأمر تراه ... يأكل التمر بزبد
غير أني قيل عني ... إنني مغرى بدعد
وبليلي وبسلمي ... وبسعدي وبهند
ثم لا أملك شيئاً ... غير سنور وخلد
وحماقات وعمري ... إن لي رأساً مرندي
أصبر الأرؤس في صف ... ع بلا حرز وعد
ومنها:
خلقت كفاه من جو ... د لراجيه ورد
مورد يوردراجي ... ه إلى أعذب ورد
لا خلا من منة من ... ه إلى الأحرار يسدي
فهو القائم بالح ... ق وموفي كل عهد
ومن أخرى:
قلبي لك الخير بالأفراح معمور ... مستبشر جذل بالفتح مسرور
يقول فيها:
خذ في هناتك مما قد عرفت به ... مما به أنت معروف ومشهور
واحك العصافير صي صي صي ... صي صصصي إذا تجاوبن في الصبح العصافير
ففيك ما شئت من حمق ومن هوس ... قليلة لكثير الحمق إكسير
كم رام إدراكه قوم فأعجزهم ... وكيف يدرك ما فيه قناطير
لا تنكرن حماقاتي لأن بها ... لواء حمقي في الآفاق منشور
ولست أبغي بها خلاً ولا بدلاً ... هيهات غيري بترك الحمق معذور
لا عيب في سوى إني إذا طربوا ... وقد حضرت يرى في الرأس تفجير
والأخدعان فما زالا يرى بهما ... لكثرة المزح توريم وتحمير
وذا الفعال مع الإعراض مطرد ... صفع ونقع وتيسير وتعسير
فذا وذاك وهذا ثم ذاك وذا ... كذا الليالي لها صفو وتكدير
أستغفر الله مما قلتهعبثاًلغير شيء وما في الصحف مسطور
أقول للنفس لما استشعرت جزعاً ... وبات يردعها خوف وتحذير
إن الإمام نزاراً مدحه فثقي ... ذخر لمثلك عند الله مذخور
هو الذي ليس بعد الله من أحد ... سواه في الناس محمود ومشكور (1/107)
مشمر في المعالي ذيل مجتهد ... وماله في سوى العلياء تشمير
ومن أخرى:
أترضى بالتخلف والتواني ... على ضرب اللجاجة والحران؟
وما أنا والأحاديث اللواتي ... تزهد في المثالث والمثاني؟
ألا طربت إلى النشوات نفسي ... وتقت إلى معتقة الدنان
كما طربت أباريق الندامى ... إلى أصوات قهقهة القناني
ويومك إذ تطوف به فتاة ... على الخدين منها وردتان
مهغهغة القوام إذا تثنت ... تثنت كالقضيب الخيزران
ولم أر قبلها شمساً تبدت ... ولا قمراً بأعلى غصن بان
لحاه الله من شيخ ضروط ... ضجيج ضراطه بالنهروان
ولكن رأسه جلد جليد ... صبور عند مختلف الطعان
ولم أر قبله رأساً سواه ... غدا وقفاً على حرب عوان
ولا إذا الأيدي توالت ... عليه والتقت حلق البطان
ومنها:
إلى من راحتاه ندى وجود ... علينا بالمواهب ثرتان
كريم لا يدافع عن سماح ... جواد ماله في الجود ثان
تناهت عنده الآمال لما ... غدا أقصى النهاية في الأماني
ومن أخرى:
كل يوم أنا من أي ... ري في أمر عجاب
ليس يخليني من ه ... م وحزن واكتئاب
لم يدع لي ذهباً إلا ... رماه بالذهاب
وابتدى المشؤوم أن يع ... مل في أمر التباب
هل مجير لي منه ... أهل ودي وصحابي
أو وإلا تبت والرح ... من من لعب الكعاب
أنا مبلي من بلايا ... ه بنصب وعذاب
أنا لولاه لألفي ... تقليل الاضطراب
وتجزيت بنزر ... من طعام وشراب
ولما طال انتزاحي ... عن بلادي واغترابي
لعنة الله عليه ... وبراغيث الكلاب
فلكم أوقفني مو ... قف خزي واكتئاب
ولكم أغلقت باباً ... من هواه دون باب
رب قد أبليتني من ... ه بمعتوه مصاب
عينه في كل من د ... ب على وجه التراب
ثم لا يرضيه منه ... غير دبر مستطاب
ومنها:
وبإحسان تميم ... عذت من عظم مصابي
بالأمير السيد الما ... جد والقرم اللباب
والهمام المنعم المف ... ضل والبحر العباب
والذي لا فرق ما بي ... ن جداه والسحاب
تنثني منه إلى ذي ... كرم رحب الجناب
رافع دون بني الآ ... مال أستار الحجاب
لم أزره قط إلا ... بت محمود الإياب
ذكره أعذب في الأن ... فس من ذكر الشباب
ولقد رق عن الما ... ء وعن طبع الشراب
أكثم في الرأي والفض ... ل وقس في الخطاب
وقوله:
كتب الحصير إلى السرير ... أن الفصيل ابن البعير
فلمثلها طرب الأمي ... ر إلى طباهجة بقير
فلأمنعن حمارتي ... سنتين من علف الشعير
لا هم إلا أن تطي ... ر من الهزال مع الطيور
فلأخبرنك قصتي ... فلقد وقعت على الخبير
إن الذين تصافعوا ... بالقرع في زمن القشور
أسفوا علي لأنهم ... حضروا ولم أك في الحضور
لو كنت ثم لقليل: هل ... من آخذ بيد الضرير؟
ولقد دخلت على الصدي ... ق البيت في اليوم المطير
متشمراً متبختراً ... للصفع بالدلو الكبير
فأدرت حين تبادروا ... دلوي فكان عمى المدير
يا للرجال تصافعوا ... فالصفع مفتاح السرور (1/108)
لا تغفلوه فإنه ... يستل أحقاد الدور
هو في المجالس كالبخو ... ر فلا تملوا من بخور
ولأذكرن إذا ذكر ... ت أحبتي وقت السحور
ولأحزنن لأنهم ... لما دنا نضج القدور
رحلوا وقد خبزوا الفطي ... ر ففاتهم أكل الفطير
لا والذي نطق النب ... ي بفضله يوم الغدير
ما للإمام أبي عل ... ي في البرية من نظير
وله من أخرى:
سلام على الربع ربع الجدا ... سلام على تمره ةاللبا
سلام عليه سلام امرئ ... معنى بتذكار ما قد مضى
سلام عليه فكم موقف ... وقفناه فيه ندير الدلا
لعهدي فيه شيوخ لنا ... غلاظ الرقاب عراض اللحى
إذا ما قبضت على لحية ... وناديت بطني أجاب الخرا
وكنا من الظرف لو أننا ... أقمنا نصافع شهراً ولا
نعيب الوفاء ولهفي على ... أخادع من لا يعيب الوفا
ولا عذر ألا أدير اللطام ... إذا الصفع دار أتاني وكلي قفا
وقد كنت تبت ولكنني ... إذا الصفع دار أتاني الجشا
فلا تترك الصفع جهلاً به ... فما أطيب الصفع لولا العمى
ومالي أكاتمكم قصتي ... وأضرب بالطبل تحت الكسا
إذا كان في الصيف لي جنة ... لأية حال أذم الفرا
ولم أكسب الحمق لكنني ... خلقت رقيعاً كما ترى
لقد فقت فيه كما الفارس ... ي في الرمي فاق جميع الورى
كأن البنادق طوع له ... فهن يصبن له ما اشتهى
إذا ما رمى طائراً حطه ... ولو أنه بمكان السها
فيالك من موقف مبهج ... عجيب ومن منظر مشتهى
فعيد الطيور به مأتم ... وأضيافه عنده في القرى
ومن أخرى:
عاذل كم فيه تعذليني ... وكم إلى كم تؤنبيني
لو بك ما بي من التصابي ... لكنت لا شك تعذريني
إن الذي قد أذاب جسمي ... بالثغر والجيد والجفون
بدر تمام على قضيب ... ركب من نغمة ولين
ما شئت من نرجس جني ... غض وورود وياسمين
عيناه تسطو على فؤادي ... والموت في سطوة العيون
ومنها:
فأطيب العيش كان عندي ... أيام للفسق قلدوني
وكنت طباً به بصيراً ... وأقود الناس في سكون
فكم غزال أخذت قسراً ... وكم مليح حوت يميني
والناس يسعون نحو داري ... من كل أرض ويقصدوني
فذا يوافي بثوب خز ... وذا يوافي بثوب توني
وذا يفدي وذاك يهدي ... وذاك يمضي وذا يجيني
وكل علق إلى مراحي ... أهدى من الطير للوكون
وكان خلقي لهم رضياً ... أصفعهم ثم يصفعوني
قدأجمع الناس أن حمقي ... أحسن من عفتي وديني
قد عشت دهراً أعول عقلي ... والناس إذ ذاك يبعدوني
فمذ تحامقت قد كساني ... حمقي وقد عالني جنوني
ومن بلائي أبو عمير ... معرض لي إلى المنون
منصب ما ينام وقتاً ... وليس يهدي من الرنين
من كان ذا زوجة فإني ... لشقوتي زوجتي يميني
عميرة قد جلدت حتى ... خشيت والله يجلدوني
فراقبوا الله في أموري ... فطلقوها وزوجوني
ومن أخرى:
يا أهل ذا المنزل هل حيلة ... تنجي فمن ظبيكم معطبي
عقرب صدغيه فقلبي إذا ... همم توقى لدغة العقرب (1/109)
وكلما لاحظني طرفه ... لاحظني عن مقلة الربرب
يبسم إن ناولني ثغره ... عن ذي غروب واضح أشنب
أنجبت في الحمق وهل فاضل ... كناقص في الحمق لم ينجب
لو علموا مالي من لذة ... لم ألح في الحمق ولم أعتب
أعتبني الدهر ولولا الذي ... عم الورى بالبذل لم يعتب
لما رأى الآمال مصروفة ... إلى السديد ابن أبي الطيب
فارقني من شره صاحب ... كان لعمري شر مستصحب
هناك لو تبصرني تائهاً ... على بني الدهر تعلقت بي
تطلب مني نائلاً بعد أن ... كنت أرى الرزق مع الكوكب
كذاك من صاحب من لم يزل ... رب جناب ممرع مطلب
أول من يثني به خنصر ... وأصفح النفس عن المذنب
مهذب الآراء محمودها ... مفضل في الشرق والمغرب
لا فرق عندي بين أقلامه ... وبين فعل الصارم المقضب
ما استهلها إلا أذلت له ... من الأعادي كل مستصعب
ومن أخرى:
إني ليرتاح قلبي ... إلى اصطحاب المثاني
بحيث تنفي همومي ... معتقات الدنان
مع شادن ذي دلا ... ل مهفهف فتان
يرنو إلي بطرف ... وناظر وسنان
أعار حسن التثني ... تثني الأغصان
إذا تبسم تيهاً ... يفتر عن أقحوان
لأسخطن عذولي ... فيه بخلع العنان
فقم رفيقي فاحثث ... كؤوسنا غير واني
وهاتها كسنا الر ... ق لاح من نعمان
صفراء مما اقتناها ... كسرى أنو شروان
صفت ورقت ففاتت ... إدراكها بالعيان
فليس تدرك بالح ... س لا ولا الأذهان
روح من الراح لكن ... ها بلا جثمان
فالريح للمسك منها ... واللون للزعفران
يقول في مدحها:
من قال من غير خبر ... بأن في الناس ثاني
لسؤدد ابني علي ... قد جاء بالبهتان
يداهما بالعطايا ... وبالندى ثرتان
ومن أخرى:
رب يوم قد قطعنا ... ه حديثاً وعتابا
وجمعنا بين خمري ... ن مداماً ورضابا
ًوشفينا غلة النفس ... دنواً واقترابا
وترشفت على شو ... ق ثناياه العذابا
وسألنا ذلك الشي ... ء جهاراً فأجابا
يقول في مدحها:
ورحلنا نطلب الس ... يد والقرم اللبابا
فرأينا العز والثر ... وة والبحر والعبابا
ورأينا أفضل النا ... س وأحلاهم خطابا
يقظاً يدرك بالفط ... نة ما فات وغابا
هذبته فطنة العل ... م فما يخشى معابا
عرف اللذة للبذ ... ل فأعطى وأثابا
وإذا ما كرم الأص ... ل زكا الفرع وطابا
ومن أخرى يقول فيها:
كأنما عذاره ... سطرا سواد في يقق
كأنما رضابه ... خمر بمسك قد فتق
ومنها:
إن نكته فاستمعن ... نصحك من خل شفق
كن حذراً كن حذراً ... كن حذراً من الغرق
لأنه من سعة ... يصلح للبحر طبق
إن قلت لي إني حسن ... والحسن مني مسترق
قلنا مقالاً بيناً ... لا كذباً ولا خرق
كل امرء صوره ... خاقه كما اتفق
كن غصناً كن قمراً ... كن شمس دجن في الأفق
كن يوسف الحسن الذي ... من طينه الحسن خلق
هل أنت إلا خلق ... زدت على كل خلق
يا أيها العلق الذي ... فقحته بلا غلق
خانك في الود الذي ... بوده كنت نثق (1/110)
ومن أخرى:
خليلي من عامر اسعدا ... على الشوق خلا بلا مسعد
قفا وقفة بربوع الحمى ... فلولا الوفا لهوى الخرد
لما عجبت بالركب مستنجداً ... دموعي على الطلل الملبد
معاهد لهو كأن الهوى ... بها بعد زينب لم يعهد
فسبحان من جعل المكرمات ... جميعاً بكف أبي أحمد
وقال له كن كما تشتهي ... فكان النهاية في السؤدد
وهل غيره أحد يرتجي ... ويعدي على الزمن المعتدي
ومن أخرى:
عد عن قال وقيل ... وصعود ونزول
حصحص الحق فما ذا ... شئت من قول فقولي
غير أني أقبل النا ... س لشيء مستحيل
فاسمعن مني ودعني ... من كثير وقليل
وصغير وكبير ... ودقيق وجليل
قد ربحنا بالحماقا ... ت على أهل العقول
فرعى الله ويبقى ... كل ذي عقل قليل
ما له في الحمق والخف ... ة مثلي من عديل
فمتى أذكر قالوا ... شيخنا طبل الطبول
شيخنا شيخ ولكن ... ليس بالشيخ النبيل
طالما نادى نداما ... ه إلى شرب الشمول
قائلاً بالشادن الأغي ... د ذي الطرف الكحيل
أطرب الناس إذا عن ... ى على ثاني الثقيل
قف على المنزل بالنح ... تين فالرسم المحيل
وقفة الواله للتسآل ما بين الطلول
أهملن دمعك فالرا ... حة في الدمع المهمول
عد عما أنت فيه من ... محال وفضول
واصرف المدح إلى ذي ال ... طول والفعل الجميل
الذي ذكراه في ك ... ل محل وقبيل
ذى يد بالجود أندى ... من ندى الغيث الهطول
لم يكن قط لراجي ... ه سوى سمح منيل
أسمح الأمة بالما ... ل وبالنيل الجزيل
وإذا ما سيل الفي ... بالندى غير بخيل
لم يزل يذخر للحا ... دث والخطب الجليل
ناهض إذ عجز الأق ... وام بالعبء الثقيل
ليس يصغي في المقالا ... ت إلى عذل العذول
وإذا ما قال قولاً ... لم يكن غير فعول
ولقد عزت به الآ ... داب من بعد الخمول
ومن أخرى في الرثاء:
لعمرك إنه رزء عظيم ... وخطب أمره جلل جسيم
رزئنا من صلاة الله تترى ... عليه ما دجا ليل بهيم
وما أطت إلى البيت المطايا ... وما طلعت على الأرض النجوم
لعمرك ما المصاب به خصوص ... ولكن المصاب به عموم
سقى جدثاً به حماد أضحى ... من الوسمي هطال سجوم
ففيه المجد أمسى والمعالي ... وفيه العز والفخر القديم
أبعد وفاته يدعى همام ... لخطب أو يقال بقي كريم
كأنا يوم منعناه إلينا ... وقد فتكت بأنفسنا الهموم
ثواكل حزنهن على الليالي ... وإن قدم المدى حزن مقيم
وكان ربيعنا في كل محل ... إذا ضنت بوابلها الغيوم
جميل الفعل محمود السجايا ... يزين فعاله كرم وخيم
ومن أخرى:
هل من سبيل إلى بيتي وجاريتي ... أنى؟ وكيف وما داري بدانية؟!
أم هل سبيل إلى البيت الذي سكنت ... فيه التي بفراقي غير راضية
لا أحمد البعد عنها بعد معرفتي ... بأنها لبعادي غير حامدة
أشكو إلى الله دهراً غير متئد ... من قبح ما لج فيه من معاندتي
ما زدت فيه اجتهاداً في معاتبة ... إلا وزاد اجتهاداً في مغايظتي
أقول والدهر لا يألو مراغمة ... وليس يثنيه شيء عن مراغمتي
يا واحداً ليس إلا من يؤمله ... ويرتجى عفوه جد لي بواحدة (1/111)
وامنن علي على أني وإن نزحت ... عني فما هي عن قلبي بنازحة
ناشدتك الله فيما أشرت به ... إلا قبلت ولا تهمل مناشدتي
واستعمل السخف واترك ما سواه فما ... لذاذة العيش إلا في المساخفة
والصفع إياك منه فالعمى أبداً ... بغير شك منوط بالمصافعة
ومنها:
لكن مدحت حميداً فامتدحت فتىً ... وقفاً على منة تسدى وعارفة
رأيته فرأيت البدر في أفق ... والشمس طالعة من كل شارقة
والبحر معترضاً والغيث منبجساً ... برائح المرجيه وغادية
ساس الأمور بآراء مهذبة ... صوادر بين أفكار وبادرة
مستحسن اللفظ في القرطاس موجزه ... موفق الرأي محمود المخاطبة
ذو أنمل ما انتضت في حادث قلماً ... إلا وفل شباه كل حادثة
في كل يوم له نعمى مجددة ... ليست إذا طلعت عنا بآفلة
ما زال يتبع معروفاً بعارفة ... جوداً ويجهد نفساً في معاونتي
حتى رأيت صروف الدهر عائذة ... من بعد ضربي وحربي بالمسالمة
ومن أخرى:
نشدتك أن تحول عن الوداد ... وعن حال الصلاح إلى الفساد
ولو عاينت ما لك في ضميري ... ولو شاهدت ما لك في فؤادي
إذاً لعلمت أنك منه تمسي ... وتصبح دون غيرك في السواد
فما آلوك نصحاً في وداد ... ولا آلوك جهداً في اجتهاد
وليس سوى المودة والتصافي ... أبا عبد الإله لك اعتقادي
ولو في ذاك حاولت ازدياداً ... إذاً ما اسطعت فيه على ازدياد
ولم أعهدك في طلب المعالي ... وكسب الحمد غير فتىً جواد
ومن ألف المكارم والعطايا ... كإلفك جاد عن غير اعتداد
ويوشك أن يجود بما حواه ... وأن يهب الطريف مع التلاد
ووعدك في الحياة له مرادي ... ولست أريده يوم التناد
ومنها:
فكم منن قرنت بهن شكراً ... كشكر الروض منهل الغوادي
وكم لك يا محمد من أياد ... لدي ومن جميل وافتقاد
ومن أخرى:
ليلي بتنيس ليل الخائف العاني ... تفنى الليالي وليلي ليس بالفاني
أقول إذ لج ليلي في تطاوله ... يا ليل أنت وطول الدهر سيان
لم يكف أني في تنيس مطرح ... مخيم بين أشجان وأحزان
حتى بليت بفقدان المنام فما ... للنوم إذ بعدوا عهد بأجفاني
ما صاعد البرق من تلقاء أرضهم ... إلا تذكرت أيامي بنعمان
ولا حننت إلى نجران من طرب ... إلا تكنفني شوق لنجران
لا تكذبن فما مصر وإن بعدت ... إلا مواطن أطرابي وأشجاني
ليالي النيل لا أنساك ما هتفت ... ورق الحمام على دوح وأغصان
أصبو إلى هنوات فيك لي سلفت ... قطعتهن وعين الدهر ترعاني
مع سادة نجب غر غطارفة ... في ذروة المجد من ذهل بن شيبان
وذي دلال إذا ما شئت أنشدني ... وإن أردت غناءً منه غناني
سقيته وسقاني فضل ريقته ... وجاد لي طرفه عفواً ومناني
ما زلت أجني بلحظي ورد وجنته ... وأستغير على تفاح لبنان
ما زال يأخذها صفراء صافية ... حتى توسد يسراه وخلاني
الله يعلم ما بي من صبابته ... وما علي جناه طرفه الجاني
كم بالجزيرة من يوم نعمت به ... على تصاخب نايات وعيدان
سقياً لليلتنا من يوم نعمت به ... على تصاخب نايات وعيدان
سقياً لليلتنا بالدير بين رباً ... باتت تجود عليها سحب نيسان
والطل منحدر والروض مبتسم ... عن أصفر فاقع أو أحمر قان (1/112)
والنرجس الغض منهل مدامعه ... كأن أجفانه أجفان وسنان
ومنها:
أستغفر الله من عقل نطقت به ... ما لي وللعقل ليسس العقل من شاني!؟
لا والذي دون هذا الخلق صيرني ... أحدوثة وبحب الحمق أغراني
ما للشذائي من مثل يقاس به ... ولا له في اصطناع العرف من ثان
مهذب الرأي محمود خلائقه ... رحب المكارم سمح غير منان
من كان في الجود والإفضال لذته ... لم يخله الجود من فضل وإحسان
وجملة الأمر فيه أنه رجل ... يراقب الله في سر وإعلان
إن كنت قلت سوى ما فيه أعرفه ... إذا كفرت بمعبودي ودياني
إذا جرت يده في الطرس كاتبه ... تبلج الطرس عن در وعقيان
وإن تكلم جاءته براعته ... بكل ما شاء من فهم وتبيان
أبو القاسم الحسين بن الحسن
بن واسانة بن محمد المعروف بالواساني
أعجوبة الزمان ونادرته، وفريدة عصره وباقعته، وهو أحد الفضلاء المجيدين في الهجاء، وكان في زمانه، كابن الرومي في أوانه: فمن شعره قوله يهجو ابن أبي أسامة:
يا ساكني حلب العوا ... صم جادها صوب الغمامه
أنا في مدينتكم غري ... ب لست من أهل الإقامه
والخان يحدث للغري ... ب إذا أبن بن سآمه
فقرضت من طول المقا ... م بها وأعوزت المدامه
وخرجت في بعض الليا ... لي قاصداً باب السلامه
وشربت من بئر بها ... من يأتها ينقع أوامه
ورتعت في فلواته ... وعلوت مرتقياً أكامه
فلمحت في بعض الوها ... د وقد قعدت سواد هامه
فسعيت أحسبها غرا ... باً أو حداة أو حمامه
وإذا بأسود كالفني ... ق يقل إيراً كالدعامه
وإذا بشيخ تحته ... حسن الوسامة والقسامه
والشيخ يعصر تحته ... قد بل من عرق حزامه
فزجرت نايكه فقا ... ل له ألست ترى مقامه
انهض فديتك علنا ... نقضي بنهضتنا ذمامه
ونعود بعد عزوبه ... عنا وتربحنا خصامه
فسطا عليه وقال نك ... لا كان ذاك ولا كرامه
هذا الرقيع بعينه ... لي في رقاعته علامه
لولا فضول فيه لم ... يصرف إلى دبري اهتمامه
وبكى وقال لي امض وي ... ك واسأل الله السلامه
واشكره لما صار سر ... مك لا يريد له صمامه
واعلم بأني كنت من ... أهل الرياسة والزعامه
يومى إلي إذا عبر ... ت يقال ذا ابن أبي أسامه
حتى ابتليت بمعبري ... فحصلت بين الناس شامه
فعجبت من تلك الفصا ... حة وهو يعفج والعرامه
شيخ له سمة تخا ... طبني بألفاظ مقامه
والأير يغرق في استه ... قد غاب في مفساه قامه
فتضاحك الحبشي من ... ه وقال لا تسمع كلامه
هذا وعيشك دأبة ... من قبل مبلغه احتلامه
أبدا يباري باسته ... بين الورى صوب الغماه
واستله من دبره ... وكأنه عنق النعامه
وقال يهجو منشا بن إبراهيم القزاز:
قال منشا يوماً لسعدانه ... وهي سحور العينين فتانه
من بعد أن غلف العوارض بال ... طيب وغلا بالمسك أسنانه
وامتص من خمرة معتقة ... تحول بين الدنان في الحانه
وكان خشف قد باسها بفم ... وهي من البوس بعد شبعانه (1/113)
هل لك في قبلة وهاك خذي ... خمسين حمراً وحل هيمانه
قالت له هاتها ودونك فاس ... طعني بجعص وعجل الآنه
فباسها ثم قال قد بقيت ... أخرى فقالت وعظمت شانه
ما هي قل لي ألم أبس شرجاً ... جمشت أعفاجه ومصرانه
ألم أقدم فما أضن به ... إلى كنيف مرد حردانه
يا ألف كشخان وابن زانية ... نعم ويا زوج ألف كشخانه
لم ترض أني قبلت مقعدة ... تحت سبال كأنها عانه
حتى تناهيت في الهون فشبه ... ت لساني ببنت وردانه
وقوله فيه:
إن منشا قد زاد في التيه ... وزاد في شامنا تعديه
فلا ابن هند ولا ذي يزن ... ولا ابن ماء السما يدانيه
وهو مغيظ علي الوصي ومن ... يعزى إليه من يواليه
يذكر أيام خيبر بهم ... وهو قذىً جال في أماقيه
وقد حكى أن فاه أطيب من ... سرمي وأني ممن يعاديه
ومن يقول القبيح فيه ومن ... أصبح بالمعضلات يرميه
فسوكوه بكل طيبة الر ... يح تعفي على مساويه
ومضمضوه من الجوارش ما ... يعمل بالمسك والأفاويه
واسقوه من خمرة معتقة ... قد صانها القس في خوابيه
واستفقحوني وايتنكهوه فإن ... كان لسرمي فضل على فيه
فحملوا الكلب والحمار على ... عياله واصفعوا محبيه
وقوله فيه:
يا راكباً يقطع عرض الفلا ... على أمون جسسرة حرف
أبلغ أبا سهل إذا جئته ... رسالة عن عبده المنفي
وقل له عرنين ذاك الفتى ... في حالة جلت عن الوصف
قد ذاب مذ ليلة ساررته ... وصار للسقم على النصف
يبكي فما ترقا له عبرة ... ويسهر الليل فما يغفي
حزناً على أرنبة غودرت ... تقطر قطراً من دم صرف
فهو بسرم الكلب يا سيدي ... من داء أنفاسك يستشفي
من عاذري من رجل زرته ... للحين والإدبار والحرف
فقال عندي لك أحدوثة ... مليحة تكتب في الصحف
فادن لكي تسمعها واحتفظ ... بالسر في مكنون ما تخفي
فقمت للغفلة مستعجلاً ... أمشي برجلي إلى حتفي
ففاه عن أنتن من جعسه ... يعد بين البخر بالألف
وشارب فيه دم فارث ... ولثه تشخب كالخلف
تحوم ذبان الخلا حوله ... مثل حمام طار من كف
كشعر زق الدبس أو شعرة ال ... حائض أو مكنسة الكنف
وشك خيشومي بنشابة ... من يد حر طامش وجف
تصمى العرانين ولو أنها ... في الدلص الموضونة الزغف
وتدرك الهارب منها ولا ... ينجو ولو كان على طرف
فانغمرت روحي وناديته ... يا أيها الثعبان بالكهف
بحق من كلم موسى على الط ... ور فدك الطور بالرجف
هب لي ما أبقيت مني فقد ... أشفى على مثل شفا الجرف
ولم أزل أدفعه جاهداً ... وقد تقاعست إلى خلف
فانقد بعض الثوب في كفه ... وقال أفلت فيا لهفي
وكان للحين على موضع ... مستشرف مرتفع السقف
فانكسرت ساقي وهيضت يدي ... واندف صدري ووهى كتفي
وقمت أجري بعدها هارباً ... أسعى على رجلي كالخشف
يا معشر الناس اسمعوا ما أنا ... قائله واسمعوا وصفي
إذا أردتم سرم أستاذنا ... فلتكن الآناف في غلف (1/114)
ثم اغتسلوا شعر اللحى بعدها ... غسل الدرابيك أو القطف
وبخروها بعد تطيبها ... بكل شيء طيب العرف
وما أرى سائر ما قلته ... يغني ولا أحسبه يكفي
أو فانتفوها واستريحوا فما ... ينجيكم شيء سوى النتف
وسوكوه بخروا أمه ... في رأس كرناف من العف
فإن جالينوس ما عالج ال ... بخرة إلا بخرا القلف
وقال في الغزل، ويعرض بابن بسطام في الهجاء، ويذكر أنها لميسر:
ومهفهف يزهو علي بجيده ... وبخصره وبردفه وبساقه
وافى إلي وقلبه متخوف ... كتخوف المعشوق من عشاقه
حتى إذا مددته وحللت عن ... كفل مباح الحل بعد وثاقه
وافت إلي أصنة من دبره ... بخلاف ما قد فاح من أطواقه
فأجبته ماذا فقال بحرقة ... ودموعه تنهل من آماقه
هذا ابن بسطام أتاني طارقاً ... بلطيف حيلته وحسن نفاقه
وعلا على كفلي وبلغم مثقبي ... برياله المنهل من أشداقه
فبقى صنان رضابه في مثقبي ... زمناً لحاه الله بعد فراقه
فالله يحرمه معيشته كما ... قد سد مكسب مثقبي ببصاقه
وقال يصف ما جرى عليه من الدعوة التي عملها في قرية حرايا من أعمال دمشق:
من لعين تجود بالهملان ... ولقلب مدله حيران؟
يا خليلي أقصرا عن ملامي ... وارثيا لي من نكبتي وارحماني
ومتى ما ذكرت دعوة أولا ... د البغايا والعاهرات الزواني
فانتفا لحيتي وجزا سبالي ... وبنعل الكنيف فاستقبلاني
ما الذي ساقني لحيني إلى حت ... في؟ وما غالني؟ وماذا دهاني؟
من عذيري من دعوة أوهنت عظ ... مي وهدت بهولها أركاني
كنت في منظر ومستمتع عن ... ها ومن ذا يغتر بالحدثان
فنزت بطنتي وهاجت على نف ... سي بلاءً ما كان في حسباني
كان عيشي صاف فكدره أه ... ل صفائي بنو أبي صفوان
فارثوا لي يا معشر الناس من ض ... ري ومن طول عطلتي وامتحاني
ضرب البوق في دمشق ونادوا ... لشقائي في سائر البلدان
النفير النفير بالخيل والرج ... ل إلى فقر ذا الفتى الواساني
جمعوا لي الجموع من خيل جيلا ... ن وفرغانة إلى ديلمان
ومن الروم والصقالب والتر ... ك وخلقاً من بلغر واللان
ومن الهند والطماطم والبر ... بر والكيلجوح والبيلقان
لم يبقوا ممن عددت من الآ ... فاق من مسلم ولا نصراني
والبوادي من الحجاز إلى نج ... د معديها مع القحطاني
كل ضرب فمن طوال ومن حد ... ب قصار والحول والعوران
وشيوخ مثل الفراخ وشبا ... ن رحاب الأشداق والمصران
معد جوعت ثلاثين يوماً ... بسلاح شاك من الأسنان
من مرند ومن تكين وطرخا ... ن وكسرى وخرد وطعان
وخمار وزيرك وعجيب ... وبديع وفارس وجوان
وجريح ونار قسطا ويونا ... ن وبرحفثيا يوحنان
وطراد وجهيل وزياد ... وشهاب وعامر وسنان
قمش جمعوا بغير عقول ... ردعتهم عني ولا أديان
هل سمعتم بمعشر جمعوا الخي ... ل وساروا في الرجل والفرسان
رحلوا من بيوتهم ليلة المر ... فع من أجل أكلة مجان
يركضون البريد تسعة أميا ... ل بنص الوجيف والذملان
شره بارد وحرص على الأك ... ل بأنا قوم من المجان (1/115)
ما شعرنا ونحن من آمن العا ... لم إلا بصرخة الديدبان
أدركوني فهذه غرر الخي ... ل وسمر يعسلن كالأشطان
لست أنسى مصيبتي ويوم جاءوا ... ني وقد غص منهم الواديان
وردوا ليلة الخميس علينا ... في خميس ملء الربا والمحاني
متلئب كالسيل لا يلتقي من ... ه لفرط انتشاره الطرفان
شزروني بأعين تقدح الن ... يران خوص إلى العدو زواني
أشرفوا لي على زروع وأحطا ... ب وبيت من خيره ملآن
لبن قارس وخبز كثير ... وقدور تغلي على الدادكان
وشواء من الجداء ومعلو ... ف دجاج وفائق الحملان
وشراب ألذ من زورة المع ... شوق بعد الصدود والهجران
يخجل الورد في الروائح والطع ... م ويحكي شقائق النعمان
أذكرتني جيوشهم يوم جاءو ... ني جيوش العدو في رغبان
بقدم القوم هاشمي هريت الش ... دق رحب المعي طويل اللسان
هو نمس الدجاج والبط والأو ... ز وذئب النعاج والخرفان
والشريفان أشرفا في خلال ال ... خيل في موكب من الحبشان
وسواد من عظمه طبق الأرض ... وخيل تهوين كالظلمان
وأبو القاسم الكبير على طر ... ف كميت أقب كالسرحان
وأخوه الصغير يعترض الخي ... ل على قارح عريض اللبان
وهما يهويان بالسوط والرج ... ل إلى ما يسوءني مسرعان
أي قلب يطيق شتم بني خي ... ر البرايا وأكرم النسوان؟
غير أني يوم القيامة أشكو ... هم إلى الحرة الحصان الرزان
وأنادي يا بنت خير النبيي ... ن ويا أم أكرم الفتيان
أي شيء صنعت بابنيك حتى ... غزواني في الزنج والسودان؟
والسري الذي سرى في جيوش ... أضعفتني وقصرت من عناني
بفم أشوه وشدق رحيب ... وبكف يجول كالصولجان
وأخوه الفضل الذي بان للعا ... لم من فضل أكله نقصاني
والشمولي خلقه خلق ترا ... س عريض الأكتاف عبل الحران
لست أنساه جاثياً جاحظ العي ... ن عبوساً في صورة الغضبان
كالعقاب الغرثان يقتنص اللح ... م ويهوي إلى طيور الخوان
والأديب الذي به كنت أعت ... د غزاني للحين فيمن غزاني
وكذا الكاتب الذي كان جاري ... وصديقي ومشتكى أحزاني
غيرته الأيام حتى أتاني ... جائعاً للشقاء مذ سنتان
وصديق الأشراف أخنى على خم ... ري وأفنى بالكرع ما في دناني
كلما شقق مجد رخي ال ... بال لم يعنه الذي عناني
مجرهد كالسوس في الصوف في الصي ... ف بقلب خال من الإيمان
قلت قل لي يا ابن المبشر ما شأ ... نك من بين من غزاني وشاني
ليس هذا من شهوة الأكل هذا ... من طريق البغضاء والشنآن
قلت للفيلسوف لما غدا في ال ... أكل أعني فتى أبي عدنان
واستحث الكؤوس صرفاً بلا مز ... ج مكباً كالهائم العطشان
ليت شعري أمن رسائل بقرا ... ط تعلمت ذا وسمع اليان
أنت تزداد يا خليلي بهذا ال ... فعل علماً بالعالم الروحاني
ثم لا تنس ما لقيت وما مر ... لشؤمي من عسكر الفرغاني
أعجمي اللسان أفصح من ق ... س إذا ما نشا ومن سحبان
قال ققم فأتنا بخبز ولحم ... ونبيذ في حمرة الأرجوان
وغلام مقين حسن الوج ... ه يحاكي بقده غصن بان (1/116)
لم توكل فرغان إلا بتفري ... غ دناني وصبها في الجفان
إن من أعظم المصائب يا قو ... م بلائي بذلك الطرمذان
رجل كالفنيق فدم بلا ل ... ب طويل في صورة الشيطان
يققاً كالعمود يستعذب الصف ... ع ورأس أصم كالسندان
زائد الخلق ناقص العقل والدي ... ن غليظ القذال كالقلتان
يبلع الطيبات بلعاً بلا مض ... غ ويحسو النبيذ كالثعبان
لا تمتني حتى أراه وقد قص ... ر من فضل طوله شبران
وأتوني بزامر زمره يح ... كي ضراط العبيد والرعيان
ومغن غناؤه يطلق البط ... ن ويأتي بالقيء والغثيان
قصدت هذه الطوائف حمرا ... يا لهتكي وذلتي وامتحاني
قلت ما شأنكم قالوا أغثنا ... ما طعمنا الطعام منذ ثمان
وأناخوا بنا فيا لك من يو ... م عبوس عصبصب أرونان
نزلوا حجرتي وأطلقت الأفرا ... س بين الرطبان والقصلان
لم يكن مربعاً سوى ساعة ح ... تى رأيت الزروع كالفلحان
أفقروني وغادروني بلا دا ... ر ولا ضيعة ولا بستان
حيروني ودلهوني فقد صر ... ت بليداً كالذاهل السكران
أسمع اللفظ كالطنين لسهوي ... وهو لفظ يجري لغير معاني
تركوني يا قوم أفقر من فر ... خ وأعرى ظهراً من الأفعوان
أكلوا لي من الجرادق ألفي ... ن ببن تشتاقه العارضان
أكلوا لي أضعافها غير مسطو ... ر ومالوا إلى سميد الفران
أكلوا لي من الجداء ثلاثين ... قريصاً بالخل والزعفران
أكللوا ضعفها شواء وضعفي ... ها طبيخاً من سائر الألوان
أكلوا لي تبالة تبلت عقل ... ي بعشر من الدجاج السمان
أكلوا لي مضيرة ضاعفت ضر ... ي بروس الجداء والعصبان
أكلوا لي كشكية قرحت قل ... بي وهاجت لفقدها أشجاني
أكلوا لي سبعين حوتاً من النه ... ر طرياً من أعظم الحيتان
أكلوا لي عدلاً من المالح المش ... وي ملقى في الخل والأنجدان
أكلوا لي من القريشاء والبر ... ني والمعقلي والصرفان
ألف عدل سوى المصقر والبر ... دي واللؤلؤي والصيحاني
أكلوا لي من الكوامخ والجو ... ز معاً والخلاط والأجبان
ومن البيض والمخلل ما تع ... جز عن جمعه قرى حوران
فتتوا لي من السفرجل والت ... فاح والرازقي والرمان
والرياحين ما رهنت عليه ... جبتي عند أحمد الفاكهاني
درسوا لي من البنفسج والنر ... جس ما ليس مثله في الجنان
ذبحوا لي بالرغم يا معشر النا ... س ثمانين من معين وضان
ما كفاهم ما مر من غنم القر ... ية حتى أخنوا على الثيران
ذبحوها والدمع يجري على خد ... ي انسياباً مثل انسياب الجمان
أكلوا كل ما حوته يميني ... وشمالي وما حوى جيراني
ثم قالوا هلم شيئاً فنادي ... ت غلامي قم ويحك فاخبأ حصاني
لم تدع لي بطونكم يا بني البظ ... ر سواه وذا شطوب يماني
فتمالوا علي شتما ولعناً ... واستباحوا عرضي بكل لسان
من له قدرة على الشعر يهجو ... ن ومن كان مفحماً يلحاني
وكأني أنا الذي عثثت في الخي ... ر وغيرت صورة الحيوان
ثم جاء المعقبون من السا ... سة والشاكري والعبدان
فرأيت النخاع واللطم والدف ... ع وكدم الأنوف والآذان (1/117)
وتفانوا صفعاً وفاح من القو ... م غبارا من الفسا والصنان
ثم لما أتوا على كل شيء ... ختموا محنتي بكسر الأواني
ثم قاموا إلى الجلاهق والبا ... شق والمحدقات والزربطان
فرأيت الحمام بعضاً على بع ... ض وبعضاً ملقى على الأغصان
ورأيت الدجاج في وسط القر ... ية ملقى مكسر السيقان
أكلوا ما ذكرت واستعملوا لي ... يا ثقاتي كراً من الأشنان
ومن المحلب المطيب بالبا ... ن وماء الكافور سبع براني
شربوا لي عشرين ظرفاً من الرا ... ح لذيذ المذاق أحمر قان
فأقاموا سواسهم والمكاري ... ن إلى أن سمعت صوت الأذان
ينقلون الأحطاب من حيث وافوا ... ها فبالطير مر لي غيضتان
جوزة كان حملها أحسن الحم ... ل وكانت ظليلة الأفنان
كان لي في فنائها منزل رح ... ب أنيق يحفه نهران
ورياض مثل البرود علاها ال ... طل بين البهار والأقحوان
وطيور ما بينها تتغنى ... بجميع اللغات والألحان
هي كهفي ومستظلي من الح ... ر وذخري لنائبات الزمان
أحرقوها يا قوم في ساعة القف ... ز وضرب الأحطاب بالنيران
كسروا السكر فاختلطت فقالوا ... كيف تبقى بغير شاذروان
قطعوا اللوز والسفرجل أحطا ... باً ومالوا بها على غلماني
والنواطير مددوا وعلوه ... حنقاً بالعصي والقضبان
طالبوني بالنيك في آخر الليل وجمع النساء والمردان
قم فأسرع فبعضنا يطلب المر ... د وبعض مستهتر بالغواني
فتوهمته مزاحاً فجدوا ... قلت هذا ضرب من الهذيان
ليس يبقى على أرامل حمرا ... يا سوى بذلهن للضيفان
لو سمعتم يا قوم في غسق اللي ... ل بكاء النساء والولدان
يتنادون بالعويل والوي ... ل وراء الأبواب والجدران
ويقولون ويلنا من أبي القا ... سم هذا المطرمذ المخرقاني
قصدته الأعداء فاستملكونا ... فحصلنا أسرى بغير أمان
أوجروني النبيذ بالرطل حتى ... صرت أمشي كمشية الفرزان
فجعوني لما سكرت بهيما ... ني وشقوا عصائب الطيلسان
كان أول النهار على رأ ... سي فأمسى على رءوس القيان
ثم راحوا بعد الهدوء إلى دا ... ري فلم يتركوا سوى الحيطان
كان لي مفرش وكل مليح ... فوقه مطرح من الميساني
وبساط من أحسن البسط مذخ ... ور لعرس أو دعوة أو ختان
غرقوه بالزيت والبول والق ... يء فأضحى وقدره بعرتان
أوقدوا زيتنا جزافاً بلا كي ... ل يكيلونه ولا ميزان
خلت داري يا إخوتي المسجد الجا ... مع ليلاً للنصف من رمضان
سرقوا جبتي وسيفي وسكي ... ني وخفي وجوربي وراني
ثم لما انتهت بهم شدة الكظ ... ة خروا صرعى على الأذقان
هوموا ساعة كتهويمة الخا ... ئف في غير أرضه الفزعان
ثم قاموا ليلاً وقد جنح النس ... ر ومال السماك والفرقدان
يصرخون الصبوح يا صاحب البي ... ت فأبكوا عيني وراعوا جناني
سحبوني من جوف بيتي على وج ... هي كأني أدعى إلى السلطان
بقلوب أشد حراً من الجم ... ر وأقسى من الصفا الصوان
قلت رقوا لذلك الطفل ميمو ... ن ولا تؤتموه يا إخواني (1/118)
ما تفي أكلة بقتل غريب ... ذي عيال ناء عن الأوطان
علقوني بفرد رجل إلى السق ... ف وعذبت ليلتي بالدخان
لو رآني أبي وأمي على رأس ... ي ورجلاي بالعصا تنقران
بكيا لي من ذاك واشترياني ... من يديهم بكل ما يملكان
وقع الضرب يا خليلي على جس ... م من السوط والعصا قرحان
قلت للفضل والسري غثاني ... ومماتي قد حل بي خلصاني
واذكرا عشرتي وودي وإخلا ... صي وحنا علي واستبقياني
أنتما إن قتلتماني وحق الل ... ه من أجل أكلة تندمان
أي شيء تركتماه لضعفي ... قد مضى لي بالأمس ما قد كفاني
أحلفانيي أن ليس عندي مشرو ... ب ولا في خزانتي لقمتان
فاستشاطا علي غيظاً وقال ال ... فضل قل لي بأي عين تراني
نحن من أجهل البرية طراً ... إن حصلنا منكم على الأيمان
قطعوا الحبل فانقلبت على رأ ... سي وظهري فاندق لي ضلعان
ثم لما تمكن اليأس خلو ... ني ومالوا حشواً على الأتبان
وأجيري مسخر ينقل الأت ... بان بالذل عارياً والهوان
وهو يبكي فقلت ويحك ما تص ... نع بالتببن بعد موته الفدان
سرقوا السرج والقناديل والزي ... ت وأقداحنا وكل الناني
والنبيذ استقوه واغتنموه ... آخر الليل كاستقاء السواني
زودوه سواسهم والمكاري ... ن معاً بالجرار والكيزان
لو ترى الفضل وهو يحمل في السر ... ج قميصاً مخيط الأردان
قد حشاه لحماً وطيراً وسبعي ... ن رغيفاً من أعظم الرغفان
سرقوا الراح في الزقاق وراحوا ... بطعام منضد في الصواني
ميزوا خيلهم بكل كسير ... وعقير مدبر جربان
خلفوه يرعى بقية زرعي ... رعي لا خائف ولا متوان
ما رثى لي سوى المبارك من ض ... ري وذاك القصير الدحدحاني
رفهاني وخففا الثقل عني ... فهما من ملامتي سالمان
والسري السرى حقاً كما س ... مى أيضاً من بطنه أعفاني
هل سمعتم فيما سمعتم بإنسا ... ن عراه في دعوة ما عراني
أسعدوني يا أخوتي وثقاتي ... بدموع تجري من الأجفان
إخوتي من لواكف الدمع محزو ... ن كئيب مدله حيران
هائم الفكر ساهر الليل باكي ال ... عين واهي الوى ضعيف الجنان
لم يكن ذا القران إلى على شؤ ... مي فويلي من نحس ذاك القران
قد أحسن في هذه الفصيدة غلية الإحسان، وأبان فيها عن مغزاه أحسن بيان. وتصرف فيها وأطال، وأمكنه القول فقال. وإذا تخلص الشاعر عند الإطالة والوصف هذا التخلص، وسلم مما يؤديه إلى التكلف والتلصص. فهو الذي لا يدرك غوره، ولا يخاف بحره.
وقال أيضاً يهجو أبا الفضل يوسف بن علي، ويعرض فيها بمنشأ بن إبراهيم ابن القزاز، ويقال: إن هذه القصيدة كانت سبب عزله من عمله، وقد تصرف فيها كل التصرف، وهي سالمة عن التكلف، ولم يقل في معناها مثلها، وهي:
يا أهل جيرون هل لسامركم ... إذا استقلت كواكب الحمل
في ملح كالرياض باكرها ... نوء الثريا بعارض هطل
أو مثل نظم العقود بالذدر وال ... در ووشي البرود والكلل
يلذ للسامع الغناء بها ... على خفيف الثقيل والرمل
كنت على باب منزلي سحراً ... أنتظر الشاكري يسرج لي
وطال ليلي لحاجة عرضت ... باكرتها والنجوم لم تمل (1/119)
فمر بي في الظلام أسود كال ... فيل عريض الأكتاف ذو عضل
أشغى له منخر ككوة تن ... ور وعين سجراء كالشعل
ومشفر مسبل كخب رحى ... على نيوب مثل المدى عصل
مشقق الكعب أدع القيد والر ... جل طويل الساقين في سمل
فأهدت الريح منه لي أرجاً ... مثل جني الروض في الندى الخضل
مسكاً وقفصية معتقة ... شيبا ببان وعنبر شمل
فقلت ما هكذا يكون إذا ... راح الندامى روائح السفل
أسود غاد من الأتون له ... عرف أمير نشوان في فضل
هذا ورب السماء أعجب من ... حمار وحش في البر منتع
اردده يا نصر كي أسائه ... فشأنه عضلة من العضل
فقال يخشى فوات حاجتنا ... وليس هذا من أكبر الغل
فقلت ترك الفضول يا ناقص ال ... همة عين الإدبار والكسل
بادره من قبل أن يفوتك في ... سلوكه بين هذه السبل
فصد عني تغافلاً ومضى ... يعجب من عقله ومن خللي
وصاح من خلفه رويدك يا ... أسود مالي بالعدو من قبل
ارجع إلي ذلك الرقيع وإن ... أكال في خطبه فلا تطل
أجب إذا ما سئلت مقتصداً ... في اللفظ واسكت إن أنت لم تسل
وهو بترك الفضول أجدر لو ... يسلم من خفة ومن خطل
فكر نحوي عجلان يعثر في ... مرط كساء مبرغث قمل
وقد مذى والمذي يقطر من ... غرموله في الذول كالوشل
وظن أني صيد فأبرز لي ... فيشلةً مث ركبه الجمل
سوداء قد طوقت بطوق خرا ... أصفر تزهى به على الحجل
وقال لج دراكم لأولجها ... فيك وإنكنت لم تبل فبل
فطالما أسهلت طبيعة من ... ليس لأمثالها بمحتمل
هذا على أنها مؤدبة ... من الفياشي المروضة الذلل
وطال والله ما خدمت بها ال ... ملوك خلف الستور والكلل
وكنت أغشاهم على فرش ال ... خز بلا سقطة ولا زلل
لأنها صنعتني وصنعة آ ... بائي قديماً في الأعصر الأول
وزاد في دولة اليهود بها ... شرطي على ما مضى من الدول
حتى لقد فتقت فوشهم ... وطريت بالغدو والأصل
فانظر إليها فإن رأيت لها ... شبهاً فلا تدعني أبا الجعل
وخذ عموداً أغلافه شرج ... لم يمتهن ساعة ولم يذل
قلت له لا عدمت برك قد ... بذلت ما لم يكن بمبتذل
وجدت عفواً من غير مسألة ... بدرة لا تباع بالجمل
لكنني والذي يمد لك ال ... عمر ويعطيك غاية الأمل
ما شق دبري مذ قط فيشلة ... ولا نتخاب الأيور من عملي
ولا لهذا دعيت فاطلب لمي ... لوخك من يستلذه بدلي
وهات قل لي بالله من أين أق ... بلت ودعني من هذه العلل
فقال لي بت عند عاملكم ... هذا أبي الفضل يوسف بن علي
فصاك بي طيبه وصاك به ... مني صنان في حدة البصل
تركته بالنهار اخفش لا ... ينظر في خدمة ولا عمل
قلت تزيدت وادعيت على ... شيخ نبيل ينمى إلى نبل
أبوه سمح وجده ملك ... يدعى حنيناً وعمه الصملي
لعل ذا غيره فصفه فما ... يخدع مثلي بهذه الحيل (1/120)
فإن تكن صادقاً نجوت وأن ... حيت عليه باللوم والعذل
وإن تكن كاذباً صفعتك بالن ... عل فإن كنت قائلاً فقل
فقال يا سيدي عجلت بمك ... ر وهي وكان الإنسان من عجل
هذا الذي بت عنده نصف ... دون مسن وفوق مكتهل
في فيه نتن وتحت عصعصه ... عين تمج الصديد في دغل
آدر رخو العجان منخرق ال ... مبعر ألحى مهيج السفل
حيضة باسوره إذا اختلطت ... بالسلح كالسمن شيب بالعسل
له إذا ما علوته نفس ... أمضى من السيف في يد البطل
يصرع طير السماء في الأفق ال ... أعلى ويوهي مخارم القلل
أنتن من كل ما يقال إذا ... بالغ في الوصف ضارب المثل
وهو على ذاك مولع أبداً ... لشؤم بختي بالعض والقبل
نعم وفي باب سرمه وضح ... أبيت ليلي منه على وجل
أخاف يعدى أيري ببرصته ... فأغتدى مثلة من المثل
أسود كالليل بين أكرعه ... عمود صبح ينجاب عن طفل
فقلت هذى صفاته ولقد ... شغلت قلبي بذلك الرجل
فقال أما إذا اهتممت به ... فإنه في نهاية الجذل
قد طاب عيشاً وقد أصاب من ال ... لذة ما لم يصب ولم ينل
يكون مثل العروس مفترشاً ... طوراً وطوراً كالفحر في الإبل
فيجمع اللذتين مغتبطاً ... ذي دبره تارة وفي قبل
وهو عوان لم يخش من ألم ال ... حمل عقيم ولم يخش من حبل
وأنت يا ابن الخراء محتفل ... بأمره وهو غير محتفل
فقلت قل لي من أين تعرفه ... فقال ذرني من هذه العقل
كنت أجيراً بيد معصرة ... بصور كانت لكاتب البجل
وكنت أضحى النهار في ظاهر ال ... يد إذا ما انصرفت من شغلي
فنمت يوماً وكنت من سهر ال ... ليل وقيذاً كالشارب الثمل
وهبت الريح فانكشفت ولم ... أشعر وطار الشراع عن قبلي
واجتاز للحين والقاء الذي ... حم منشا في موكب زجل
حف بصفر البنود والخيل والر ... جل وبيض الصفيح والأسل
على كميت أق كالصخرة ال ... صماء قدت من قنة الجبل
ليس بأشغى ولا أجش ولا ... أهضم طاوي الحشى ولا شغل
وهو أمام الصفوف تقدمه ... جرد الهوادي شوازب المقل
مجنبات كأنهن سرا ... حين قطاء أو كالقنا الذبل
وحان منه التفاته فرأى ... ذيل قميصي قد قد من قبل
فاشتد تحديقه إلي كما ... حدق ذئب طاو إلى حمل
ولم أبت ليلتي وعيشك يا ... مولاي حتى دعيت بالرسل
فجئته خائفاً كما يلج ال ... عصفور مستكرهاً على الورل
فارتعت لما رأيت لحيته ... وكدت أخرى من شدة الوهل
وظن أني استحييته فغدا ... يبسطني بالمزاح والغزل
وقال هذا الحياء يا بإبيأنت بريد النكول والفشل
فاطرح الهيبة المضرة بي ... واعتزل الخوف أي معتزل
إن كنت أكرمتني لترفع من ... قدري فبعض الهوان أنفع لي
انتف سبالي واصفع قفاي ولا ... تنظر إلى قدرتي ولا خولي
ولا عبيدي ولا فروشي ولا ... طيبي ولا حيلتي ولا حللي
إن يشق أعلاي باللطام فقد ... يسعد بالرهز بعده سفلي
وليس بعد المزاح يا بأبي ... في الرأس من حشمة ولا خجل (1/121)
ولم يزل دائباً يشمرخ شا ... قولي ويختال لي على مهل
فحين أدليت كالحمار بدا ... يرفع أجلاله عن الكفل
وخر للوجه والجبين وقد ... رطب حول خصييه بالبلل
طعنته طعنة بصدق الأنا ... بيب أصم الكعوب معتدل
فقال: أوجعت جوف مقعدتي ... وظل يدعو بالويل والهبل
وقرقت بطنه وربتما ... حذرت من مثلها ولم أبل
ثم رماني بسلحة خطمت ... أنفي فزاولتها على يل
فقلت: يا سيدي ويا أملي ... أظن ذا السرم منبني ثعل
فقال: أخطأت إذ أسلت دمي ... فقلت: كلا والله لم يسل
أين النجيع القاني؟ فديتك من ... لطخ رجيع كالورس منسحل
ألا تبرزت لا أبالك أو ... شددت من باب سرمك النغل؟
فقال لما أنشأت تعفجني ... في استي برمح لم يعتصم سفلي
ألم تكن عالماً بأن سلا ... ح استي سلاحي في كل منتضل
خذ آبنوساً حليته ذهباً ... فالحلي أولى به من العطل
ولا تلمني فكيف أصنع في ... سرم شديد الحكال مؤتكل
تمنعه اللذة الحياء فتس ... رخي حواشي مثقف نغل
نعم وعاجلتني بجانفة ... أصمت ومرت في موضع العلل
عاجلت قلبي عن التحفظ في ... أمري برهز كالبرق مشتعل
وخاض جعسي أير به هوج ... يجوز حد الجنون والخبل
يا سيدي ما اسمه فقلت أبو ال ... أسود يكنى وليس بالدؤلي
فقال: يا حبذا أبو الأسود الزا ... هد فينا بسلحة قبلي
هل رابه غيرها وقد جعل ال ... ماء طهوراً لكل مغتسل
فامض وعد بعدها لترويني ... من بعد نومي علاً على نهل
ولا تخف بعدها وصاح بفرا ... ش قصير السربال نعتمل
فقال ذاك الفراش: ماك قد ... مت كذا فاغتسل ولا تبل
فهذه عادة لسيدنا ... مورثة عن أبيه لم تزل
ولم أزل في خزانة الفرش أي ... اماً مخلى في زي معتقل
حتى انثنت صعدتي وبان له ... في اناة الفتور والكسل
ثم تغني والأير في يده ... قد خف بعد العتو والثقل
يا دار هند بالخيف من ملل ... حييت من دمنة ومن طلل
وقال لي ويك في دمشق أخ ... للوقف والخرج والضياع بلى
وهو بحب السودان أعرفه ... وليس عن رأيه بمنتقل
فخذ كتابي وسر إليه ولا ... تترك مقالاً مذ قط لم يقل
وقل سرت بي في الليل ذعبلة ... تهدي صدور المهرية البزل
تمطو جماحاً إذا المطي ونت ... حتى تراخى لها من الجذل
أهوى بطون الأقطار في غسق ال ... لميل وآوي مناهل الوعل
وليس لي شافع إليك سوى ... فيشلة أسهلت أبا سهل
فإنه سوف يلتقيها ويح ... بوها إذا أقبلت بحيهل
وتغتدي عنده أعز من ال ... أهلين والأقربين والخول
فجئته واثقاً بقول أبي ... سهل ومن يسمع المنى يخل
فما حصلنا إلا على سهر ... يعمي ورهز يوهي القوى نكل
وكان هذا ابتداء معرفتي ... به، فحسبي فاقطع ولا تصل
وقد مضى يومنا بلا عمل ... ترجى له أجرة ولا أمل
ظننت للنيك قد دعيت، ولم ... أدري بأني دعيت للجدل (1/122)
صرف عنه بعض الأدباء وهو ابن خيران العبد لأنه أصال ولم يصرفه صرف عنه بعض الأدباء وهو ابن خيران العبد لأنه أطال ولم يصرفه بعد منثور يتقدم ذلك:
قلت له: اذهب مصاحباً فلقد ... حدثت عنه بحادث جلل
فمر يسعى كأنه ثمل ... من سهر كده ومن ملل
يقول في سيره وقد وضح ال ... صبح: ألا رب واثق خجل
كان نكاح إبليس زوره ... بلا شهود ولا حضور ولي
لا بارك الله فيهما فلقد ... جاءا بما لا يجوز في الملل
وعدت بالله أستعيذ من ال ... سوء ومن كل موقف رذل
والحمد للواهب السلامة من ... جرح يداوي بهذه الفتل
وإن اتفق وجود المنثور ألحقته بعون الله وقدرته.
أحمد بن محمد الطائي الدمشقي
قال:
قد غدونا إلى صلاة الغداة ... ثم ملنا منها إلىالحانات
فشربنا مدامة كدم الخش ... ف عقاراً تضيء في الكاسات
فإذا شجها السقاة بماء ... أبرزت مثل ألسن الحيات
وكأن الأنامل اعتصرتها ... من شقيق الخدود والوجنات
أبو محمد الموصلي
قال يرثي أم الأمير أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان، وقد رثاها الناس على طبقاتهم:
يا أميراً علا على النجم همه ... مثل ما قد زرى على الخلق عزمه
أكثر الناس في التعازي وقالوا ... كل معنىً ينسي أخا الهم همه
فاختصرت العزاء في نصف بيت ... كل خطب إذا تعدك نعمه
أبو محمد الحسن بن علي بن وكيع التنيسي
شاعر بارع. وعالم جامع. قد برع في إبانه، على أهل زمانه، فلم يتقدمه أحد في أوانه. وله كل بديعة تسحر الأوهام، وتستعبد الأفهام. فمن ملح شعره وغرائبه قوله من قصيدة مربعة:
رسالة من كلف عميد ... حياته في قبضة الصدود
بلغه الشوق مدى المجهود ... ما فوق ما يلقاه من مزيد
جار عليه حاكم الغرام ... فدق أن يدرك بالأوهام
فلو أتاه طارق الحمام ... لم يرده من شدة السقام
له اهتزاز وارتياح وطرب ... لوجه من أورثه طول الكرب
فهل سمعتم في أحاديث العجب ... بمن مناه قرب من منه العطب
ما غاب عنه الحزم في الأمور ... لكن مقدار الهوى ضروري
صاحبه يخبط في ديجور ... منفسد التقدير بالمقدور
إذا التقى في مسمعيه العذل ... وقيل من دون المراد القتل
قال لهم لوم المحب جهل ... إن الهوى يغلب فيه العقل
ما العذر في السلوة عن غزال ... منقطع الأقران والأشكال
تستخلف الشمس لدى الزوال ... ضياء خديه على الليالي
بخفة الروح احتوى صلاحي ... فصرت لا أرغب في الفلاح
والشكل والخفة في الأرواح ... أملح ما يعشق في الملاح
من عشق الفدم وإن دق البصر ... فليقصد البيعة وليهو الصور
من كان يهوي منظراً بلا خبر ... فما له أوفق من عشق القمر
ظبي سلوي عنه مثل جوده ... خياله أكذب من موعوده
أجفانه أسقم من عهوده ... أردافه أثقل من صدوده
يا وصله صل مثل وصل صده ... يا حكمه كن في اعتدال قده
يا قلبه كن رقة كخده ... يا خصره كن مثل ضعف عهده
أما وخصر ضعفه كصبري ... له ووجه حسنه كشعري
له عذار قام لي بعذري ... لا تبت من شوقي إليه دهري
أضحى لإبليس به استقدار ... على بني آدم واستبشار
وقال: في ذا تستطاب النار ... ما لهم عن مثل ذا اصطبار (1/123)
تمت لي الحيلة في العباد ... أدركت من صالحهم مرادي
بمثل ذا أمكنني إفسادي ... لأنفس العباد والزهاد
والهفتني من خده الأسيل ... إذا انجلى عن صفحتي صقيل
واحربي من طرفه الكحيل ... من منصفي منه ومن مديلي؟
من مقلة كالصارم البتار ... ألحاظها أمضى من المقدار
تحكم في لبي وفي اصطباري ... نظير حكم الدهر في الأحرار
حل قواي العقد من زناره ... ألهب قلبي خده بناره
عذر صبري مبتدا عذاره ... حيرني بالطرف واحوراره
جاء بوجه حسنه محبوب ... تطيب في أمثاله الذنوب
وقامه ذل لها القضيب ... والقد تنقد به القلوب
هفا قلبي منه إفراط الهيف ... فقلت لما أن تثنى وانعطف:
يا سيدي من دون ذا الميل التلف ... وشرط من كان ظريفاً في القطف
ما قصر القامة مثل الطول ... ولا البدين الجسم كالمهزول
عشق الرشيق الأهيف المجدول ... شأن ذوي الأفهام والعقول
لا يعشق الضخم الغليظ الجسم ... غير غليظ الطبع جاف فدم
يا حاكماً جانب في العلا ... مهلاً بمن يهواك مهلاً مهلا
يا ظالماً يقتلني مجاهره ... قد منع الوجد من المساتره
هلم إن شئت إلى المناظره ... واستعمل الإنصاف لا المكابره
في أي دين حل قتل الروح ... وهل لما تفعل من مبيح
إن قلت ذا جاء عن المسيح ... فليس ما تزعم بالصحيح
مرقص ما أخبرنا بذا الخبر ... عنه ولا لوقا حكاه في الأثر
وقد نهى عن ذا يوحنا وزجر ... ولا ارتضى متى به ولا أمر
أربعة ليس لهم عديل ... ولا لهم في أمرهم كفيل
ما فيهم من قال ما تقول ... فهل سوى إنجيلهم إنجيل
فإن زعمت أن ذا موجود ... في زبر جاء بها داود
فما الزبور بيننا مفقود ... فكيف لم تعلم به اليهود
ولم يخبر أحد سواكا ... من النصارى كلهم بذاكا
لا تتقول غير ما أتاكا ... وغلب الحق على هواكا
سفك دمي يحظر في الأديان ... فدع حجاجاً ظاهر البطلان
لا تجمع الإثم مع البهتان ... وكن على خوف من العدوان
واعلم بأني إن تمادى بي الهوى ... وخفت أن أتلف من فرط الضنى
ودمت في هجرك لي كما أرى ... ولم أجد منك لما بي مشتكى
شكوت ما تلقاه نفسي البائسه ... من خطرات للهموم هاجسه
عفت رسوم الصبر فهي دارسه ... إلى جميع عصبة الشمامسه
فإن هم لم يرحموا أنيني ... وخيبوا في قصدهم ظنوني
ولم أجد في القوم من معين ... ينصفني منك ولا يعديني
شكوت ما يلقى من الأحزان ... قلبي إلى مشيخة الرهبان
عساك تستحي من الشيخان ... وإن تهاونت بهم من شاني
فلا أراك مغضباً عبوسا ... إذا أتيت أسأل القسيسا
معونة أرجو لها التنفيسا ... عن مهجة قاربت النسيسا
واعلم بأني إن رددت شافعي ... هذا ولم يرجع بأمر نافع
فليس ذا بحاسم مطامعي ... كم طالب جد بجد مانع
لو كنت مبذولاً لنا لم تطلب ... وإنما نرغب إذ لم ترغب
وكلت النفس بترك الأقرب ... وشدة الحرص على المستصعب (1/124)
وإن تماديت على جفائكا ... ودمت بالقلة من حبائكا
في هجرنا على قبيح رأيكا ... واستيأس الرهبان من إصطفائكا
فلا تلمني إن قصدت الأسقفا ... من برح السقم به رام الشفا
فلا تقل أبديت مكنون الخفا ... أنت الذي أحوجتني أن أكشفا
سوف إلى المطران أنهي قصتي ... إن دام ما تؤثره من هجرتي
فإن رثى لي طالباً معونتي ... ولم تشفعه بكشف كربتي
شكوت إن حالفته فيما حكم ... يدخلك الحرم فويل من حرم
هناك تأتي مستقيلاً ظلمي ... تسألني عطف الرضى بالرغم
ترضى بما ينفذ فيك حكمي ... إذا بك اشتد عذاب الحرم
دع ذا فهذا كله تهديد ... أرجو به قربك يا بعيد
هيهات سري أبداً جحود ... فيك وقولي كلما تريد
مولاي قد ضاقت بي الأمور ... فقلت ما قلت وقولي زور
قلبي إلا في الهوى جسور ... فلا تلم أن ينفث المصدور
مولاي بالرحمن أحي مغرما ... يخاف أن تغضب إن تظلما
إليك أشكو فعسى أن تنعما ... مهلاً قليلاً قد قتلت المسلما
يا جرجس ارفق بفؤاد هائم ... يا سيدي خف سوء عقبي الظالم
وقد رضينا بك في التحاكم ... والجور لا يشبه فعل الحاكم
أقصى رجائي منك نيل الود ... وقبلة تشفي غليل الوجد
يا جائراً أفرط في التعدي ... منك إليك في الهوى أستعدي
وقال في أزمن السنة مزدوجة:
يا سائلي عن أطيب الدهور ... وقعت في ذاك على الخبير
سألتني أي الزمان أحلى ... وأيه بالقصف عندي أولى
عندي في وصف الفصول الأربعة ... مقالة تغني اللبيب مقنعه
فصل الصيف:
أما المصيف فاستمع ما فيه ... من فطن يفهم سامعيه
فصل من الدهر إذا قيل حضر ... أذكرنا بحره نار سقر
تبصر فيه النبت مقشعرا ... والأرض تشكو حره المضرا
نهاره مقسم بين قسم ... جميعها يعاب عندي ويذم
أوله فيه ندى مبغض ... كأنه على القلوب يقبض
يلصق منه الجسم بالثياب ... وتعلق الأذيال بالتراب
حتى تراها مثل منديل الغمر ... فيهن تخطيط كتخطيط الحبر
حتى إذا ما طردته الشمس ... وفرحت بأن يزول النفس
فتحت النار له أبوابها ... وشب فيها مالك شهابها
حر يحيل الأوجه الغرانا ... حتى ترى الروم بها حبشانا
يعلو به الكرب. ويشتد القلق ... وتنضج الأبدان منه بالعرق
تبصره فوق القميص قد علا ... حتى ترى مبيضه مصندلا
إن كان رثاً زاد في تمزيقه ... أو مستجداً حل حبل زيقه
ثم يعيد الماء ناراً حامية ... تزيد في كرب قلوب الضاويه
شاربه يكرع في حميم ... كأنه من ساكني الجحيم
ينسيه ما يلقى من التهابه ... أن يحمد الله على شرابه
حتى إذا عنا انقضى نهاره ... وأرخيت من ليله أستاره
تحركت في جنحه دواهي ... سارية وأنت عنها ساهي
من عقرب يسعى كسعي اللص ... سلاحها في إبر كالشص
وحية تنفث سماً قاتلا ... تزود الملدوغ حتفاً عاجلا
تبصر ما في جلده من الرقش ... كوجنة مصفرة فيها نمش
لو نهشت بالناب منها الخضرا ... لبترت منه الحياة بترا
فإن أردت الشرب في إبانه ... على الذي وصفته من شانه (1/125)
أبشر بما شئت من الصراع ... فضلاً عن التهويس والصداع
وعلل تعجز إحصاء العدد ... من جرب ومن دوار ورمد
وبعد حمى الكبد لا تنساه ... لأنه أول ما تلقاه
ولا تقل إن جاء يوماً أهلا ... فلعنة الله عليه فصلا
فصل الخريف:
حتى إذا زال أتى الخريف ... فصل بكل سوءة معروف
أهوية تسرع في كل الجسد ... وهو كطبع الموت يبساً وبرد
يخشى على الأجسام من آفاته ... فأرضه قرعاء من نباته
لا يمكن الناس اتقاء شره ... من اختلاف برده وحره
تبصره مثل الصبي الأرعن ... في كثرة التغيير والتلون
فإن أردت الشرب للعقار ... في حينه بالليل والنهار
فأنت منه خائف على حذر ... لأنه يمزج بالصفو الكدر
أحسن ما يهدي لك النسيما ... يقلبه في ساعة سموما
وهو على المعدود من ذنوبه ... خير من الصيف على عيوبه
فصل الشتاء:
حتى إذا ما أقبل الشتاء ... جاءتك منه غمة غماء
أقبل منه أسد مزير ... له وعيد وله تحذير
لو أنه روح لكان فدما ... أو أنه شخص لكان جهما
يأتيك في إبانه رياح ... ليس على لاعنها جناح
حراكها ليس إلى سكون ... تضر بالأسماع والعيون
يحدث من أفعالها الزكام ... هذا إذا ما فاتك الصدام
ثم يليها مطر مداوم ... كأنه خصم لنا ملازم
يقطعنا بغضاً عن الطريق ... وعن قضاء الحق لصديق
وربما خر عليك السقف ... وإن عفا عنك أتاك الوكف
هذا وكم فيه من المغارم ... وكثرة الإنفاق للدراهم
في ملبس يدفع شر برده ... يكف عنا منه غرب حده
ملابس تعيي الجليد حملا ... كأنما يحمل منها ثقلا
يحكي بها المنحوف أصحاب السمن ... لكن تراه سمناً غير حسن
فإن أردت بالنهار الشربا ... فيه فقد قاسيت خطباً صعبا
واحتجب أن توقد فيه النارا ... تطير نحو الحدق الشرارا
تترك مبيض الثياب أرقطا ... تحكي السعيدي لك المنقطا
وبعد ذا تسدد الثقابا ... من خوفه وتغلق الأبوابا
نعم وترخي نحوه الستورا ... حتى ترى صاحبه ديجورا
فحسن لون الراح فيه لا يرى ... لأنه صار سواء والدجى
تشرب فيه إن شربت الخمرا ... ليس لأن تلهو أو تسرا
لكن لتحمي خضر الأعضاء ... فشربها ضرب من الدواء
وإن أردت الشرب في الظلام ... عاقك عن تناول المدام
حسبك أن تندس في اللحاف ... وخشية البرد على الأطراف
ورعدة تشغل عن كل عمل ... وتؤثر النوم وتستحلي الكسل
حتى إذا ملت إلى الرقاد ... نمت على فرش من القتاد
إن البراغيث عذاب مزعج ... لكل ما قلب وجلد تنضج
لا يستلذ جنبه المضاجعا ... كأنما أفرشته مباضعا
قبح فصلاً فوق ما ذممته ... لو أنه يظهر لي قتلته
حتى إذا ما هو عنا بانا ... وزال عنا بعضه لا كانا
فصل الربيع:
جاء إلينا زمن الربيع ... فجاء فصل حسن الجميع
لبرده وحره مقدار ... لم يكتنف حدهما الإكثار
عدل في أوزانه حتى اعتدل ... وحمد التفصيل منه والجمل
نهاره من أحسن النهار ... في غاية الإشراق والإسفار
تضحك فيه الشمس من غير حجب ... كأنها في الأفق جام من ذهب (1/126)
وليله مستلطف النسيم ... مقوم في أحسن التقويم
لبدره فضل على البدور ... في حسن إشراق وفرط نور
كجامة البلور في صفائها ... أو غرة الحسناء في نقابها
كأنها إذا دنت من نحره ... جوزاؤه قبل طلوع فجره
رومية حلتها زرقاء ... في الجيد منها درة بيضاء
هذا وكم يجمع من أمور ... إسراف مطريها من التقصير
فيه تظل الطير في ترنم ... حاذقة باللحن لم تعلم
غناؤها ذو عجمة لا يفهمه ... سامعه، وهو على ذا يقرمه
من كل دبسي له رنين ... وكل قمري له حنين
في قرطق أعجل أن يوردا ... خاط له الخياط طوقاً أسودا
هذا وفيه للرياض منظر ... يفشي الثرى من سرها ما يضمر
سر نبات حسنه إعلانه ... إذا سواه زانه كتمانه
فيه ضروب للنبات الغض ... يحكي لباس الجند يوم العرض
من نرجس أبيض كالثغور ... كأنه مخانق الكافور
وروضة تزهر من بنفسج ... كأنها أرض من الفيروزج
قد لبست غلالة زرقاء ... فكايدت بلونها السماء
تبصرها كثاكل أولادها ... قد لبست من حزن حدادها
يضحك فيها زهر الشقيق ... كأنه مداهن العقيق
مضمنات قطعاً من السبج ... فأشرفت بين احمرار ودعج
كأنما المحمر في المسود ... منه إذا لاح عيون الرمد
أما ترى أترجه ما أحسنه ... يختال في غلائل مبينه
وانظر إلى الخشخاش إن نظرتا ... يحكي كرات ظوهرت كيمختا
وارم بعينيك إلى البهار ... فإنه من أحسن الأنوار
كأنه مداهن من عسجد ... قد سمرت في قضب الزبرجد
فانهض إلى اللهو ولا تخف ... فلست في ذلك بالمعنف
واشرب عقاراً طال فينا كونها ... يصفر من خوف المزاج لونها
من كف طبي من بني النصارى ... ألبابنا في حسنه حيارى
إذا بدا جماله لذي النظر ... قال: تعالى الله ما هذا بشر
يبدي جمالاً جل عن أن يوصفا ... لو أنه رزق حريص لاكتفى
تزينه أحشاء كشح طاويه ... وسرة محشوة بالغاليه
لا سيما مع مسمع وزامر ... قد سلما من وحشة التنافر
دونك هذي صفة الزمان ... مشروحة في أحسن التبيان
فاصغ نحو شرحها كي تسمعا ... ولا تكن لحقها مضيعا
وارض بتقليدي فيما قلته ... فإنني أدرى بما وصفته
ولا تعارضني في هذا العمل ... فإنني شيخ الملاهي والغزل
وقال أيضاً:
باعثاً لدعوتي غلامه ... وعاتبا من تركنا إلمامه
إذا أردت أن تزار في غد ... فلا تغال في الطعام واقصد
واعمد إلى ما أنا منه واصف ... فإنني بالطيبات عارف
ابعث فخذ عشراً من الرقاق ... تلذها نواظر الأحداق
تكاد مما رق من حرسائها ... تشف للأعين من صفائها
أرقها الصانع حتى خفت ... ولطفت أجسامها ومدت
تكاد لولا حذقه في صنعته ... تطيرها أنفاسه من راحته
حتى أتت في صورة البدور ... أو مثل جامات من البلور
حتى إذا فرغت منها متقناً ... ولم ير العائب فيها مطعنا
فاعمد إلى مدور من البصل ... فإنه أكبر أعوان العمل
يحكي لعينيك اخضرار قشره ... إذا رماه ناظر بفكره
غلائلاً خضراً على جسوم ... بيض رطبات من بنات الروم (1/127)
حتى إذا أحكمته تقطيعا ... وقلت قد جودته صنيعا
خلطته باللحم خلطاً جيدا ... ولم تزل تخلطه مرددا
حتى إذا أنت أجدت فعله ... ثم جمعت في الرقاق شمله
صيرته يا ذا العلا السنيه ... شابورة ليست لها سميه
ثمت أغل الشبرق المقشرا ... من فوقه حتى تراه أحمرا
مكتسياً حلته الخمريه ... من بعدما عهدتها فضيه
ثم أدر كأس الشمول منعما ... أكرم بهذا مشرباً ومطعما
فلست في فعلك ذا مبذرا ... كلا ولا في حقنا مقصرا
وله في الروض:
أسفر عن بهجته الدهر الأغر ... وابتسم الروض لنا عن الزهر
أبدى لنا فصل الربيع منظراً ... بمثله تفتن ألباب البشر
وشياً ولكن حاكه صانعه ... لا لابتذال اللبس لكن للنظر
عاينه طرف السماء فانثنى ... عشقاً له يبكي بأجفان المطر
فالأرض في زي عروس فوقها ... من أدمع القطر نثار من درر
وشي طواه في الثرى صوانه ... حتى إذا مل من الطي نشر
أما ترى الورد كخدي كاعب ... روادها فامتنعت منه ذكر
كأنما الخمر عليه نفضت ... صباغها أو هي منه تعتصر
أخجله النرجس إذ جاد له ... فاحمر من فرط حياء وخفر
قال له العين وما الخد لها ... موازناً في عظم قدر وخطر
ماذا الذي يرجى لخد بهج ... مستحسن صاحبه أعمى البصر
فاحمر من حجته إذ ظهرت ... والحق لا يدفع يوماً إن ظهر
وانظر إلى النارنج في بهجته ... يلوح في أفنان هاتيك الشجر
مثل دنانير نضار أحمر ... أو كعقيق خرطت منه أكر
وانظر إلى المنثور في ميدانه ... يرنو إلى الناظر من حيث نظر
كجوهر مختلف ألوانه ... أسلمه سلك نظام فانتثر
كأن نور الباقلا إذا بدا ... روعها من قانص فرط الحذر
كأنه مداهن من فضة ... أوساطها بها من المسك أثر
كأنها سوالف من خرد ... قد زينت بياضها سود الطرر
وانظر إلى الأطيار في أرجائه ... إذا دعا الثاكل منها وصفر
كأنها تصفر في رياضها ... سرب قيان فوق بسط من حبر
فانهض إلى اللهو ولذات الصبا ... لامك من يعذل فيها أو عذر
فقلما يغنيك من يعذل في ... ما تشتهي حتى تواريك الحفر
فكيف هجران اللذاذات ولم ... يبد نهار الشيب في ليل الشعر
والنسك في عصر الصبا كأنه ... من قبحه خلع عذار في الكبر
يا لائماً يعذلني في طربي ... حسبك قد أكثرت من هذا الهذر
أعلاف فضل العقل إلا أنه ... لعيش من آثره عين الكدر
الجهل ينبوع مسرات الفتى ... والعقل ينبوع الهموم والفكر
فاجسر على ما تشتهي جهالة ... ما فاز بالذات إلا من جسر
واشرب عقاراً لو أصابت حجراً ... لطار من خفته ذاك الحجر
عدوة الحزن الذي ما ظفرت ... قط به إلا أساءت في الظفر
لو رام أن يجيره من كيدها ... صرف الزمان الحتم يوماً ما قدر
أرقها الدهر إلى أن شاكلت ... من رقة شعر جميل وعمر
خفية الحيلة في جسم الفتى ... تحدث في الجسم دبيباُ وخدر
كأنما الأوطار فيها جمعت ... فليس في العيش لجافيها وطر
لا سيما من كف ظبي لم يشن ... بفرط طول لا ولا فرط قصر
له سهام من لحاظ صيب ... كأنما يرمين عن قوس القدر
مزنر شككني في دينه ... حتى أحلت الكفر فيمن قد كفر (1/128)
لأنه كالحور في تصويره ... والحور لا يسكنها الله سقر
لو لم يكن زناره في وسطه ... يمسك ضعف الخصر منه لانبتر
وبان منه نصفه عن نصفه ... لكنه جاء له على قدر
إن قلت يحكي قمراً عنفني ... عقل له أعدمه عند القمر
أنى يوازيه وهذا ناطق ... وذاك إن خوطب لم ينطق حصر
يا لك منه منظراً أشهى إلى ... قلبي من جنة عدن أو أسر
يا طيب ذي الدنيا لنا منزلة ... لو لم نكن نزعج منها بسفر
وقال أيضاً:
علل فؤادك والدنيا أعاليل ... لا يشغلنك عن اللهو الأباطيل
ولا يصدنك عن أمر هممت به ... من العواذل لا قال ولا قيل
فخير يوميك يوم أنت فيه إذا ... ميزت في الناس محمود ومعذول
وإن أتوك فقالوا كن خليفتنا ... فقل لهم إنني عن ذاك مشغول
فإن ذلك أمر مع نفاسته ... ونبله بفناء العمر موصول
وارض الخمول فلا يحظى بلذته ... إلا امرؤ خامل في الناس مجهول
ولا تبع عاجل الدنيا بآجل ما ... ترجو فذلك أمر شأنه الطول
واسفك دم القهوة الصهباء تحي به ... روحي فإن دم الصهباء مطلول
يا خائف الإثم فيها حين تشربها ... لا تقنطن فعفو الله مأمول
قم فاسقني النض مما حرموه، ولا ... تعرض لما كثرت فيه الأقاويل
من قهوة عتقت في دنها حقباً ... كأنها في سواد الليل قنديل
عروس كرم أتت تختال في حلل ... صفر على رأسها للمزج إكليل
كأنها بأكف القوم إذ جليت ... ذوب من الذهب الإبريز محلول
في فتية جعلوا للهو طاعتهم ... فما لهم عن طريق اللهو معدول
جليسهم ليس يروى من حديثهم ... يوماً وبعض حديث القوم مملول
لا كالذين إذا ما كنت حاضرهم ... ففي سكوتهم المأمول والسول
ترى مجالسهم مملوءة لجباً ... وكل ذاك فضول عنك معزول
وقال أيضاً:
اشرب فقد طابت العقار ... وابتسم الورد والبهار
من قهوة ما انبرت لهم ... إلا وولى له انشمار
لها جيوش من الملاهي ... للهم قدامها الفرار
لألاؤها في الدجى نهار ... يظلم من نوره النهار
إذا استقرت حشا لبيب ... رأيته ما له قرار
لم يرها ناظر حديد ... إلا ثنى لحظه انكسار
خيالها جسمه لجين ... وجسمها شخصه نضار
كأنها تحته كميت ... عليه من فضة عذار
لها لدى حزن شاربيها ... ثأر وعند الحلوم ثار
فالحزن عن أهلها مطار ... والحلم في إثره مطار
فلا انتصار لذا عليها ... ولا عليها لذا انتصار
يسعى بها جؤذر غرير ... في لحظ أجفانه احورار
يحسن مني الوقار إلا ... فيه فما يحسن الوقار
أغار مني عليه حتى ... عليه من نفسه أغار
كل جمال ترى فمنه ... إذا تأملت مستعار
كأن صدغاً له تراه ... وهو على خده مدار
ميدان آس بدا جنياً ... أهلب في جانبيه نار
بيت من الحسن لي إليه ... حج مدى الدهر واعتمار
زيارة البيت كل عام ... ودهر ذا كله يزار
قلت له إذ بدا وقلبي ... من لاعج الشوق مستطار
يا جامع الحسن كل حسن ... للناس من شرطك اختصار
ما فضل الغانيات عندي ... عليك إلا امرؤ حمار
وقوله أيضاً:
اشرب فقد طابت المدام ... وافتر عن ثغره الغمام
من قهوة حرمت علينا ... والصبر عن مثلها حرام (1/129)
جلت عن الوصف فهي شيء ... يدق شأنها الكلام
إذا استذم الأسى إليها ... فما له عندها ذمام
طوقها الماء سمط در ... ليس لمنثوره نظام
كأنها تحته كميت ... عليه من فضة لجام
إذا بدت للهموم ظلت ... وهي لإعظامها قيام
تلوذ منها فلا لواذ ... ينفع منها ولا اعتصام
في فتية كلهم كريم ... وخير من يصحب الكرام
يكسد سوق الفتاة فيهم ... ظرفاً ولا يكسد الغلام
أئمة كلهم عليم ... بكل ما فعله أثام
لكنني فيهم على ما ... وصفت من فضلهم إمام
وعندنا شادن غرير ... في لحظ أجفانه سقام
للحسن قدامه جيوش ... للصبر قدامها انهزام
يخف في حبه التصابي ... كمثل ما يثقل الملام
ذا العيش فافطن له وبادر ... من قبل أن يفطن الحمام
وانعم فعام السرور عندي ... يوم، ويوم الهموم عام
وقال أيضاً:
جانبت بعدك عفتي ووقاري ... وخلعت في طرق المجون عذاري
ورأيت إيثار الصبابة في الذي ... تهوى النفوس ممحق الأعمار
لا تأمرني بالتستر في الهوى ... فالعيش أجمع في ركوب العار
إن التوقر للحياة مكدر ... والعيش فهو تهتك الأستار
من تابعت أمر المروءة نفسه ... فنيت من الحسرات والأفكار
لا تكثرن علي إن أخا الحجا ... برم بقرب الصاحب المهذار
خوفتي بالنار جهدك دائباً ... ولججت في الإرهاب والإنذار
خوفي كخوفك غير أني واثق ... بجميل عفو الواحد القهار
أقررت أني مذنب ومحرم ... تعذيب ذي جرم على الإقرار
انظر إلى زهر الربيع وما جلت ... فيه عليك طرائف الأنوار
أبدت لنا الأمطار فيه بدائعاً ... شهدت بحكمة منزل الأمطار
ما شئت للأزهار في صحرائه ... من درهم بهج ومن دينار
وجواهر لولا تغير حسنها ... جلت عن الأثمان والأخطار
من أبيض يقق وأصفر فاقع ... مثل الشموس قرن بالأقمار
ناحت لنا الأطيار فيه فأرهجت ... عرس السرور ومأتم الأطيار
دار له اتصل البقاء لأهلها ... لم يحلفوا بنعيم تلك الدار
فانهض بنا نحو السرور فإنه ... ما زال يسكن حانة الخمار
فاشرب معتقة كأن نسيمها ... مسك تضوعه يد العطار
أخفى دبيباً في مفاصل شربها ... وأدق ألطافاً من المقدار
أحكامها في العقل إن هي حكمت ... أحكام صرف الدهر في الأحرار
يرضى على الأقدار شاربها الذي ... ما زال ذا سخط على الأقدار
وكأنها والكأس ساطعة بها ... ذوب تحلل في عقيق جاري
لا سيما من أغيد شادن ... يسبي العقول بطرفه السحار
فضل الغصون لأنها من غرسنا ... عند التأمل وهو غرس الباري
قد غيب الزنار دقة خصره ... حتى ظنناه بلا زنار
متنصر قويت على إسلامنا ... بالحسن منه حجة الكفار
قالوا أيصنع مثل هذا ربكم ... ويرى فساد صنيعه بالنار؟
مع مسمع حلفت له اوتاره ... أن لا تنافر رنة المزمار
فطن يحرك كل عضو ساكن ... تحريكه لسواكن الأوتار
شدوا إذا الحلماء زار حلومهم ... باعوا بطيب السخف كل وقار
والشدو أحسنه الذي لم يستمع ... إلا أطار العقل كل مطار (1/130)
ذا العيش، لا نعت المهامه والفلا ... وسؤال رسم الدار والأحجار
لا فرج الرحمن كربة جاهل ... يبكي على الأطلال والآثار
وقال أيضاً:
قد رضينا من الغزال الكحيل ... بغرور العدات والتعليل
وهجرنا سواه وهو منيل ... وهويناه وهو غير منيل
فكثير البغيض غير كثير ... وقليل الحبيب غير قليل
يا عذولي زعمت صبري صواباً ... وطريق الصواب غير محيل
هلك العزم بين شوق صحيح ... أنا فيه، وبين صبر عليل
لا تعب من هويت بالبخل، إني ... لا أحب الحبيب غير بخيل
يجمل البخل بالملاح وإن كا ... ن بغير الملاح غير جميل
كل من سره حبيب جواد ... فلتطب نفسه بقرن طويل
وقال أيضاً:
ألست ترى وشي الربيع المنمنما ... وما رصع الربعي فيه ونظما
فقد حكت الأرض السماء بنورها ... فلم أدر في التشبيه أيهما السما
فخضرتها كالجو في حسن لونه ... وأنوارها تحكي لعينيك أنجما
فمن نرجس لما رأى حسن نفسه ... تداخله عجب بها فتبسما
وأبدى على الورد الجني تطاولاً ... فأظهر غيظ الوردفي خده دما
وزهر شقيق نازع الورد فضله ... فزاد عليه الورد فضلاً وقدما
وظل لفرط الحزن يلطم خده ... فأظهر فيه اللطم جمراً مضرما
ومن سوسن لما رأى الصبغ كله ... على كل أنوار الرياض تقسما
تجلب من زرق اليواقيت حلة ... فأغرب في الملبوس منه وأعلما
وألوان منثور تخالف شكلها ... فظل بها شكل الربيع متمما
جواهر لو قد طال فينا بقاؤها ... رأيت بها كل الملوك مختما
فقم فاسقني ما حرموه، فما أرى ... من العيش حلواً غير ما قيل حرما
وقال أيضاً:
قالوا عشقت كثير البخل ممتنعا ... فقلت هيهات عنكم غاب أطيبه
لو جاد هان وقيل الجود عادته ... وإنما عز لما عز مطلبه
وقال:
أرجي دنو الوصل من بعد بعده ... كما ترجى في الجدوب السحائب
وأكثر في الهجر العتاب كأنني ... لدهري من ظلم الكرام أعاتب
وأهوى مواعيد المنى عنك بالرضى ... وقد تمنع الآمال وهي كواذب
وقال:
حبذا زور أتاني ... طارقاً بعد اجتنابه
شق جنح الليل بدر ... لاح من ثني نقابه
طربت نفسي إليه ... وإلى طيب اقترابه
طرب الشيخ إذا ذك ... ر أيام شبابه
وقال:
خلعت في حبه عذاري ... وطاب لي العيش باشتهاري
وذقت طعم الجنون فيه ... فكان أحلى من العقار
إن أبد في حبه خضوعاً ... فليس ذل الهوى بعار
لو كان في الحب لي اختيار ... لكان تركي له اختياري
من روحه في يدي سواه ... فهو حقيق بأن يداري
لا تحمدوني على احتمالي ... هوانه واحمدوا اصطباري
وقال:
متى وعدتك في ترك الهوى عدة ... فاشهد على عدتي بالزور والكذب
أما ترى الليل قد ولت عساكره ... وأقبل الصبح في جيش له لجب
وجد في أثر الجوزاء يطلبها ... في الجو ركض هلال دائم الطلب
كصولجان لجين في يدي ملك ... أدناه من كرة صيغت من الذهب
قم بنا نصطبح صفراء صافية ... كالنار لكنها بلا لهب
عروس كرم أتت تختال في حلل ... صفر على رأسها تاج من الحبب
وقال:
قم فاسقني والخليج مضطرب ... والريح تثني ذوائب القضب
كأنها والرياح تعطفها ... صف ققنا سندسية العذب
والجو في حلة ممسكة ... قد طرزتها البروق بالذهب (1/131)
وقال:
وسحاب إذا همى الماء فيه ... ألقت الرعد في حشاه البروقا
مثل ماء العيون لم تجر إلا ... ظل يذكي على القلوب حريقا
وقال:
جوهري الأوصاف يقصر عنه ... كل وصف لكل ذهن دقيق
شارب من زبرجد وثنايا ... لؤلؤ فوقها فم من عقيق
وقال:
صورة خالقه جامعاً ... لكل شيء حسن بارع
وكل حسن من جميع الورى ... مختصر من ذلك الجامع
وقال:
عشقت من لا ألام فيه وما ... يخلو من اللوم كل من عشقا
رأي الورى في سواه مختلف ... وأنت تلقاه فيه متفقا
وكل قلب إليه منصرف ... كأنه من جميعها خلقا
ألم فيه بقول إسحاق بن إبراهيم الموصلي: " خلق من كل قلب، فهو يغني كلا ما يشتهيه " .
وقال:
زارني في دجا الظلام البهيم ... قمر بات مؤنسي ونديمي
بحديث كأنه عودة الصح ... ة بعد يأس السقيم
تتلقى القلوب منه قبولاً ... كتلقي المخمور برد النسيم
وقال:
ظفرت بقبلة منه اختلاساً ... وكنت من الرقيب على حذار
ألذ من الصبوح على غمام ... ومن برد النسيم على خمار
وقال:
لا تلفين مقارناً ... من لا يزين من الصحاب
فالثوب ينفذ صبغه ... فيما يليه من الثياب
وقال:
ريق إذا ما ازددت من شربه ... رياً ثناني الري ظمآنا
كالخمر أروى ما يكون الفتى ... من شربها أعطش ما كانا
وقال:
حملت كأسه إلى شفتيه ... كأنه والظلام مرخى الإزار
فالتقى لؤلؤا حباب وثغر ... وعقيقان من فم وعقار
وقال:
وصفراء من ماء الكروم كأنها ... فراق عدو أو لقاء صديق
كأن الحباب المستدير بطوقها ... كواكب در في سماء عقيق
صببت عليها الماء حتى تعوضت ... قميص بهار من قميص شقيق
وقال:
سلا عن حبك القلب المشوق ... فما يصبو إليك ولا يتوق
جفاؤك كان عنك لنا عزاء ... وقد يسلى عن الولد العقوق
وقال:
كأن أوراق زهر ... للباقلاء بهية
خواتم من لجين ... فصوصها حبشية
وقال:
أسنى الأماني كلها ... وأجلى منها ما ينال
كأس ومسمعة وإخ ... وان تحادثهم ومال
وقال:
أبصره عاذلي عليه ... ولم يكن قبل ذا رآه
فقال لي لو هويت هذا ... ما لامك الناس في هواه
قل لي إلى إلى من عدلت عنه ... فليس أهل الهوى سواه
فظل من حيث ليس يدري ... يأمر بالحب من نهاه
وقال في ثقيل:
ما السقم في سفر والدين مع عدم ... يوماً بأثقل منه حين يلقاني
مالي عليه معين حين أبصره ... غير الصدود وتغميضي لأجفاني
وقال:
إن كان بعد اللقاء فودنا ... دان ونحن على النوى أحباب
كم قاطع للوصل يؤمن وده ... ومواصل بوداده يرتاب
وقال:
لا ووعد الوصل باللحظ على رغم الرقيب
واختلاس القبلة الحل ... وة من خد الحبيب
وسماع مستطاب ... جاء في لفظ مصيب
ما سوى الراح لداء ال ... هم عندي من طبيب
وقال:
يا من إذا لاحت محاسن وجهه ... غفرت بدائعها جميع ذنوبه
النجم يعلم أن عيني في الدجا ... معقودة بطلوعه وغروبه
إن كان تعذيب قلبي راحة ... لك فاجتهد بالله في تعذيبه
لو كان سفك دمي إليك محبباً ... لرأيتني متضرجاً بصبيبه
وقال:
ازهد إذا الدنيا أنالتك المنى ... فهناك زهدك من شروط الدين
فالزهد في الدنيا إذا ما رمتها ... فأبت عليك كعفة العنين
وقال:
لا تحسدن صديقاً ... على تزايد نعمه (1/132)
فإن ذلك عندي ... سقوط نفس وهمه
وقال:
وجلنار بهي ... ضرامه يتوقد
بدا لنا في غصون ... خضر من الرى ميد
يحكى فصوص عقيق ... في قبة من زبرجد
وقال:
أقبل والعذل يلحونني ... فكلهم قال: من البدر؟
فقلت: ذا من طال في حبه ... منكم لي التعنيف والزجر
قالوا: جهلنا فاغتفر جهلنا ... فليس عن ذا لامرئ صبر
عذرك في الحب له واضح ... وما لنا في لومنا عذر
وقال:
بما يعنيك من فتون ... ومن فتور بها وسحر
وبالعذار الذي تولى ... خلع عذاري وبسط عذري
ومضحك منك لؤلؤي ... ممتزج مسكه بخمر
جد بالصفح عن ذنوبي ... أولا فعاقب بغير هجر
وقال:
عدت إلى الغي بعد نسكي ... ولذ لي فيك طعم محكي
أضحك للكاشحين جهراً ... ولي ضمير عليك يبكي
تمنعني أن أبوح نفس ... تأنف من ذلة التشكي
عيني التي أوقعت فؤادي ... يا عين ماذا لقيت منك
وقال:
واحربي من جفون ظبي ... أقام عذري به عذاره
أسقم جسمي بسقم طرف ... حيرني في الهوى احوراره
عجبت من جمر وجنتيه ... يحرقني دونه استعاره
هذا اختياري فأبصروه ... شاهد عقل الفتى اختياره
وقال:
لا تقبلن من الرشيد كلامه ... وإذا دعاك أخو الغواية فاقبل
ودع التزمت والتجمل للورى ... فالعيش ليس يطيب بالمتجمل
واشرب مزعفرة القميص سلافة ... من صبغة البردان أو قطربل
كأس إذا رمت الهموم بسهمها ... لم يخط نافذه سواء المقتل
تحلو وتعذب في النفوس كأنها ... كبت العدو ورغم أنف العذل
حمراء يرحب كل صدر ضيق ... معها ويفتح كل باب مقفل
تحكي ضرام النار إلا أنها ... نار لعمرك ليس تؤذي المصطلي
لا سيما من كف طاوية الحشا ... ترنو بناظرتي خذول مطفل
وقال:
كتبت وفرط شوقي قد عناني ... وقد بعد اللقاء على التداني
وما في البيت لي ثان فكن لي ... جعلت فداك يا مولاي ثاني
فعندي ما يجاوز كل وصف ... وما يرضى الخليل إذا أتاني
خروف أظهر الشواء فيه ... تأنقه فليس له مداني
غلالة باطن منه لجين ... وظاهره غلالة زعفران
وكأس مثل عين الديك صرف ... لها حبب كمنظوم الجمان
لها في كف شاربها شعاع ... تطرف منه مبيض البنان
يطوف بشمسها قمر منير ... تمكن طالعاً في غصن بان
وإن أحببت مسمعة أتتنا ... محذقة بأصناف الأغاني
تطلق هم سامعها ثلاثاً ... بتحريك المثالث والمثاني
فهذا عندنا، ولدون هذا ... لعمرك ما كفاك وما كفاني
فزرنا لا عدمتك من صديق ... تتم لنا بزورته الأماني
وقال:
فحم شبه الغلام وأدلى ... في كوانينه حياة النفوس
كان كالآبنوس غير محلى ... فغدا وهو مذهب الآبنوس
لقي النار في ثياب حداد ... فكسته مصبغات عروس
وقال:
بت ضفاً لسيد يمني ... فقراني والجود قدماً يماني
وأتت عرسه تغازل إيري ... قلت لا تفعلي فلست بزاني
ولو أني فعلت ما كنت ممن ... يتصصدى لنسوة الإخوان
فأتاني وقال نكها بعيشي ... فهي موقوفة على الضيفان
قلت قد زدت في الضيافة معنىً ... ما عرفناه في قديم الزمان
قال من أجل ذاك طار لي اسم ... وألح الضيوف في غشياني
فمتى يدعى مع اسمي ضيوف ... قيل مرعى وليس كالسعدان (1/133)
القاضي أبو الحسن علي بن النعمان
أنشدني له ابن وهب:
ولي صديق ما مسني عدم ... مذ وقعت عينه على عدمي
أغنى وأقنى فما يكلفني ... تقبيل كف له ولا قدم
قام بأمري وأقنى فما يكلفني ... تقبيل كف له ولا قدم
قام بأمري لما قعدت به ... ونمت عن حاجتي ولم ينم
وأنشدني له أيضاً:
صديق لي له أدب ... صداقة مثله نسب
رعى لي فوق ما يرعى ... وأوجب فوق ما يجب
فلو نقدت خلائقه ... لبهرج عندها الذهب
إسحاق بن أحمد المارديني
أنشدني له ابن وهب يصف الثريا:
أرقني الشوق فلم أكتحل ... بلذة الغمض إلى الفجر
تسري همومي فأراعي بها ... كواكباً دائبة تسري
حتى كأن البدر إذ أشرقت ... على الثريا غرة البدر
صفحة مرآة وقد أذهبت ... بمقبض رصع بالدر
وله في الليل والنجوم:
كم مجهل بسواد الليل ملتبس ... باتت تقمه العيس المراسيل
ليل قد اختلفت أشكال أنجمه ... كأنهن عيون للدجى حول
تبدو الثريا ككف للدعاء بها ... قد مدها الصبح والجوزاء إكليل
تلوي رقاب المطايا من تطاوله ... وينهض الفجر فيه وهو مشكول
القاضي أبو عبد الله محمد بن النعمان
أنشدني له عبد الصمد بن وهب هذه الأبيات وهي مما يتغنى بها:
رب ليل لم أذق فيه الكرى ... حظ عيني فيه دمع وسهر
طال حتى خلته لا ينقضي ... ونأى الصبح فما منه أثر
غاب عني قمر أحببته ... فتعللت بأنوار القمر
كلما هيج شوقي حزني ... صحت يا ليلي أما فيك سحر
وقال:
رب خود عرفت في عرفات ... سلبتني في حسنها حسناتي
حرمت يوم أحرمت نوم عيني ... واستباحت حماي باللحظات
وأفاضت مع الحجيج ففاضت ... من جنوني سواكب العبرات
ولقد أضرمت بقلبي جمراً ... حين راحت للرمي بالجمرات
لم أنل من منى النفس حتى ... خفت بالخيف أن تكون وفاتي
وقال يصف الهلال:
انظر إلى حسن ذا الهلال وقد ... بدا لست مضين من عمره
وقد أطافت به كواكبه ... حسناً فبينته لمعتبره
مثل زناد قد صيغ من ذهب ... يقدح ناراً وهن من شرره
ثم تولى يريد مغربه ... في شفق الشمس وهي في أثره
فخلته غائصاً ببحر دم ... يقذف بالرائعات من درره
فلم أزل ليلتي أراجعه ... لحظي وأبكي للوقت من قصره
حتى تبدى الصباح منتبهاً ... قبل انتباه المخمور من سكره
وقوله في مليح بعمامة حرير حمراء:
يا من يمر ولا تم ... ر به القلوب من الحرق
بعمامة من خده ... أو خده منها سرق
فكأنها وكأنه ... قمر أحاط به شفق
فإذا مشى وإذا انثنى ... وإذا رنا وإذا نطق
شغل الجوارح والخوا ... طر والمسامع والحدق
صالح بن مؤنس
أنشدني له ابن وهب في ابن رشدين صالح:
يفديك بالمهجة يا صالح ... من كل ما يكرهه صالح
فأنت غصن صيغ من درة ... على ذراه قمر لائح
وله فيه بديها:
شربنا مثل ماء الور ... د في الطيب على الورد
ونادمت ابن رشدين ... فما حدت عن الرشد
فتى كالبدر في الرفع ... ة والإشراق والسعد
كأني منه في الجن ... ة لو أظفر بالخلد
وله فيه:
بك يا صالح أرضى ... عن زماني حين أسخط
فأدم لي الوصل إني ... بك في العالم أغبط
أنت والرحمن مذ كن ... ت على قلبي مسلط
ومصيب أنا في ال ... حب ومن بعدي يغلط (1/134)
يا جواداً في لهاه ... بنداه أتبسط
أسقط الحشمة في العش ... رة فالحشمة تسقط
وله جارية اسمها خمرة وأضمره:
ما اسم إذا صحفته وعكسته ... ونقصت حرفاً منه كان سلاحا
وإذا قام ولم يحل عن حاله ... عادى العقول وصالح الأرواحا
وله في بعض آل الفرات:
قد مر عيد وعيد ... ما اخضر لي فيه عود
وكيف يخضر عودي ... والماء منه بعيد
يا من له عدد المج ... د كلها والعديد
آل الفرات نداهم ... على الفرات يزيد
وأنت فضلك فيهم ... عليك منه شهود
وكل يوم لغيري ... من راحتيك مدود
هل لي إلى الرزق ذنب ... إن كان منه صدود؟
ما الناس إلا شقي ... في دهرنا وسعيد
وقال في صفة جدي:
جد لي بجدي نعته من اسمه ... لم يلج التنور مثل جسمه
كأن بين جلده ولحمه ... لفات قطن بسطت من شحمه
يؤكل من نعمته بعظمه
وله يصف رءوسا:
قد غدونا على رءوس سمان ... ناعمات من أرؤس الخرفان
وارمات الخدود من غير سوء ... شحمات العيون والآذان
تتداعى بالوهم من قبل أن تل ... مسها كف آكل ببنان
ولأصل اللسان طيب ينسي ... ك من الطي مص طرف اللسان
ورقاق ذي نعمة وبيا ... ض وتنسيك خضرة البستان
وأتت راحنا التي هي في الأر ... واح مثل الأرواح في الأبدان
ثم وافى بنفسج في حداد ... فرأينا السرور في الأحزان
عند حر يستنفد الوصف مدحاً ... وهو عبد لسائر الإخوان
أحكمتك الأيام يا ابن حكيم ... فأريت الزمان حكم الزمان
وقال أيضاً:
سأدمن شرب الراح ما دمت باقياً ... وأمد من شرابها كل مدمن
فما تكمل الأوقات إلا بقهوة ... ولا تحسن الأيام إلا لمحسن
وقال:
إذغ هجا الشاعر في خفية ... وخفض الصوت عن الرفع
ولاذ بالجحد لما قاله ... فإنما خاف من الصفع
وقال في يوم شديد البرد:
هذا لعمرك يوم يستطير له ... من قره شعر الهامات بالرعد
لو شئت لا خائفاً لذعاً ولا ألماً ... قبضت فيه على جمر الغضا بيدي
وله في غلام صوفي:
عشقت صوفياً له شاهد ... يقيم عذري عند عذالي
قد قصد الله بأحواله ... فليته يقصد في حالي
وقال يهجو عبيد الله بن أبي الجوع من قصيدة أولها:
هاجيك فيما قاله مادح ... فأنت في صفتك الرابح
وما يقوت الفيل من بقة ... أمثالها في فمه طائح
ورب من ترفعه خزية ... ميسمها في وجهه لائح
ففخر عبد الله في الناس أن ... يقول ناقضني صالح
يا ابن أبي الجوع قدحت امرءاً ... من فكره يحترق القادح
لقد تعرضت على غرة ... قريحة صاحبها قارح
فاركب ذلول الأمر أو صعبه ... في فقد جد بك المازح
وعق من أهلك من شئته ... فإنما أنت له فاضح
واغد بما تهوى وروح إنني ... غاد بما تكرهه رائح
يا أيها الصعو الذي لم يزل ... يرقص حتى دقه الجارح
ومنها:
إن زأر الليث على ما أرى ... وهاج يوماً ضرط النابح
وود أن يفلت من بعدما ... أنحى على أوداجه الذابح
إن الذي تطمع في قربه ... نجم لمن يرمقه لائح
يا شارباً في يده حتفه ... لم تدر ما خاض لك الجارح
أراك قد لججت في غمرة ... يغرق في تيارها السابح
فقد تمرست بمن شعره ... كالبحر لا ينزفه الماتح (1/135)
كم جامح قبلك ألجمته ... بالذل حتى سكن الجامح
وقوله:
يا ذا الذي عن رشده قد عمي ... لو كنت جلداً حدت عن أسهمي
لو كنت شهماً حازماً ضابطاً ... لما تقلبت على الشيهم
ما أنت في فعلك إلا كمن ... تطعم الريق من الأرقم
كيف يخوض البحر من مثله ... يغرق في دائرة الدرهم
فاثبت أو أجزع كل ذا واحد ... لا عاصم اليوم لمستعصم
استقدر الله على كا ما ... ألصق منك الأنف بالمرغم
تجاسر الجوع على صالح ... تجاسر الكلب على الضيغم
وفاه باسمي مفصحاً بعدما ... تركته أسكت من أبكم
وقال قوم قد غدا شاعراً ... والشعر لا يعرف للمفحم
فقلت لا لوم على مثله ... من أخذ الصفع قفاه حمي
أنا الذي ألبسته حسرة ... بما جرى من ذكره في فمي
والله لا يجهل من بعدها ... وفي قفاه للردى ميسمي
أبين به من ميسم واضح ... يضيء كالغرة في الأدهم
فليت شعري كيف رام العلا ... وهم أن يرقى بلا سلم؟!
ومنها:
ثم أتت بالصعو مستبشراً ... يروم أن يلحق بالقشعم
في الثمر المر دليل على ... رداءة الأصل لمستطعم
وله فيه:
لا تعجبي لسكوتي بعد أشجاني ... فالعذر عن كل ما أهواه أسلاني
قد أرقأ الله دمعي بعد جريته ... وأنفذ القلب من هم وأحزان
فما أرى أحداً يصفي الهوى أحداً ... وجود هذا رعاك الله أعياني
لم يبق بين الورى إلا مكاشرة ... تبدو لنا عن صدور ذات أضغان
أقول لابن أبي الجوع المنافق إذ ... لم ينهه الحلم عني وهو ينهاني
أراك تقرعني سراً وتعجمني ... فهل وجدت صفاتي غير صوان
ترد في جبهة النقار معوله ... إذا تضعضع عنها كل كدان
العز داري وظهر العزم راحلتي ... والوحش أنسي وجن الأرض إخواني
وله في العناق، وأحسن ما شاء:
لي سيد ما مثله سيد ... تصدت الحمى له فاشتكى
عانقته عند موافاتها ... والأفق بالليل قد احلولكا
فجاءت الحمى كعاداتها ... فلم تجد ما بيننا مسلكا
وقوله يصف برادة على حامل نحاس:
أم الحياة على سرير نحاس ... عريانة أبداً بغير لباس
هي في الموات لدى الورى معدودة ... لكنها ضمنت حياة الناس
وقوله:
بعين الله أنت فإن عيني ... إذا ما غبت دامية الجفون
كأنك مهجتي فإذا تدانى ... فراقك حم لي ريب المنون
وقال يصف البنفسج والورد:
بنفسج جاء في حداد ... ووردنا في معصفرات
فاشرب على مأتم وعرس ... جلا جميعاً عن الصفات
وسأله ابن رشدين المسير معه إلى القاش فقال مرتجلاً:
يا آمري بالمسير في لجج ال ... نيل كأن سخرت لي الريح
ما جمد الماء لي فأركبه ... كلاً، ولا صامت التماسيح
محمد بن الحسن اليمني
أنشدت له في صالح:
يا قاطعي بعد وصل ... تسوم ما لا أسومك
يا ليت أني يوماً ... من الزمان نديمك
فالشوق عندي غريم ... كما السلو غريمك
وقوله:
فاضح الغن النضير ... كاسف البدر المنير
أنت عذري في حياتي ... ومماتي ونشوري
ما سرور غاب عنه ... صالح لي بسرور
محمد بن هرون بن الأكتمي
أنشدت له في بعض الوزراء يهجوه:
يا وزيراً إلى المكا ... ييل والبيع ينسب
من يرم حبك يتعب ... وأمانيه تكذب
وإذا ما رجوته ... قلت ما مات أشعب
يا وضيعاً ترجل ال ... مجد مذ صار يركب
وله يهجو ابني كشاجم أبا النصر وأبا الفرج: (1/136)
يا ابني كشاجم أنتما ... مستعملان مجربان
مات المشوم أبوكما ... فخلفتماه على المكان
وقرنتما في عصرنا ... ففعلتما فعل القران
لغلاء أسعار الطعا ... م وميتة الملك الهجان
وقوله في عزاء:
بقاؤكما يعيد الميت حياً ... وإن غطاه دونكما التراب
فلا تستشعرا حزناً عليه ... فيذهب لا عدمتكما الثواب
وله في غلامه راشد:
يا قمر الليل كن شهيدي ... فأنت من أعدل الشهود
هل نمت أو ذقت طعم غمض ... مذ هجعت أعين الرقود
وكيف يلتذ باغتماض ... من لج مولاه في الصدود
فكن شفيعي إلى حبيب ... قد زاد في كثرة الجحود
وقال رحمه الله:
كأن الأباريق مملوءة ... ظباء وقوف على ساحل
رماها بأسهمه قانص ... فخضبها بالدم السائل
وقوله في شمعة:
باكية ضاحكة ... خدامها جلاسها
مظهرة أنوارها ... إن جز منها راسها
كأنها عاشقة ... تذيبها أنفاسها
وقال:
لو أنصفت عطفت أو رقت ... ما أضنت الجسم ولا سلت
أفدي التي إن أقبلت أقبلت ... دنياي أو غنت لنا أغنت
وقال:
يا أيها ذا استمع مقالي ... فليس في قصتي ضلال
ثلاثة مالها مثال ... السجن والجوع والعيال
إن دام هذا علي منهم ... صححت ما شنعوا وقالوا
أليس إن مت مات شعري ... أفنى وما قلته يقال
وقوله:
أكثر العذال لومي ... يا ابن رشدين وزادوا
وبقلبي منك وجد ... ماله الدهر نفاد
قد تجافى عن جفوني ... مذ تجافيت الرقاد
فيك يا صالح للقل ... ب صلاح وفساد
أنا من حبك مولا ... ي عليل لا أعاد
وقوله:
دافعت أيامي بأيامي ... حتى مضى أكثر أعوامي
وإنما عمر الفتى كله ... كأنه طارق أحلام
يا ويح من أمسى على غرة ... وأنفه من حتفه دامي
يرمي بسهم للردى صائب ... من حيث لا يشعر بالرامي
عبيد الله بن محمد بن أبي الجوع
أحد رواة المتنبي الأدباء، وأصحابه العلماء، وممن تمهر في لغات العرب وأجاد أنواع الأدب، فمن شعره قوله رحمه الله تعالى:
أظنك يا سيدي إذ جفوت ... توهمت بي نبوة الغادر
وخلت بأني ملالاً سلوت ... ولست بسال ولا صابر
وقد علم الله أني علي ... ك أشفق مني على ناظري
وقال:
صالح يا مشبه بدر الدجى ... بالحسن والإشراق والرفعة
وجهك في الليل كشمس الضحى ... نوراً فما تصنع بالشمعة
وقال:
يا أطيب الناس ريحاً ... وأطيب الناس راحا
وما به أتصدى ال ... أطراب والأفراحا
هات اسقني أو تراني ... لا أعرف الأقداحا
واحفظ علي فؤادي ... من أن يطير ارتياحا
لو كنت كاسمك يا صا ... لح اعتمدت الصلاحا
لكن أبى الله إلا ... أن تفسد الأرواحا
قال: وكتب إلى بعض إخوانه يستدعيه بهذه الأبيات:
شعبان قد صار نضواً ... ولم نفد فيه لهوا؟!
وليس ذلك منا ... جهلاً ولا كان سهوا
فبالمودة إلا ... بكرت للقصف عدوا
حتى نقوم فنرفوا ... ما خرق الدهر رفوا
من بعد تقديم جدي ... مسمن ظل يشوى
له ثلاثون يوماً ... يحبو إلى الضرع حبوا
وأوفر الزور في الخ ... ل قد تبوأ مثوى
لما انتزعت حشاه ... عوضته البقل حشوا
وقد عنيت بجام ... ملأته لك حلوى
وقهوة بنت كرم ... صفت من الذم صفوا
ما شعشعت قط إلا ... سطت على الهم سطوا (1/137)
جنبتها كل وغد ... يمحو المحاسن محوا
إلا إذا ما اقتنصنا ... عذب الخلائق حلوا
وشادن ذي دلال ... يشدو فيلهيك شدوا
إما غناءً وإما ... عجائباً عنه تروى
حتى تظل بما في ... ه من وقارك خلوا
وعندنا لك ورد ... يحدو المسرة حدوا
ريحانه لا يوازي ... لوناً وعطراً وسروا
فما اعتذارك في أن ... تفني زمانك صحوا
وأنت بعد قليل ... بالصوم والله تطوى
أبا علي ألا اسمع ... نصيحة ليس تزوى
فإنما نحن سفر ... على محجة بلوى
ولا تعرج ذميماً ... على معاهد حزوى
وله في أبخر:
لا تنفس في مجلس أنا فيه ... وتنفس سراً وراء الباب
ثم لا تعترض لسر صديق ... إن ذاك السراء سوط عذاب
إنما فوك فقحة كل وقت ... تتصدى الأنوف كالنشاب
تصرع الطائر المحلق في الج ... و ولو غاب في سواء السحاب
وقوله:
أرى اللذات تعبر بي يميناً ... على رغمي وتعبر بي شمالاً
فأجرع دونها غصصاً لأني ... أشاهدها وما أعطيت مالاً
وقوله:
وعذار مجعد ... فوق خد مورد
كلما رمت فرصة ... لسعت عقرب يدي
الحسن بن محمد الشهواجي
كتب إلى صالح بن رشدين يستهديه مشورباً في يوم نيروز:
اليوم يا صالح ما تبصر ... وصحو من مطله يكرر مستنكر
وقد مضى الوعد وحصلته ... وصفوة مثلي فيه مستنكر
فهات ما يحضر إني امرؤ ... يقنعه منك الذي يحضر
وله:
قولي ماض على العباد فما ... يرد في جده ولا لعبه
ولي لسان كأنه ظبة ال ... سيف طويل أكاد أعثر به
وقوله:
وقهوة كشعاع الشمس صافية ... شربتها مع شرب سادة كرما
إذا ثنوا أرؤس الفرسان في رهج ... حازوا الفخار وأجروا بالسيوف دما
إذا رأيتهم أيقنت أنهم ... نجوم كل فخار لا نجوم سما
وقوله:
تضيق بي الدنيا إذا كنت غائباً ... وأسرح في أقطارها حين تقرب
وأنت جناحي كلما طرت للعلا ... وسيفي الذي أسطو به حين أضرب
وقوله:
وقهوة في كأسها ... ترمي الندامى بالشرر
قد جمعت نشر الربا ... وبرد أنفاس السحر
أطيب ما شربتها ... على غناء ووتر
طوبى لمن حج إلى ... كعبتها ثم اعتمر
وقوله:
وعلو قدرك وهو أبعد غاية ... في كل حال من علو الكوكب
لأسيرن مديحك الحسن الذي ... ألبسته ثوب الثناء الطيب
حتى يحدث من بأرض المشرق ال ... أقصى حديثك من بأرض المغرب
وقوله:
ومهفهف ساق أغن سقيته ... قبل الصبوح سلافة عذراء
ما صاح ديك الصبح إلا صيحة ... حتى توسد كفه اغفاء
جعلته قبل رقاده كاسلته ... لما استقل لسانه فأفاء
أبو علي صالح بن رشدين الكاتب
أحد أئمة الكتاب، المهرة في سائر الآداب، صحب المتنبي وروى شعره، وكان جيد المعاني، أنشدني له محمد بن عمر الزاهر:
قل لمولاي منعماً ... لم صرمت المتيما
أنت أعطشتني إلي ... ك وأبكيتني دما
فإذا شئت أن ترى ... عاشقاً ميتاً ظما
فأدر في ناظري ... ك تجدني توهما
وقوله:
أجنة نحن فيها ... أم نحن في المرزجوش
ما بين آس وماء ... ينساب بين العروش
وقهوة ذات حسن ... وطاجن ذي نشيش
وسيد رشت منه ... لما تطاير ريشي
وزاره ابن أبي الزلازل في منزله، فلم يره، فطرح له رقعة من طاق في المنزل، وكتب اسمه على الباب. فلما أتى صالح ورأى اسمه على الباب ووجد الرقعة فقرأها فوجده يعتبه فيها على انقطاعه عنه، فذهب صالح في الوقت إلى منزل ابن أبي الزلازل فلم يجده. فكتب اسمه على بابه وترك رقعة فيها: (1/138)
قد، ومن خصني بودك، أذكى ... طول شوقي إليك في قلبي نارا
سرت فيه تلقاء داري قصداً ... فإذا النور قد تغشى الديارا
فتعجبت أن أرى الأفق ليلاً ... مدلهماً وجوف داري نهارا
وإذا خطك البديع على البا ... ب يبت الضياء والأنوارا
فتمنيت أن خدي نعلا ... أخمصيك اللذين نحوي سارا
غير مستنكر لمثلك أن يس ... بق فضلاً وأن يفوت فخارا
ثم أصبحت أشتكي عثر السك ... ر وعزمي زيارتيك ابتكارا
فإذا رقعة تمر بها الري ... ح يميناً طوراً وطوراً يسارا
فتأملتها وكانت من اللا ... ئي تروق القلوب والأبصارا
ما توهمت أنني قبلها أق ... رأ خطاً يزيل عني الخمارا
قابلتني منها سهام عتاب ... جعلت درعي الحصين اعتذارا
وأحاشيك أن تكون خليلاً ... مذق الود للصديق معارا
فلما رأى ابن أبي الزلازل الرقعة كتب إليه بهذه الأبيات:
بأبي أنت سابق لا يجارى ... قاده نحوي اشتياق فزارا
عاقني الحظ أن أراه وأن نق ... ضي عند اجتماعنا الأوطارا
يا ابن رشدين قد أفدت بك الرش ... د وبدلت بعد عسر يسارا
كنت بالأمس عند إخوان صدق ... أدباء ندير كأساً عقارا
قد جعلنا محمود ذكرك نقلاً ... وشربنا من قبله تذكارا
ثم إني انصرفت سكران أعت ... س طريقي تمايلاً وعثارا
والدجى كالهموم في قلب من فا ... رق عشقاً وغربة وادكارا
أخبط الليل مفرداً إذ تراءى ... لي نور أضاء ثم استطارا
فهنيئاً إني أودك وداً ... ترتضيه مغيباً وجهارا
ثم أخبرتني بشكواك فيها ... فوقاني الإله فيك الحذارا
لم أزل دائباً أكرر قولي ... كان لي فيك حافظ الجار جارا
أحمد بن محمد العوفي
أنشدني له محمد بن عمر الزاهر قوله:
يا حسرة في نفوس ... ويا شجى في حلوق
يا فضة بين ثنيي ... غلالة من عقيق
علي لا زلت همي ... في صبحتي وعببوقي
ودون سلوة وجدي ... وجدان بيض الأنوق
وأنشدني أيضاً:
يا موقظاً طرف همي ... من بعد ما كان أغفى
تظن ما بت أخفي ... ه من جوى بك يخفى
ولي لسان دموع ... ما يكتم الناس حرفا
إذا تظلم طرفي ... وقعت بالطرف تكفى
وأنشدني له:
قد عابني برقادي ... خياله حين زارا
ولا وحبيه ما إن ... فعلت ذاك اختيارا
طعمت في أن أراه ... طوعاً فنمت اضطرارا
فتلك علة نومي ... يا ملزمي فيه عارا
القائد أبو تميم سلطان بن جعفر
كتب إلى صالح بن رشدين رسالة يستدعيه فيها إلى الشراب، فامتنع عليه وكتب له هذه الأبيات:
يا أيها القائد الجليل ومن ... أصبح بالمكرمات يفتخر
آليت لا أشرب المداد، وإن ... كانت ذنوب المداد تغتفر
يكفي أخا العقل أن سورتها ... تجني على عله ويعتذر
فكتب إليه القائد أبو تميم:
أبا علي حاشاك يا أملي ... من أن أراك الغداة تعتذر
قلبي إذا غبت ساعة قلق ... يكاد شوقاً إليك يستعر
فسر إلينا فوقتنا حسن ... ساعد فيه السحاب والمطر
قال ابن رشدين: حضرت عند القائد أبي تميم في ضيعة له، فلما عمل فينا الشراب نظرت إلى جارية له تسمى عبدة ذاهبة وجائية، فحملني النبيذ أن أخذت رقعة وكتبت فيها إليه: (1/139)
صالح لا يزال يطلب عبده ... من كريم يصفي الأخلاء وده
قد بثثت الغداة وجدي وحبي ... من ولي يولي لمولاه مجده
فإذا شئت أن أرى لك عبداً ... فتفضل أبا تميم بعبده
فقرأها وأمسك، فارتعت وخفته، وتماديت في الشرب معه، ثم نهضت إلى منزل أنزلني فيه بقربه، فلما استقر بي انفذ لي الجارية ومعها درج فيه طيب كثير، وعليها ثياب رفيعة حسنة، ورقعة فيها شعر:
قد بعثنا أبا علي بعبده ... وقضينا بذاك حق المودة
وحمدناك إذ خطبت إلينا ... أسأل الله أن يهنيك حمده
فخذنها فأنت أكرم كفء ... وهي ما عشت كاسمها لك عبده
وقال الخادم الذي جاء بها: يقول لك مولاي: لا تخرج غداً من منزلك أو يأتيك رسولي. فلما أصبحت جاءني القائد أبو تميم بجواريه المغنيات وطباخه، معه طعام كثير قد أعده وشراب، فما زلنا نأكل ونشرب إلى الليل وانصرف فرحاً مسروراً.
أبو هريرة أحمد بن عبد الله
بن أبي العصام
أنشدني له ابن وهب:
لئن ذهبت أيام لذتنا الأولى ... بذي الأسل ما وجدي عليها بذاهب
ألا ليت أياماً مضت لم تكن مضت ... ففقدي لها يا صاح إحدى المصائب
رعى الله أيام السرور فإنها ... تمر سريعات كمر السحاب
وقوله في رثاء صالح:
قد أفسد الموت على صالح ... كل الذي أصلحه صالح
وانصرف البواب عن بابه ... وصاح في مجلسه الصائح
خلوه في دار البلى مفرداً ... وناح في أوطانه النائح
يا ليت شعري ما الذي قاله ... إذ راح في حفرته الرائح
يا أيها الناس ألا فاسمعوا ... قولي فإني مشفق ناصح
لا تؤثروا الدنيا على غيرها ... ففرق ما بينهما واضح
فالحمد لله وشكر له ... كل امرئ عن أهله نازح
وقوله:
من رسولي إليك أو من شفيعي ... يا شبيه الهلال عند الطلوع؟
أنت في القلب شاهد ليس يخلو ... من ضميري وأنت بين ضلوعي
وقوله:
أما ترى الغيم كالباكي بأربعة ... والأرض تضحك كالجذلان من فرح
فقم فديتك نشكو ما نكابده ... من الزمان وما نلقى إلى القدح
وقوله:
كم لي بدير القصير من قصف ... مع كل ذي نشوة وذي ظرف
لهوت فيه بشادن غنج ... تقصر عنه بدائع الوصف
وقوله:
أذكرتني يا دير من قد مضى ... من أهل ودي ومصافاتي
كم كان لي فيك وفيهم معاً ... من طيب أيام وليلات
أشكو إلى الله مصاباتهم ... وفقدنا أهل المروءات
وقوله:
كتمت حبك في قلبي فما وسعه ... هذا وليس له شغل سواه معه
يا من إذا ما بدت للناس صورته ... رأيت فيها فنون الحسن مجتمعه
والله ما حلت عما قد عهدت ولا ... أصغيت أذناً إلى العذال مستمعه
رفقاً بمن لو تسلى عنك يا أملي ... بكل شيء على الدنيا لما نفعه
أبو القاسم بن علي بن بشر الكاتب
أنشدني له محمد بن عمر الزاهر يصف العذار:
من عذيري إلى العذار الجديد؟ ... من رسولي إلى القريب البعيد؟
دب في خده العذار فحاكى ... ظلمة النحس في بياض السعود
وقوله:
أما ترى ناظراً شاهداً ... بالحب والأعين رسل القلوب
ودون إلحاح جفوني به ... تخبر عما في فؤادي الكئيب
وأنت لا شك به عالم ... لأن عند المرد علم الغيوب
وقوله:
ضممته ضم مفرط الضم ... لا كأب مشفق ولا أم
ولم نزل والظلام حارسنا ... جسمين مستودعين في جسم
ألثمه في الدجا وبرق ثنا ... ياه يريني مواقع اللثم
ثم افترقنا عند الصباح وقد ... أثرت فيه كهيئة الختم (1/140)
وقوله:
إذا ذكرت أياديك التي سلفت ... مع قبح فعلي وزلاتي ومجترمي
أكاد أقتل نفسي ثم يدركني ... علم بأنك مجبول على الكرم
وقوله:
أنت مني بحيث مأوى الغرام ... وبحيث افتقاد طيب المنام
في فؤادي وناظري وهما من ... ك قرينا صبابة وانسجام
وقوله:
لحى الله امرءاً يوعيك سراً ... لتكتمه وفض الله فاه
فإنك بالذي استودعت منه ... أنم من الزجاج بما حواه
وقوله:
بيضاء جنح جبينها ... في ليل طرتها البهيم
ضدان ما اجتمعا لغي ... ر تشتت الصبر المقيم
ولذكرها أندى على ال ... أكباد من برد النسيم
ووصفت نعمة حسنها ... فنعمت في صفة النعيم
وقوله:
ديون المكارم لا تقتضى ... كما تقتضى واجبات الديون
ولكنها في قلوب الكرام ... تجول مجال القذى في العيون
وقوله:
طرفي على ما عهدت في أرقه ... فيك وقلبي يزداد من حرقه
ولي حبيب أقام معتنقي ... كما أقام الشهاب في غسقه
وجملة الأمر أنني رجل ... قدمت قبل الفراق من فرقه
هذا حديثي والشمل مجتمع ... فما حديثي في عقب مفترقه؟!
قال لي الزاهر: أخبرني ابن بشر أنه كان له جد لأم يعرف بكولان، وكان هو من أهل الأدب والكتابة، وحسن الشعر والخطابة قال لي حججت سنة من السنين، وجاورت بمكة حرسها الله، فاعتللت علة تطاولت بي، وضاق معها خلقي، ثم صلحت منها بعض الصلاح، ففكرت في أنني عملت في أهل البيت تسعاً وأربعين قصيدة مدحاً، فقلت: أكملها خمسين. ثم ابتدأت فقلت:
بني أحمد يا بني أحمد
ثن ارتج علي فلم أقدر على زيادة معظم ذلك علي واجتهدت في أن أكحل البيت فلم أقدر، فحدث لي من الغم بهذه الحالة ما زاد على غمي بإضافتي وعلتي، فنمت اهتماماً بالحال، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فجئت إليه فشكوت إليه ما أنا فيه من الإضافة وما أجده من العلة وأخرى من القلة، فقال لي: تصدق يوسع عليك، وصم يصح جسمك، فقلت له: يا رسول الله، وأعظم مما شكوته إليك أنني رجل شاعر أتشيع، وأخص بالمحبة ولدك الحسين وتداخلني له رحمة لما جرى عليه من القتل، وكنت قد عملت في أهل بيتك تسعاً وأربعين قصيدة، فلما خلوت بنفسي في هذا الموضع حاولت أن أكملها خمسين، فبدأت قصيدة قلت فيها مصراعاً وأرتج علي إجازته، ونفر عني كل ما كنت أعرفه فما أقدر على قول حرف، قال: فقال لي قولاً نحا فيه إلى أنه ليس لي هذا إلي، لقول الله تعالى: " وما علمناه الشعر وما ينبغي له " ثم قال لي: اذهب إلى صاحبك، وأومأ بيده الشريفة إلى ناحية من نواحي المسجد، وأمر رسولاً أن يمضي بي إلي حيث أومأ، فمضى بي الرسول على ناس معهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال له الرسول: أخوك وجه إليك بهذا الرجل، فاسمع ما يقوله، قال: فسلمت عليه، وقصصت عليه قصتي كما قصصت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: فما المصراع؟ قلت:
بني أحمد يا بني أحمد
فقال للوقت قل:
بكت لكم عند المسجد
بيثرب، واهتز قبر النبي ... أبي القاسم السيد الأصيد
وأظلمت الأفق أفق البلاد ... وذر على الأرض كالإثمد
ومكة مادت ببطحائها ... لإعظام فعل بني الأعبد
ومال الحطيم بأركانه ... وما بالبنية من جلمد
وكان وليكم خاذلاً ... ولو شاء كان طويل اليد
قال: ورددها علي ثلاث مرات، فانتبهت وقد حفظتها.
الحسن بن خلاد رحمه الله تعالى
أنشدني الزاهر له:
ومنهتك له نظر ... يصون مواقع النظر
هلال لو بدا للسف ... ر ألهاهم عن السفر
فوا ويلاه من قمر ... يريك مساوي القمر
لقد أصبحت من كلفي ... بغرته على غرر
وقوله:
يا مريداً مني الوص ... ل ووصلي في يديه
أنا لا أعرف من لا ... يعرف الحق عليه
وقوله من أبيات:
نختال في حلل الصبا ... كالبدر في حلل الغيوم (1/141)
وإذا تثنت جال في ... أعطافها ماء النعيم
ينسيك طيب نسميها ... بعد الكرى برد النسيم
وله أول قصيدة:
هو السيف لا يكسوك ما لم يجرد ... فجرده واسترفد بغربيه ترفد
أبو الحسن اللطيم
أنشدني ابن وهب قوله:
لا تنكري سرعة اختلاسي ... لذات أيامي القصار
فإن علمي بغدر دهري ... صيرني خالع العذار
وقوله:
أهديت لي تذكرةً خاتماً ... اسمك منقوش على فصه
فما اعترتني زفرات الهوى ... إلا تروحت إلى مصه
سليمان بن حسان النصبي
رحمه الله
أنشدني ابن وهب له:
وهتوف ورقاء أرقت العي ... ن، وزادت خبل الفؤاد خبالا
ذات طوق من الزبرجد يحكي ... صفو عيش عني تولى وزالا
أيقظتني والصبح قد خالط اللي ... ل كما خالط الصدود الوصالا
وتراها كأنما بدموعي ... خضبوها أو خاضت الجريالا
وقوله يصف الراي المقلي وهو ضرب من السمك:
ما رأينا مثل هذا ال ... راي حسناً، ما رأينا
صار تبراً بعد أن كا ... ن عقيقاً ولجينا
وقوله في شمعة:
ومجدولة مثل صدر القناة ... تعرت وباطنها مكتسي
لها مقلة هي روح لها ... وتاج على الرأس كالبرنس
إذا رنقت لنعاس عرا ... وقطت من الرأس لم تنعس
وإن غازلتها الصبا حركت ... لساناً من الذهب الأملس
وتنتج في وقت تلقيحها ... ضياء يجلي دجا الجندس
فنحن من النور في أسعد ... وتلك من النار في أنحس
وقد ناب وجهك عن ضوئها ... وعن ذا البنفسج والنرجس
ولكنها آلة للندام ... ونجم تألق في المجلس
توقدها نزهة للعيون ... ورؤيتها منية الأنفس
تكيد الظلام كما كادها ... فتفنى وتفنيه في مجلس
فيا ربة العود حثي الغناء ... ويا حامل الكأس لا تحبس
ويا صالح انعم وعش سالماً ... على الدهر في عزك الأقعس
وله يصف روضة:
وروضة ذات غدير مستئق ... وزهر مثل عشور المهرق
ونرجس مثل العيون الرمق ... أجفانها من لؤلؤ مفلق
باهتة قد فتحت لم تطبق ... وسوسن غض النبات مونق
يشف فيه كالزجاج الأزرق ... وقد حكاه في ضياء الرونق
بنفسج مثل اللجين المحرق ... يا حسنها من روضة لم تطرق
كأنها سافرة عن خلقي ... أو حسن ما ألفته عن منطقي
باكرتها مثل انفلاق الفلق ... وشهبة حائرة في الأفق
في عصبة غر كرام سبق ... يخطرن فيها بقسي البندق
كل فتى في قصده موفق ... كأنه من نفسه في فيلق
مقرطس في رميه مؤنق ... وهو يراعيها بطرف شيق
خوفاً عليها وهو عين المحنق ... فصاد ما شاء بلا تعوق
وراح من نجيعه في يلمق
وقوله في الحمام:
أنت في الحمام موقو ... ف على قلبي وسمعي
فتأملها تجدها ... كونت من بعض طبعي
جرها من حر أنفا ... سي وفيض الماء دمعي
وله يصف ناعورة:
كم نعرت بالحي ناعورة ... حنينها كالبر بط الناعر
فتارة تحسبها قينة ... تردد الزمر على الزامر
وتارة ثكلى جرى دمعها ... في مستهل واكف ماطر
كأنما كيزانها أنجم ... دائرة في فلك دائر
الحسن بن علي الأسدي كاتب السر
كتب إليه أحمد بن محمد بن إسماعيل الرسي يطلب منه الكتاب الذي عمله المعروف بالأنيس، فأنفذ إليه الجزء الأول منه وكتب إليه:
قد بعثنا بمؤنس لك في الوح ... شة خل يدعى كتاب الأنيس
فيه ما يشتهي الأديب من العل ... م، وفيه جلاء هم النفوس (1/142)
فيه ما شئت من بدور معان ... ضاحكات إلى وجوه شموس
والنفيس البهي ما زال يهدى ... كل حين إلى البهي النفيس
فلما قرأ رقعته كتب على ظهرها ارتجالاً:
قد قرأت الكتاب يا خل نفسي ... فهو لي مؤنس وأنت الأنيس
فهو تأليف ذى ذكاء وفهم ... وهو وقف على العلوم حبيس
وحكى عنه أنه قال: قد كان أبو الحسين جنبك الأخشيدي من كرماء الناس، وكانت بيني وبينه مودة، فكنت أغشاه كثيراً للحوائج التي تعرض إليه، فاستخدم بوابا، فحجبني غير مرة، فكتبت إليه:
يا علم المكرمات والسؤدد ... إليك أشكو بوابك الأسود
يبعدني كلما دنوت، وما ... حق الكريم الوداد أن يبعد
في كل يوم ألقى بطلعته ... طالع نحس يسوءني أنكد
وجه شتيم بكل فاحشة ... عليه من كل مشهد يشهد
كلب يهر الضيوف إن طرقوا ... فناءك الرحب كالح اعقد
أبعده وانف الخبيت عنك كما ... ينفي القذى عنه خالص العسجد
أولا، فلن تستطيع تنظم ما ... عنك من المكرمات قد بدد
وما انتفاع الورى ببحر ندى ... تذاد عنه العطاش لا تورد
فما شعرت حتى جاءني خادم له يقال له بشرى، وكان يحبه، والبواب الأسود معه، وقال لي: إن مولاي يقرأ عليك السلام، ويقول لك: قد غمني ما جرى من البواب،وقد قرئ علي الشعر. ولو كنت أحسن قوله لأجبتك، ولكني قد أنفذته إليك، وأمرت بشرى أن يضربه بين يديك ثلاثين مقرعة، ونحبسه، فشكرت له، وقلت لبشرى: قل له يا سيدي ما أحب أن تبلغ به إلى هذا كله، وسألت بشرى أن لا يضربه، فقال: والله ما لي إلى تركه من سبيل، وقد قال لي: سيقول لك لا تضربه وعلي لئن رددته إلي بلا ضرب لأضربنه بين يدي مائة مقرعة، قلت: فإذا كان كذلك فاضربه ضرباً خفيفاً. ولا تحثنه، فضربه بحضرتي ضرباً خفيفاً، وانصرف به، ولا والله ما رأيته في داره بعدها.
أبو القاسم أحمد بن محمد
بن إسماعيل ابن طباطبا الحسني الرسي
أنشدني له ابن وهب قوله:
يا بدر بادر إلي بالكاس ... فرب خير أتى على ياس
ولا تقبل يدي فإن فمي ... أولى بها من يدي ومن رأسي
لا عاش في الناس من يلوم على ... حبي وعشقي لأحسن الناس
وقوله:
قل للذي حسنت منه خلائقه ... باكر صبوحك واسبق من تسابقه
أما ترى الغيم مجموعاً ومفترقاً ... يسير هذا إلى هذا يعانقه
كعاشق زار معشوقاً يودعه ... قبل الفراق فآلى لا يفارقه
وقوله:
قالت: أراك خضبت الشيب قلت لها: ... سترته عنك يا سمعي ويا بصري
فايتضحكت ثم قالت من تعجبها: ... تكاثر الغش حتى صار في الشعر
وقوله:
عيرتني بالنوم جوراً وظلماً ... قلت: زدت الفؤاد هما وغما
اسمعي حجتي وإن كنت أدري ... أن عذري يكون عندك جرما
لم أنم لذة ولا نمت إلا ... طمعاً في خيالك أن يلما
وقوله:
خليلي، إني للثريا لحاسد ... وإني على صرف الزمان لواجدا
أيبقى جميعاً شملها وهي سبعة ... وأفقد من أحببته وهو واحد؟
كذلك من لم تخترمه منية ... يرى عجباً فيما يرى ويشاهد
وقوله: وقوله، وهو مما يتغنى به:
قالت لطيف خيال زارني ومضى: ... صف لي هواه ولا تنقص ولا تزد
فقال: أبصرته مو مات من ظمأ ... وقلت قف عن ورود الماء لم يرد
قالت: صدقت الوفا في الحب عادته ... يا برد ذاك الذي قالت على كبدي
وقوله:
سأعتبها حق ما استعبت ... وإن لم تكن أبداً معتبه
وسوف أجربها بالصدود ... ومن يشرب السم للتجربه؟!
ولده
أبو محمد القاسم بن أحمد الرسي
أنشدني له ابن وهب:
إذا الكروان صاح على الرمال ... وحل البدر في برج الكمال (1/143)
وجعد وجه بركتنا هبوب ... تمر به الجنوب مع الشمال
وحركت الغصون فشابهتها ... قدود سقاتنا في كل حال
فهات الكأس مترعة ودعني ... أبادر لذتي قبل ارتحالي
فكل جماعة لا شك يوماً ... يفرق بينهم صرف الليالي
وقوله:
إذا التحف الجو بالأدكن ... وغنى الحمائم بالأعن
وهب نسيم الصبا سحرة ... بريح البنفسج والسوسن
وحن إلى القصف ألافه ... فبادر إلى شبخك المنحني
فنفس من الحنق أوداجه ... وسق الندامى ولا تنسني
وقوله يهجو ابن كلس المتطبب:
توق معز الدين شؤم ابن كلس ... ولا تقبلن منه مقال مدلس
فإنا أردناه لكافور شربة ... فزاد على تقديرنا ألف مجلس
أخوه
أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد الرسي
أنشدت له:
عرفت الديار على ما بها ... وأوقفت ركبي على بابها
وناديت فيها بأعلى النداء ... مراراً بأسماء أربابها
فلم أر فيها سوى بومها ... تصيح جهاراً بأترابها
فأعلمني ذاك أن الزما ... ن أخنى عليها وأودى بها
ولده
أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم
ابن أحمد رحمهما الله تعالى!
أنشدني له الزاهر:
شم النسيم لذيذاً ... من قبل أن لا تشمه
واصرف عن القلب ما اسط ... عت بالمسرة همه
وغالط الدهر إن كن ... ت لست تملك حكمه
وقد نصحتك جهدي ... فلا تصم وتكمه
وقوله:
صدفت عنا نوار ... ولقد كانت تزور
ثم قالت: كيف أودى ... ذلك الغضن النضير؟
وشباب يتلالا ... فيه للناظر نور
قلت: إن أنصفت هذا ... لابن خمسين كثير
أبو الحسن العقيلي
رحمه الله
أنشدني الزاهر قوله:
لنا أخ يحسن أن يحسنا ... جناه للجانين عذب الجنى
قد عرفت روضة معروفه ... بأنها تنبت زهر الغنى
إذا تبدى وجه إحسانه ... تنزهت فيه عيون المنى
وقوله:
الصبح ينشر فوق مس ... ك الليل كافور الضياء
والبرق يذهب ما تفض ... ضه الغيوم من السماء
فاشرب على ديباج نب ... ت قد أحاط بشرب ماء
فالعيش في زمن الربي ... ع رقيق حاشية الرداء
وقوله:
وراح تتيه بأنفاسها ... على ما يفوح من العنبر
كأن زجاجاتها درة ... تشف عن الذهب الأحمر
وقوله:
تاه الربيع بآذريونه وزها ... لما بدا منه نشر في الربا أرج
كأن أغصانه فيروزج بهج ... من فوق ذهب في وسطه سبج
وقوله:
اشرب على زهر البنفسج قهوة ... تنفي الأسى عن كل صب مكمد
فكأنه قرص بخد غريرة ... أو عين زرق كحلن بأثمد
وقوله:
ونارنجة بين الرياض نظرتها ... على غصن رطب كقامة أغيد
إذا ميلتها الريح مالت كأكرة ... بدت ذهباً في صولجان زمرد
وقوله:
ومدامة يبدو إليك جنينها ... وعليه تاج لم يصغه صائغ
تخفى لفرط صفائها فكأنما ... إبريقنا الملآن منها فارغ
وقوله:
إن كنت تعلم أن لي ... علماً بأسرار السرور
فاعمل بحسب وصيتي ... لك في ملازمة البكور
ودع الصغير مكانه ... واعدل إلى جهة الكبير
ما بين ورد كالخدو ... د وأقحوان كالثغور
وعليك بالذهب الذي أجراه روباس العصير
ما زال يسبك بالذي ... قد شب من نار الهجير
حتى صفا فكأنه ... دمع الطليق على الأسير
وقوله:
نحن أناس نوالنا خضل ... يرتع فينا الرجاء والأمل