صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)
الكتاب : يتيمة الدهر |
أبوالفضل يوسف بن محمد بن أحمد الجلودي الرازي: بحر العلم وروضة الأدب ولطيمة الشعر وظرف الظرف، وقد حدثني أبوالحسن عبد الرحمن بن أبي عبيد الشيرازي ايده الله تعالى بفضله وبراعته وأمامته إذا اقتبس في اليسير من مدة إقامته عليه بالري كثيراً من نور فوائده وأنشدني غرراً ودرراً نظمها من عقود قلائده كعادته في اقتناء جواهر المحاسن واصطياد شوارد اللطائف على حداثة سنه وغضاضة عوده وللدهر مواعيد فيه ستنجزها مساعيه، فمما أنشدني لهذا الشيخ أبي الفضل أيده الله قوله في سقوط السن عند الشيخوخة: (2/174)
ثناياي أخنى عليه الزما ... ن والدهر مازال مذ كان يخنى
وينقص سناً وسناً يزي ... د والدهر يغرب في كل فن
اراني الزمان نقيضين لى ... زيادة سنٍ ونقصان سن
وقوله من قصيدة صاحبية:
رياض كان الصاحب القرم جادها ... بأنوائه أو صاغها من طباعه
يجلي غيابات الخطوب برأيه ... كما صدع الصبح الدجى بشعاعه
ومنها:
سحاب كيمناه وليل كباسه ... وبرق كماضيه وخرق كباعه
وقوله في معارضة قول الشاعر:
لكل شيءٍ عدمته خلف ... وما لفقد الحبيب من خلف
منعم معجبٍ بليت به ... صب بتعذيب مهجتي كلف
لا يرعوي عن صدوده صلفاً ... فديته من مدلل صلف
إذا أردت السلو منصرفاً ... فأن ألحاظه تقول قف
لا تعجبوا من تذللي ابداً فذلتي من هواه من شرفي
وقوله في نقل مثل بالفارسية إلى العربية:
ياعجباً من جدي الهابط ... وما مضى في زمنٍ فارط
ظننت أني راكب مرةً ... عيراً فأصبحت على حائط
ومما أنشدني غيره قوله من قصيدة إلى الأستاذ أبي العلاء بن حسول ايده الله تعالى:
ما ماء مزنكم الغمام مجلجل ... تزجيه أنفاس الرياح لبسطه
اشفى لحامي غلةٍ من رقعةٍ ... من عند سيدنا تكون بخطه
وقوله من اخرى قيه وقد كان لزم منزله لحالٍ أوجبت ذلك
صفي الحضرتين أبا العلاء ... يدال المرء في ضمن البلاء
وليث الغاب يلبد لامتياحٍ ... وغرب السيف يغمد لانتضاء
لساموك الخفاء وكيف تخفى ... وأنت الشمس في رأد الضحاء
أبي الإصباح أن يخفى سناه ... ضباب أو يغشى في غطاء
ومن يثني الجدالة عن ركونٍ ... ويختزل الغزالة عن ضياء
وحد الزاعبية عن نفاذٍ ... وغرب المشرفية عن مضاء
ومن سلب السماك علو سمكٍ ... ومن حجر الذكاء على ذكاء
وإن السيل مستن طريقاً ... إذا امتلأت به شعب الإضاء
وكيف تسوم دنياك استواءً ... وهذا الدهر اعصل ذو التواء
فلا ترع العذول السمع واعتض ... ثناء المعتفين عن الشراء
وعش ما مال بالورقاء غصنٌ ... وما كر الصباح على المساء
وقوله في فتى حلق صدغه:
ابا نعيم ايا فرد الجمال ومن ... له في الحسن معناه وجملته
لاتجزعن لصدغٍ قد فجعت به ... فإن عارضك الأحوى خليفته
إن كان صدغك معزولاً فلا أسف ... هذا عذارك قد جاءت ولايته
وقوله في أبي الفتح الضراب لما أستوزر:
أيا للناس من رجلٍ سمينٍ ... نسيناه فثار من الكمين
تلقب بالأمين بلا احتشامٍ ... ولم نسمع بخوانٍ أمين
وقوله زعم:
ما أن نظرت إلى محاسن وجهه ... وفتور مقلته وحسن قوامه
إلا وددت بأن تقد نواظري ... بيد الهوى شسعاً لنعل غلامه
وقوله وأنا اشك فيه:
لا يصحبن ملوكنا إلا امرؤ ... لص مغن مفلس قواد
فله لديهم زلفة ومنالة ... ولمن تحرج واستعف كساد
ما ذلك إلا أنهم أشكالهم ... والقرد يعرف قدره القراد
وله من قصيدة:
جمعت نفاذاً في العلوم وفي الوغى ... ومثلك في الهيجاء والعلم فارس
أبوعلى محمد بن حمد بن فورجة البدوجردي: لم اسمع ذكره وشعره إلا من الفقيه أبي الحسن بن أبي عبيد أيضاً إذ ذكر أنه من أهل إصبهان المقيمين بالري المتقدمين بالفضل المبرزين في النظم والنثر وعرض علي جزءاً بخطه من شعره كالروض الممطور والوشي المنشور، وانشدني. قال أنشدني: (2/175)
ألم تطرب لهذا اليوم صاح ... إلى نغمٍ وأوتارٍ فصاح
كأن اليك يوسعنا نثاراً ... من الورق المكسر والصحاح
تميد كأنها علت براحٍ ... ومت شربت سوى الماء القراح
كأن غصونها شربٌ نشاوي ... يصفق كلها راحاً براح
وأنشدني له في فستق مملح:
فلو ترى نفلي وما أبدعت ... فيه بماء الملح كف الصنع
قلت حمامات على منهلٍ ... شحت مناقير تسيغ الجرع
وله فيه مملح:
أعجب إلي بفستق أعددته ... عوناً على العادية الخرطوم
مثل الزبرجد في حريرٍ أخضر ... في حق عاج في غشاء أديم
وله في الغزل:
أيها القاتلي بعينيه رفقاً ... إنما يستحق ذا من قلاكا
أكثر اللائمون فيك عتابي ... أنا واللائمون فيك فداكا
إن بي غيرةً عليك من اسمي ... أنه دائباً يقبل فاكا
وله:
أكرم اسيرك أن يكون مبادا ... وهب الفتى عبداً لديك مفادا
وأخبر مودته بقلبك أنه ... حجر الصيارف شدة وسوادا
وله في ترجمة بيت بالفارسية للمعروفي:
يظنون ما تذري جفوني أدمعاً ... بل الدم منها يستحيل فيقطر
تعيد بياضاً حمرة الدم لوعتي ... كما ابيض ماء الورد والورد أحمر
وله:
أما ترون إلى الأصداغ كيف جرى ... لها نسيم فواقت خده قدرا
كأنما مد زنجي أنامله ... يريد قبضاً على جمرٍ فما قدرا
وله:
نومي وعيشي والقرار وصحتي ... مما فقدت فليت شعري ما الردا
بالله ربك هل سمعت بشادنٍ ... ضحى بأنفس عاشقيه معيدا
وله من نتفة:
ماذا عليك غزال آل العارض ... من أن أكون فداء ذاك العارض
أبوالحسن محمد بن أحمد بن رامين: حدثني أبوالفتح الدباوندي أيده الله تعالى قال جمعني واياه بعض مجالس الأنس وفيه نفر من الفضلاء فسألوه أن يجيز قول مجنون بني عامر:
اقول لظبي مر بي وهو راتع ... أأنت أخو ليلى فقال يقال
فارتجل على النفس:
فقلت يقال المستقيل من الهوى ... إذا مسه ضر فقال يقال
فتعجب القوم من حدة ذهنه وإسراعه في تجنيس القافية. وله أرجوزة أجاب بها أبا سعد الآبي من أرجوزته الصادرة إليه من ويمة:
وافتني القصيدة الكريمه ... من كل ما يشينها سليمه
وهي لعمري درة يتيمه ... قد اسفرت عنها ظلال ويمه
وله:
سرت فؤاداً ولقرت عينا ... وفجرت من السرور عينا
وأصبحت للأخوات عينا ... حتى لقد خفنا عليها عينا
أبو محمد النظام الخزرجي: حدثني أبوالفتح الدباوندي قال أمر له الأستاذ أبوالعلاء بجايزة فاطلق نصفها فكتب إليه:
سألتك أيها الإستاذ حاجه ... ولا شططاٍ طلبت ولا لجاجه
فقمت ببعضها وتركت بعضاً ... ومن حق المقصر أن يواجه
جزاك الله عني نصف خيرٍ ... فإنك قد نهضت بنصف حاجه
أبوسعد علي بن محمد بن خلف الهمذاني: قد تقدم ذكره في اليتيمة وتكرر في التتمة ملح وغرر من بدائعه وقعت إلى باخرةٍ وليس لها منزل فمنها ما أنشدني أبو اليقظان عمار بن الحسين ايده الله تعالى قال أنشدني أبو سعد لنفسه في غلام يشكتي ضرسه ولم اسمع في معناه أحسن وأبدع منه:
عجباً لضرسك كيف تشكو علةً ... وبجنبها من ريقك الترياق
هلا كمثل سقام ناظرك الذي ... عفاك وابتليت به العشاق
أو عقربي صدغيك إذا لدغا الورى ... وحماك من حميتهما الخلاق
ومنها قوله:
ولما شربناها ودب دبيبها ... إلى موضع السرار قلت لها قفي
مخافة أن تلقي عليك شعاعاً ... فينظر جلاسي إلى ودك الخفي (2/176)
وله من قصيدة في فخر الدولة يذكر فيها بدر بن حسنويه:
هو سيف دولتك الذي أغنيته ... بطويل باعك من وسيع خطاه
فغدا بطول يديك لو كلفته ... شق السحاب ببرقه لفراه
وإذا هتفت به لرأس متوجٍ ... بالروم من شابور خواست مراه
فالرخ بدر والعداة بيادق ... والأرض رقعتها وأنت الشاه
ومنها:
وتملكت رق السعود بروجه ... بسعود طالعه الذي جلاه
فالزهرة الزهراء بعض أمائه ... والمشتري مملوكه وشراه
سعدان ذاك لجده ولجده ... ابداً وتلك للهوه ولهاه
فإذا تجلى للعيون جلاله ... يوم السلام إنجاب حجب دجاه
وقفا بمنطقتي رضاه وقلدا ... كيوان والمريخ سيف سطاه
واستكتبا عنه عطارد كل ما ... ينهى ويأمر رأيه ونهاه
وله من قصيدة فريدة عجيبة في بهاء الدولة وذكر ما شجر بينه وبين الأخوة:
كتبت إلي من العراق كتابي ... عن صبوة وصبابة وتصابي
وسلامةٍ إلى من الشوق الذي ... منه تكون منية الأحباب
وخفوق قلبٍ ليس ينكر خيفةً ... أن يفطن العذال فيك لما بي
ودموع عين يرتعدن مخافةً ... أن يشعر الغيران بالتسكاب
هذا حديثي بالعراق وأنت بال ... أهواز معتكف على الأطراب
وعلى استماعات المغاني دائباً ... من عود عودة أو رباب رباب
والحمد لله الذي قسم الهوى ... قسمين بين عذوبة وعذاب
فأجبتها والدمع يمحو كل ما ... نشرته كفي من سطور كتابي
وصل الكتاب فما فضضت ختامه ... حتى شققت من السرور ثيابي
ثم اضطلعت على الكتاب فكدت من ... قلقٍ له أطفا ولا يدرى بي
وحلفت من ثمرات غصن قوامها ... بالورد والرمان والعناب
النابتات بخدها وبصدرها ... وبنانها لشفاه ذي الأوصاب
ما اعتضت منها خلةً نحلةً ابداً ولو ... خطبت إلي الشمس في الخطاب
الله في فانني ثقة الهوى ... لا تأثمي يا هذه في بابي
أأروم غيرك خلةً من بعد ما ... أفنيت فيك نضارتي وشبابي
كلا ولكني سلوت عن الهوى ... بالمجد وهو من الهوى أولى بي
فركبت هادية الدجى متلثماً ... بعزيم اروع للدجى ركاب
وجعلت ريحاني القتادة والصدى ... نغمي ورقراق السراب شرابي
حتى أنخت على السماك رواحلي ... وضربت فوق الفرقدين قبابي
في ظل مولانا بهاء الدولة ال ... ملك الأجل السيد الوهاب
ملك الملوك برغم كل منافسٍ ... أغراه فضل سنيه بالإعجاب
الفضل يكسبه الفتى بنفاسةٍ ... ونجابةٍ لا شيبةٍ ولا شباب
وكذا بنوا يعقوب يوسف خيرهم ... وأن استووا في ذروة الأنساب
وبغوا له كيداً فكان له إلى ... درك الذرى من أوكد الأسباب
وتشابه الأمرين يوذن ايها ال ... ملك الأجل بجدك الغلاب
وبأن قومك سوف يسجد كلهم ... لك سجدة الأتباع للأرباب
مستغفرين ذنوبهم بضراعةٍ ... ومعفرين وجوههم لتراب
وتقول لا تثريب عند سجودهم ... كرماً تمن به مكان عقاب
فاغفر لهم جهلاتهم وألن لهم ... كنف الرعاية منك والإيجاب
وابذل لهم كتب الأمان ليسرعوا ... متزاحمين على ورود الباب
فإن استمر على الضلال مريدهم ... لشقائه وسفاهة الألباب (2/177)
فأذن للسنة الظبى فيهم بأن ... يخطبن فوق منابر الأرقاب
إن السفيه إذا أبى إصلاحه ... بالحلم لم يكن الحسام بآبي
وادخل إلى شيراز ايمن مدخلٍ ... دخلت به أسد الثرى في الغاب
ثم ارم بي بعض البلاد وخلني ... انقض فوق عقابها كعقاب
واهز منبرها بدعوتك التي ... يصل الخطيب بها إلى المحراب
لي نجدة الفتاك في الهيجا وأن ... خالفتهم في نسبة الكتاب
ولو اختبرت مواقفي لوجدتني ... في الخدمتين معاً من الإنجاب
ووجدت في درعي وفي دراعتي ... أو في فتىً بكتيبةٍ وكتاب
لا ابن العميد ولا ابن عبادٍ ولا ... عبد الحميد يعد من إضرابي
أنا فوقهم بعلو جدك كلهم ... بشهادة الأدباء والآداب
وإذا كتبت كتاب فتحك فارساً ... ارضاك حسن بلاغتي وخطابي
وقد ابتدأت أعد آلات الوغى ... من مرهفات اسنة وحراب
وسوابقٍ من نسل عوج ضمرٍ ... صم الفصوص لواحق الأقراب
وأنشدني أبو جعفر محمد بن أبي علي الطبري قال أنشدني أبو فرج حمد بن أبي سعد بن خلف الهمذاني لنفسه:
لئن كنت في نظم القريض مبرزاً ... وليست جدودي يعرب وإياد
فقد تسجع الورقاء وهي حمامة ... وقد تنطق الأوتار وهي جماد
أبو غانم معروف بن محمد القصري: كان من رؤوس الرؤساء وكرام البلغاء والغالين في محبة الأدب واقتناء الكتب وجمعتني وإياه في اجتيازه بنيسابور صحبة يسيرة المدة كثيرة الفائدة وقد كان سمع بي ولم يرني فاستنسخ كتباً لي وأنشدني ابياتاً لنفسه علق بحفظي منها قوله:
إذا لبس التفاح خلعة طله ... وقابل فيها البدر أصبح محمراً
فما بال خدي في سقيط دموعه ... إذا هو لا قى وجهك البدر مصفراً
وقوله في الشيب:
إن للشيب حساماً ... حاسماً طيب الرقاد
سل في فودي ما اغ ... مد منه في فؤادي
وقوله في الفرس:
حكى فرسي الليل في لونه ... ولازمه البدر عند اضطرار
فكان له غرةً في التمام ... ونعلاً لحافره في السرار
وقوله في الهلال:
أقبل الليل والظلا ... م عن الأفق منجلي
فرأيت الهلال في ... ه كتعفيفٍ منجل
وقوله :
إذا ما تبنيت ضعف العدو ... فثاوره تجربه عند الثبات
وسالمه إن عصفت ريحه ... كما سالم الريح نجم النبات
وقوله في الغزل:
ارى شفتيك من مسكٍ وخمرٍ ... وطعمهما إذا ما ذيق مر
فإن يمرر كلامك ليس بدعاً ... فإن ممره مسك وخمر
وقوله في الأمير أبي أحمد محمد وبكائه على ابيه:
لا غرو أن تأسى على ملكٍ مضى ... اذرت مدامعها عليه عيون
ولئن بكيت وأنت طود للنهى ... فلقد تسيل من الجبال عيون
أبو القاسم إبراهيم بن عبد الله الكاتب الطائي:من أفراد الكتاب وفضلاء الزمان نقل من الري إلى الحضرة بغزنة حرسها الله تعالى واستخدم في ديوان الرسائل بها ثم ضم إلى الشيخ العميد أبي الطيب طاهر بن عبد الله ليكتب في ديوانه بالري فهو أعلم بشمس ارضه وهو القائل له بهراة من قصيدة:
البرد يا فرد العلى آت ... يجر ذيل الظالم العاتي
والعبد لم يأخذ له أهبةً ... يأخذها المشتو والشاتي
والحال قد رقعت فلا مرفق ... يجبرها أو راتب آتي
وأنت لي عون على كل ما ... تجمع في السرعة أشتاتي
وله من قصيدة:
واشرب معتقةً كأن وميضها ... نار على قلل الجبال تسعر
يسقيكها رشأ أغن جفونه ... قبل الكؤوس المسكر أنك تسكر
أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد الكاتب: يقول من قصيدة اولها:
صبا قلبي وحن إلى سعاد ... ودون لقائها خرط القتاد (2/178)
أمردود لنا ماضي زمانٍ ... ومن لي بالزمان المستعاد
ليالي رصعت تيجان عيشي ... بدر اللهو في سلك المراد
تهب صبا صباي علي رهواً ... وتلفح شرتي وجه الرشاد
ومنها:
سأمتلك المعالي بالعوالي ... وأشحذ غرب عزمي واجتهادي
فقد مل اعتزامي من مقامي ... وعاف جمامه الموذي جوادي
وكم من ليلةٍ طحياء عادت ... على السارين واضحة الهوادي
وهل خاب امرؤ أسرى ورجى ... أبا منصورٍ الواري الزناد
ثمال عشيرةٍ وغنى عفاةٍ ... وحامل مغرمٍ وهلال ناد
له شيم لو اكتست الليالي ... محاسنها لما دجت الدء آدي
أبو النجم مسافر بن محمد القزويني: يقول
لا يغرنكم علو لئيمٍ ... فعلو لا يستحق سفال
وارتفاع القرين فيه فضوح ... وعلة المصلوب فيه كمال
ويقول:
أيدك الله لا تهني ... حقق رجائي وحسن ظني
لو حجراً كنت أو حديداً ... اذابني الهجر والتجني
ويقول:
تصافحت الأكف وكان أشهى ... إلينا لو تصافحت الخدود
تسر إذا التقت كف وكف ... فكيف إذا التقى جيد وجيد
أبو الفتح محمد بن أحمد الدباوندي: ريحانة الرؤساء وشمامة الوزراء يستوطن الري ويرجع إلى فضل كثير وأدب غزير وحفظ عجيب وبلاغة بالغة ولسان كأنما أغناه إبراهيم بن سياه الصبهاني بقوله في أبي مسلم بن بحر:
لسان محمد أمضى غراراً ... وأذرب من شبا السيف الحسام
إذا ارتجل الخطاب بدا خليج ... بفيه يمده بحر الكلام
كلام بل مدام بل نظام ... من الياقوت بل قطر الغمام
وورد نيسابور في صحبة الراية العالية أدام الله علوها فنشربها طرز فضله وملاها من فوائده واعرب عن محاسنه ودرت عليه المشاهرة السلطانية والمبار السنية، ثم جذبه الشيخ العميد أبو الطيب طاهر بن عبد الله إلى الري ورده في صحبته إلى مستوطنه، فمما أنشدني لنفسه قوله في الغزل:
كلفت من أهوى تجشم قبلةٍ ... ظرفاً فأولى غاية الايجاب
ولثمت عارضه فكان كخلقه ... عطراً يذيع سرائر الأحباب
وله من رئيسٍ ممتحن:
بأي يد أصول على الليالي ... وقد خانت أناملها الذراع
بودي لو تبيت على جفوني ... ولكن عز ما لا يستطاع
وله في الاستزارة:
أيا ملك الدنيا كسوت عراصها ... مكارم في وجه الزمان تنقش
وظلت كأني في الأنام خطيطة ... سقت جاريتها ديمة وهي تعطش
وله في قوال يكنى أبا الخطاب يهجوه:
ابا الخطاب يا قمر الزمان ... به برص يشاهد بالعيان
وآباط يفوح لها صنان ... وايزار العمى شم الضنان
وداخل ثوبه جرب عتيق ... توارثه على قدم الزمان
فذا يعمي وذا يعدي فأنى ... تنادم من يكون بذا المكان
وفيه ابنة قدمت وشاعت ... مع الشوم المزنر في قران
وما درا ألم بها فأبقى ... سوء الطلال فيها والمغاني
فأشأم حين يضحى من قدارٍ ... وأطفل حين يمسي من بنان
واثقل من قضاء السوء وجهاً ... وأوسخ من قدور الباقلاني
وإن ابصرته يوماً يغني ... فإن الفقر في تلك الأغاني
وإن أخذ القضيب يروم صوتاً ... بكى منه قضيب الخيرزان
إذا غنى ووقع مستطيلاً ... علاه قبل اصوات الأغاني
دوار الرأس حشرجة التراقي ... سعال الحلق تفقيع البنان
فابعده فإنك سوف تلقى ... ندماً ليس فيه ذي المعاني
الإستاذ أبو الفرج علي بن الحسين بن هندو: هو من ضربه في الآداب والعلوم بالسهام الفائزة وملكه رق البراعة في البلاغة، فرد الدهر في الشعر وأوحد أهل الفضل في صيد المعاني الشوارد ونظم القلائد والفرائد مع تهذيب الألفاظ البليغة وتقريب الأغراض البعيدة وتذكير الذين يسمعون ويروون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون. وكنت ضمنت اليتيمة نبذاً يسيراً من شعره لم أظفر بغيره وهذا مكان ما وقع إلي بعد ذلك من وسائط عقوده وفوارد ابياته بل معجزاته فمنها قوله في الغزل وما يجري مجراه: (2/179)
تعانقنا لتوديعٍ عشاءً ... وقد شرقت بأدمعها الحداق
فما زال العناق يضيق حتى ... توهمنا عناق أم خناق
وقوله:
وحسبك ما أخرت كتبي عنكم ... لقالة واشٍ أم ملام محرش
ولكن دمعي أن كتبت مشوش ... كتابي وما نفع الكتاب المشوش
وقوله:
أصبح من ودي على حرف ... من لم أخنه قط من خرف
أسقمني طرفك من سقمه ... وصحتي من سقم الطرف
منك صلاحي وفسادي معاً ... والنفح مذكي النار والمطفي
صورت من لطف فلم أرى ... منك سوى الجفوة والقنف
وقوله:
عارض ورد الغصون وجنته ... فاتفقا في الجمال واختلفا
يزداد بالقطف ورد وجنته ... وينقص الورد كلما قطفا
وقوله:
ايا بدراً بلا كلفٍ ... به دون الورى كلفي
بما في الطرف من كحلٍ ... وما في الخصر من هيف
أبن لي در ثغرك ما ... بهاء الدر في الصدف
وقوله:
ألا ليت شعري اشكر بعض ما ... تطوقت من منّ الحمام المطوق
فدت مهجتي ايكاً عليه سقوطه ... وفرخاً بدا من بيضه المتفلق
لساعد نوحي نوحه حين ملني ... خليلي وخلى صحبتي كل مشفق
كلانا سواء في البكا غير أنني ... بكيت لأشواقي ولم يتشوق
وقوله:
ليت أن الليل دامت ظلمه ... فلقد جلت لدينا نعمه
مثلت صدغيك لي ظلمته ... وارت خديك عيني أنجمه
وقوله:
لم يستجيب لحياتي بعدكم فرح ... ولم يلق ببناني بعدكم قدح
شوقي إليكم أعاد الله عهدكم ... شوق له في ميادين الهوى مرح
يخفى مراراً ويبديه تلفته ... والنار تكمن حيناً ثم تنقدح
وقوله:
ظبي إذا قتل النفوس بصارمٍ ... من طرفه رضيت بقبلته ديه
وإذا دعوت عليه عند تعتبي ... فأشد ما أدعو به أن أفديه
وقوله:
ليس بي من اذى الفراق اكتياب ... قد كفتني عيني جميع اكتيابي
كلما شئت أسبلت دم قلبي ... فأرى فيه صورة الحباب
وقوله:
قالوا اشتغل عنهم يوماً بغيرهم ... وخادع النفس إن النفس تنخدع
قد صيغ قلبي عن مقدار حبهم ... فما لحبٍ سواهم فيه متسع
وقوله:
خلعت عذاري في شادنٍ ... عيون الأنام به تعقد
إذا وجهه كعبةً للجمال ... ولي قلبه الحجر السود
وقوله:
قولا لهذا القمر البادي ... مالك اصلاحي وافسادي
زود فؤاداً راحلاً قبلةً ... لا بد للراحل من زاد
وقوله:
أحلك حتى صرت اغسل ناظري ... من النوم خوفاً أن يراك خياليا
ولو قدرت نفسي لضني بسركم ... إذا حجبت سر الهوى عن فؤاديا
وقوله:
يطلب الغائص في بحره الل ... ؤلؤ والعاشق في حجره
فإن يكن عبدك ذا فاقةٍ ... أغناه دمع العين عن دره
وقوله:
وجريحٍ وجهه قل ... بي بحبيه جريح
أنا أفدي من محيا ... ه على الجرح مليح
ومنها قوله في الحظ والعذار:
أيها الكاتب الذي خير الخل ... ق بخطين من مسكٍ ونقس
فجلا المسك في صحيفة عاجٍ ... وجلا النقس في صحيفة طرس
ليت جسمي النحيف من بعض ... اقلامك أضحى وليت نفسك نفسي
فلعلي يوماً أمس بناناً ... منك يا سيدٍ فيذهب مسي (2/180)
وقوله:
ارخي لعارضه العذار فما ... ابقي على ورعي ولا نسكي
فكأن نملاً قد دببن به ... غمست أكارعهن في مسك
وقوله:
قالوا صحا قلب المحب وما صحا ... ومحا العذار سنا الحبيب وما محا
ما ضره شعر العذار وإنما ... وافى بسلسل حسنه أن يبرحا
وقوله في ذم العذار:
كفى فؤادي عذاره حرقه ... وكف عيناً بدمعها غرقه
ما خط حرف من العذار به ... إلا محا من جماله ورقه
وقوله:
يا من محياه كأسمه حسن ... إن نمت عني فليس لي وسن
قد كنت قبل العذار في محنٍ ... حتى تبدى فزادت المحن
يا شعراتٍ جميعها فتن ... تتيه في وصف كنهها الفتن
ما عيروا من عذاره سفهاً ... قد كان غصناً فأورق الغصن
وقوله لبعض الرؤساء وقد انصبت الخمر على كمه في مجلس الشراب:
انصبت الخمر على كمه ... تلثم منه كمه خدمه
ولو لم ترد خدمته بالتي ... قد فعلت ما خصصت كمه
وكتب على عودٍ:
رأيت العود مشتقاً ... من العود باتقان
فهذا طيب آنافٍ ... وهذا طيب آذان
وكتب على طنبورٍ:
ودوحة أنسٍ أصبحت ثمراتها ... أغاريد تجنيها ندامى وجلاس
تغنى عليها الطير وهي رطيبة ... فلما عست غنى على عودها الناس
وقال في ذم الخمر:
قد كفاني من المدام شميم ... صالحتني النهى وثاب العزيم
هي جهد العقول سمي راحاً ... مثل ما قيل للديغ السليم
إن تكن جنة النعيم ففيها ... من أذى الجهل والخمار جحيم
ومنها قوله في الهجا:
لنا ملك ما فيه للملك آلة ... سوى أنه يوم السلام متوج
اقيم لاصلاح الورى وهو فاسد ... وكيف استواء الظل والعود أعوج
وقوله:
قل لابن عبدان الدني الدون ... وزرت من دوني وقدرك دوني
ألحظك الملعون أم لكلامك ال ... ملحون أم لعجانك المطعون
وقوله لمجد الدولة وكان اتخذ له ابن فضلان دعوة عظيمة:
ومن مبلغ عنى الأمير بن بويه ... ومن عجب الدنيا أمير ولا أمر
أسرك من فضلان أصلاح دعوة ... بأموالك اللاتي تخونها الغدر
كمهورة من حمقها بعض حليها ... تسر بأن نيكت ومن كيسها المهر
وقوله:
لم ييأس الكلب من ملكٍ وسلطان ... وقد علوت إلى دست وديوان
لا عار باستك أن أزري بها قلح ... من يابس السلخ فاستاكت بجردان
وقوله:
عجبت لقولنج هذا الوزي ... ر أني ومن اين قد جاءه
وفي كل يوم له حقنة ... تنظب بالزب أمعاءه
وقوله في اقرعٍ:
أكفنا زحمة الذباب بابعا ... د قذالٍ تنتابه الذبان
هبك أوتيت تاج ملكٍ فإني ... لك رأس للتاج فيه مكان
ليس ما حزته من المال بدعاً ... هالك قد خازت السلاف دنان
وقوله في الصلاح:
كيف أرجو السماح أو ابتغيه ... في زمانٍ عم البغاء بنيه
يولد التوأمان فيه وكل ... منهما ممسك باير أخيه
فنون مختلفة الترتيب من بدايع شعره:قال في معنى نظم سبق إليه نثرا:
ليت العناق وشرب الراح قد عقدا ... بالنجم أو خزنا في ذروة الفلك
فلم يعانق مليحاً غير ذي كرمٍ ... ولم يحب إلى كأسٍ سوى ملك
شيئان نغص أهل الفضل طيبهما ... تشارك الناس لا طيب لمشترك
وقال في مدح الجرب وملح وظرف:
يهيج مسرتي جرب بكفي ... إذا ما عد في الكرب العظام
تجنبني اللئام لذاك حتى ... كفيت به مصافحة اللئام
وقال يهجو:
لو مات لم يأكل الطعام إذا ... ما كان ذاك الطعام من كيسه
إن لم نشاهد دخان مطبخه ... فقد شهدنا دخان تعبيسه
وقال في أحمد القطان القوال الرازي: (2/181)
إذا أحمد القطان غنى توقفت ... له الطير في جو السماء تصيخ
وكاد حياءً كل لحنٍ ونغمةٍ ... وعودٍ وناي في التراب يسيخ
لقرط سمعي من جلاجل صوته ... فشب سروري والهموم تشيخ
وقال في مراجعته الشعر بعد تركه إياه:
وكنت تركت الشعر آنف من خنى ... وأكبر عن مدح وأزهد في غزل
فما زال بي حبيك حتى تطلعت ... خواطر شعر كان طالعه أفل
تزل القوافي عن لساني كأنه ... يفاع يزل السيل عنه على عجل
فاصبح شعر الأعشيين من العشى ... لديه وشعر الأخطلين من الخطل
وقال في الخط:
الآن قد صحت لدي شهادة ... أن ليس مثل جماله بمصور
خط يكتبه حوالي خده ... قلم الاله بنقس مسكٍ أذقر
وقال في الآذريون:
رب روضٍ خلت آذريونه لما توقد ... ذهباً اشعل مسكاً في كوانين زبرجد
وقال في وصف الباذنجان مذموماً:
يا ذا الذي يعتد با ... ذنجانة في المطعم
أنهاك عن صور المحا ... جم قد ملين من الدم
وقال فيه ايضاً:
يا ذا الذي يلقى بباذنجانة خير المآكل ... أنهاك عن صور المحاجم ألبست لون الدمامل
وقال في طين الأكل:
دع الطين معتقداً مذهبي ... فقد صح فيه حديث النبي
من الطين ربي براً آدماً ... فآكله آكل الأب
وقال في الرزق:
جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيان التحرك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزقٍ ... ويرزق في غشاوته الجنين
وقال في عز الكمال:
وإذا رأيت الفضل فاز به الفتى ... فأعلم بأن هناك نقصاً خافيا
فالله أكمل قدرةً من أن ترى ... لكماله ممن براه ثانيا
وقال في الشكوى:
ضعف بأرض الري في أهلها ... ضياع حرف الراء في اللثغة
صرت بها بعد بلوغ الغنا ... يعجبني أن ابلغ البلغه
وقال في الحث على الحركة والسعي:
خليلي ليس الرأي ما تريان ... فشانكما أني ذهبت لشاني
خليلي لولا أن في السعي نفعةً ... لما كان يوماً يدأب القمران
وقال في مثله:
صح بخيل العلى إلى الغايات ... ما غناء الأسود في الغابات
لا يرى الردى لزوم بيوت ... لا ولا يقتضيه جوب فلاة
مولد الدر حمأة فإذا سا ... فر حلى التيجان واللبات
أف للدهر ما يني يتعس الفا ... ضل في بدئه وفي العقبات
يسكن المسك سرة الظبي بدأ ... ثم يصليه وقده الجمرات
وقال في ذم البخيل:
يسر بخزن المال قوم ولم أكن ... لدى الخزن إلا مثل تصحيفه حزنا
وقال في النهي عن اتخاذ العيال والأمر بالوحدة:
ما للمعيل والمعالي إنما ... يسعى اليهن الوحيد الفارد
فالشمس تجتاب السماء وحيدة ... وأبو بنات النعش فيها راكد
وقال في الصبر:
تصبر إذا الهم اسرى إليك ... فلا الهم يبقى ولا صاحبه
وله رسالة هزلية مترجمة بالوساطة بين زناة واللاطة لا يتسع الكتاب إلا لهذا الفضل منها:قالوا قد علمت أن اصحابنا بلغ من جلالة قدرهم وفخامة أمرهم إن لم يقتصروا على الجسمانيين حتى سمت بهم هممهم إلى الروحانيين فارادوا الملائكة بالوصمة لولا أن الله خصهم بالعصمة ثم بلغ من تناهي هذا الفعل من الطيب وأخذه بمجامع القلوب أن لوطاً استتر لهم بكرائمه عنه فلم يقلعوا وابدلهم عقائله منهم فلم يقنعوا فما ظنك بهمةٍ تسمو إلى ملائكة السماء ولذةٍ تؤثر على مصاهرة الأنبياء ولا سبيل إلى أن ينكر فضل الذكور على الإناث وقد فضلهم الله في الميراث وشتان ما بين الغلام الذي يصحبك في سفرك كما يصحبك في حضرك كما يصحبك في حضرك فإذا ركبت زان موكبك وإذا مشيت صك منكبك وإذا احتفلت خدمك وإذا خلوت نادمك ثم هو فوق الجواد أسد لا بد ولا تحت اللحاف رشأ فارد وبين المرأة التي تشيب أنفاسها العنافق وتكاليفها المفارق وتعدم المفارق وتنقض الجسم وتنقص العمر وتكثر النسل وتقل الوفر بلى ما شئت من فادح ثقل الصداق وهم الإمساك والطلاق ونفقه الأعراس والأخراس وشفقة الوحم والنفاس. (2/182)
الشيخ أبو المحاسن سعد بن محمد بن منصور: رئيس جرجان أيده الله تعالى: أجمع أهل زماننا أجمع على أنه أجمع الرؤسا لما يكنى به وأجمعهم بين العلوم والآداب وشرفي الإنتساب والإكتساب وأنه عالم في ثوب عالم وبحر في شخص حبر وماله نظير وغصن شبابه نضير وكانت النائبة رحب بي إلى جرجان في سنة ثلاث واربعمائة فأنزلني ابوه الرئيس أبو سعد محمد بن منصور رضي الله تعالى عنه وارضاه وجعل الجنة مأواه منزله وأخدمني خدمة وأوسعني فضله وكرمه وكانت حالي عنده ومعه حال من قال:
نزلت على آل المهلب شاتياً ... غريباً من الأوطان في زمنٍ محل
فما زال بي اكرامهم واقتفاؤهم ... وألطافهم حتى حسبتهم أهلي
وأبو المحاسن إذ ذاك صبي لم يبلغ الحلم وقد آتاه الله في إقبال العمر جوامع الفضل وسوغه في ريعان الصبا محامد العلى فكنا نجتمع في جماعة من الفضلاء والأدباء والشعراء في كل يوم وليلة على المدارسة والمذاكرة والمناشدة فيبذنا أبو المحاسن بحسن محاضرته ومبادهته ويعجبنا من بلاغته وبراعته على حدوث ميلاده وقرب اسناده وكتب لي جزءأً من شعره بخطه هو حتى الآن عندي وأتممت كتاب اليتيمة بحضرته فافتض عذرته وتحفظ أكثره ولم يفرق بيننا إلا أن جاءني داعي الأمير أبي العباس مأمون بن مأمون خوارزمشاه تغمده الله بغفرانه ومهد له أعلى جنانه فنهضت من جرجان إلى الجرجانية وضرب الدهر ضرباته ودارت الأدوار ومرت الأعوام وتنقلت الأحوال وكتبت للرئيس أبي سعدٍ سعادة المحتضر وأمضى به الأمر إلى الأجل المنتظر وقال الشيخ أبو المحاسن ايده الله تعالى مقامه في الرياسة واربى عليه في السياسة والسفارة القبول التام عند الخاص والعام وبلغ من البلاغة والتقدم نحو سيبويه وفي الفقه والشعر تثنى به الخناصر وتثنى عليه الشابات وطلع في سنة اربع وعشرين على نيسابور رسولاً إلى حضرة السلطان الأعظم أدام الله تعالى ملكه ومؤدياً وديعة الكيا الأجل أبي كاليجار أدام الله عزه فملأ العيون جمالاً والقلوب كمالاً واوسع أهلها فضلاً وافضالاً واقر عيني منه بلقاء شخص المجد وتجديد العهد القديم بأوحد الدهر ولم يتفق لي تعليق شعره الجديد لعارض من المرض الم بي حتى فاتني ما مددت عيني إليه من عقود دره وعقد سحره مع انقلابه إلى مركز عزه وعلى كل نجحٍ رقيب من الآفات وأنا اقتصر هاهنا على كتبة نبذٍ من بنات خاطره القديمة إلى أن الحق بها وسائط من قلائده الحديثة، وهذه نسخة فصلٍ من نثره بدأت به ولم اقرأ ابرع وابدع منه في فنه: كنت خاطبت الشيخ بخطاب دللت فيه على علوي في دين وده وضربي سكة الإخلاص باسمه وتلاوتي سور معاليه التي تكد لطولها لسان راويها وايماني بشريعة مكارمه التي بعث والحمد لله نبياً فيها فدعا إليها دعوة استجابت لها الكرماء وحجبت كعبة فضله الآمال الأنضاء وخلد ذكره في صحف المكرمات تخليداً واعتقد الخلود من سودده علماً لا تقليداً وقضى حكام المجد بأنه الذي تلقى رايات المجد باليمين وتوخى نظم شاردها بعرق الجبين. وهذه نسخة رسالة إلى بعض خواص الشيخ شمس الكفاة رحمه الله:
اقرأ على الوشل السلام وقل له ... كل المشارب مذ هجرت ذميم (2/183)
سقياً لظلك بالعشي وبالضحى ... ولبرد مائك والمياه حميم
ما أحسبني مذ فارقت الشيخ أدام الله عزه خلوت ساعةً من تمثل شخصه والتلفت بأخادع الذكر نحو كريم عهده واستسقاء صوب الربيع المربع لأنيس ربعه والثناء على الدهر الذي وصل حبلي بحبله والف شملي بمجموع شمله:
وإن لم يكن إلا معرج ساعة ... قليلاً فإني نافع لي قليلها
وليت شعري هل يجول ذكري في ميدان فكره أم طواه طي الرداء فليس تهتز لنشره وأقبل على بث الأوطار الفساح بين مناجاة الأوتار الفصاح ومناغاة الوجوه الصباح وارتشاف ثنايا الكؤوس إذا تجتلها ايدي السقاة جلوة العروس وصلة عرى الصبح بعرى الغبوق والجري في ميدان اللهو جري السابق لا المسبوق واستغفر الله مما طاش به سن القلم وأعوذ به أن يسخط لهذه الكلم وإليه أرغب في امتاعي بخلته التي هي من جلائل النعم ولا يسرني بها وحق المجد حمر النعم وهذه المخاطبة واصلة في صحبة فلان وهو من اقارب فلان تجاوز الله عن الماضي وأدام الله عز الباقي ولا خفا بهذا النسب الذي نظم من الكرم عقوداً وكان عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عموداً وما أشك في استغنائه عن هذا الذكر فقد عرف أحوالهم أيام اجتيازه بالري وكان هذا الشيخ نائباً عن أميرها ومنوطاً به جميع أمورها حتى انحى عليه صرف الدهر واضطره إلى مفارقة المستقر وقصد حضرة تمنع به جانبه فلا يرام ويدرع ثوب العز فلا يضام وهذه صفة حضرة الصاحب الأجل فإنها الحضرة تخدمها الأيام كما تخدمها السيوف والأقلام وارجو أن يحظى بهذا القصد ويسعد بساحة المجد فالبحر يعم بفيضه الخلق والربيع يمنح من شام برقه الودق وهذه غرر من شعره في صباه نقلتها من خطه فمنها قوله من قصيدة في مدح أبيه رحمه الله:
قدح النوى زند الغرام ... ومرى دموع المستهام
وبنفسي الظبي الذي ... عاطيته كأس المدام
ففروعه ليل التمام ... ووجهه بدر التمام
طاوى الحشا عب اللمى ... عبل الشوى عنج القوام
لم أدر قبل لحاظه ... أن اللحاظ من السهام
لاحظته فحملت من ... أجفانه بعض السقام
وفديت محجره وأن ... خلع الفتور على عظامي
أعدي تضرج خده ... قلبي فاضحى وهو دام
فكأن في قلبي الذي ... في وجنتيه من الضرام
سقياً بعش باللوى ... عذب الجنى صافي الجمام
أيام اسحب في التصابي ... فصل اذيال العرام
والعيش عذب الورد رط ... ب العود غض الغصن نامي
والأنس تهمي مزنه ... كندى محمد الهمام
ذاك الذي اضحى وغي ... م نداه سح القطر هام
لله همته التي ... غضت من الهمم العظام
كم موقف نشر العوالي ... فيه عقد طلى وهام
وتبسمت فيه الظبى ... عن ناجذ الموت الزؤام
وأهلة الاسياف تهتك ... ستر ظلماء القتام
مزقته بحسام رأي ... شيم من غمد اعتزام
فالمال عندك في انتثا ... ر والمعالي في انتظام
ما كان غيمك بالجهام ... ولا حسامك بالكهام
فاسعد بنيروز ينب ... ه جفن أنوار نيام
نشر الرذاذ على الثرى ... دراً يشذ على النظام
وتفتح الأنوار إذ رش ... ف الثرى ريق الغمام
وتعصب بعصائب ال ... أنوار هامات الأكام
وجلى الربيع ضحىً عرو ... س الورد من كلل الكمام
وكأنما سرق الصبا ريا ... شمائلك الكرام
يا من تدفق جوده ... كتدفق الغيم الركام
لا زلت في ظل المعالي ... بالغاً أقصى المرام
واسحب ذيول العز سجي ... ذيكل أنعمك الجسام
وقوله من أخرى:
قفوا لنمري در الدمع في الدور ... فالدمع يشفي انسكاباً قلب مهجور (2/184)
فإن عفا الربع أو اقوى بينهم ... فربعهم في فؤادي جد معمور
ومنها:
فلو ترى القلم المذروب في يده ... يمضي مضاء صقيل المتن مأثور
عجبت من صارمٍ ماضي الفرند غداً ... في كف ماضٍ جديد الحد مشهور
ومنها:
أسعد فقد جاءك النيروز وانتبهت ... من بعد ما رقدت عين الأزاهير
تبكي السماء مساء فعل ذي شجن ... يضحك الدهر صبحاً فعل مسرور
والليل يبدي نجوماً مثل ما انتثرت ... لآلي فوق صرح من قوارير
والبرق يصبغ خد الغيم حين سرى ... صبغ الحياء خدود النفر النور
والروض بجلوه قرن الشمس ضاحيةً ... في مطرف بيد الأنوار منشور
تشققت فيه أجفان الشقيق ضحى ... كأنها إذ بدت أجفان مخمور
ولاح فيه الأقاحي كالدراهم إذ ... ألاح حوذانه مثل الدنانير
والنرجس الرطب أضحى في حدائقه ... يرنو إلينا بعين الخرد الحور
كأنه إذ جلاه طله سحراً ... صهباء ممزوجة في كأسٍ بلور
والجو يسرق أنفاس النسيم إذا ... جرى على صفحات الورد والخير
كأن ري الرياض الزاهرات حكت ... ريا خلائقك الفز المشاهير
فاسلم فإنك ليث في الوغى وحياً ... عند المحول وبدر في الدياجير
وإذا كان شعره هكذا في عنفوان الصبا فما الظن به عند قضاء باكورة الشباب وبلوغ حد الإكتهال سقى الله ربعه وعهده وابعد عنا بعده أبو المظفر بن القاضي أبي بشر الفضل بن محمد الجرجاني أيده الله ورحم اباه: جامع بين شرف النفس والوالد وطريف المجد والتالد وبين الأدب والفقه والنحو والشعر ترامت به الحوادث إلى نيسابور، فأنشدني لنفسه:
كأن العين مني يوم بانوا ... سماء فيض أدمعها نجوم
إذا ما هم جفن باستراق ... لغمض صده عنه وجوم
وأنشدني أيضاً لنفسه:
كرام الناس بين ظلام عسر ... وعند لئامهم ضوء يسار
كإيمان إليها عقد عشر ... ومجموع المائين إلى اليسار
وأنشدني أيضاً لنفسه:
إني إليك لمشتاق وبي ظمأ ... إلى لقاءك والرحمن يشهد لي
ولو قدرت لكتب الخط تقرؤه ... لكن عجزي عنه ليس من قبلي
وأنشدني أيضاً لنفسه:
قوم إذ غسلوا ثياب جمالهم ... لبسوا البيوت إلى ثياب الغاسل
صاعد بن محمد الجرجاني: أنشدني أبو الفتح الدباوندي له في المخزومي الذي مر ذكره:
وجدت مخزوميكم هذا ... يا شعراء الناس استاذا
قد صار بالري لكم شاعراً ... وكان بالبصرة نباذا
وجدت بنداراً على ظهره ... يلقمه أقرع نفاذا
لما رأيت الشيخ مستدخلاً ... قلت له من عجبي ماذا
فقال لي لا تعجبن يا فتى ... فإنما الناس على هذا
وكتب إلى العباس الضبي:
ولو أنني حسب اشتياقي ومنيتي ... منحتك شيئاً لم يكن غير ملقتي
ولكنني أهدي على قدر طاقتي ... وأحمل ديواناً بخط ابن مقلة
وله:
مغضبة المرء بلا مملكه ... منخلةً للجسم أو مهلكة
أبو بكر عبد القاهر بن محمد بن الحسن: كتب إلى أبي الفرج بن حسنيل جواباً عن شعر له:
أجاب ودي وطبع الشعر لم تجب ... إذ كان ما قلته في غاية العجب
يشتم منه نسيم المسك قارئه ... ويجتلي كوكب العلياء والحسب
ابدي الأنام من الأشعار رغوتها ... وأنت اخرجت منها زبدة الحقب
أبو الحسن عالي بن جبلة الغساني: يقول في أبي الفتح اخي الوزير أبي غالب محمد بن علي بن خلف من قصيدة:
وسرنا نتبع الركب ونقفو أسر السرح
إلى أن أسفر الصبح لنا عن أحسن اللمح
وابدت طلعة الشمس لنا وجه أبي الفتح
أبو علي الحسن بن محمد الدامغاني : من دهاقين قومس وافراد أدبائها وشعراءها ومن افضل فضائلها يرجع إلى كفاية ومروة صالحة، ويقول: (2/185)
إذا عشق الفتى يوماً عروباً ... ولم يتعدها منه الوداد
فلي في كل غانية مراد ... ولي في كل زاوية فؤاد
وما فكت فؤادً بعد سعدي ... رأته رهن مقلتها سعاد
وليس الغدر من شيمي ولكن ... بهيج كراهتي الشيء المعاد
ومن لم يسبه حدق الغواني ... فما هو في الورى إلا جماد
ويقول:
العقل والحرف مقرونان في قرنٍ ... والجهل والحظ منظومان في رسن
الفضل علم ولا قعبان في لبن ... حلو المذاق ولا بردان من عدن
ويقول:
قالوا مدحت إناساً لا خلاق لهم ... مدحاً يناسب أنواع الأزاهير
فقلت لا تعذروني إنني رجل ... أقلد الدر أعناق الخنازير
ويقول:
ايا حليت الدنيا ويا زينت الورى ... ومن أنا بالفضل الذي فيه افخر
تسيء وأني شاكر لك حامد ... ومن قائل لليث أنك ابخر
ويقول في قصيدة أولها:
صحا عن هواه واستراح عواذله ... محب شفاه الغانيات مناهله
ومنها في مدح شمس الكفاة:
وما الفقر من اكناف قومس قاده ... إليك ولكن فضل عز يحاوله
ولولاك ما صرت لديك نعاله ... ولولاك ما أطت إليك محامله
ولا غادر الكشف الكحيل جفونه ... بلا اثمدٍ جادت بذاك مكاحله
ومنها:
ولم يبق في هذا الزمان الذي أرى ... من الشعر إلا منطق قل طائله
فعارض وزير الشرق شعري بغيره ... يبن لك نهاق الحمير وصاهله
ويقول في مرثية السلطان الماضي أبي القسم محمود أنار الله برهانه:
مضى الافعوان الصل والأسد الورد ... وتاج ملوك الأرض والفارس النجد
فقل لحوا في الخيل لا تشتكي الوجى ... فما خلتها من بعده طلقاً تعدو
وقل لملوك الأرض قد نامت القطا ... ووحش الفلا والليل أليل مسود
ولا ترهبوا منه بياتاً على العدى ... بمردٍ على جردٍ يضمهم جند
ولم أدر أن الشمس يسترها ثرىً ... ولا الفلك الأعلى يغيبه لحد
ويقول في الشيب:
أنور الاقحوان أسأت جداً ... بلا عمدٍ إلى زهر الخزام
فصار الرأس حزا فرط ليسٍ ... وعاد ألمخ داراً في السلام
ويقول ايضاً:
يا بياضاً في مقلتي سواد ... هل لعهد الصبا إلي معاد
يا خزامي العذار بدلت بعدي ... أقحواناً يند منك الفؤاد
لم أعظم قدر الشباب إلى أن ... أنكرتني من المشيب معاد
ودعتني عماً وهذا لعمري ... لقب للمحب لا يستجاد
يا زمان الشباب زرني فإني ... مذ تقضيت لم يزرني الرقاد
ويقول:
سقى الله أجداث ماضي الملوك ... رعاة الرعايا غياث الأمم
وبعداً لأملاكنا أنهم ... ذئاب عواسل حتف الغنم
ويقول:
اين خط ابن مقلة عن جمال الخ ... ط في صحن خده المعشوق
ذاك صنع الاله فرداً من الخل ... ق وهاذاك صنعة المخلوق
ويقول:
ألا يا لقوم للخلال الخسائس ... ورفعة ارجاسٍ برغم المعاطس
قفوا فانظروا إذ ضمت الشمل ندوةً ... لحادثة من في صدور المجالس
تروا من شيوخ السوء فيها عصابةً ... ابالس اضحوا في خلال الطيالس
صعاليك أموال اليتامى ذئابها ... قراطبة البيداء حتف الفوارس
وهم شهداء الزور من قلة التقى ... لحوز منالات إليهم خسايس
يعدون ما دون البتيكات وضحا ... رشىً لهم من ترهات البسابس
بها حللوا عين الحرام وحرموا ال ... حلال اتساعاً في فنون المقايس
كما غصبوا الأملاك معشوقة الورى ... وما سجلوا أيضاً بها في الحبايس
فيا وحشتي منهم إذا اكتحلت بهم ... جفوني وأنسى بالوحوش الكوانس (2/186)
مضى الرؤساء الأولون واصبحت ... عراص المعالي كالطلول الدوارس
ويقول:
خوان ربعه أبداً خلاء ... من الخيرات بادية قواء
إذا ما جاءت الأضياف غنى ... وما يغني من الغرث الغناء
عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء
وإن مفازةً لا ماء فيها ... ومائدةً بلا خبزٍ سواء
أيا معن السخاء بلا عطاءٍ ... وحاتم طائي والتاء راء
وله وقد عير بترك التعرض لعمل السلطان:
ذروني أكن حلس البييت مكرماً ... قنوعاً بقوت لا يدر له ضرع
ففقر الفتى خلف السلامة كالغنا ... ولا خير في نفعٍ على عقبه صفع
وله يرثي الوزير أبا القاسم أحمد بن الحسن الميمندي وقد كان يكرمه عند اتصاله به:
يا غرةً لائحة ... فوق جبين الزمن
يا درةً قد ادرجت ... في حبرات الكفن
يا اسداً أعداؤه ال ... مهجة دون البدن
يا عالماً مجتمعاً ... في أحمد بن الحسن
جزيت عني حسناً ... بكل صنعٍ حسن
وأنعم بوسمي الندا ... يحيث ترب الجنن
ما ناحت الورقاء في ... دوحٍ فويق القنن
وله في الشيب:
هجرت الهوى وشنفت المدامة ... وعبت الغلام وعفت الغلامه
فلا في أميمة لي مطمع ... يحن ولا مرغب في أمامه
ولا قلت إذا بكر العاذلات ... بمر الملامة كفى الملامه
وعهدي بها حين رأسي الغداف ... وها هو كالنسر تحت العمامه
وما عذر ذي نهيةٍ في الصبا ... إذا ما خزاماه صارت ثغامه
وله:
خضبت أناملها بحمرة خدها ... إذا دمعتي يوم الفراق عليها
إن كان من ماء الحياة حقيقة ... فهو الذي سقيت من شفتيها
وله في الشريحي القاضي بقومس:
خليلي ما بال الثلوج كأنها ... قناع على وجه البسيطة مغدف
أينتف عثنون الشريحي في الهوا ... لعمركما أم صوف لحييه يندف
أبو الفرج أحمد بن محمد بن يحيى بن حسنيل الهمذاني: يرفعه نفسه واصله وفضله ويخفضه دهره وقد لفظته الغربة إلى بلاد خراسان فأدركته حرفة الأدب وهو شاعر حسن البديهة كثير الغرر فمنها قوله:
ما أن رأيت وأن سمعت بحمرةٍ ... من وردةٍ ودخانها من عنبر
جتى أكتحلت بخده وبخطه ... وغدوت بينهما حريق المجمر
وقوله من قصيدة:
ها أنني من اسودٍ طعمهما كرماً ... وحش المعالي فلا ترتاح للجيف
وأنني واقتياتي خبث طعمتكم ... كالطرف ساف الثرى من غزة العلف
لو كان يعلم دري أن مثلكم ... يكون أعناق نظمي غاص في الصدف
مقاطر القلم الصفصاف تشهد لي ... أن الوزارة سهمي والعلى هدفي
وسوف يطلع دستي شمس مكرمتي ... وترتدي بي الثريا عمة الشرف
فأملأ الأرض عدلاً والزمان حجىً ... والسحب نوأ ودرعي جوهر الظلف
لله شكري وللسلطان خالصتي ... وللعفاة الجنى المعسول في كنف
وقوله من اخرى:
إذا قلت شعراً فالنجوم رواته ... ومن ذرأ رأى الشعرى روت لأمرئ شعرا
وما أنا ممن يركب الشعر قدره ... ولكن قدري يركب الشعر والشعرى
وقوله في غلام جلس في اخريات الناس وتنقب بكمه:
جلست في أخريات الناس يا قمري ... بخلاً علي بأن اروى من النظر
فصرت من فرج الأشخاص تلمع لي ... كحاجب الشمس ناغى طرة الشجر
لم تقتنع بقناعي زحمةً ونوىً ... حتى تنقبت بالأكمام عن بصري
تتمة القسم الرابع في
محاسن أهل خراسان
وما يتصل بها من سائر بلدان
قد اعتمدت بهذا القسم الأخير من كتاب تتمة اليتيمة أن أبدأ بأهل نيسابور ونواحيها ثم أمتد إلى سائر البلدان خراسان ثم اذكر اركان الدولة وأعيان الحضرة العالية حرسها الله تعالى وآنسها والمتصرفين على أعمالها والمتصلين بخدمتها من المقيمين بها وغيرها وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. (2/187)
السيد أبو البركات علي بن الحسين العلوي: قد تتوج كتاب اليتيمة بذكره، وصبابة من شعره ولا غنية بهذا الكتاب عن غررٍ له من نكت دهره وما أقول في بقية الشرف وبحر الأدب وربيع الكرم وغرة نيسابور وشيخ العلوية وحسنة الحسينية وأمام الشيعة بها ومن له صدر تضيق عنه الدهناء وتفزع إليه الدهماء.
وكلامٍ كدمع صبٍ غريبٍ ... رق حتى الهوا يكثف عنده
رق لفظاً ودق معنى فاضحى ... كل سحرٍ من البلاغة عبده
فصل في عيادةٍ: ما عرفت لعلتي هذه سبباً إلا أني رأيت نفس الكرم مشتكية فشاركتها في شكواها ووجدت عين الكمال قذية فاحتملت عنها قذاها وقلت يا عجباً كيف يشتكي من لم يزل يشكي ولا يشكي ولم يمرض من صحت به آمالنا المرضى.
فصل: كرم الشيخ يطمعني وتقصيري يؤنسني وفضله يقدمني وتقريظي يؤخرني ولئن كان استصغار الصغيرة كبيرة فالاصرار على الكبيرة أكبر وإن كان سكوت المعذر وجهاً فالاعتذار منه أحرى وأجدر.
فصل: بعض الوقت مقت وبعض الحين حين والطالب عجول والمطلوب منه ملول وكل أناء يرشح بما فيه وكل جان يده إلى فيه.
لفظه: يا اسفي على وفاة الوفاء. ولو كتبت أحاسن شعره لأستغرقت الكتاب كله ولكني أكتب لمعاً منها تفي بشرط الاختصار والاقتصار كقوله من قصيدة:
كم شادنٍ قد كان بدراً فاكتسى ... خطين فوق مداره لم يكتبا
دارت مكان القرط عقرب صدغه ... يا من رأى بدراً تقرط عقربا
وقوله:
هنيئاً لكم يا أهل غزنة قسمةً ... خصصتم بها في الناس من هذه الدنيا
دراهمنا تجبى إليكم وثلجكم ... يرد إلينا هذه قسمة ضيزى
وقوله من قصيدة سخريةٍ:
أفناني الدهر ولم افته ... وجد في كيدي الجديدان
حتى رماني الدهر عن قوسه ... وشق قلبي فهو نصفان
فنصفه نهب سجستان ... ونصفه نهب خراسان
وقوله:
تقضى الشباب فما أمرح ... وبان الحبيب فما افرح
وهذا زمان كما ترى ... فقل لي فديتك ما أمدح
كتبت على اسمك يا سيدي ... على الياس منك ولن تفلحوا
وقوله:
اسرب القطا هل من معيرٍ جناحه ... فيوسعني براً وأوسعه شكراً
لعلي ألقى من أحب لقاءه ... فقد فرق الأيام ما بيننا دهرا
وقوله في يوم باردٍ ثالجٍ:
يوم عبوس كالح وجهه ... بزمهرير البرد موصوف
كأن فيه ثلجه ساقطاً ... قطن على الصحراء مندوف
وقوله في الأشجار والقمراء:
ألا صرف لنا خمراً ... فنفس الصب مدهوشه
فصرفها وقربها ... وغرب وهي مغشوشه
على أنواع ريحانٍ ... بماء الطل مرشوشه
ترى الشجراء في القمرا ... ء بالأفياء منقوشه
كأن الأرض من حسنٍ ... بجلد النمر مفروشه
وقوله من ارجوزة:
والنجم في مطلعه ... كزيبقٍ قد اضطرب
والبدر في نقصانه ... كنصف طستٍ من ذهب
وقوله في البدر:
أما ترى البدر في السماء ... من قرع الغيم في غشاء
دور قداً كترس تبرٍ ... مغرق في غدير الماء
أو وجه حسناء في نقاب ... تمشي الهوينا من الحياء
وقوله في الدمل:
اشكو إلى الشيخ أذى دمل ... ارقني ليلي من وخزته
اشد من لذعته أنه ... اقعدني يومي عن حضرته
وقوله في اللاخشة:
لاخشة في الطبق ... كالصبح بين الغسق
منضودة أوراقها ... واضحة كالورق
حسبتها من لطفها ... وجرمها المرقق
غرقي تبيض رقة ... أو قطعاً من شرق
أكلت لما قدمت ... أكل امرءٍ ذي حنق (2/188)
وخلتني الفضل وقد ... نال المنا من عبق
وقوله في البرد المجحف بالثمار:
يقولون أن البرد يجحف بالثمر ... وإن معاش الناس منه على خطر
فقلت لهم ما دام ربي رازقاً ... فلست أبالي بالجوائح والضرر
الأمير أبو إبراهيم نصر بن أحمد الميكالي أدام الله عزه: فرد خراسان وبدرها وصدرها وفخرها ومن لم ير مثله في الجميع بين شرف الأصل وكمال المجد وكرم الطبع وبين الآداب العربية والفارسية والآداب الملوكيه وله شعر بارع قل ما يظهره ولكن درره تلتقط من مجلسه وغرره تختلس من فمه كقوله:
إتق الله لا الاعداء واعلم يقينا ... بأن الذي لم يقضه لن يصيبكا
وحظك لا يعدوك إن كنت قاعداً ... ولا أنت تعدو حين تعدو نصيبكا
وقوله:
ما قبيح كالبخل قبحاً ولا كال ... جود كل الخصال حسناً يفوت
ثم بخل مع التواضع خير ... من سخاءٍ يشوبه جبروت
ولعمري إن المرند ذا البخ ... ل لئيم مذمم ممقوت
وقوله:
لعمرك من ولاك وجه اعتذاره ... من الفعل يأتي وهو في الحال فاعله
كمنقذر من أكله ذات بطنه ... إلى آكله وهو في الحال آكله
وقوله في مرئية أبي العباس بن طاهر بن زينب:
نعوالي أبا العباس شمس المفاخر ... وبدر المعالي كلها والمآثر
فقلت لهم والقلب مني خافق ... أناشدكم لا تجعلوه ابن طاهر
وقوله وله قصة:
عجباً للزمان حين بلاني ... بأناس لهم عقول سخيفه
حسدوني على نزولي خصاً ... بعد سكناي في قصور منيفه
حسد الكلب والغراب إذا ما ... رأيا الباز واقعاً فوق جيفه
وقوله في تراجع الشرب:
شربت الراح شرب الهيم دهراً ... فصرت الآن اشرب بالتكلف
ويكفيني غمير دون صحنٍ ... وما ضر التخلف في التخلف
وقوله لبعض أصحابه:
حسبتك لب الجود بذلاً وهمةً ... فأدخلت فيما كنت أحسبه وهنا
وكنت كما قدرت لب سماحةٍ ... ولكن كلب الجوز إذا فارق الدهنا
وقوله في قنينةٍ تسمى دهزاره:
تبدى النور والقمري اضحى ... يجاوب في ترنمه هزاره
فطاب الوقت والدنيا ولكن ... امر العيش فرقة دهزاره
وقوله:
إذا منحةٌ ضاقت بدرعك فاصطبر ... وثق بتفضيها إذا ساعد العمر
فرأسك غصن الصبر والصبر دوحة ... وما دام غصن الدوح ينتظر الثمر
الشيخ الامام الموفق أبو محمد هبة الله بن محمد بن الحسين أدام الله تعالى عزه: لسان الشريعة وحصن الأمة وشمس الملة، ومحله في السؤدد والزعامة وأمامة الخاصة والعامة أجل وارفع من أن يذكر بالشعر الذي هو أدنى فضائله واصغر خصائصه ولكني ازين كتابي باسمه وأتوجه بذكره وأنشد له ابياتاً نطق بها لسان مجده، فمنها قوله في صباه كالعادة للأدباء السادة:
سمحت بروحي في هواها لأنني ... ارى الموت في حب الحسان يسيراً
اسير وقلبي في هواها مقيد ... فإعجب بإنسان يسير اسيرا
وقوله:
ولما بدا لي منها النفور ... غدوت اصيح النفير النفيرا
وقوله في ذم حمام:
وحمام له طبع عجيب ... يميل إلى البرودة واليبوسه
فنجم البرد منه في سعود ... ونجم الحر منه في غوسه
وكتب إلى بعض اصحابه الحكام:
يا ايها الحاكم الحاكي شمائله ... حيا الربيع وبدراً لي محياه
أظن نار اشتياقي نحوه اشتعلت ... حتى أعارته حماه حمياه
ابو سعد الكنجروذي: يذكر نيسابور في خمس طبقات من اهلها وهم الفقهاء والأدباء والشعراء والدهاقين والعراة، ويعد في كل منها متقدم القدم ممتد الغرة والتحجيل و يتسع كتابي هذا من تفصيل هذه الجملة إلا لنبذٍ من شعره يعرب عن سعة فضله كقوله في الغزل:
إذا انثنى ورنا سلت محاجره ... قواضباً وبدا مياس قضبان
ردف كحقف وقد من تمايله ... خوط وخصر حكاه خيط كتان (2/189)
وقوله:
يكسر ظهر الصب تكسيره ... للصدغ والجفن لدى الغمزه
كأنما التجعيد من شعره ... في ألفاتٍ صورة الهمزه
وقوله:
بين مخط العارض امتد من ... خالٍ وشعرٍ فاحمٍ خط
كأنه خط الكتاب الذي ... لاح عليه العجم والنقط
وقوله:
في وجهك الزاهر لي نزهة ... فهو بما يجمع بستان
لي نرجس منه وورد ومن ... شاربه الخضر ريحان
وقوله في الخلاف الأحمر:
انظر إلى أحمر الصفصاف تحسبه ... بين الرياض إذا تلقاه ممطورا
حمر اليواقيت والأوراق بارزة ... زمرداً ونداه الدر منثوراً
وقوله في الثلج:
ألا ترى اليوم قد أصحت سحائبه ... دكناً واصبح يأتي ثلجه دفعاً
كأنه ورق جمالٍ عدن هائجةً ... يرمين بين لغامٍ تنهمي قطعا
وفيه ايضاً:
جمد الثلج فلي من ... ه على العاج معاج
وعلى الأرض لنا من ... ه زجاج وزجاج
أبو القاسم بن عبد الصمد بن علي الطبري رحمه الله: ولد بنيسابور ونشأ بها وتأدب فيها مستظلاً بظل الكفاية وتخرج فخرج منقطع القرين في اصول الأدب وفروعه والجمع بين ثماره ورياحينه وإضافة نثره الذي هو سحر البيان إلى نظمه الذي هو قطع الجنان وخدع الزمان على الحداثة من سنه والغضاضة من عوده وهو الآن بالحضرة حرسها الله تعالى في اعيان كتاب الرسائل وهذه فصول من نسخة كتابٍ له يعرب عن تقدم قدمه في الكتابة واتساع باعه في البلاغة كتبه إلى الأديب أبي علي الحسين المروروذي وكان خرج على جرجان بعد معاشرته إياه بنيسابور: خرج الأستاذ أدام الله عزه والقلب بجناح الشوق نحوه طائر إلا وهو معه سائر مثل صاع العزيز في أرحل القوم ولا يعلمون ما في الرحال استنشق نسيم سلامته من كل واد واهدي إليه سلامي مع كل رائحٍ أو غاد وها هنا مقصد بسهم فراقه موثق في قيد اشتياقه فالسلام على العيش حتى اراه ولا مرحباً بالحياة أو احيا بمحياه وسقى الله ايامنا في ظله واستسعادنا بقربه وانتهازنا فرص اللذة به إذ العيش غض والزمان غلام ولقاؤه برد على أكبادنا وسلام اذكره الله منتزهنا بآخرةٍ والسماء زرقاء اللباس والشمال ندية الأنفاس والروض مخضل الازار والغيم منحل الآزرار وكأن السماء تجلو عروسا وكأنا من قطرها من نثار والربى أرجة الآرجاء شاكرة صنيع الأنداء ذهب حيثما ذهبنا ودر حيث درنا وفضه بالفضاء والجبال قد تركت نواصيها الثلوج شيباً والصحارى قد لبست من نسيج الربيع برداً قشيباً ولا ربع إلا وللأنس فيه مربع ولا جزع إلا وفيه للعاشق مجزع والكؤوس تدور بيننا بالرحيق والأباريق تنهل مثل ذوب العقيق وتفتر عن فار المسك وخد الشقيق والجيوب تستغيث من اكف العشاق وسقيط الطل يعبث بالأغصان عبث الدل بالغصون الرشاق والدن يجرح بالمبزال فتل الصايغ طوق الخلخال:
إذا فض عنه الختم فاح بنفسجاً ... واشرق مصباحاً ونور عصفراً
ولا نقل إلا من رياض أدبه ومحاسن فضله وخضايص خلقه ومكارم طبعه إلى كلام طويل، فهذا نموذج من نثره وهذه غرر من نظمه كقوله:
ومعذر نقش الجمال بمسكه ... خداً له بدم القلوب مضرجا
لما تيقن أن سيف جفونه ... من نرجسٍ جعل النجاد بنفسجا
وله من قصيدة:
ورب بيضاء ريا الجلد فاء لها ... ريعان من ترفٍ غضٍ وريعان
طرقتها والسرى والعزم قد شهرا ... وهناً غرارين من جفني وأجفاني
وقوله من قصيدة:
بانوا بهيفاء يعزو سيف مقلتها ... قلب المتيم في جيشٍ من الفتن
شمس على غصنٍ هام الفؤاد بها ... يا ويح قلبي من شمسٍ على غصن
وطال ما غاب عن جفني لزورتها ... وجفن سيفي غرار النصل والوسن
وقوله من قصيدة في التوحيد والأنس بالوحدة والكتب والاستغناء به عن معاشرة الناس:
ولقد الفت قناء بيتي لا بساً ... حلل الغنا ألف القطا إلا فحوصاً
لم ادرع طعماً ولم أمدد يداً ... نحو النوال ولا زجرت قلوصا
أجتاب أن خصرت أنامل راحتي ... من نسيج دنى جبنةً وقميصا (2/190)
وإذا أردت منادماً لم تلقني ... إلا على عز العلوم حريصا
وترى الكتاب مجالساً لي مودعاً ... سمعي فصولاً تنتقي وفصولا
لامفشياً سري ولا متنمراً ... جهم اللقاء ولا علي خروصا
وقوله من نتفة:
كم جاهل أحصى علي بزعمه ... شيماً يظن بها علي مناقصا
فأجبته ويد النوائب سددت ... عن قوسها نحو الفؤاد مشاقصا
لوكان إيقاع الزمان مساعدي ... لوجدتني في سكر عيشي راقصا
الذنب للأيام حين تركنني ... ظلماً على جيدي لها متواقصا
وقوله من نتفة:
شباب هز عطفك لم ترقه ... خليع الرأس في طرب ولهو
فأنت إذاً وقد ولى حثيثاً ... لأخسر صفقةً من شيخ مهو
أبو حفص عمرو بن المطوعي الحاكم: قد نطق كتاب اليتيمة بذكره والإفصاح عن حاله ومحله وتضمن باكورة شعره وهذا مكان ملح بديعه وإفراد معاني أنيقة من غرر سحره التي سنحت له بعد فراغي من تاليف ذلك الكتاب ولا غنية بهذا الكتاب عن التزين بها وهذا ألفاظ له على مقدمتها كقوله: الهوى كثير الهوى والخمر ملاذ الملاذ، وقوله: بينهما من الصرف ما بين الولاية والصرف، وقوله: ليس للشاتي كجلد الشاة، ومن بدايع شعره قوله في الغزل:
يا خادماً يملك مني خادماً ... قد صير الدنيا علي خاتما
كم دم صب قد صببت ظالماً ... أخدماً أصبحت أخادماً
وقوله:
خليلي إني واحد العصر في الهوى ... لمن قد غدا في الحسن واحد عصره
قضيب ولكن مبسم النور ثغره ... وبدر ولكن المحاق لخصره وقوله:
قالت عهدتك تبكي ... دماً حذار التناء
فما لعينيك جادت ... بعد الدماء بماء
فقلت ما ذاك عندي ... لسلوةٍ أو عزاء
لكن دموعي شابت ... لطول عمر بكائي
وقوله:
بانوا فامطرت الأجفان بعدهم ... من نور عيني على خدي نوعين
حتى نفضت عيني مدامعها ... بقيت ابكيهم دمعاً بلا عين
وقوله:
اضحك كؤوسك بالصهباء مبتكراً ... فقد أتاك سحاب باكر شاكي
يبكي ويضحك فيه البرق مبتسماً ... كأنه حين يبدو شاكر شاكي
وقوله في نور الخلاف المسكي:
قم هاك دهقانيةً ... وعليك بالكاس الدهاق
أو ما ترى نور الخلاف ... كأنه نور الوفاق
وقوله فيه ايضاً:
أو ما ترى نور الخلاف كأنه ... لما بدا للعين نور وفاق
كاكف سنورٍ ولكن نشره ... يسعى بفار المسك في الافاق
وقوله في الريباس والباقلاء:
يا حسن ريباسٍ أتاك مزاوجاً ... للباقلاء الغض أي زواج
كأنامل قد غشيت بزبرجدٍ ... وصلت بهن سواعد من عاج
وقوله في الاسفاناخية:
قد قلت للطباخ لما جاء في ... مرضي بلونٍ ليس فيه طباخ
هلا طبخت لنا سواه فإنه ... أسف أناح فقيل اسافاناج
وقوله في السلطان الأعظم أدام الله تعالى ملكه:
أرى حضرة السلطان يفضي عفاتها ... إلى روض مجدٍ بالسماح مجود
وكم لجباه الراغبين لديه من ... مجال سجودٍ في مجالس جود
وقوله في التلفيق بين ستة من الطير:
يا رب ليلٍ لو تجس ... م لم يكن غير الغداف
بتنا به وشرابنا ... صرف كعين الديك صاف
يسعى بذاك مهفهف ... بمحاسن الطاووس واف
ولنا مغن لحنه ... للعندليب بلا خلاف
حتى سمعت تجاوب ال ... عصفور في قضب الخرف
ورأيت باز الصبح من ... شور القوادم والخوافي
وقوله في مؤلف هذا الكتاب:
كلام أبي منصور فيه عذوبة ... ينوب عن الماء الزلال لمن يظما
فنروي متى نروي بدايع نظمه ... ونظما إذا لم نرو يوماً له نظما (2/191)
وقوله:
من كان في الحشر له شافع ... فليس في الحشر من شافع
غير النبي المرسل المصطفى ... ثم اعتقادي مذهب الشافعي
ابو منصور يحيى بن يحيى الكاتب: فاضل ملء ثوبه كاتب بحقه وصدقه شديد الاختصاص بالأمير أبي الفضل الميكالي أدام الله تعالى عزه مقتبس من نوره يقول:
حدثت أخاك إذا عدمت مطية ... إن الحديث مطية للراجل
واصحب ذوي الآداب أنك لن ترى ... زلفاً لرجلك مثل صحبة جاهل
ابنه أبو الوفاء محمد بن يحيى: قد حاز في عنفوان شبابه واقتبال زمانه محاسن الأدب وبرع في النثر والنظم وأخذ بأطراف الفضل، فمن بارع شعره قوله في الأمير أبي الفضل أدام الله عزه من قصيدة:
سعادة خدمة الأرباب أولى ... بمثلي من سعادٍ أو رباب
عنيت به بني ميكال من لا ... يداني جودهم جود السحاب
هم رحضوا خموال الدهر عني ... وأعطوني وقد صفرت وطابي
ودلوني على العلياء حتى ... دخلت على العلى من كل باب
ومن يمدح عبيد الله يقدح ... بزندٍ في المعالي غير كاب
ويستمسك بحبلٍ ليس يخشى ... عليه قط داعية انقضاب
سأستغني به عمن سواه ... كما استغنى الشاب عن الخضاب
أدام الله دولته وأجنى ... يديه ثمار عيشٍ مستطاب
وعوده سعادة كل عيدٍ ... يعاوده إلى يوم الحساب
وكتب إليه أبو عبد الله الحسين بن علي البغوي الكاتب:
رأيت الفضل يحيى يا بن يحيى ... فجانبه أبو يحيى طويلا
مودته ممازجة لقلبي ... كما قد مازج الماء الشمولا
فأجابه أبو الوفاء:
ابا عبد الإله بقيت جزل ال ... كلام تنيلنا براً جزيلا
فما ابن المزن زوج بنت كرمٍ ... ليمهرها أخو الكرم الغفولا
باشهى من كلامك في فؤادي ... وقد سلى الجوى وشفى الغليلا
وقال ايضاً:
سقى عهد الصبا مطر الدموع ... وايام الحمى غيث الربيع
سنين طويتها شهراً فشهراً ... ولم أعرف جمادى من ربيع
وقال :
قل للأمير ومن لي ... بأن يرد جوابي
سللت جسمي لما ... سللت سيف العتاب
وقال:
بقيت بمرو الروذ في عدة المطر ... وطول مقام المرء في مثلها خطر
إذا ما أذان الرعد آذاننا وعت ... لقينا بها الحيطان تسجد للمطر
وقال من أخرى أميرية:
لله در الصبا ما كان أطيبه ... لو أن صرف الليالي لم يصب درره
أيام غصن شبابي ناصر خضل ... مرفرف الظل تجني راحتي ثمره
لا أزجر الطير مهما زرت غانيةً ... ولا تطيرني العذال والزجره
إذا مررت بخدرٍ دون هودجه ... خوادر الأسد آبى أو ارى قمره
أرى السعادة في سعدي وطلعتها ... واليمن في حر وشى اليمنة الحبره
يا رب يومٍ بحر الشمس منتقدٍ ... ازارنيها اشتياقي وهي منتظره
فاستقبلتني في كحلي معجرها ... كسنة البدر بالظلماء معتجره
إذا خطت خطوةً نحوي لتكرمني ... رأيت خلخالها يستخدم الشعره
ورب ليلٍ يكاد الصبح يسبقه ... أعار شطر إبهام القطا قصره
قد ضمنا تحت أذيال السرور معاً ... كالورد قد ضم في أكمامه زهره
سقياً له من زمانٍ لست أذكره ... إلا رأيت دموع العين مبتدره
هيهات ماللفتى في دهره عوض ... عن الشباب فخذ عن عالم خبره
إلا لقاء عبيد الله سيدنا ... هذا الأمير فذاك العيشة النضرة
وهي طويلة. أخوه أبو سلمة أيده الله تعالى: خلق أبيه وشبيه أخيه وكاتب الأمير أبي الفضل ادام الله تعالى عزه زالمتخلق بخلقه والجاري في طرقه والمستملي صحف فضله ومن لا يتميز خطه من خطه وهو اشبه به من الغراب بالغراب والتمرة بالتمرة وله شعر كخطه مثل قوله في الغزل: (2/192)
ظلم الحبيبة من يشبه قدها ... بالغصن عند تبخترٍ وعناق
فالغصن يسمج حين يسقط نوره ... وجمالها في كل وقتٍ باق
وكتب إليه أبو يعلى البصري يستهديه حبراً فأجابه إلى ما طلب وعما كتب بأبيات منها:
وبعد فقط أنفدت حبراً كأنه ... يحاكي ظلام الليل أو منة الوغد
إذا ما جرى في الطرس خلت سواده ... على الرق نور الحق مع ظلمة الجحد
وحق الهوى لو كان أسود ناظري ... وحبة قلبي كنت أهلاً لها عندي
أبو الفضل إسماعيل بن محمد بن الحسن الكرابيسي الحاكم ايده الله تعالى: من اشعر الفقهاء وأفقه الشعراء ومن العلم حشو ثيابه والعقل والفضل من أوصافه يقول ويحسن:
تمنيت أن تحيى حياة هنيئةً ... وأن لا ترى كر الزمان بلا بلا
رويدك هذي الدار سجن وقل ما ... يمر على المسجون يوم بلا بلا
أبو مسعود أحمد بن عثمان الخشنامي ايده الله: من حسنات نيسابور وفضلائها وشعرائها وكلامه كثير الرونق ظريف الجملة والتفضيل كقوله:
وجاهل لج في مشاتمي ... والحلم يكن مبقياً على جاهي
سكت عنه ولم ابال به ... والحلم مما يزين اشباهي
وبين فكي صارم ذكر ... أغمده عنه خشية الله
وقوله:
يا والياً عز الولاية عره ... فسطا لذلك على الأنام وتاها
اقصر فذل العزل يتبع عزه ... عصر الولاية لا يفي بفساها
وقوله:
يا سيداً آثر المعالي ... فليس عنها له انحياز
حقيقة المجد في يديه ... وفي يدي غيره مجاز
فهو لذنب الزمان عذر ... وهو لثوب العلى طراز
وقوله:
اقول لمن يعد الشيب نوراً ... ويزعم أنه يكسو وقارا
وقوله:
أقول وقد عوتبت حين شربتها ... وحيداً ومن أنس النديم عديما
عدمت نديماً سالماً لي غيبه ... فصيرت كاسي مونساً ونديماً
وقوله في الغزل:
وجه أبي الفتح إذا ما بدا ... يغني عن البدر إذا ما طلع
لولا دفاع الله عن خصره ... إذا ثناه راكعاً لانقطع
وقوله في الحكمة:
أترجو في زمانك صفو عيشٍ ... وقد عري الزمان من الصفاء
وتأمل من بني الدنيا وفاء ... وما شيءٌ أعز من الوفاء
وقوله في فتىٍ يشتكي وهو يعارض أبا سعد بن خلف:
شكت اقاحيك فاشتكيت لها ... يا قبلة الحسن فتنة البلد
وجهك شمس الضحى إذا ما طلعت ... تضر بالقحوان والبرد
ابو الحسن محمد بن الشيخ أبي علي الحسين بن محمد بن طلحة ايدهما الله تعالى: كريم الطرفين شريف الجانبين عريق في الأدب والفضل والكرم وسنه الآن دون العشرين وشعره فوق شعر المفلقين المبدعين وقد مرت بي قصيدة له في أبيه لو قالها البحتري أو أبو فراس الحمداني لما زادا، وأولها:
أعاتب صرف الدهر والدهر عاتب ... وأطلب منه رد ما هو ذاهب
وأرجو من دهري نمت الأيام بالوصل عودةً ... وتلك أماني النفوس الكواذب
شكاتي من دهري فمن ذا ألومه ... وعتبي على عيني فمن ذا أعاتب
كفا حزناً أني ارى البحر جانباً ... وبي ظمأ عن منهل الري جانب
وهون وجدي أنني لست واحداً ... من الناس حراً لم تصبه النوائب
وأني على ما بي ليجذب همتي ... إلى ساكني نجدٍ من الشوق جاذب
رعى الله داراً بالحمى هي دارنا ... وقوماً هم أحبابنا والحبائب
فكم بالحمى من مرهف القد ناعم ... قد اختلفت للشعر فيه المناسب
ومنها:
محياه للورد الجني ملابس ... ورياه للمسك الذكي مسالب (2/193)
ومنها:
فيا دار بل دارة البدر في الدجى ... سقتك دموعي لا سقتك السحائب
أما والذي تنضى إلى حج بيته ... مخيسة قب البطون شوازب
لقد خانني إلا اشتياق مبرح ... واسلمني إلا دموع سواكب
قضى ربنا أن يصدع الشعب صادع ... فما طمعي أن يشعب الصدع شاعب
ومنها:
سأضرب في اقصى البلاد وأنني ... إلى الأمد الأقصى من المجد ضارب
وللدهر أنياب ضواحٍ ضواحك ... إلي واسياف قواضٍ قواضب
ومنها:
وردية لا ماء إلا سرابها ... ولا ركب إلا آلها المتراكب
كأن مطايانا مخاريق لاعبٍ ... تالق فوق الأكم والأكم لاعب
ومنها:
قطعنا إلى الشيخ الرئيس مجاهلاً ... وجبنا الفيافي وهي قفر سباسب
وسار بنا رحل وكور ونمرق ... وساع وساع خطوه متعاقب
ليفرح محزون ويقبل مدبر ... ويأمن مرتاع ويظفر طالب
وتدرك حاجات وتحوى رغائب ... وتبلغ آمال وتقضي مآرب
ومنها:
بعيد مناط الهم أقرب همه ... فدع ذكر اقصاه النجوم الثواقب
وكم اقرأ الأعداء كتباً حروفها ... ظبىً ورماح والسطور مقانب
وأمطر فاخضرت بقاع نجوده ... ولا حسنها ناضٍ ولا الماء ناضب
وللمجد أعلام سوامٍ سوابق ... إليه وأقدام رواسٍ رواسب
وختم القصيدة بقوله:
فلا زلت يا شمس المكارم طالعاً ... بافق المعالي والشموس غوارب
ولازلت مخضر الجناب فإنما ... بجودك يخضر السنون الأشاهب
ابو يوسف يعقوب بن أحمد بن محمد ايده الله :قد امتزج الأدب بطبعه ونطق الزمان بلسان فضله ولئن أحوجه الزمان إلى التأديب على كراهيته غياه وتبرمه به لإرتفاع محله عنه أن له اسوة في المؤدبين الذين بلغوا معالي الأمور وبعد صيتهم بعد الخمول كالحجاج بن يوسف وعبد الحميد بن يحيى وأبي عبيد الله الأشعري كاتب المهدي وأبي زيد البلخي وأبي سعيد الشيبي وأبي الفتح البستي وغيرهم، وماأليق قول البحتري بحاله:
مواعد للأيام فيه ورغبتي ... غلى الله في إنجاز تلك اللمواعد
وكذلك قول ابن الرومي:
أما ترى المسك بينا هو على حجر ... يذله كل ذل فهو عطار
إذ ابلغته صروف الدهر غايته ... فحل منزله من رأس جبار
وله نثر حسن وشعر بارع كقوله في مؤلف هذا الكتاب:
لئن كنت يا مولاي أغليت قيمتي ... وأغليت مقداري واورثتني مجدا
وقصرت في شكريك فالعذر واضح ... وهل يشكر المولى إذا أكرم العبدا
وكتب على ظهر كتاب سحر البلاغة له:
سحرت الناس في تاليف سحرك ... فجاء قلادةً في جيد دهرك
وكم لك من معالي من معانٍ ... شواهد عندنا بعلو قدرك
وقيت نوائب الدنيا جميعاً ... فأنت اليوم جاحظ أهل عصرك
وقال في الحجاب:
يا من غدا سابقاً في كل مكرمةٍ ... ودون رتبته الغايات والرتب
إن كنت محتجباً عنا فلا عجب ... فالشمس في حجرات السحب تحتجب
وقال يهجو:
وقال لي أبو حسنٍ كريم ... فقلت الميم هاء في العباره
وما لجلاله أهجوه لكن ... رأيت الكلب يرمى بالحجاره
وقال:
لابارك الرحمن في عمري ... أن سرني قرب أبي عمرو
وهو صعيد قد تيمته ... إذ ليس يجري الماء في النهر
وقال
عرضت على الخباز نحو المبرد ... وكتباً حساناً للخليل بن أحمد
ورؤيا ابن سيرين وخط مهلهل ... وتوحيد جهمٍ بعد فقه محمد
وأنشدته شعر الكميت وجرول ... وغنيته لحن الغريض ومعبد
فما نفعتني دون أن قلت هاكها ... مدورةً بيضاً تطن على اليد
وقال في مراءٍى:
يرى الناس أني كالمسيح بن مريمٍ ... وفي ثوبه المسيح أو هو أغدر (2/194)
أغركم منه تقلص ثوبه ... وذلك حب تحته الفخ فاحذروا
وقال:
لم تقعدوا فوقي لفرط نباهةٍ ... وجلال قدرٍ أو علو مكان
والنار يعلوها الدخان وطالما ... ركب الغبار عمائم الفرسان
وقال:
إني بليت بحرفةٍ ... بوساً لها من حرفه
هي حرفة لكنها ... مقرونة بالحرفه
وقال:
نغوض للسيادة يشتهيها ... وليس هناك آلات السيادة
كعنينٍ أراد نكاح بكر ... ولم يقدر فمال إلى القياده
وقال من كان يعشق منكم شادناً غنجاً ... البدر يشبه والشمس تحكيه
فلست أعشق إلا كل ذي أدبٍ ... الوشي كم يده والدر من فيه
ابو محمد الحسن بن المؤمل الحربي: من أولاد أحمد بن حرب الذي يضرب به المثل في الزهد والنسك ويزار قبره بنيسابور من مائتي سنة وترفع الحاجات إلى الله عز ذكره وهو أعمر المشاهد بها وقد لبس أبو محمد برد شبابه على فضل مكتهل وظرف مقتبل وشعر مقبول وادب معسول فهو كما وصف الصاحب بعض فضلاء الندماء فقال: أن اردت فهو سبحة ناسك او أحببت فهو تفاحة فاتك او اقترحت فهو مدرعة راهب أو آثرت فهو تحية شارب، من ملح شعره قوله:
ايا من فضله عم البرايا ... ونال المجتدون به المباغي
ترفق بالرسول فدتك نفسي ... فليس على الرسول سوى البلاغ
وقوله في النيروز:
يا شمس أهل المشرق أسعد فقد ... حلت برأس الحمل الشمس
واشرب على طلعة نيروزها ... كاس مدامٍ يدم الأنس
وقوله من قصيدة:
ثار الغبار غداة ثارت عيسهم ... فشممت من ذاك الغبار عبيرا
تالله لو شاهدت وقت وداعهم ... لرأيت دمعاً في الخدود غزيرا
ولقيت منهم من يشق صداره ... ولقيت منا من يشق صدورا
وقوله:
قالوا التحي فبدا الظلام بوجهه ... فتسل عنه فإنه لا يرتجى
فأجبتهم كيف التسلي بعدما ... زادت محاسن وجه لما دجى
فالنجم يحسن في الظلام وقل ما ... يبدو بهاء البدر إلا في الدجى
وقوله لمؤلف الكتاب:
قد اشرفت أرجاء نيسابور ... وأطلعت طلائع السرور
بعود مولانا أبي منصور ... لا زال في عز وفي حبور
ودولةٍ تبقى على الدهور.
ابو الفضل أحمد بن محمد العروضي المعروف بالصفار: أمام في الأدب خنق التسعين في خدمة الكتب وأنفق عمره على مطالعة العلوم وتدريس متأدبي نيسابور وإحراز الفضايل والمحاسن وهو القائل في صباه:
أوفى على الديوان بدر الدجى ... فسل نجوم السعد ماحظه
أخطه أملح أم خده ... ولحظه أفتن أم لفظه
وأنشدني لنفسه في جمع اسماء الكواكب السبعة في بيتٍ واحدٍ
يا من يقدر الدهر ينصره ... بكوكب عاجزٍ بالله فانتصر
لا تشركن برب العرش تجهله ... كواكباً كلها تجري على قدر
عطارد زهرة والشمس مع زحلٍ ... كالمشتري الفرد والمريخ كالقمروأنشدني رحمه الله لنفسه:
لعزة الفضة المبرة ... أودعها الله قلب صخره
حتى إذا النار أخرجتها ... بألف كد والف كره
أودعها الله كف وغدٍ ... اقسى من الصخر الف مرة
ابو بكر أحمد بن علي الصبغي: من أهل البيوتات بنيسابور وكان يجمع أدباً وظرفاً ويناسب شعره روحه خفةً ويخرج من العشرة من القشرة فاحتضر في عنفوان شبابه وتقطعت به اسباب آدابه ورثاه الفاضل الظريف صديقه أبو منصور علي بن أحمد الحلاب الكاتب أيده الله تعالى بقوله: (2/195)
ولما نعى الناعي أبا بكرٍ الذي ... رمى الدهر عين الفضل حين اصابه
تقطع قلبي حسرةًوتلهفاً ... ولم ابكه لكن بكيت شبابه
غزته المنايا من قريبٍ وحددت ... لأترابه طفر الحمام ونابه
ويوشك أن ينحو بنا نحوه الردى ... ويسكننا ربع البلى وجنابه
سقى الله صوب الغاديات ضريحه ... وأكرم من دار البقاء مآبه
خليلي صبراً للرزايا فكل من ... من الترب مخلوق سيلقي ترابه
ومن ملح أبي بكر قوله:
باكر أبا بكر بكاسٍ ... واشرب على وردٍ وآس
واخلع عذارك جامحاً ... ما بين إبريقٍ وطاس
فالعيش عيش ذوي الصبا ... والدين دين أبي نواس
وقوله:
رحم الله من رأى نظم شعري ... فدعا لي بما اشرت إليه
قال يا رب نجني من هواه ... أو فرد الذي يحب عليه
وقوله في إنسان رازي كان يدعي أنه من اللاسكية وينتحل شعر ابن بابك:
أم الذي يزعم أني لاسكي ... حجامة تزوجت بحائكا
وكل ما ينشد من اشعاره ... في شعر عبد الصمد بن بابكا
ابو منصور بن أبي علي الكاتب ايده الله تعالى: من آدب الكتاب بنيسابور وأعرفهم بالرسوم وله خط حسن وشعرٍ كتابي كقوله في ترجمة شعر فارسي حيث قال:
ليس كل الذي انتظى من دواة ... قلماً بالغ العلى بالأداة
إن حمل العصا لغير بديع ... قلبها حية من المعجزات
فارسيته:
نه هركو قلم بركرفت ازدوا ة ... شفا كرد دانذ جهانرا زادا
عصا بركرفتن نه معجز بوذ ... همي ازدها كرد بايذ عصا
وكتب إلى صديق له استعار منه كتاباً في شعر:
وقفت على ابياتك الغر إنها ... بدايع ما قدمت لي من نثاركا
وإني وأجزاي وماملكت يدي ... فداء رسولٍ جاء من باب داركا
أمامك ما تختار منها وغيرها ... فبادر إلى ما تشتهي باختياركا
ودمت لأهل الود دوح مكارمٍ ... تفيدهم طيب الجنى من ثماركا
وقال في تهنئة بعض العمال بولاية الديوان:
ليهنك يا بدر المجالس والصدر ... طلوعك في الديوان للنهي والأمر
تهنا بك الأعمال إذ أنت فخرها ... وقدرك عما نلته أرفع القدر
وزينت بك الأيام إذ أنت حليها ... والعصر أنت الفخر لعصر والمصر
فلا زلت في ربع العلى متربعاً ... تساعد الأيام في أهنأ العمر
عبد الرحمن الدوغي الفقيه أيده الله تعالى: يقول في المدح:
جنابك مثل روضات الجنان ... ومنك تنال غايات الأماني
حللت من المكارم في ذراها ... ففيها أنت كالسبع المثاني
وأنت لفرط فضلك صرت فينا ... أحب من الشباب إلى الغواني
إذا عدت محاسنك القوافي ... غفرنا ما جنته يد الزمان
فلا زالت من الرحمن يعمى ... لديك قطوفها ابداً دوان
وله في مختط ينتف:
لما رأى شعر العذا ... ر بخده قد جاز حده
وابتز بهجة وجهه ... أمضى ببسوط النتف حده
وله من قصيدةٍ:
برزت إليك عرايس الأشجار ... في حلية الأنوار والأزهار
تحلى سجاياك الحميدة كلما ... عانق وفد الريح بالأسحار
وكأنما الطيار في ترجيعها ... تنثى إليكم بلحن موسيقار
وكأن صوب القطر كل عشيةٍ ... أثار سيبك في ذوي الأقتار
ذكر الزوازنة وملح أشعارهم فمنهم: أبو بكر محمد بن أحمد اليوسفي: كان من افرادهم أدبباً وفضلاً ومفلقيهم نظماً ونثراً، ولفظته زورن إلى اقطار الأرض وآفاق البلاد وحرفة الأدب زميله وتنزيله وحليفه واليفه وتصرفت به احوال في تاديب ولد ابن ينفع وانتجاع الصاحب وغيره وطالت مدته في الغربة ثم عاد إلى الوطن على غير قضاء الوطر ولم يلبث إن انتقل من ضيق العيش إلى ضيق القبر لم يلق بين الضيقين فسحة ورحمة الله تعالى حسبه، وهذه فصوص من كلامه ورسائله: فصل: تحيرت فما أدري افارة مسك فتقت أم شمامة كافور نفحت أم لطيمة فض ختامها أم قسيمة فرقت أقسامها أم محاسن وصالٍ كأنهن محامد نظمن عقداً وفضايل نسقن عقداً وكأن زمانها عطار ولياليها اسحار. فصل: نحن اليوم في باغ وفي زمن غير باغ وظلال اشجار موقرة بالثمار نرود بينها كما نريد بين قيان تجود عليها فتجيد. فصل: في وصف اطعمة وحلاوى صحاف أنقى من الفضة بشرةً تتناوبب على المائدة عشرةً عشرةً بعد بوادر ومخللات تحسبها الجواهر محللات وقل يا سيدي في الفالوذج المعكك والقرص السكري المفكك والقاطولي الذي يقال عنده لليد طولى والقرص العسلي الذي يهون لبس العسلى أوصاف ارق من أوصافي مفصص بفيروزج الفستق مفضض بلباب اللوز في مثله يتنافس المتنافسون وله يعمل العاملون. فصل: بخور لها في مجلس بخار وعقار يهون فيها العقار. فصل: صحو يكاد من الغضارة يمطر وازهار تكاد من الاهتزاز تنظر. فصل: أما والحدق المراض وسهام الألحاظ والروض غب القطر فإن لها حقاً وأنفاس السحر فإني عبدها رقا أني منذ حرمت منك حلاوة الرضى ودعت العيش المرتضى وبت على مثال جمر الغضا وحد السيف المنتضى ويا ليتني كنت نسياً منسياً قبل أن أعد لديك مجرماً ومسيئاً وليت الطير يخطفنني والدن تحطمنني فإن ذلك أهون من تفريع ذلك القريع وعتبه الذي صنع بي صنيع السيف الصنيع. فصل: اراني الله بها أهلاً كانو للفضل أهلا فصل: الشوق الذي اقاسي يصدع الحجر القاسي والذي مر براسي يهد الجبل الراسي من نواكب أهوت المناكب وعوارض شيبت العوارض ومحنٍ عظام أثرت في العظام وللأنام دول متعاقبة وللصبر الجميل عاقبة. (2/196)
فصل: بلدة هي من أخلاقه جونة العطر من محاسنه عيد الفطر: فصل: ما أولاه بمثل ما أولاه وأحراه بمثل الذي تحراه وأحقه بالشكر الذي استحقه. فصل: هذه وسميه فلا يحرمني وليه وقد سر بالإبتداء فليسر بالعودة وليه. وهذه غرر ودرر من شعره فمنها قوله من قصيدة أولها:
تبدلت من بعد الحبيب المفارق ... سواد الليالي وابيضاض مفارقي
ومنها:
سقى البارق الغوري عذباً من الحيا ... محلتنا بين العذيب وبارق
وأغنى مغانيها وارضى رياضها ... وشق بلطم القطر خد الشقائق
محلة ايناسي ومغنى أوانسٍ ... ومركز رايات ومرعى أيانق
فيا يومها كم من مناف منافقٍ ... ويا ليلها كم من موافٍ موافق
ومنها:
كأني شهد مجتنىً لفم الردى ... وكل مصيبات الزمان ذوائقي
ومنها:
ولم أنتبه إلا ذكرك صاحبي ... ولم أغتمض إلا وطيفك طارقي
وقوله من قصيدة صاحبية في العيادة والتهنئة بالاقبال:
أطلع الله للمعالي سعوداً ... وأعاد الزمان غضاً جديداً
ومنها:
ببعث الدهر جنده وبعثنا ... نحو دعوة الآله جنودا
يا عميد الزمان إن الليالي ... كدن يتركن كل قلبٍ عميدا
حادثاتٍ أردن إحداث هدمٍ ... لعلاه فأحدثت تشييدا
وقوله من أخرى:
سلام عليها أن عيني عندما ... اشارت بلحظ الطرف تخضب عندما
ومنها:
وزرت به كافي الكفاة وعنده ... ارى الفضل فذاص والتفضيل توأما
ومنها:
ينال لديه معتفى الفضل أجرما ... ما سقى وينال العفو من كان اجرما
ومنها:
وما السيف صمصام ولا الرمح في الوغا ... أجم إذا لم يلف عزماً مصمماً
وقال يهجو:
امسى اجل الشعر لا ينتقي ... وأجهل الناس به من نقد
إن الذي ميز اشعارنا ... أولى من النقد برعى النقد
وقال مطارحة الوسائد في النوادي ... مميزة اللئام من الكرام (2/197)
يطاهن الكريم بأخمصيه ... وهن يطأن اقفاء اللئام
وقال من أخرى:
وكلفني من بلايا الفرا ... ق حكماً يطاع وما أن يطاق
رقيب يعوق وخل يعق ... وحسن يروق ودمع يراق
وقلب يصب ودمع يصب ... ونفس تشاق وروح تساق
سقى الله حالين من دهرنا ... طراد العتاق وطيب العناق
وقال:
اثنان أجمع أهل ال ... آداب أن لا يعابا
المستميح شرابً ... والمستعير كتابا
أبو جعفر محمد بن اسحق بن علي البحاثي: زينة زوزن وظرف الظرف وريحان الروح يقول في هجاء لحيته الطويلة:
يا لحيةً قد علقت من عارضي ... لا استطيع لقبحها تشبيها
طالت فلم تفلح ولم تك لحية ... لتطول إلا والحماقة فيها
إني لأظهر للبرية حبها ... والله أعلم أنني اقليها
ويقول في ذم خالٍ على وجهه بعض من يهجوه:
ابو طاهر في الشوم واللوم غاية ... بعيد عن الإسلام والعقل الدين
على وجهه خالٍ قريب من أنفه ... كمثل ذبابٍ واقعٍ فوق سرقين
وله في مرثية أبي بكر الصبغي الذي تقدم ذكره من نتفة:
وارحمتا لشبابه ... إذ لم يمتع بالشباب
وكأن في قبره ... شمس توارت بالحجاب
وله في الغزل:
لما ترحل من أهوى وودعني ... وصرت من بعده حيران مبهوتا
نظمت دراً على القرطاس من غزلي ... ومن دموعي على الخدين ياقوتا
وله:
ينيكون غزلان الحسان ولا ارى ... غزالاً من الغزلان فرداً بساحتي
فمن يك قد لاقى من النيك راحةً ... ففي راحتي والريق انسى وراحتي
وله:
ولما رأيت الفقر ضربة لازبٍ ... ولم يك لي في الكف عقد على عقد
ولا لي غلام قد يناك ولم يكن ... سبيل إلى الترك المكحلة الجرد
شريت قبيحاً من بني الهند أسوداً ... ونيك هنود السود خير من الجلد
ومن أحسن ما قيل في وصف البطيخ قوله:
وزائرة تاهت علي ببردها ... ويعجبني منها خشونة جلدها
ثقيلة ما بين الآهاب قصيرةٍ ... وصفرتها تبدو بظاهر خدها
وفاح لها طيب يسير أمامها ... فيحيي لنفسٍ الصب ميت وجدها
فقمت إليها مسرعاً فافترعتها ... وذقت لذيذاً من عسيلة شهدها
وقال في قصرٍ بناه ضد له:
بنى أبو العباس في داره ... قصراً فلا متعه الله به
نام عن الجود ولكنه ... في بخله مستيقظ منتبه وقال في التبرم بالأدب:
إني أقول وخير القول أصدقه ... والصدق يحمل احياناً على الكذب
لا تجمعن ابداً علماً ولا أدباً ... وجد في طلب الأموال واغترب
في المال زين وفخر أن ظفرت به ... والبؤس والنحس والادبار في الأدب
وله عند خروجه في سفر:
خرجت مع الركب الغداة مسافراً ... فيا ليت شعري ها أأوب مع الركب
إذا ذكرت نفسي ديار عشيرتي ... تحدر دمع العين سكباً على سكب
وقال:
اقول إذا رمت الحادثا ... ت بي من بحار السى في لجج
ايا نفس صبراً عسى الله أن ... يقدر لي عن قريب فرج
وقال في أحمد الخشنامي:
وذي أدبٍ بر رميت ببعده ... معين على الأيام افديه من أخ
به ارخ المعروف والمجد والعلى ... ولولا تناهى مجده لم يؤرخ
وكنت اشكو البين في ربع فرسخٍ ... فكيف وفيما بيننا الف فرسخ
وقال في غلام تركي:
بليت بقناص الضراغم شادنٍ ... من الترك لم تحلل تمائمه بعد
تضيق علي الأرض من ضيق عينه ... وينزف شعري شعره الفاحم الجعد
وقال من قصيدة:
لا وأفخاذ الصغار ... وأحيراح الجواري (2/198)
وستيةٍ من صبي ... بالغ حد العشاوي
وصغير من بني التر ... ك يسقي بالكبار
لا أطيع العاذل الجا ... هل في ترك العقار
همتي شرب خمورٍ ... من يدي ذات خمار
أو يدي ظبيٍ غريرٍ ... رخو معقود الازار
لست والله على الي ... م مع الزير بزاري
أبو بكر أحمد بن محمد القوهي: أحد فضلاء الزوازنة وشعرائها يقول في شكاية فقهائها لما اختاروا لزعامتهم إسرافيل الغزنوي:
لنا فقهاء شرهم جد محكمٍ ... وإن زل خير منهم فهو ينسخ
اقاموا على الناس القيامة جهرةً ... وجاؤوا بإسرافيل في الصور ينفخ
وله من قصيدة:
كم من مود له عقار ... عقاره شد وهو خفا
أي صار عقار بالتشديد وصار هو مودياً بالتخفيف. أبو يعلى الزوزني: من اشهر فضلائها وظرفائها وهو القائل من نتفةٍ:
لم أزل قائلاً بفضلك في الس ... راء فانظر إلي في الضراء
وهو القائل:
أنلني يا حليف المجد سؤلي ... ولا تنظر إلى ثقل الرسول
فإن ضرورة الأيام تلجى ... أحبيناً إلى الرجل الثقيل
أبو الحسن العبد لكاني: والد محمد العبدلكاني الذي طبق الدنيا بشعره المليح الظريف وكتاب اليتيمة مختوم به وعهدي بملكين يجري شعره على لسان كل منهما وهما الأمير أبو العباس بن مأمون خوارزم شاه والأمير صاحب الجيش أبو المظفر نصر بن ناصر الدين رضي الله تعالى عنهما وارضاهما، فأما والده أبو الحسن فإنه يقول في قريةٍ بهداذين من قرى زوزن ما استظرف البيت الأخير منه وهو:
اشرف ببهداذين من قريةٍ ... عن شاينات العيب في حرز
لكنهما من لؤم سكانها ... حطت إلى الذل من العز
ما إن ترى فيها سوى خاملٍ ... جلفٍ دني أصله كز
لا تعجبوا منها ومن أهلها ... فالسوس لا ينكر في الخز
ويقول في التماجن:
رجل أسدى إلينا صالحاً ... فمعاذ الله إن نجهله
بل نكافيه به أضعافه ... أن من يفس لنا نخر له
أبو علي بن أبي بكر بن حشبوية الزوزني: أنشدني أبو القاسم بن أبي منصور له:
تعجب من مشيبي في شبابي ... كأن لم تلق من قبلي مشيبا
فقلت في ذرى التعجب إن هذا ... زمان يجعل الولدان شيبا
وأنشدني غيره له ايضاً:
ليس من قلة العقول أتينا ... بل لما ساقه الجدود العوائر
كيف نرجو نجاحنا من رئيسٍ ... ليس يحظى لديه إلا مواجرا
ابو الحسن علي بن أبي علي بن جعفر المعروف بابن سيسنبر الزوزني: يقول في معنىً تفرد به وهو يقع في باب تكلم كل إنسان من صناعته وقد مر مثله في ذكر أبي بكر القوهي وغيره:
كفى الشيب عيباً أن صاحبه إذا ... أردت له وصفاً به قلت أشيب
وكان قياس الأصل أن قست شائباً ... وللكنه في جملة العيب يحسب
يعني أن معائب خلق الإنسان في كلام العرب يجيئ أكثرها على افعل مثل أعمى وأعرج وأعور وأزرق وأحول وأقرع وأصم وأبخز وأوقص.
أبو علي الحسين بن أحمد رزغيل:له:
إلى الله اشكو ما لقيت من النوى ... فلم يلق منها ما لقيت متيم
فراق وهجر واشتياق وغربة ... فلله قلب بينهن مقسم
وله:
ولي همة فوق نجم السماء ... ولكن حالي تحت الثرى
فلو ساعدت حالتي همتي ... لكنت ترى غير ما قد ترى
وله:
ابا الفضل ياعين الفضائل إنني ... عليك لمثنٍٍ غير أني قاصر
وإن الذي يرنو إلى الشمس ناضراً ... ليرجع عنها طرفه وهو حاسر
ذكر سائر أهل نواحي نيسابور منهم: طاهر بن عبد الله البيهقي: كتب إلى أحمد بن عثمان الخشنامي الذي تقدم ذكره:
يابن عثمان يا كريم السجايا ... صانك الله عن جميع البلايا
أنت في الفضل والبراعة والظر ... ف وكل الخصال فقت البرايا
صح لما رايتك اليوم عندي ... قولهم إن في الزوايا خبايا (2/199)
ابو الهيجاء علي بن حمدان الخوافي: يقول في الشيخ الإمام الموفق أدام الله عزه:
إن الموفق لو كانت أنامله ... بحراً لآذن أهل الأرض بالغرق
ولو نثرت على الدنيا محاسنه ... ما أنبتت غير حسن الخلق والخلق
ويقول في مطابية اهل زوزن:
إن التكهرش عادة يحظى بها ... أهل المروة والذي يتظرف
لكنه في أهل زوزن عادة ... مطبوعة ولأهل خواف تكلف
ابو العباس محمد بن إبراهيم الباخرزي: غرة شادخة في وجه ناحيته مرغوب في شعره، أنشدني أبو القاسم علي بن الفضل القائني رحمه الله قال أنشدني أبو العباس الباخرزي الكاتب لنفسه وكان إذ ذاك يكتب للشيخ العميد أبي القاسم منصور بن محمد بن كثير أدام الله عزه بغزنة:
قل للأمير السيد النحرير ... فقت الورى وفضلت كل أمير
إن شئت أن يزداد ملكك بسطةً ... بوزيرٍ ابن وزير ابن وزير
فعليك بالشيخ العميد المرتجى ... منصور بن محمد بن كثير
فيكون في الديوان صدر وسادةٍ ... ويكون في الأيوان صدر سرير
وذكر اسم الممدوح واسم أبيه وجده معاً صنعةٌ حسنةٌ في محاسن الشعر فإذا اتفق مع ذلك ذكر الكنية فناهيك به كما قال الأصمعي الشاعر للشيخ أبي الحسين محمد ابن كثير رحمه الله تعالى يوم استوزر ببخارا:
صدر الوزارة أنت غير أنت غير أنت ... لأبي الحسين محمد بن كثير
فاحسن في الجمع بين الكنية والاسم واسم الب وجنس بذكر كثير وكثير فإن كان الباخرزي قصر في ذكر الكنية فد برع في ذكر اسم الجد وقول الأصمعي أبرع وأحلى ولم أسمع في مثل هذا اشف من قول أبي القاسم الأليماني من قصيدةٍ إلي الشيخ الجليل أبي علي محمد بن عيسى الدامغاني فإنه ذكر بلدة الممدوح وبها كان يعرف فأتى بالاسم والكنية واسم الب والبلدة ولي في مثل هذا النقد واشبهه من صنعة الشعر وصيغته ومحاسنه ومعانيه كتاب يقع في مائة بابٍ وقد ابتدأته ولم أتممه بعد وارجو أن يوفق الله لإتمامه ومن عزمي أن لا اقتصر فيه على النظم دون النثر وأن أعنونه بسر الصناعة إن شاء الله تعالى. عاد ذكر أبي العباس ، حدثني أبو علي بن أبي الطيب قال كتبت إلى أبي العباس وهو بغزنة هذين البيتين:
الله اسأل أن اراك قريباً ... ويعود عود الوصل منك رطيبا
حتى تكون لداء فرقتك الذي ... شق القلوب وطبيبا
فأجابني بهذه الأبيات:
استودع الله الحفيظ حبيبا ... يحكى إذا نظم القريض حبيبا
متطبعاٍ طبع الشآم مبرزاً ... متدرعاً طرف العراق أديبا
ضافي المروءة ناشياً أو يانعاً ... صافي الأخوة مشهداً ومغيبا
حقت به لأبيه كنيته التي ... يزداد فيها كل يومٍ طيبا
فخراً به يا أهل مالين التي ... لولاه كان به الأديب غريبا
وأنشدني له أيضاً من نتفةٍ في الهجاء:
ما فيه فضل ولا عقل ولا أدب ... ولا حياء ولا دين وإيمان
لو خط في الخبز حرف من معائبه ... لم يأكل الكلب منه وهو غرثان
أو شيب بالماء شيء من خلائقه ... لم يشرب القرد منه وهو عطشان
وله في الشكر والاستعفاء من كثرة البر:
مهلاً فما بعد هذا البر امكان ... وليس فوق الذي أحسنت أحسان
فالماء أن جاوز المقدرا مهلكة ... والعدل أن جاوز المرسوم عدوان
أن الصابع خمس وهي كاملة ... فإن يزدن قذاك الفضل نقصان
ابو علي الحسن بن أبي الطيب الباخرزي أيده الله تعالى: فتى كثر الله فضائله وحسن شمائله فالوجه جميل تصونه نعمة صالحة والخلق عظيم تزينه آداب راجحة والنثر بليغ تضمنه أمثال بارعة والنظم بديع كله أحاسن لامعة وأنا كاتب من نثره ما يربي على الدر المنثور ومن نظمه ما يأخذ بمجامع القلوب، جملة من الفاظه في كل فن:
نعم العادة للإنسان إعادة الإحسان. لاتجعل الجزع كسوة فتكون للنسوة أسوة. طوبى لمن عقله يغنيه عما لا يعنيه. من قنع بما يكفيه فرايك فيه. العذل على البذل فعل النذل. السعيد من يبدئ البر ثم يعيد. الشقي من شكاه التقي. لاتضطرب في مخالب المحنة فتمزقنك بأنياب الاحنة. من تزود التقى استمسك بالعورة الوثقى. من دفىء بجمر الخمر عري من برد البرد. أنزه المناظر والمجالس ما سافر فيه ناظر الجالس. الوصب نتيجة النصب والراحة ثمرة الإستراحة. الصبر على الأوصاب أمر من الصاب. ردائة الملبوس شعار البوس وجودة البزة علامة العزة. من نكد الدنيا طول حياة الحيات وقصر آجال الرجال. الرحيق على الريق حريق وبعد الطعام برد وسلام. لا يستبدع العبوس من المحبوس. لو كان الهدد طبيباً لصير بيته طيباً. من يعدم خيرك يخدم غيرك. الطبع على الرخيص حريص وللغالي قال. فلان لا يمسكني فاقر ولا يتركني فافر. فلان يخلف عداتي ويشمت عداتي. ماشئت من لفظ بار ورزق غير داري. لا اشتغل بوصف الشوق فقد كبر عمرو عن الطوق ولا بشرح0 المودة الجانبين فقد بين الصبح لذي عينين. فصل: لحى الله زماننا من زمان سقط فيه سعر الشعر وظهرت كآبة الكتابة وانخفض علم العلم ونصب نهى النهي وعز وجود الوجود وانسد باب الألباب وانطوى بساط الإنبساط وارتفع قدر القدر وانقطعت فائدة المائدة وخابت وسائل السائل وقامت سوق الفسوق. ومن بدايع شعره ولطائفه قوله في غلامٍ صوفي لم يسبق إليه: (2/200)
وشادنٍ يدعى التصوف قد ... أورثت الحور حيرة صفته
أصفى له مهجته تصوفه ... ورفعت توبتي مرقعته
قوله في غلام خياط:
قولا لخياطنا خفياً ... يا أوحد العصر في الجمال
قد مزق الهجر ثوب صبري ... فجد بخيطٍ من الوصال
وقوله في غلامٍ مزين:
مزين زانه حسن وإحسان ... فما يشاكله في الشكل إنسان
حمامة كجحيم من حرارته ... لكن متى تأته يخدمك رضوان
ومن افراد معانيه قوله في التلفيق بين النبل والقوس:
وبدر اعير قوام النبال ... تقوست من هجره كالهلال
ولما تراءى غداة الودا ... ع كالنعمة اقتربت من زوال
أطلت الحنين وزدت الأنين ... واصبحت من سوء حالي بحال
كذاك القسي تطيل الأنين ... إذا كلفوها فراق النبال
وقال في مختطٍ قارب الالتحاء:
يا بدر أنك قد بلغ ... ت من الجمال مدى كمالك
أخشى عليك دجى الكسو ... ف وقد بدت آثار ذلك
عهدي بخالك وهو عي ... ن الدهر يشغل عن جمالك
فباي عذر قد ستر ... ت بكم خطك وجه خالك
وقوله في مختط خطاط:
قد قلت لما فاق خط عذاره ... في الحسن خط يمينه المستملحا
من يكتب الخط المليح لغيره ... فلنفسه لا شك يكتب أملحا
وقوله في صبية مليحة توفى ابوها فأفطرت في الجزع:
ودرة حسنٍ أنفدت حسن صبرها ... وفاة ابيها فهي تبكي وتجزع
فقلت اصبري فاليتيم زادك قيمةً ... اليس يتيم الدر ابهى وابدع
وقوله في قينة بيدها كاس:
ظللت افكر طول النهار ... وقد حملت ذهبي العقار
افي يدها ذهبي العقار ... باحسن أم ذهبي السوار
وقوله:
سأعمر بالشراب شباب عمري ... وترك الشرب قبل الشيب لوم
ابذل فضل مالي قبل موتي ... فمورث مالي عندي ملوم
وأهزم بالعقار جنود عقلي ... لكيلا يشغل القلب الهموم
ولا أختار قبل الشيب زهداً ... لأن البقل قبل الخبز شوم
ولا ارجو دوام العمر علماً ... بأن العمر شيء لا يدوم
وقوله في ذم الشراب:
لاتسقنيه فإني أيها الساقي ... اخاف يوم التفاف الساق بالساق
هذا الشراب يهيج الشر نشوته ... فميز الشر عنه واسقني الباقي
سعني اسقني الماء القراح بالفارسية، وقوله في غلام اصهب الشارب:
بدت صهبة في مسك شارب مالكي ... فأطرق عشاق وعابته أعداء
وشاربه لا غرو إن كان اصهباً ... فمرتعه ورد وسقياه صهباء (2/201)
وقوله:
حشوت قلوبنا بقلى ومقت ... لفرط رعونةٍ في كل وقت
فإن تك قد جلست اليوم فوقي ... فربت ليلةٍ قد نمت تحتي
وقوله:
لنا صاحب للزاد آكل من رحىً ... ولكنه للراح أشرب من قمع
إذانحن ضفناه تغير وجهه ... ومهما اضفناه تلألأ كالشمع
وقوله:
دعاني أحمد قبل الشروق ... وأمسكني إلى وقت الطروق
ولما جعت عشاني لديه ... بقرص الشمس مع بيض الأنوق
ابو جعفر أحمد بن الحسن بن الأمير الباخرزي الخطيب: قاضي الظراف، يقول في زعيم ناحيته أبي سعيد خداش بن أحمد:
ولي أبداً امران يكتنفانني ... هما عدتا ديني ودنياي سرمدا
شهادتي التوحيد لله خالصاً ... وحبي في الدنيا خداش بن أحمدا
ويقول:
اهيم بذكر التيرشاذ صبابةً ... وما بي إلا حب من حل واديها
وإن نسيماً من رياح جبالها؟؟ ... أحب من الدنيا إلي وما فيها
ويقول:
بحق النبي وحق الوصي ... وحق المشاعر والقبلة
أنلني مرادي يا منيتي ... وما أن أروم سوى قبلة
؟؟؟؟؟؟سائر اهل بلاد خراسان ابو نصر أحمد بن علي بن حفص العمروي ايده الله: فرد طوس وغرتها وحسنة النوقان ونكتتها وأدب غزيز يجمع الفضل أطرافه ومجد قويم تحرس المروة أكنافه وأنا كاتب من شهره ما هو أدنى فضائله كقوله في الغزل:
مشوش الصدغ ساحر الحدق ... معشق الخلق فاتن الخلق
كأن صدغيه فوق عارضه ... من غسقٍ رفرفٍ على فلق
وقوله في فتى جاءه بآلات البخور ليبخره:
ومورد الخدين با ... در نحو عاشقه بمجمر
بالنفخ صير عوده ... ما بين مجمرةٍ معنبر
وبماء وردٍ خلته ... من ورد عارضه المنور
حييته ولعاً وقل ... ت له مقالاً ليس ينكر
نفحات ندك دون مس ... ك فوق عارضك المكفر
والورد في خديك نا ... ب عن ابنة الصافي الممطر
فاحمر وجنته واظ ... هر حسنه ماكان مضمر
وبدت لآل منه في ... صدف من الياقوت أحمر
وقولٍ:
تحت القلنسوة السوداء لي قمر ... تحار في حسنه الألحاظ والفكر
في سرجه غصنٌ بان منه بان لنا ... من العقيق كمامٌ نوره درر
في وسطع أنجم الجوزاء لائحة ... فوق الكثيب ومن أعلاه لي قمر
وقوله:
وبنفسجي الثوب حياً مدنفاً ... ببنفسجي بستانه وعذاره
غصن بدى لي في قباء بنفسجٍ ... منه وبدر لاح من أزراره
ولو حضرني شعر أخويه أبي عمر حفص وأبي عبد الله محمد ابني علي بن حفص أيدهما الله لكتبته فهما هما في الفضل والأدب والغض والكرم المحض وإذا حصلت ألحقته ولم أشن كتابي بالخلو منه إن شاء الله تعالى
أبو علي الفضل بن محمد بن الحسين الطبرستي : من أنجب شبان طوس وأجمعهم للمحاسن والفضائل وابرعهم في النظم والنثر على غضاضة عوده واقتبال شبابه وهو خلف من أبيه أبي الحسين رحمه الله إذ كان عزة شادخة في وجه بلدته جامعاً بين الأدب والشعر والفقه فاحتضر وما مات من خلف مثله ومثل أخيه أبي القاسم وقد كتبت بعض ما وقع إلي من شعر أبي علي كقوله:
فديت من قد جفاني في مودته ... لكنني لهواه لا أكافيه
إني نظرت إلى فيه فلم اره ... حتى رنوي إلى فيه نكى فيه
لو صيغ خاتمه للخصر منطقةً ... منه لكان للطف الخصر كافيه
وقال ايضاً
سبى القلب بدر سر عيني طلوعه ... صباحاً فوا قلباه عند غروبه
إذااستل سيف الهجر فاضت توجعاً ... غروب شؤوني من شؤون غروبه
وله أيضاً في الهجو:
غير المعقول عيوبه كالواو من ... عمرو يرى واللفظ عنه قصير
كالنون من زيد يقال مديحه ... باللفظ لكن لايراه بصير
وله في شكوى الزمان:
لقد ضقت ذرعاً من عجائب ذا الدهر ... يوافق نزلاً ثم يسطو على حر (2/202)
ترى الحر فيه معسراً ليس عنده ... ولو بلغ المجهود غير اذى الفقر
وكل لئيم في رخاء ونعمة ... كذلك أمور الدهر تجري على القدر
على ذاك أن الحر يلقى افتخاره ... ورفعته في الفضل لا اليسر لا اليسر والعسر
وكم معسر فيه الفضائل جمة ... وكم موسر لا فضل فيه مع اليسر
وله في نسيب قصيدة:
أبيت مسهداً أبكي انفرادي ... بمن هو في رقاد من سهادي
تعاطى الجسم من عينيه سقماً ... فعاضت عينه مني رقادي
وصوبني انحناء الصدغ منه ... فعلم صدغه قلقاً فؤادي
وفي هذه القصيدة قال للمدوح:
خلائقه الحميدة حين تحصى ... على الأيام تأبى عن نفاد
ابر من الأنام وأن يفدى ... له طوعاً إذا ما عن فاد
لئن قبلت يد الأعسار حراً ... تجده لما جنت يمناه وادي
فصار المجتدون إليه طراً ... من الآفاق طامحه الهوادي
والقوا من يديه ما تمنوا ... وبشرهم نداه بالمعاد
يبالغ جاهداً في الجود حتى ... ينيل نوال كفيه الأعادي
ابو القاسم عمر بن عبد العزيز السرخسي الملقب بالجكرزي من أظرف خلق الله وأحلاهم مذاق معاشرة وأعذبهم مساغ منادمة وأجمعهم بين جدٍ كعلو الجد وهزل كحديقة الورد ومجونٍ الطف من نسيم الصبا وشعر كعهد الصبا كقوله:
ما قولكم من ماجن ... النيك أكبر همه
لم يلق في الدنيا حراً مذكان غير حرامه
وقوله:
هبت رياح معاشر عاشرتهم ... ووجدت ريحي أو لعت بسكون
فعجبت منه وقلت بعد تلهف ... يا ليت قوماً نكتهم ناكوني
وقوله:
قالوا التحى قلت مهلاً ... حديثنا ذو شجون
قد كان بدر تمام ... فعاد كالعرجون
ولست أعمى ولكن ... أنيكه لمجوني
وكتب إلى صديق له مع عراضة هروية أهداها له:
ايها الفاضل الذي قد كستني ... غر آدابه من العز ريطا
في است قاليك الف زب من القب ... ط وهنيت فستقاً وقبيطا
وقال للشيخ الحجاج بن الشيخ أبي العباس الإسفرايني وقد خر سقف دهليزه بسنا فتطير من ذلك
أتاك السعد مشدود النطاق ... يبشرنا بعزك فهو باق
وشيد عند بابك للمعالي ... رواقاً رائقاً عالي المراق
وأحكم صنع هيكله فاضحى ... رواق الطين قالب ذا الرواق
فلما تم واستعلى مشيداً ... على حسن التئام وإتساف
تولى السعد نفض رواق طينٍ ... كذاك يهد قالب كل طاق
وكتب إلى صديق مع هدية:
النمل تعذر في مقدار ما حملت ... والعبد يعذر في مقدار ما ملكا
ولو أطاق لأهدى الفرقدين معاً ... والشمس والبدر والعيوق والفلكا
وكتب إلى صديق له دعاه في يوم فطر:
إن شهر الصوم ضيف نازل ... فإذا ما حل فانشط لقراه
وقمد الفيل يوم الفطر في ... سرم من يفطر في بيت سواه
العمركي الميهني اشهر شعره وأجوده قوله:
إذا أردت أن تعيش سالماً ... فكل ما لم يك يعينك فدع
وإن طلبت الرزق فاقنع بالذي ... اوتيته واقطع من الناس الطمع
سل رب مسؤوليك تعط إنه ... من سأل السائل خاب واتضع
فأنت والناس عبيدٌ واحد ... من شاء أعطاه ومن شاء منع
أبو بكر النوسي الفقيه: هو محمد بن القاسم وقد ظرف وملح في قوله لغلام صائغ ولم اسمع فيه غيره:
وشادن صائغ هام الفؤاد به ... وحبه في سواد القلب قد رسخا
يا ليتني كنت منفاخاً على فمه ... كيما اقبل فاه كل ما نفخا
وله أيضاً فيه:
وقد كنت ذا قلب رخي فارغ ... حتى ابتليت بحب بدر بازغٍ
ولقد رضيت بأن أكون سبيكة ... فاصاغ في حانوت ذاك الصائغ (2/203)
أبو منصور قسيم بن إبراهيم القائني الملقب ببزرجمهر: شاعر مفلق مبدع باللسانين من شعراء السلطان الأجل أدامه الله تعالى ملكه، يقول في استطالة الشتاء واستبطاء الربيع ما تفرد بمعناه وأحسن كل الإحسان في التشبيه البديع حيث قال:
لقد حال دون الورد برد مطاول ... كأن سعوداً غيبت في مناحس
وحجب في الثلج الربيع وحسنه ... كما اكتن في بيضٍ فراخ الطواوس
وله في الهجاء البديع:
بخلتم فود المشركون لو أنهم ... فدورهم كيلا تمسهم النار
وقال ايضاً:
رايتك تبغي بسوء الصنيع ... ثناءً جميلاً مسوقاً إليكا
وتغسل قبل الضيوف اليدين ... كأنك تغسل منهم يديكا
ابو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي : أديب كاتب شاعر كثير المحاسن سمع قولي في كتاب المبهج كأن ورق النرجس ورقٌ وعينه عين فنظمه بقوله:
ونرجس قد له القد من ... زبرجدٍ في قدر شبرين
فالورق الغض مصوغ له ... من ورقٍ والعين من عين
وأنشدني لنفسه في الورد :
قلت للورد هل ترى لك بداً ... من رحيلٍ يسوءنا منك جدا
قال احكي الحبيب لونا ولينا ... ونسيماً كما أحاكيه صدا
وأنشدني لنفسه في معنا تفرد به:
الله اشهد والملائك إنني ... لعظيم ما أوليت غير كفور
نفسي وقاؤك لا لقدري بل ارى ... إن الشعير وقاية الكافور
وفي هذا المعنى بعينه:
نفسي فداؤك وهي غير عزيزة ... في جنب نفسك وهي جد غزيز
ولقد يقي الخز الثمين اذاته ... في وقته كف من الشونيز
وله في الشيب:
فرشت لشيبي أجل البساط ... فلم يستطب مجلساً غير راسي
فقلت لنفسي لا تنكريه ... فكم للمشيب كراسي كراس
وأنشدني لنفسه:
عسى المهم المخوف يكفي ... لطيفة من لطائف الله
فلطف صنع الآله عندي ... وظيفةً من وظائف الله
القاضي أبو أحمد منصور بن محمد الأزدي الهروي : قد ضمنت كتاب اليتيمة ذكره إلا أني لم أعطه حقه ولم اقدر قدر لعلتين إحداهما إني في ذلك الوقت لم يكن وقعت بيني وبينه معرفة ولا اتفقت لي بعظم محله وعلو فضله إحاطة والأخرى إن محاسن نظمه وبدائع نثره قلت لدي إذ ذاك بل عزت واعوذت ثم طلع علي من بعد وتقدر لي التقاء به بعد فراغي من كتاب اليتيمة فأحدثت مناسبة الأدب وذمة المعرفة وحرمة الغربة بيننا حالاً هي القرابة أو اخص وامتزاج النفوس أو أمس وشملني من جلائل مننه ودقائق كرمه ما اثقل ظهري واستنفد شكري وجمعت يدي من غرر كلامه ودرر نظامه على ما يميز له الليل المظلم ويتصف به الدهر الظالم وقد أودعت الآن كتابي هذا لمعاً من نثرة ونظمه تتلافى الفائت وتجبر الكسر إن شاء الله تعالى وبه الحول والقوة. فقر ولطائف ونكت من منثور كلامه: فصل: كتبت ويدي واحية وعيني ماحية فسل بي الأرق وأنا لا أحمل الورق ولا افل القلم فاصف الالم
فصل: بي أيد الله الشيخ رمد وفي الهواء ومد ولقاء الشيخ فرج ولكن ليس على الأعمى حرج لا سيما والمجلس وطي والمركب بطي ووهج الصيف يثير الرهج ويذيب المهج. فصل: عبده الذي يحب الحياة لخدمته وينشر محاسن دولته بلسانٍ فيضه المدح والثناء وقلب حشوه الود الدعاء. وكتب إلى صديق له حياً بباكورة وردٍة فردة. وصلت ايد الله الشيخ الوردة الفردة لا زال ذكره كرياها عرفا ودهره كفضلها ظرفاً وحال أوليائه كأصلها خضرة ووجوه أعدائه كلونها صفرة فسرت الكرب وسرت القلب وأدت الأدب وأهدت الطرب ودعت إلى الرسم المألوف وأمرت بالمنكر المعروف وافتنا والليل قد حط رواقه وحل نطاقه والصبح قد بسط رداءه ورفع لواءه والجو قد أخذ زيه الأحسن ونشر مطرفه الأدكن والندى طل والنسيم مبتل والمزن منسجم وثغر الصبح مبتسم ونحن نبوح بما في الصدور ونطير بأجنحة السرور فوضعت الوردة على الرؤوس وأديرت مع الكؤوس ونطقت الأوتار فمع كل نفرة نبرة ومع كل نبرة نعرة ومع كل ضربة طربة ومع كل طربة شربة ولكل ذي فطنة فتنة ولكل ذي توبة أوبة ومع كل ذكرة فترة وعند كل لفتة حسرة ومع كل دورة سكرة. وله من كتاب صدر من بغداد: كتابي أطال الله تعالى بقاء الشيخ وقد محا الشوق اصطباري وحل الشيب يلعب في عذاري (2/204)
وما إن شبت من كبر ولكن ... لقيت من الحوادث ما أشابا
والهموم إذا لقيت الصخر أذابته ففيما أتعجب ومنها إن لقيت الشعر فأشابته ووصل كتابه فأعاد الروض الممطور والوشي المنشور ووجدت كلامه يستفيد تحت مر الأيام ما يستفيد الروض تحت صوب الغمام فيزداد قوة اصول وبهجة فصول
مثل الهلال بدا فلم يبرح به ... صوغ الليالي فيه حتى أقمرا
فهو بحمد الله كما يلتقي الوشيان وشي الربا ووشي البرود ويجتمع الوردان ورد الجنى وورد الخدود غير أن رقة الشكوى تركته دمعاً ينسكب وجمراً يلتهب وعلمت أنه صدر عن صدر وافٍ وودٍ صاف فإن اللسان يؤدي عن القلب ما يخفيه وإنما يرشح كل إناء بما فيه وبحسن الكلام تعرف صدق الوداد وفي خضرة الروض تحسن آثار العهاد
ومما قالت الحكماء قدماً ... لسان المرء من خدم الفؤاد
وما أنا معه إلا الطرف والرقاد والصدر والفؤاد، ذكرى مدينة السلم وحضرة الإسلام ولونطق عن اختبار لأجرى القول إلى الإختصار وما أبعد الطعوم من الألوان وما أبين البون بين السماع والعيان فإن طرة رأفتك فأخبر فربما أمر مذاق العود والعود أخضر بلى ما شئت من أشواق وأندية وأطواق وأردية ثم قف العطايا ولا تبدي الخفايا فإن جازت كسوتهم إليهم فليس وراء عبادان قرية وأنا في إجتواء بغداد للإجماع خارق وللجماعة مفارق ولكنه اجماع ماانعقد على تحصيل ولا استند إلى اصل اصيل وها أنا اقيس هراة إليها بل افضلها عليها
فوالله ما أدري ازيدت ملاحة ... على الأرض أم رأي المحب فلا أدري
نسخة كتاب له إلى شمس الكفاة رحمه الله تعالى عند عود الوزارة إليه ولم يقصد الشعر
الشمكس في راد الضحى ... والبدر في جنح الدجى
والماء في حر الصدى ... والغيث جاد على الثرى
والمزن يضحك في الربى ... والورد جمشه الندى
والصبح يقدمه الصبا ... والعيش في زمن الصبا
والقرب صب على النوى ... والقلب رق مع الهوى
والطرف غازله الكرى ... والصفو باعده القذى
والحلى في ثغر الدمى ... ومنازل لك بالحمى
وعهود سعدى باللوى ... والدهر يسعد بالمنى
والبرء في عقب الضنا ... والفقر يطويه الغنا
والبشر يتبعه الندى ... والنشر من بعد البلى
والود في أثر القلى ... والمحل يطرده الحيا
والعتب يمحوه الرضى ... والكف تسمح باللهى
ومذاكرات ذوي النهى ... والراي يعضده الحجى
والجد ساعد فاعتلى بها وما لها من الأمثال سارت سوائر الأمثال فيما يونق النفوس والطباع ويونس الأبصار والأسماع وأحسن من هذا كله أيام الشيخ الجليل وقد أتاه اسم ما لم يزل معناه
فيا حسن الزمان وقد تجلى ... بهذا الفخر والإقبال صدره
وكان الدهر يعذر قبل هذا ... فحل وفاؤه وانحل عذره (2/205)
تصدر للوزارة مستحق ... تساوى قدرها شرفاً وقدره
فقل في النصل وافقه نصاب ... وقل في الأفق اشرق بدره
فالحمد لله الذي زان الشجر بالثمر وحلى البرج بالقمر وأنس العرين بالأسد وأهدى الروح إلى الجسد لم انس أدام الله علو مولانا رسم التصدير وما يجب من مراعاته على الصغير والكبير ولكن التهنئة المرسومة تتهاداها الأكفاء وتتعاطاها النظراء فأما الخدم مع الصدور والنجم التاليات مع الأهلة والبدور فالعادة فيها الوفادة ثم إن تعذرت الإرادة ولم تساعد السعادة فالدعاء موصولاً منشوراً والثناء منظوماً منثوراً وعلى هذه الجملة عملت وإلى هذا الجانب عدلت فأصدرت كلمة نتجها الود الصريح ونسجها الولاء الصحيح
فجاءت تودي وجوه الريا ... ض اضحكها العارض الهامع
وليس لها غير عين الرضى ... لديك زمام ولا شافع
وهذه ملح وظرف من شعره كتب إلى بعض ندمائه قصيدة منها:
كتبت ولي بذكراك انتعاش ... ولكن بي من السكر ارتعاش
وللشادي نشاط وانبساط ... وللساقي احتثاث وانكماش
وما يروى العطاش بغير ماء ... وأنت الماء إذ نحن العطاش
فإن تسرع فوجهي والندامى ... وإن تبطئ فحيني والفراش
وقال في فتى فأمرة
رشأ فتور جفونه ... يهدي الفتور إلى البشر
ورد الجمال بخده ... ينبث في ورد الخفر
قامرته بالكعبتي ... ن مساهلاً حتى قمر
فازداد حسناً وجهه ... لما رأى وجه الظفر
فنعرت نعرة عاشقٍ ... قمر القمر قمر القمر
وله:
أفدى الذي كلما تأمله ... طرفي كاد الضمير يلتهب
ينتهب اللحظ ورد وجنته ... ولحظه للقلوب منتهب
وله في النرجس:
ومهفهفٍ لما تثنى خلته ... غصناً يجد به النسيم ويلعب
أومى إلي بكاسه فشربتها ... وحسبتني من وجنتيه اشرب
ودنا إلي بطاقةٍ من نرجسٍ ... فحسبت بدراً في يديه كوكب
وله أيضاً في الورد الصفر:
أنسيت إذ نبهت من نبهته ... والفجر من خلل الدجى يتنفس
يسعى إليك مع المدام بوردة ... صفراء يحكيها لمن يتفرس
كعب من الميناء ركب فوقه ... جام من الذهب السبيك مسدس
وله فيه أيضاً:
أدر المدامة يا غلام فإننا ... في مجلس بيد الربيع منجد
والورد أصغره يلوح كأنه ... أقدام تبرٍ كعبت بزبرجد
وله في الشراب على الثلج:
قم لاعدمتك فاسقني من قهوةٍ ... لو أبرزت للشمس أخفت نورها
وانثر على الذهب اللجين أما ترى ... نثر السماء على الثرى كافورها
وله في البنفسج:
طلع البنفسج زائراً أهلاً به ... من وافد سر القلوب وزائر
فكأنما النقاش قطع لي به ... من أزرق الديباج صورة طائر
وله في ترجمة فارسية:
رأيت غذاء الطفل درة أمه ... وإن غذاء الشيخ صرف من الخمر
فراجع من الجام الفراش عشية ... وفارق من الجام الفراش مع الفجر
وله في مطرب مختط:
وشادنٍ تفعل ألحاظه ... بالقلب ما لايفعل السحر قط
لم أنسه يكسر أعطافه ... والورد من وجنته يلتقط
مرتبط البربط في حجره ... يا ليتني بربطه المرتبط
معتدلا ضرباً وصوتاً معا ... كما التقى للعين خد وخط
وله:
حتى متى وإلي متى ... أقصر بذرعك يا فتى
فكأنني بك ناظراً ... في أثر صيد أفلتا
لا تحسبن جمال وج ... هك دائماً لك مثبتا
فالخط يفعل ما عمل ... ت وما علمت وقد أتى
وكتب ببغداد إلى صديق له يدعوه في أيام الورد وبلغه أنه متشاغل بالنرد:
نحن بالنجمي في يو ... م كما ترضاه ابلج
ناضر النبت رقيق الجو ... رطب الطل سجسج (2/206)
بين منثور وخيري ... وورد وبنفسج
ولنا وجه من الجو ... نة كالروض مدبج
ومع اللفات وسط ... وشواء وملهوج
ولنا راح كمثل النا ... ر في الكاس تأجج
ومغن ساحر الألحا ... ظ ساجى الطرف أدعج
فإذا شاء تغنى ... وإذاشاء تغنج
فاختر الورد على النر ... د وجئنا نتفرج
وله في أمرد التحى:
يا من أناف بلحية تيسية ... بدلتنا بالورد شوك العوسج
قد كنت تونسنا بطلعة كوكب ... فرجعت توحشنا بطلعة كوسج
وله:
الله جار عصابة رحلوا ... ساروا وقلب الصب عندهم
مالشان ويحك أنهم رحلوا ... الشان إني عشت بعدهم
وله:
سكوتي كلام والكلام سكوت ... ولي طمع أحيا به وأموت
وليس لروحي غير قربك راحة ... ولا لفؤادي غير حبك قوت
وصبري قليل والهموم كثيرة ... وأنت بخيل والزمان يفوت
ومن لي بحسن الصبر عنك وإنما ... وصالك لي ماء وقلبي حوت
وله أيضاً:
من وجهه كالقمر الفرد ... أقبل في قرطقة الوردي
يسعى على الورد برودية ... يكسد سوق العنبر الورد
فاغد علينا تر ما شئت من ... وردٍ على ورد على ورد
وله من قصيدةٍ:
شمائل مشرقة عذبة ... تعادل رقتها والصفاء
فهن العتاب وهن الدموع ... وهن المدام وهن الهواء
وكتب إلى مؤلف الكتاب:
جعلت لك الفداء لو أن كتبي ... بحسب تكثري بك واعتدادي
إذا لجعلت أقلامي عظامي ... وطرسي مقلتي ودمي مداوي
ابو القاسم طاهر بن أحمد الهروي: صاحب البريد كان بنيسابور رحمه الله تعالى غزير الأدب حسن الترسل مليح الشعر منفرد عن اقرانه بالفضل أنشدني لنفسه:
اعيذ علاه أن يكون ابتداؤه ... زيادة علياه بنقص صديقه
وأنشدني أيضاً لنفسه:
إذا انتهز الأحرار للجود فرصةً ... فللمنع والتعويق ينتهز الفرص
وإن ذكرت بيض الأيادي فإنما ... يد لك لا تبيض إلا من البرص
وأنشدني له بعض بلديه وأنا اشك فيه:
ضمان على الإقبال ما أنت طالب ... وحتم على الأيام أنك غالب
وما هذه الدنيا لغيرك فانتظر ... مواعد ما تومي إليه العواقب
رواقك ممدود وجدك صاعد ... وجندك منصور ونجمك ثاقب
وهذه فصوص من فصول رسائله: من شكر البحر على التدفق والشمس على التألق والمسك على التارج والصبح على التبلج فقد عاد بتكلف غير مربح وسعي غير منجح فصل: قصر كتاب الشيخ قصوراً ترك الهم طويلاً والصبر قصيراً وأورث القلب تفكراً والعيش تكدراً.فصل: وصل كتابه فحكى الرياض مجودة والأماني موجودة والمسرات آتية والنعم مواتية.فصل: توقعت اتجابا فلم ار إلا حجابا وتوسلت بالحقوق السالفة فلم أحصل إلا على المعاذير العاثرة وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
أبو مسعود عصم بن يحيى الهروي: من حسنات هراة وامزاد أدبائها وفضلائها، أنشدني لنفسه:
يهنئني الأنام بخصب روضٍ ... حللت بجنبه خضل مطير
وما خضب الرياض بنافع لي ... إذا ما كنت في طول قصير
وله على لسان صديق قدح النار بحضرته فلم يور:
إن كان زندي كبا في مهنةٍ عرضت ... وصادفت غبية الخدام عن داري
فإن سيفي لا تكبو مطاربه ... يوم الجلاد وزندي في العلى وار
وله في العيادة:
مولاي إن فؤادي جمرة تقد ... والدمع مني على الخدين مطرد
إني لأكره أن القاك مشتكياً ... فلا اقاسمك الشكوى التي تجد
المعروف بن أبي الفضل الدباغ الهروي: أنشدني له أبو علي الحسين بن محمد الكاتب النسفي المقيم كان بهراة في هجاء بوشنج وأهلها:
إذا سقى الله أهل منزلةٍ ... فلا سقى الله أرض بوشنج
كأنها في اشتباك بقعتها ... خربها الله نطع شطرنج (2/207)
قد ملئت فاجراً وفاجرةً ... أكرم منهم خؤولة اللزنج
كأنما صوتهم إذا نطقوا ... صوت قمدٍ يدس في فرج
الأستاذ أبو زكريا يحيى بن عماد السجزي: المقيم كان بهراة رحمه الله تعالى هو أشهر وذكره أسير من أن ينبه على محله وكان أمةً في علم التذكير والقصص ومتفرداً عن أهل طبقته بفضل الأدب وبلغني أنه كان في ابتداء أمره يتكسب بالشعر حتى رفع الله عنه قدره وأعلى أمره.ورفعت إليه قصة فيها:
أيها العالم أنت ال ... يوم للعالم قبلة
عاشق خاطر حتى ... سلب المعشوق قبله
أفتنا لا زلت تفتي ... أيبيح السلب قبله
فوقع تحتها:
ايها السائل عما ... قد يبيح الظرف فعله
قبلة العاشق للمع ... شوق ولا توجب قتله
وقال للشيخ الإمام أبي الطيب سهل بن محمد بن سليمان رضي الله عنه:
سقى الله نيسابور صوب غمامه ... وخص أمام الدين سهلاً بوابله
تتيه على البلدان أرض ثوى بها ... كما تاهت الدنيا بطيب شمائله
ومن اشهر شعره وأسيره قوله:
أرى على الأدبار هما ... وبالإقبال مهلكة لديني
فما أجد بأغبط من نقي ... تمدد في الضريح على اليقين
نجا من باطل الدنيا سليماً ... وفاز برحمة الحق المبين
أبو علي البوشنجي الفلجردي: يقول لما حج:
كتبت إلى سادتي من منى ... وإني لفي غايةٍ من منى
ابطحاء مكة هذي التي ... اراها عياناً وهذا أنا
وهو القائل:
وكان ببوشنج وال مهيب ... إذا ما رءآه البري اقشعر
فمر وأمر من بعده ... فتى لو رءآه الخصي انتشر
أحمد بن حمج بن الأشعث البوشنجي: عربي المحتد بوشنجي المولد طوسي الموطن دخل إلي فانشدته بيتاً جمع كنية الممدوح واسمه واسم أبيه فكتب إلي صديقه أبي يوسف يعقوب بن أحمد وهو أحد من يتضمن الكتاب ذكره وشعره:
فلئن غيبت عن منزل أهلي ... وغدا جسمي عن الأوطان مبعد
فلقد بلت يميني بكريمٍ ... من أبي يعقوب بن أحمد
ابو عبد الله الحسين بن علي البغوي: كان مفخرة كنج رستاق ولم تخرج مثله في الجمع بين الإحسان في الترسل والإتيان في الشعر بالدر وكان كما قال الصاحب إني ليعجبني أن يكون الكاتب شاعراً كما يعجبني أن يكون الشعر سائراً. وأنا كاتب غرراً من نثره تقدم ملحاً من شعره بإذن الله ومشيئته:فصل: وصل كتاب الشيخ ووضعته على عيني فكان لها بروداً ونشرته فكأني انشر بروداً وتذكرت زماننا إذ الأيام عز والدهر غر والعيش غض وطررف الحدثان مغضوض. فصل: أنا أهدي إليه من السلام ما يحكي النسيم السحري والعنبر الشحري والنرجس الطري والأترج الطبري والورد الجني والعيش الهني. فصل: ليته جاد علي بكلامه كما جاد بأنعامه ومن علي بثمار اقلامه كما من بآثار غمامه وأوسعني من غرائب بنانه كما أوسعني من رغائب إحسانه فيكون أوصافه في الجوى متناسبة متناسقة وبوارقة في جميع حالاته صادقة وادقة. فصل: وصل كتابه بألفاظ يكثف عندما الهواء ويقف عليها الأهواء وتقبح معها الحسناء. فصل:نظرت إلي دجلة فرأيت كفه وإلى الفرات فذكرت خلقه وتوسطت الدهناء فتصورت صدره. فصل: قد صار الوقت اضيق من بياض الميم ومن صدر اللئيم. وهذه ملح من شعره كقوله:
إن كان يظلمني دهري فإن له ... سجية ظلم أهل الفضل والشرف
أو كنت في سملٍ فالبدر في سدفٍ ... والخمر في خزفٍ والدر في صدف
وقوله في عقاب طريق غزنة من قصيدة:
عقاب كأني بها في خوافي ال ... عقاب تطيرني في الفلك
فطوراً أراني فوق السماك ... وطوراً أراني تحت السمك
وقوله من أخرى:
غمائم من جفوني وهي منشأة ... مما بقلبي من غم ومن غمم
وبرقها نا رشوقٍ ريحها نفسي ... ورعدها أنتي والقطر فيض دمي
وارضها صحن خدي وهي ممحلة ... أعجب بمحل يرى من صيب الديم
وقوله في ذم الزمان وأهله:
زمان كله ضيم وضير ... وناس كلهم ذيم وذام (2/208)
وما فيهم سوى لحزٍ لئيمٍ ... شحاح الزند ما فيه ضرام
وأعراض لهاجيها حلال ... وأموال لراجيها حرام
وقوله في الشيب والخضاب:
تقول لقد خضبت الشيب زوراً ... فقلت بلى سترت عن العيون
فقالت هبك قد اخفيت عنا ... فهل تخفيه عن عين المنون
وقوله من قصيدة:
ايا عامر الدنيا ويا عامر أهلها ... بجودٍ له فيض كفيض سحاب
عمرت جميع العالمين وها أنا ... غدوت بحال في ذراك خراب
ومن أخرى:
طلبت بجهدي العز والمجد مغضياً ... ظهور المطايا في بطون الفدافد
وما كنت في كسب المعالي مقصراً ... ولا مقصراً لو كان دهري مساعدي
فليس بياض المجد إلا لمكتسٍ ... سواد الليالي ساهداً غير راقد
وكم ليلة راعيت فيها فراقداً ... لكسب على فوق السهى والفراقد
ابو سعد أحمد بن محمد بن جمل العميدي: يقول في استهداء الحنطة:
يا سيداً لم تزل مبرته ... تعم أهل العلوم والكتبه
أنعم ببر بضم أوله ... وابعث إلى الخادم الذي كبتة
وفي التماس الخطب:
ألا يا ايها الشيخ المفدى ... وفيت اذى المكاره والرزيه
قد احتجنا لفرط البرد جداً ... إلى مقلوب ما يدعى مزيه
وله في الهزل والمداعبة:
ألا أن هذي المباغي قسم ... وللناس في الشهوات الهمم
فبعض يحب أداة الدواة ... وبعض يحب أداة القلم
وله في الجد:
يا هارباً من جنود الموت منهزماً ... عنها توقف إلى اين المفر لكا
هب عشت أكثر من نوح فحين نجا ... بقدرة الله من طوفانه هلكا
أبو بكر العنبري السجزي: هو القائل:
أفدي أبا نصرٍ وأفدي له ... خلقاً جميع الناس عشاقه
كم مدحةٍ لي فيه كالدر لا ... يخفى على العالم إشراقه
من كل لفظ سيء حساده ... به ومعنىً سر سراقه
ولم اسمع في تهنئة من زوج ابنته غير قوله وهو من الفراد:
أنكحت حرتك الكري ... مة عامداً إجلالها
من لم يكن كفواً سوا ... ه اليوم في الدنيا لها
ماكنت إلا منكحاً ... شمس السماء هلالها
فضممت محمود الفعا ... ل إلى اليمين شمالها
ستقر عينك عن قري ... بٍ إذ ترى اشبالها
وله في الشيب:
اشكو إلى الله ظلم شيبي ... اشق منه على جيبي
غير مني جميل وجهي ... اظهر مني جميع عيبي
؟ذكر أركان الدولة واعيان الحضرة والمتصرفين بها ومنها المنتسبين إلي خدمتها واختيار غرر من أنوار نظمهم وثمار نثرهم: الشيخ العميد أبو سهل أحمد بن الحسن الحمدوئي أدام الله تأييده: سليل الرياسة وغذي السيادة وبدر الأرض وشمس الفضل وعمدة الملك وبحر الأدب وطود الكرم ومن ارتفع محله عن الوزارة الكبرى وهي الرتبة العظمى فرغب عنها وقد رغبت فيه وصد عنها وقد تصدت له ونظر فيها ايام الفترة بمؤخرة عينه فهذبها وسددها ورمها وزمها ثم جاد عنها وعافها حتى قال فيه الإستاذ أبو القاسم بن الحريش رحمه الله:
وزارة ضاعت فشرفتها ... بالفضل وانآدت فثقفتها
ولم تزل تصبر مظلومة ... حتى تصديت وأنصفتها
فارتح لها تدرك طمانينة ... فإنها تفلق مذ عفتها
من خائص فضله وبدائع مجده أنه والي الري وسائر بلاد الجبال وهي في سعة المملكة كالعراق والملوك يخدمونه والصدور يقبلون ارضه وهو يقول في الكف عن زخرف الدنيا ونضرتها واعداد الزاد للمعاد ما لو قالها ازهد الزهاد لما زاد:
الخمر عنوان الفساد ... ورتاج ابواب السداد
أمانها اصل الضلا ... ل وحبها راس العناد
والعمر زورة طآئفٍ ... يأتيك ما بين الرقاد
فقد زل من ركب الفسا ... د عن الطريقة والرشاد
فاحذر أبا سهل وتب ... من قبل ميعاد الميعاد (2/209)
والبس لباس تضرعٍ ... وتندم قبل التنادي
واقلب إلى النور الهدى ... قلباً به اثر السداد
من قبل عجزك باللسا ... ن وقبل ضعفك بالفؤاد
وكأنني بك راكباً ... أجيادهم بدل الجياد
ترد القيامة فارغاً ... متخلياً من خير زاد
كيف الجواب عن السؤا ... ل متى يناديك المنادي
لا ذخر لي بين الجمي ... ع من الحواضر والبوادي
إلا شهادة واثقٍ ... بالله عن صفو اعتقادي
ومشفع عند السؤا ... ل بعفو أمته ينادي
ثم هناك من النفس الأمارة بالخير واليد الفياضة بالنيل والخلق الذي لو مزج بالبحر لنفي ملوحته وصفا كدورته ومن الطلاقة التي يترقرق فيها ماء الكرم وتقرأ منها صحيفة حسن الشيم مايجمع الأهواء على محبته ويؤلف الآراء في مولاته ومشايعته. ومن شعره الدال على مجده وحسن عهده قوله:
لا تنتزع عن عادةٍ عودتها ... أحداً فذاك من الفطام اشد
واصبر عليها ما حييت ولا تزل ... عنها فذاك من الجفآء يعد
ومن شعره البديع الصنعة المليح الصيغة الذي يغبر فغي وجه أبي الفتح البستي قوله في سراجٍ غير مضيءٍ:
ظلمتك الليل يا سراجي ... ظلمة كفرٍ ويأس راجي
الشيخ العميد أبو منصور بن مشكان أدام الله عزه: الكتاب ألسنة الزمان وصدور الناس وهو صدرهم وبدرهم وينبوع الفضائل وشمس ديوان الرسائل وما أظنك بأبلغ الصدور يكتب لملك الملوك أدام الله سلطانه وحرس عزه ومكانه وقد رفع الله محله عن الشعر الذي ينخفض عن قدره وأتاه البلاغة العالية التي هي أليق به وما هي إلا عفو خطراته وفي التمثل بسلاسة كلامه وعذوبة ألفاظه. يقول كأنه لفظ ابن مشكان في توقيعه عن ملك المشرق ويوقل في وصف آثار الربيع من أبياتٍ:
باح الصباح باسرار البساتين ... وأحيت النفس أنفاس الرياحين
وقد حسبت نسيم الروض يقرئني ... كتب ابن مشكان عن صدر السلاطين
ويقول أيضاً في فتىً صبيح مليح طرز الشعر ديباجة وجهه وأحرق فضة خده ونقش فص عارضه
وشادن فاتن الألحاظ طلعته ... ترياق سمٍ لأحزاني وأشجاني
كأن خط عذارٍ شق عارضه ... في الحسن خط أبي نصر بن مشكان
ويقول أيضاً:
من رأى غرة العميد ابن مشكا ... ن ازدرى المشتري ببرج القوس
من يطالع آدابه وعلاه ... يطلع في نموذج الفردوس
عين ربي عليه من بدر صدرٍ ... وده خزرجي ولقياه أوسي
ليس لي طاقة بوصف معالي ... ه وإن كنت مفلقاً كابن أوس