صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)


الكتاب : يتيمة الدهر
المؤلف : الثعالبي
مصدر الكتاب : الوراق

[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]

كل فتى ليس في مودته ... مذق. ولا في خلاله خلل
لو أبصر البحر فيض أنملنا ... فاض على وجه فيضه الخجل
تسبق أموالنا مؤملنا ... لا يعترينا مطل ولا بخل
تسمح قبل السؤال أنفسنا ... بخلاً على ماء وجه من يسل
أبو القاسم بن أبي العفير الأنصاري
رحمه الله!
أنشدت له:
وروض كحسن العرف يسري وبهجة ... من الزهر فيها شاكلت بهجة الحمد
يريك عناق العاشقين عناقه ... بثغر على ثغر وخد على خد
وعارضه المتنبي بحضرة كافور في قصيدته الميمية التي أولها:
نظر المحب إلى الحبيب غرام
فقال له: العرب لا تقول " إليه غرام " وإنما تقول " له " فقال له الأنصاري: تقول: إليه، ولديه، وله، وحروف الخفض ينوب بعضها عن بعض. والوزير أبو بكر بن صالح الروزباري حاضر. والوزير أبو الفضل جعفر بن الفرات حاضر. فقال الأنصاري:
أما الثناء فصادر بك وارد ... باد بما تسدي إلي وعائد
لك يا أبا بكر إلى صنائع ... أيقظن أحوالي وجدي راقد
أوليتني نعماً متى أنكرتها ... شهدت علي مواهب وفوائد
نعم أقر بها، وكم من نعمة ... يخفى المقر بها ويحظى الجاحد؟
ولرب ليل قد هجرت رقاده ... لك والردى مغف وطرفي ساهد
أتحلل الكلم العوان تحللا ... فأغافص المعنى كأني صائد
وقصائد لي فيك ولا أنها ... كلم شهدت بأنهن مشاهد
ولهن في عين الولي شواهد ... تترى، وفي عين العدو جلامد
لما رعيت مودتي وخلطتني ... ببني أبيك ظننت أنك والد
ولقد علمت، وأنت خير معلم، ... أن الثناء على الليالي خالد
لما تعرض لي بمقت حاسدي ... أبدى الملام، وكيف يرضى الحاسد؟
ما زال ينشد قائماً حتى إذا ... أنشدت عارضني لأني قاعد
في مجلس أما الوزير فمنكب ... فيه يؤيده وأنت الساعد
ولى ولا أنا شاكر لسؤاله ... فيه، ولا هو للإجابة حامد
أحمد ببن محمد الكحال
أنشدني له الزاهر وقد كتب إلى بعض إخوانه يستهديه جرة نبيذ:
لو قد سألتك حسب قد ... رك ما رضيت بألف جره
ولقل ذاك لقدر من ... لا تحصر الأوصاف قدره
فابعث إلي بجرة ... وكفاف ما أبغيه جره
وتوخها كبر الجرا ... ر، فرب وافية كزكره
من رسم بسطام الذي ... أحيا بحسن الرسم ذكره
لا بوطساً يؤذي الندي ... م، ولا مذاقته بمره
واعلم بأن محلها ... عند الضرورة مثل صره
وكتب إلى بعض إخوانه يستدعيه:
لا تتركن لغد مالاً ولا سبدا ... فلست تقتل علماً هل تعيش غدا
خذ من زمانك ما جاد الزمان به ... فمن جنى بعض ما يهوى فقد سعدا
أنت ابن وقتك فاحذر أن تضيعه ... فليس يرجع وقت فائت أبدا
وعند عبدك شيء إن نشطت له ... وزرت زدت أياديك الكرام يدا
راي طري كقاب الفتر تحسبه ... ذوباً من الفضة البيضاء أو بردا
كأن كفاً عليه جرشت قطعاً ... من اللجين صغار النظم أو زردا
كأن قاليه بالقلي ألبسه ... من الشقائق أثواباً له جددا
كأنه في سعير القلي منقلياً ... صب تقلبه كف الهوى كمدا
كأن ياقوتة حمراء هللها ... صواغها ذهباً للحسن متحدا
كأنه كان في نهر الحياة فما ... يكاد يسلم منه روحه الجسدا
وقهوة تذكر الأفلاك ساكنة ... مشمولة أفنت الأيام والمددا
يديرها قمر في كفه قمر ... من الرحيق يزيل الهم والكمدا
فلا تضيع سروراً جاء عن كثب ... عجزاً فتكتسب التوبيخ والفندا

(1/144)


أبو الحسن محمد بن الوزير الحافظ
كتب إلى صديق يستدعيه الاتجالاً:
لنا مسمعة حلوه ... ولون يفتق الشهوه
فالبارع من مجد ... ك إن لم تجب الدعوه
وأهدى إلى بعض إخوانه مقطاً وكتب إليه:
إني بعثت مقطاً غير محتشم ... ولم أجل في الغنى فكري ولا العدم
ولو بعثت سوادي ناظري لما ... كانا كفاءً لما تولي من النعم
فاقبله واجعله مما يستعان به ... فإنه خادم السكين والقلم
وقوله يصف النرجس:
خواتم من لجين ... فصوصها كارباء
وليس تضحك إلا ... إذا بكتها السماء
وقوله:
منذ حل السواد زاد البياض ... واعتداءاته طوال عراض
وإذا ما طغى المشيب فلا المن ... قاش يقوى به ولا المقراض
وكثير أرى جساماً صحاحاً ... لأناس فيها قلوب مراض
وأهدى إلى الإخشيد خاتماً، وكتب معه:
وذي عنق لم يطل ... عليه ولم يقصر
ومنين قد حصرا ... على قدر الخنصر
وقد زاد في ضمره ... على الفرس المضمر
وأسفله فضة ... وأعلاه من جوهر
بعثت به معسراً ... إلى ملك موسر
ولا غرو أن يهدي ال ... مقل إلى المكثر
وقوله:
قد قلت إذ سار السفين بهم ... والسوق ينهب مهجتي نهبا
لو أن لي عزاً أصول به ... لأخذت كل سفينة غصبا
أحمد بن محمد بن عبد الكريم
اليتيم النحوي
أنشدت قوله:
إذا ما نلت من دنياك حظاً ... فأحسن للغني وللفقير
ولا تمسك يديك على قليل ... فإن الله يأتي بالكثير
وقوله:
خاطبت شمس النهار إذ بدت ... وقلت ما أنت لي بمنصفة
إن التي أشبهتك مائلة ... من بعد ذاك الوصال قد جفت
فعاتبيها فليس يقنعني ... يا شمس من شبهك الذي أتت
لما رأتني على الفاء لها ... صدت وما أنصفت ولا وفت
أبو محمد بن أبي عمرو الطرازي
أنشدت له من " مجزوء الرجز " :
نار جرت في غاية ... ترمى العلا بالشهب
كأنها جيش وغى ... فرسانه من ذهب
وقوله يصف الفستق:
وفستق رأيت من ... ه طرفاً من الطرف
كأنه لما بدا ... والراح فينا تختلف
زمرد ضمنه ... من خالص العاج الصدف
أبو الحسن علي بن لؤلؤ الكاتب
أنشدت له:
رب صبح كطلعة الوصل جلى ... جنح ليل كطلعة الهجران
زار في حلة البزاة فولى الل ... يل عنه في حلة الغربان
وقوله:
يوم كأن الروض خاط لضوئه ... قراطق من وشي غلائلها الغدر
كأن صفاء الجو ناظر أزرق ... له الغيم جفن هدب أجفانه القطر
كأن أعالي السرو بين رياضه ... مطارف لفت في مواكبها خضر
أبو القاسم عبد الصمد بن فضالة الصفار
قال يصف الورد:
لا تصحب الدنيا كئيباً مكمدا ... من ذا رأيت من البرية خالدا؟
قم فاغتنم طيب الربيع وحسنه ... فلقد حباك به الغمام وأسعدا
ورد كأن أصوله وفروعه ... سقيت دماً حتى ارتوى فتوردا
وشقائق شق القلوب كأنه ... خد مليح ضم صدغاً أسودا
والماء يجري في الرياض كأنه ... سيف صقيل من قراب جردا
فاشرب عليه فإنه وقت إذا ... ولى تفاوت أن ينال فيوجدا
وله:
فلو زين الحسن في وجهه ... بهجر الصدود ووصل الوصال
لتسم وإن كنت ما إن أرى ... بديع الجمال جميل الفعال
ابن الزيعي
قال يصف دير القصير من قصيدة يقول فيها:
يا حسرة في القلب ما أقتلها ... كأنها في القلب أطراف الأسل
فكم وكم من ليلة طيبة ... أحييتها في الدير في خير محل

(1/145)


دير القصير الفرد في صفائه ... يا من رأى الجنة من غير عمل
أشربها راحاً شمولاً قرقفاً ... تدب في الجسم فما تبقي علل
يديرها ذو غنج بطرفه ... يحيي إذا شاء وإن شاء قتل
كأنه غصن من البان وقد ... زاد عليه بالقوام المعتدل
ألثغ حتف النفس في لثغته ... تاه بها على الورى تيه مدل
إن قال نار قال ناغ أو يقل ... نور يقل نوغ بدل وغزل
فاحثث كؤوس الراح يا ساقينا ... واغتنم الدهر فللدهر دول
من قبل أن يطرقنا بين فلا ... ينفع عند البين ليست ولعل
محمد بن عباس البصري
المعروف بصاحب الراقوية
قال:
لا تعذلوني فما مثلي بمعذول ... جسمي سقيم وأمري غير مجهول
إن مل مولاي وصلي بعد ألفته ... فإن مولاي عندي غير مملول
ملكت قلبي ولم تعطف على دنف ... ما كل ذاك على قلبي بمعزول
وقوله:
يا حامل الكأس أدرها واسقني ... قد ذعر الشوق فؤادي فانذعر
أما ترى البركة ما أحسنها ... إذا تداعى الطير فيها وصفر
أما ترى نوارها أما ترى ... حسن مسير مائها إذا انحدر
كأنما الجوهر في ألوانه ... نثر في تلك النواحي فانتشر
وقوله:
أما طغان فقد طغى ... والطرف منه قد بغى
شهر السلاح بطرفه ... فتكاً وما شهد الوغى
لولا مخافة عقرب ... في صدغه أن يلدغا
للثمت منه ممسكاً ... ومصندلاً ومصبغا
وقوله:
أتاني في قميص اللاذ يسعى ... عدو لي يلقب بالحبيب
فقلت له لم استحليت هذا ... فقد أصبحت من زي عجيب؟
فقال الشمس أهدت لي قميصاً ... غريب اللون في شفق المغيب
فصوبي والمدام ولون خدي ... قريب من قريب من قريب
وقوله:
وشمعة ظلت أناجيها ... تبيت تبكي وأبكيها
كأنما صفرتها صفرتي ... ومدمعي دمع مآقيها
أعارها قلبي من ناره ... فمثل ما فيه كذا فيها
أبو عبد الله الحسين المعروف بالجمل
له في طبيب:
إذا سقام عراك نازله ... فاندب أبا جعفر لنازله
يعرف ما يشتكيه صاحبه ... كأنما جال في مفاصله
أبو عبد الله بن العرمرم
قدم له صديق سمكا في يوم شديد البرد فقال ارتجالا:
شيخ وبرد وسمك ... لكل ما يخشى شرك
فهاتها صافية ... وضمن الكأس الدرك
ولا تبال بعدها ... من لام فيها وترك
وقوله:
وليتم أمر الخراج محمدا ... فغدا الخراج بغير جيم يكتب
إن كان من عدم الرجال دهيتم ... فالكلب عن قليل يخطب
وقوله في أبخر:
أردت لقاءه فلقيت منه ... كما يلقى الخلاء من الفقاح
وجالسني فلم أشعر بأني ... ولم أبعد جليس المستراح
أحمد بن صدقة الكاتب
كتب إلى ابن رشيد يستدعيه:
بالله يا صالح قم مسرعاً ... إلى عقار أدركت تبعا
وساعد الليلة في شربها ... وخذ من السكر بها مصرعا
وقد بذلنا لك أرواحنا ... لما رأيناك لها موضعا
أبو الحسن بن أبي ياسر
قال يصف شمعة:
وهيفاء من ندماء الملوك ... تزيد فينقص من قدرها
إذا ضحكت جنح داجي الظلام ... بكت فجرى الدمع من نحرها
فإن نعست للكرى نعسة ... فإيقاظها القص من شعرها
محمد بن عاصم الموقفي
أنشدني له الزاهر في الفصادة:
ألا قل لعلوان كيف أجترأت ... على الأسد الباسل الخادر؟
وكيف أرقت دماً دونه ... يراق دم الجحفل الثائر؟
ترفق قليلاً على مرفق ... به مرفق البدو والحاضر
فليس الحديد على ساعد ... ولكن من الدهر في الناظر
وقوله:

(1/146)


أسكر الخمر خمر ريقك حتى ... باتت الخمر من رضابك سكرا
فلهذا أراك صحواً ... وأراها عليك لا تتجرا
وقوله:
أشرب على الجيزة والمقس ... من قهوة صفراء كالورس
وروح النفس بها إنما ... عيش الفتى في راحة النفس
وأنس بإخوان الصفا إنهم ... من أكبر النزهة والأنس
فلست تدري أيما ساعة ... تبيت تحت اللحد والرمس
والمرء لا يعرف في يومه ... يصبح في دنياه أو يمسي
وقوله:
أقول والليل دجى مسبل ... والأنجم الزهر به ميل
يا طول ليل ما له آخر ... فيك وصبح ما له أول
وقوله:
اشرب ستنسى ويك مع من نسي ... من قهوة قوصية المغرس
في قمر للربيع من شهره ... كشقة من درهم أطلس
وقوله:
يا حادي اللذات عرس بنا ... ويا مدير الكأس قم فاسقنا
أما ترى شمس ضحى يومنا ... قد لبست مطرفها الأدكنا
والروض للوسمي في حلة ... أذهبها من بعد ما لونا
وقوله:
اشرب شمولاً على ريح الشمال فقد ... هبت شمالاً ولاح الصبح فاتضحا
كأنها جنة في الكف مائلة ... تبدو فيخفي ضيا أنوارها القدحا
كأن حاملها من خمر ريقته ... وافى بها أولها من خده اقتدحا
وقوله:
وظبي زارني من غير وعد ... نعمت بقربه بأتم سعد
سقاني ثم نقلني بلثم ... على عجل وحياني بورد
وشمر ساعداً فيه وشوم ... بقلبي مثلها من أجل صد
فكان كفضة سكت عموداً ... عليها أسطر باللازورد
وقوله في دير القصير من قصيدة أولها:
إن دير القصير هاج ادكاري ... لهو أيامي الحسان القصار
وزماناً مضى حميداً سريعاً ... وشباباً مثل الرداء المعار
عرفتني ربوعه بعد نكر ... فعرفت الربوع بالإنكار
ولو أن الديار تشكو اشتياقاً ... لشكت جفوتي وبعد مزاري
ولكادت نحوي تسير لما قد ... كنت فيها سيرت من أشعاري
وكأني إذ زرته بعد هجر ... لم يكن من منازلي ودياري
إذ صعودي على الجياد إليه ... وانحداري في المعقبات الجواري
بصقور إلى الدماء سوار ... وكلاب على الوحوش ضواري
منزلاً لست عصياً ما لقلبي ... ولنفسي فيه من الأوطار
منزلاً في علوه كسماء ... والمصابيح حوله كالدراري
ومنها:
غردت بينها الطيور فطارت ... بفؤاد المتيم المستطار
كم خلعت العذار فيه ولم أر ... ع مشيباً بمفرقي وعذاري
كم شربنا على التصاوير فيه ... بصغار محثوثة وكبار
صورة من مصور فيه ظلت ... فتنة للقلوب والأبصار
أطربتنا من غير شدو فأغنت ... عن سماع العيدان والمزمار
لا وحسن العينين والشفقة اللم ... ياء منها وخدها الجلناري
لا تخلفت عن مزاري ديراً ... هي فيه ولو نأى بي مزاري
فسقى الله أرض حلوان فالنخ ... ل فدير القصير صوب العشار
كم تنبهت من لذاذة نومي ... بنعير الرهبان في الأسحار
والنواقيس صائحات تنادي ... حي يا نائماً على الابتكار
قبل أن يبلي الجديد الجديدا ... ن بليل معاقب ونهار
إنما هذه الحياة عوار ... وعلى المستعير رد العواري
وقوله:
أأيامي بشاطي البركتين ... سقاك الله نوء المرزمين
لقد أذكرتني طربي ولهوي ... ووكلت الفؤاد بلوعتين
ترى أيامنا فيك المواضي ... يعود وصالها من بعد بين
سقى الله البقاع ملث قطر ... وأعطش منزلاً بالجهلتين

(1/147)


ودار على المدار رهام مزن ... تسير إلى جنان السروتين
فكم من بيعة عقدت لقصف ... وعزف في رياض البيعتين
وكم من مدنف قد حاز وصلاً ... ونال مناه وسط المنيتين
وقوله:
إشرب بطموة من صفراء صافية ... تزرى بخمر قراهيت وغايات
على رياض من النوار زاهرة ... تجري الجداول فيها بين جنات
منازلاً كنت مفتوناً بها يفعاً ... وكن قدماً مواخيري وحاناتي
كأنما النيل في مر النسيم بها ... مسيلم في دروع سامريات
أبو الفتح البستي الكاتب
أنشدني له محمد بن عمر الزاهر يصف شمعة من أبيات:
قد شابهتني في لون وفي قصف ... وفي نحول وفي دمع وفي سهر
هذا تشبيه خمسة بخمسة وقد أجاد غاية الجودة وقوله:
صحت السلاح لشدة الحرب ... والمستغاث لشدة الكرب
حتى إذا لبسوا سلاحهم ... وتشددوا لوقائع الحرب
ناولتهم قلبي وقلت لهم: ... هذا المسيء فقطعوا قلبي
وقوله:
لئن صدع الدهر المشتت شملنا ... فللدهر حكم في الجموع صدوع
وللنجم من بعد الرجوع استقامة ... وللشمس من بعد الغروب طلوع
وإن نعمة زالت عن الحب وانقضت ... فإن لها بعد الزوال رجوع
وكن واثقاً بالله واصبر لحكمه ... فإن زوال الشر عنك سريع
وقوله:
وغزالة غازلتها ... في المقس من أولاد حام
نظرت بعيني ظبية ... ونظرت من عيني قطام
وتبسمت وكأنها ... برق تألق في غمام
ثم انثنت مثل المهى ... وتبعتها رتك النعام
حتى دخلنا بيتها ... فحصلت في البيت الحرام
فجعلت أفتح ميمها ... لما جثوت لها بلامي
وكأنني إذ ذاك أو ... لجت الضياء على الظلام
ضدان لم يجمعهما ... إلا المحبة للحرام
كانت لعمري عاهة ... جمعت غراباً مع حمام
أبو سهل بن أسباط الكاتب
قال:
إن كنت يا قلب عزمت الهوى ... فاستخر الله إذا قبلا
ولا تكن يا قلب مثل الذي ... قدم رجلاً وثنى رجلا
حتى تلاقي في الهوى أهله ... وقلما تلقى له أهلا
لا توردني مورداً كلما ... قطعت وحلاً ألتقى وحلا
عبد الله الصفري
قال يصف الشيب:
بدا الشيب في رأسي فقالت تعجباً: ... لقد شبت من هجري وأنت صغير
فقلت لها: لا غرو إن وصالكم ... يرد شباب المرء وهو كبير
أبو العباس الكندي
قال يصف الندى على البحر:
كأن الندى في البحر بحران مائع ... على مائع هذا على ذاك مطبق
فهذا لجين سابح مترقرق ... وذاك لجين في السماء معلق
إذا أبصرته الشمس بعد احتجابها ... له ساعة أبصرته يتمزق
وقوله:
عذارك المنقطع المسبل ... يقطع عذري عند من يعذل
ووجهك المقبل إقبال من ... أنت على طلعته مقبل
لا عشت أن أعدم فالذي ... يعدمه يعدم ما يأمل
وقوله يصف السحاب:
سارية في غسق الظلام ... دانية من قلل الآكام
جاءت مجيء الجحفل اللهام ... فافترقت كالإبل السوامي
كأنها والبرق ذا ابتسام ... كتيبة مذهبة الأعلام
دنت من الأرض بلا احتشام ... ثم بكت بكاء مستهام
وانتشرت بسائغ الإنعام ... وثروة تحكم في الإعدام
أحمد بن بدر المعروف بالبلاط
قال في ولده وقد حم:
أعزز علي بني ما تلقى ... سدت علي شكاتك الطرقا
قد كنت بالحمى أحق فليتني ... ألقى من الحمى الذي تلقى
أبو العباس الزوفي
أنشدت له في الشيب:
قد رابني من شبيبتي ريب ... وفل من غرب صبوتي الشيب

(1/148)


وكان ثوب الشباب أحسن مل ... بوساً بهاءً فأخلق الثوب
من عابني بالمشيب قلت له: ... صدقت فالشيب كله عيب
طلائع الشيب كلما طلعت ... شق على ميت الصبا جيب
عبد الوهاب بن جعفر الحاجب
أنشدت له:
هاتر هتور بكثرة الفرح ... واقدح زناد اللهو بالقدح
وصل الغبوق إا وصلت إلى ال ... مسى، وإن أصبحت فاصطبح
أبرد إلى الندمان رسلك ما ... برد النسيم وغن واقترح
أصلح فساد العيش مجتهداً ... ففساد عمرك غير منصلح
أبو بكر الموسوس المعروف بسيبويه
أبو بكر هذا من البصرة. وكان يشبه - في حضور جوابه، وبيان خطابه. وحسن عبارته، وكثرة درايته - بأبي العيناء، وكان قد تناول البلاذر فعرضت له منه لوثة، وكان الناس يتبعونه ويكتبون عنه ما يقول. فقال يوماً للمصريين " يا أهل مصر. أصحابنا البغداديون أحزم منكم، لا يقولون باتخاذ الولد حتى يقتنوا له العقد والعدد، فهم أبداً يعزبون. ولا يقولون باتخاذ العقار. خوفاً أن يملكهم شر الجار، فهم أبداً يكنزون. ولا يقولون بإظهار الغنى في موضع عرفوا فيه بالفقر، فهم أبداً يسافرون " .
ووقف يوماً بالجامع - وقد أخذت الحلق مأخذها - فقال " يا أهل مصر، حيطان المقابر أنفع منكم يستند إليها ويستدرى بها من الريح، ويستظل بها من الشمس، والبهائم خير منكم، تمتطى ظهورها، وتؤكل لحومها، وتحتذى جلودها " .
وكان ابن خزابة الوزير ربما رفع أنفه تيهاً، فقال له سيبويه وقد رآه فعل ذلك: أيشم الوزير رائحة كريهة فيشمر أنفه؟ فأطرق واستعمل النهوض، فخرج سيبويه فقال له رجل: من أين أقبلت، فقال: من عند هذا الزاهي بنفسه، المدل بعرسه. المستطيل على أبناء جنسه. وكانت زوجته ابنة الإخشيد.
وأخلى الحمام لمفلح، فجاء سيبويه ليدخل فمنع، وقيل له: الأمير مفلح داخل، فقال: لا أنقي الله مغسوله، ولا بلغه رسوله، ولا وقاه من العذاب مهوله. وجلس حتى خرج من الحمام، فقال له: إن الحمام لا يخلى إلا لأحد ثلاث مبتلي في قبله، أو مبتلي في دبره، أو سلطان يخاف من شره، فأي الثلاث أنت؟. ومن شعره:
اعذر أخاك على رداءة خطه ... واغفر رداءته لجودة ضبطه
فالخط ليس يراد من تحسينه ... وبيانه إلا إبانة سمطه
فإذا أبان عن المعاني سمطه ... كانت ملاحته زيادة شرطه
أبو الحسن علي بن عبد الرحمن
بن يونس المنجم
أنشدت له:
غنت فأخفت صوتها في عودها ... فكأنما الصوتان صوت العود
غيداء تأمر عودها فيطيعها ... أبداً ويتبعها اتباع ودود
أندى من النوار صبحاً صوتها ... وأرق من نشر الثنا المعهود
فكأنما الصوتان حين تمازجا ... ماء الغمامة وابنة العنقود
وقوله:
سقى الله أحياء اللوى كلما سقى ... بضرب من المزن الكتهور هامل
إذا نثرت ريح جمان سحابة ... غدا وهو حلي للرياض العواطل
به خفق برق ليس بين جوانح ... ووسواس رعد ليس بين مفاصل
إذا كاد در البرق يلمس نبته ... قلقاه در النور بين الخمائل
وقوله:
يجري النسيم على غلالة خده ... وأرق منه ما يمر عليه
ناولته المرآة ينظر وجهه ... فعكست فتنة ناظريه إليه
وقوله:
صديق قد ندمت على اختباري ... له لما تأمله اختباري
ينم بسر مستوعيه سراً ... كما نم الظلام بسر نار
أنم من النصول على مشيب ... ومن صافي الزجاج على عقار
وقوله:
وذي حرص تراه يلم وافراً ... لوارثه ويدفع عن حماه
ككلب الصيد يمسك وهو طاو ... فريسته ليأكلها سواه
وقوله:
لكل شيء في الورى آفة ... وآفة المرء من الكبر
يحسب أن الكبر فخر له ... وليس غير العلم من فخر
أبو القاسم عبد الغفار المصري
أنشدت له:
إنما الفضل غرة ... في وجوه المدائح
أريحي رياحه ... عبقات الروائح

(1/149)


كعبة الجود كفه ... بين غاد ورائح
إنما تصلح الأمو ... ر برأي ابن صالح
أبو العباس أحمد بن مروان
بن حماد النحوي
أنشدني ابن وهب له:
لم يطل ليلي ولكن ... سهري كان طويلا
وكذا ليس يلذ ال ... نوم من كان عليلا
يا غزالاً لم أجد عن ... ه إلى الصبر سبيلا
هب لعين سهرت في ... ك من الغمض قليلا
محمد بن جعفر الأنصاري
الكاتب المعروف بالقصير
من شعره:
قد طال منك المطل في الوعد لي ... وأنت في مطلك لا تخطي
لو كنت تعطي مال مصر وما ... حوت من الدور على الشط
وما لدار الضرب من عسجد ... لكان كفراً بالذي تعطي
أبو علي تميم بن معد صاحب مصر
أنشدني له علي بن مأمون المصيصي:
يا دهر ما أقساك من متلون ... في حالتيك وما أقلك منصفا
أتروح للنكس الجهول ممهداً ... وعلى اللبيب الحر سيفاً مرهفا؟
فإذا صفوت كدرت شيمة باخل ... وإذا وفيت نقضت أسباب الوفا
لا أرتضيك وإن صفوت لأنني ... أدري بأنك لا تدوم على الصفا
زمن إذا أعطى استرد عطاءه ... وإذا استقام بدا له فتحرفا
ما قام خيرك يا وزمان بشره ... أولى بنا ما قل منك وما كفى
وقوله:
أيا دير مرخنا سقتك رعود ... من الغيم تهمي مزنها وتجود
فكم واصلتنا من رباك أوانس ... يطفن علينا بالمدامة غيد
وكم ناب عن نور الضحى فيك مبسم ... وناب عن الورد الجني خدود
وماست على الكثبان قضبان فضة ... فأثقلها من حملهن نهود
ليالي أغدو بين ثوبي صبابة ... ولهو، وأيام الزمان هجود
وإذا لمتي لم يوقظ الشيب ليلها ... وإذا أثري في الغانيات حميد
وقوله:
يا منتهى أملي لا تدن لي اجلي ... ولا تعذب ظنوني فيك بالظن
إن ان وجهك وجهاً صيغ من قمر ... فإن قدك قد من غصن
وأنشدني له من قصيدة أولها:
سرى البرق فارتاع الفؤاد المعذب
يقول فيها:
وبات ضجيعي منه أهيف ناعم ... وأدعج نشوان وألعس أشنب
كأن الدجى في لون صدغيه طالع ... وشمس الضحى في صحن خديه تغرب
وإني لألقي كل خطب بمهجة ... يهون عليها منه ما يتعصب
واستصحب الأهوال في كل موطن ... ويمزج لي السم الذعاف فأشرب
فما الحر إلا من تدرع عزمه ... ولم يكك إلا بالقنا يتنكب
وما لي أخاف الحادثات كأنني ... جهول بأن الموت ما منه مهرب
خليلي ما في أكؤس الراح راحتي ... ولا في المثاني لذتي حين تضرب
ولكنني للمدح أرتاح والعلا ... وللجود والإعطاء أصبو وأطرب
ومن بين جنبيه كنفسي وهمتي ... يروح له فوق الكواكب موكب!
وقوله:
إذا حان شمس النهار غروب ... تذكر مشتاق وحن حبيب
ترى عندهم علم وإن شطت النوى ... بأن لهم قلبي علي رقيب
لهم كبدي دوني وقلبي ومهجتي ... ونفسي التي أدعي بها وأجيب
فآية حزني لوعة وصبابة ... وعنوان شيني زفرة ونحيب
وما بلد الإنسان إلا الذي له ... به سكن يشتاقه وحبيب
إلى الله أشكو وشك بين وفرقة ... لها بين أحشاء المحب دبيب
وقوله:
أما والذي لا يملك الأمر غيره ... ومن هو بالسر المكتم أعلم
لئن كان كتمان المصائب مؤلماً ... لإعلانها عندي أشد وآلم
وبي كل ما تشكو العيون أقله ... وإن كنت منه دائماً أتبسم
وقوله، وهو مما يتغنى به:
قالت وقد نالها للبين أوجعه ... والبين صعب على الأحباب موقعه

(1/150)


اجعل يديك على قلبي فقد ضعفت ... قواه عن حمل ما فيه وأضلعه
واعطف علي المطايا ساعة فعسى ... من شت شمل الهوى بالبين يجمعه
كأنني يوم ولت حسرة وأسى ... غريق بحر يرى الشاطي ويمنعه
وقوله:
وغضبى من الإدلال والتيع والهوى ... بلا غضب سكرى الجفون بلا سكر
كأن على لباتها رونق الضحى ... وفي حيث يهوى القرط منها سنا الفجر
ترى البدر مثل البدر في صحن خدها ... وتفتر من مثل الجمان من الثغر
وقوله:
أما ترى الرعد بكى فاشتكى ... والبرق قد أومض فاستضحكا
فاشرب على غيم كصبغ الدجا ... أضحك وجه الأرض لما بكى
وانظر لماء النيل في مده ... كأنه صندل أو مسكا
وقوله:
وليلة بتها على طرب ... آخرها مشبه لأولاها
أقبل البرق من ترائبها ... وألثم الشمس من محياها
سقتني الراح وهي خداها ... بأكؤس السكر وهي عيناها
إذا أرادت مزاحها جعلت ... بآخر اللحظ في فمي فاها
فيالها قهوة معتقة ... وليس إلا الخدود مأواها
حبابها الثغر حين يمزج لي ... ونقلها اللثم حين أسقاها
لله أيامنا التي سلفت ... بدار حزوى ما كان أحلاها
فالقصر من حيرة الملوك إلى ... أعلى رباها إلى مصلاها
إذ نجتني اللهو من أصائلها ... والعز من فجرها ومغداها
إن عرضت لذة ملكناها ... أو صعبت خطة حويناها
وقوله:
وصفراء لم تطبخ بنار شربتها ... على وجه معشوق السجايا مقرطق
كأن حباب الكأس من نظم ثغره ... وإشراقها من خده المتألق
وقوله:
لو صورت خلقها إرادتها ... ما قدرته كمثل ما قدرا
كامسك نشراً، والبرق مبتسماً ... والغصن قداً، والحقف مؤتزرا
وقوله:
شبهتها بالبدر فاستضحكت ... وقابلت قولي بالنكر
وسفهت قولي وقالت: متى ... سمجت حتى صرت كالبدر؟
والبدر لا يرنو بعين كما ... أرنو، ولا يبسم عن ثغر
ولا يميط المرط عن ناهد ... ولا يشد العقد في نحر
من قاس بالبدر صفاتي فلا ... زال أسيراً في يدي هجري
وقوله:
ناولتها شبه خديها مشعشعة ... صرفاً كأن سناها ضوء مقباس
فقبلتها وقالت وهي ضاحكة ... وكيف تسقى خدود الناس للناس
أليس خداي ذابا إذ لمستهما ... فاستنبطا قهوة حمراء في الكاس
قلت: اشربي إنها دمعي وحمرتها ... دمي وطابخها في الكأس أنفاسي
قالت: إذا كنت من حبي بكيت دماً ... فسقنيها على العينين والراس
يا ليلة بات فيها البدر معتنقي ... وباتت الشمس فيها بعض جلاسي
وبت مستغنياً بالثغر عن قدحي ... وبالخدود عن التفاح والآس
وقوله:
وما أم خشف ظل يوماً وليلة ... ببلقعة بيداء ظمآن صاديا
تهيم فلا تدري إلى أين تنتهي ... مولهة حيرى تجوب الفيافيا
أضر بها حر الهجير فلم تجد ... لغلتها من بارد الماء شافيا
إذا بعدت عن خشفها انعطفت له ... فألفته ملهوفاً إلى الجوع ظاميا
بأوجع من يوم شدوا رحالهم ... ونادى منادي الحي أن لا تلاقيا
وقوله مفتخراً:
ألقى الكمي فلا أخاف لقاءه ... ويفل إقدامي شبا الحدثان
وأكر في صدر الخميس معانقاً ... للموت حين يفر كل جبان
ويزيدني كل الخطوب تعظماً ... وتسلط الأيام عز مكان
وعلمت أخلاق الزمان فلم أضق ... ذرعاً بأيامي وغر زماني
وكما يمل الدهر من إعطائه ... فلا له من الحرمان
وكما يكر لمعشر بسعادة ... فكذا يكر لمعشر بهوان

(1/151)


فإذا رماك بشدة فاصبر لها ... فلسوف يأتي بعدها بليان
وسل الليالي عن نفاذ عزيمتي ... وسل الحوادث عن ثبات جناني
يخبرك عني أنني لم ألقها ... بين العزائم واهن الأركان
أصبحت لا أشتاق إلا للندى ... إلفاً ولا أهوى سوى الإحسان
وإذا السيوف قطعن كل ضريبة ... قطع السيوف القاطعات لساني
وقوله:
اسقياني فلست أصغي لعذل ... ليس إلا تعلة النفس شغلي
أأطيع العذول في ضد ما أه ... وى كأني اتهمت رأيي وعقلي
عللاني بها فقد أقبل اللي ... ل كلون الصدود من بعد وصل
وانجلى الغيم بعدما أضحك الرو ... ض بكاء السحاب فيه بوبل
عن هلال كصولجان نضار ... في سماء كأنها جام ذبل
أحسن في هذا التشبيه ما شاء! وقوله:
إذا هب سلطان المريسي نافحاً ... سحيراً وحل كل نقاب
ومد على الأفق الغمام ثيابه ... فقم فالقه في عدة وحراب
بكن وكانون وكأس مدامة ... وكيس وكس وافر وكباب
وقوله:
ورد الخدود أرق من ... ورد الرياض وأنعم
هذا تنشقه الأنو ... ف وذا يقبله الفم
فإذا علت فأفضل الوردين ورد يلثم
هذا يشم ولا يضم ... وذا يضم ويشمم
وأنشد المصيصي له:
وجنة من شفني هواه ومن ... أفنيت فيه دموع آماقي
كأنما الصيرفي دنر ما ... يحمر منها ودرهم الباقي
وأنشدني له أبو الحسن علي بن مأمون المصيصي من قصيدة مخمسة أولها:
دم العشاق مطلول ... ودين الحب ممطول
وسيف اللحظ مسلول ... ومبدا الحب معزول
وإن لم يضغ للآثم
إذا لم يظهر الحب ... ولم ينهتك الصب
ويفشي سره القلب ... فجملة ما ادعى كذب
فبح يا أيها الكاتم
وأحور ساهر الطرف ... يفوق جوامع الوصف
مليح الدل والظرف ... جنت ألحاظه حتفي
فمن يعدي على الظالم
أطاع جفونه السحر ... وذل لوجهه البدر
ما دبر دفة الخصر ... وأشبه ثغره الدر
فقلب محبه هائم؟
يعنفني على حبي ... ويهجرني بلا ذنب
كأني لست بالصب ... لقهوة ريقه العذب
أما في الحب من راحم؟
غزال لحظه شركه ... وبدر ثوبه فلكه
لو أني كنت أمتلكه ... فأنهب ما حوت تككه
نهاب الظافر الغانم
خذوا بدمي قنا القد ... وحسن تورد الخد
وليل الشعر الجعد ... وثقل الكفل النهد
وسقين الأعين الدائم
متى يظفر بالوصل ... وينفي الجور بالعدل
محب دائم البخل ... سليب الصبر والعقل
كئيب مدنف هائم
بحسن الأعين النجل ... وعض الوقف والحجل
وذاك القصب الجدل ... وريق كجنا النحل
وثغر يطمع الشائم
سلوا الشمس التي طلعت ... علينا ثم ما أفلت
عسى ترثي لمن قتلت ... بعينيها وما عملت
فقد يستعطف العالم
أما والخرد الصفر ... شبيهات سنا البدر
وألوان صفا الخمر ... لقد أضر من في صدري
غراماً ليس بالنائم
وراح تبعث الطربا ... وتحيي الظرف والأدبا
يثير مزاجها حببا ... تخال به عيون دبا
ودراً صفه الناظم
أما والجمرة الكبرى ... وزمزم والصفا ومنى
ومن لبى بها ودعا ... وطاف البيت ثم سعى
خميصاً مختباً صائم
لقد أضحى لنا خلفا ... نزار وابتنى شرفا
وأصبح خامس الخلفا ... وأحيا سعيه السلفا
وأضحى بالهدى قائم
نمى في المجد عنصره ... وطال النجم مفخره
وفاق البدر منظره ... فصرف الدهر يحذره
أبي لين صارم
وقوله في الراي

(1/152)


كأن الراي حين أتى طرياً ... بأذناب كمجمرة العقيق
بإسقيات بلور لطاف ... بأسفلها بقايا من رحيق
؟؟محمد بن أبي مروان
بن أخي المستنصر بالله
المدعو الخليفة بالأندلس، وهو الحكم بن عبد الرحمن المرواني من شعره
وما كان من عطف على حديثها ... ولكن لتعذيب الفؤاد المعذب
حديث لو استسقت به الصخر جادها ... بأعذب من صوب الغمام وأطيب
وقوله:
راجعت شوقه فحنا ... وشفه شجوه فأنا
وسال من دمعه مصون ... أظهر ما كان مستكنا
فعاد فيه الهوى يقيناً ... وكان عند الرقيب ظناً
لو كان يلقى الذي تلاقي ... أوسعه رحمة ومنا
وقوله:
بين أجفانها وبين ضلوعي ... نازعتني الحياة أيدي المنون
لست أدري أعن مدى طرفها الفا ... تن موتي أم طرفي المفتون
وقوله:
قد رضيت الهوى لنفسي خلا ... ورأيت الممات في الحب سهلا
وتذللت للحبيب وعز ال ... صب في سنة الهوى أن يذلا
بأبي من أحل قتلي عمداً ... وهنيئاً لسيدي ما استحلا
سوف أجزي الحبيب بالصدود وداً ... مستجداً وبالقطيعة وصلا
وإذا ما استزاد تيها وعجباً ... زدت نفسي له خضوعاً وذلاً
وقوله:
غير مستنكرٍ همول دموعي ... في التصابي وغير بدعٍ خشوعي
ليس عزي إلا فناء عزائي ... وسنائي إلا بقاء خضوعي
وبحسبي أني ألاقي عذولي ... باصطبار عاصٍ ودمع مطيع
وقوله:
أعد نظراً واستوقف الطرف منعماً ... تجد كلفاً صبا بحبك مغرما
سري الحب في أخلاقه فأرقها ... وعلمه أحكامه فتعلما
ولست تراه سائلاً منك عطفةً ... حذاراً من التقبيل إلا توهما
فإن جدت لاقته الحياة كريمةً ... وإن لم تجد لاقى الحمام مقدها
وقوله:
لئن وعدتني وصلها وعد عاتب ... يجاحدني وعدي وينكرني حقي
فأفضل ثوب الغيث في الأرض دافقٌ ... وأبلغه ما جاء بالرعد والبرق
فإن ما نعتني فضل إنجاز موعدٍ ... فإن الحيا الممنوع أشهى إلى الخلق
فلا كان لي في الأرض رزقٌ ... إذا لم يكن في نيل موعدها رزقي
وقوله:
يا ربيعي ما كان ضرك لوجد ... ت علينا كما يجود الربيع
ورده ذاهب ووردك باقٍ ... وهو سهل به وأنت منوع
كن شفيعي إليك ياجنة الخل ... د فمالي غير الخضوع شفيع
وقوله:
كم تصاب أردفته بتصاب ... واصطباحٍ وصلته باغتباق
وكؤوس عاطيتها بدر تم ... جل أن يعتريه نقص المحاق
وغصونٍ جنيت منها ثماراً ... لم يشنها تساقط الأوراق
زمن بكيته حسب وجدي ... كنت أبكيه من دم الأحداق
وقوله:
ومختطفٍ للعين بت أشيمه ... مجالسةً والليل حيران مطرق
سرى يخبط الظلماء حتى كأنه ... بوجدي يسرى أو بقلبي يخفق
وقوله:
تبدت بأكناف الحجاز ديارها ... فأوقد نار الوجد في القلب نارها
كأن بأنفاسي استمد ضرامها ... وعن كبدي الحرى تلظي استعارها
يحن إليها القلب حتى كأنما ... إليه تناهيها ومنه انتشارها
وقوله:
ولما حمى الشوق المبرح ناظري ... كراه حذاراً أن يريني مثاله
شربت عقاراً أذكرتني بريقه ... وأهدت كرىً اهدى إلي خياله
فهل هي إلا نعمةٌ مسترقةٌ ... أنالت يدي ما لم أؤمل نواله
حبيب بن أحمد الأندلسي
قال:
ودعتني بزفرةٍ واعتناق ... ثم نادت متى يكون التلاقي؟
وتصدت فأشرق الصبح منها ... بين تلك الجيوب والأطواق
يا سقيم الجفون من غير سقمٍ ... بين عينيك مصرع العشاق

(1/153)


إن يوم الفراق أفظع يومٍ ... ليتني مت قبل يوم الفراق
وله:
هيج البين دواعي سقمي ... وكسا جسمي ثوب الألم
أيها البين أقلني مرةٍ ... فإذا عدت فقد حل دمي
يا خلي الروع نم في غبطةٍ ... إن من فارقته لم ينم
ولقد هاج لقلبي سقماً ... حب من لو شاء داوى سقمي
وقوله:
وجنةٍ كالربيع جاد عليها ... من حياءٍ لا من حياً وسمي
ووجوهٍ فلبتها كالدناني ... ر ومثلي لمثلها صيرفي
تتهادى الرياح منها نسيماً ... شابه عنبرٌ ومسكٌ ذكي
وقوله:
ألا بأبي من قلبه غير مشفقٍ ... علي، ولي قلبٌ عليه شفيق
وإني لأبدي للوشاة تبسماً ... وإنسان عيني في الدموع غريق
وكم شافهتني للصبا أريحيةٌ ... ومازج ريقي للأحبة ريق
///الوزير أبو مروان عبد الملك بن جهور أنشدت له:
أسقمت قلبي فكن أنت الدواء له ... ولا تدعه بأيدي الشوق مخترما
عيناي أورثتاه سقمه نظرا ... رضيت دمعي من عيني منتقما
وقوله:
ألحاظه منهوكة النظر ... ضعفت نواظرها من الخفر
وحديثه أشهى لسامعه ... من نغمة الشادي على الوتر
ورضابه أشهى على كبدي ... من ري عذب بارد خصر
وكأن قلبي حين يفقده ... ما بين ذي ناب وذي ظفر
وقوله:
يا أحسن الناس في عيني مبتسماً ... وأعذب الخلق عندي منطقا وفما
حلت بقلبي من عينيك نازلة ... من الهوى صيرتني في الورى علما
لم تبق جارحة مني أقلبها ... إلا بعثت عليها بالهوى سقما
فارحم مقام محب ما شكا وبكى ... تبرماً بالذي يلقى ولا ندما
وقوله:
أملح ما تنظر عيناك ... شاك شكا الحب إلى شاكي
يقصر من ذكرك ليلي على ... أني فيه ساهر باكي
ولي فؤاد يستجير من الش ... وق إلى برد ثناياك
سيدتي لو كنت أبصرت ما ... يصنع بي حبك أبكاك
وقوله:
أنار لي وجهه ليلاً فخلت به ... بدراً تماماً على الآفاق يطلع
ومر يمشي دقيق الخصر يجذبه ... ردف، فقلت: أدركوه قبل أن ينقطع
وقوله:
أجلك أن تحل بك الأماني ... فكيف بأن أراك وأن تراني
وأكره أن يمثلك التمني ... حذار أن يبوح به لساني
ولو أني ستطعت لفرط شجوي ... عليك لما رآك الحافظان
وما أشكو إليك بغير دمعي ... بيانُ الدمع أعربُ من بياني
وقوله:
اليوم منقبض والدمع منبسط ... وحب من شفّني بالروح مختلط
حمّلت قلبي أن يسلو تذكُّره ... فقال: إن الذي حملتني شطط
تسومني الصبر عن روحي وتمنعني ... عن ذكره، إن ذا من رأيك الغلط
وقوله:
ترى العشّاق لاقوا ما ألاقي ... فقد بلغت بي النفس التّراقي؟
خصصت من الهوى بأمرِّ شيءٍ ... وكنت أرى الهوى عذبَ المذاق
أنا العبد الذي لا عتق يرجو ... ولا يجد السبيل إلى الإِباق
وقوله:
وما سرني أن الهوى غير صاحبي ... وأنَّ خراج العبشميين في ملكي
ولا كنت أرضى أن أرى متخلياً ... من الحبّ لو أعطى به خاتم الملك
نسيم الهوى أذكى وإن جار واعتدى ... على أُنف العشاق من نفحة المسك
وقوله:
ومن يحمد الصبر الجميل على الهوى ... فإنّ خلاف الصبر عندي أحمد
إذا كان قلب المرء لا يألم النوى ... ويشكو لظى نيرانها فهو جلمد
وقوله:
أحوى النواظر ألعس ال ... شفتين عذب الريق آلمى
مخضرٌ شاربه علا ... درّاً يريك الدرَّ نظما
لو زارني طيفٌ له ... عند الهجوع ولو ألمَّا

(1/154)


لأعاد روحاً أو لفرَّ ... ج من هموم النفس همّا
أحمد بن عبد ربه الأندلسي
رحمه الله تعالى
أنشدت له:
بكرت عليَّ عواذلي تلحينني ... وعلى الذي لم يعد بي أعدينني
إيهاً عليك فقد كبرت عن الصبا ... ونهى المشيب عن الذي تنهينني
أنّى وكيف وقد رأين تغيّري ... عن عهدهنّ إذا العيون رأينني
وعلى مفارقة الشباب شمتْنَ بي ... وعلى معاداة الصبا عادينني
أَدنينني حتى إذا التهب الجوى ... أقصينني أضعاف ما أدنينني
وفتَّنني بلواحظ تشكو الضنى ... دائب بهن وربما داوينني
يذكين في قلبي وبين جوانحي ... حرقاً بنار جحيمها أصلينني
ومنها أيضاً:
يا ابن الخلائف، إن أيام الغنى ... أيامك الغرُّ التي أغنينني
بنوالها وسجالها وثمالها ... أسقينني حتى لقد أروينني
وقوله:
وصحائح مرضى العيون شحائح ... بيض الوجوه نواعم الأبشار
أضنينني بلواحظ تشكو الضنى ... وكسونني ما هنَّ منه عواري
بجوى حوته مهجتي عن مقلتي ... والجار قد يشقى بذنب الجار
وله في العذار:
يا ذا الذي خط الجمال بخده ... خطين هاجا لوعةً وبلابلا
ما صح عندي أنّ لحظك صارمٌ ... حتى لبست بعارضيك حمائلا
وفي مثله:
ومعذر نقش الجمال بمسكه ... خداً له بدم القلوب مضرَّجا
لما تيقنَ أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النّجاد بنفسجا
وقوله:
بذمام الهوى أمتُّ إليه ... وبحكم العقار أقضى عليه
بأبي من زها عليَّ بوجهٍ ... كاد يدمي لمّا نظرت إليهِ
كلّما علَّني من الراح صرفا ... علني بالرضاب من شفتيه
ناول الكأس واستمال بلحظ ... فسقتني عيناه قبل يديه
وقوله:
أيّها البدر الذي ض ... نّ علينا بالطلوع
ابغ لي عندك قلباً ... طار من بين ضلوعي
يا بديع الحسن كم لي ... فيك من وجدٍ بديع
وقوله:
وساحبة فضل الذيول كأنّها ... قضيب من الريحان فوق كثيب
إذا ما بدت من خدرها قال صاحبي: ... أطعني وخذ من وصلها بنصيب
وقوله:
ينبيك أنك لم تجد وجدي ... ما خدّت العبرات من خدِّي
نام الخليُّ عن الشجيِّ به ... وجفا الملول ولجَّ في الصدّ
كنت الشفاء فصرت لي سقماً ... أبداً تتوق إلى هوىً مردي
وقوله:
سقوني حمامي يوم ساقوا حمولهم ... فرحت وراحوا بين ساقٍ وسائقِ
وأَخرس لفظي وهو ليس بأخرس ... وأنطق دمعي وهو ليس بناطق
فيا بأبي تلك الدموع التي همت ... فدلت على مكنون تلك العلائق
وقوله:
أزف الرحيل فودَّعتني مقلةٌ ... أوحت إليَّ جفونها بسلام
وتطلعت بين الحدوج كأنها ... شمس تطلّعُ في خلال غمام
وشكت تباريح الصبابة والهوى ... بمدامع نطقتْ بغير كلام
كمهاة رمل قد تربعت الحمى ... بين الظباء العفر والآرام
حتى إذا ضرب المصيف رواقه ... صافت بظلّ أراكةٍ وبشام
وقوله:
ألا إنما الدنيا غضارة أيكة ... إذا اخضر منها جانب جف جانب
هي الدار ما الآمال إلا فجائع ... عليها، ولا اللذات إلا مصائب
فكم سخنت بالأمس عينٌ قريرة ... وقرت عيون دمعها اليوم ساكب
فلا تكتحل عيناك منها بعبرة ... على ذاهب منها فإنك ذاهب
وقوله:
صحا القلب إلا نظرةً تبعث الأسى ... لها زفرة موصولة بحنين
بلى ربّما حلّت عرى عزماته ... سوالف آرام وأعين عين
لواقط حبات القلوب إذا رنت ... بسحر عيون وانكسار جفون
وريط من الموشيِّ أينع تحته ... ثمار صدورٍ لا ثمار غصون

(1/155)


برودٌ كأنوار الربيع لبسنها ... ثياب خضاب لا ثياب مجون
قرين نجوم ديم عن نور أوجه ... تجنُّ بها الألباب أيُّ جنون
وجوه جرى فيها النعيم فكلّلت ... بورد خدود يجتني بعيون
سألبس للأحزان ثوب تصبُّر ... وإن لم يكن عند اللّقا بحصين
وكيف ولى قلب إذا هبت الصبا ... أهاب بشوق في الفؤاد كمين
وقوله:
ونائح في غصون السدر أرقَّني ... وما عنيت بشيء ظلَّ يعنيه
مطوق بعقود ما تزايله ... حتى تزايله إحدى تراقيه
قد بات يبكي لشجو ما دريت به ... وبتُّ أبكي لشجو ليس يدريه
وقوله:
وقضيب يميس فوق كثيب ... طيِّب المجتنى لذيذ العناق
قد تغنّى كما استهل يغنِّي ... ساق حر مغرد فوق ساق
ينثر الدر في المسامع نثراً ... بين درِّ منظم مستاق
وافتضضنا من العواتق بكرا ... نكحت أمها بغير صداق
ثم بانت ولم تطلق ثلاثاً ... لم تبن حرة بغير طلاق
ديننا في السماع دين مدي ... نيٌّ، وفي شربنا الشراب عراقي
وقوله:
سرى طيف الحبيب على البعاد ... ليصلح بين عيني والرقاد
فبات إلى الصباح يدي وسادٌ ... لوجنته كما يده وسادي
بنفسي من أعاد إليَّ نفسي ... وردَّ إلى جوانحه فؤادي
خيالٌ زارني لما رآني ... عدتني عن زيارته عوادي
يواصلني على الهجران منه ... ويدنيني على طول البعاد
وقوله:
وريّان من ماء الشباب تهاتفت ... به نشواتٌ من صبا ودلال
كما اهتزَّ بانٌ من أكاليل روضة ... تلاعبه ريحا صبا وشمال
تعلم منه الهجر طيف خياله ... هدواً فما يلقاه طيف خيال
وأعرض حتى عاد يعرض في المنى ... ويمنع ذكراه الخطور ببالي
وقوله:
بأبي غزال صدَّ بعد وصاله ... وزها عليَّ بحسنه وجماله
سلب الكرى عيني وألبسها الكرى ... وحمى خيالي من لقاء خياله
وقوله:
مستوحشاً من جميع الناس كلّهم ... كأنما الناس أقذاء على بصري
وقوله:
أما والذي سوى السماء مكانها ... ومن مرج البحرين يلتقيان
ومن قام في الأوهام من غير رؤية ... بأثبت من إدارك كل عيان
لما خلقت كفّاك إلا لأربع ... عقائل لم يخلق لهن يدان
لتقبيل أفواه، وإعطاء نائل ... وتقليب هنديٍّ، وحبس عنان
عبد الملك بن سعيد المرادي
أنشدت له:
قد بلوت الحب مختبراً ... فأنا المسئول عن خبره
هو عذب عز مورده ... غير أن الموت في صدره
نظري أذكى جوى كبدي ... وهلاك الصب في نظره
وقوله:
قمر يسبي ذوي العقول أنيقاً ... ورشاً بتقطيع القلوب رفيقاً
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... درّاً يصير من الحياء عقيقا
وإذا نظرت إلى محاسن وجهه ... أبصرت وجهك في سناه غريقاً
وقوله:
برح الخفاء فأعتبي أو عاتبي ... فهواك سدَّ عليَّ رحب مذاهبي
لو كنت أعلم لي سوى فرط الهوى ... ذنباً إليك لكنت ألو تائب
يا ظالماً لا يستفيد بظلمه ... متعتباً في الحبّ غير معاتب
هلاّ عطفت علىَّ عطفة راحمٍ ... لما ذللت إليك ذلة راغب
الوزير أبو عثمان عبد الله بن يحيى
بن إدريس
أنشدت له:
أسحراً سقت عيني جفونك أم خمرا ... فقد رحت ملآن الجفون به سكرا
وشعراً أراني صبح وجهك أم دجا ... ووجهاً جلا إظلام شعرك أم فجرا
وجسمٌ تثنّى بين ثوبيك ناعمٌ ... أم الغُصُنُ اللدن اكتسى ورقاً خضرا
وقوله:

(1/156)


رب خمر شربتها من جفون ... ورياض جنيتها من خدود
إذا يشج اللثام ريقاً بريق ... ويلفّ العناق جيدا بجيد
تحت ظل من النعيم ظليل ... وبفيء من السرور مديد
وقوله:
إنّ بين الضلوع نيران شوقٍ ... وغليلاً يذوب منه الغليل
وحنيناً إليه في طول ليل ... ما إلى الصبح من دجاه وصول
غاب صبري الجميل إذ غاب فيه ... وجهه عني المليح الجميل
وقوله:
إنّ بين الضلوع شوقاً دفيناً ... ترك القلب والهاً مستكينا
يا غزالاً يصبي القلوب هواه ... وهلالاً يعشي سناه العيونا
أنت علمتني الصبابة والبخ ... ل فصرت البخيل فيك الضنينا
وقوله:
لأنزعنَّ وإن لم أقض من وطري ... إلاّ لبانة أشواق ومدكر
أكفُّ كفي وأثني من تقلبه ... قلبي وأقصر من سمعي ومن بصري
يوسف بن هرون البطليوسي
أنشدت له:
هو ظالمي لكن أرقّ عليه ... من أن أجيل اللحظ في خدّيه
أعفيت رقة وجنتيه من أذى ... عيني وما أعفيت من عينيه
وكأن در الخد يكسي حمرة ال ... ياقوت من نظر العيون إليه
وقوله:
أتضرب بين عيني واغتماضي ... بواش من لواحظك المراضِ
وتخلفني بوعد قد تقضّى ... مدى عمري وليس له تقاضي
ولم أسألك إلاّ النزر، أنّي ... بذاك النّزر مغتبط وراض
أبحْ تفاحتيك للحظ عيني ... وأعطيك الأمان من العضاض
عبد الله بن إسمعيل بن بدر
قال:
أشكو إلى الله من سمعي ومن بصري ... ما يحلبان إلى قلبي من الفكر
قد كنت أسمع عمن لست أذكره ... خوفاً عليه من التصريح بالذكر
سمعت حتى إذا أبصرت قلت له ... يا حاش لله ما هذا من البشر
سعيد بن محمد بن فرج
أنشدني له:
سمعي فلا كان أعمى بالبكا بصري ... وقاد قلبي إلى الأحزان والفكر
فإن بكت مقلة من فقد من عرفت ... فقد بكيت بمن لم أدر بالنظر
يا واصفيه رويداً إنّ وصفكم ... لم يبق من جلدي شيئاً ولم يذر
قالوا بدا فغلطنا بالسرار له ... لما تبلجّ منه الليل بالقمر
وقوله:
سقم الأحبة للقلوب سقام ... وإذا القلوب سقمن فهو حمام
لله بدرٌ قد تنقص نوره ... بالسقم، وهو بما سواه تمام
وقوله:
بكيت ومثلي بكى للوداع ... وعاصي العزاء بشوق مطاع
ولم أحمد الصبر يوم النوى ... ولا كان من قبله في طباعي
ولو كنت لم أبك من بينهم ... بكيت على عهد حبٍّ مضاع
وأنشدني لبعضهم شعراً
كلامك مثل ريقك، ذا بهذا ... مزاج سلافة حلو بعذب
فلو أني إذا أسمعت هذا ... شربت بذاك ضاع عليَّ لبيّ
فإن أبصرتني منه صريعاً ... فغالط في هواي وشاة صحبي
وقل هو نشوة من خمر حبٍّ ... فإنّ الدنَّ قد يدعى بحبٍّ
يحيى بن عبد الملك بن هذيل
رحمه الله تعالى
أنشدني له:
لا تلم هائماً قد استحسن الوج ... د وكل أمره إلى استحسانه
فأنا الطائع المشوق لمن صا ... ر يريني الهوان في عصيانه
مرّ بي خاطراً يكاد من العج ... ب به إن يراع في ريعانه
في ملاء كأنه وهو فيها ... ورد خديه في جنى سوسانه
يشتكي بالفتور من كسل المش ... ي ولا يشتكيه من أجفانه
ولقد شفني وأسهر طرفي ... لمع برق يزف في لمعانه
شمته والظلام يفترّ عنه ... كافترار الزنجي عن أسنانه
وقوله:
ألا عودة من طيفه فيرى حالي ... ألا يا أدكاري للكرى لي أتى تالي
يكاد يضيق الجو من عظم زفرتي ... وتهفو نجوم الليل من فرط إعوالي
أبي غير تعذيبي ولو أمر الردى ... أطاع ولكن فعله هو أنكى لي

(1/157)


وقوله:
والثريا دنت من البدر حتى ... خلتها دارعاً يدير مجنّا
وقوله:
ومزنة والبرق ينسج فوقها ... بردين من نوء وطلٍّ باكي
مالت على طيّ الجناح وإنّما ... جعلت أريكتها قضيب أراك
وقوله في الخضاب
لما رأت شعري تغيّر لونه ... ورأته محتجباً وراء حجاب
قالت: خضبت، فقلت: شيبي إنما ... لبس الحداد على ذهاب شبابي
قاسم بن عبد الرحمن العجلي
أنشدني له:
استحيت الأغصان من قده ... وحار ماء الحسن في خدّه
أني لمشتاق إلى ريقه ... طوبى لمن يرشف من برده
محمد بن هشام بن سعد الخير
أنشدني له:
يا سقيم الجفون من غير سقم ... حاش لله أن تبوء بإثمي
أنت أذكيت في الحشا نار شوقي ... وجعلت السقام يلهو بجسمي
ما أبالي بمن لحاني إذا قا ... م خطيباً من سحر عينيك خصمي
عبد الله بن حارث
قال:
عزائم وجد ما يحل لها عقد ... وجرية دمع ليس يبقى لها خدٌّ
ومقلة ممنوع الرقاد كأنّما ... جرى بين عينيه وبين الكرى حقد
وبادية الإعراض لا عن ملالة ... ولكن إعراضاً يولده الود
منعمة تزهو بخد مورد ... كأن شعاع الشمس من خدها يبدو
وقد وثقت مني بعزم صبابة ... لها دون عقد الصبر من مهجتي عقد
وما الصّد إلا كالوصال إذا غدا ... لغير ملال أو قلى ذلك الصد
عباس بن قرماس
أنشدني له:
وأحور ما يعفى العيون من العشق ... له كذب في الجد أحلى من الصدق
وللحسن في خدّيه شمس مقيمة ... وبدر كمال لا يحور إلى محق
وما العيش إلا ميتة الهجر والنوى ... بأحور ما يبقى هواه ولا يبقي
أحمد بن محمد بن فرج
قال:
بنفسي من يصد بغير ذنب ... سوى إدلاله ثقةً بحبّي
عجبت لقلبه قاس كجسمي ... ويحكي جسمه في اللين قلبي
فهلا بالتشاكل كان قاس ... لقاس، واغتدى رطبٌ لرطب
وإن لم ينعطف باللين فظ ... فقولي بالقساوة قلب صبٍّ
وقوله:
بإيُّهما أنا في الحب بادي ... بشكر الطَّيف أم شكر الرقاد
سرى وأرادني أملي ولكن ... عففت فلم أنل منه مرادي
وما في النوم من حرج ولكن ... جريت من العفاف على اعتقادي
وقوله:
وما زال الهوى سكناً لقلبي ... أفرُّ إليه من نوب الخطوب
وألتذ الغرام المحض منه ... وأستحلي به حتى كروبي
كذاك الحب ضيف ليس يأتي ... إلى غير الكرام من القلوب
وقوله:
بمهلكة يستهلك الجهد عفوها ... فتترك شمل العزم وهو مبدد
يرى عاصف الأرواح فيها كأنه ... من الأين يمشي ظالع ومقيد
أبو الصخر عبد الله بن محمد
قال:
حبذا العيش بين يوم وصال ... مستجد وبين يوم صدود
وحديثٌ موشح بعتاب ... فيهما نزهة الفؤاد العميد
من غزال في مقلتيه سهام ... هنّ أمضى من مرهفات الحديد
وقوله:
وكم ليلة قد نادمتني نجومها ... أديمُ صبوحاً عندها وغبوقا
يعاطينني كأساً ألذ من المنى ... وأعذب من ريق الأحبّة ريق
وأنشدني لبعض شعرائهم:
أيا شمس دنياي التي كلما غدت ... لها عزة المولى فلي ذلّة العبد
أعالج داء الدهر منك بذلتي ... وقد قيل قدماً: عالجوا الضد بالضدِّ
زكريا بن يحيى المعروف بابن الطنجية
صبراً على هجر الحبيب وصدّه ... لا يؤيسنّك هجره من ودِّه
لا تقنطنَّ من الصدود فإنّما ... لين الزمان معرَّض بأشده
وأنا الفداء لشادنٍ علّقته ... حبيّه صيرني تحلّة عبده
وقوله:
قف بالمطيّ على المنازل ... بالسفح من حصن فعاقل

(1/158)


دمن أناخ بها الربي ... ع وحلَّ أثقال الرواحل
لعبت بها هوج البوا ... رح بالغدوّ وبالأصائل
تستنُ في عرصاتها ... وتجر أذيال القساطل
حتى كأنّ رسومها ... إخلاق أجفان المناصل
أو أسطر من عهد ذي ال ... قرنين في الصحف الأوائل
فاتك الشهواجي
رسالة من كلف الفؤاد ... معذبٍ بالصد والبعاد
أجفانه وقف على السهاد ... يبكي بدمع رائح وغادي
إلى الذي مما لقيت خالي ... منعم العيش رخيِّ البال
يريد هجري ويرى مطالي ... لئن سلاني لست عنه سالي
يا غصن بان مخجل الأغصان ... ويا رخيم الدلّ والمعاني
يا قمراً ما أن له مدانيي ... يا ذا الذي بطرفه سباني
بلغت أعداي الذي أحبوا ... صرت عليّ والزمان ألبُ
هذا جزا من بصبيّ يصبو ... عثرت والطرف الجواد يكبو
يا عبد ما تعرف ما ألاقي ... يا عبد ما شوقك كاشتياقي
نفس بحق الود عن خناقي ... ما شدد الهجران من وثاقي
يا ذا الذي يملكني بطرفه ... يا من يجل الوصف عند وصفه
يا قاتلي بوعده وخلفه ... ارحم محباً قد دنا من حتفه
ارحم عزيزاً في هواك ذلا ... ألبسته ثوباً ثم تملّى
قطعه العذال فيك عذلا ... يا بدر تم في السما تجلّى
إرث لقلب دائم الجراح ... ارع انتهاكي فيك وافتضاحي
لا تقبلنّ فيّ قول لاحي ... يا ذا الذي بكفه سراحي
فقد عفا الرحمن عما قد سلف ... فعدّ عن زور التصابي والصلف
واحن على الصب بوصلٍ وانعطف ... إن لم ينله منك إحسان تلف
بحق ما في فيك من رضاب ... يا من غذته نعمة الشباب
لا تقطعنّ الدهر في عتاب ... فقد تقضي زمن التصابي
بحق من أنزل صحفاً وكتب ... إجعل إلى القلب طريقاً وسبب
يا لعبة وافت على كل اللعب ... قد مسني بعدك بؤس ونصب
لم يرض بالذلة غير نذل ... ولست أرضى بقبيح الفعل
إني أرى من دون هذا قتلي ... فاقطع وصالي أو فجد بالفضل
وهي طويلة جداً
أبو بكر إسماعيل بن بدر
أنشدت له:
غزال جنينا الورد من وجناته ... على أنه منّا القلوب بها يجني
إذا ما بدا والليل منسدل الدجا ... رأيت سناه كيف يفعل بالدجن
أخبره بالطرف أني أحبه ... فتخبرني عيناه أن قد وعى منّي
وقوله:
كيف ترى شوقي وتعذيبي ... يا غاية في الحسن والطيب
إن الذي قال علي العدى ... إفك كما قيل على الذيب
يا يوسف الحسن أما رحمةً ... تكشف عنّي ضرّ أيوب
مؤمن بن سعيد بن إبراهيم
أنشدت له:
قل لمن لست أسمي ... بأبي أنت وأمي؟
ما على بعض ظباء ال ... إنس لو فرّج همّي؟
سيّدي، وجهك شمس ... أشرقت أم بدر تم؟
وقوله:
أودي الفراق بقلبه فكأنّه ... بعد الظعائن ميتٌ لم يلحد
يا ظاعناً ولَّي بقلبي إذ غدا ... ما الصبر من جزعي عليك بأحمد
أفنيت فيك دموع عيني بعد ما ... أفنيت فيك تصبري وتجلدي
الله يعلم أن نار صبابتي ... من يوم بنت جحيمها لم يبرد
وقوله:
ذكر الرصافة قلبه فاشتاقا ... وأذاع ماء جفونه مهراقا
كم بالرصافة من أخ لي مسعد ... لولا النوى ما جئنهم مشتاقا
يا حبذا أرض الرصافة منزلاً ... لقي الفؤاد بذكره ما لاقى
لا تنكروا شوقي إلى بلد به ... أهلي فحكم البين أن أشتاقا
وقوله:
إنما أزري بقدري أنني ... لست من بابة أهل البلد

(1/159)


ليس منهم غير ذي مقلية ... لذوي الألباب أو ذي حسد
يتحامون لقائي مثلما ... يتحامون لقاء الأسد
طلعتي أثقل في أعينهم ... وعلى أنفسهم من أحد
لو رأوني قعر بحر لم يكن ... أحد يأخذ منهم بيدي
الوزير أبو وهب عبد الوهاب بن محمد
قال:
قتلت عيناك عبدك ... قبل أن تقضيه وعدك
حلت عن عهد محب ... لم يزل يحفظ عهدك
عبد محمد بن حسين بن طلحة العبسي
قال:
كيف صبري وأملح الثقلين ... مخلف موعدي ولاوٍ بديني
كلما رمت وصلها وصلتني ... بصدود وذنبتني ببين
هي وسنى الجفون لكن بنوم ... مذ أرتنيه أذهبت نوم عيني
الوزير أبو عثمان عبيد الله بن محمد
بن أبي عبيدة
أنشدت له:
أمولاي حتى متى أضرع ... وأشكو إليك فما تسمع
نبا بي الوساد وطول البعاد ... وطار الرقاد فما أهجع
أود بأن المنايا أتت ... وأين يرى اللحد لي مضجع
يقطع قلبي صدودك عني ... فما لي في عيشة مطمع
وقوله:
صدود ليس يبلغه عقاب ... وعتب ليس يثنيه عتاب
وإبعاد بلا ذنب طويل ... وقوله:إعراض وصد واجتناب
فلا سهر يطيب ولا رقاد ... ولا أكل يسوغ ولا شراب
محمد بن مطرق بن شخيص
أنشدت له:
يقولون كم تدعو إلى غير راحم ... وما كل من يشكو إلى الناس يرحم
وددت بأن يرضى فإن جاد بالرضا ... تفكر في ذنب المحب فيندم
وقوله:
كان في كثرة العتاب دليل ... لي على أن من هويت ملولُ
من نوى جفوة تقول في الح ... ب على من يحبه ما يقول
فاقطعي الوصل أو صلي فبقائي ... مع طول العتاب منك قليل
واسلكي بي سبيل عروة إن لم ... يتجه لي إلى رضاك سبيل
وقوله:
ولم أدر إذ زموا الهوادج بالضحى ... أطرفي أعمى أم نهاري مظلمُ؟
فيا جفن عيني كيف تطمع في الهوى ... بنوم ونوم العاشقين محرمُ؟
علي بن حتفان بن أخت النظام
أنشدت له:
وذكرت ما يلقى المحب مخلفاً ... بعد الأحبة من جوى وسهادِ
بالله لا تنس الوداد فإنني ... باق على عهدي ومحض ودادي
محمد بن عبديس الجنائي رحمه الله
أنشدت له:
إليك أمد بشجوي يداً ... فقد بلغ الحب مني المدى
فريد المحاسن أنت الذي ... قد أثبتني في الأسى مفردا
ترفق فلو كنت بعض العدى ... وفعلك فعلك ما بي عدا
أرحني فقد بت مما لقيت ... وأرح ما أرتجيه الردى
أحمد بن أبي صفوان
بن العباس ابن عبد الله بن عمر بن مروان
قال:
فلو تراني نشواناً أميل على ... هذا وذاك بلا خوف الرقيبين
والكأس يسعى ونقر العود يخفرها ... ونقل كأسي من ريق الغزالين
رأيت أحسن مرئي وأبهجه ... ليث العرين صريعاً بين ريمين
أغلب بن شعيب
أنشدت له:
رب ليل أحييت فيه سنا الصب ... ح بوجه يعشي الوجوه سناهُ
بات والراح في غلائلها البي ... ض تعاطيكها به راحتاه
فأعار الكؤوس توريد خدي ... ه وطيب النسيم من رياه
وكأن المدام قد علمتها ... كيف تسبي ألبابنا مقلتاه
وقوله:
قد توقعت حادث البين إشفا ... قاً عليه من قبل حين وقوعه
فرأيت الفراق دل على أن ... فراق الحياة في توديعه
وقوله:
من مجير المشوق من أشواقه ... ويكف الدموع من آماقه
بان عني من غادر القلب مني ... فرقاً من تأسفي لفراقه
وأنشدني لبعض أدبائهم:
وليلة أنس كاد يسبقها الفجر ... وتسفر في عيني بها الظلم الكدرُ

(1/160)


لقيتك منها بالأماني ذاكراً ... فيا طيب ليلى من لقاءٍ هو الذكر
أقمتك في نفسي لنفسي تذكراً ... ففزت بوصل ما يغالبه الهجر
ألست نظير البدر حسناً وبهجة ... فما لك لا تسري كما يفعل البدر؟
محمد بن سليمان الفاني الأكبر
قال:
أمثل شوقي إليك ينفرج ... وهو بروحي والجسم ممتزج؟
أين لقلبي من الهوى وزر ... ولوعة الشوق فيه تعتلج؟
وأبابي من يذيب نفسي بالت ... كريه منه الدلال والغنج
علَّم طرفي السهاد من طرفه الس ... احر ذاك الفتور والدعج
حسن بن محمد بن ربيع الفاني
قال:
لولا جفونك ما استولى بي الكمد ... ولا تحكم في أجفاني السهدُ
الهجر يذكي جوى قوم فيا عجباً ... للوصل يذكي جوى قوم فيتقد
كأنه ليس يبقى في جوانحه ... إلا ليشقى بما يلقى وما يجد
هذا مقام فؤادي في تشوقه ... فلا تسل بعد ذا إن كان لي كبد
عبد الله بن بكر
رحمه الله تعالى
أنشدت له:
حسدتْ نفسي الطبيب وقالت ... ليت كفي مكان كف الطبيبِ
عجباً كيف ساعدته يداه ... فصد ذاك المطرف المخضوب
ليت وجه الحبيب كان من الدن ... يا ومن جنة الخلود نصيبي
وقوله:
لما رأيت شعاع وجهك قد بدا ... متهللاً كتهلل البرقِ
سبحت من عجب وقلت: متى ... للشمس مطلع سوى الشرق؟
ما كنت أحسب مثل صورتها ... متكوناً أبداً من الخلق
وأنشدني للكلبي:
بنفسي من هواك لهيب شوق ... وما يخبو كما يخبو اللهيبُ
هو الداء الذي لم يشف منه ... لقاء يلتقيه ولا مغيبُ
وتروي بالعناق قلوب قوم ... وتظمأ لو تعانقت القلوب
على أني إذا ما غبت عني ... وإن أصبحت في أهلي غريب
قال: وعتب الحكم ولي العهد على الكلبي في بعض الأمر فأقصاه أبعده، فكتب إليه كتاباً متنصلاً، وجعل عنوانه عبده الكلب إلا أن يمنحه مولاه ياء نسبته، فاستظرف الحكم كتابه، وضحك منه، ودعاه فأعتبه، ووصله.
محمد بن حفص بن فرح
قال:
يا من غدت نفسه نفسي فإن سلمت ... سلمت أنشد أو ألمت له: ألمت قاسمتها الألما
ما إن علمت الذي تشكوه من سقم ... حتى وجدت بنفسي ذلك السقما
وله:
في المنى راحة لكل عميد ... شفه الحب بالنوى والصدود
إن تناءى الحبيب أدنته منه ... فغدا في العباد غير بعيد
أو جفاه فإنه لمناه ... واصل حبله برغم الحسود
عبد الله بن محمد بن فرح الأندلسي
قال:
شكا السقم من أهوى وجد به الصبا ... ولا مثل ما جد الصبا بي في الحب
وما عدته إلا وسقمي واحد ... وأبت ولي سقمان بالحب والكرب
وقوله:
ما لهذا الصدود من غير معنى ... يا حبيبي، إلى متى تتجنى؟
أنت غصن فكيف تقسو لجان ... مد كفاً وأنت تهتز لدنا
إن تكن قد مللت قربي تباعد ... ت قليلاً لعلني سوف أدنى
أيها الباخل الممانع جد لي ... من حياتي ببعض ما أتمنى
أو أرحني بالموت فالموت عندي ... هو خير من أن أعيش مُعنّى
وقوله:
رحلت وقلبي عنك ليس براحل ... وزلت وصبري عنك أول زائلِ
وجدت بنا العيس العتاق وإنما ... رحيلي من الدنيا بتلك الرواحل
ومن عجب أختار فيك منيتي ... وما في الدنيا من خيار لعاقل
وقوله:
نظرت إلى عقدات الكثيب ... بعيني مشوق إليها كئيبِ
وكم نظرة ملأت ناظري ... إليها دما مستهل الغروب
رعى الله أهل كثيب اللوى ... كرعيك منهم عهود الحبيب
وشقق فيهم جيوب السماء ... كما شقق البين رتق الجيوب
وقوله:

(1/161)


أرى نار ليلي بالعقيق تلوح ... فتدنو النوى بالشوق وهي تروحُ
نظرت إليها وهي تسبح في الدجى ... وإنسان عيني في الدموع سبوح
فسلني بوجد لو تقسم في الورى ... لما بات بين الخافقين صحيح
فيا لك ناراً تصطليها جوانحي ... ودون الصلا منها مهامه فيح
محمد بن أحمد بن قادم
قال:
لم أبح باسمه لأني ضنين ... باسمه أن تذيله الأفواه
أنا من خاطري أغار عليه ... عند ذكري له فكيف سواه
ساء ظني لفرط غيرة قلبي ... مع علمي عفاف من أهواه
وإذا ما سمعت من يتشكى ... حرقة خلت أنها شكواه
وقوله:
إني زعيم لمن أسهرت مقلته ... أن لا يطيف به طيف من الوسنِ
سبحان رب الورى ما كان أغفلني ... حتى رمتني الليالي فيك بالمحن
وقوله:
قف بربع البلى وربع الهموم ... واسفح الدمع فيه سفح الغيوم
غيرت آية صروف الليالي ... ومحاها الغمام محو الرقيم
ساء ما اعتاض بالسحائب من نب ... ت المعالي بمنبت القيصوم
فالأسى حين يعدم الشيء محمو ... لٌ على قدر جوهر المعلوم
وقوله:
أما والبيت والشهر الحرام ... وزمزم والمشاعر والمقامِ
لقد حنت ركاب الركب حتى ... شجت قلب الخلي من الغرام
إذا شاق الحنين فؤاد خلو ... فكيف نرى فؤاد المستهام؟
تحن إلى حنين العيس نفسي ... ويبعث شجوها نوح الحمام
وإن حياة نفس كل شيء ... يشوقها لموشكة الحمام
وقوله:
ما كان تركي للعيادة عن قلى ... مني ولا لتبدل وتغيرِ
لكن علمت إذا سمعتك تشتكي ... أن لا يقوم به جميل تصبري
محمد بن عبد العزيز العتبي
قال:
فاسأل بهن ربوعهن، وما الذي ... يجدي عليك سؤال ربع داثر؟
عفت معالمه الليالي مثل ما ... عفى سواد الشعر بهجة عامر
وقوله:
حوراء خود تستعير إذا مشت ... لين القضيب الناعم المياسِ
لانت أناملها ولكن قلبها ... في قسوة الحجر الصلود القاسي
وقوله:
ألا في سبيل الله قلب متيم ... أصيبت ببين الظاعنين مقاتله
هوى صبره بالبين من ذروة الهوى ... وغالته إذ بان الخليط غوائله
وبين الحمول المستقلة شادن ... أغن غليظ القلب رخص أنامله
تيقنت أن الصبر عني زائل ... عشية زمت للرحيل رواحله
محمد بن مروان بن حرب
قال:
من فرط شحي عليك أني ... رسول نفسي إليك عني
فلو سألت الرسول ممن ... أتى لقال الرسول مني
المكفوف محمد بن محمود بن أيوب الغنوي
قال:
لا يبعد الله أياماً نعمت بها ... بين الغواني وشمل الحي ملتئمُ
بكل ناعمة الأطراف مشرقة ... تكاد تسفر من إشراقها الظلم
كأنها دمية بل كوكب شرق ... بل روضة أنف زهراء بل صنم
فما لمثلي لا يبكي لفرقتها ... والعهد منها ولو أن البكاء دم
مازن بن عمرو بن مروان
بن محمد بن عاصم
قال:
كم لي بمن أهواه من وجد ... بين إلى هجر إلى صد
عبرة لو أنها جمرة ... ما أطفئت من شدة الوقد
إن حالت الريح إلى غيرها ... أقول قد حال عن العهد
وإن دنا دان توهمته ... دنا ليثنيك عن الود
كأن سوء الظن مستجمع ... من بين هذا الخلق لي وحدي
وقوله:
ومنعم للحسن في وجناته ... فجر ينم صباحه ونهاره
قد تاه قرطقه بنهدي صدره ... زها بلعبة خصره زناره
أمسى يعللني المدام وعنده ... عود ترن بشجوه أوتاره
فيهيج مني لوعة لو أنها ... بصفا المقرر ضعضعت أحجاره

(1/162)


والدنُّ مقطوع الوتين ترى له ... علقاً يجد بصوبه مدراره
طفئت مصابحنا فكان سراجنا ... مصباحه حتى الصباح وناره
أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز
ابن أمية بن الإمام الحكم
قال:
لن منعوا من ناظر نور ناظري ... فما منعوا ما بيننا في الضمائر
نموت ولا نشكو الهوى غير أننا ... إذا ما التقينا نشتكي بالمحاجر
وقوله:
ودعني إذ ودعوا صبري ... وجمعوا البين إلى الهجر
واستخلفوا في كبدي لوعة ... لاعجها أذكى من الجمر
لولا دموع العين يوم النوى ... لأحرقت من حرها صدري
وكيف صبري في هوى شادن ... مكتحل الأجفان بالسحر
محمد بن عبد الله بن عبد الواحد
المعروف بعرجون
قال:
يا رسولي أبلغ إليها شكاتي ... واسألنها ولو بقاء حياتي
قال لها قد قضى هواك عليه ... فهو ميت أو مؤذن بالممات
فالحظيه ترين إن شئت ميتاً ... كان يحيا بأيسر اللحظات
واعجبي أن تكون لحظة عين ... منك تهدي الحياة للأموات
عيسى بن أبي جرثومة
قال:
يا من سقتني كأس الحب عيناه ... صرفا وثنى بأخرى طيب رياه
وزادني وردتي خديه ثالثة ... فأسكرتني عيناه وخداه
يا من كساه ضياء الحسن خالقه ... فبالملاحة حياه ورداه
حي يرجي سلاماً في ملاحظة ... تشفي به سقم قلب طال بلواه
أحمد بن عبد الملك بن مروان
قال:
ولقد نفست على الأراك، وحق لي ... لما اجتني بالذوق طيب جناكِ
وبي الصدى لا بالأراك، فما له ... رشف اللمى وحرمت رشف لماك؟
أشعرت لو أني حللت محله ... لم أمتهنك بأن أقبل فاك
وقال:
على صدع شملي منك قلبي تصدعا ... فعن أي حال منك أبدي التوجعا؟
على النأي منكم أم على قرب داركم ... بهجر يزيل الصبر عني أجمعا؟
بلى إن في قرب الديار لراحة ... وإن لم يدع فيك هجرك مطمعا
كما أن أيام النوى تبعث الأسى ... ويدعو التصابي للمحب إذا دعا
وقوله:
هبت لنا الريح من تلقاء كاظمة ... وهناً فكم رد نفح الريح من روح
وما عرفت نسيم الريح من بلدي ... إلا بعرف حبيب هب في الريح
عيسى بن جوشن
قال:
أضاع سافح دمع العين حين همى ... من الجوانح سراً كان مكتتما
لا تحسبي أنه سر بذلت به ... ولا فتحت به للكاشحين فما
لولا عواصي دموع لا تطاوعني ... ما ذاع سرك عندي لا ولا عُلِما
لؤم بذي الحب أن يبدي سرائر ما ... يهوى ومن صانها حفظاً فقد كرما
سجيتي أنني أرعى ودائعكم ... وأحفظ العهد منكم كلما قدما
وأنني أمنح الواشي بكم أذناً ... معارةً فيكم عن قوله صمما
عبد الله بن سعيد الكاتب
المعروف بابن الأخرس
قال:
ما لعذري يزيد في قدر ذنبي ... وعتابي يغريك في بعتبِ
ولماذا اشتريت ودي وقد أع ... طيتك الود من لساني وقلبي
حسبي الله من أعاد وحسا ... دٍ، وبالصدق في ترضيك حسبي
أنت شربي وليس في العيش حظ ... لي يصفو إذا تكدر شربي
عبد الله بن حسين بن عاصم بن طاهر
قال:
أبدى الصدود حبيب ... قد خان عهدي وملاً
ولي فمن لي بروحي ... يردها إذ تولى؟!
لا آخذ الله منه ... من بالجفاء تحلى
وقوله:
أغرى بي الشوق فكر ما يسالمني ... أقام بين ضلوعي حرب صفينا
هذا وما خان أحبابي الأولى ظلموا ... وإنهم لعهود الحب راعونا
يا أهل ودي عدا بي عن زيارتكم ... هوى يلح بإبعادي أحايينا

(1/163)


ما لي على الحب من عون يوازرني ... فيه سوى أدمع تجري أفانينا
الوزير أبو الحزم جهور بن عبد الله
قال:
يا عائباً لي بالصدو ... د إذا ذكرت قبيح عذرك
أخليت من قلبي مكا ... ناً كان معموراً بذكرك
وأنا أحبك لو وثق ... ت وأستديم بقاء عمرك
عيسى بن عبد الملك بن قزمان
قال:
كم من حبيب كان لي قرة ... مقترب الود لطيف المكانْ
يرى على الأعداء فيما يرى ... كالصارم الهندي أو كالسنان
حتى إذا الدهر نبا نبوة ... حال فحلنا بانقلاب الزمان
كان صديق الغيب فيما يرى ... وإنما كان صديق العيان
وقوله:
تقول: بعدت فأنسيتنا ... ولم يك حبك بالدائم
فقلت لها: لو علمت الهوى ... لما جرت فيه على العالم
لأن الهوى وانتزاح النوى ... يزيدان في لوعة الهائم
كفعل الرحيق وسكر الكرى ... إذا ما استعانا على النائم
محمد بن عبد الجبار النظام
قال:
إن جهلاً بالمرء ذي الحزم والرأ ... ي رجوع في الغي بعد نزاعِ
ومحالاً بأن يطيع هواهوالهوى ما علمت شر مطاع
وله:
أودعت مهجتي غداة الوداع ... حرقات تجنها أضلاعي
طفلة تستبي العقول بدل ... آخذ للقلوب والأسماع
كشف البين ما كتمت وما كن ... ت قديماً أصونه في قناعي
الوزير أبو عامر أحمد بن عبد الملك
بن شهيد
أنشدني له أبو سعيد بن دوست، قال: أنشدني الوليد بن بكر الفقيه الأندلسي قوله من قصيدة يمدح فيها:
وأخرى اعتلقنا دونهن، ودونها ... قصور وحجاب ووال ومعشر
يزينها ماء النعيم حفها ... من العيش فينان الأراكة أخضر
إذا رامها ذو حاجة صد وجهه ... ظبا الباترات والوشيج المكسر
ومنها:
ومن قبة لا يدرك الطرف رأسها ... تزل بها ريح الصبا فتحدر
إذا زاحمت فيها المخارم صوبت ... هبوباً على بعد المدى وهي تجأر
تكلفتها والليل قد جاش بحره ... وقد جعلت أمواجه تتكسر
ومن تحت حضني أبيض ذو شقاشق ... وفي الكف من عسالة الخط أسمر
إلى بيت ليلى وهو فرد بذي الغضا ... يضيء كعين المستهام ويزهر
هما صاحباي من لدن كنت يافعاً ... مقيلان من جد الفتى حين يعثر
فذا جدول في الكف تشفي به المنى ... وذا غصن في الكف يجني ويثمر
فبتنا على ضم اشتياقنا ... تكاد له أكبادنا تتفطر
ومنها:
ودوية من فتنة مدلهمة ... دريس الصوى معروفها متنكر
إذا جابها الخريت في طرقاتها ... يظل بها أعمى وإن كان يبصر
ترى ثابتات الحكم عند اعتسافها ... ترك على إدفافها فتهور
وإن سلكت أضواجها عييت بها ... غوارب من ذي مطريات تزجر
وسرنا نجوز النهج حتى بدا لنا ... بغرة يحيى ساطع اللون أزهر
وله من أخرى أولها:
أمن رسم دار بالعقيق محيلِ
ولما هبطنا الغيث يذعر وحشه ... على كل خوار العنان أسيلِ
مسومة نعتدها من جيادنا ... لطرد قنيص أو لطرد رعيل
إذا ما تغنى فوق متونها ... ضحياً أجابت تحتهم بصهيل
تدوس بنا أوكار نوء كأنه ... رداء عروس أوذنت برحيل
رمينا بها عرض الصوار فأقعصت ... أغن قتلناه بغير قتيل
وبادر أصحابي النزول فأقبلت ... كراديس من غض الشواء نشيل
فقلت لساقيها أدرها سلافة ... شمولاً ومن عينيك صرف شمول
فقام بكأسيه مطيعاً لإمرتي ... يميل به الإدلال كل ميل
وشعشع راحيه فما زال مائلاً ... برأس كريم منهم ونبيل
وله من أخرى:

(1/164)


منازلهم تبكي إليك عفاءها ... سقتها الثريا بالعري نحاءها
ألَثَّتْ عليها المعصرات بقطرها ... وجرت بها هوج الرياح ملاءها
حبست بها عدواً زمام مطيتي ... فحلت بها عيني علي وكاءها
رأت شدن الآرام في زمن الهوى ... ولم تر ليلي فهي تسفح ماءها
خليليّ عوجا بارك الله فيكما ... بدارتها الأولى نحيِّ فناءها
ولا تمنعاني أن أجود بأدمعٍ ... حواها الجوى لما نظرت جواءها
فأقسم ما شمت الغداة وقودها ... وقد شمت ما راب الحمى وأساءها
ميادين أفراس الصبا ومراتع ... رتعت بها حتى ألفت ظباءها
ولم أر أسراباً كأسرابها الدمى ... ولا ذئب مثلي قد رعى ثم شاءها
ولا كضلال كان أهدى لصبوتي ... ليالي يهديني الغرام خباءها
وما هاج الشوق إلا حمائم ... بكيت لها لما سمعت بكاءها
تغنّ فلا يبعد بذي الأيك عاشقٌ ... بكى بين ليلى فاستحث بكاءها
أنا البحر لا يستوهن الخطب طاقتي ... وتأبى الحسان أن أطيق لقاءها
تيمم قصدي النائبات فردَّها ... فتى لم يشجع حين حان رياءها
إذا طرقته الحادثات أعارها ... شبا فكرات قد أطال مضاءها
أما وأبي الأعداء ما دفعتهم ... يد سبقتهم يتقون عداءها
جزاهم بما حازوا من الجهل حلمه ... كريم إذا رأيُ المكارم جاءها
ومنها:
وكم لك من يوم وقفت بظله ... وقد نازلتنا الحادثات إزاءها
ومن موقف ضنك زحمت به العدى ... وقد نفضت فيه العقاب رداءها
وكم أمة أنجدتها وكأنها ... يرابيع سدّت خيفة قصعاءها
ومن خطبة في كبة الصك فيصل ... حسمت بها أهواءها ومراءها
ومن أخرى أولها:
أنكيت إذ ظعن الفريق فراقها
يقول فيها:
إني امرؤٌ لعب الزمان بهمتي ... وسقيت من خمر الخطوب دهاقها
فإذا ارتمت نحوي المنى لأنالها ... وقف الزمان لها هناك فعاقها
فإذا أبو يحيى تأخر سعيه ... فمتى أؤمل في الدنا إلحاقها
الملبسي ذهبية من فضله ... ثنت العيون فلم تطق رقراقها
والمانعي من صرف دهري بعدما ... قلبت إليَّ الحادثات حداقها
حتام لا تزوي جيادك للوغى ... وتشيم من بيض السيوف رقاقها
وتسد طرق الأرض منك بجحفل ... يذر الملوك مديمة إطراقها
بحر إذا خفقت عقاب لوائه ... بتخوم أرض لم تخف إخفاقها
ومنها:
بطل إذا خطب النفوس إلى الوغى ... جعل الظبا تحت العجاج صداقها
لو عارضت هوج الرياح بنانه ... يوماً لسد ببعضها آفاقها
وإذا الملوك جرت جياداً في الوغى ... والجود قطع غفوة أعناقها
ولو أنّ أفواه الضراغم منهل ... للورد أورد خيله أشداقها
وقوله:
أفي كل عام مصرع لعظيم ... أصاب المنايا حادثي وقديمي
فكيف لقائي الحادثات إذا سطت ... وقد فل سيفي منهم وعزيمي
مضى السلف الوضاح إلاّ بقيةً ... كغرَّة مسود القميص بهيم
وكيف اهتدائي في الخطوب إذا دجت ... وقد فقدت عيناي ضوء نجومي
أما وأبي الأيام لو لا اعتداؤها ... لظاهرت في ساداتها بقروم
وقارعت من يبغي قراعي منهم ... بأحلام بطش أو بطيش حلوم
أحلوا ملامي لا أبا لأبيهم ... وإني وربِّ المجد غير ملوم
فلا تعذلوني إن ولهت فإنها ... علاقة حبر لا علاقة ريم
وقوله:
قد تركنا الصبا لكل غويٍّ ... وانسلخنا من كل ذام وعاب
وانقطعنا لواعظات مشيبآذنتناحياتها بذهاب

(1/165)


وإذا ما الصبا تحمّل عنا ... فقبيح بما ارتضاه التصابي
وفتوٍّ سروا وقد عكف اللي ... ل وأقعي مغدودن الأطناب
وكأن النجوم لما هدتهم ... أشرقت للعيون من آدابي
وكأنّ البروق إذ طالعتهم ... أوقدت في سمائها من شهابي
يتقرون جوز كل فلاة ... جنح ليل جوزاؤه من ركابي
عنّ ذكري لمدلجيهم فتاهوا ... من حديثي في عرض أمرٍ عجاب
همة في السماء تسحب ذيلاً ... من ذيول العلا وجدَّ كابي
وفتىً أرهفت ظباه المعالي ... فثنته بالباتر القرضاب
نيبته أيامه وليالي ... ه بظفر من الخطوب وناب
حوّلٍ لو رآه صرف الليالي ... لتوارى من خوفه في حجاب
ذاق أيامه فكان سواء ... عنده طعم شهدها والصاب
ولو أنّ الدنيا كريمة نجر ... لم تكن طعمة لفرس الكلاب
وإذا ما نظرت ما حاز غيري ... قلّ عما حملته في ثيابي
وقوله:
أصفيح شيم أم برق بدا ... أم سنا المحبوب أورى أزندا
هبّ من مرقده منكسراً ... مسبلا للكمِّ مرخ للردا
يمسح النعسة من عيني رشأ ... صائد في كل يوم أسدا
كاد أن يرجع من لثمي له ... وارتشافي الثغر منه أدردا
قال لي يلعب: صد لي طائراً ... فتراني الدهر أجري بالكدا
فإذا استنجزت يوماً وعده ... قال لي يمطل: ذكرني غدا
وأنا المجروح من عضته ... لا شفاني الله منها أبدا!
ومكان عازب من جيرة ... أصدقاء وهم عين العدا
ذي نبات بلبلت أعرافه ... كعذار الشعر في الخد بدا
قلت إذ خيمت فيه قاطناً ... وتلاقتني الأماني سجدا
ورأيت الدهر خوفي ساكناً ... وبنى الأحرار حولي أعبدا
جاد من أصبحت في أيامه ... والردى يحذر من خوفي الردى
ملك يحسب عدلاً ملكاً ... وإمام أّمَّ فينا فهدى
خلته والرمح في راحته ... قمراً يحمل منه فرقدا
نعم ما اخترت لنفسي فاعلموا ... إن زمان جار أو صرفٌ عدا
ليس من يعشو إلى نار القرى ... مثل من يعشو إلى نار الهدى
ومن شعره:
أبرقٌ بدا أم لمع أبيض قاصل ... ورجع شدا أم رجع أشقر صاهل
ألا إنها حرب جنيت بلحظة ... إلى عرب يوم الكثيب عقائل
هوى تغلبيٍّ القلب فانطوى ... على كمدٍ من لوعة القلب داخل
ردى تعلمي بالخيل ما قرَّب النوى ... جيادك بالثرثار يا ابنة وائل
جزينا بيوم المرج آخر مثله ... وغصن سقينا ناب أسمر عاسل
ومنها:
سهرت لها أرعى النجوم وأنجما ... طوالع للراعين غير أوافل
وقد فغرت فاهاً بها كلّ زهرة ... إلى كل ضرع للغمامة حافل
كأنّ الدجى بها كل زهرة ... تحدٍّر إشفاقاً لدهرٍ مماحل
وما بي إلاّ همةٌ أشجعية ... ونفس أبت لي من طلاب الرذائل
وكيف ارتضائي دارة الجهل منزلاً ... إذا كانت الجوزاء بعض منازلي
وصبري على محض الأذى من أسافل ... ومجدي حسامي والسيادة ذابلي
ولما طمى بحر البيان بفكرتي ... وأغرق قرن الشمس بعض جداولي
زففت إلى خير الورى كلَّ حرةٍ ... من المدح لم تخمل برعي الخمائل
وما رمتها حتى حططت رحالها ... على ملك منهم أغر حلاحل
وقوله من قصيدة أولها:
هاتيك دارهم فقف بمغانها
يقول فيها:
ودَّعتهم وزناد قدح في الحشا ... دون الضلوع يشبُّ من نيرانها
يا صاحبيَّ إذا ونى حاديكما ... فتنشقا النفحات من ظيَّانها

(1/166)


وخذا بمرتبع الحسان فربما ... شفع الشباب فصرت من أخدانها
وكأنما الشعرى عقيلة معشر ... نزلت بأعلى النسر من ولدانها
وكأنما طرق المجرة منهجٌ ... للعامرية ضامنٌ فينانها
المعجلين عداتهم برماحهم ... والجاعلين الهام من تيجانها
أنا طودها الراسي إذا ما زلزلت ... أيدي الحوادث من فؤاد جبانها
وعليَّ للصبر الجميل مفاضةٌ ... زغف أفلٌّ بها شباة سنانها
وكأنّني لما كرمت وقد شكت ... أرضى الحوادث غبت من حدثانها
وقضت بعزّ النفس مني دوحة ... من عامرٍ أصبحت من أغصانها
أسري لهم بالخيل حتى خيلوا ... أنّ الجبال رمتهم برعانها
ورمى العدى بكتائب ملء الفضا ... أعمدن نصل الصبح في رهجانها
من كل سلهبة تطير بأربع ... ينسيك مؤخرها التماح لبانها
نشأوا بزاهرة الملوك ومائها ... وكأنهم نشأوا على غسَّانها
وأَرتهم العرب الكرام مصاعها ... فتعلموا من ضربها وطعانها
وقوله من قصيدة أخرى:
خليليَّ ما انفك الأسى منذ بينهم ... حبيبي حتى حلَّ بالقلب فاختطا
أريد دنواً من خليلي وقد نأى ... وأهوى اقتراباً من مزار وقد شطا
وإني لتعروني الهموم لذكركم ... هدوّاً فلا أستطيع قبضاً ولا بسطا
وإن هبوط الواديين إلى النقا ... بحيث التقى الجمعان واستقبل السقطا
لمسرح سربٍ ما تقرَّى نعاجه ... بريراً ولا تقرو جآذره خمطا
ومرتجز ألقى بذي الأثل كلكلاً ... وحطّ بجرعاء الأبارق ما حطّا
سعى في قياد الريح يسمح للصبا ... فألقت على غير التِّلاع به مرطا
وما زال يروي الترب حتى كسا الربى ... درانك والغيطان من نسجه بسطا
وعنت له ريح فأسقط قطره ... كما نثرت حسناء من جيدها سمطا
ولم أر درا بدَّدته يد الصبا ... سواه فبات الزهر يجمعه لقطا
وقوله يصف الذئب وأحسن:
أزلّ كسا جثمانه مستتراً ... طيالس سوداً كالدجى وهو أطلس
فدلّ عليه لحظ خِبٍّ مخادعٍ ... ترى ناره من ماء عينيه تقبس
وقوله:
وأغر قد لبس الدجى ... برداً فراقك وهو فاحم
يحكي بغرته هلا ... ل الفطر لاح لعين صائم
أرمي به بقر الحمى ... وأصدُّ عن عصم العواصم
وتجانبي فتق النفو ... س. من المهاريت الدلاقم
حتى إذا علم الصبا ... ح أشار من تلك المعالم
وتمايلت أيدي الثري ... ا وهي مذهبة الخواتم
ورنت ذكاء بناظر ... رمد من الأقذاء سالم
قلت: ومن رسائله العجيبة قوله يصف البرد والنار والحطب: أطال الله بقاء مولاي الذي أهتدي بمصباحه،وأعشو إلى غرره وأوضاحه، صبحتنا اليوم خيل البرد مغيرة، فانقبضت إلى أخريات الإيوان، وقد كدسني بصارم وسنان. فجعلت مجني حطباً دل على نفسه، وتشظى من يبسه فسلطت عليه صاحب الشرر ورميته منها ببنات الحديد والحجر. فواقعه قليلاً، وعاركه طويلاً. فكان لها عجيج، وله حرها ضجيج. ثم خلا لها صريعاً، واستولت عليه صعباً منيعاً. فبددت شمله وألفت شملها، واستحالت حية لا يستلذ قتلها، ترمي بألوان وتتهدد بلسان، فلذعت البرد لذعة، ونكرته على فؤاده نكزة، خرّ لها على جبينه، ومات بها من حينه. وغشينا من فائض حمتها حر كان لنا حياة، ولذلك وفاة. فالحمد لله على نعمته، وما أرانا من غريب قدرته، ودلنا به من لطيف صنعته. ولما استحال جمرها رماداً، وقد مهد لنا من الدفء مهاداً، ولمحته العين كالورد، وذر عليه كافور الهند، انبسطت نفس شاكرك فتذكر لما كلفته، من الزيادة في المعنى الذي اعتمدته، محرماً له لا مقتدياً به، ومستثنياً فيه لا آخذاً منه.

(1/167)


وله من أخرى يصف فيها البرد والحمام:
لما تلقى اليوم البرد شاكرك بنوع، ومشى إليه بروع، وكان بالأمس برداً أجحف، فابتنى من سحابة أو طف، فقصد بيت النار، ومورد الأبرار والفجار. فلما رأى الناس أخلاطاً تذكر جهنم، ولفحها المتضرم، وقوله تعالى " إن منكم ورادها " واستعاذ بالله من لهبها، وسأله أن لا يكون من حطبها، وإذا بأهلها يتساقون أكواب الحر، ويتعاورون أثواب القر، فلما أخذت منهم حمياه، تهللت الشفاه، وانطلقت الأفواه، فأخذوا من تجالدهم، وأكثروا من عوائدهم، وكشفت الأبشار، وهتكت الأستار، وجعلوا يتجالدون دلكا، ويتضاربون حكا. حتى إذا خرجوا بجماهرهم، وانحفلوا بحذافرهم. صب على جسمه من عريض، وامتد على وضاح ذي وميض، قاربه الحر حتى احتواه، وباعده القر حتى اشتهاه. فحينئذ أخذ في طهره، وقضى من أمره، وقد لطف حسه، وتراجعت إليه نفسه. فذكر ما خاطبك به أمس في المعنى الذي كلفته، على الاختيار الذي قصدته، فإذا ما خاطبك به أمس في المعنى الذي كلفته، على الاختيار الذي قصدته، فإذا بذلك الكلام لا يدل على سواه، ولا يقتضي لغير معناه، فأثبتت فقراً مخترعة أرهفت جوانبها، فسالت غرائبها، وهي حلة ملبسها المشكور، فإن كان ذلك طرازاً على كمها، ورقماً على حاشيتها، فإن كان زاد أن يكون عن كريم، فإن ذلك تميمة لوشيها، وذهب يرف على أرضها، فالشكر حلوبة مسخرة للمشكور، دريها أمل، وملحها عسل. فإن كانت من كريم روضها ورداً، وحوضها شهداً، وإن زاد أن يكون عن كريم كانت ناقة صالح، صرها ثواب، وحفظها عقاب، والشكر طائر يتغنى باسم المشكور فإن كان من كريم كان شخصه محبوب، ورجعه تطريباً. وإن زاد أن يكون عن كريم كان حمامة نوح يغرد بنغم، ويقع ببشرى، والشكر درع حصينة يلبسها المشكور، فإن كان من كريم كان ظلها برداً، ونفحها نداً، وإن زاد أن يكون عن كريم كان ثمرها عجوة، وجناها شهوة، والشكر واد يسقي أرض المشكور، فإن كان من كريم استحال أتيا، وإن زاد أن يكون عن كريم عمر عمر العجاج، وأترع الأضواج. والشكر نسيم يهب على المشكور، فإن كان من كريم كان نشره فوحاً، ونفحه روحاً. وإن زاد أن يكون عن كريم صاك منه عنبر، وتنفس منه مسك أذفر.
وقوله في صفة برغوث
أسود زنجي، وأهلي وحشي، ليس بوان ولا زميل، وكأنه جزء لا يتجزأ من ليل أو شونيزة، أو بنتها عزيزة. أو نقطة مداد، أو سويداء قلب فؤاد، شربه عب، ومشيه وثب، يكمن نهاره، ويسير ليله، يدارك بطعن مؤلم، ويستحل دم كل كافر ومسلم، مساور للأساورة، ومجرد له على الجبابرة، يتكفن بأرفع الثياب، ويهتك كل حجاب، ولا يحفل ببواب، يرد مناهل العيش العذبة، ويصل إلى الأحراج الرطبة، لا يمنع منه أمير، ولا ينفع فيه غيرة غيور. وهو أحقر حقير، شره مبثوث، وعهده منكوث، وكذلك كل برغوث. كفى بهذا نقصاناً للإنسان، ودلالة على قدرة الرحمن.
وقوله في صفة بعوضة
مالكة لا حس لها سواها، تحقرها عين من رآها، تمشي إلى الملك بندبها، وتضرب بحبوحة داره بطلبها، تؤذيه بإقبالها، وتعرفه بإراقة مالها، فتعجز كفه، وترغم أنفه، وتضرج خده، وتفري لحمه وجلده، زجرتها تسليمها، ورمحها خرطومها، تذلل صعبك إن كنت ذا قوة وعزم، وتسفك دمك وإن كنت ذا حلفة وعسكر ضخم، تنقض العزائم وهي منقوضة، وتعجز القوى وهي بعوضة، ليرينا الله عجائب قدرته، وضعفنا عن أضعف خليقته.
وله يصف ثعلباً
أدهى من عمرو، وأفتك من قاتل حذيفة بن بدر. كثير الوقائع في المسلمين، مغري بإقامة ذم المؤمنين، إذا رأى الفرصة انتهزها، وإن طلبته الكماة أعجزها، وهو مع ذلك بقراط في إدامه، وجالينوس في اعتدال طعامه. غذاؤه حمام ودراج، وعشاؤه بذرح ودجاج.
وله يصف ماء
كأنه عصير صباح، أو ذوب قمر لياح، له من إنائه، انصباب الكوكب الدري من سمائه، العين كانونه، والقمر عفريته. كأنه خيط من غزل قلق، أو مخصرة ضربت من ورق، يترفع عنك فتردى، ويصدع قلبك فتحيا.
وقوله من رسالة يصف فيها الحلوى

(1/168)


وما أرقني إلا ليلة أضحيانة دخلت فيها الجامع، ووقفت موقف الساجد والراكع، حتى إذا قضيت من حق الله أمراً، وأتبعت الشفع وتراً. جلت في أكنافه، وانعطفت في أعطافه، فإذا أرضه تباهي السماء، وغبراؤه تضاهي الخضراء، زجاجة نورية، كأنها الكواكب الدرية. ورعد قراء لله تعالى وخيرته، كالرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته. فصحت واويلاه، واحر قلباه. أين منك المفر، وأين دونك المقر. لاها الله لا يترك كريم، ولا يقلاك إلا لئيم، بركا كبرك الجمال، وثباتاً كثبات الجبال. ثم خرجت في تتمة من الأصحاب، وثبة من الأتراب، وفيهم فقيه كان ذا لقم ولم أشعر به، فلما طالعتنا الحلوى صاح: هذا وأبيكم الروض، فناديته اسكت فضحتنا لا أبا لك . فقال: لا وأبيك، قلت: مالك وما تريد، قال: ذلك الشهيد العتيد، واضطرب به الألم واستخفه الشره فدار في ثيابه، وأسال من لعابه، وازور جانبه، وخفق شاربه، ثم نهض في كر، وصدر بحر، ونظر إلى فالوذج، فصاح هذا اللص كأنه تألى مجاجة الزنابير، حدثت على شوابير، وخالطها لباب الحبة، فجاءت أطيب من ريق الأحبة، ثم نظر إلى الخبيص، فصاح بأبي الغالي الرخيص، أنظر فيه ذا التماع، أكرم به من شعاع. هذا جليد سماء الرحمة، تمخضت به فأبرزت منه زبد النعمة، تجرحه اللحظة، وتدميه اللفظة، بماء أبيض؟ قالوا: بماء البيض البض، فقال: غض من غض. أنظروه له إشراق، هذا وأبيكم بقية العشاق. ما أطيب خلوة الحبيب، لولا حضرة الرقيب. ثم نظر إلى الزلاببية. فصاح ويل لأمه الزانية، أبأحشاء نسجت. أم صفاق ألفت؟ بأبي أجد مكانك من نفسي مكيناً، وجبل هواك على كبدي متيناً، من أين خلصك كف طابخك إلى باطني، فأقطعك مني دواجني، والعزيز الغفار لأطلبن بالثأر، وتلمظ له لسان الميزان، فجعل يصيح الثعبان الثعبان. فلما عاينته قد ألبس، وهو ينظر نظر المفلس، حنت له ضلوعي، وعلمت أن الله فيه غير مضيعي. وقد تحل الصداقة على ذي الوفر، وفي كل كبد رطبة أجر. فأمرت الغلام بابتياع أرطال تجمع أنواعها التي أنطقته، وتحتوي على ضروبها التي أخرعته. فجاء بها فوضعها بين يديه، فلما عاينها انحنى عليه بليانه، وألقى عليها بجرانه، وجعل يركل برجليه، ويجاحش بفخذيه ممانعاً، ومدافعاً عنها. فصحت به لا عليك حكمها، فجعل يقطع ويبلع، ويوجر فاه ويدفع. وعيناه تبضان، كأنهما جمرتان، وقد برزتا عن وجهه كأنهما خصيتان، وأنا أقول: على رسلك يا فلان. البطنة تذهب الفطنة. وهو يقول أكلها دائم وظلها حتى التهم جماهرها. وألحق أولها بآخرها. وهبت منه ريح عقيم. أهبا لنا بالعذاب الأليم، وفرقتنا شذر مذر. وسربتنا في كل شعب شغر بغر، فانتحينا منه الطرفان، وصدق الخبر فيه العيان، نفخ ذلك فبدد النعام، ونفح هذا فبدد الأنام، فلم نجتمع بعد هذا والسلام.
وله يصف جارية
أخت نعمة، وربيبة نعمة، كأن شعرها على غرتها الغراء، غراب يسفد حمامة بيضاء. وكان خدها على جيدها المشرق، تفاحة قدم بها إبريق من راووق تكلمك بألحاظها، وتأسوك بألفاظها. تقابلك من خدها بوردة، ومن عينها بنرجسة. كأنما من جوهر، وشفتها خيط حرير أحمر، وتقبل إليك بقضيب بان، ثمرته رمانتان، وتنفتل عليك بكفل مائج، كأنه كثيب عالج، تنطوي بقبطية، وتقوم على أنبوب بردية، أن استقبلها بركان، تضحك لك عن فلقة رمان. أو يطحنك جبهة أسد غرير، فيقبض روحك قبض أرواح المؤمنين. ويتوفاك بكد كالفقيه المشرف على المذاهب، ركبت فيه أخلاق كاتب. فإن كنت شافعياً سددتك، وإن كنت مالكياً قلدتك، المنظر غلام، والمخبر فتاة، إن علوتها تدفعت إليك، أو علتك تداركت عليك، وإن أعطشك فراشها سقتك من شراب، إن شئت قلت خمرة أو رضاب، أو أجاعك عراكها أطعمتك من لسانها، يصل إليك وصول الإيمان. فنثره في غاية الملاحة، ونظمه في غاية الفصاحة.
ومن شعره ما أنشدنيه الشيخ أبو سعيد بن دوست عن الفقيه الوليد أبي بكر الأندلسي قوله:
قل لمن زاد إذ تباعد بعدا ... وتناسى عهدي ولم أنس عهدا
لا يغرنك ما ترى من ودادي ... فلعلي إن شئت غيرت ودا
لا وحق الهوى وحق ليالي ... ه ومن صاغ حسن وجهك فردا
ما أطيق الذي ادعيت ولو ملّ ... كته لم أكن لغيرك عبدا
وله:

(1/169)


ما أطربت فوق الغصون حمامة ... إلا رأيت دموع عيني تسكب
وإذا الرياح تناوحت ألفيتني ... بين الصبابة والأسى أتقلَّب
يا عاذلي في الحب مهلا بالأذى ... لو كنت تعشق ما ظللت تؤنب
كم حاولت نفسي السلو فطالبت ... أسبابه جهداً فعزّ المطلب
غسان بن سعيد
قال:
من خانه حسب فليطلب الأدبا ... ففيه منيته إن حل أو ذهبا
فاطلب لنفسك آدابا تعزُّ بها ... كيما تسود بها من يملك الذهبا
محمد بن يحيى النحوي المعروف بقلفاط
قال:
طوى عنّي مودته غزال ... طوى قلبي على الأحزان طيّاَ
إذا ما قلت يسلاه فؤادي ... تجدد حبه فازددت غيا
أحييه وأفديه بنفسي ... وذاك الوجه أهل أن يحيا
وقوله:
أيا طيفاً سما وهنا إليّا ... لقد جددّت لوعاتي عليّا
غزال لو رأى غيلانُ يوماً ... محاسنه إذاً أنساه ميّا
شهيد بن المفضل عفا الله عنه
قال:
كم ذا عنان شوقك صابراً ... وأخو الصبابة لا يكون صبورا
فاخلع عذارك في هواه فربما ... كان المحب على الهوى معذورا
ما العز إلا أن تذلّ مع الهوى ... شحّا عليه وإن ظللت أسيرا
منصور بن أبي الهول
قال:
كم إلى كم أتسلى ... ليس لي صبرٌ، أجل لا
بأبي أنت وأمّي ... أترى قتلي حلاّ
حاش لله بأن أس ... لو عن الحبّ وكلاَّ!
وأنشدني له لبعض شعرائهم:
إسار الهوى لا إسار العدا ... هو التارك الحر مستعبدا
عبودية تؤيس الآملين ... له أن يباع وأن يفتدى
فليس له فرجٌ يرتجيه ... من الأسر غير تمني الردى
فيا غصن بان إذا ما مشى ... ويا بدر تمّ إذا ما بدا
ويا عارضاًًً كلما أطمعت ... بوارقه زاد قلبي صدى
أسرت فهلاّ بحكم الكتا ... ب قضيت بالمنِّ أو بالفدى
ولكن أبيت سوى قسوة ... يفوت بها قلبك الجلمدا
غريب بن سعيد
أنشدني له:
وجد دخيل واكتئاب ... وفراق شملٍ واقترابُ
ما بين قلبي إذ نأي ... ت وبين إخواني حجاب
فإذا خلا ولجت علي ... ه همومه من كل باب
يا عاذلي لمّا رأى ... دمع العيون له انسكاب
ما لي على برح النوى ... جلد فأقصر في العتاب
وله:
ألان يوم الفراق قسوته ... حتى جرى دمعه وما شعرا
فخلت ما سال من مدامعه ... درا على وجنتيه منتثرا
لم يبك شوقاً لكن بكى حزناً ... لهول يوم الفراق إذ حضرا
في مشهد لو أطاق شاهده ... فيه استتاراً لوجده استترا
أبى أساه وفيض أدمعه ... إلا اشتهاراً في الحبّ فاشتهرا
وقوله:
أستودع الريح الجنوب تحيةً ... إليكم تؤدي من سلامي ومن شكري
وكم بلغت ريح الشمال نسيمكم ... فأهدتْ إلينا منكمُ أطيب النّشر
رعى الله أحباباً تألّف شملهم ... بقرطبة بين الرصافة والقصر
تعوّضت من أنسى بهم وحشة النوى ... ومن قربهم قرب المهامه والفقر
إدريس بن الهيثم بن براق الكلاعي
وقال:
ولم أنسها يوم الوداع ومسحها ... بوادر دمع العين والعين تذرف
أفانين تجري من دموع ومن دم ... على الخد منها تستهلُّ وترعف
وتكرارنا نجوى الهوى ذات بيننا ... وكل إلى كل يلين ويعطف
جعلنا هناك الهجر منا بجانب ... وللبين داعٍ بالترحل يهتف
ولولا النوى لم نشك ضعفاً عن الأسى ... ومن يحمل الأشجان بالبين يضعف
فقلت كلانا مشتك من صبابة ... ولكنَّني عن حملها منك أضعف
قال: وحدثت أن إدريس بن الهيثم غنى بأبيات أولها:

(1/170)


ألا إنّما أنسى إذا ما نأيتُم ... بأقرب من لاقيته بكمُ عهدا
إذا حصلت روحي إليكم وقد أتتْ ... على أراضيكم ألقت على كبدي بردا
ويوحشني قرب الجميع وإنها ... لتأنس نفسي إن ذكرتكمُ فردا
وما كان قلبي إذا تبدَّيتُ صخرةً ... فينبو الهوى عنه ولا حجرا صلدا
فقد آن فقداني لنفسي فلو أتى ... عليها حمامٌ ما وجدت لها فقدا
محمد بن سعيد بن مخارق الأسدي
أنشدني من أبيات:
يظل الدمع من جزع عليهمْ ... وقد بانوا يسحُّ ويستهلُّ
سأتبع إثرهم شوقاً إليهم ... وأقتص المناهل حيث حلّوا
فما لي أشتكي بالبين منهم ... كأنّي ليس لي زادٌ ورحل
قاضي الجماعة محمد بن يحيى بن يحيى
قال:
نازح الدار بنا بي واغترب ... ورماه الدهر رشقاً من كثب
بعدتْ عن دار ليلى داره ... وهو في حبل هواها مضطرب
فرجت نفسي أن تشفى بكم ... فرحة في الحب شيبت بكرب
كنت لي بدراً بدا في سجفه ... طلع البينُ عليه فغرب
أحمد بن نعيم
قال:
ليت أن الرياح إن نفد الصب ... ر وشطَّت عن أرضها أوطاني
بلغتها تحيتي وسلامي ... وسلام الإله كلَّ أوان
سعيد بن محمد بن العاص المرواني
قال يصف الهلال وأجاد:
والبدر في جوّ السماء قد انطوى ... طرفاه حتى عاد مثل الزورق
فتراه من تحت المحاق كأنّه ... غرق الكثير وبعضه لم يغرق
وهو مأخوذ من قول ابن المعتز:
انظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولةٌ من عنبر
وأنشدت له:
رفعوا الهوادج للرحيل وأعتموا ... فغدت لبينهم المدامع تسجمُ
وسرّوا وأروقة الظلام تكنُّهم ... فكأنهم من تحت ذلك أنجم
واستكتموا بمسيرهم تحت الدجى ... فأبى نسيم المسك أن يستكتموا
ومن العجائب أنّني متأخرٌ ... عنهم وقلبي عندهم متقدم
وهي النّوى لم يبق لي من بعدها ... غيرُ الهواء بنفحة أتنسَّم
وإذا الصبّا أسرتْ أقول لعلّها ... تلقاهم بتحيتي فيُسلِّموا
عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن حسان
أنشدت له:
لقد هاجني للشوق نوح حمائمٍ ... مطوقة من مشرقات الحمائم
وناحت وما أذرت دموعاً قد رأت ... عيوني تجري بالدموع السواجم
إذا ما تراجعن الحنين حسبتها ... نوادب رجَّعْنَ الصَّدى في المآتم
سعيد بن عباس
أنشدت له:
بنفسي من يجرّعني منوني ... ويرجمني بأحجار الظّنون
ويصرمني ولا يرثي لما بي ... وينفي النوم ظلما عن جفوني
عمر بن يوسف الحنطي
أنشدت له:
أو ميض برق أم سيوف تبرق ... في عارض أكنافه تتألقُ
ديمٌ إذا ارتدَّت إليك وجوهها ... أضحت وجوه الأرض منها تشرق
ترمي بأجفان الوميض كما انثنت ... أجفان عاشقة إلى من يعشق
يحيى بن عباد البسري
قال:
إذا بارق هاج الفؤاد المعذَّبا ... فطرّبَ قلباً هائماً فتطرَّبا
بنفسي بلادٌ رحت من نحو أرضها ... بعيني مشوقٌ ما ألذَّ وأطيبا
بلادٌ بها قلبي رهينٌ معذّب ... وإن تجلت في الآفاق شرقاً ومغربا
الغزال بن الحكم
أنشدت له:
ريع قلبي لما ذكرت الديارا ... وتنورت بالنخيلات نارا
وازدهتني ذات السنا ببروق ... من لظاها فما أطيق اصطبارا
والقريح الفؤاد يزداد اللنا ... ر وميض السعير منها استعارا
يحيى بن زكريا بن شماس
قال:
نعب الغراب ببينهم فتحملوا ... ونأى المحل بها فكيف تزارُ
بكروا وفي الأظعان يوم تحملو ... هن القصور تكنُّها الأستار

(1/171)


صفر النحور من العبير روادع ... بيض الثغور كواعبٌ أبكار
الوزير أبو المظفر عبد الرحمن بن بدر
قال:
أيُّ طيف في الكرى طرقا ... سام عيني الدمع والأرقا
أنا أفدي من بجنح دجى ... جاب في ظلمائه الطُّرقا
ليّ حظٌّ في زيارته ... لي لو أنَّ الكرى صدقا
الديك النيري مطرق بن محمود
قال:
طرق الخيال فمرحباً بالطارق ... قرَّت به في النوم عين العاشق
طرق الخيال خيال ليلى موهناً ... رحلي، فبات مضاجعي ومُعانِقي
ومنى المشوق أخي الصبابة أن يرى ... وسنان أو يقظان وجه العاشق
أحمد بن إبراهيم بن قلزم
أنشدت له:
هل تعتب الأيام منك بنظرة ... تغدو بسراءٍ على ضراءِ
لو لا محاباة الخيال برقدة ... من طيفها لطوى الردى حوبائي
يا ليت أيام النّوى عادت كرى ... فأنال من طيف الحبيب شفائي
يربوع بن أسد المالقي
أنشدت له:
يا بأبي طيف سرى موهناً ... ودونه جوب الفلا والقفار
أكرم به من راحلٍ ذاهب ... يرعى نوى الدار وشحط المزار
لو أنه شايع إلمامه ... بطول مكثِ دائم أو قرار
لكنه هيَّج نار الأسى ... ثم تولى بفؤاد مُطار
الوزير أو محمد غنائم المالقي
قال وأجاد:
صيَّر فؤادك للمحبوب منزلة ... سمُّ الخياط مجال للمحبين
ولا تسامح بغيضاً في معاملةٍ ... فقلّما تسع الدنيا بغيضين
غالب بن عبد الله بن عطية
أنشدت له:
كيف الحياة ولي حبيبٌ هاجرٌ ... قاسي الفؤاد يسومني تعذيبا
لما درى أن الخيال مُواصلي ... جعل السُّهاد على الجفون رقيبا
وله في عطش البحر:
إنّا إلى الله لقد نالنا ... همٌّ يذيب القلب إحراقه
يا عجباً مما دهينا به ... نسكن في الماء ونشتاقه
محمد بن أبي الحسن العروضي
قال:
لما تطلع بدر التم أذكرني ... بدراً تطلَّع وهناً من بني قطنِ
بدر تطلّع والآفاق مظلمةٌ ... فانجاب إظلامها عن وجهه الحسن
كم مهجةٍ أرهفت مقلته ... ومقلة منعتها لذة الوسن
إسماعيل بن إسحاق المنادي
قال:
سلامٌ على خلِّ أدين بحبّه ... وأصفيه من حلو الوداد وعذبهِ
سلام امرئ أودى الفراق بصبره ... ولجَّ فأودْى بالفؤاد ولُبِّهِ
لعل الذي شتَّ الجميع بنأيه ... سيجمعنا بعد الشّتات بقربه
وما الأخُّ بالأخِّ الشقيق، وإنّما ... أخوك الذي يعطيك حبة قلبه
محمد بن وافد
أنشدت له:
كتابك هاج لي شوقاً عجيباً ... وأورثني الصبَّابة والنحيبا
تغرَّب عن أحبَّته محبٌ ... فأصبح صبره عنه غريبا
فكيف بصبره والقلب منه ... يكاد من الصبابة أن يذوبا
خلف بن أيوب
أنشدت له:
والله لولا خطرات المنى ... ما طال يوماًً عمر أهل الهوى
وابأبي من ظلتُ من هجره ... مستشعراً ثوب الأسى والجوى
علي بن أحمد الأندلسي
قال:
بيض كبيض الهند في أفعالها ... فلذاك قيل ظباً وقيل ظباء
وترى محاسنها تروق كأنّما ... نشرت عليها وشيها صنعاء
يحيى بن الفضل
قال:
وسفن تثير الريح منها عجاجة ... تظل مياه الأرض وهي صعيدها
تلوح كأمثال الشواهين حلَّقت ... على دهم خيل قد أثيرت صيودها
فللطير ما قد نشَّرَتهُ قلوعها ... وللخيل ما قد أظهرتْه قدودها
وقوله أيضاً:
لا تيأسن بوفاة مَنْ ... لم تنتفع بحياته
وليجر عندك ميّتاً ... مجراه قبل مماته
فوفاته كحياته ... وحياته كوفاته
أبو بطال
أنشدت له في العذار:

(1/172)


وعارض كافورٍ تراه كأنّما ... يدبُّ به من خالص المسك عقربُ
تنزَّه عن لسب الجلود، وإنما ... يغوص على حَبِّ القلوب فيلسب
وقوله:
جمعت مالاً ففكّر هل جمعت له ... يا جامع المال أبواباً تفرِّقهُ
المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلاّ يوم تنفقه
إن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلها همّاً يؤرِّقه
وأنشدت لبعض شعرائهم في العذار:
ومعذِّرٍ نقش العذار بمسكهِ ... خداً له بدم القلوب مضرَّجا
لما تيقَّن أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النجاد بنفسجا
القرشي المعروف بالفرح
أنشدت له:
رُبّ كأس قد كست جنح الدجا ... ثوب برد من سناها يققا
قلت أسقيها رشاً في جفنه ... سنة تورث عيني أرقا
أشرقتْ في ناصع من كفِّهِ ... كشعاع الشمس وافى الفلقا
خفيت للعين حتى خلتها ... تتّقي من لحظه ما يتّقى
أصبحت شمساً وفوه مغرباً ... وبد الساقي المحيي مشرقاً
فإذا ما غربت في فمه ... تركتْ في الخدِّ منه شفقا
خلع البرق على أرجائه ... ثوب وشيٍ منه لمّا برقا
إدريس بن عبد الله بن عباد الليزي
أنشدت له:
غريبٌ بأرض الغرب منقطع الذكر ... بعيدٌ من الأهلين في بلدٍ قفرِ
تذّكر في أهل الجزيرة أهله ... فهيَّجه طول التشوُّق والفكر
فصوْت حمامٍ في الغصون كأنّما ... ندبن قتيلاً أو روين من الخمر
لئن كن ما تجري لهن مدامع ... فكل غريب الدار أدمعه تجري
عثمان بن إبراهيم بن النضر
أنشدت له:
ألا يا حمام الأيك مالك باكياً ... وغصنك نضرٌ والجناب مريعُ
تغنَّ ولا تنشج فإلفك حاضرٌ ... قريب وإلفي غائبٌ وشسوع
بكيت بلا دمع وترفض مقلتي ... شآبيب منها في المصيف ربيع
وقلبك خلوٌ من تباريح لوعتي ... وقلبي بلوعات الفراق صريع
المنصور بن أبي عامر
أنشدت له:
ألم ترني بعت المقامة بالسُّرى ... ولين الحشايا بالخيول الضوامرِ
وبدّلت بعد الزعفران وطيبه ... صدا الدرع من مستحكمات المسامر
فلا تحسبوا أنّي شغلت بلذةٍ ... ولكن أطعت الله في كلّ كافر
الوليد بن الحكم
أنشدت له:
إلى رجبٍ أو غُرَّة الشهر بعده ... توافيكم بيض المنايا وسودها
ثمانون ألفاً دين عثمان دينها ... بشرذمةٍ جبريل فيها يقودها
القاضي محمد بن عبد الله
بن أيوب بن أبي عيسى
أنشدت له قوله من أبيات أولها:
لا تلمني على البكا والعويل
فعلت زفرتي وطال انتحابي ... وبدت لوعتي وهاج غليلي
ولنعم البلاد للنازح الأو ... طان دمعٌ جرى برغم العذول
وقبيحٌ صبر الخليل أخي الوج ... د عن الدمع عند ذكر الخليل
وبنفسي نائي المحل قريبٌ ... من فؤادٍ صبٍّ وجسم نحيل
كان بيني وبينه البحر والقف ... ر ووخد السُّرى وطول الذميل
يا قليل الإنصاف في الهجر مهلاً ... إنّ وجدي عليك غيرُ قليل
وقوله:
بل ما ادكارك من ورق مغرّدةٍ ... على قضيب بذات الهضب ميّاسِ
هجْنَ الصبابة لو لا همةٌ شرفتْ ... فصيّرت قبله كالجندل القاسي
محمد بن فطيس
قال:
ثكلتك أمّك هل سمعت مخلداً ... أم هل رأيت مصححاً لم يسقمِ
أم هل رأيت من البريّة ناشئاً ... نال الذي في مدةٍ لم يهرم
فدع الأماني إنّها مكذوبةٌ ... واجعل دعاءك للسبيل الأقوم
أي امرئٍ يرجو البقاء وقد رأى ... آثار عادٍ في البلاد وجرهم
أحمد بن عبد الله بن أحمد اللؤلؤي
قال:

(1/173)


لئن غاب عن عيني وأعجز ناظري ... لما غاب عن وهمي، ولا زال عن فكري
وتالله لو أستطيع، محض مودةٍ ... لأحللته عن ودٍّ قلبي وأسكنته صدري
أتتني بصفو الودّ منه صحيفة ... تخبِّرُ عن ودٍّ وتنطق عن برّ
يطول لها لفظ الذكيِّ بلاغةً ... ويقصر بالراوي لها طائل العمر
وقوله:
أقبل فإن اليوم يوم دجن ... إلى محلٍّ كالضمير المكْني
ساكنه كطائر في وكن ... لعلّنا نعلم أدنى وفن
في مجلس مزخرف ذي كنِّ ... فأنت في سنك دون سني
؟أبو عثمان سعيد بن أحمد بن عبد ربه
أنشدت له:
لما عدمت مواسيا وجليساً ... جالست بقراطاً وجالينوسا
وجعلت كتبها شفاء تفرّجي ... وهما الشفاء لكل جرح يوسى
وقوله:
أمن بعد إشرافي في علوم الحقائق ... وطول انبساطي في مواهب خالقي
ومن بعد إشرافي على ملكوته ... أرى طالباً شيئاً إلى غير رازقي
وقد آذنت نفسي بتقويض رحلها ... واعنف في سوقي الموت سائقي
وإنّي وإن أيقنت أو زغت هارباً ... عن الموت في الآفاق فالموت لاحقي
؟الحسن بن محمد بن بابل
قال:
ألا ما لجسمي قد علاه شحوب ... وما بال قلبي ضامرته كروب
وما بال أحشائي توقَّد لوعةً ... وما بال رأسي قد علاه مشيب
وما ذاك إلا أن رمتني يد النوى ... وأنيَ في أرجاء مصر غريب
أراعي نجوم الليل لا آنف الكرى ... كأنّي على رعي النجوم رقيب
إذا ما دعوت الدمع يوماً أجابني ... وإن رمت دعوى الصبر ليس يجيب
وإن رمت كتمان الذي بي من الأسى ... جرى هاطلٌ من مقلتي سكوب
ألا ليت شعري هل أرى الدهر منزلاً ... تبوَّاه بعد الفراق حبيب
وهل أردن يوماً مياه رصافة ... وهل يصفون لي عيشها ويطيب
؟عبد النصير بن أحمد
أنشدت له ما كتب به إلى بعض الرؤساء بديهة في عيد الأضحى، وكان عوده أن ينفذ إليه كبشاً لأضحيته فأبطأ عليه:
يا سليل الأكرمين ومن ... فضله فرضٌ فما منه بدٌ
أزف العيد وعودتهم ال ... كبش داري والحبل معد
ولقد أبرزت مديّتنا ... فهي من قبل الصباح تحدّ
خيمتك الفضل وقد حكموا ... أنك الفرد وما لك ندُّ
فأنفد إليه ثلاثة أكبش وصلة واسعة.
؟ محمد بن أحمد العطار
أنشدت له من قصيدة يقول فيها من مدح المنصور بن أبي عامر الحاجب:
يا حاجب الملك الأعلى الذي طفت به ... الخلافة والأيام تبتسمُ
ومن به أمن الرحمن بلدتنا ... من بعد أن فارقت ملكاً لها العجم
وخامر المسلمين الذعر وانحسرت ... عنهم عوائد صنع الله والنَّعم
حتى إذا قنط الإسلام وانبسطت ... أعداؤه واستبيحت منهم الحرم
هبت به ريح نصر الله عن كثب ... للدين واستيقظت من نومها الهمم
وجرد السيف فانحازت لسلَّتهِ ... من الجسوم طلى الأعناق والقمم
إذا تبسَّم فالأموال عابسة ... أو صال ماتت له الأبطال والبهم
فأي بلدة شركٍ أمها قدماً ... ولم يحلَّ بها في عقرها النقم؟
بقيت للدين والدنيا تسوسهما ... ما حنّت النيب أو ما أورق السَّلم
؟موسى بن أحمد المعروف بالوتد
أنشد له يعارض العطار في قصيدته الميمية ويرد فيها:
يا أيها المنتمي للعطر قدَّك فقد ... قدحت نيران بغيٍ سوف تضطرمُ
زعمت أنك محسود على نعم ... أوليتها ومحالٌ أنها نعم
فربَّ ذي نقم يعتدُّها نعما ... بجهله وهي إمّا حصّلت نقم
قذفت أعراض قومٍ جاهلاً بهم ... يا ظالماً وهم أعلام عصرهم

(1/174)


وقلت إنك فارقتهم وهم ... في حيث قدرك إما حصلوا رخم
فما حماك اغتياب القوم فضلهم ... ولا تحرّجت فيمن عرضه حرم
مدحت نفسك فاستنقصتهم سفها ... وما استزلك إلاّ فرط حلمهم
أقسمت بالله ما يرضى بفعلك من ... فيه حشاشة إيمان ولا كرم
ما حصحص الحق فيما قد أتيت به ... لكنها ظلمات فوقها ظلم
وعن قريب ستجني غبّ ما غرست ... يداك فالبغي غرس طعمه وخم
؟حبيب بن أحمد الشاعر
لا ضيع لله للمنصور مالكنا ... حوط وصلاح الدين بالنظر
في كل يوم له في المسلمين يدٌ ... غراء تخبر عن أفعاله الغرر
فيا لها فرجةً عمَّت طوالعها ... كما يعمُّ ضياء الشمس والقمر
لا زالت الأرض والدينا بطاعته ... معمورتين إلى أقصى مدى العمر
أو علي بن حسان الأسنجي
أنشدت له
ثقلت نفسك بالذنوب ودونها ... جسرٌ لعمرك ما تحير ثقيلا
يا باني الغرف التي قد عطّلت لو كنت تعقل دينها تعطيلا
فاقصده إنّك ميتٌ ومشاهدٌ ... يوماً عليك من الحساب طويلا
تبني مصانعها وأنت مسافرٌ ... فلمن بناؤك إن أردت رحيلا
أو محمد الباجي رحمه الله تعالى؟
أنشدت له:
إذا كنت عضواً لا أعفو عن الذنب من أخ ... وقلت أكافيه فأين التفاضل
ولكنني أُغضي جفوني على القذى ... وأصفح عمّا رابني وأجامل
متى أقطع الإخوان في كلّ عثرةٍ ... بقيت وحيداً ليس لي من أواصل
ولكن أداريه فإن صحّ سرّني ... وإن هو أعيا كان عنه التجامل
عبد الرحمن بن عمرو الحجري
أنشدت له:
لما قدمت وقال بعض صحابتي ... قد جاء من علقت يمينك حبله
قالت قعيدة بيتها يمَّم أبا ... إسحق سيدنا وقبَّل نعله
نفسي تعاود نيله الغمر الذي ... هو أهله وعسى به ولعلّه
عبد الملك بن خزيمة
قال:
ابرز إلى الناس إنّ الناس في أسف ... إذ ليس بعدك للإسلام من خلف
وقد مضت لك أيام ثمانيةٌ ... أشفى لها الناس من وجد على التلف
خوفاً لعلّه حبر ليس يشبهه ... من البرية إلا خيرة السلف
أضحى الضلال بإبراهيم متَّضعاً ... وصار بالمشرقي الدين ذا شرف
أبو العباس المرداوي
أنشدت له:
إني رأيت لك اليو ... م يا كريماً أجلَّه
طفلاً عليه حياء ... وفي الحيا الخير كله
سقيته الحلم لدناً ... والفرع يسقيه أصله
لا زلت أثني عليه ... دهري بما هو أهله
فبارك الله فيه ... وفي محلٍ يحلُّه
محمد بن وهيب البدسمي
أنشدت له وقد مجلس بعض الفقهاء، وهو محتفل بسراة الناس، وقد حضروا لعقد نكاح، فقال الفقيه لابن وهيب: لو أمكنا عقد هذا النكاح لشاركتنا في الحسنة، فقال: نعم وكرامة، وكيف تريد ذلك: منثوراً أو منظوماً؟ فقال له الفقيه: سبحان الله، ويمكن نظم هذا والإتيان على فصوله؟ قال لي: إي والله. وإنه لأيسر على من نثره، وإن أردت نظمته الآن نظمته الآن بين يديك من أوله إلى آخره. ولا أخليه من البسملة في افتتاحه، فقال: إذا أتيت بهذا أتيت بطامة. فقال له: هات كاتباً أمل عليه، فأحضره كاتباً فأمل عليه في نسق نظما لم يتردد فيه ولا أبطأ كأنه من كتاب حفظه، وذكر الشروط والتاريخ على نصها في الصداقات قديماً. كل ذلك بحضرة من شهد المجلس، فبهت القوم لما رأوه وشاهدوه، وأقروا أنه نسيج وحده وفريد دهره، واستكثروا من الثناء عليه والمباهاة به، وقال له الفقيه: أمرك والله عجيب كاد لولا المشاهدة لم أصدقه.

(1/175)


وركب إلى المنصور بن أبي عامر فأخبره بالمجلس وأراه الشعر، فعجب من ذلك، وأمر بصلة جزيلة حملت إليه، وكان عدة ما ارتجله ثلاثين بيتاً، وقد كتبت بعضها، وإن لم تكن من نادر الشعر وبديعه، وهي:
لأصدق عبد الله نجل محمدٍ ... فتى أمويّ زوجه البكر مريما
وأمهرها عشرين عجّل نصفها ... دنانير يحويها أبوها مسلّما
وأنكحها من أبوها محمد ... سلالة إبراهيم من حيِّ خثعما
وباقي صداق البكر باقٍ إلى مدى ... ثلاثة أعوام زمانا متمّما
مؤخّرة عنه يؤدي جميعها ... إذا لم يكن عند التطلب معدما
ومن شرطها أن لا يكون مرحلا ... إذا أبداً عن دارها أين يمّما
وأن لا يرى حتماً بشيء يضرها ... يصرف فيه الدهر كفاً ولا فما
وكان ابن وهيب هذا أحد أفراد زمانه، وكان إذا جلس ابن أبي عامر في الأعياد للشعراء وأذن لهم في الإنشاد على مراتبهم جلس ابن وهيب وبدأ بما يصنعه بديهة فلا تأتيه نوبته حتى يفرغ من قصيدته ويقوم وينشده، وإن مداده لم يجف، وهذه مادة عظيمة.
أبو بكر محمد بن الحسين الزبيدي
النحوي اللغوي
أحفظ أهل زمانه للإعراب والفقه والمعاني النوادر، وله كتب مؤلفه منها اختصار كتاب العين، وكتاب طبقات النحويين واللغويين في الأندلس والمشرق من زمن أبي الأسود الدؤلي إلى زمن عبد الله الرياحي النحوي معلم الزبيدي، وله كتاب الأبنية في النحو ليس لأحد مثله، وكان الشعر أقل أدواته.
فما أنشدت له في تكذيب منجم:
يقول المنجم لي لا تسر ... فإنك إن سرت لاقيت ضراً
فإن كان يعلم أنّي جسير ... فقد جاء بالنهي لغواً وهجرا
وإن كان يجهل سيري فكيف ... يراني إذا سرت لاقيت شراً
وله في رثائه لشيخه علي بن إسمعيل بن القاسم القالي البغدادي اللغوي قصيدة جزلة الألفاظ كثيرة الغريب، صاغها صوغ فحول العرب، وضمنها قطعة من غريب كلامهم، وهي قصيدة طويلة أولها:
تالله لا يبقى لصرف النوى ... ذو جسد في رأس نيقٍ منيف
وقوله في لزهد:
لو لم تكن نارٌ ولا جنةٌ ... للمرء إلاّ أنه يقبر
لكان فيه واعظٌ زاجرٌ ... ناه لمن يسمع أو يبصر
وقوله:
الفقير في أوطاننا غربة ... والمال في الغربة أوطانُ
والأرض شيءٌ كلّها واحدٌ ... والناس جيران وأخوان
محمد بن يحيى ين يعقوب
أنشدت له قوله في الزهد:
لقد فاز الموفق للصواب ... وعاتب نفسه قبل العتاب
ومن شغل الفؤاد بحب مولىً ... يجازى بالجزيل من الثواب
فذاك ينال عزاً لا كعزٍّ ... من الدنيا يصير إلى الذهاب
تفكر في الممات فعن قريب ... ينادي بالرحيل إلى الحساب
وقدم ما ترجى النفع منه ... لدار الخلد واعمل بالكتاب
ولا نغتر بالدنيا فعما ... قريب سوف يؤذن بالخراب
الفقيه محمد بن عبد الله بن أبي ريمين
أنشدت له قوله في الزهد:
أيها المرء إنّ دنياك بحر ... طافح موجه فلا تأْمنَنْها
وسبيل النجاة فيها مهينٌ ... وهو أخذ الكفاف والقوت منها
وقوله:
خليلي إنّ الذي تعلمانه ... زمان التصابي وانطلاق عنانه
شديد الأسى حر الجوى محرق الحشى ... فهل من مجير مخبرٍ بأمانه
رأى مجير غير من قد عصيته ... فيا أسفي أن لم يعد بحنانه
وقوله:
وذي حرق زادت به زفراتُه ... إذا ما سطت في قلبه خطراته
له في دجى الإظلام خلوة مخلص ... تذكره فيها الجحيم هناته
ويدفعه ذكر الوعيد إلى الأسى ... فتنهلّ من لوعاته عبراته
إذا ما تلا التنزيل وانكشفت له ... عجائبه زادت له عزماته
وإن لحظت عين اليقين معاده ... سقت خوفه من مائه لحظاته

(1/176)


بنفسي وليّ أنه بملكيه ... وفي ذكره إصباحه وبياته
وقوله:
أيها المرء لم تسرك دنيا ... أنت منها مرحل عن قريب
وإذا المرء لم يقصر خطاه ... في أمانية فهو غير لبيب
أحمد بن محمد بن عفيف
أنشدت له قوله من قصيدة فيها أمير المرية خيران، أولها:
قف بالمطي على مغاني الدار ... ليس الوقوف على الرسوم بعار
يقول فيها:
أنت الذي أنقذتنا من بعدما ... كنّا جميعاً تحت جرف هار
ونهضت نحو المارقين بجحفل ... جمّ أولي عزم وذي استبصار
باعوا النفوس لنصر دين محمد ... فكأنّهم في الحرب أسد الزار
وفيها يصف أعداءهم:
كانوا رياحاً للردى حتى رموا ... من جيشك المنصور بالإعصار
الله أركسهم وفرّق شملهم ... حتى أحلَّهم بدار بوار
محمد بن عمر بن عبد الله
بن عبد العزيز المعروف بابن القوطية
من أعلم أهل زمانه باللغة والعربية، وأرواهم للأشعار والأخبار، وكان - مع ذلك - حافظاً للفقه والحديث، من أهل النسك والزهادة، وله كتاب في الأفعال لم يسبقه أحد إلى مثله، وكان أبو علي البغدادي المعروف بالقالي يفضله ويعظمه، ويعرف حقه ويقدمه. أخبرني أبو سعيد بن دوست قال: أخبرني الوليد بن بكر الفقيه أن يحيى بن هذيل الشاعر زار يوماً ابن القوطية في ضيعة له، فألفاه خارجاً منها، فاستبشر بلقائه، وابتدأه ببيت حضره على البديهة فقال:
من أين أقبلت يا من لا شبيه له ... ومن هو الشمس، والدنيا له فلك
فأجابه مسرعاً:
من منزل يعجب النساك خلوته ... وفيه ستر على الفتاك إن فتكوا
قال ابن هذيل: فما تمالكت أن قبلت يديه، إذ كان شيخي وأستاذي، وكان الشعر أقل صناعته لكثرة غرائبه: فمن بديعه قوله:
ضحى أناخوا بوادي الطلح غيرهم ... فأوردوها عشاءً أيَّ إيرادِ
أكرم به وادياً حلَّ الحبيب به ... ما بين رند وصفصاف وفرصاد
يا وادياً سار عنه الركب مرتحلا ... بالله قل أين سار الركب يا وادي
أبالحمى نزلوا أم باللوى عدلوا ... أم عنك قد رحلوا خلقاً لميعادي
بانوا وقد أورثوا جسمي لبينهم ... سقماً وقد قطعوا بالبين أكبادي
أحمد بن محمد بن عبد ربه
أحد محاسن الأندلس علماً وفضلاً، وأدبا ونبلاً، وشعره في نهاية الجزالة والحلاوة، وعليه رونق البلاغة والطلاوة. أنشدني له أبو سعيد بن دوست قال: أنشدني الوليد بن بكر قوله:
يا من يجرد من بصيرته ... تحت الحوادث صارم العزم
رعت العدو فما مثلت له ... إلا تفزع منك في الحلم
أضحى لك التدبير مطرداً ... مثل اطراد الفعل للاسم
رفع العدو إليك ناظره ... فرآك مطلعاً مع النجم
وقوله:
ومعترك تهز له المنايا ... ذكور الهند في أيدي ذكور
لوامع يبصر الأعمى سناها ... ويعمى دونها طرف البصير
وخافقة الذوائب قد أقامت ... على حمراء ذات شباً طرير
نجومٌ تحتها عقبان موتٍ ... تخطفت القلوب من الصدور
بيوم راح في سربال ليلٍ ... كما عرف الأصيل من البكور
وعين الشمس تدنو في قتام ... دنو الإنف ما بين الستور
فكم قصرت من عمر طويل ... به وأطلت من عمر قصير
وقوله:
كم ألحم السيف من أبناء ملحمة ... ما منهم فوق ظهر الأرض ديّارُ
فأورد النار من أرواح بارقةٍ ... كادت تميّز من غيظ بها النار
كأنما صال في ثني مفاضته ... مستأسد حنق الأحشاء هرار
لما رأى الفتنة العمياء قد دخنت ... منها على الناس آفاق وأقطار
وأطبقت ظلم من فوقها ظلم ... ما يستضاء بها نورٌ ولا نار
قاد الجياد إلى الأعداء سارية ... قباً طواها كطيّ العصب إضمار

(1/177)


ملمومة تتبارى في ململمة ... كأنّها لاعتدال الخلق أقمار
تفوت بالثأر أقواماً وتدركه ... من آخرين إذا لم يدرك الثار
فانصاع ناصر دين الله يقدمهم ... وحوله من جنود الله أنصار
كتائب تتبارى حول رايته ... وجحفل كسواد الليل جرار
وقوله يصف الحرب
ومعترك ضنك تساقت كماته ... كؤوس المنايا من كلى ومفاصل
يديرونها راحاً من الراح بينهم ... ببيض رقاق أو بسمر ذوابل
وتسمعهم أمّ المنية وسطها ... غناء صهيل البيض تحت المناصل
وقوله:
بكل ردينيّ كأنّ سنانه ... شهابٌ بدا في ظلمة الليل ساطع
تقاصرت الآجال في طول متنه ... وعادت به الآمال وهي فجائع
وساءت ظنون الحرب في حسن ظنه ... فهن ظباتٌ للقلوب قوارع
وذي شطب تقضي المنايا بحكمه ... وليس لما تقضي المنية دافع
فرند إذا ما اعتن للعين راكد ... وبرق إذا ما اهتز بالكف لامع
يسلل أرواح الكماة انسلاله ... ويرتاع منه الموت والموت رائع
وقوله:
بكل منثور على متنه ... مثل مدبّ النمل بالقاع
يرتدُّ طرف العين عن حدّه ... عن كوكبٍ للموت لمّاع
وقوله:
كريمٌ على العلاّت جزل عطاؤه ... منيلٌ، وإن لم يعتمد لنوال
وما الجود من يعطي إذا ما سألته ... ولكنّ من يعطي بغير سؤال
وقوله:
من يرتجى بعدك أو يتقي ... وفي يديك الجود والباس
إن عشت عاش الناس في نعمة ... وإن تمت مات بك الناس
وقوله في الشيب:
شباب المرء تنفده الليالي ... وإن كانت تصير إلى نفاد
فأسوده يصير إلى بياض ... وأبيضه يعود إلى سواد
وقوله:
قالوا شبابك قد ولّى فقلت لهم ... هل من جديد على كر الجديدين
صل من هويت وإن أبدى معاتبة ... فأطيب العيش وصل بين ألفين
واقطع حبائل خلّ لا تلائمه ... فربما ضاقت الدنيا على اثنين
وقوله يرثي :
بليت عظامك والأسى يتجدد ... والصبر ينفد والبكا لا ينفد
يا غائباً لا يرتجى لإيابه ... ولقائه حتى القيامة موعد
ما كان أحسن ملحداً ضمّنتهُ ... لو كان ضم أباك ثم الملحد
باليأس أسلو عنك لا بتجلدي ... هيهات أين من الحزين تجلّد
وقوله يرثيه
واكبداً قد تقطعت كبدي ... وأحرقته لواعج الكمد
ما مات حيٌّ لميتٍ أسفاً ... أعذر من والد على ولد
يا رحمة الله جاوري جدثاً ... دفنت فيه حشاشتي بيدي
ونوري ظلمة القبور على ... من لم يصل ظلمه إلى أحد
أيّ حسام أخذت رونقه ... وأيّ روحٍ نزعت من جسدي
يا قمراً أجحف الخسوف به ... قبل طلوع السواء في العدد
أيّ حشى لم يذب له أسفاً؟ ... وأيّ عينٍ عليه لم تجد؟
لا صبر لي بعده ولا جلدٌ ... فجعت بالصبر فيه والجلد
يا لوعة لا يزال لاعجها ... يقدح نار الأسى على كبدي
وقوله:
لا بيت يسكن إلا فارق السكنا ... ولا امتلا فرحاً إلا امتلا حزنا
لهفاً على ميت مات السرور به ... لو كان حيّا لأحيا الدين والسننا
واهاً عليك أبا بكر مردة ... لو سكّنت والهاً أو فترت شجنا
إذا ذكرتك يوماً قلت واحزانا ... وما يرد عليك القول واحزنا
يا سيدي ومزاج الروح في بدني ... هلاّ دنا الموت منّي حيث منك دنا
يا أطيب الناس روحاً ضمه بدنٌ ... أستودع الله ذاك الروح والبدنا
لو كنت أعطى به الدنيا معاوضةً ... منه لما كانت الدنيا له ثمنا
وقوله في التحبب للناس:

(1/178)