صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)


الكتاب : يتيمة الدهر
المؤلف : الثعالبي
مصدر الكتاب : الوراق

[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]

والرمح يركز في الكلى ... والسيف يغمد في الطلاء
ومبيت حجر في الفلا ... والحرّتان وكرب
أم البيعة الهاشمية، وعلي يقول: ليت العشرة منكم براس، من بني فراس، أم الأيام الأموية والنفير إلى الحجاز، والعيون إلى العجز؟ أم الأمارة العدو وصاحبها يقول: وهل بعد البدر؟ أم الخلافة التيمية وصاحبها يقول: طوب لمن مات في أنا الإسلام، أم على عهد الرسالة ويوم الفتح قيل: اسكني يا فلانة، فقد ذهبت الأمانة أم في الجاهلية ولبيد يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
أم قبل ذلك وأخو عاد يقول:
بلاد بها كنّا وكنّا نحبّها ... إذ الناس ناس والزمان زمان
أم قبل ذلك وروى عن آدم عليه السلام:
تغّيرت البلاد ومن عليها ... وجه الأرض مغّبر قبيح
أم قبل ذلك وقد قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها وما فسدت الناس، وإنما طرد القياس، ولا أظلمت الأيام، وإنما امتد اظلام، وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح، ويمسي إلا عن صباح؟ فصل منه وإني على توبيخه لي لفقير إلى لقائه، شفيق على بقائه منتسب إلى ولائه، شاكر لآلائه، وإن له على كل نعمة حول الله ناراً، وعلى كل كلمة علمها مناراً ولو عرت لكتابي موقعاً من قلبه لا غنت خدمته به، ولرددت إليه سور كأس، وفضل أنفاسه ولكني خشيت أن يقول: هذه بضاعتنا ردت إلينا، وله أيده الله العب، والمودة في القربى والمر، وما ضمه الجلد ونال الباع، وما ضمنه المشط:
والله ما هي عندي رضى ... ولكنّها جلّ ما أملك
واثنان قلما يجتمعان الخراسان والإنسانية، وأنا وإن لم أكن خرساني الطين، فإني خراساني المدنية، والمرء من حيث وجد، لا من حيث يولد، والإنسان من حيث يثبت، لا من حيث ينبت، فإن نضع إلى خراسان ولادة هدم ارتفع القلم وسقط التكليف، فالجرح جبار، والجاني حمار ولا جنة ولا نار، فليحتمل الشيخ على هنا، أليس صاحبنا يقول:
لا تلمني على ركاكة عقل ... إن تيقّنت أننّي هدم
فصل بعض الظن إثم، ولكن بعض الإثم حزم، وبلغني أن القاضي يريد أن يسجل، فأريد أن لا يجعل، حتى أحضر فينظر فيم الخصومة، وأنظر كيف الحكومة.
فصل أنت أيدك الله إذ قلدت البريد، وبردت هذا التبريد، تؤذن أنك لو وليت الديوان، لحجبت الدبر، ولو قلدت الوزارة ما كنت تصنع، كنت أول من تصفح، وإن هان على سبل الطبائع وهو الحليفة فمن الجيفة؟ يا شيخ حشمة في الرأس، وعرة بين الناس، وإذا ارتفعت فآلاتها نميمة، وليس للناس قيمة، ولو نسجت الدر في الذهب ما كنت إلا حائك، وإلا من جملة أولئك.
فصل شراب من ذاقه أخ، وصوت من يسمعه أخ، وشرف من ناله أرخ.
فصل ألا وإنّ في صدري لغصّة، وإن في رأسي لقصة، وإن لكل مسلم فيها لحصة، وإن هذا المقام فيها لفرصة.
فصل من كتاب إلى عدنان
أشهد لو خير الرئيس ما اختار فوق ما اختار له، وما الغيب، أكثر مما في الجيب، وما بقي، أحسن من الذي لقي:
هنيئاً وزاد الله ضبّ سؤدداً ... وذلك مجد يملأ العين واليد
لك اليوم أسباب السموات مظهراً ... وما اليوم مما سوف تبلغه غداً
فصل أنا، وأنا غرس الشيخ، ألف العمامة، على فضول لا تقلها جبال تهامة، ثم أسبح في الماء الغزير، وأعتقد بالأمير والوزير، ثم استظهر بسجل القاضي، ثم الشيخ هو المتعصب، ولا حلية مع ابن جملية، العار والله والنار، والقتل والدمار، والعسل والزن، والشباب والتراب المسار.
فصل وحرب تريد جنهم حطب، وعجب تريد أسوا منها منقلباً.
فصل أبق الله بقاء الشيخ الرئيس عبدان: أحدهما الذي أنبت عليه شجرة من يعطي، والآخر الذي قال: خلقتني من نار وخلقته من طين، و أنج هذا من الظلم، ومد لذلك في الحياة، فعرف لكل عاى مقدار حرمته حق خدمته.
فصل مضى العيد فلا صدقات الفطر ولا صدقات العطر، ولا فضل القدر، ولا لفظات الذكر، وأسمع الناس، يقولون إن الشيخ مستبد لي موحش مني وأنا سليم نواحي القول والفعل والنية وأنا كالحية ضمن أن لا ألسع ولا ضمن أن لا يفزع.
فصل وصلت رقعة الشيخ فسرت شوها، ونطقت وراء تعثر في أذيالها تقول خذوني، والطاعون المذنب سكران يتغافل.

(2/71)


فصل يعجبني أن يكون الشيخ عريض اللسان طويلة، حسن البيان جميلة، ولا يعجبني أن يطول لسانه حتى يمس به جبينه، ويضرب به صدره، ويحك به قفاه، فخير الأمور أوساطها، وأمام الساعة أشرط والغاية سوية، و تقضي فرقة.
فصل لولا شفيت من القلب، لربطتك مع الكلب، ولكن لا حيلة حصارك، وكلّي نصار.
فصل مغرز إبرة وألفا عبرة، رعاة رع، ورعايا شجاع، أمير ولكنه في الحمير، ووزير ولكنه خنزير وما شئت من البرد تحمل، ولا شيء من الحمية.
فصل أراني أذكر الشيخ كلما طلعت الشمس وهبت الريح أو نجم النجم أو لمع البرق أو عرض الغيث أو ذكر الليث أو ضحك الروض، إن للشمس محيا وللريح رياح و للنجم حلاوة وعلاه وللبرق سنة و سنة و للغيث يداه ونداه ولليث حماة و للروض سجاياه، ففي كل صالحة ذكراه، وفي كل حادثة أراه، فمتى أنساه، وأشد شوقاً، عسى الله أن يجمعني وإياه.
فصل سألني العم عن حالي بهذه البلاد وإنني في بلاد وإن لم يكن لأهلها تمييز، فأنا بينهم عزيز يطعمونني تقليد، ويردونني فريداً، والمال يجتنب فيضاً لكن لا أبلعه ريقاً، ولا أكره لو تفريقاً، فهو يأتي مداً ويذهب جزر.
فصل خلق ابن آدم خلقة الفراش مماته في المعاش، ومساره طي المضار، وإلا بين لمثلي إذا خرج من بلدة أن تبيد خلقه الحصاة، وتكنس بعده العرض وتوقد في أثره النار، ويثار في قفاه الغبار، ويحن لفراقه الكلب، ويسد لأوبته الأذنان، وتغمض عن رجعته العيان، ويقول كم سنة تعد، ورب سلم لا يرد، وما قدرت أن الشيخ بعد ما كفاه الله شر مقام، وأصح سماؤه من أشغالي وصفا جوه من لقائي، يشتاق طلعت شوقاً ببعثه على عتابي، ويهزه لاستعطافي، ولا شك في أنه اشته كما يشتهي الجرب الحك، وله العتبي فستأتيه كتبي تباعاً ورسلي ولاء، وحاجاتي قطاراً.
فصل إلى الأستاذ أبي بكر بن إسحاق
الأستاذ الهدي يأمر غاشية مجلسه، أن يفتشوا أعطاف المقبرة وزواياها، فإن وجدوا قلباً قري، يحمل وداً صحيحاً، وكبداً دامية، تقل محبة نامية، فأنا ضيعتهما بالأمس، عاى ذلك الرمس، رضي الله تعالى عن وديعته، وعنا معشر شيعته، فليأمر بردهما إليّ، فلا خير في الأجساد خالية من الفؤاد، وعاطلة عن الأكباد.
فصل إلى ابن أخته
أنت ولدي ما دمت والعلم شأنك، والمدرسة مكانك، والدفتر أليفك، وحليفك، فإن قصرت ولا أخ، فغيري خالك.
فصل من كتاب إلى ابن فريغون
كتابي والبحر وإن لم أره، فقد سمعت خبره، والليث وإن لم ألقه، فقد تصورت خلقه، والملك العادل إن لم أكن لقيته، فقد بلغني صيته.
فصل إن لي في القناعة وقتاً، وفي الصناعة بختاً، لا يبعد عن منال المال، بل يحبين فيضاً، ويتطفل علي أيضاً، وهذه الحضرة وإن احتاج إليها المأمون ولم يستغن عنها قارون، فإن الأحب إليّ أن أقصدها قصد موال، لا قصد سؤال، والرجوع عنها بحال، أحب إليّ من الرجوع بمال، قدمت التعريف، وانتظر الجواب الشريف.
فصل إن أيامي منذ لم أره ليال، وإني من حبسي لفي طل بال وإن العيش لا يلتئم إلا بعزه، والعافية لا تطيب إلا في ظله.
فصل إن الجميل عندهم من وراء جدار، والقبيح نار على منار، فإذا مدحوا سيرة رجل فقد حمدوا عثرته، ولم يبق فيه طمع للسبك، ولا موضع للشك.
فصل ليست التجربة خمسة جرب، إنما هي دفعة والتقدم ولفظة، ثم إن العاقل بفطنته كي فيقيس، والجاهل بغفلته يخس و يخس، يا أبا الفضل ليس هذا بزمانك، وليست هذه الدار بدارك، ولا السوق سوق متاعك، ناسب الكتابة وما وسقت، والأقلام وما نسفت، والمحابر وما بسقت، وشجاع إذا اتسقت، واللوم ولا هذه العلوم.
فصل إني والله لأرحم عقل طرفة إذ قال:
وليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثاً حول قبتناً تخور
كيف ضرب المثل في الشر وقلة الخير، بما هو خير كله وإن رعت لتعذره برسلها، وتحبوه بنسلها، وتكسوه بصوفها، وتنفعه بغيرها، وتغيظ عدوه بسراحها، وتقر عينه برواحها:
وتملأ بيته قطة وسمناً ... و حسبك من غنى شبع وريّ
ثم أرجع إلى حديثك: تمنى مكانه رغوثاً، وأتمنى مكانك برغوث، إن البرغوث، أجدر منك أن يغوص، أعلم أنك غرس، والغرس تيس، وحش، وما حسبتني أفقد منك منافع التيس، ولكن ما أصنع والعقل ليس.

(2/72)


فصل ما أعرف لعمار مثلاً إلا الغراب بقي، مذموماً على أي جنب وقع، إن طار فيقسم الضمير، وإن وقع فروع النذير، وإن حجل فمشي الأسير، وإن شح فصوت الحمير، وإن أكل فدبر البعير، وإن سرق فبلغة الفقير، كذلك ابن عمار، إن حذفت عينه فالحين وإن حذفت ميمه فالشين وإن حذفت راؤه فالرين، وإن صحف خطة فال وإن زرته فالحجاب الثقيل، وإن لم يزره فالعتاب الطويل.
فصل بلغني أن الشيخ دائم العبث بلحمي، والنقل بشتمي، وأنه حسن البصيرة في نقضي، كثير التناول من عرضي، ولحم الودي، لا يصلح للقد، ودم الصديق، لا يشرب على الريق، والولي لا يقلى، ولا يتخذ نقل، وحسب الغريم أن لا يوفى، ومن منع الصدقة فليقل قولاً معروفاُ.
فصل لولا ود الفقيه، وأنا أستبقيه، لشتمت العام والخاص، وذكرت العاض والماص، ولتجاوزت دار الرجال إلى حجرة العيال، ما هذه الأشعار التي كتبها، والفصاحة التي عرفها، بكر وتألم الطلق، أعلى رأسي يتعلم الحلق.
فصل وحرب، وإليك شكوى الحرب، وأظن أجلي قد أقترب، ربّ توفني مسلماً، وألحقن بالصالحين.
فصل حرس الله هذه الدنانير، ورزقنا منها الكثير، إنها لتفعل ما لا تفعل التوراة والإنجيل، وتغني ما لا يغني التنزيل والتأويل، وتصلح ما لا يصلح جبريل و ميكائيل.
فصل من تعزية بحرمة
على أن النساء كالصدّف، إذا انتزعت منه درّة الشرف لم يصلح إلا للتلف، والسعيد من حمل من دار الأمير نعشه، وأسعد منه من جدد فرشه، ولا خلة بالرجل أليق من الصبر، ولا حصن للنساء أمنع من القبر، أسأل الله الذي سلبه الكرمة أن يمتعه بعينها، ولا خير في النخلة وراء رطبها.
فصل قد توسطت الشباب، وتطرقت المشيب، وقبضت من أثر الزمان ونظرت في أعقاب الأمور، وطرت مع الملوك، ووقعت مع الخطوب، والحي يأمر وينهى وفارقتها والموت حزن ينظر.
فصل لو أني مولاي وأنا في قميص بأذنين، وقباء ضيق الرد، وعمامة كالقبة، وخف تركي أعلاه جراب، وأسفله غراب، على بر مضطرب التقطيع، يرقصني كالرضيع لعلم كيف تجري الفرسان، وكيف تمسح الأذنان.
صل من كتاب إلى أبيه
ولسيدنا أسوة بيعقوب في ولده، إذ ظعن إليه من بلده وليس العائق سور الأعراف، ولا رمل الأحق، ولا جبل قاف، أخاف والله أن أموت، وفي النفس مني حاجة لم أقضها، أو منية لم أحظ بعضها.
فصل مثل الشيخ في التماس الخل، مثل المكر في التماس الخل، تقدم إلى الخلال فقال: يا منكر العيال صب قليلاً من الخل، في هذا الإناء الجل فقال الخلال: قبح الله الكسل، هل التمست بهذا اللفظ العسل؟ فصل يا هؤلاء تكبروا الله في بلاده، ولا ترد في مرد، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وما أرى آل فلان إلا مقدرين أنهم لم يأخذوا خراسان قهر، إنما كانت لأمهم مهراً فلم حولها تخيط، والله من ورائهم محيط.
فصل إني لأعجب من رأس يودع تلك الفضول فلا ينشق، ومن عنق يقلّ ذلك الرأس فلا يند.
فصل كتابي كتاب من نسي الأيام وتذكره، ويطوي العالم وينشره، ثم ينبذ أبناه دهر، وراء ظهره.
فصل أنا على قرب العهد بالمهد قطعت عرض الأرض، وعاشرت أجناس الناس، فما أحد إلا بالجهل تبعه، وبال بعته، وبالظن أخذته وبال نبذته، وما مدح وضعته في أحد إلا أضعته، ولا حمد صرفته في أحد إلا عرفته، ومن احتاج إلى الناس، وزنهم بالقسط ومن طاف نصف الشرق، لقي ربع الخلق.
فصل في مدح الأمير حلف
جزى الله هذا الملك أفضل ما جزى مخدوماً عن خدمه، ومنعماً على نعمه، وأعانه على همه فلو أن البحار عدده، والسحاب يده والجبال ذهبه لقصرت عما يهبه، فوا الله ما التمر بالبصرة، أقل خطراً من البدرة، بهذه الحضرة أني لا أراها تحمل إلى المنتجعين إلا تحت الذيل في جنح الليل، ولا شيء أيسر من الدينار، بهذه الديار، بينما المرء في سنة من نومه لتعب يومه وقصار قوت يومه، إذ يقرع الباب عليه قرعاً خفياًن ويسأل به سؤلاً حفياً ويعطي ألفاً خلفياً.
فصل للشيخ من الصدور ما ليس للفؤاد، ومن القلوب ما ليس للأولاد فكأنّما اشتق من جميع كبد، وولد بجميع البلاد سواء الحاضر فيه والبلاد وكل أفعاله غرة في ناصية الأيام، وزهرة في جنح الظلام، إلا أن ما أوجبه لفلان من روض أنا وسميه، وطوق أنا قمرية وعود جمر لساني، وخمر سكره ضماني.
فصل إلى أبيه

(2/73)


إن الإبل على غلط أكبادها لتحن إلى أوطانها، وغن الطير لتقع عرض البحر إلى منظر، وبلغني أن ابن ذي اليمين طاهر بن الحسين لما ولي مصر داخلها مضروبة قبابها مفروشة أرضها مزخرفة جدرانها والناس ركب ورجالاً والنثر يميناً وشمالاً، فأطرق لا ينطق حرفاً، ولا يرفع طرفاً، فقيل له في ذلك فقال: ما أصنع بهذا كله، وليس في النظارة عجائز بوشن.
والعجب من حاضر أنطو صاحب آل ياسين وقد كذب وعذب وقتل وجر برجله واهلك قومه من أجله، وقيل له أدخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين فكأنه تمنى الجنة قلق قومه على سوء جوارهم، وقبح آثارهم.
وهذا أخو كندة يقول:
وهل ينعم من كان أقرب عهده ... ثلاثين شهراً أو ثلاثة أحوال
فما ظنه بي لاثنتي عشرة سنة، على أن لي في رسول الله أسوة حسنة، وعسى الله أن يأتيني بكم جميعاً، أو يأتيكم بي سريعاً.
فصل وأجدن إذا قرأت قصة الخليل، والذبيح إسماعيل، أحسن من نفسي لسيدنا بتلك الطاعة، لو وقع البلاء، والعافية أوسع، وأظنه لو تلّني للجبين، وأخذ مني باليمين، لقطع لوتد، لصنته عن الأذنين، علي بذلك ميثاق من الله غليظ، والله على ما نقوله حفيظ.
فصل فتن تشن، ونار تلظّى، وناس يأكل بعضهم بعضاً، فالنهار مصادرة، والليل مكابرة، وقتل عمرو وسلب زيد، ونج سعد، وهلك سعيد، وثمن الرأس منديل، والبينة العادلة سكين ودار الحكم بيت القار، واليمين الغم فلان الحمار، والجامع حانة الخمار ولا شيء إلا السلاح والصياح وكل شيء إلا السكون والصلاح.
فصل قد أهديت له فارت مسك تصلان بوصول كتابي هذا، وبينهما من السلام أطيب منهما عرفاً، وأحسن وصفاً.
فصل من رقعة إلى الشيخ الجليل أبي العباس
عبد من عباد الله أجرى الله أمره على الجرم والصدق، وأنفذ حكمه بين اللحوم والجلود، وأراه البسطة في مراده، والغبطة في أولاده، والرشد في اعتقاده، ومكن له في بلاده، وله في غده أكثر مما في يده، وما بقي أطيب مما لقي، وبلغني أنه يضجر من أبناء الحاجات ترفع إليه، والقصص تقرأ لديه، وقد ضجرت ضجرة يحيى بن خالد، فأرى في المنام فيما يرى النائم كان قائلاً يقول إن ضجرت لازدحام الحاجات إليك، أضجرناك بانقطاعها عنك.
فصل وأظن الشيخ لو أني لفلان، وما أقضي لأقصي العجب من وفيه.
فصل حج البيت مخ فسئل عما رأى فقال: رأيت الصفا والجنون وقوماً يموج، وكعبة تزف عليها الستر، وترفرف حولها الطيور، وبيتاً كتبي ولكن سل عن البخت، لا عن البيت.
وابتاع بعض الهنود هذا اللحمي المشوي فاتزن بدان أرطالاً، ثم وجد الكمثرى تباع من اللحمي، إن لم يعرفوا الدينار من الدرهم، فأنا اليوم حتى ينتصف المظلوم، سكن أبو شعر المقابر، فقال: أجاور قوماً لا يغدرون، فقيل له: مهل يا أبا موسى، إنما لا يغدو لأنهم لا يقدرون.
فصل من رقعة إلى ثقيل ستأذن للخروج
نعم ولا حمر النعم، قاعة قع، كأنها ملساء، ومنهج عريان، تسلكه العميان، وسمت لا عوج فيه ولا أمت، وماء برد الشتاء، ولا يكدره الرشا، فاذهب حيث تشاء، والدنيا والعراق، والحبة بلا، ولك بالصين تخت والغنى غنى البحر، ولك ما سألت بمصر، وشر الحمام الداجن، ومقيم الماء آسن والكسل إضاعة، والطريق بضاعة، وإنك لتؤذن بالبين، وتصبح عن سري القين، ويلك ما هذه الرعونة، وما هذه الأخلاق الملعونة، تلمح بدلال، والله إنك مجاناً لغال، فابعد كما بعدت ثمود، وبرح فقد طال القعود، وأذهب ذهاباً لا تعود.
فصل كتبت وليس الشوق إلى لقائه بشوق، إنما هو العظم الكسير، والنزع العسير، والسم يسري ويسير والنار تطيش وتطير وليس الصبر عن رؤياك بالصبر إنما هو الصبر معجوناً بالصاب، وتشريح العروق والأعصاب والقلب في الميسر والأنصاب والكبد في يد القصاب.
فصل مرحباً بالشيخ وبناقة تحمل رحله، وبأرض تلبس ظله، وبيوم يطلع علينا وجهه وبليلة تلد قربه، وإنه يا خطى الناقة، فوق قوى الطاقة ويا أرض نزوي كما تنزوي الجلدة في النار ويا منظر انطو انطواء الحية والطور، وعجل إلى الظل ببارد الماء، ومن على البلد القفر بصائب القطر.
فصل أثنى عليه لو رمى به الشتاء لعاد ربيعاً، أو دع الشباب لأب سريعاً، أو صب على الفراق لا نقلب شمالاً جميعاً.

(2/74)


فصل جرح وما أدراك ما جرح، أكلة من التين وموت في الحين، ونظرة إلى الثمار والأخرى إلى التابوت والحفار، ونجار إذا رأى الخراساني نجر التابوت على قده، وأسلف الحفار على لحده وعطار يعد بين الحنو يرسمه وبها للغريب ثلاث فتحات: أولها لكرام البيوت، والثانية لا بيت القوت، والثالثة لثمن التابوت.
فصل كأنّما خلق للدنيا تحجي، ولملوكها تخجل، وكأنما خلق ليقبل المستحيل مانعه، وليصدق المحال سمعه فليؤمن أن البحر يمشي على رجلين، وأن المجد يتصور للعين وان العدل يتسم، والدهر يتكرم، والشمس تتكلم.
فصل إن طلبت كريماً في أخلاقه متّ ولم ألاقه، أو حكيماً في جوده، مت قبل جوده ولقد أفسدني على الناس وأفسدهم علي، فما أرضى بعده أحداً، ولم أجد مثله أبداً وهذا وصف إن أطلته طال، ونشر الأذيال، واستغرق القرطاس، والأنفاس، واستنفد الأعمار، والأعصار، ولم تبلغ التمام، والسلام.
فصل - كتبت ونصفي الراحل، والأحمال تشد،والعلوفات تعد، والجمال تقدم والجمال يشتم. وما أشبه نفسي في هذه الأسفار إلا بالخيال الطارق، أو بلمع البارق أو الغلام الآبق، أو الجواد السابق، أو بهرب السارق، أو السهم المارق، وإنما الشد والترحال،والخيل والبغال، والحمير والجمال.
فصل - عنوان الأحمق كنيته، ثم بنيته، ثم حليته، ثم مشيته،والله لأعرف البحتري، فهلا أبو حامد وأبو خالد. وإن امرأة تقعد مدة تعصر بطنها وظهرها، وتعد يومها وشهرها. فهلا تجعل سرها وجهرها، ثم تسميه البحتري لرعناء لاستحق مهرها، وخليقة أن يطم الله نهرها، فلا تلد دهرها ثم الوجه اللحيم، لا يحتمله الكريم، والأنف السمين، لا يحتمله الأمين. والقطف سير الحمير، والهرولة مشية الخنازير.
فصل - وما زالت جفنة آل تدور على الضيف، في الشتاء والصيف. حتى عثرت بحسان، فارتهنت ذلك اللسان. فسيّر فيهم القصائد الحسان. فهذا الزمان يخلق وهي جديدة، وتلك العظام بالية، وهذه محاسن باقية. وحق على الله أن لا يخلي كرما من لسان يبث أحدوثته.
فصل - لسان كمقراض الخفاجي يضعه حيث يشاء، وبحر لا تكدره الدلاء، وصدر كأنه الدهناء وقلب كأنه الأرض والسماء، وشرف دونه الجوزاء.
فصل - الإنسان يولد على الفطرة من ظرفه استظرفه، ومن لمحه استملحه، ثم لا يسمى قرطبانا. حتى يسعى زمانا، فإذا تعب دهراً طويلاً سمى كشحانا ثقيلا، وإذا شب الصبي كان بالخيار، إن شاء سمى لحم الحوار، ولقب ذنب الحمار، وكنى كذب الخار وشبه بالجدار، وأطلال الدار وإن شاء نزهة الألباب، ومتعة الأحباب، ودمية المحراب، وفرحة الأياب وعلى الأم أن تلد البنين، وتغذوهم سنين، وتلهيهم الليل والنهار، وتقيم المار والنار، فإن خرجوا مخانيث فقد قضت ما عليها، وإن قرم السرّم، فليغيرها الجرم، وإن احتك السرج، فعلى لله الفرج، وعلى ابنها الحرج.
فصل - الوجه الحسن عنوان مخيل، وضمان جميل. فإن عضده أصل كريم، فأنا به زعيم، وإن نصره بيت قديم، فأنا له نديم، والشيخ بحمد الله دارة البدر حسن إشراق، وفأرة المسك طيب أخلاق، وشجر الأترج طيب أعراق، وطيب مذاق، وطيب ورق وساق. وحرج على من هذه خصاله، أن ينبغي وصاله. فأنا أخطب إليه مودته. وأبذل روحي لها مهرا، فإن رأى أن يزوجنيها فعل إن شاء الله تعالى.
فصل - يلقى الشيخ بكتابي هذا من ذكر حريته فلقد أجدت، وثمرة الغراب وجدت. ونعم ما اخترت، والخير فيمن ذكرت. وأجبته إلى ما سأل، وسفتجت له إلى الكريم بما أمل، وقلت: أده الآن، وخاط كيساً على ماله، وضمنت له تهنئة آماله، فإن رأى أن يفك لساني، من سر ضماني، فعل إن شاء الله تعالى.
فصل - إن رضي الشيخ أن يواكل من لا يشاكل ويجانس من لا يؤانس.
فصل - مثلي أيد الله القاضي مثل رجل من أصحاب الجراب والمحراب تقدم إلى القصاب يسأله فلذة كبد، فسد باليسرى فاه، وأوجع بالأخرى قفاه. فلما رجع إلى منزله بعث توقيعاً، يطلب جملاً رضيعاً. كذاك أنا وردت فلا أكرم بسلام، ولا أتعهد بغلام، فلما وجدته لا يبالي بسبالي كاتبته أشفع لسواي.
فصل - سقاها الله من بلد، وأهلها من عدد، وفلانا من بينهم، ولا نصصت إلا على عينهم. وحبذا كتابه واصلاً، ورسوله حاصلاً، فأي تحفة لم تصل بوصوله، وفضل لم يستفد من فصوله.

(2/75)


فصل - اليوم طلق، والهواء رطب، والماء عذب،والبستان رحب، والسماء مصحية، والريح رخاء. فأين سيدي فلان؟ أشهد ما اليوم جميلا، ولا الظل ظليلا ولا الماء يبرد غليلا. ولا النسيم يشفي عليلا. وأقسم ما الروض إلا ثقيل، والأنس إلا دخيل، والدهر إلا بخيل. وفي ذلك يقول:
وإنّي لتعروني لذكراك روعةٌ ... كما انتفض العصفور بلَّله القطر
وليس الشوق إلى مولاي بشوق إنما هو وقع السهام، ولا الصبر عن لقياه بصبر إنما هو كأس الحمام، وما للسم سلطان هذا الهم، ولا للخمر طغيان هذا الأمر.
فصل - إن للشبان نزوة، وللأحداث رقة. ولكن يربعون إذا جاءت الأربعون. ويفزعون، وإن كانوا لا يجزعون، ولقد نظرت في المرآة فرأيت الشيب يتلّهب وينهب، والشباب يتأهّب ويذهب، وما أسرج الأشهب إلا لخبر، وأسأل الله عاقبة خير.
فصل - أجدني قد اكتهلت، والكهل قبيح به الجهل، ولاحت الشعرات البيض، وجعلت تفرّخ وتبيض.
فصل - جزى الله المشيب خيراً فإنه أناة، ولا ورد الشباب فإنه هنات، وبئس الداء الصبا وليس دواؤه إلا انقضاؤه، وبئس المثل النار ولا العار ونعم الرائضان الليل والنهار. أظن الشباب والشيب لو مثلاً لمثل الأول كلباً عقوراً، والآجر شيخاً وقوراً، ولاشتعل الأول ناراً والآخر نوراً، فالحمد لله الذي بيَّض القار، وسماه الوقار،وعسى الله أن يغسل الفؤاد كما غسل السواد، إن السعيد من شابت جملته ولم تخص بالبياض لحيته.
فصل من تهنئة بمولود
حقاً لقد أنجز الإقبال وعده، ووافق الطالع سعده، والشأن فيما بعده، وحبذا الأصل وفرعه، وبورك الغيث وصوب، والروض ونوره، وسماء أطلعت فرقدا، وغابة أبرزت أسدا، وظهر وافق سنداً، وذكر يبقى أبداً، ومجد سمى ولداً، وشرف لحمة وسدى.
فصل - كتابي من هراة ولا هراة فقد طحنتها هذه المحن كما يطحن الدقيقن وقلبتها كما يقلب الرقيق. وبلعتها كما يبلع الريق، والحمد لله عل المكروه والمحبوب وصلواته على نبيه وآله وقد خدمت الشيخ سنين،والله لا يضيع أجر المحسنين ونادمته والمنادمة رضاع ثان، ومالحته والممالحة نسب دان، وسافرت معه والسفر والأخوة رضيعا لبان، وقمت بين يديه والقيام والصلاة شريكا عنان، وأثنيت عليه والثناء من الله من الله عز وجل بمكان، وأخلصت له والإخلاص محمود بكل لسان، أفبعد هذه الحرمات، أنا طعمة فلان وفلان يتناولانني سبعاً في ثمان.
فصل - لعن الله فلاناً لا أراه في النوم، إلا أصاب في ذلك اليوم.
فصل - ورأى أفواهاً فاغرة. وأضراساً طاحنة، وعيالاً وأذيالاً الله وكيلهم، وأنا أزنهم وأكيلهم.
فصل من كتاب تعزية
ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ... ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع
والله ما يضرب الكلب، كما يضرب هذا القلب. ولا يقطر الشمع، كما يقطر هذا الدمع، وما للسم سلطان على ها الغم، ونفسي إلى القبر، اعجل منها إلى الصبر. وأني بالموت، آنس منها بهذا الصوت. أولم يكفنا الجرح، حتى ذر عليه الملح؟ ألم أكن من فلان مثقل الظهر، فما هذه العلاوة على الحمل، ولم هذه الزيادة في الثقل؟ فصل - وفيما يقول الناس من حكاياتهم أن أعرابياً نام ليلاً عن جمله ففقده، فلما طلع القمر وجده، فرفع إلى الله يده. فقال: أشهد لقد أعليته، وجعلت السماء بيته. ثم نظر إلى القمر فقال: إن الله صورك ونورك، وعلى البروج دروك. وإذا شاء قورك وإذا شاء كورك، فلا أعلم مزيداً أسأله لك ولئن أهديت إلى قلبي سروراً، لقد أهدى إليك الله نوراً، والشيخ ذلك القمر المنير، ولقد أعلى الله قدره، وأنفذ بين الجلود واللحوم أمره. ونظر إليه وإلى الذين يحسدونه، فجعله فوقهم وجعلهم دونه. فصل المرء جزوع لكنه حمول، والإنسان في النوائب شموس ثم ذلول. ولقد عشت بعد فراق الشيخ عيشة الحوت في البر، وبقيت ولكن بقاء الثلج في الحر.
فصل - توجه فلان إلى الحضرة، ويريد أن يقرن الحج بالعمرة، ولا يقتصر على المشتري دون الزهرة، ولا يقنع بالماء إلا مع الخضرة. وقصد من لشيخ الجليل يزخر بحره. وجعل الشيخ سفينة نجاته، وذريعة حاجاته.
فصل - إن ذكر الجمال طلع بدراً،أو السحاب زخر بحراً، أو العهد رسخ صخراً، أو الرأي أسفر فجراً. أو الحياء رشح خمرا، أو الذكاء توقد جمرا.

(2/76)


فصل - جزى الله خيراً عن بطن الساغب، وكف الراغب. وأعانه على همته ووفقه، وأخلف عليه خيراً مما أنفقه، فليس لمثل هذا العام، إلا مثل ذلك الإنعام العام. فلو انتقر، لهلك من افتقر، ولكنه أجفل وغمر الأعلى والأسفل، فكأنما عاد الشتاء ربيعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.
رقعة له إلى أبي محمد إسماعيل بن محمد
جواباً عن رقعة صدرت إليه وقد ورد هراة مرحباً بسيدي إسماعيل، وجد يفعل الأفاعيل، ولا رقعة أرقع من هذه، ما نصنع برقعة، ونحن في بقعة. فليجعلها زيادة، ثم الحاجة مقضية، والحرمات مرعية.
رقعة إليه أيضاً عند انصرافه
أنت يا سيدي أقرب رحما، وأنفذ حكماً، ودونك الدار، ولك فيها المقدار، ويسرني أن لا تغيب ولا تغبّ، وتحب الخروج وأحب أن لا تحب. ولو علمت أني إذا ناصبتك أقمت، فعلت ذلك ولو نقمت. فأقم ريثما تنقضي هذه الأشغال وتنقشع هذه الضبابات. فنتفرغ لقضاء حقك، ونتسع لواجب لك. ثم إن أبيت إلا الرج، وإلا الصد، فإني أراك قبل أن حصلت سرت، وقبل أن حوصلت طرت. وما قابلنا حقوقك إلا بالعقوق، والسلام.
فصل - لعلك يا سيدي لم تسمع بيتي الناصح حيث قال:
اسمع مقالة ناصحٍ ... جمع النصيحة والمقه
إيّاك واحذر أن تكو ... ن من الثقاة على ثقه
صدق الشاعر والله وأجاد فللثقاة خيانة في بعض الأوقات. هذه العين تريك السراب شراباً، وهذه الأذن تسمعك الخطأ صوابا. فلست بمعذور، إن وثقت بمحذور. وهذه حال السامع من أذنه، الواثق بعينه. ورأى فلاناً يكثر غشيانك هو الدني دخلته، الرديء نحلته، السيء وصلته، الخبيث جملته، وقد قاسمته في أزرك، وجعلته موضع سرك، فأرني موضع سرك. فأرني موضع غلطك فيه، حتى أريك موضع تلافيه. ما أبعد غلطك عن غلط إبراهيم عليه السلام! إنه رأى كوكباً، وبصر القمر وأبصرت القدر، وغلط في الشمس، وغلطت في الرمس، أظاهره غرك أم باطنه سرك؟ ومن هذا الفصل - وافتتح صلواتك بلعنه، وإذا استعذت من الشيطان فاعنه.
فصل من رقعة إلى وارث مال
العزاء عن الأعزة رشد كأنه الغي، وقد مات الميت فليحي الحي، واشدد على حالك بالخمس، فأنت اليوم غيرك بالأمس، قد كان ذلك الشيخ وكيلك يضحك ويبكي لك، وسيعجم الشيطان الآن عودك، فإن استنالك رماك بقوم يقولون: خير المال متلفة بين الشراب والشباب، ومنفقة بين الحباب والأحباب. والعيش بين القداح والأقداح، ولولا الاستعمال ما أريد المال، فإن أطعتهم فاليوم في الشراب، وغدا في الخراب، واليوم واطربا للناس، وغدا واحرابا من الإفلاس.
يا مولاي، ذلك المسموع من العود، يسميه الجاهل نقرا، ويسميه العاقل عقرا، وذلك الخارج من الناي هو اليوم في الآذان زمر، وهو غدا في الأبواب سمر، والعمر مع هذه الآلات ساعة، والقنطار في هذا العمل بضاعة.
فصل منه - ولله في مالك قسط للمروءة قسم، فصل الرحم ما استطعت، وقدرّ إذا قطعت، ولأن تكون من جانب التقدير، خير لك من أن تكون من جانب التبذير.
فصل - أشار إلى ضالة الأحرار، وهي الكرم مع اليسار، ونبه على قدر الكرام، وهو البشر مع الإنعام، وحدث عن برد الأكباد، وهو مساعدة الزمان للجواد، ودل على نزهة الأبصار وهو الثرى. ومتعة الأسماع وهو الثنا. وقلّما اجتمعا ووجدا معاً.
فصل - الأمير الفاضل الرئيس رفيع مناط الهمة، بعيد منال الخدمة، فسيح مجال الفضل، رحيب مخترق الجود، طيب معجم العود:
فلو نظمت الثريّا ... والشعريين قريضا
وكاهل الأرض ضرباً ... وشعب رضوى عروضا
وصغت للدرِّ ضدّاً ... أو للهواء نقيضا
بل لو جلوت عليه ... سود النوائب بيضا
أو ادّعيت الثريا ... لأخمصيه حضيضا
والبحر عبدٌ لهاه ... عند العطاء مغيضا

(2/77)


لما كنت إلا في ذمة القصور وجانب التقصير. ولكني أقول الثناء منجح أنى سلك، والسخي جوده بما ملك، وإن لم تكن غرة لائحة فلمحة دالة، أو إن لم يكن صداء فماء. أو لم يكن خمر فخل، وإن لم يصب وابل فطل. وبذل الموجود، غاية الجود وبعض الحمية آخر المجهود، وماش خير من لاش ووجود ما قل، خير من عدم ما جل، وقليل في الجيب، خير من كثير في الغيب، وجهد المقل، أحسن من عذر المخل، وما كان أجود من لو كان، لأن تقطف، خير من أن تقف. ومن لم يجد الجميم، رعى الهشيم.
فصول قصار وألفاظ أمثال
المرء لا يعرف ببرده، كالسيف لا يعرف بغمده، جرح الجور، بعيد الغور نار الخفاء سريعة الانطفاء، الحذق لا يزيد الرزق. والدعة لا تحجب السعة احتكم إلى الحجارة، فالتقتير نصف التجارة، غضب العاشق أقصر عمرا، من أن ينتظر عذرا، إن بعد الكدر صفواً، وبعد المطر صحواً. الراجع في شيئه كالراجع في قيئه. المرء من ضرسه في شغل، ومن نفسه في كل. الحبل لا يبرم إلا بالفتل، والثور لا يربى إلى للقتل، أرخص ما يكون النفط إذا غلا، وأسفل ما يكون الأريب إذا علا. لا تحسد الذئب على الألية يعطاها طعمة، ولا تحسب الحب ينثر للعصفور نعمة، إن للمتعة حداً، وإن للعارية ردا. ما كل مائع ماء، ولا كل سقف سماء. ولا كل بيت بيت الله، ولا كل محمد رسول الله، الكريم عند أهل اللوم، كالماء في فم المحموم، وسم المبرسم في الشهد، والشمس تقبح في العيون الرمد. الخبر إذا تواتر به النقل قبله العقل، كلفة الفضل متعينة، وأرض العشرة لينة، وطرقها بينة. إن الوالي سيعزل والراكب يستنزل النذل لا يألم العذل. المدبر يحسب النسيئة عطية، ويعتد بها هدية. الدهر بيننا جرع، وفيما بعد متسع، لا ماء بعد الشط، ولا سطح بعد الخط، من ذا الذي لا يهاب البحر أن يخوضه، والأسد أن يروضه. ود الحضر إخاء ومروة، وود السفر وفاء وفتوة. قلت قسما إن فيه لدسما، ليلة يضل بها القطا، ولا يبصر فيها الوطواط الوطا، شحاذ أخاذ، وفي الصنعة نفاذ، وهو فيها أستاذ. فارقنا خشفاً وأتى جلفا أرب ساقه، لا نزاع شاقه، أبعد المشيب أخدع الآخرة خمارها طويل الحرب سجال: فيوماً غنم، ويوماً غرم. ومطل الغنى ظلم. كذب القميص لا ذنب للذيب في تلك الأكاذيب. من الكبائر طفيلي يدب، ومن النوادر ذباب ينب، إنما يجرب السيف على الكلب، لا على القلب. إذا رضيت أن أخدم ولا أخدم، فإن العبودية لا تعدم. الجواد لا يجزع من الآكاف جزعي من المخاطبة بالكاف.ما بي المكن لولا السكان، والله ما أرضى ولو صارت السماء أرضاً، ولا أريد ولو قطع الوريد. لا تكاد السباع تأتلف كما لا تكاد لبهائم تختلف. إن اللئيم لا يخلو من خلة خير، وكذلك الكريم لا يخلو من خلة ضير. عزيز على أن لا أسعد دون الرقعة بتلك البقعة. العبث بهن الحمار، من المخاطرات الكبار. ولو شئت للفظت وأفضت، ولو أردت لسردت وأوردت.
ملح وغرر
من شعره في كل فن
أنشدني لنفسه في ابن فريغون:
ألم تر أنِّي في نهضتي ... لقيت المنى والغنى والأميرا
ولما التقينا شممت التراب ... وكنت امراءاً لا أشمُّ العبيرا
لقيت امراءاً ملء عين الزما ... ن يعلو سحاباً ويرسو ثبيرا
لآل فريغون في المكرمات ... يدٌ أوّلاً واعتذار أخيرا
إذا ما حللت بمغناهم ... رأيت نعيماً وملكا كبيراً
وأنشدني من قصيدة في أبي عامر عدنان بن محمد الضبيّ:
ليل الصّبا ونهاره سكران ... حدثان لم يعركهما حدثان
يا زمفرةً لي لا يكاد أزيزها ... يسع الضلوع إليك يا همذان
قسما لقد فقد العراق بي امرءاً ... ليس تجود بردّه البلدان
يا دهر إنك لا محالة مزعجي ... عن خطتي ولكلِّ دهرٌ شان
فاعمد براحلتي هراة فإنها ... عدنٌ وإنّ رئيسها عدنان
وله من قصيدة في الأمير أبي على أولها:
على أن لا ريح العيس والقتبا ... وألبس البيد والظلماء واليلبا
ومنها:
حسبي الفلا مجلساً والبوم مطربةً ... والسّير يسكرني من مسِّه تعبا

(2/78)


وطفلة كقضيب البان منعطفاً ... إذا مشت وهلال الشهر منتقبا
تظلُّ تنثر من أجفانها درراً ... دوني وتنظم من أسنانها حببا
قالت وقد علقت ذيلي تودّعني ... والوجد يخنقها بالدمع منسكبا
لا درَّ درُّ المعالي لا يزال لها ... برقٌ يشوقك لا هوناً ولا كثبا
يا مشرعاً للمنى عذباً موارده ... بيناه مبتسم الأرجاء إذ نضبا
أطلعت لي قمراً سعداً منازله ... حتى إذا قلت يجلو ظلمتي غربا
كنت الشبيبة أبهى ما دجت درجت ... وكنت كالورد أذكى ما أتى ذهبا
ومنها:
أبى المقام بدار الذّل بي كرمٌ ... وهمّةٌ تصل التوحيد والخببا
وعزمةٌ لا تزال الدّهر ضاربةً ... دون الأمير وفوق المشترى طنبا
يا سيّد الأمراء فخر فلا ملكٌ ... إلاّ تمناك مولى واشتهاك أبا
وكاد يحكيك صوب الغيث منسكباً ... لو كان طلق الحميّا يمطر الذهبا
والدهر لو لم يخن والشمس لو نطقت ... والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا
ومن أخرى في أبي القاسم بن ناصر الدولة:
غُضِّي جفونك يا ريا ... ض فقد فتنت الحور غمزا
واقني حياءك يا ريا ... ح فقد كددت الغصن هزّا
وارفق بجفنك يا غما ... م فقد خدشت الورد وخزا
خلع الربيع على الرّبى ... وربوعها خزّاً وبزّا
ومطارفاً قد نقَّشت ... فيها يد الأمطار طرزا
أسر المطيَّ إلى المدا ... م على جنيِّ الورد جمزا
أو ما ترى الأقطار قد ... أخذت من الأمطار عزّا
أو ليس عجزاً أن يفو ... تك حسّها؟ أو ليس عجزا
حلّت عزاليها السما ... ء فعادت البيداء نزّا
وكأنّ أمطار الربي ... ع إلى ندى كفَّيك تُعزى
يا أيها الملك الذي ... بعساكر الآمال يُغزى
خلقت يداك على العدا ... سيفاً وللعافين كنزا
والمدح طلَّق ما عنا ... ك فإن عداك تجده كزَّا
لا زلت يا كنف الأمير لنا من الأحداث حرزا
ومن أخرى:
خرج الأمير ومن وراء ركابه ... غيري، وعزَّ عليَّ أن لم أخرج
أصبحت لا أدري أأدعو طغمتي ... أم بكتكينٌ أم أصيح ببزعج
وبقيت لا أدري أأركب أبرشي ... أم أدهمي أم أشهبي أم ديرجي
يا سيد الأمراء مالي خيمةٌ ... إلاّ السماء إلى ذراها ألتجي
كنفي بعيري إن ظعنت، ومفرشي ... كمّي، وجنح الليل مطرح هودجي
يا منحنون بحذف ثاني حرفه ... إن كنت فاعل ما أرى فتحرَّج
ومن أخرى في الرئيس أبي جعفر الميكالي:
اذهب الكأس فعرف الفجر قد كان يلوح
وهو للناس صباح ... ولذي الرأي صبوح
والذي يمرح بي في حلبة اللهو جموح
اسقينها والأماني ... لها عرفٌ يفوح
إن في الأيام أسرا ... راً بها سوف تبوح
لا يغرنَّك جسمٌ ... صادق الحسن وروح
إنّما نحن إلى الآ ... جال نغدو ونروح
ويك هذا العمر تفريحٌ وهذا الروح ريح
بينما أنت صحيح الجسم إذ أنت طريح
فاسقينها مثل ما يلفظه الديك الذبيح
هكذا الدنيا فسيحوا ... ووقعنا لا نصيح
إنّما الدهر عدوُّ ... ولمن أصغى نصيح
ولسان الدهر بالوعظ لواعيه فصيح
نستميح الدّهر والأيام منّا تستميح
ضاع ما نحميه من أنفسنا وهو يبيح
نحن لاهون وآجا ... ل المنى لا تستريح
يا غلام الكأس فاليأس من الناس مريح
أنا يا دهر بأبنا ... ئك شقَّ وسطيح
وبأبكار القوافي ... لا على كفءٍ شحيح
يا بني ميكال والجو ... د لعلاّتي مزيج
شرفاً إنّ مجال الفضل فيكم لفسيح

(2/79)


وعلى قدر الممدوح يأتيك المديح
فهناك الشرق الأر ... فع والطرف الطموح
والندى والخلق الطا ... هر والوجه الصبيح
ومن أخرى في غيره:
طرباً لقثد رقَّ الظلا ... م ورقّ أنفاس الصّباح
وسرى إلى القلب العليل عليل أنفاس الرياح
ومليحة ترنو بنر ... جسةٍ وتبسم عن أقاح
قامت وقد برد الحللي تميس في ثني الوشاح
تشدو وكلُّ غنائها ... بردٌ على كبد اقتراحي
يا ليل هل لك من صبا ... حٍ أم لنجمك من براح
سأريق ماء شبيبتي ... ما بين ريحانٍ وراح
فيم العتاب ولا لهم ... غيِّي ولا لهم صلاحي
وكعاذلاتي في الملي ... حة عاذلاتك في السماح
وهواي للبيض الصِّبا ... ح هواك للبيض الصِّفاح
وولوع كفّي بالقدا ... ح ولوع كفِّك بالرماح
وعليك إدمان الندى ... وعليَّ إدمان امتداحي
فليعل رأيك إنّه ... يلوي يد القدر المتاح
وافخر فإنك في الملو ... ك لك المعلّى في القداح
ومن أخرى:
قسماً لا ذعر الشَّيب عن اللّهو رتاعي
ويميناً لا تمثّلت له فقعاً بقاع
إنّما الدّهر الذي يصدقني حرُّ المصاع
كالني مدا وأجزيه من الحلم بصاع
واغنم الأيام ما ألفيتها خضر المراعي
لا تدع من لذة العيش عياناً لسماع
ومن أخرى في السلطان المعظم يمين الدولة وأمين الملة أطال الله بقاه:
تعالى الله ما شاء ... وزاد الله إيماني
أأفريدون في التاج ... أم الإسكندر الثاني
أم الرجعة قد عادت ... إلينا بسليمان
أظلّت شمس محمودٍ ... على أنجم سامان
وأمسى آل بهرام ... عبيداً لابن خاقان
إذا ما ركب الفيل ... لحربٍ أو لميدان
رأت عيناك سلطاناً ... على منكب شيطان
أمن واسطة الهند ... إلى ساحة جرجان
ومن قاصية السّند ... إلى أقصى خراسان
على مقتبل العمر ... وفي مفتتح الشان
لك السرج إذا شحّت ... على كاهل كيوان
يمين الدولة العقبى ... لبغداد وغمدان
وما يقعد بالمغر ... ب عن طاعتك اثنان
إذا شئت ففي أمنٍ ... وفي يمنٍ وإيمان
ومن أخرى أجاب بها عن قصيدة وردت عليه:
لعمر المعالي إن مطلبها سهل ... سوى أنها دارٌ وليس لها أهل
حنانيك من حر؟ِ ألمَّ بمشعرٍ ... هم الشاء رسلٌ إن أدرت ولا رسل
فحاول أن يستلّ بالشعر ما لهم ... وذلك ما لم يفعل اليد والفعل
شكا الجدَّ والأيام إذ لم تواته ... فلم يشك إلا ما شكى الناس من قبل
عزاءً فقي هذا السواد لنا نخل ... وصبراً ففي هذا القطيع لنا سخل
ألم تر أنّ الجود والمجد والعلى ... أمانيّ إن تحلم بها يجب الغسل
ألا لا يغرَّنَّك الحسين وجوده ... فترجو قوماً ليس في كأسهم فضل
فما كلُّ وقتٍ مثله أنت واجدٌ ... ولا كلُّ أرضٍ للحسين بها مثل
وما كلُّ جنسٍ تحته النوع داخلٌ ... ولا كلُّ ماأبصرت من شجرٍ نخل
ولن تفعل الأقوام مثل فعاله ... ولا سائر الذبان ما تفعل النحل
ومن أرجوزة عدنانية من الرجز:
يا آل عصمٍ أنتم أولو العصم ... لم توسموا إلاّ بنيران الكرم
لا ينزع الله سرابيل النعم ... عنكم فلا تخطوا بها دون الأمم
طابت مبانيكم وطبتم لا جرم ... يا سادة السيف وأرباب القلم
تهمي سجاياكم بعقيان ودم ... أنتم فصاحٌ ما خلا في لا ولم
الجار والعرض لديكم في حرم ... والمال للآمال نهبٌ مقتسم

(2/80)


أنتم أسود المجد لا أسد الأجم ... يا سيداً نيط له بيت القدم
بالعمد الأطول والفرع الأشم ... هل لك أن تعقد في بحر الشّيم
عارفةٌ تضرم ناراً في علم ... ويقصر الشكر عليها قل نعم
أمّا وإنعامك إنّه قسم ... وثغر مجدٍ عن معاليك ابتسم
إنّك في الناس كبرءٍ في سقم ... يا فرق ما بين الوجود والعدم
وبعد ما بين الموالي والخدم ... ما أحدٌ كهاشم وإن هشم
ولا امرؤ كحاتمٍ وإن حتم ... ليس الحدوث في المعالي كالقدم
ولا شباب النبت فيها كالهرم ... شتّان ما بين الدناني والقمم
وله من قصيدة في الشيخ الإمام أبي الطيب سهل بن محمد بن سليمان:
لسهلٍ في العلا غرر ... فهلاَّ عندكم لمح
وفيه من النّدى بدعٌ ... فهلاّ فيكم ملح
تضمَّن أمَّة رجلٌ ... وأودع عالماً شبح
فمن جاراه منقطعٌ ... ومن باراه مفتضح
وله من قصيدة في إسماعيل بن أحمد الدبراني وفيمن جمعه وإياهم الحبس من العمال:
قبحاً لهذا الزمان ما أربه ... في عملٍ لا يلوح لي سببه
ماذا عليه من الكرام فما ... تظهر إلا عليهم نوبه
ألم يجد في سواكم سعةً ... ممّن يسوّي برأسه ذنبه
لا يعرف الضيف أين منزله ... ولا يرى المجد أين منقلبه
مالي أر الحرّ ذاهباً دمه ... ولا أرى النذل ذاهباص ذهبه
أراحنا الله منك يا زمناً ... أرعن يصطاد صقره خربه
يا ساغباً جائع الجوارح لا ... يسكن إلاّ لفاضلٍ سغبه
يا ضرماً في الأنام متّقلداً ... والجود والمجد والنهى حطبه
يا خاطباً ساكتاً وليس سوى ... نعي فتىً أو فتوةٍ خطبه
يا صائداً والعلى فريسته ... وناهباً والجمال منتهبه
يا سادتي لا تلن عظامكم ... لعضّة الدّهر إن يهج كلبه
فالدّهر لونان لا يدوم على ... حالٍ سريعٌ بالناس مضطربه
أتى بشرِّ لم نرتقبه، كذا ... يأتي بخيرٍ وليس نحتسبه
وله من قصيدة في أبي نصر بن أبي زيد:
خلقت كما ترى صعب الثّقاف ... أردّ يد الخليفة في الخلاف
ولي جسدٌ كواحدة المثاني ... ولي كبدق كثالثة الأثافي
هلمَّ إلى نحيف الجسم منّي ... لتنظر كيف آثار النحاف
ألم تر أن طائشةً لظاها ... نتيجة هذه القضب الضعاف
صحبت الدهر قبل نبات فيه ... فلا تغررك خافية الغداف
نزلت من الزمان ومن بنيه ... على غصنين من شجر الخلاف
ولو شاء الزمان قرار جأشى ... لأسمعني نداء أخٍ مصافي
أبا نصرٍ نقصتك صاع قولى ... وصاع الفعل من نعماك وافي
متى يستطيع عدّ علاك لفظي ... متى ينحي على البحر اغترافي
وله من أخرى في خلف بن أحمد:
وليلٍ كذكراه كمعناه كاسمه ... كدين ابن عبادٍ كإدبار فائق
شققنا بأيدي العيس برد ظلامه ... وبتنا على وعدٍ من السير صادق
تزجّ بنا الأسفار في كلِّ شاهق ... وترمي بنا الآمال من كلِّ حالق
كأنَّ مطايانا شفارٌ كأنّما ... تمدُّ إليهنّ الفلا كفُّ سارق
كأنَّ نجوم الليل نظارةٌ لنا ... تعجّب من آمالنا والعوائق
كأنَّ نسيم الصبح فرصة آيس ... كأنّ سراب القيظ خجلة واثق
ومن أخرى:
سماء الدُّجى ما هذه الحدق النُّجل ... أصدر الدجى حالٌ وجيد الضحى عطل
لك الله من عزمٍ أجوب جيوبه ... كأنِّي في أجفان عين الدجى كحل
كأنّ الدّجى نقعٌ وفي الجو حومةٌ ... كواكبها جندٌ طوائرها رسل
كأنّ مطايانا سماء كأننّا ... نجومٌ على أقتابها برجنا الرحل

(2/81)


كأن السرى ساق كان الكرى كلا ... كأنها لها شرب كأن المنى نقلا
كأنّ الفلا نادٍ به الجنُّ فتيةٌ ... عليه الثرى فرشٌ حشيَّته الرّمل
كأنَّ أبانا أودع الملك الذي ... قصدناه كنزاً لم يسع روة مطل
ولمّا بلوناكم تلونا مديحكم ... فيا طيب ما نبلو ويا حسن ما نتلو
ويا ملكاً أدنى مناقبه العلى ... وأيسر ما فيه السماحة والبذل
هو البدر إلاّ أنّه البحر زاخراً ... سوى أنّه الضرغام لكنه الوبل
محاسن يبديها العيان كماترى ... وإن نحن حدَّثنا بها دفع العقل
ومن أحاجيه قوله في فص برحشاني:
أحاجيك أناجيك ... بما يهجس في صدري
بما يجمد من خمرٍ ... وما يخمد من جمر
بما يجمة من خمر ... وما يخمد من جمر
وما يورد معناه ... إذا قلت على أمري
ونجم كاد ذو الحاج ... ة في الليل به يسري
وحرفٍ من حروف النصب لولا خفَّة الظهر
أجب إن شئت بالنظم ... وإن شئت فبالنثر
الباب السادس
في ذكر
أبي الفتح البستي وسائر أهل بست
وسجستان وإيراد غررهم
أبو الفتح علي بن محمد الكاتب البستي
صاحب الطريقة الأنيقة في التجنيس الأنيس. البديع التأسيس، وكان يسميه المتشابه، ويأتي فيه بكل طريقة لطيفة، وقد كان يعجبني من شعره العجيب الصنعة البديع الصيغة قوله:
من كلِّ معنىً يكاد الميت يفهمه ... حُسناً ويعبده القرطاس والقلم
ما أراه فأرويه، وألحظه فأحفظه. أسأل الله بقاءه، حتى أرزق لقاءه. وأتمنى قربه كما تتمنى الجنة وإن لم يتقدم لها الرؤية، حتى وافقت الأمنية حكم القدر وطلع علي بنيسابور طلوع القمر. فزاد العين على الأثر،والاختبار على الخبر. ورأيته يغرف في الأدب من البحر، وكأنما يوحى إليه في النظم والنثر، مع ضربه في سائر العلوم بالسهم الفائز، وأخذه منها بالحظ الوافر، وجمعته وإياي لحمة الأوب التي هي أقوى من قربة النسب. فما زلت في قدماته الثلاث نيسابور بين سرور وأنس مقيم، من حسن معاشرته وطيب مذاكرته ومحاضرته، في جنة نعيم أجتني ثمر الغراب من فوائده، وأنظم العقود من فرائده.ولم يكن تغبني كتبه في غيبته، ولا أكاد أخلو من آثار وده، وكرم عهده.
ومن خبره أنه كان في عنفوان شبابه وأمره كاتب الباتيور، صاحب بست، فلما فتحها الأمير ناصر الدولة أبو منصور سبكتكين رضي الله تعالى عنه وأسفرت الوقعة بينه وبين باتيور عن استمرار الكشفة بباتيور أعيت أبا الفتح صحبته، وتخلف عنه، ودل الأمير عليه فاستحضره ومناه واعتمده لما كان قبل معتمداً له، إذ كان محتاجاً إلى مثله في آلته وكفايته، ومعرفته وهدايته، وحنكته ودرايته.

(2/82)


فحدثني أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي قال: حدثني أبو الفتح رحمه الله تعالى قال: لما استخدمني الأمير سبكتكين وأحلني محل الثقة الأمين، عنده في مهمات شأنه وأسرار ديوانه، وكان باتيور بعد حياً، وحسادي يلوون ألسنتهم بالقدح في والجرح لموضع الثقة بي ليّا، أشفقت لقرب العهد بالاختبار من أن يعلق بقلبه شيء من تلك الأقوال،ويقرطس عرض القبول بعض تلك النبال، فحضرته ذات يوم وقلت: إن همة مثلي من أرباب هذه الصناعة لا ترتقي إلى أكثر مما رآني الأمير أهلا له من اختصاصه واستخلاصه وتقريبه وترتيبه واختياره لمهمات أسراره، غير أن حدائة عهدي بخدمة من كنت به موسوماً واهتمام الأمير بنقض ما بقي من شغله يقتضيانني أن أستأذنه للاعتزال إلى بعض أطراف مملكته ريثما يستقر له هذا الأمر في نصابه، فيكون ما آتيه من هذه الخدمة أسلم من التهمة، وأقرب إلى السداد، وأبعد من كيد الحساد، فارتاح لما سمعه، وأوقعه من الإحماد موقعه، وأشار علي بناحية الرخج، وحكمني في أرضها أتبوأ منها حيث أشاء، إلى أن يأتيني الاستدعاء، فتوجهت نحوها فارغ البال، رافغ العيش والحال، سليم اللسان والقلم، بعيد القدم من مخاضات التهم، وكنت أدلجت ذات ليلة، وذلك في فصل الربيع، أؤم منزلا أمامي، فلما أصبحت نزلت فصليت وسبحت ودعوت وقمت للركوب ففتح ضياء الشروق طرفي على قرية ذات يمنة محفوفة بالخضرة. معمومة بالنور والزهر. وأمامها أرض كأنها قد فرشت ببساط من الزبرجد منضد بالدر والمرجان، مرصع بالعقيق والعقيان. ينساب بينها أنهار كبطون الحيات، في صفاء ماء الحياة، وقد فغمني من نسيم هوائها عرف المسك السحيق، بالعنبر العتيق. فاستطبت المكان، وتصورت منه الجنان، وفرعت إلى كتاب أدب كنت أستصحبه لأخذ الفال على المقام والارتحال، ففتحت أول سطر من الصفحة عن بيت شعر وهو:
وإذا انتهيت إلى السلا ... مة في مداك فلا تجاوز
فقلت: هذا والله الوحي الناطق، والفأل الصادق، وقد تقدمت بعطف ضبني إليها. وعشت ستة أشهر بها في أنعم عيش وأرخاه، وأهنأ شرب وأمراه. إلى أن اتاني كتاب الأمير في استدعائي إلى حضرت بتبجيل وتأميل، وترتيب وترحيل، فنهضت وحظيت بما حظيت منها إلى يومي هذا، فكان اختياره ذلك أحد ما استدل به ذلك الأمير على رأيه تدبيره ورزانته، ودرجه به إلى محله ومكانته، وصار من بعد ينظم بأقلامه، منثور الآثار عن حسامه، وينسج بعباراته. وشي فتوحه ومقاماته، وهلم جرا إلى زمان السلطان المعظم يمين الدولة وأمين الملة.
وقد كتب له عدة فتوح، قال في أحد كتبها: كتبت وقد هبت ريح النصرة من مهبها، والأرض مشرقة بنور ربها.
إلى أن زحزحه القضاء عن خدمته، ونبذه إلى ديار الترك عن غير قصده وإرادته، فانتقل بها إلى جوار ربه في سنة اربعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
؟؟ما أخرج من فصوله القصار ومن ألفاظه أمثاله

(2/83)


من أصلح فاسده، أرغم حاسده، من أطاع غضبه، أضاع أدبه. عادات السادات، سادات العادات، من سعادة جدِّك، وقوفك عند حدّك. أفحش الإضاعة الإذاعة، الخيبة تهتك الهيبة. الدعة رائد الضعة. من لم يكن لك نسيباً، فلا ترج منه نصيباً. الرشوة رشاء الحاجة. اشتغل عن لذاتك،بعمارة ذاتك. أجهل الناس من كان للإخوان مذلاً، وعلى السلطان مدلا. حبيبك لا يعيبك. الآثار ألسنة الأقدار، إذا بقي ما قاتك، فلا تأس على ما فاتك. الدنيا فناء الفناء. البشر عنوان الكرم، ربما كانت الفطنة فتنة، والمهنة محنة. من حسن أطرافه، حسن أوصافه من تبرَّج برُّه. تأرّج ذكره. من كان عبد الحق فهو حر، المراء يهدم المروءة. الفهم شعاع العقل. رضي المرء عن نفسه دليل تخلفه ونقصه. الحدة والندامة فرسا رهان، والجود والشجاعة شريكا عنان، والتواني والخيبة رضيعا لبان. الفكر رائد العقل. الجود وضع الموجود، بموضع الجود. نعم الشفيع إلى عدوك عقله، لا تغتر بصحة مزاجك في الهواء الوبيء، ولا تغتر بقوة بصرك في الظلمة الراكدة، إفراط التعاقل تثاقل الحدة تريك صورة الجهل. رب مقال لا تقال عثرته. حسن الأخلاق، أنفس الأعلاق، المرء من غرر الأيام في غرر ومن صفوها في كدر، أفضح الفضيحة عدم القريحة، الحلم مطية وطية لكل علو، يوشك أن يقصر من يغلو ويسفل من يعلو. كيف القرار، على الشرار، المنية تضحك من الأمنية. مسلك الحزن حزن، ضيق الصدر، من صغر القدر، أحصن الجنّة، لزوم السنُّة، الرد الهائل، خير من الوعد الحائل. الخلاف غلاف الشر، من كان رأيه صحيحاً، لم يكن بميسور البر شحيحاً، نعم العدة، طول المدة، عسى تحظى في غدك برغدك، زمام العمل بيد الأمل، البرايا أهداف البلايا. طلوع العقوق، أفول الحقوق.
حد العفاف، الرضى بالكفاف، لا ضمان على الزمان، من لزم السلم سلم. ليكن قرينك من يزينك. الخرق آفة الخلق. إفراط السخاوة رخاوة. ربما كانت العطية خطية. لا يعدم لصرعة، ذو السرعة. الفلسفة فلُّ السفه. لكل حادث حديث، وربما أغنت المداراة عن المباراة. البشر نور الإيجاب، ما كل خاطر بعاطر. البخل سوس السياسة. العفو يطمس الهفو. العقل جهبذ النقل، التبدل تبذل. العفيف يكفيه الطفيف، ثقل العفيف خفيف. لسان النصيح فصيح، التصلف ترجمان التخلف، كفى بالنهي ناهياً،بالهدى هادياً من تعطل تبطل. أدهى المصائب المعايب، ربما تشوّر من تهور. إفراط الدماثة غثاثة، إفراط الفخامة وخامة رب معبوط مغبوط إفراط التأنّي تواني. لا ضياع بين الصناعة والقناعة. الإنصاف أحسن الأوصاف. عليك بالحذر من الهذر، ربما تكون المنية هنية. معنى المعاشرة ترك المعاشرة، ما لخرق الرقيع مرقع. ربما تكون العناية جناية. من أفرط أورط. رب مورد هو مورط، ورب مصعد هو مهبط. قدر الأمين ثمين. من قصر أمله ظهر عمله، التضريب زند العداوة، الشكر جنَّة الفارس. والصبر جنة الملابس. ظل الجفاء يكسف شمس الصفاء، من لزم الأدب أمن العطب. قوتك قوَّبك. البيان علم العلم، ليكن إقدامك توكلا وإحجامك تأملا. إخوان هذا الزمان خوان، الناس عبيد الخواطر، الغيث لا يخلو من العيث. الحر نحل السكر إن أجناه المرء من برء شكدا، أجناه من سكره شهدا. إن لم يكن لنا مطمع في درك دركف فأعفنا من شرك شرك. لفلان طبع غير طيع، وقريحة غير قريحة، وخيم، وخيم، باع فلان الباسقات. واشترى الفاسقات.
فصل من كتاب له عن السلطان المعظم
إلى شمس المعالي في شأن الشيخين أبي نصر وأبي سعيد ابني الشيخ أبي بكر الإسماعيلي.
من علم الأمير شمس المعالي آدام الله عزه الكريم، فكأنما علة الغيث سجاما، والليث إقداما. وذلك لأن المكارم من خصائص معانيه، ونتائج مساعيه ومعاليه. غير أن العادة جارية بهز السيّف وإن كان ماضي الغرار. وقدح الزند لانتضاء ما فيه من الأنوار.

(2/84)


ومساق هذا القول إلى ذكر شيخينا أبي نصر وأبي سعيد ابني الشيخ أبي بكر الإسماعيلي أيدهما الله تعالى ورحم أباهما وإنهما غصنا دوحة شريفة، وفرعا نبعة صليبة، ولكلّ منها الفضائل التي سارت أخبارها، والمحاسن التي سألت أوضاحها. ولئن جرى منهما فيما تقدم زلل فقد يكبو الحليم، وينبو الحسام ومن عادته التصميم، ولو لم يكن هفو، لما عرف عفو. والكريم إذا قدر غفر وشكر الظفر، وأنا أسأل الأمير أن يمن عليّ فيهما بما يعيد جاههما، ويقيل عثرتهما، وينيل بغيتهما، إن شاء الله تبارك وتعالى.
وما أخرج
؟؟من ملحه في الغزل والخمر قال:
يا يوسف الحسن ليلي بعد فرقتكم ... يحكي سني يوسف طولاً وتعذيبا
والشأن في أننّي أرمى من اجلكم ... بمثل ما قد رمى إخوانك الذبيا
وله:
ومهفهف غنج الشمائل أزعجت ... قلبي محاسن وجهه إزعاجا
درت الطبيعة أن فاحم شعره ... ليل فأذكت وجنتيه سراجا
وله: ؟قالت وقد راودتها عن قبلةٍ اشفي بها قلباً كئيباً مغرما
لاقدِّم يداً من قبل أن تدني يداً ... ومبرَّة من قبل أن تدني فما
إن الغرام غرامة فمتى تكن ... بي مغرماً فلتحتمل بي مغرما
وله:
ومهفهف يسعى بكأس مدامةٍ ... والكأس فوه والرضاب مدامه
وإذا تثنَّى مائساً في مشيه ... فالسرو في ريح الشمال قوامه
وله:
أرأيت قد قال لي بدر الدجى ... لما رأى طرفي يديم سهودا
حتّام ترمقني بعيني ساهدٍ ... أقصر فلست حبيبك المفقودا
وله من الدمل:
وغزتغل كلّ من شبهّه ... بلالٍ أو ببدرٍ ظلمه
قال إ قبَّلت بالوهم فمه ... قد تعدّيت وأسرفت فمه
وله:
بأبي من أدار من خديه ... مثل ما قد أداره بيديه
قمر يقمر العقول بسحرٍ ... ماله مركز سوى عينيه
هو أغنى الأنام عنيّ ولكن ... أنا من أفقر الأنام إليه
وله:
يا غزالاً أراه ندَّ وصدَّا ... بعد ما كان للوصال تصدَّى
بيننا للرقيب سد فلا تجمع ذي الهوى مع السدِّ صدَّا
وله:
أوان أنت في هذا الأوان ... عن الراح المروَّق في الأواني
تعال إلى الصواني مترعاتٍ ... وأبرز نورهن من الصواني
؟وفكّ إسار لذّاتٍ عوانٍ ... ببكر من كؤوسك أو عوان
وله:
ربّ يومٍ للأنس فيه فراغ ... ولكأس السرور فيه مساغ
؟قد فرغنا له من البثِّ والشك ... وى وما للكؤس فيه فراغ
عند حرّ له قلائد في الأعناق من جوهر الأيادي تصاغ
بيننا للبخور غيم وللما ورد طيش وللغوالي رداغ
وله:
يومٌ له فضلٌ على الأيام ... مزج السحاب ضياءه بظلام
فالبرق يخفق مثل قلب هائمٍ ... والغيم يبكي مثل طرفٍ هامي
وكأن وجه الأرض خذُّ متيَّمٍ ... وصلت دموع سحابه بسجام
فاطلب لومك أربعاً هنَّ المنى ... وبهنَّ تصفو لذَّة الأيام
؟وجه الحبيب، ونظراً مستشرقاً ... ومغنيَّاً غرداً، وكأس مدام
وله في وصف الكتب والخط والبلاغة:
كتابك سيدي جلَّى همومي ... وجلَّ به اغتباطي وابتهاجي
كتاب في سرائره سرورٌ ... مناجيه من الأحزان ناجي
فكم معنى لطيفٍ ضمن لفظٍ ... هناك تزاوجا أيّ أزدواج
كراحٍ في زجاج بل كروحٍ ... سرت في جسم معتدل المزاج
وله:
بنفسي من أهدى إليّ كتابه ... فاهدى لي الدنيا مع الدين في درج
كتاب معانيه خلال سطوره ... لآلى في درج كواكب في برج
وله:
لما أتاني كتاب منك مبتسم ... عن كلّ برّ وفضل غير محدود
حكت معانيه في أثناء أسطره ... آثارك البيض في أحوالي السود
وله من نتفة:
إن سلّ أقلامه يوماً ليعملها ... أنساك كلّ كميّ هزّ عامله

(2/85)


وإن أمرّ على رق آنامله ... أقرّ بالرق كتّاب الأنام له
وله:
لم تر عيني مثله كاتباً ... لكلّ شيء شاء أو شاء
يبدع في الكتب وفي غيرها ... بدائعاً إن شاء إنشاء
وله:
ما إن سمعت بنوّار له ثمرّ ... في الوقت يمتع سمع المرء والبصرا
حتى أتاني كتاب منك مبتسم ... عن كلّ لفظ ومعنىً يشبه الدّررا
فكان لفظك من لالأئه زهراً ... وكان معناه في أثنائه ثمرا
تسابقا فأصاباً القصد في طلق ... لله من ثمر قد سابق الزهرا
وله:
بأبي كلامك أيها السحر ... النقيّ من العيوب
يجنيك من ثمر الكلام ... و يجتني ثمر القلوب
وله:
بأبي كلامك إنّي نظرت ... منه إلى صورة الفاتن
كلام تهشّ إليه النفوس ... و يلقي القلوب بلا آذن
بدا بالمعاني وتهذيبها ... فأبرزها بالوجوه الحسان
وقدّر ألفاظه بعد ذاك ... على ما اقتضته قدود المعاني
وله في أبي نصر بن أبي زيد:
له قلم غرب لا يكلّ ... إذا كان حدّ حسام يكل
فيوجز لكنه لا يخلّ ... ويطنب لكنه لا يمل
وكيف يملّ وتوفيق من ... أفاد العلوم عليه يمل
وله:
كتاب مولاي أوفى بي على أمل ... وصار في كلّ ناد قبلة القبل
فقلت لما تراءت لي محاسنه ... وبرّدت بغوادي صوبها عللي
أما المعاني فأجسام منعّمة ... و اللفظ أوشحة الديباج والحلل
وله:
إذا أحببت أن تحظى بسحر ... فلا تختر على لفظي وشعري
فأحسن من نظام الدّر نظمي ... وآنق من نثار الورد نثري
ومن ملحه في ؟؟الفقهيات وقوله:
عليك بمطبوخ النّبيذ فإنّه ... حلال إذا لم يخطف العقل والفهما
ودع قول من قد قال إنّ قليلة ... معين على الإسكار فاستويا حكماً
فليس لما دون النّصاب قضية النّصاب ... و إن كان النصاب به نماً
وله في معناه:
معاشر الناس أصحو قد نصحت لكم ... في الراح حكماً ملحياً غير ممقوت
قليل مستباح، والكثير حمىً ... كغرفة فرده من نهر طالوت
وله من قصيدة:
يا بديع الفضل لا فينا ولكن ... في كرام الناس خير الناس ناس
أنت عين الجود نصّاً وقياساً ... وبيان الفقه نصّ وقياس
وله من قصيدة:
زفّت إليك لنا عرائس أربع ... ففضضتها بالسمع وهي قصائد
فابعث إليّ مهورهنّ بأسرها ... إنّ النكاح بغير مهر فاسد
وله:
تخطب ودّي وليس كفواً ... لودّك المبدع النبيه
فهل نكاح بلا نكاف ... يجوز في مذهب الفقيه
وله من
؟؟الأدبيات
قال:
وبصير بمعاني الشعر ... والإعراب جدّاً
قال لي لما رآني ... طالباً مالاً ورفداً
إن مالي يا حبيبي ... لازم لا يتعدى
وله:
عذلت ولم أذنب ولم أرك جانياً ... و هذا الإنصاف الوزير خلاف
حذفت وغيري مثبت في مكانه ... كأنّي نون الجمع حين يضاف
وله:
إن عبد العزيز شيخ ... به يكشف الشبه
وترى للخليل فيه ... وأقرانه شبه
وهو لا شك شاهد ... أن إبريقنا شبه
وله:
أدرجت في أثناء نسيانكم ... حتّى كأنّي ألف الوصل
ومن أخرى:
أفدي الغزال الذي في النحو كلّمني ... مناظراً فاجتنيت الشهد من شفته
وأورد الحجج المقبول شاهدها ... محققاً ليريني فضل معرفته
ثم افترقنا على رأي رضيت به ... والرفع من صفتي والنصب من صفته
ومن ؟؟الطبيات والفلسفيات قال:
لا يغرنّك أنّني ليّن المسّ ... فغربي إذا انتضيت حسام

(2/86)


أنا كالورد فيه راحة قوم ... ثم فيه لآخرين زكام
وله:
وإنّي لأختصّ بعض الرجال ... وإن كان فدماً ثقيلاً عياماً
فإنّ الجبن على أنّه ... ثقيل وخيم يشّهي الطعاماً
وله من قصيدة:
فلا تكن عجلاً بالأمر تطلبه ... فليس يحمد بعد النضح بحران
وله من نتفة:
وقد يلبس المرء حزّ الثياب ... ومن دونها حالة مضنيه
كمن يكتسي خدّه حمرةً ... وعلّتها ورم في الرية
وله:
إن الجهول تضرّني أخلاقه ... ضرر السعال بمن به استسقاء
وله:
أقبل مشورة ناصح نفّاع ... و تلقّ ما يهدي بسمع واعي
لا تعتمد إلا رئيساً فاضلاً ... إن الكيان أطبّ للأوجاع
وله:
عذرتك يا إنسان إن كنت مغرماّ ... بعذر ومغرى بالتّحيل والنكث
وكيف ألوم المرء في خبث فعله ... وأول شيء قد غذاه دم الطمث
وله:
عدلّ قطوبك بالبشاشة يعتدل ... وزناهما فيمن يذلّ ويكرم
فالحرّ طلق ضاحك ولربّما ... تلقاه وهو العابس المتجهِّم
كالورد فيه عفوصة ومرارة ... وهو الذكيّ الناضر المتبسِّم
وله:
خف الله وأطلب هدى دينه ... وبعدهما فأطلب الفلسفة
لئلا يغرّك قوم رضوا ... من الدين بالزور والفلسفة
ودع عنك قوماً يعيدونها ... ففلسفة المرء فلّ السفه
وله من
؟؟النجوميات
قال:
قد غضّ من أملي أني أرى عملي ... أقوى من المشتري في أوّل الحمل
وأنني راحل عمّا أحاوله ... كأنّني أستر الحظّ من زحل
وله:
إذا غدا ملك باللهو مشتغلاً ... فاحكم على ملكه بالويل والحرب
أما ترى الشمس في الميزان هابطةّ ... لما غدا برج نجم اللهو والطرب
وله:
لا تعجبنّ لدهر ظلّ في صبب ... أشرافه وعلا في أوجه السّفل
ونقذ لأحكامه أنّي تقاربها ... فالمشتري السعد عال فوقه زحل
وله:
سل الله العظيم تسل جواداً ... أمنت على خزائنه النّفادا
وإن أدناك سلطان لفضل ... فلا تغفل ترقبك البعادا
فقد تدني الملوك لدى رضاها ... وتبعد حين تحتف احتفادا
كما المريخ في التثليث يعطي ... وفي التربيع يسلب ما أمادا
وله:
ألا فثقوا بي فإني كما ... تمدّحت فليمتحن من يجب
فلا كوكبي راجع في الوفا ... ولا برج قلبي بالمنقلب
وله:
لئن كسفونا بلا علة ... وفازت قداحهم بالظّفر
فقد يكسف المرء من دونه ... كما تكسف الشمس جرم القمر
وله:
شرف الوعد بوعد مثله ... مثله ما فيه زيغ وخلل
ودليل الصدق فيما قلته ... شرف المريخ في بيت زحل
وله:
قل للذي غرّته عزّة ملكه ... حتّى أخلّ بطاعة النصحاء
شرف الملوك بعلمهم وبرأيهم ... وكذاك أوج الشمس في الجوزاء
وله من نتفة:
وقد يفسد المرء بعد الصلاح ... فساد الأماكن والشرّ يعدي
كما السعد يقبل طبع النحوس ... إذا كان في موضع غير سعد
وله من الرجز:
ما أنس ظمأ بعذب بارد ... من بعد طول العهد بالموارد
إلاّ كأنسي بكتاب وارد ... من سيد محض النجار ماجد
كأنما استملاه من عطارد وله من نتفة:
طبعي كطبع المشتري ما فيه من ... شرب فهل من مشتر للمشتري
ومن أخرى:
يا من تولّى المشتري تدبيره ... حاشاك أن تنقاد للمريخ
ومن أخرى:
لا تفزعن من كلّ شيء مفزع ... ما كلّ تربيع البروج بضرئر
ومن أخرى:
أيّ عذر أن صام عنه ثنائي ... و أنا الدّهر منه في يوم فطر
وأتمّ الأشياء نوراّ وحسناً ... بكر شكر زفّت إلى صهر برّ

(2/87)


ما قران السعدي في الحوت أبهى ... منظراً من قران برّ وشكر
وله:
دعاني إلى بيته سّيد ... له الخلق شرف الأظرف
فلازمت بيتي ولا طفته ... بعذر هو الألطف الأطرف
عطارد نجمي ولا شك أن ... عطارد في بيته أظرف
وله:
يا معشر الكتاب لا تتعرضّوا ... لرياسة وتصاغروا وتخادموا
إنّ الكواكب كنّ في أشراقها ... إلا عطارد حين صوّر آدم
؟؟من شعره في المدح ومن ملح مدحه وما يتصل بها قال:
بسيف الدولة اتّسقت أمور ... رأيناها مبدّدة النّظام
سما وحمى بني سام وحام ... فليس كمثله سام وحام
وله:
يا من أعاد رميم الملك منشورا ... وضمّ بالرأي ملكاّ كان منثوراً
أنت الأمير وإن لم تؤت منشورا ... والأمر بعدك إن لم تؤتمن شورى
وله من نتفة:
وسائل الناس شتّى عند سادتهم ... ولي وسائلي آدابي وآمالي
فاسحب لبرّك أذيالاّ على أملي ... أسحب بشكؤك ما عمّرت أذيالي
ومن أخرى:
مدحتك فالتامت قلائد لم يفز ... بأمثالها الصيد الكرام الأعاظم
لأنك بحر والمعاني لآلىء ... فطبعي غوّاص وقولي ناظم
وقوله:
فرواؤه ملء العيون، وفضله ... ملء القلوب، وسيبه ملء اليد
ومن أخرى:
أقول لمن يعلِّمه المعالي ... ويذكره لذي حقٍّ ذماما
أراك تعلّم الصدر التزاماً ... لمن يهواه،والثغر ابتساما
ومن أخرى:
رعى الله دولة كافي الكفاة ... وبلَّغه كنه آماله
ولا زال إقبال هذا الزمان ... يقبِّل أطراف أقباله
ومن أخرى:
أفعاله غرر، أقواله سور ... أقلامه قضب، آراؤه شهب.
ومن أخرى:
كأنّ الغصون وقد أثقلت ... بما حملت من بديع الثمار
رقاب الأنام وقد أصبحت ... مثقّلة بالأيادي الكبار
ومن أخرى:
لا تعظمنّ عليك مدحة خادمٍ ... إيّاك يقصر عن مداك مديحه
فالظفر وهو أخسُّ أجزاء الفتى ... يشفي بحكِّ جسمه فيريحه
ومن أخرى:
فتىً جمع العلياء علماً وعفّةً ... وبأساً وجوداً لا يفيق فواقا
كما جمع التفاح حسناً ونضرةً ... ورائحةً محبوبةً ومذاقا
ومن أخرى:
شكوت إلى جوده خلّتي ... ورقّة حالي وتقصير قسمي
ففزّع من رقة الحال قلبي ... وأفرغ في قالب الرقّ جسمي
ومن أخرى في الأمير أبي نصر بن علي الميكالي:
جمع الله في الأمير أبي نصرٍ خصالاً تعلو بها الأقدار
راحةً ثرَّةً وصدراً فضاءً ... وذكاءً تبدو له الأسرار
خطّه روضة وألفاظه الأز ... هار يضحكن والمعاني ثمار
وله:
ولما رأيت الناس إلاّ أقلّهم ... وأطيب ما مجّوا من السكر أخبث
نشرت ثناءً عطَّر الأفق طيبه ... كذاك ثناء الحرّ ندٌّ مثلَّث
وألَّفت ألحاناً بشكرك لم يصب ... تناسبها زير ومثنى ومثلّث
وله:
يا سيد الأمراء يا من جوده ... أوفى على الغيث المطير إذا همى
الغيث يعطي باكيا متجهماً ... ونداك يعطي ضاحكاً متبسمّا
وله:
سقى الله امرأً إن كفُّ دارت ... صروف زماننا ممّا يليه
فلم أر مثله حرّاً تولّى ... فولّى ما يليه ما يليه
وله:
لا يسوءنّك إن برا ... ني دهر فلم يرش
أنت عش سالماً فإنّك إن عشت أنتعش
وله:
ملك يفيض على العفاة سجاله ... وعلى العداة بسطوه سجّيلا
وإذا حباك بغرّةٍ من ماله ... ثنَّى وأعقب غرَّةً تحجيلا
وله:
أبوك حوى العليا وأنت مبرِّز ... عليه إذا نازعته قصب المجد
وللخمر معنىً ليس في الكرم مثله ... وللنار نور ليس يوجد للزند

(2/88)


وخيرٌ من القول المقدّم فاعترف ... نتيجته، والنحل يكرم للشهد
وله:
لا تظنّن بي وبرّك حيٌّ ... أن شكري كشكر غيري موات
أنا أرض، وراحتاك سماء. ... والأيادي وبل وشكري نبات
ومن ؟؟الإخوانيات قال:
تحمَّل أخاك على ما به ... فما في استقامته مطمع
وأنّى له خلقٌ واحدٌ ... وفيه طبائعه الأربع
وله في مؤلف هذا الكتاب:
قلبي مقيم بنيسابور عند أخٍ ... ما مثل حين تستقري البلاد أخ
له صحائف أخلاقٍ مهذّبةٍ ... منها الحجى والعلى والظرف تنتسخ
وله فيه أيضاً:
أخ لي زكيّ النفس والأصل والفرع ... يحلّ محلّ العين منّي والسمع
تمسّكت منه إذ بلوت إحاءه ... على حالتي وضع النوائب والرفع
بأوعظ من عقل وآنس من هوى ... وأرفق من طبع وأنفع من شرع
وله فيه أيضاً:
إذا نسي الناس إخوانهم ... وخان الموّدة خوّانها
فعندي لإخواني الغائبين ... صحائف ذكرك عنوانها
وله في أبي النصر العتبي:
كلام لأبي النصر ... موفى واجب النحل
فما أدري جنى النحل ... أتاني أم جنى النحل
وكتب إلى بعض إخوانه:
لقاؤك يدني من المرتجى ... ويفتح باب الهوى المرتج
فأسرع إلينا ولا تبطئن ... فإنّا صيام إلى أن تجي
وكتب أيضاً:
عندي فديتك سادة أحرار ... و قلوبهم شوقاً إليك حرار
وشرابنا شرب العلوم، وروضنا ... نزه الحديث وثقلنا الأشعار
فامنن علينا بالبدار، فإنّما ... أعمار أوقات السرور قصار
وله من نتفة:
عرّج عليّ فما في رونقي رنق ... لمن أصافي، ولا في خلتي خلل
وله من أخرى:
ولا أصالح أنسي بعد فرقتكم ... حتى يصافح كفّ اللامس القمرا
ولا أملّ مدى الأيام ذكركم ... حتى يملّ نسيم الروضة السحرا
وله من المسرح:
إن لم تكن نيّتي مصوّرةً ... ولم تكن واثقاً بناجيتي
فسل ثنائي فإنّه علن ... تشهد على نيّتي علانيتي
وله:
قل للذي يرجو ثبات مودتي ... ودوام ما أعطيه من إخلاصي
أيدوم إخلاص بغير موّدة ... كلاّ ومنزلة سورة الإخلاص
وله:
فهمت كتابك يا سيدي ... فهمت ولا عجب أن أهيما
وذاك لأنّي تأملت منه ... درّاً نظيماً وبراً عظيماً
وصادفته صدفاً للعلوم ... ضمّن منها البديع اليتيما
فكم من كواكب تجلو البهيم ... وكم من مشارع يروين هيما
وكم روضة تستفيد الرياض ... منهن نوراً ونبتاً عميماً
وكم قد قراني لفظاً وسيماً ... عليه من الطبع حسن وسيماً
وله:
لا تحقرن أخاً وإن أبصرته ... لك جافياً ولما تحبّ منافياً
فالغصن يذبل ثم يصبح ناضراً ... والماء يكدر ثم يرجع صافياً
وله:
ذكّر أخاك إذا تناسى واجباً ... أو عن في آرائه تقصير
فالرأي يصدأ كالحسام لعارض ... يطرأ عليه وصقله التذكير
وله:
أتاني كتاب من أخ لي ماجد ... فأكرم به بين المواهب وافدا
وقلت لروحي كن له من جميع ما ... يخاف من الأيام أو يختشي فدا
وله:
كم من أخ قد هدمت أخلاقه ... من آخر ما قد نسى في الأوّل
نسي الوفاء وليست أنسى عهد ما ... شاهدت منه في الزمان الأطول
يرمي سهاماً إن أسرّ المقت لي ... بالكيد لا يقصدن غير المقتل
وله:
أرقت حتّى كأنّ عيني ... قد وهبت لي بلا جفون
ففاض في الخدماء عيني ... فحلته فاض من عيون
وذاك أنّ الزمان أفضى ... بي من سهول إلى حزون
وسامني البعد عن أناس ... هم فارقوني فأرقوني
وله:

(2/89)


بأبي من شفى فؤاداً عليلا ... بكلام حكى النسيم عليلا
زاد في طوله ارتياحاً إليه ... وغراماً به عريضاً طويلاً
كرضاب الحبيب يروي عليلا ... ثم ينشى إلى المزيد عليلا
وله:
فديتك قلّ الصديق الصدوق ... وقلّ الخليل الحظيّ الوفي
ولي رغبة فيك إن ما وفيت ... فهل راغب أنت في أن تفي
وله من باب
؟؟الشكوى والعتاب
قال:
عفا على هذا الزمان فإنّه ... زمان عقوق لا زمان حقوق
وكلّ رفيق فيه غير موافق ... وكلّ صديق فيه غير صدوق
وله:
رأيتك تكويني بميسم منّة ... كأنّك قد أصبحت علّة تكويني
وتلويني الحق الذي أنا أهله ... وتحرج في أمري إلى كلّ تلوين
فمهلاً ولا تمنن عليّ فبلغة ... من العيش تكفيني إلى يوم تكفيني
وله:
ومن عجب أنّي لغيرك شافع ... إليك، وبي فقر إلى ألف شافع
ولكنّ أحرار الزمان وإن جفوا ... فشيمتهم أن يسمحوا بالمنافع
وله:
يا من عقدت به الرجاء فلم يكن ... لي منه إرفاد ولا إيناس
إن كان قد جرح المطامع عفّتي ... فوراء ذاك الجرح جرح يأسو
وله:
لقاء أكثر من يلقاك أوزار ... فلا تبال أصدّوا عنك أو زاروا
لهم لديك إذا جاءوك أوطار ... فإن قضوها تنحّوا عنك أو طاروا
أخلاقهم فتجنبهنّ أوعار ... ووصلهم مأتم للمرء أو عار
وله:
لا تغبننّ ولا تخدعك بارقة ... من ذي خداع يرى بشراً والطافا
فلو قلبت جميع الناس قاطبةً ... وسرت في الأرض أوساطاً وأطرافا
لم تلف فيها صديقاً أبداً ... ولا أخاً يبذل الإنصاف إن صافى
وله:
أبا قاسم كم ظالم متعجرف ... نضالي حدّي سيفه وسنانه
فسلّمني الله الكريم بلطفه ... وصيّرني في لطفه وضمانه
ومنهم أبوك إنّ سلّ مصلتاً ... عليّ حسامي كيده ولسانه
فلما غلا في ظلمه وعتوّه ... وأشبه عيراً لجّ في نزوانه
صبرت على مكروهه فتكشّفت ... عواقبه عن عزتي وهوانه
فإن تتقيه أو صبرت فإنّما ... زمانك أيضاً منقض كزمانه
وله:
يا ذا الذي ركب الفساد وعنده ... أنّي أسود إذا ركبت فسادا
أضللت رأيك عامداً أو ساهياً ... من ذا الذي ركب الفساد فسادا
وله:
كتّاب بست كم نناجزكم على ... وزارة بست وهي سخنة عين
وخفّ حنين فوق ما تطلبونه ... فكم بينكم يا قوم حرب حنين
وله:
لله نيسابور من حلّة ... ما مثلها دار ولا حلّة
للخير والمير بها كثرة ... للشّر والضيرّ بها قلّة
فيها كرام سادة أجلّة ... سادوا على السادة والجلّة
ما عيبها إلاّ بعمالها ... فالبخل والمنع لهم ملّة
جفوا فما في طينهم للذي ... يعصره من بلّة و بلّة
فهذه أولى خطاب لهم ... وبعدها ما يهتك الكلّة
وله:
قلت لطرف الطبع لما ونى ... ولم يطع أمري ولا زجري
مالك لا تجري وأنت الذي ... تحوي مدى الغايات إذ تجري
فقال لي دعني ولا تؤذني ... حتى متى أجري بلا أجر
وله:
للناس في محن الزمان مراتب ... ولكلِّهم فيها نصيبٌ راتب
وكأنّ أوفرهم إذا استقريتهم ... منها نصيبا شاعرٌ أو كاتب
فأقلَّ عتبك والعتاب معاً فلم ... يسعد بإعتاب الزمان معاتب
وله:
جعلنا أجنبيين ... بلا جرمٍ ولا تبل
وأقصينا وما خنَّا ... وما زغنا عن العدل
فقل لي يا أخا السؤ ... د والهمّة والفضل
إلى كم نحن في ضيقٍ ... وفي عزلٍ وفي أزل
أما تنشط أن تملي ... على الكاتب أنتم لي
وله:

(2/90)


وجدت ما قد بعثت غثَّاً ... مستحقراً ليس بالثمين
فليت شعري قليت شعري ... فكان غثًّا بلا سمين
وله:
إذا ملكٌ لم يكن ذاهبه ... فدعه فدولته ذاهبه
وله:
إلى حتفي مشى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي
فكم أنقدُّ من ندمٍ ... وليس بنافعي ندمي
وله:
ألم تر ما ارتآه أبو عليًّ ... وكنت أراه ذا لبٍّ وكيس
عصى السلطان فابتدرت إليه ... جنودٌ يقلعون أبا قبيس
وصيّر طوس معقله فأمس ... عليه طوس أشأم من طويس
وله:
قل للذي غرّه عزُّ وساعده ... فيما يحاوله نقضٌ وإمرار
لا تفتخر بغنىً أمطيت كاهله ... فإن أصلك يا فخَّار فخّار
وله:
قل للوزير الكريم قولاً ... يغضُّ من ناظر الكريم
دارك لي جنةٌ ولكن ... بوابها مالك الجحيم
وله:
إلى الله أشكو اتصال الخطوب ... وصرف زمانٍ بلينا به
وقد كان يبسم عن ثغره ... فأصبح يكشر عن نابه
وله:
الدهر خداعٌ خلوب ... وصفوٌ بالقذى مشوب
وأكثر الناس فاعتزلهم ... قوالبٌ مالها قلوب
فلا تغرنَّك الليالي ... وبرقها الخلب الكذوب
ففي قفا أنسها كروب ... وفي حشى سلمها حروب
وله:
نحن والله في زمان سفيه ... يصفع النائبات من كأس فيه
فتشكَّل بشكله يكُ أحفى ... بك، إنّ السفيه صنو السفيه
وله:
الدهر سلمٌ لكلِّ نذلٍ ... لكنه للكريم حرب
فارث لذي حكمةٍ وإرب ... فحظهُّ غمّةٌ وكرب
همّته للسماك سمكٌ ... وخدّه للتراب ترب
وله:
إذا أحسست في لفظي فتوراً ... وخطّي والبلاغة والبيان
فلا ترتب بفهمي. إن رقصي ... على مقدار إيقاع الزمان
وله:
أراح الله قلبي من زمانٍ ... محت يده سروري بالإساءه
فإن حمد الكريم صباح يومٍ ... وأنّي ذاك لم يحمد مساءه
وله من باب ا ؟؟لذم والهجاء قال:
شيخ لنا يُقطعنا عرضه ... من قبل أن يُقطعنا ماله
أخيب خلق الله من خاله ... حرّاً ومن شام صدى خاله
وأكثر الفتيان بثّاً فتىً ... يبثّه معتفياً حاله
شيخٌ كثير المال لكنّه ... ملَّك ما يملك أقفاله
وكلَّ ما عنَّ له مشكلٌ ... وراح أن يوضح أشكاله
يبني على الفكرة أعماله ... وذاك في التحقيق أعمى له
فقيَّض الرحمن أفعى له ... تريه في الخلوة أفعاله
وله:
من مبلغ الأشرار عنِّي أنّني ... ما دام لي حسٌّ وعرقٌ ينبض
أقليهم طرّاً لأنّي ضدُّهم ... والضدُّ للضدِّ المنافر مبغض
فإذا رأوني مقبلاً فليعلموا ... أنّي بوجه الجدِّ عنهم معرض
وله:
إذا اتخذت أخاً فاسبر خلائقه ... فإن ذا الحزم والتدبير من سبرا
ولا تعول على شخصٍ له عم ... وصورةٌ ذات حسن تبهر القمرا
فكم فتىً راق منه ظاهرٌ حسنٌ ... وكان باطنه ضدّ الذي ظهرا
أعددته لصروف الدهر مدَّخراً ... فكان في السبك والتحقيق مدَّخرا
وله:
يا قوم أرعوني أسماعكم ... حتى أؤدي واجب الفرض
أشهد حقّاً أنَّ سلطانكم ... ليس بظلِّ الله في الأرض
وله:
لي صاحبٌ أحمقٌ هلباجه ... دعوته الكبرى بلا باجه
يقري الأخلاّء. ولكنّه ... يطبخ في خديه سكباجه
وله من لسريع:
قلت له لمّا وانقضى ... لا ردَّك الرحمن من هالك
أما وقد فارقتنا فانتقل ... من ملك الموت إلى مالك
وله:
لي جارٌ فيه حيره ... عرسه تلعن أيره
خلق الله إله الناس للغيرة غيره
وله:

(2/91)


في الناس من تجنيسه تجنيس ... أبداً كما تدريسه تدليس
ومن باب ؟؟الشيب والكبر قال:
دع دموعي تسيل سيلاً بدارا ... وضلوعي يصلين بالوجد نارا
قد أعاد الأسى نهاري ليلاً ... مذ أعاد المشيب ليلي نهارا
وفة:
سا شيبتي دومي ولا تترحلّي ... وتيقَّني أني بوصلك مولع
قد كنت أجزع من حلولك مرّةً ... فالآن من حذر ارتحالك أجزع
وله:
ما استقامت قناة رأيي إلاّ ... بعد ما قوّس المشيب قناتي
وله:
أرى المرء يرجو أن يطول بقاؤه ... ليدرك ما يرجو بطول بقائه
فأيَّة جدوى في البقاء وقد وهت ... قواه وأقوى قلبه من زكائه
إذا ما نبا حسٌّ وكلَّت بصيرةٌ ... فطول بقاء المرء طول شقائه
ومن باب ؟؟الأمثال والنوادر والحكم المواعظ وما يجري مجراها قال:
بين من يعطي ومن يأ ... خذ في التقدير عرض
فيد المعطي سماءٌ ... ويد الآخذ أرض
وعلى الآخذ أن يشكر إنَّ الشّكر فرض
وله:
كنت في نعمةٍ وظلِّ رخاء ... ونسيمٍ من النعيم رخاء
فاتبعت الهوى وخالفت رأيي ... واتباع الهوى وبيء الهواء
وله:
حبست ومن بعد الكسوف تبلُّجٌ ... تضيء به الآفاق للبدر والشمس
فلا تعتقد للحبس غمّاً ووحشة ... فأوَّل كون المرء في أضيق الحبس
وله:
أفد طبعك المكدود بالهم راحةً ... تجمّ وعلِّله بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته ذاك فليكن ... بمقدار ما تعطي الطعام من الملح
وله:
لا تنكرنَّ إذا أهديت نحوك من ... علومك الغرِّ أو آدابك النتفا
فقيِّم الباغ قد يهدى لمالكه ... برسم خدمته من باغه التحفا
وله:
لا تحسبنِّي إذا أوليتني نعماً ... أني أخو وهنٍ في الشكر أو كسل
فإننِّي نحل شكرٍ إن جنى ثمراً ... أجناك من قوله أحلى من العسل
وله:
لا درّ درُّ نوازل الأحداث ... نقلت أحبتنا إلى الأجداث
فغدت مآنسنا وهنَّ مقابرٌ ... وغدت مدائحنا وهنَّ مراثي
وله:
توقَّ خلافاً إن سمحت بموعدٍ ... لتسلم من هجو الورى وتعافى
فلو أثمر الصفصاف من بعد نوره ... وإيراقه ما لقَّبوه خلافا
وله:
من شاء عيشاً رخيّاً يستفيد به ... في دينه ثم في دنياه إقبالا
فلينظرنّ إلى من فوقه أدباً ... ولينظرنَّ إلى من دونه مالا
وله:
إن كنت تطلب ثروةً وغنىً ... فعليك بالإجمال في الطلب
فالرِّسل ليس يدرّ في العلب ... من غير إبساس ولا حلب
وله:
لا تحقر المرء إن رأيت به ... دمامةً أو رثاثة الحلل
فالنحل شيءٌ على ضؤولته ... يشتار منه الفتى جنى العسل
وله:
إذا ما اصطفيت امرءاً فليكن ... شريف النّجار زكي الحسب
فنذل الرجال كنذل النبات ... فلا للثمار ولا للحطب
وله:
رضيت بعيش كفافٍ حلال ... وبعت المدام بماءٍ زلال
فمن يك يحلو له ما يصيب ... حراماً فإنّ حلالي حلالي
وله:
دعني فلن أخلق ديباجتي ... ولست ابدي للورى حاجتي
عليّ أن ألزم بيتي وأن ... أرضى بما يحضر من باجتي
منزلي يحفظها منزلي ... وباجتي تحفظ ديباجتي
وله:
يا أيّها السائل عن مذهبي ... ليقتدي فيه بمنهاجي
منهاجي العدل وقمع الهوى ... فهل لمناجي من هاجي
وله:
يقولون ذكر المرء يحيا بنسله ... وليس له ذكرٌ إذا لم يكن نسل
فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي ... فإن فاتنا نسلٌ فإنّا بها نسلو
وله:
صحتك جامل الإخوان طرّاً ... على عذبٍ سقوه أو أجاج
ولا ترج الصفاء بغير مذقٍ ... فلا يخلو السراج من السناج
وله:

(2/92)


إذا ما هممت بكشف الظلم ... وحفظ الثغور وسدّ الثُّلم
فعوِّل على خلتين اثنتي ... ن خرق الحسام ورفق القلم
وله:
لا يعدم المرء كنّاً يستكنُّ به ... ومنعةً بين أهليه وأصحابه
ومن نأى عنهم قلَّت مهابته ... كالليث يحقر إمَّا غاب عن غابه
وله من الرجز:
ألذُّ من رشف رضاب الحور ... ومن رضاع درَّة السّرور
والبارد الزلال للمخمور ... رشف الثناء من فم الشكور
وله:
تأخَّرت عن قومٍ ولا غرو أنّني ... سأسبقهم بالجدّ والجدُّ معوان
ألست ترى العنوان يكتتب آخراً ... وأوَّل مقروء من الكتب عنوان
وله:
إذا حيوان كان طعمه ضدِّه ... توقّاه كالفأر الذي يتّقي الهرّا
ولا شك أن المرء طعمه دهره ... فما باله يا ويحه يأمن الدهرا
وله:
لايستخفنَّ الفتى بعدوِّه ... أبداً وإن كان العدوُّ ضئيلا
إن القذى يؤذى العيون قليله ... ولرّبما جرح البعوض الفيلا
وله:
أحرّك بالتذكير قوماً لعلَّه ... يفتِّح من أسماعهم شدَّه الوقر
وإن كان تحريكي يشقُّ عليهم ... فإنّ طنين الزير والبمّ بالنقر
وله:
لقد هنت من طول المقام ومن يقم ... طويلاً يهن من بعد ما كان مكرما
وطول جمام الماء في مستقرّه ... يغيِّره لوناً وريحاً ومطعما
وله:
لئن تنقلّت من دارٍ إلى دار ... وصرت بعد ثواءٍ رهن أسفار
فالحرّ حرٌّ عزيز النفس حيث ثوى ... والشمس في كلِّ برجٍ ذات أنوار
وله:
إذا تحدثت في قومٍ لتؤنسهم ... بما تحدّث من ماضٍ ومن آتي
فلا تعيدن حديثاً إنّ طبعهم ... موكَّل بمعاداة المعادات
وله:
إذا خذل المرء من نفسه ... فليس له من سواه نصير
وشرّ سلاحٍ يحامي به ... لسانٌ طويلٌ وباعٌ قصير
وله:
دعوني وأمري واختياري فإننّي ... عليمٌ بما أفري وأخلق من أمري
إذا مرَّ بي يومٌ ولم أصطنع يداً ... ولم أستفد علما فما هو من عمري
وله:
أشفق على الدرهم والعين ... تسلم من العينة والدَّين
فقوّة العين بإنسانها ... وقوَّة الإنسان بالعين
وله:
يا من يرجّى أن يعيش مسلَّماً ... جذلان لا يدهى بخطبٍ يحزن
أفرطت في شطط الأماني فاقتصد ... واعلم بأنّ من المنى ما يفتن
ليس الأمان من الزمان بممكنٍ ... ومن المحال وجود ما لا يمكن
معنى للزمان على الحقيقة كاسمه ... فعلام ترجو أنّه لا يزمن
وله:
وثقت بربي وفوضت أمري ... إليه وحسبي به من معين
فلا تبتئس لصروف الزمان ... ودعني فإنّ يقيني يقيني
؟؟أبو سليمان الخطابي
أحمد بن محمد بن إبراهيم
كان يشبه في عصرنا بأبي عبيد القاسم بن سلام في عصره علماً وأدباً وزهداً وورعاً وتدريسا وتأليفا، إلا أنه كان يقول شعراً حسناً وكان أبو عبيد مفحماً. ولأبي سليمان كتب من تأليفه وأشهرها وأسيرها كتاب في غريب لحديث وهو في غاية الحسن والبلاغة.
وأنشدني غير واحد له:
وما غمّة الإنسان في شقَّة النّوى ... ولكنّها والله في عدم الشكل
وإني غريبٌ بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي
وقد أخذ هذا المعنى عمر بن أبي عمر السجزي فقال:
وليس اغترابي في سجستان أنّني ... عدمت بها الإخوان والدار والأهلا
ولكننّي ما لي بها من مشاكلٍ ... وإنّ الغريب الفرد من يعدم الشكلا
وأنشدني أبو الفتح قال: أنشدني أبو سليمان لنفسه من البسيوع
شرُّ السباع العوادي دونه وزرٌ ... والناس شرّهم ما دونه وزر
كم معشرٍ سلموا لم يؤزهم سبعٌ ... وما نرى بشراً لم يؤذه بشر
وأنشدني له أيضاً:

(2/93)


ما دمت حيّاً فدار الناس كلَّهم ... فإنمّا أنت في دار المداراة
من يدرِ داري ومن لم يدرِ سوف يرى ... عمّا قليلٍ نديماً للندامات
وله:
لعمرك ما الحياةوإن حرصناعليهاغير ريحٍ مستعاره
وما للريح دائمةٌهبوب ... ولكن تارةً تجري وتاره
وله:
وقائل ورأىمن حجّتي عجباً: ... كم ذا التواري وأنت الدهر محجوب
فقلت: حلَّت نجوم العمر منذ بدا ... نجم المشيب ودين الله مطلوب
فلذت من رجلٍ بالاستتار عن ال ... أبصار إنَّ غريم الموت مرعوب
وله:
تغنَّم سكون الحادثات فإنّها ... وإن سكنت عمّا قليل تحرَّك
وبادر بأيام السلامة إنّها ... رهوٌ وهل للرهن عندك مترك
وله:
قل للذي ظلّ يلحاني ويعذلني ... لنائل فاته، والخير مأمول
لا تطلب السمن إلاّ عند ذي سمنٍ ... نال الولاية فالمعزول مهزول
وله:
قد جاء طوفان البلاء ولا أرى ... في الأرض ويحي للنجاة سفينه
فاصعد إلى وزر السماء فإن يكن ... يعيبك فابك لنفسك المسكينه
وله:
تسامح ولا تستوف حقّك كلَّه ... وابق فلم يستقص قطُّ كريم
ولا تغل في شيءٍ من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وله:
قد أولع الناس بالتلاقي ... والمرء صبُّ إلى هواه
وإنّما منهم صديقي ... من لا يراني ولا أراه
وله:
سلكت عقاباً في طريقي كأنّها ... صياصي ديوكٍ أو أكفّ عقاب
وما ذاك إلا إنَّ ذنباً أحاط بي ... كان عقابي في سلوك عقاب
وله:
إذا خلوت صفا ذهني وعارضني ... خواطرٌ كطراز البرق في الظّلم
وإن توالى صياح الناعقين على ... أذني عرتني منه حكلة العجم
؟؟أبو محمد شعبة بن عبد الملك البستي
سمعت أبا الفتح البستي يقول: لما أنشدني شعبة قوله:
فديت من زارني على حذرٍ ... من الأعادي وقلبه يجب
فلو خلعت الدّنيا عليه لما ... قضيت من حقه الذي يجب
استحسنته، وأنا إذ ذاك في زمان الصبا، فأخذت نفسي سلوك طريقته في المتشابه حتى قلت ما قلت: قال: وأنشدني أيضاً لنفسه من الامل:
إن كنت أزمعت الفراق فلا تدع ... نفسي تعاجلني بوشك فراق
واصل بكتبك ميتّاً يحييه ما ... يلقاه فيها من غداة تلاقي
وأنشدني غيره له:
نفسي الفداء لمن لم أخل مذ علقت ... نفسي بذكراه من حسنٍ وإحسان
ما إن تزال أياديه تواصلنيكأنّهوأنا أهواهيهواني
وله:
لكلٍّ من بني الدنيا مرادٌ ... ومالي غير وصلك من إراده
فلو شاهدت قلبي لم تجده ... تضمَّن غير حبِّك والشهاده
أخذه من قول القائل:
لو شقَّ قلبي لرأوا بينه ... حبّك والتوحيد في سطر
وله:
ضقت ذرعاً بذلتي واغترابي ... وفراق الإخوان والأحباب
جاوز الدّهر حدّه في اهتضامي ... وكأن الزمان يهوى عذابي
لايني في حشاي مسموم ناب ... للّيالي وفي فمي كأس صاب
زمنٌ جائرٌ وجدٌّ عثور ... وأسىً لازمٌ وزندٌ كابي
؟؟أبو بكر النحوي البستي
له شعر كثير، لا يحضرني الآن منه إلا قوله لأبي بكر الخوارزمي، وكان هجاه بقوله:
نحويكم في حمقه معرفةٌ لا نكره
ذو لحيةٍ مبسوطةٍ وفطنةٍ مختصره وغير ذلك، فقال:
وعاوٍ عوى منأهل خوارزم خيفةً ... كذا الكلب عند الخوف مجتهداً يعوي
تعاظم فعلي أهل ودِّي أن رأوا ... سكوتي وهجري هجو من دأبه هجوي
فقلت: اسكتوا فالهجو نجوٌ وإننّي ... حلفت بأن لا أغسل النّجو بالنجو
؟؟الخليل بن أحمد السجزي
كان أحد الأئمة في فقه الحنفية، ومن شعراء الفقهاء، وتقلد القضاء لآل سامان بسجستان وغيرها سنين كثيرة، وهو القائل لأبي جعفر صاحب سجستان في تهنئة بقصر بناه:

(2/94)


شيدت قصراً عالياً مشرفاً ... بطائريّ سعدٍ ومسعود
كلأنّما يرفع بنيانه ... جنُّ سليمان بن داود
لا زلت فيه باقياً ناعماً ... على اختلاف البيض والسود
وكان مكتوباً في صدر الإيوان الذي فيه:
من سرّه أن يرى الفردوس عاجلةً ... فلينظر اليوم في بنينان إيواني
أو سرَّه أن يرى رضوان عن كثبٍ ... بملء عينيه فلينظر إلى الباني
ولما قتل أبو جعفر أمر الخليل أن يكتب تحتهما من قبله:
لو كانت الدار فردوساً وساكنها ... رضوان لم يبل فيها جسم رضوان
الموت أسرع في هذا فأهلكه ... والدهر أسرع في تخريب إيوان
وأنشد الخليل قول التنوخي القاضي:
خذ الفلس من كفِّ اللئيم فإنَّه ... أعزُّ عليه من حشاشة نفسه
ولا تحتشم ما عشت من كل سفلةٍ ... فليس له قدر بمقدار فلسه
فعارضه بقوله:
صن لنفس عن ذلِّ السؤال ونحسه ... فأحسن أحوال الفتى صون نفسه
ولا تتعرّض للّئيم فإنَّه ... أذلُّ لديه الحرّ من شطر فلسة
وكتب إليه أبو القاسم السجزي الذي تقدم ذكره يستفتيه:
هاك سؤالاً ففيه شرق ... هات فأحضر له الجوابا
هل في اصطبار لذي اشتياقٍ ... على فراق ترى ثوابا
فأجابه بهذين البيتين:
أحضرت عن قولك الجوابا ... أتلو ببرهانه الكتابا
الله وفّى الصبور أجراً ... يفوت في فضله الحسابا
وكتب إليه مرة أخرى يكنى عن القبلة:
إمام الورى هل للفتى في اشتياره ... من الأرى ما يبقِّي حشاشته وزر
فأجابه بهذا البيت:
أرى الأرى في حكم الشريعة شورةً ... مباحاً لمن كان قد كان في ملكه الدبر
؟؟أبو زهير بن قابوس السجزي القاضي
من شعره من قوله:
نظرت إلى رأسي فقالت ما له ... قد ضمّ فوديه قناع أدكن
يا هذه لولا النجوم وحسنها ... لم تألف الليل البهيم الأعين
فتضاحكت عجباً وقالت يا فتى ... نقصان عقلك في قياسك بيِّن
الليل يحسن بالنجوم وإنّما ... ليل الشباب بلا نجوم أحسن
ولم:
إذا المرء لم يركب الأشقرا ... ولم يصد الشادن الأحورا
ولم يتمتَّع بطيب الطعام ... ولين اللّباس وقد أيسرا
فقد عدم الرّبع من عمره ... وقد حصد المتجر الأخسرا
؟؟أبو القاسم محمد بن محمد
بن جبير السجزي
كاتب الأمير خلف، والآخذ من النثر والنظم بطرفيهما، وله شعر كثير وقع إلي بخطه فلم أستصلح منه لكتابي هذا غير مقطوعات سلك فيها طريقة أبي الفتح وضرب فيها على قالبه، فمنها قوله:
بأبي غلام لست غير غلامه ... مذ جاد لي بسلامه وكلامه
ذو حاجب ما إن رأيت كنونه ... أبداً، وصدغ ما رأيت كلامه
وقوله:
وحديقةٍ صبَّحتها في فتيةٍ ... كحديقةٍ، والطير في أوكارها
كم ماجنٍ فينا وكم متعفّفٍ ... قد صار يمجن طائعاً أوكارها
وقوله:
أرى الدهر ينسي ذنوب الرجال ... ويذكر ذنبي وذنبي كمالي
يرمون شأوي، وما إن لهم ... من الفضل قول وفعل كمالي
فأموالهم قد تصان كعرضي ... وأعراضهم تستباح كمالي
وقوله:
يا ماكراً بي وبخلاَّنه ... مهلاً فما المكر من المكرمات
عليك بالصحبة فهي التي ... تحيا فتحييك إذا المكرمات
؟؟أبو العباس أحمد بن إسحاق الجرمقي
كاتب فيلسوف مهندس شاعر، من كتاب الأمير خلف، وتنقلت به الأحوال والأسفار بعده، فوقع إلى نيسابور في عوده إلى بلاده، ومن مشهور شعره قوله:
رحلت وذاهب عقلي ورأيي ... لبعدك بادٍ ودانٍ ورائي
أسير أسير الهوى سادراً ... فعزمي أمامي ورأيي ورائي
وقوله مع الإشارة:
أنا من لست أعرف لي سواه ... من الأقوام ركناً أو ملاذا

(2/95)


أحبُّك حبَّ صبَّ مستهامٍ ... وفي است أمِّ الذي يقليك هذا
وكتب لي بإسفرائين من شعره، فمن قوله من قصيدة في أبي الفتح بشر بن علي، أولها:
غيري يطلُّ الدموع في الطلل ... مولّهاً بالغزال والغزل
كنت عزوفاً عن الملاعب في ... غدوة عمري فكيف في الطفل
ولم يكن لي من الهوى نهل ... فكيف تسمو نفسي إلى علل
ولم أقبّل زهواً يدي ملك ... فأين لعس الشفاه من قبلي
ومنها:
يا عاذلي في قصور حظي قد ترى ... اجتهادي فاكفف عن العذل
إن فلّ مالي فذاك من قبل الأقدار ... مّا اعتبرت لا قبلي
ومنها:
ويلزم اللوم في الخصاصة لو ... كانت تنال الحظوظ بالحيل
لو كان يسمو بفضله أحد ... لما تأخّرت عن مدى زحل
ومنها:
إن زال ما كنت فيه من عملٍ ... فإنّ ما كان فيَّ لم يزل
وإنّني بعد من معاودة ال ... إقبال لي آنفاً على أمل
بيمن جدّ الأستاذ مولاي بشر بن علي بن يوسف بن علي
؟؟أبو الحسن عمر بن أبي عمر
السجزي النوقاني
أديب شاعر فقيه، من حسنات سجستان، وله غير رحلة واحدة إل خراسان والعراق في طلب الأدب والعلم. وكان أقام على حضرة الصاحب برهة يستفيد من مجالسها ويقتبس من محاسنها وحين استأذنه لمعاودة بلده والتمس الكتاب بالوصاة به. وقع على ظهر رقعته: كنا نؤثر - أطال الله تعالى بقاك! - ألن تقيم ولا تريم، فقد جمعت من آلات الفضل ما يقتضي اصطناعك في خواص الأصحاب: العقل صحيح الطابع، والدين سليم الباطن، والعلم غزير المشرع،والطبع فياض المورد، سلسال المكرع، وأما الشعر فرحيب المباءة مشرق المطلع، كثير البديع، واسع الخط، يترقرق فيه ماء القبول. قد صينت جزالته عن صلابة القسوة، وسلاسته عن رقة الركة، وعمدتا الأدب النحو واللغة، ولك ي كل منهما قدح يجول، حتى يجلب إليك أعشار الجزول، وقد استفدت بحمد الله من علم الكلام ما يدعى كفاية المتحقق إن لم يكن مذخورة المتلهف، ولولا ما وراءك من فرض لا يستحل صدك عن أدائه، ثم إن لسانك رهينة عندنا على إيابك، لطال تشبث من لدينا من إخوانك بعطفي مقامك، ففي دعة الله وحفظه وبركته وعونه، ومن يقرأ هذا الجواب وخطي عليه مهيمن ولفظي به شاهد يستغنى به عن لقائه بكتاب فاجعله عصرة المبين وعمدة اليقين.
ومن ملح شعره قوله:
يا ويح قلبي لا يزال يروعه ... ممّن يعزُّ عليه وشك فراق
تتقاذف البلدان بي فكأننّي ... ولِّيت أمر مساحة الآفاق
وقوله:
أبت نفسي الدنيا فأنفس مالها ... كتابٌ أبى إلاّ إليه سكونها
أصون كتابي عن يدٍ لا تصونه ... صيانة نفسي عن أخٍ لا يصونها
وقوله:
غلا الشعر في بغداد من بعد رخصه ... وإنّي في الحالين بالله واثق
فلست أخاف الضيق والله واسعٌ ... غناه، ولا الحرمان والله رازق
وقوله:
الفقر والإفلاس والضرُّ ... ثلاثةٌ أيسرها مرُّ
أحسن بالحرُّ على قبحها ... من جدَّةٍ ذلَّ لها الحرُّ
وقوله:
إذا بخلت ببرى ... ولم أنل منك رفدا
فأنت مثلي عبدٌ ... وفيم أخدم عبدا
ووله:
إن الدماميل برَّحت بي ... وأقعدتني عن التحرُّك
أزحف مهما أردت مشياً ... وإن أردت القعود أبرك
وقوله:
وإني لأعرف كيف الحقوق ... وكيف يبرُّ الصديق الصديق
ورحب فؤاد الفتى محنةٌ ... عليه إذا كان في المال ضيق
وقوله من نتفة:
يعزّ عليَّ إنفاقي شبابي ... على حرقِ الهوى والإغترابِ
ولاح بعارضي كافور شيبٍ ... يكابرني على مسكِ الشبابِ
وقوله:
لعمرك إن العمر ما لا يسرّني ... لموت. وبعض الموت خيرٌ من العمر
وإنّ غنىً لا يأمن الفقر ربُّه ... لفقر. وخوف الفقر شرُّ من الفقر
وله من قصيدة في الأمير خلف:
لك الدنيا ومن فيها ولكن ... تلاحظها بعينيك احتقارا

(2/96)


تكبَّر ذا الزمان على بنيه ... فعش حتى تعلِّمه الصغارا
وصار صغارهم فيه كباراً ... فدم حتى تردّهم صغارا
خدمت لك الملوك أروض نفسي ... لآمن تحت خدمتك العثارا
ولو كانت لك الدنيا جعلنا ... لك الدنيا وما فيها نثارا
الباب السابع
في تفارق من ملح أهل بلاد خراسان
سوى نيسابور وغررهم
؟؟أبو القاسم الداودي
هو اليوم صدر أهل الفضل، وفرد أعيان الأدب والعلم بهراة، يضرب في المحاسن بالقدح المعلى، ويسمو منها إلى الشرف الأعلى، وأخباره في الكرم مذكورة، ومآثره في الرياسة مأثورة.
وهو القائل وكتب به إلى صديق له من الغرباء أنفذ إليه مبرة:
ربمّا قصَّر الصديق المقلُّ ... عن حقوق بهنَّ لا يستقلُّ
ولئن قلَّ نائلٌ فصفاءٌ ... في ودادٍ ومنَّةٌ لا تقلُّ
أرخ ستراً على حقارة برّي ... هتك ستر الصديق ليس يحلُّ
وأنشدني يحيى بن علي البخاري لأبي القاسم:
قالوا ترفَّق في الأمور فإنّه ... يجدي ويمري الدُّر بالإبساس
ولقد رفقت فما حظيت بطائلٍ ... ما ينفع الإبساس بالأتياس
وأنشدني غيره له، ويجوز أن يكون تمثل به:
وإذا الذئاب استنعجت لك مرَّةً ... فحذار منها أن تعود ذئابا
فالذئب أخبث ما يكون إذا بدا ... متلِّبساً بين النعاج إهابا
أبو محمد عبد الله بن محمد بن يحيى
؟؟الداودي الهروي الفقيه
أنشدني له أبو سعد نصر بن يعقوب في التفاح المنقط:
ناولتني تفّاحةً وسمتها ... دائرات بحسن نقطٍ عجيب
كدموعي ممزوجةٌ بدماءٍ ... قاطراتٍ في صحن خدِّ حبيبي
وله في السفرجل:
غصون السفرجل ملتفَّةٌ ... فمعتدل القدِّ أو منثنى
وقد لاح في زئبرٍ شاملٍ ... كصفراء في معجرٍ أدكن
وله:
أما شاقتك روضةٍ دستجرد ... كعقدٍ أو كوي أو كبرد
تطير فراشها بيضاً وحمراً ... كريحٍ طيَّرت أوراق ورد
؟؟أبو الحسن المزني
هو أشهر بالشرف والمجد، وذكره أسير في الأدب والفضل، من أن ينبه على محله في الوجاهة والسيادة والرياسة والوزارة، وله شعر كثير لم يعلق بحفظي منه إلا بيت واحد قاله في الأمير أبي الحسن بن سيمجور، وهو هذا البيت:
ولو أر ظلماً مثل ظلمٍ يمسنُّا ... يساء إلينا ثم نؤخذ بالشكر
؟؟أبو سعد أحمد بن محمد بن ملة الهروي
أحد بلغاء خراسان المذكورين، وفضلائها المشهورين، وعقلائها الموصوفين، وكان في آخر عمره مرتبطاً بالحضرة السامانية في جملة المشايخ الذين يشاورون في الأمور ويستضاء بآرائهم في ظلم الخطوب، وكان متبحراً في النثر، مقلاً من قول الشعر، وهو القائل:
وكان الصديق يزور الصديق ... لشرب المدام وعزف القيان
فصار الصديق يزور الصديق ... لبثِّ الهموم وشكوى الزمان
وله في نفسه من لطويل:
له هممٌ ما إن تزال سوفها ... قواطع لو كانت لهنَّ مقاطع
؟؟أبو روح ظفر بن عبد الله الهروي
فاضل بحقه وصدقه، كاتب شاعر فقيه ملء ثوبه، ممدوح بألسنة الفضلاء من أهل عصره، وفيه يقول أبو الفتح:
أبو روحٍ أدام الله عزَّه ... ألذُّ إذا انبرى للخصم عزَّه
وذاك لأنه هجر الملاهي ... فصار كثيِّراً والعلم عزَّه
وله أيضاً:
قل لذي العزّ والمحل النبيه ... لأبي روحٍ الفقيه الوجيه
من دعاء إخوانه فتباطى ... لا لعذرٍ عنهم ففيه وفيه
وولى قضاء عدة من بلاد خراسان، وشعره كثير مدون، يجمع الجزالة والسهولة، والمتانة والعذوبة، ويخرج منه الفقر والغرر، كقوله من قصيدة:
السيف يعلم أنّ لي في حدِّه ... سرّاً نهاه الدهر عن إفشائه
والدهر يعلم أن لي في صدره ... ناراً مضرَّمة على أحشائه
هممٌ مؤرّقةٌ جفوني كلّما ... أرخى الظلام عليَّ ذيل خبائه
ولو أن أطراف الرماح وفين لي ... لأخذت حقَّ الدهر من أبنائه

(2/97)


همم النفوس منوطةٌ بعنائها ... والمرء يخدعه لسان رجائه
وقوله ولم يسبق إليه في مدح الطفيلي:
إنّ الطفيلي له حرمة ... زادت على حرمة ندماني
لأنّه جاء ولم أدعه ... فليأتها القاصي مع الداني
أحبب بمن أنساه لا عن قلىً ... وهو يجيني ليس ينساني
وقوله وهو في نهاية الملاحة:
يا من تذكِّرني شمائله ... ريح الشمال تنفَّست سحرا
وإذا امتطى قلماً أنامله ... سحر العيون به وما سحرا
وقوله لبعض أضداده:
حقيق بك أن تطعم عفصاً وهو معكوس
وأن يلبس جنباك الذي مقلوبه طوس
فهذا لك مطعوم وهذا لك ملبوس
؟؟منصور بن الحاكم أبي منصور الهروي
قد حسن الله شمائلهن وكثر فضائله من أعيان هراة، وآحادها، ومفاخرها وأفرادها، وشعره مدون كثير الملح، كقوله:
يوم دجنٍ هواؤه ... فاختيُّ رواؤه
مطرتنا مسرةً ... حين صابت سماؤه
أشبه الماء راحةً ... وحكى الراح ماؤه
داو بالقهوة الخما ... ر ففيها دواؤه
لا تعاتب زماننا ... إن عرانا جفاؤه
شدَّة الدّهر تنقصي ... ثم يأتي رخاؤه
كدر العيش للفتى ... يقتفيه صفاؤه
وكذا الماء يسبق ... الصفو منه جفاؤه
وقوله:
معتّقة أرقُّ من التصابي ... من وصلٍ أتى بعد التنائي
يطوف بها قضيب في كثيبٍ ... تطلع فوقه بدر السماء
لواحظه تبثُّ السحر فينا ... وفي شفتيه أسباب الشفاء
وله:
قرن الزمن إلى البنفسج نرجساً ... متبّرجاً في حلَّة الإعجاب
كخدود عشّاقٍ بدت ملطومةً ... نظرت إليها أعين الأحباب
وله:
وأغيد ساحر الألحاظ أدعج ... يتيه به على الخدِّ المضرَّج
أضاف إلى فؤداي السقم لمَّا ... أضاف إلى شقائقه البنفسج
وله:
قم يا غلام فهاتها حمراء ... كالنار يورث شربها السراء
فاليوم قد نشر الهواء بأرضنا ... من ثلجه ديباجةً بيضاء
وله:
خشف من الترك مثل البدر طلعته ... تحوز ضدَّين من ليلٍ وإضاح
كأنَّ عينيه والتفتير كحلهما ... آثار ظفرٍبدت في صحن تفاح
وله:
الله جار عصابةٍ رحلوا ... عنّي وقلب الصبِّ عندهم
ما الشأن ويلك في رحيلهم ... الشأن أنّي عشت بعدهم
وقوله في المرآة من الراجز:
زاهية تشبه كل صوره ... أسرارها مستورة مشهورة
تنمُّ إلاّ أنَّها معذوره ... نفس أخي الحسن بها مسروره
وله:
روضة غضّة علاها ضباب ... قد تجلّت خلالها الأنوار
فهي تحكي مجامراً مذكياتٍ ... قد علاها من البخور بخار
وله:
أبا عبد الإله العلم روح ... وجدتك دون كلِّ الناس شخصه
لذلك كلُّ أهلالفضل أمسوا ... كحلقة خاتمٍ وغدوت فصَّه
وله من الراجز:
وشادنٍ في الحسن فوق المثل ... أبصر منّي بوجوه العمل
قبَّلت كفّيه فقال انتقل ... إلى فمي فهو محلُّ القبل
وله:
بقيت مدى الزمان أبا عليٍّ ... رفيع الشأن ذا جدٍّ عليِّ
لأنت من الكارم والمعالي ... بمنزلة الوصيِّ من النبيِّ
وله:
يا أيُّها العاذل المردود حجّته ... أقصر فعذري قد أبدته طلعته
ماذا بقلبي من بدرٍ بليت به ... للّيث أخلاقه، والخشف خلقته
؟؟أبو أحمد الساوي الهروي
قال:
هراة ارض خصبها واسع ... ونبتها اللَّفاح والنرجس
ما أحد منها إلى غيرها ... يخرج إلا بعد ما يفلس
؟؟أبو الربيع البلخي
من المتصرفين على أعمال المظالم من الحضرة السامانية، وهو القائل في الشاش:
الشاش في الصيف جنَّه ... ومن أذى الحر جنه

(2/98)


لكنّه يعتريني ... بها لدى البرد جنَّه
وله:
ما يوم منكوبٍ حزين مستهام القلب خائف
بأمد من يوم الظّريف إذا تجوَّع للقطائف
وإنما نسج فيه على منوال من قال:
ما ليلة المهجوِّ با ... عدت النّوى عنه أنيسه
أو ليلة الملسوع حا ... ذر ميتة النفس النفيسه
بأمدَّ من ليل الظريف إذا تجوّع للهريسه
؟؟أبو المظفر البلخي
من شعره قوله:
بلوتك يا دنيا مراراً كثيرةً ... فلم ترعيني في هواك قريره
فإن كنت في عين اللئيم خطيرةً ... فإنّك في عين الكريم حقيره
وإن تصرفي عنّي أذاك فخيرة ... وإن تصرفي نحوي أذاك فحيره
وله:
قال الحكيم الفارسيّ ... بزرجمهر ثمّ مزدك
لا ترضينّ من الصديق ... بكيف أنت ومرحباً بك
حتّى تجرِّب ما لديه ... لحاجةٍ إمّا بدت لك
فإذا وجدت فعاله ... كمقاله فبه تمسِّك
؟؟أبو بكر بن الوليد البلخي
من شعره قوله:
ثلاثة فقدها كبير ... الخبز واللحم والشعير
والبيت من كلِّها خلاء ... فجد بها أيُّها الأمير
وله من نتفة:
أحسن الأشعارعندي ... وآنف بالخمر الخمارا
وألذُّ الآي عندي ... وترى الناس سكارى
وله:
خلّة في من خلال الحمير ... لم يطب لي شرب بغير صفير
وله:
ما سمَّت العجم الهميان هميانا ... إلاّ لإجلال ضيفٍ كان من كانا
فالمهُّ أكبرهم، والمان منزلهم، ... والضيف سيّدهم ما لازم المانا
؟؟الحسن الضرير المروروزي
في غلام نصراني:
وما أنس لا أنس ظبي الكناس ... يريد الكنيسة من داره
يحوط بزناره خصره ... ومرعى الجمال بأزراره
فيا حسن ما فوق أزراراه ... ويا طيب ما تحت زنّاره
أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل
؟؟الفقيه الطوسي
افتتن بغلام من الشطار فقال فيه:
أتوعدني بالقتل والقتل راحتي ... فلا تخلف الإيعاد خلفك ميعادي
وقال في غلام أعطاه كتاب العين:
كتاب العين ظلَّ يقرُّ عيني ... ويصلح بين من أهوى وبيني
كتاب العين قوّاد لطيف ... يحلُّ إليك عصم التفلتين
؟؟أبو محمد الطوسي
قال:
أبوك في الناس سلَّ سيفا ... بمضربيه يفلُّ صفَّا
وذلك الصفُّ كان غزلاً ... وذلك السيف كان خفَّا
؟؟أبو سهل المعقلي الطوسي
قال:
يا دولةً ليس فيها ... من المعالي شظيَّه
زولي فما أنت إلاّ ... على الكرام بليه
؟؟أبو نصر الروزبازي الفقيه الطوسي
من شعره قوله:
لي خمسون صديقاً ... بين قاضٍ وشريف
وأميرٍ ووزير ... وفقيه وظريف
فإذا احتجت إليهم ... لم يفوا لي برغيف
الباب لثامن
في ذكر الأمير
أبي الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي
وإيراد محاسن من نثره ونظمه
وما محاسن شيء كله حسن

(2/99)


القول في آل ميكال وقدم بيتهم، وشرف أصلهم، وتقدم أقدامهم، وكرم أسلافهم وأطرافهم، وجمعهم بين أول المجد وأخيره، وقديم الفضل وحديثه وتليد الأدب وطريفه، يستغرق الكتب، ويملأ الأدراج، ويحفي الأفلام، وما ظنك بقوم مدحهم البحتري، وخدمهم الدريدي وألف لهم كتاب الجمهرة وسير فيهم المقصورة التي لا يبليها الجديدان، وانخرط في سلكهم أبو بكر الخوارزمي وغيره من أعيان الفضل وأفراد الدهر، وكان كل من الشيخ أبي العباس إسماعيل بن عبد الله وابنيه الرئيس أبي محمد عبد الله والأمير أبي القاسم على أمة على حدة، وعالماً في شخص واحد، وما منهم إلى من يضرب به المثل في الشرف، والأمير أبو نصر أحمد بن علي الآن بقية الأماجد وغلاة الأكارم وعمدة الأفاضل وواحد خراسان ومفخرتها وجمالها وزينتها، من لا نظير له في شرف النفس وعد الهمة ورفعة الشأن وتكامل آلات السيادة. والأمير أبو الفضل عبيد الله بن أحمد يزيد عى الأسلاف والأخلاق من آل ميكال زيادة الشمس على البدر، ومكانه منهم الواطة من العقد، لأنه يشاركهم في جميع محاسنهم وفضائلهم ومناقبهم وخصائصهم، ويتفرد عنهم بمزية الأدب الذي هو ابن بجدته وأبو عذرته وأخو جملته، وما على ظهره اليوم أحسن منه كتابة وأتم بلاغة، وكأنما أوحى بالتوفيق والتسديد إلى قلبه. وحبست الفقر والغرر بين طبعه وفكره، فهو من ابن العميد عوض، ومن الصاحب خلف، ومن الصابي بدل، ثم إذا تعاطى النظم فكأن عبد الله بن المعتز وعبيد الله بن عبد الله بن طاهر وأبا فراس الحمداني قد نشروا بعد ما قبروا، وأوردوا إلى الدنيا بعد ما انقرضوا. وهؤلاء أمراء الأدباء، وملوك الشعراء، وقد أنصف من وصف بلاغته في النثر وبراعته في النظم حيث قال من قصيدة:
يا من كساه الله أردية العلى ... وحباه عطر ثنائها المتضوِّع
وإذا نظرت إلى محاسن وجهه المسعود قلت لمقلتي فيها ارتعي
وإذا قريت الأذن شهد كلامه ... قلت اسمعي وتمتعي وارعي وعي
وكأنّما يوحى إلى خطراته ... في مطلعٍ أو مخلصٍ أو مقطع
لك في المحاسن معجزاتٌ جمَّة ... أبدا لغيرك في الورى لم تجمع
بحران بحر في البلاغة شابه ... شعر الوليد وحسن حفظ الأصمعي
وترسَّل الصابي يزين علوّه ... خطُّ ابن مقلة ذي المحلِّ الأرفع
شكراً فكم من فقرة لك كالغنى ... وافى الكريم بعيد فقر مدقع
وإذا تفتّق نور شعرك ناضراً ... فالحسن بين مرصّع ومضرَّع
أرجلت فرسان القريض ورضت أف ... راس البديع وأنت أفرس مبدع
ونقشت في فصَّ الزمان بدائعاً ... تزري بآثار الربيع الممرع
وحويت ما تكنى به طراً فلم تترك لغيرك فيه بعض المطمع
وقال من أخرى:
يا من له كلّ الذي يكنى به ... ومفرق العليا لديه مؤلّف
غنَّت بسؤددك الحمام الهتَّف ... وحكت أناملك الغيوم الوكَّف
وتصرفت بك في المكارم والعلى ... همم على قمم النجوم تصرّف
وملكت أحرار الكلام كأنّها ... خدم وغلمان لأمرك وقَّف
وكأنما نور الربيع وزهره ... من وشي خطك في المهارق أخرف
وقال:
إني أرى ألفاظك الغرَّا ... عطّلت الياقوت والدرَّا
لك الكلام الحرّ يا من غدا ... معروفه يستعبد الحرّا
وقال:
سبحان ربي تبارك الله ما ... أشبه بعض الكلام بالعسل
والمسك والسحر والرقى وابنه الكرم وحلي الحسان والحلل
مثل كلام الأمير سيدنا نثراً ونظما يسير كالمثل
وقال من أخرى:
يا كعبة المعالي ... وقبلة الآمال
وغرَّة الجمال ... وصورة الكمال
وطالع الإقبال ... وعارض الإفضال
وآفة الأموال ... بدر بني ميكال
كم لك من مقال ... أصفى من الزلال
أزكى من الغوالي ... أمضى من العوالي
أقضى من النصال ... أضوا من الهلال
أسرى من الخيال ... أبقى من الجبال

(2/100)


فاسلم على الليالي ... ودم بخير حال
وقد أوردت في هذا الباب من فصوص فصوله التي أخرجها من رسائله وبوبها في كتاب له وسمه بالمخزون ما يؤرخ به محاسن الكلام، ويزيد في ماخر الأقلام، ويستحق أن يدعي لفظ الدر، وعقد السحر، وأتبعته من غرر شعره، وثمار فكره، بما تجمع منه اليد على البازي الأبيض والحجر الأسود والكبريت الأحمر، والعيش الأخضر، وملك بني لأصفر.
؟؟فصول من باب وصف الكتب
بالحسن والبلاغة ولطف المواقع من الكتاب المخزون المستخرج من رسائله فصل - إنه ألقي إلي كريم، عنوانه غنم جسيم،وعيانه فضل عميم، فلو استطاع قلبي لسعى إليه إعناقاً، والتف عليه عناقا.
فصل - وصل كتابه به بغية الحريص، وخلتني يعقوب وقد بشر بالقميص.
فصل - كتابه تعلة الرجاء. وقوت النفس. وعلة النشاطن وقوة الأنس.
فصل - كتابه أوصل الأنس إلى سواد القلب وصميمه، وأماط الوجد وقد ألح في تصميمه.
فصل - أنا أولى بالحمد وقد لحظت مواقع أنامله ووشمت بوارق فضائله، من راعى القفر وقد رأى القطر سكبا، بعد سنين تتابعت جدبا
فأضاح يرجو أن يكون حيّا ... ويقول من فرح هيّا ريّا
فصل - الحمد لله ملء القلوب والضمائر، وفوق وسع الحامد الشاكر، إذا أقبلت غمامة من ناحيتك برقها خلق كريم، وقطرها برعميم، فروت روض الأنس وقد اكتسى ذبولاًن وأهدى إيه من نسيم عهده صبا وقبولا، حتى انجلت عنه غبرته، وعادت إليه نضرته.
فصل - كتابك تميمة فضلن وثمينة عقد، ولطيمة خلقن ويتيمة مجدنوغنيمة بر.
فصل - كتابك يجلو صفحة العهد، ويجيل قداح الأنسن ويجل عن قدر الشكر.
فصل - نشرت من كتابك عصب اليمن. ونظرت منه إلى الطالع الأسعد والطائر الأيمن.
فصل - لقيت كتابك تحلية الإحسان والإبداع، وحلية النواظر والأسماع ومسن الخواطر والطباعن وصيقل الأفكار والألباب، وعيار المعارف والآداب.
فصل - كتاب سلب الماء رقته، والنحل ريقته.
فصل - كلامك شهدة النحل، وثمرة الغراب، وبيضة العقر،وزبدة الأحقاب.
فصل - وصل كتابك فأذعنت القلوب لفضله بالاعتراف، واختلفت لألسن في تشبيهه ببدائع الأوصاف، فمن مدع أنه رقية الوصل، وريقة النحل، ومنتحل أنه سلاف العنقود، وقائل هو نور خمائل، وسحر بابل، فأما أنا فتركت التمثيل، وسلكت التحصيل، وقلت: هو سماء فضل جادت بصوب الحكم، ووشى طبع حاكته سن القلم، ونسيم خلق تنفست عنه روضة الكرم.
فصل - سررت بكتابك سرور من فدي بذبح عظيم، وبشّر بغلام عليم.
فصل - قلمك ترب البروق ونظيرها، ويدك أم البلاغة وظئرها وكلامك هو الدر يستغني عن السلك، والإبريز يجل عن السبكن والسحر إلا أنه بريء من الشرك.
فصل - كتابك شريعة وردي، ومهب شمالي، ومرمى طرفي. ومسرح آمالي، ونجي فكري،وحلم هجودي، وأرض خصبي، وسماء سعودي.
؟؟ومن باب الإخوانيات
فصل - أيام ظل العيش رطبنوكنف الهوى رحب. وشرب الصبا عذبن وما لشرق الأنس غرب.
فصل - أنا في مقاساة حر الشوق إليك كما اعتاد محموداً بخيبر صالب وفي تذكر الاجتماع معك كما اهتز من صرف المدامة شارب وفي تكلف الصبر عنك كطالب جدوى خلة لا تواصل وفي القلق لفراقك كطائر جوٍّ أعلقته الحبائل.
فصل - أيامي معك بين غرة ولمعة،وعيد وجمعة.
فصل - أنا أخو مودتك الذي لا يخشى نبوه وعقوقه، وسم نصرتك الذي نحو العدى نصله ونحوك فوقه.
فصل - إني لأجد ريح مولاي فأتنسم روح السكونن ولا أقول لولا أن تفندون.
فصل - كنت كمن خرج يبغي قبساً، فرجع نبياً مقدساً.
فصل - أشكو إليك شوقاً لو عالجه الأعرابي لما صبا رمل عالج، أو كابده الخلي لانثنى على كبد ذاتحرق ولواعج.
فصل - وددت لو أنه ركب الفلك الدائر، وامتطى النجم السائر. وكان البرق زاملته، والبراق راحلته، والسماك هاديه، والخضر حاديه والصبا إحدى مراكبه، والجنوب بعض جنائبه، لينقضيعمر الانتظار، ونسعد بالقرب والجوار.
فصل - لا خير في ود لا يعرف إلا بشاهد، ولا ينهض إلا براقد مشرق السحنة،واضح السنة، بعيد من الظنة.
فصل - طالعت عهدي لديه ضاحي البشر، ضاحك الزهر، طلق الوجه، باسم الثغرن قد رفت عليه ظلال كرمه، ورقّت له حواشي أخلاقه وشيمه، فحمى وجه بهائه أن يشحبن ورونق مائه أن ينضب.
فصل - وصل كتابه لا أقبل دعوى ولا يعدله شهود، ولا يعدله يوم مشهود.

(2/101)


فصل - أنا أتوقع كتابك أطول من ليلة الميلاد، وأمتع من نسيم ريح الأولاد.
فصل - كتبت هذه الأحرف وأنا أود أن مدادها سواد طرفي، وبياضها جلدة بين عيني وأنفي، وحاملها دون سائر الناس كفي.
فصل - لا تفارق نفسي فيك أشواقها، حتى تفارق الحمائم أطواقها.
فصل - لولا التعلل باللقاء لتصدعت أكباد وقلوبن وكانت بيني وبين النوى شؤون وخطوب.
فصل - ما آسى إلا على أيام أمتعتني منمؤانستك بالعين طلقا ما عليه رقوب، وأسعفتني من مجالستك بالدهر فيه خطوب.
فصل - بي إليك شوق لم يكابده قلب متيّم، ووجد لم يدعه مالك لمتمم.
فصل - أنا في مفارقته كبنات نضب عنها الغدير، ونبات الأرض أخطأه النوء المطير.
فصل - شوق عابث أقاسيه. وامتنع عنه الصبر فما يواسيه.
فصل - ذمام ودك عندي لا يخفرن وإن أتيت بما لا يغفر.
؟؟من باب الشكر والثناء
فصل - للنعم عماد من الشكر يحرسها أن تميل وتميدن وعقال من الثناء والحمد يمنعها أن تبيد وتحيد، وكثيراً ما يسكر الشارب بكأس سرورها. ويعشى عينه بشعاع نورها، فيذهل عن حفظ ذمارها، ويذهب عنواجب مرتبتها واستثمارها، ويكون كمن أزعجها بعد الاستقرار، وعرضها للنفار، فلا يلبث أن يزل عن مرقاتها قدمه، ويطول على ترك موجباتها ندمه، ويحصل منها في برجمنقلب، وينظر مننعيمها في أعجاز نجم مغترب.
فصل - كم لك عندي من يد غضّة ما لي بشكرها يدان، وعلى عاتقي من ثقل منّة يعجز عن حملها الثقلان.
فصل - لولا أن من عاداته متابعة النعم لقلت رفقا بكاهلي، فقد أثقله الرفد، وأناملي فقد أعياها العدّ، لكنه الغيث لا يستكف واكف سحابه،والبحر لا يزحم زاخر عبابه.
فصل - لو ملكت من مقاود البيان، ما يملك من مقالة الإحسان، لأجلبت عليه من شكري بخيل ورجل، وجلبت إليه من فيض بناني سجلا بعد سجلن وكلاً فقد خذلتني عبارتي مذ تناصرت ندي مواهبه،ونزفت بلاغتي منذ درت على سحائبه.
فصل - لا أعدمه الله نعمة يطوق الشكر جيدها، ويمتري بلطافة الحمد مزيدها.
فصل - قلدني منّة تندي ألسنة الشكر،وتنادي بذكرها أندية الفضل.
فصل - ذاك فضل ملك عنانه ومقادته، فقهر أعيانه وقادته.
فصل - لو استطعت لطرت إليه بأجنحة الجنائب، وخطبت بالشكر على متون الكواكب.
فصل - ما هو إلا صوب كرم إذافاضت منه سجال تلتها سجال، وإذا جادت بها يمين رفدتها شمال.
فصل - خدمته أيام كانت رياسته سراً في ضمير لأيام،ونوراً في أكمام الظنون والأوهام.
فصل - أنامله فرصة كل وارد، وعرضة كل قاصد.
فصل - يذبُّ عن حرم المعالي بذباب حسامه، ويحمي غربها بغرار أقلامه.
فصل - كم له من مكارم جدد منهج أطمارها، وأذكى سنا أقمارها.
فصل - له الأمر المطاع، والشرف اليفاع، والعرض المصون والمال المضاع.
فصل - مساعيه ضرائر النجومن وأنامله ضرائر الغيوم.
فصل - أملى محاسنه وأيدي الأيام تكتبن وأثنى بأياديه وألسنة الحال تشهد وتخطب.
فصل - وهو واحد العصرن وثاني القطرن وثالث الشمس والبدر.
فصل - ذاك سلطان فضل هو عرابة رايته، وميدان سباق وهو عكاشة عنايته.
فصل - ما هو إلا صفيحة فضل طبعت من سكتك، وسبيكة مجد ضربت على شكتك.
فصل - ما هو إلا نجم طلع في سمائك، ومعنى اشتق من أسمائك.
فصل - أفاض عليه من صوب رشاشه، ما أروى غلة مشاشه.
فصل - ثناء أطيب من فوح الأزاهر، وأطيب من ترجيع المزاهر.
فصل - ثناء كما يتفق المسك من أكمامه، وينتفض الروض غبّ رهامه.
فصل - ما هو لا لمعة من برقك، ورذاذ من ودقك، ونجم طلع في أفقكن وشعلة قدحت من نارك، ورشاش ارفضّ من سحابك.
فصل - أحيا كتابك مني نفساً مواتا، وأنشر أملاً رفاتاً، وتلافى حشاشة كانت منالهلك علة شفا، وبلّ ريقاً لم يدع للناس فيه مرتشفا.
ومن باب
؟؟العتاب والذم وشكوى الحال
فصل - عتاب من قلب خالص، وصدر سليم من القوارص، خير منودّ سامري، وعرض سائري.
فصل - لو تكللت بالشعرى العبور، وتلثمت بالفجر المنير، واتخذت الثريا وشاحاً، والجوزاء نطاقاً، واستعرت من الشمس ضياء، ومن البدر إشراقاً، لما كنتمغموراً خاملاً، وعقداً عاطلاً.

(2/102)


فصل - لست أدري سبب عتبك فأتوب إليك توبة سحرة فرعونن وأخلص وأعتذر إليك اعتذار النابغة إلى النعمان، وأبلغ وأخضع لك خضوع المعزول للوالي، بل خضوع الجرب للطالي،وأضرع إليك ضراع الصبي للمعلم، بل الذميّ للمسلم.
فصل - كيف ترميني بظنة؟ وقد علمت أن قلبي لودك غير مظنة.
فصل - صدعت بالعتاب أعشار فؤادي، وتركتني بمنزلة ماء سال به الوادي.
فصل - سحب على ذنبه أذناب التجوّز، وستره بأجنحة التجاوز.
فصل - طويت ودي طي الطوامير،ونبذت عهدي في المطامير.
فصل - عاد شرر عتبه ضرامان وقوارص قوله سهاماً.
فصل - إذا نطق لسان الاعتذار، فليتسع نطاق الاغتفار.
فصل - جربني تجدني سهل الرجعةن سمح المقادة، قريب لمنالة، دائب الصنيعة، جامد السكينة، سريعاً إلى المحافظة، بطيئاً عن الحفيظة.
فصل - رددني من جفائهزماناً بين إعراض وقطيعة، وأوردني منها أوخم شريعة، حتى إذا ورد كتابه وبي فرحة الظمآن وافق بلالاًن والعليل صادف إبلالاًن تضمن من مر العتاب، ما ما هو أمض من القذف والسباب، وكان كثاطة مدت بماء، وجمرة أعينت بحلفاء.
فصل - وما زلت أداريه وألاطفه، وأمل أن تلين لي مكاسره ومعاطفه، حتى إذا كشف لي قناع الجفوة، ومد إلي ذراع لسطوة، جزيته صاعاً بصاع، وبسطت له باعاً بباع، وسعيت إلى معارضته بخطى وساع، وكذلك من ساء سمعا ساء جابة، ومن زرع مكراً حصد خلابة.
فصل - كشف لي قناع المجادلن ورماني من عتبه بالجنادل.
فصل - قد تجاريت والدهر في الظلم إل غاية واحدة، واخترعتها في العقوق كل بدعة وآبدة، لعلك تزيد عليه وطأ في الظلم ثقيلاً، وسبحا في التحيل طويلاً، بل أنت أبعد منه في ألإساءة غورا، وأحد في النكاية غربا، وأجرى في المناكير قلباً، لا بل أنت أكثر من مذقا، وأمرّ مذاقا، وأظهر خلافا، وأقل وفاقان فما هذه المكاشفة والمخاشنة؟ وأين المهادنة والمداهنة؟ وأين الحياء والتذمم؟ والعفاف والتكرم، وأين لين المكر، ولدونة المعطف، وحلاوة المذاق، وسهولة المقطف؟ فصل - أنا من حاضر جفائك بين ناب ومخلب، ومن منتظر وعدك بالرجعى بين جام وخلب.
فصل - كتابك أقصر من نبقه، وأصغر من بقه، وأخون من دره،وأخفى من ذره.
فصل - النعمة عنده تكتسي من لؤمه أطماراً. وتشتكي غربة وإسارا.
فصل - طواني فيأدراج نسيانه، وألقاني في مدارج هجرانه.
فصل - حاجتي عنده في سر الوعد وإضماره، وميدان المطل ومضماره.
فصل - ناديت منه من لا يمكن لفظي من سمعه، ودعوت من ضره أقرب من نفعه. فقلت إذ أخلف التقدير، لبئس المولى ولبئس العشير.
فصل - قرأت كلاماً خير منه تعاطي السكوت،وحجاباً أقوى منه نسج العنكبوت.
فصل - لو خلع الصباح على عذري كسوته،وأمده البلغاء من البيان ما يجلو صفحته، ثم صلى منه بنار انتقاد، ولم يرد من صفحه وإغضائه على لين مهاد، لأتى بنيانه من القواعد وقطع زنده من الساعد.
فصل - يأبى الدهر إلا ولوعاً بشمل وصل يشرده، ونظام أنس يبدده، ومخلب ظلم يحدده، ولو انبسطت فيه يدي لكسرت جناحه، وخفضت جماحه، ولكنه الحية الصماء لا تستجيب لراقي، والداء العضال لا يشفى منه طيب ولا واقي.
فصل - ما أقول في دهر يعطي تفاريق ويسترجعها جملا، ويرجع أفاويق وقطعها عجلا، يأتي شره دفعا، ويواتي خيره لمعاً، إن هاجت نوازله خصت الأحرار بالبطش، وإن سكنت زلازله فكالصل ينبطح بالأرض ثم يثور للنهش.
فصل - لا تجز عن من عتابي فالمسك إذا سحق ازداد عبقاً، والورد إذل أحمي طاب عرقا.
ومن باب
؟؟التهاني
فصل - أهنأ النعم شرباً، وأمرعها شعباً، ما جاء عفواً منغير التماس، ودر سمحا بلا إبساس.
فصل - النعم إذ حلت بفنائه فاضت على الأحرار فيضان وكانت بينه وبينهم فوضى.
فصل - عمرك الله حتى ترى هذا الهلال قمراً منيراً، وبدراً مستديراً، يكثر به عدد أحفادك، ويعظم به كمد حسادك.
فصل - الحمد لله على النجل الموهوبن ومرحباً بقرن العيون وريحانة القلوب، ولد سعيد به أكرم والد، ومجد طريف أضيف إلى شرف تالد، فأبقاه الله لك بسطة عضد تتصل بذراعك، وخلب كبد تطول به مدة إمتاعك.
فصل - ما ارتعنا لفقد الفقيد، حتى ارتحنا لقيام الخلف الحميد، ولا استهل الباكي منا للرزية مستعبراً، حتى تهلل للعطية مستبشراً.

(2/103)


فصل - من كانت النعم تزينه فإنها تلبس بك فخر وخيلاء، وتحل من أفنيتك بطاح مجد وسناء.
ومن باب
؟؟العيادة
فصل - أما علته فقد أرتني الفضل ترجف أحشاؤه فرقاً، والصبر تنقطع أجزاؤه فرقا.
فصل - كأني به وقد طلع كالحسام مجردا، والهلال مجددا.
فصل - صادفني كتابه فيه علة أجحفت بالجسد، وتحيّفت جوانب الصبر والجلد، واستأنفت به برد الحياة، ولبست عنه برد المعافاة.
فصل - كنت صريع سقم قد أولتني عقبه،وزالت بالبرء عواقبه.
فصل - كنت رهين علل لا أرجو من صرعتها استقلالا، ولا أؤمل من أسر وثاقها انحلالا، فلم لطف الله منها في العقد، ويمسح جانب الداء والألمن حتى أنشطني من عقال، وأنهضني من كبوة وعثار.
فصل - برز من علته بروز السيف المحلّى، وفاز باعافية فوز القدخ المعلى.
فصل - لو استطعت لخلعت عليه سلامتي سربالا، وأعرته من جسمي صحة وإقبالا، فلست أتهنأ بالعافية مع سقمه، ولا أتمتع بنضارة عيشي مع شحوب جسمه.
فصل - كان من العلة بين أنياب وأظفار. ومن الردى على شفا جرف هار، فتداركه الله برحمة رشت على سقمه ماء الشفاء، ومجّت برد العافية في حرِّ الأحشاء.
ومن باب
؟؟التعازي
فصل - للهتعالى في خلقه أقدار ماضية لا ترد أحكامهان ولا تصد عن الأغراض سهامهانوالناس فيما بين موهبة تدعو إلى الشكر المفترض، ومرزية يوثق فيها بجميل العوض.
فصل - الموت منهل مورودن وسيان فيه والد ومولود.
فصل - كتبت والقلم هائم والدمع هام، والكرب دائم والجفن دام.
فصل - كتبت وسكرات المنية بي محدقة، ولحظات الأجل نحوي محدقة.
فصل - أعوذ بالله من كل ما يؤدي إلى موارط نقمته، ويحجب عن موارد رحمته.
فصل - مصيبة طرقت بالمخاوف والأوجالن طرقت شرب الأماني والآمال، وأعادت سرب العيش نافراً، ووجه الحزن سافرا.
فصل - يا لها من مصيبة أصمى سهم راميها، وأصمّ صوت ناعيها.
فصل - وفقه الله للصبر الذي إليه يرجع الجازع، وإن أغرق في قوسه النازع.
فصل - هو من لا تستتر له النوازل عزيمة أناته، ولا تفجعه الفجائع بسكسنة حزمه وثباته.
فصل - طال تلهفي على هلال استسرّ قبل أن يقمر، وغصن خضد قبل أن يثمر.
فصل - ما سلامة من يرى كل يوم راحلاً مشيعا. وشملا مصدعا، وصديقا مودعا.
فصل - شابت بعده لمم الأقلام، وضلّت مفاتيح الكلام، ونضبت غدر الأفهام.
فصل لا أملك في مصيبته إلا عبرات ترق ولا ترقأ، وزفرات تهدذُ ولا تهدأ.
فصل - قد نغّص الموت كلّ طيب، وأعيا داؤه كل طبيب.
فصل - الموت يكتال الأرواح بلا حساب، ويغتال النفوس بلا حجاب.
فصل - لئن طواه الردى طي الرداء، لقد نشرته ألسنة الثناء.
ومن باب
؟؟السلطانيات
فصل - بين ضرب يصدع جنوبا، وطعن الصدور جيوبا.
فصل - إذا عبأ للغزو كتائبه، وأخرج نحو العدا مضاربه، خفقت بنصره الأعلام، ونطقت وراء رماحه الأقلام.
فصل - بين صفوف ترصف. وسيوف تقصف، ورماح تنصف،وأرواح تخطف، حيث الدواهي سود المناظر، والمنايا حمر الأظافر.
فصل - لا يقف لمناجزته عدوّ إلا عاد موطىء قدمه شفيرا. وكان سهم الردى إليه سفيرا.
فصل - أصبحوا كغثاء احتمله ظهر سيل جارف، أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
فصل - لما مشى إليهم مشت قلوبهم في الصدور، وحلت بهم قاصمة الظهور، فهم أعمار تباح، ودماء تساح، وأجسام تطاح، وأرواح تسفي بها الرياح.
؟؟نبذ من شعره في الغزل
قال:
لقد راعني بدر الدجى بصدوده ... ووكلّ جفاني برعي كواكبه
فيا جزعي مهلاً عساه يعود لي ... ويا كبدي صبراً على ما كواك به
وقال:
أنكرت من أدمعي ... تترى سواكبها
سلي جفوني هل ... أبكي سواك بها
وقال:
إن لي في الهوى لساناً كتوما ... وفؤاداً يخفي حريق جواه
غير أنّي أخاف دمعي عليه ... ستراه يفشي الذي ستراه
وقال:
يا من يبيت محبُّه ... منه بليلة أنقد
إن غبت عني سمتني ... وشك الردى وكأن قد
وقال:
عذيري من رامٍ بسهمه ... فلم يخط ما بين الحشا والترائب
فأصداغه يلسعني كالعقارب ... وألحاظه يفعلن فعل العقاربي
وقال:

(2/104)