صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)
الكتاب : يتيمة الدهر |
إذا الماء مثل لي ظلها ... توهمتها مخوضاً في قدح (2/139)
وقوله في السفرة:
ورافعة إليك بلا جفون ... عيوناً لا تطيق لها انطباقا
تبسم في المنازل عن وجوهٍ ... رماها الحسن تأتلق أئتلاقا
مزخرفة كأن الروض فيها ... إذا استجليت لحظاً وانتشاقا
جصصناها بزنار ظريفٍ ... ففاقت كل مجتصٍ وفاق
إذا وضعت يكون لها نطاقاً ... وإن رفعت يكون لها خناقا
فلم نر مثلها بدراً منيراً ... ولم نر مثل ايدينا محاقا
وقوله في البيضة:
وصفراء في بيضاء رقت غلالةً ... لها وجفا ما فوقها من ثيابها
جماد ولكن بعد عشرين ليلة ... ترى نفسها معمورة من خرابها
وقوله في باقي البقل:
وغضة رطبة يضمنها ... نخاسها حين تجتلي ملحا
إذا اشتروها تنصرت فإذا ... ادخلت البيت اسلمت مرحاً
وقوله في الزبور:
واعجمي لابس لبس العرب ... لا يستفيق من غناء إن ركب
مبرقع ببرقع من الذهب ... يضحي ويمسي بحقائب محتقب
وخنجر يسله عند الغضب ... كأنه شعلة نار تلتهب
وقوله في المقراض:
وذي جسمين لايفر ... ق ما بينهما ناظر
إذا ما بخصوا عيني ... ه امسي فمه فاغر
وقوله في السيف:
ومستعرض صاحباً لا يزا ... ل يحمي من الذل اطواقه
فطوراً يطول من وجهه ... وطوراً يعرض اشداقه
وقوله في الميزاب:
ومخطف قد ابرزوه باديا ... تلقاه في الصيف فقيراً عاريا
وفي الشتاء باللجين حاليا ... إذا يداه التقطت لأليا
صاغت لنا منه حساماً ماضياً.
وقوله في الكتب:
ومستودع سراً تضمن صونه ... فاصبح منه في الضمير مكتماَ
إذا ما طوى كشحاً على سر صاحبٍ ... تمنطق حزما فوقه وتختما
وقوله في صورته التي يراها في المرآة:
وزائر لست في عشقي ولا شغفي ... بوجهه حين ألقاه بمحجوج
يظل يلحظني عجباً والحظه ... وبيننا سد يأجوج ومأجوج
وقوله في الحمام:
ومنزلة اقوام إذا ما التفوا به ... تشابه فيه وغده ورئيسه
يخالط فيه المرء غير خليطه ... ويضحي عدو المرء وهو جليسه
ينفس كربي أن تزيد كروبه ... ويونس قلب أن يقل أنيسه
إذا ما أعرت الجو طرفاً تكاثرت ... علك به أقماره وشموسه
أبو المكارم المطهر بن محمد البصري: أحد من طوف في الآفاق ولا راحلة له إلا الرجلة ولا حرفة الا شحذ المدية في الجدية، وهو شاعر سريع الخاطر كثير النوادر في الجد والهزل وهو القائل:
رأيت الشعر للسادات عزاً ... ومنقبة وصيتاً وارتفاعا
وللشعراء هونا وانخفاضا ... ومجلبه لذل واتضاعا
وذكر بعض الرؤساء فقال: حضرته عوذة من الفقر وطلعته أمان من الزمان، وشكى بعضهم فقال: توقعت إيجابا فلم ار إلا حجابا واعجابا، وذكر آخر فقال: ما هو الا ثقل الدين على وجع العين، وحدثني الدهقان أبو علي القومسي قال حضر عندي بالدامغان وقد إلينا المشمش فقال في الوقت مرتجلا:
ومشمش سوء قد أكلنا غديةً ... بمجلس حر وهو خير صديق
إذ ما منحنا العيون حسبته ... رؤس ايور ضمخت بخلوق
فتنغصت باليوم والمشمش وفرضت على نفسي ترك تناوله، وقال لي في كلام له: لم افدك بنفسي لأنها قيمة لك وزنة بك ولكنها طاقة المجتهد.
أبو القاسم علي بن محمد البهدلي الايلي: ذكر صديقاً له فقال: ان اتيته حجب وان قعدت عنه عتب وان عاتبته غضب، ولمؤلف الكتاب في هذا المنى:
ان غبت عنك شكوتني ... وإذا وصلت هجرتني
وتظل لي مستبطئاً ... وإذا حضرت حجبتني
ووجدت في تعليقاتي بعد فراغي من كتاب اليتيمة للبهدلي وقد نسيت اسم من أنشدنيه:
للناس بيت يديمون الطواف به ... ولي بمكة دون الناس بيتان
فواحد لجلال الله أعظمه ... وآخر فيه لي شغل بانسان (2/140)
وأنشدني أبو يعلى البصري له:
من أنا عند الله حتى إذا ... اذنبت لا يغفر لي ذنبي
العفو يرجي من بني آدم ... فكيف لا يرحى من الرب
وله وقد سأله صديق له غير مرة عن نيسابور:
تغري بنيسابور تسئل دائماً ... عن حالها وهوائها ورجالها
نعم المدينة لو وقيت جفاءها ... من أهلها وسلمت من اوحالها
أبو القاسم السعدي ابن عم نباتة: هو القائل في الخمر:
جاءتك كالنار في زجاجتها ... حمراء ما تستقر من نزق
حتى اذا ما المزاج خالطها ... رأيتها مثل صفرة الشفق
كالبكرة تصفر من معانقة ال ... زوج اذا ضمها من الفرق
وهو القائل ويروي لغيره:
أعاذلتي على اتعاب نفسي ... ورعيي في السرى روض السهاد
إذا شام الفتى برق المعالي ... فاهون فائت طيب الرقاد
أبو محمد طاهر بن الحسين بن يحيى المخزومي البصري: هو بصري المولد والمنشا رازي الوطن حسن التصرف في الشعر موف على اكثر شعراء العصر يعدل من أهل العراق بابن نباتة وابن بابك ومن أهل الجبل بالرستمي والخازن وله مصنفات منها كتاب فتق الكمائم في تفسير شعر المتنبي، وبقي إلى طلوع الراية العلية بالري ثم انتقل إلى جوار ربه وقد كتبت غرراً. من شعره الذي هو روح الشعر وذوب السحر فمنها قوله ما احسنه وابدعه واصدقه:
نفسك لا تعطيك كل الرضا ... فكيف ترجو ذاك من صاحب
اجل مصحوب حياة صفت ... فهل خلت من هرم عاتب
وقوله في معنى لم يسبق إليه:
العيب في الخامل المغمور مغمور ... وعيب ذي الشرف المذكور مذكور
كفوفة الظفر تخفي من مهانتها ... ومثلها في سواد العين مشهور
وقوله في الغزل وما أملحه وافصحه:
عرضت قلبي للحتوف بعارض ... كالورد نداه الصباح بطله
متوحشاً زغب العذار كأنما ... القى عليه الصدغ سمرة ظله
وقوله وقد قدم عليه بعض المتأخرين عن رتبته:
جل قدري وخس قدر زماني ... فأنا العصب في يمين الأشل
وقوله في وصف الدنيا:
اذا تبرجت الدنيا فعاهرة ... خضابها دم من تصبي فتغتال
كأنها حية راقت منقشة ... ولأن ملمسها والسم قتال
اخذه من قول امير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: الدنيا كالحية لين مسها قاتل سم يحذرها العقل ويهوي اليها الجاهل، وأنشدني أبو غانم القصري للمخزومي في وصف الفرصاد وهو احسن وابدع ما قيل فيه:
هلم فساعد في تحية فرصاد ... كأعجاز نمل يجتمعن على زاد
وزادني غيره:
وموز كانعاظ الايور اذا مشى ... ميل بعطفيه علي بن حماد
ومن أحاسن بدايعه قوله:
لا تحرم الخفض رب فائدة ... جائتك عفواً ولم تسم تبعاً
أما رأيت الغدير يملؤه ... سيل الحيا غير جاشم طلبا
وقوله لأبي العلاء بن حسول ايده الله:
قالوا وداد أبي العلاء يحول ... كالظل يقصر مرة ويطول
فسأستشف لقاء فأميل في ... وصل وهجر منه حيث يميل
فاذا دعاني بشره قاربته ... وإذا تجعد فالعزاء جميل
وقوله:
ودع أخاك اذا جفاك فقبله ... ودعت مألوف الصبا بسلام
ودع العتاب اذا استربت بصاحب ... ليست تنال مودة بخصام
معنى البيت الأول ينظر إلى قول ابن الرومي:
سلوت الرضاع والشباب كليهما ... فكيف تراني ساليا ما سواهما
والبيت الثاني منقول من قول اشجع السلمي:
اقلل عتاب من استربت بوده ... ما أن تنال مودة بقتال
وللمخزومي في معنى بديع لطيف:
اتحاول الحظ السني بقوة ... هيهات انت بباطل مشغوف
رعت العقاب قوية جيف الفلا ... ورعى الذباب النور وهو ضعيف
وقال يدعو صديقاً له إلى منزله:
غلس نباكر في الجزيرة روضةً ... عبقت باذيال الصبا حوذانها
فكأنهن مع الصباح مجامر ... سحرت بند والضباب دخانها (2/141)
ولنا هناك عتيقة قد طلست ... بشفوف نسج عنكبوت دنانها
تعدي يد السارق الشعاع كأنما ... عقدت له مما يدير بنانها
ما صفو عيش المرء إلا فرصةً ... والغبن إن فات الفتى إمكانها
وقال في التصوف:
ليس التصوف إن يلاقيك الفتى ... وعليه من نسج النحوس مرقع
بطرائق سود وبيض لفقت ... وكأنه فيها غراب أبقع
ان التصوف ملبس متعارف ... يخشى الفتى فيه الإله ويخشع
وكان يهذ شعر بلديه البحتري هذاً وكان في بصره سوء فرمدت مرة عينه فقال له والي منبج يا أبا الغوث قد اشرفت على العمى فما الذي تعمل اذا عميت قال أقرأ على قبرك ايها الأمير فاستظرف قوة جوابه وتعجب من ظرفه، قال ومن شعره قوله في غلام له التحى:
في سبيل الله خدٌ ... كان في الملمس خزا
خانه الدهر فأضحى ... يوسع اللائم وخزا
وقوله:
أوجه المرد وضيه ... وثناياهم شهية
ولهم دل وعنج ... وشفاعات قوية
وإذا الشعر بدا في ... صفحة الخد النقية
فرق الالف عن الالف ... كتفريق المنية
وقوله:
أيها الظبي الذي اع ... رض عني وجفاني
وهو من أعظم همي ... حين اخلو بالاماني
ابتلاك الله مني ... بالذي منك ابتلاني
ساعة حتى ترى كي ... ف الهوى ثم كفاني
القاضي أبو عبد الله محمد بن علي: المعروف بابن حشيشة المقدسي ويقال له الهاشمي، أنشدني أبو يعلى البصري قال أنشدني ابن حشيشة لنفسه في الغزل:
رشأ غرير لا يؤلف بي ... ن طرفي والغرار
لاصرحن بحبه جه ... دي ولو ذهب اصطباري
تصريح منخلع العذا ... ر بحب فتان العذار
وله ايضاً:
يا من بصحة هجره ... وجفائه قلبي عليل
أنت الجميل وكل ما ... تأتي به حسن جميل
وأنشدني أبو الحسن القزويني له:
طول اللحى زين القضاة وفخرهم ... وتميز عن غانمة سفهاء
لو كان في قصر لها فخر لها ... لم يرو فيها سنة الاعفاء
أبو سويد الصوفي: دعا لرئيس فقال جعل الله ما ألبسك من ثوب الجمال وقلدك من طوق الكمال موصولا بالحجاب من النار. وانشد لنفسه:
اذا رضيت بقوت ... ولبس ثوب مرقع
ولم يكن لي صديق ... فراقه اتوقع
وبان عني شبابي ... فما عسى الدهر يصنع
وله أيضا ويروى لغيره:
ليس للراحة قيمه ... ساعة منها غنيمه
والذى اختار عليها ... تعب النفس بهيمه
أبو القاسم الحسين بن علي الويزير المغربي: أنشدني الشيخ أبو الحسن مسافر بن الحسن أيده الله تعالى قال أنشدني أبو الحسن محمد بن الحسين العثماني قال أنشدني ابن المغربي الوزير لنفسه في بلوغ الغاية من السلوة، ولم اسمع في معناه ابلغ منه:
حبيب ملكت الصبر بعد فراقه ... على انني علقته والفته
محى حسن يأسي شخصه من تفكري ... فلو انني لاقيته ما عرفته
قال وأنشدني أيضاً لنفسه:
اني ابثك من حدي ... ثي والحديث له شجون
فارقت موضع مرقدي ... ليلاً فنافرني السكون
قل لي فاول ليلة ... في القبر كيف ترى أكون
وأنشدني أبو طالب محمود بن الحسن الطبري قال أنشدني ابن المغربي الوزير في ايام انتقاله إلى بغداد:
عجبت هند من تسرع شيبي ... قلت هذا عقبي فطام السرور
عوضتني يد الثلاثين من مس ... ك عذاري رشا من الكافور
كان لي في انتظار شيبي حساب ... غالطتني فيه صروف الدهور
وله ايضا:
اذا ما الامور اضطربن اعتلى ... سفيه تضام العلى باعتلائه
كذاك اذا الماء حركته ... طغا عكر راسب في انائه
وله أيضاً:
كن حاقداً ما دمت لست بقادر ... فإذا قدرت فخل حقدك واغفر (2/142)
واعذر أخاك إذا اساء فربما ... لجت اساءته اذا لم تعذر
وكان يجري في طريق ابن المعتز نظماً ونثراً ويجاذبه طرفيهما، فمن لطيف كلامه ما كتب إلى بعض الرؤساء: ثقتي بكرمك تمنع من اقتضائك وعلمي باشغالك يبعث على اذكارك، وهذه قصيرة من طويلة، وكان يقول: لا تعتذر إلى من لا يجد لك عذراً ولا تستعن إلا بمن يحب أن تظفر بحاجتك، ومر بمكتب والمعلم يضرب صبياً ضرباً مبرحاً فالتفت إلى من معه وقال: إن الله تعالى أعان على عرامة الصبيان برقاعة المعلمين، ومن كلامه: العمر علق نفيس لا ينفقه العاقل إلا فيما هو انفس منه.
أبو سعيد العفيري: حدثني أبو عبد الله بن هرمزدان الفارسي رحمه الله تعالى قال حدثني فلان يعني شيخاً من الفرس سماه لي ونسيت اسمه مع ملكه النسيان رقى، قال كان ببيت المقدس شاعر ماهر ساحر يعرف بأبي سعيد العفيري يقرع باب الألحاد وله أخ يلقب رمادة من عبد الناس وازهدهم ومن الابدال الذين يسد الله بهم اوتاد الأرض ليقوم مقامه وينوب منابه في العبادة فبلغه عن أخيه أبي سعيد أنه قال:
هي الدنيا وليس لها تناه ... ونوم القبر ليس له انتباه
وليس يخرب الدنيا الحكيم ال ... قديم القادر الأحد الاله
إلى شعر كثير في معناهما فما زال به حتى اسمعهما اياه ما يجري مجراهما فغضب لله سبحانه وامتعض وتنمر ولم يذق البارد حتى بات عنده ليلة وترصد نومه وغطيطه فخنقه بيده وخرج هائماً على وجهه حتى ألم بمتعبده.
أبو نصر الحمصي: أنشدني الشيخ أبا بكر لأبي نصر كاتب اليمن صاحب اليمن في محمد ابن حوسب ولم اسمع في معناه أظرف منه:
قيل لي ما افدت ممن اليه ... صرت تخدو قلائص الآمال
قلت جئناه في شهور شراف ... وهو فيها بنكسه ذو اشتغال
والفتى لا يجود الاعلى الس ... كر فامهلته إلى شوال
وله فيه ايضاً:
قد لعمري عرفت ذنبي اليه ... إذا جفاني من غير جرم لديه
ذاك أني ناديته يا كريماً ... أخذ الجود نسخة من يديه
فجفاني ولم المه لأني ... في الذي قلته كذبت عليه
وسرقت له دريهمات فقيل لا تهتم فانها في ميزانك فقال في الميزان سرقت، ومدح العزيز فقال: وجه صباح البشرى ومفتاح النعمي وطليعة الخير وعنوان الرحمة وعذر الزمان المذنب، وذم رجلا فقال له: لحية التيس ونكهة الليث وصوت العير ولق البغل ولؤم الذئب وبخل الكلب وقبح القرد وحرص الخنزير وزهو الغراب ونتن الظربان، ووصف فرساً فقال: كأنه اذا علا دعاء واذا هبط قضاء، ومن كلامه: ليس بيسير تقويم الكسير.
أبو الضياء الحمصي: حدثني أبو عبد الله الحامدي قال أنشدني أبو محمد الخازن قال: من الفوائد التي سرقتها من السفينة الصاحب التي كان لا يمكن منها أحداً قول أبي الضياء في بعض الرؤساء:
وما خلقت كفاك الا لاربع ... وما في عباد الله مثلك ثاني
لتجريد هندي واسداء نائل ... وتقبيل افواه وأخذ عنان
قال وكتب على ظهر دفتر له يشتمل على فوائده:
هذا كتاب فوائد مجموعة ... جمعت بكد جوارح الأبدان
وبدائم الادلاج في ظلم الدجى ... والسير بين مناكب البلدان
وله ويروي لغيره:
قد يبعد الشيء عن شيء يشابهه ... أن السماء نظير الماء في اللون
وأنشدني له بعض الغرباء ثم وجدته للرضي الموسوي من قصيدة:
وإن لم تكن عندي كسمعي وناظري ... فلا نظرت عيني ولا سمعت اذني
وانك احلى في جفوني من الكرى ... واعذب طعماً في فؤادي من الأمن
قيل ودخل إلى صديق له في مجلس انسه وهويشرب النبيذ صرفاً بغير مزاج ويسقي ندماءه كذلك المغني يغني ويقول:
يديرونني عن سالم واديرهم ... وجلدة (ما) بين العين والأنف سالم
فقال أبو الضياء لو اسقط المطرب الما من الشعر وجعله في قدحي صلح الشعر والنبيذ معاً.
أبو منصور الصوري أخو أبي عمارة: الذي ذكرت له في كتاب اليتيمة ابلغ ما قيل في وصف الثقيل، حدثني أبو طالب محمد بن علي بن عبد الله المعروف بالبغدادي وهو من واسط قال كان الصوري في عنفوان امره معلماً مرجواً يتكلم من جنس صناعته كما كتب إلى صديق له في الشوق كهيعص اني الي جد صاد والصافات ان شوقي اليك فوق الصفات والحواميم أني من الحنين في عذاب أليم، ثم ارتفع عن التعليم إلى التأديب والشعر فكان يقول مثل قوله: (2/143)
نثرت لآلي دمعها وجداً على ... ديباج خد في الدياجي اشرقا
ما هذه العبرات يا بنه فارس ... لسنا باول عاشقين تفرقا
وقوله في قصيدة لم يعلق بحفظي الا البيت الأول منها:
تأخر برد الماء عن كبد حرى ... وهذا لهيب النار في مقلة عبرى
قال وأنشدني لنفسه:
من كف عنك شره ... فافعل به ما سره
محمد بن أيمن الرهاوي: كان يعارض أبا العتاهية ويجري في طريقه ويقول مثل قوله:
قنعت بالقوت في زماني ... فصنت نفسي عن الهوان
من كنت عن ماله غنياً ... رأيته كالذي يراني
ومثل قوله واراني سمعته لغيره:
إنا ننافس في الدنيا مفارقة ... ونحن قد نكتفي منها بأدناها
حذرتك الكبر لا يعلقك ميسمه ... فإنه ملبس نازعته اللاها
وقوله:
إن المكارم كلها لو حصلت ... رجعت جملتها إلى شيئين
تعظيم امر الله جل جلاله ... والسعي في اصلاح ذات البين
ابن وكيع التنيسي: أنشدني الشيخ أبو الحسن مسافر بن الحسن ايده الله تعالى قال أنشدني أبو الحسن محمد بن الحسين العثماني قال انشدنا القاضي ابن البساط البغدادي لابن وكيع التنيسي وهو احسن ما قيل في مدح السفر:
تغرب على اسم الله والتمس الغنا ... وسافر ففي السفار خمس فوائد
تفرج نفس والتماس معيشة ... وعلم وآداب ورفعة ماجد
فإن قيل في الأسفار ذل وغربة ... وتشتيت شمل وارتكاب شدائد
فللموت خير للفتى من مقامه ... بدار هوان بين ضد وحاسد
وأنشدني الشيخ أبو بكر ايده الله قال أنشدني أبو يعلى سعيد بن احمد الشروطي بالرملة لابن وكيع:
يحسن النحو في الخطابة والشع ... ر وفي لفظ سورة وكتاب
فاذا ما تجاوز النحو هذي ... فهو شيء من المسامع ناب
وله ايضاً:
إن شئت ان تصبح بين الورى ... ما بين شتام ومغتاب
فكن عبوساً حين تلقاهم ... وخاطب الناس بإعراب
أبو جعفر الجعفري العطار الحراني: وصف غلاما وشبه بما هو من جنس صناعته فقال: صدغه مسك وخطه عنبر كافور وعرفة عود، ومن شعره قوله:
أنا ممن إذا النوائب نابت ... شاورتني الرجال في النائبات
وإذا ما نظرت في امر نفسي ... خانني الراي واستكنت قناتي
وهكذا كان إبراهيم بن المهدي وذكر العلة في ذلك فقال: لأني أدبر امر نفسي بالهوى وامر غيري بالرأي وشتان ما بينهما، وجمعه وقوماً من المتكلمين مجلس أنس فأخذوا في الجلد فقال: مجلس النبيذ للجذل لا للجدل، وجرى ذكر مسيلمة الكذاب فقال: لا بني صادق ولا متنبئ حاذق، ووصف إنساناً طروباً فقال: اطرب من زنجي عاشق سكران على عود بنان وناي زنام وطبل سلمان، ودعا لصديق له فقال: صان الله كرمك عن لؤم الرزمان وادام اتعاب الفلك لراحتك.
أبو العباس ابن أحمد بن جعفر البديعي: ذكره لي الشيخ أبو بكر وسمى بلدته مع اسمه فلم يعلق بحفظي وقال انه الآن حي يرزق وأنشدني من شعره قوله من قصيدة:
بدرت زلة الحكيم وقبلي ... زل داود سيد الزهاد
ثم نادى الأمان ياررب قد تب ... ت فهب لي خطيئتي واعتمادي
والليالي كما علمت حبالى ... كل يوم تجين بالاولاد
وقوله:
الصق صدري بصدره فشكى ... قلبي إلى قلبه الذي يجد
فاعجب لقلب شكى هواه إلى ... قلب سواه وما درى الجسد
وقوله:
ارق الليل مونسي ... فدع النوم واجلس
ما ترى الجو بالصفا ... ونسيم الصباء كسي (2/144)
ونجوماً تخالها ... بندقاً طاح عن قسي
فاغتنم رقة الهوا ... ء وطيب التنفس
وأجب داعي الصبو ... ح بكأس وغلس
واشربن واطربن ما است ... طعت فيه وعرس
من يضيع ساعة تسر ... من العمر يبخس
وقوله ايضاً:
يا من تباشرت الدنيا بطلعته ... تباشر الأرض ذات المحمل بالمطر
إني غدوت بآمالي على ثقة ... إذا لقيتك أني أسعد البشر
وقوله في ذم خدمة السلطان ويروى لغيره:
ومن خدم السلطان أكرم نفسه ... ولكنه عما قليل اهانها
ومن عبد النيران لم ينتفع بها ... ولم يلق إلا حرها ودخانها
محمد بن حماد الكاتب: كتب إلى صديق له : يا أخي العطله سكون والحياة بركة والعمل حركة فان استطعت أن تخرج من سكون الموت إلى حركة الحياة فافعل: وكتب في ذم رئيس: هو والله عيث في دينه، قذر في دنياه، رث في مرونته، سمج في هيئته، منقطع إلى نفسه، راض عن عقله، بخيل بما وسع الله عليه رزقه، كتوم لما أتاه الله من فضله، لجوج لا ينصف إلا صاغراً، ولا يعذل إلا راغماً، ولا يرفع نفسه عن منزلة إلا ذل بعد تعززه فيها، ومن ملح شعره قوله في نديم كان يخطئ القينة في غنائها ويأخذها بالنحو والاعراب فينغص بذلك على أهل المجلس:
يا قاطع الصوت على ... قوم كرام نجب
يأخذه اللحن على ال ... قينة عند الطرب
تريد أن تفهمها ... حد كلام العرب
احلف بالله وما ... انزله في الكتب
للكلب خير ادباً ... من بعض أهل الأدب
ومما ينسب إليه ويروى لغيره قوله:
يا حبذا ليلة نعمت بها ... أشرب فضل الحبيب في القدح
سألته قبلة فجاء بها ... فلم اصدق بها من الفرح
وقوله:
عجبت لقلبك كيف أنقلب ... ومن فرط حبك أنى أذهب
فأعجب من ذا وذا أنني ... اراك بعين الرضا في الغضب
أبو سهيل الحراني: كان ينادم قردة له فقيل له في ذلك فقال:
ملت إلى القردة أنادمها ... فانكرت ذاك زمرة الحسده
فقلت يا بله لا عقول لكم ... من عدم الناس عاشر القردة
وقوله:
ألف الحوادث مهجتي فالفتها ... بعد التنافر والكريم الوف
ليس البلاء علي صنفاً واحداً ... لكن علي اليوم منه صنوف
أبو علي الحسين بن بشر الرملي: حدثني القزويني وغيره قالا كان الحسين في حياة أبيه بشر يهوى فتى من أهل الرملة في نهاية الملاحة والصباحة لا يرى الدنيا به وابوه يعذله وينهاه عن الإشتغال بأمثال فبينا هو ذات يوم قاعد مع أبيه على باب دارة إذ اجتاز به الفتى الموموق وكأنه ينظر بمقلة يوسف ولم يكن بشر رآه فأخذته عيناه فقال للحسين يا بني إن كان لابد من الحب فهلا أحببت مثل هذا فأطرق حسين ولبس قناع الخجل ثم قال في حكاية الحال:
ابصره عاذلي عليه ... ولم يكن قبلها رآه
فقال لي لو هويت هذا ... ما لامك الناس في هواه
فظل من حيث ليس يدري ... يأمر بالحب من نهاه
ثم رأيت هذه الأبيات في ديوان أبي الفرج بن هند ولست ادري ايهما المنتجل ولنا من الحديث طيبه وانشدت للحسين بن بشر في عزيز مصر:
يا واهب الدنيا ويا غافراً ... ذنوب أهل الأرض لو أجرموا
قد نال إحسانك باديهم ... وحضرهم والترك والديلم
وها أنا قد صرت فرداً فلا ... تحنو على ضعفي ولا ترحم
أبو ذفافة المصري: هو القائل لبعض الرؤساء:
وما السحاب إذا ما انجاب عن بلد ... ولم يلم به يوماً بمذموم
إن جدت فالجود شيء قد عرفت به ... وإن تحافيت لم تنسب إلى اللوم
وله أيضاً:
ازورك ايها الشيخ المعلى ... للا طمع ولكن للمحبه
إليك علاك قادتني والا ... فطيري ليس تلقط كل حبه
وله ايضاً:
يقول الناس قد شبت ... ولا والله ما شبت (2/145)
ولا اترك تقبيل ... خدود المرء ما عشت
جعفر بن هاني الأندلسي: هو القائل في رجل يلقب الطمشيش:
أما ترى لحية الطمشيش حين بدت ... حمراء قانية دلت على حمقه
كأنما سرق الملعون جيرته ... ديكاً فعلقه الشرطي في عنقه
ومما ينسب إليه في الحكم قوله ويروى لغيره:
إذا افنيت بعض اليوم فاحزن ... فقد افنيت من محياك بعضاً
وما من ساعة إلا وتنعى ... إليك نصيب عمر قد تقضى
أبو محمد بن عبد المحسن بن محمد بن طالب الصوري: انتخب من ديوان شعره الذي أعارنيه الشيخ أبو بكر قوله في قصيدة:
يا حاران الركب قد حاروا ... فاذهب تجسس لمن النار
تخبوا وتبدو ان خبت وقفوا ... وإن اضاءت لهم ساروا
كأنه اقتبسه من قول الله عز وجل: كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا، ومنها:
ما نظرة إلا لها سكرة ... كأنما طرفك خمار
ومنها في وصف الرياح:
ما شاجروا إلا اظلمتم ... من قضب المران اشجار
ومنها:
وأظهروا نوراً لها أزرقاً ... له من الأنفس أثمار
عجبت كيف استعبدك العلى ... والناس من ذلك أحرار
فكيف ساجلت الغمام الذي ... ليست له في المصيف أمطار
وقوله في أبي الجيش حامد بن ملهم وقد ركب معه في بحيرة الطبريه:
وقالوا التقى الوردان ورد من الندى ... وورد من الماء القراح الذي تجري
فقلت لهم وفوا أبو الجيش حقه ... ولا تظلموه ما البحيرة كالبحر
وقوله فيه من أخرى وقد خلع عليه:
ما زال ينحني أبا الجيش الندى ... كيما يجدد كل يوم جودا
حتى غدوت أنا المسمى حامداً ... وغداً يسمى حامداً محمودا
وقوله من أخرى:
ومتى ذممت الدهر بعد لقائه ... وعطائه فعلى حد المفتري
ومنها:
من معشر يتخيرون كلامهم ... حتى كأنهم تجار الجوهر
وكأنما أقلامهم من حذقها ... بالقتل فضلات القنا المتكسر
وقوله من أخرى:
يا ثالث القمرين النيرين أرى ... أمام حالي سوداً ماله هاد
أنت الأمير بأرضي والزمان بها ... عاد وقد جئت استعدي على العادي
ومن أخرى في منير الدولة ابن حمدان:
كنت من قبل أن تلقبت كالبد ... ر واعلى ذكراً وقدراً ونورا
ثم اشكلتما علي بأن صر ... ت تسمى كما يسمى منيرا
ومن أخرى فيه:
الحال مظلمة وليس ينيرها ... إلا منير الدولة الغراء
والناس كالمتعجبين لهائم ... ظمآن وهو على شفير الماء
وقوله في ترك الغيرة:
تعلقته سكران من خمرة الصبا ... به غفلة عن لوعتي ولهيبي
وشاركني في حبه كل ماجد ... يشاركني في مهجتي بنصيب
فلا تلزموني غيرة ما عرفتها ... فإن حبيبي من أحب حبيبي
أبو الحسن علي بن محمد التهامي: يقول من قصيدة:
يخبرنا عن جوده بشر وجهه ... وقبل طلوع الشمس تأتي بشائره
ويصدق فيه المدح حتى كأنما ... يسبح من صدق المقالة شاعره
ومنها:
يكاد لإدمان القراع حسامه ... يسابقه نحو الطلى ويبادره
ومن أخرى:
جرت عبراتهن على عبير ... كما انشق الحباب على المدام
برود ريقهن وكيف يحمي ... ومجراه على برد توأم
سقام جفونهن شفاء قلبي ... وهل يجني الشفاء من السقام
ومنها:
فتى جبلت يداه على العطايا ... كما جبل اللسان على الكلام
فسيراه لنيل أو عنان ... ويمناه لرمح أو حسام
لقد أحيى المكارم بعد موتٍ ... وشاد بناءها بعد انهدام
سواء عنده قول المنادى ... هلم إلى الطعان أو الطعام
ومن أخرى:
هل الوجد أن تلوح خيامها ... فيقضى باهداء السلام ذمامها
وقفت بها ابكي وترزم انيقى ... وتصهل افراسي وتدعو حمامها (2/146)
ومنها:
ولو بكت الورق الحمائم شجوها ... بعيني محا اطواقهن انسجامها
ومنها:
ولم أنسها يوم التقى در دمعها ... ودر الثنايا فذها وتوامها
إذا كان حظي حيث حط خيامها ... فسيان عندي نأيها ومقامها
وهل نافعي أن تجمع الدرا بيننا ... بكل مكان وهي صعب مرامها
ومنها:
كأني في البيداء بيت قصيدة ... تناشده غيطانها واكامها
إلى ان لثمنا كف حسان إنها ... أمان من الفقر المضر التثامها
ومنها:
هم الأسد إلا أنها تبذل القرى ... لطارقها والأسد يحمي طعامها
هم يمزجون الدر للطفل بالعلى ... فينشوا عليها لحمها وعظامها
وإن فطموا أطفالهم بعد برهةٍ ... فعن درها لا علاها فطامها
جلاد على حر الجلاد إذا التقت ... كلام الأعادي بالدما وكلامها
علائلها أدراعها وسماعها ... صليل المرامي والدماء مدامها
ومنها:
ألا أن طياً للمكارم كعبةٌ ... وحسان منها ركنها ومقامها
ومنها:
وليس بمشغول اليدين عن الندى ... إذا شغل الكف اليمين حسامها
لقد أمسكت قحطان منك أبا الندى ... بعروة مجد لا يخاف انفصالها
فإن كابدت جدباً فأنت ربيعها ... وإن باشرت حرباً فأنت حسامها
قليل لك الأرضون ملكاً وأهلها ... عبيداً فهل مستكثر لك شامها
ألا أن أوصاف الأمير جواهرٌ ... وإن مديحي سلكها ونظامها
ومن أخرى في نهاية الحسن:
تهيم ببدر والتنقل والنوى ... على البدر محتوم فهل أنت صابر
له من سنا البدر المورد غرة ... ومن حلل الليل البهيم غدائر
ومنها:
ينال من الأعداء خوف أبي الندى ... وهيبته ما لا تنال العساكر
وما مات طاءيٌّ وحسان خالد ... ولا غاب منهم غاب وهو حاضر
أحاط بك التوفيق من كل وجهة ... وجاءتك من كل البلاد البشائر
فإنك مغناطيس كل فضيلةٍ ... فلا فضل إلا وهو نحوك صائر
ومن أخرى:
حبيب جلا من ثغره يوم ودعا ... عقوداً وألفاظها وثغراً وأدمعا
وأبدى لنا من دله وحديثه ... ومنطقه ملقى ومرأى ومسمعا
ومنها:
لقد خلقت عيناك للسحر معدنا ... كما خلق الطيموم للجود منبعا
إذا ما مدحناه ببعض صفاته ... وأفعاله لم تبق للمدح موضعا
ولو أن إنساناً بعظم محله ... ترفع عن قدر الثناء ترفعا
ومنها:
ويطرب للعافين حتى كأنما ... برؤيتهم يسقى الرحيق المشعشعا
ولم أر كالطيوم إلا أبا الندى ... كريمين من اصل كريم تفرعا
إذا انبريا ابصرت شمسين في الوغى ... فإن شهرا سيفيهما صرن اربعا
لكل بهاء منكما غير أنني ... رايتكما أبها إذا كنتما معا
لو أنكما بعد التوازر رمتما ... تضعضع رضوي أو شروري تضعضعا
فلا زلتما كالنيرين محلةً ... ونوراً ومثل الفرقدين تجمعا
ومن أخرى:
بكيت فحنت ناقتي فأجابها ... صهيل جوادي حين لاحت ديارها
خططنا بأطراف المخاطر أرضها ... فاهدت الينا مسك دارين دراها
ولاحت ثنايا الأقحوان ولو رأت ... عوارض من أهوى لطال استتارها
أرى الحب ناراً في القلوب وإنما ... تصعد انفاس المحب شرارها
توق عيون الغانيات فإنها ... شفار واشفار الجفون شفارها
ومن أخرى:
غدوا بهلال من هلال بن عامر ... مرام هلال الأفق دون مرامه
تردد فيه الحسن من عن يمينه ... ويسرته وخلفه وأمامه
ومنها:
وموت الفتى في العز مثل حيوته ... وعيشته في الذل مثل حمامه
ومن فاته نيل العلى بعلومه ... وأقلامه فليبغها بحسامه (2/147)
ومن أخرى:
يقضي بحكم الجور في أمواله ... وقضى بحكم الله في الأيتام
تتيقن الأموال حين تحل في ... كفيه ان لست بدار مقام
أبو شرحبيل الكندي: قد أكثر الشعراء في الحث على إضطراب في الإغتراب لالتماس الرزق وقضاء الوطر من السفر ومن أشف ما قالوا فيه واشفاه قول هذا الإعرأبي - الشامي:
سر في بلاد الله والتمس الغنا ... ودع الجلوس مع العيال مخيما
لا خير في حر يجالس حرة ... ويبيع قرطيها إذا ما أعدما
الحسن الدقاق من أهل دمشق: يقول في صديق له أجحف في مسئلته وهو ضيفه:
ودعوتني وأكلت عندك لقمةً ... وشربت شرب من استتم خروفا
وسألتني من أثر ذلك حاجةً ... ذهبت بمالي تالداً وطريفا
فجعلت أفكر فيك باقي ليلتي ... ما كنت تفعل لو أكلت رغيفا
ويقول في تغيير صديق له اكل احسن عنده طباهجة:
ما جئت ذنباً إليه أعلمه ... ولا تطرف للفتى نسبا
بلى أكلنا له طباهجة ... كانت إلى قطع ودنا سببا
وكان هذا الحسن أحد ظرفاء الأدباء أنشدني له المصيصي في استهداء الشراب:
عندي أناس ظراف ... بهم تجلى الدهور
واليوم يوم مطيرٌ ... تلذ فيه الخمور
فرمه بيسيرٍ ... حتى يتم السرور
ولا تشبه بماءٍ ... فالماء عندي كثير
سرقه من قول البحتري:
فانفذ ما استطعت بعير مزجٍ ... فإن الماء ليس يضيق عندي
وأنا استظرف قول غيره فيمن أهدى اليه شراباً ممزوجاً:
ليس هذا من عادة الأحرار ... بيع ماء الأنهار بالأشعار
إنما قلت سقني ماء كرم ... لم أقل سقني من النهار
قد رددناه فاسقه من يري ... د الماء لا من يريد صرف العقار
ولئن كنت قانعاً منك بالما ... ءِ فعندي في الدار نهر جار
أبو محمد البوصر آبادي: وجدت ذكره في رسائل أبي إسحق الصابي وعرفت في لحن كلامه أنه شاعر فاضل ظريف الجملة والتفصيل ثم قرأت شعره في سفينةٍ لأبي عبد الله الحامدي ذكر فيها أنه استملاه من أبي محمد الخازن وانه سرق من سفينة لأبي عبد الله الحامدي ذكر فيها أنه استملاه من أبي محمد الخازن وأنه سرق من سفينة الصاحب بخطه فمن ذلك قوله وهو وأخوانه في نهاية الظرف والملاحة:
ايا دهر ويحك ماذا جميل ... فؤادي عليك وإلفي بخيل
كأني أرى وجهه في المرآة ... يلوح ومالي إليه سبيل
وقوله في معتم بعمامه سوداء:
وكاتب من قومنا شاعرٌ ... ليس بذاك الكاتب الماهر
عمامة سوداء في رأسه ... كلعنة الله على الكافر
وقوله في الهجاء الآفة الكبرى:
قد قال لي زيرك لي سيد ... مستدخل في بعضه بعضي
يأمرني بالنحو في نيكه ... بالرفع والنصب وبالخفض
ولست أدري أبو صر آباذ من قرى الشام أم من العراق وقد أدخلتها على ما خيلت إليّ في القرى الشامية واياً ما كانت فقد حصلت النكتة وهذه حال خرما باذ المنسوب العلوي الخرما باذي إليها وقد مرت بي أبيات له يقطر ماء الظرف منها كقوله:
أشارت إلى بعنابة ... مخضبة من دم الأفئده
أأنت على العهد يا سيدي ... فقلت إلى الحشر يا سيده
وقوله ما لحسنه غاية في معناه:
قالوا هجاك محمد فأجبتهم ... إن الهجاء من الصديق ثناء
ولربما جعل الحبيب سبابه ... سبب اللقاء لكي يتاح لقاء
ولئن هجوت كما هجيت فإننا ... رجلان في سوء الصنيع سواء
لكنني أثنى عليه جاهداً ... فإذا رآني صده استحياء
لم يلقني إلا بشخصٍ ذائبٍ ... عرقاً ووجه ليس فيه ماء
أبو الفتح بن دردان اليهودي الوزير: أنشدني أبو الحسن البرمكي أيده الله له:
ماذا أظلك قل لي ... لا أعدم الله ظلك
عش لي وبعدي فإني ... أرضي وإن لم أعش لك
فالدهر يخلف مثلي ... وليس يخلف مثلك (2/148)
وأنشدني أبو الحسن القزويني له:
سهرت والشوق يطويني وينشرني ... إلى غزال بديع الحسن مغنوج
حتى رأيت نجوم الصبح لائحة ... كأنها زيبق في كف مفلوج
وأنشدني له ايضاً:
دعوني وقومي والسمو إلى العلى ... فإن لهم شأناً إذا ما سموا ولي
ولا تستحلوا بالوفاء فإنه ... تراث لنا دون الورى عن سموءلي
يعني ابن عادياء اليهودي الذي يضرب المثل في الوفاء: أبو الأعين الأنطاكي: من ولد المعتصم شاعر أنطاكية يقول في الغزل:
لا وحلو الهوى ومن التجني ... وبخط العذار في ورد خده
لأذيبن وجنتيه بلحظي ... مثل ما قد أذاب قلبي بصده
ويقول:
نفسي فداؤك أيها القمر الذي ... يجلو الدجى بمحاسن الأنوار
لما اخطف عصيت فيك عواذلي ... وخلعت في حب العذار عذاري
ويقول من نتفه:
ورأيت للحموي بي ... ن يديه ديواناً مجلد
وسمعت بعضهم يقو ... ل الشيخ أحمق قلت اشهد
ابن با منصور الديلمي: هو ديلمي الأصل عراقي المنشأ شامي الوطن بارع الشعر بديعه يقول:
ناديت وجنته وقد رقمت ... بالمسك رقم الثوب بالقز
يا ارفع البز اختصصت على ... رغم العذول بارفع الطراز
ويقول:
يا من فقدت سروري بعد بعدهم ... قد صار بعدكم طول الأسى سكنا
لو كان يعرف انسان بلا جلٍ ... يموت من شدة الأشواق مت أنا
ويقول:
في ابتداء الشباب عاجلني الشي ... ب فهذا من أول الدن دردي
ويقول:
سقاني شمول الراح ساق كأنما ... سوالفه مسروقة من سلافها
بليلة فطرٍ قام فيها طوايفٌ ... فصلوا وقمنا جهرة بخلافها
وراح هلال الفطر نضواً كأنه ... مرآة تجلى بعضها عن غلافها
ويقول:
بالهند تطبع اسياف الحديد وفي ... بغداد تطبع أسياف من الحدق
جريح المقل: قد نسيت اسمه ولم أنس شعره الذي أنشدنيه أبو نصر بن المرزبان رحمه الله تعالى:
الرجل المهذب ابن نفسه ... أغناه فضل نفسه عن قنسه
كم بين من تكرمه لغيره ... وبين من تكرمه لنفسه
وقوله أيضاً:
ربما يرجو الفتى نفع فتى ... خوفه أولى به من أمله
رب من ترجو به دفع الأذى ... سوف ياتيك الأذى من قبله
وله يروى لغيره:
ورب كريمٍ تعتريه كزازةٌ ... كما قد رأيت الشوك في أكثر الثمر
ورب جوادٍ ممسك عند جوده ... كما يمسك الله السحاب عن المطر
أبو القاسم الحموي من حماة: وهي بلدة من العواصم يقول:
لا تقل بيت هجاء ... لا ولا بيت مديح
سبق الناس إلى ... كل مليح وقبيح
ويقول ويروى للخالدي الأصغر:
لما فزعت إلى الخضاب استهزأت ... سعدى وقالت والمحب لما به
ما كان ينفعه لدي شبابه ... فعلام يتعب نفسه بخضابه
ويقول في معنى من أحب شيئاً أكثر ذكره:
يا من حديثي حيث كن ... ت فكله عنه يكون
حتى يقال فكم إذاً ... ماذا هوى هذا جنون
الطاهر الجزري: عالي السن ادرك سيف الدولة وفيه يقول:
وحاجة قيل لي نبه لها عمراً ... ونم فقلت عليّ قد تنبه لي
حسبي عليان ان ناب الزمان وان ... جاء المعاد بما في القول والعمل
فلي علي بن عبد الله منتجع ... ولي علي أمير المؤمنين علي
وله في فتى تأدب بأدبه:
هذا علي بالمشاكلة التي ... ما بيننا لي مالك مستأثر
قالوا صديقك قلت بل ولدي وقد ... أعداه طبعي فهو مثلي شاعر
وقوله في قوس قزح:
ألست ترى الجو مستعبراً ... يضاحكه برقه الخلب
وقد لاح من قزح قوسه ... بعيداً وتحسبه يقرب
كطاقي عقيق وفيروزجٍ ... وبينهما آخر مذهب
أبو الغنايم بن حمدان الموصلي: يقول في أبي مضر ويروى لأحد الخالديين في المهلبي الوزير وهو غاية في وصف قصب القلم من قصيده: (2/149)
له قلم كقضاء الإله ... فبالسعد طوراً وبالنحس ماض
وما فارق الأسد في حالتيه ... يبيساً وذا ورقات غضاض
ففي كف ليث العلى في الندى ... وفي وجه ليث الشرى في الغياض
وله في الربيع وأحسن ما قيل فيه وذكر أبو عبد الله محمد بن علي بن حفص العموري النوقاني ان السرى الرفاء أورده في كتابه، كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب، لأبي القاسم الزاهي وهو ممن ذكرته في كتاب اليتيمة:
هذا الربيع وهذه أنواره ... طابت لياله وطاب نهاره
فضية أنهاره ذهبيةٌ ... أزهاره دريةٌ أنواره
متبلج غدواته متبرج ... ضحواته متأرج أسحاره
والماء فضي القميص مفروز ... ببنفسج واللازود شعاره
والسرو ممتد القوام كأنه ... قد الغلام تشقه أنهاره
وترنمت عجم الطيور كأنها ... شرب القيان ترنمت أوتاره
فاشرب على ورد الخدود بجنبه ... ورد الربيع تحقه أنواره
من كف أحور كالقضيب منعمٍ ... قد سد خوط قوامه زناره
أبو الحرث بن التمار الواسطي: ظريف بلاده يقول لسيدوك بلديه:
قد أتيناك مراراً ومراراً ومرارا ... فإذا أنت كمثل البدر لا يبدو نهاراً
وكان متزيداً لأبيه فلما توفي وورثه ماله قال فديت من أحيائي موته وأراه نقله من قول علي بن الهجم:
لما أتاني خبر الزيات ... وأنه قد صار في الموات
ايقنت أن موته حيائي
ومن ملح شعر أبي الحرث قوله:
يا اعدل الناس إلا في معاملتي ... وأصدق الناس إلا في عداتك لي
وقوله:
وهل يذخر الضرغام قوتاً ليومه ... إذا ادخر النمل الطعام لعامه
وقوله:
جئته زائراً فقال لي البو ... اب صبراً فإنه يتغدى
قلت سمعاً فقد سمعت قديماً ... خبره لازم ولا يتعدى
ابن الزمكدم الموصلي: أنشدني الشيخ أبو بكر له فيمن دعاه وسقاه الحامض:
كنت في دعوة علي ... بها كان قد دعي
طال من خل خمرها ... طول يومي تجرعي
وإذا ربها يكا ... بد طول التصنع
بين اضلاعه الس ... هام كما بين أضلعي
قلت لما رأيته ... كارعاً مثل مكرعي
اقتلوني ومالكاً ... واقتلوا مالكاً معي
وأنشدني له:
يا غلامي على المجاز ولو خا ... لف قلبي في الدعاء لساني
عاطني من يديك ضرة خدي ... ك وحل اللجين بالعقيان
واقتصر في مزاجها لي على ما ... شربته من ماء تلك البنان
أبو محمد الحسن بن محمد الرقي: طرأ على خراسان وتصرفت به اسفار واحوال افضت إلى أن تقبله الشيخ أبو بكر علي بن الحسن القهستاني ايده الله وأحسن به وافضل عليه كعادته عند أمثاله وأوطنه الجوزجان فمن قوله فيه:
لو قيل لي هل للنهى مالك ... يعرف أم هل للعلى صاحب
لقلت والصادق في قوله ... ممدح اذ هجى الكاذب
عميدها الشيخ أبو بكرها ... علي بن الحسن الكاتب
وله من قصيدة:
الجود يشهد والأنام معاً ... والعصر انك واحد العصر
وله في الغزل:
أتضحك يا فديتك من كتأبي ... فتظهر مثل ما اظهرت درا
وقي عيني كما في فيك منه ... أرى هذا وذا نظماً ونثرا
فثغرك لو يذوب كان دمعاً ... ودمعي لو يجمد كان ثغرا
أوجز وأحلى منه قول أبي الفضل بن أبي جعفر الميكالي:
يا شادناً جمع الله المنى فيه ... وأنبت الدر من عيني ومن فيه
وللرقي من قصيدة:
وكم ليلة طال التعانق بيننا ... كلانا به بتنا غريم غرام
ومنطقتي كفاه والليل ادهمني ... وقامته رمحي وفوه لثامي
وقوله من أخرى:
لقد جل خطبي في التي دق خصرها ... وأسهر جفني جفنها وهو نائم (2/150)
إذا كن أصداغ الخدود عقاربا ... فإن ذوابات الرؤس الأراقم
هذا البيت معيب عندي إذا جمع فيه بين العقارب والحيات في الغزل والطبع ينفر منها ولو كان في الهجاء لكان جيداً كما قال ابن الرومي في هجاء قتينه:
فقرطها بعقرب شهر زورٍ ... إذا غنت وطوقها بأفعى
وذكر عقرب الصدغ مألوف ولا سيما إذا كانت فيه صنعة كما قال ابن المعتز:
وكأن عقرب صدغه احترقت ... لما دنت من نار وجنته
وكما قال السري:
في خده ورد حما ... ه من القطاف بعقرب
وكما قال الصاحب:
لئن هو لم يكفف عقارب صدغه ... فقولوا له يسمح بترياق ؤيقه
فإذا اقترن به ذكر الحية في بيتٍ واحدٍٍ لم يهش له السمع ولم يقبله القلب وللرقي من قصيدة:
كن رسولي وبلغ الأهل عني ... ما على المرسلين إلا البلاغ
ما دهتني عقارب بنصيبي ... ن دهتني بواسطٍ اصداغ
وله في غلام ذي ذؤابتين:
ظبي تفل الظبي اجفانه وله ... من سمرة اللون ما تثنى به السمر
ذؤابتاه نجادا سيف ناظره ... وجفنه جفنه والشفرة الشفر
ضفيرتاه على قلبي تضافرتا ... فمن رأى شاعراً أودى به الشعر
أبو الدرداء الموصلي: يجري في طريق السري ويتشبه به وهو القائل ويروي للسري:
تصرم شهر الصوم شهر الزلازل ... وشال به شوال شهر الفضائل
ولاح هلال الفطر حنواً كأنه ... سنان لواه الطعن في راس عامل
ودارت علينا الكأس بين أهلةٍ ... تضيء وأغصانٍ رطاب ٍ موائل
فرحنا وفي أجسامنا سحر بابل ... يدب وفي أيماننا خمر بابل
وقال وقد حضر مع قوم مجلس الأنس فتذاكروا في المذاهب والآراء وتناظروا في التنجيم:
دعوا المراء والجدل ... فهو عثار وزلل
وصافحوا الكأس على ... حسن احاديث الغزل
ما النصب والرفض وما ... يوم الهرير والجمل
لما لم يستقم له في البيت ذكر صفين جعل مكانه يوم الهرير وانما هي ليلة الهرير من ايام صفين.
وشتم قوم قسمت ... بينهم الدنيا دول
وما النجوم لا جرى ... مريخها ولا زحل
وسقطت جوزاؤها ... وريع بالذبح الحمل
لا نجم إلا ناجم الر ... اح بدا ثم أفل
يطلع من كفٍ خصيد ... ب الكف ثم ينتقل
والرفض إن ترفض ما ... جاء به أهل الملل
والنصب إن تنصب لل ... ذات اشراك الحيل
مالي وللشرب لهم ... بغير ما أهوى شغل
يغمد ما بينهم ... سيف الجدال ويسل
اذا بدا يوم خفي ... ف الروح ردوه جبل
محمد بن عبيد الله البلدي: قد ذكره أباه عبيد الله في اليتيمة وأورده نبذاً من ملح شعره وهذا ابنه أشعر منه وأنشدني أبو طالب الشهرزوري قال أنشدني ابن البلدي لنفسه وكان حلف أن لا يشرب حولا فبرت يمينه غرة شوال:
برت على هجر الكؤوس يميني ... شهر الصيام فما امتطين يميني
قم هاتها حمراء في مبيضةٍ ... كالجلنارة في جني نسرين
أو ما رأيت هلال فطرك قد بدا ... في الأفق مثل شعيرة السكين
أحسن منه قول كشاجم:
كشعيرة من فضةٍ ... قد ركبت في خنجر
قسماً بحبك لا مزجت كؤوسها ... إلا بريقك أو بماء جفوني
وله أيضاً وقد حضرت مع اخوانه ببيت صديق له فاشتد جوعهم فيه:
وبيت خلا من كل خير فناؤه ... فضاق علينا وهو رحب الأماكن
كأنا مع الجدرا في جنباته ... دمي في انقطاع الرزق لا في المحاسن
تتمة القسم الثاني في
محاسن اشعار أهل العراق
بل أحاسانها وما يتصل بها من ملح أخبارهم
الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي النقيب ايده الله تعالى: هو أخو الرضي أبي الحسن الذي تضمن كتاب اليتيمة شعره وقد انتهت الرياسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم وله شعر في نهاية الحسن فمنه ما أنشدني أبو الحسن محمد بن الحسن البرمكي الفقيه ايده الله تعالى قال أنشدني المرتضى لنفسه ببغداد وهو مما يغني به لرقته وحلاوته: (2/151)
يا خليلي من ذؤابة بكرٍ ... في التصابي رياضة الأخلاق
غنياني بذكرهم تطرباني ... وأسياقي دمعي بكأس دهاق
وخذا النوم عن جفوني فإني ... قد خلعت الكرى على العشاق
وله من قصيدة وهو مما يسكر بلا شراب ويطرب بلا سماع:
أحب ثرى نجد ونجد بعيدة ... ألا حبذا نجدٍ وإن لم تفد قربا
يقولون نجد لست من شعب أهلها ... وقد صدقوا لكنني منهم حبا
كأني وقد فارقت نجداً شقاوة ... فتى ضل عنه قلبه ينشد القلبا
وله من أخرى في الشيب وذمه:
يقولون لا تجزع من الشيب ضلة ... وأسهمه أياي دونهم تصمي
وما سرني حلم يفيء على الردى ... كفاني ما قبل المشيب من الحلم
إذا كان ما يعطيني الحزم سالباً ... حياتي فقل لي كيف ينفعني حزمي
وقد جربت نفسي الغداة وقاره ... فما شد من وهني ولا سد من ثلمي
وأني مذ أضحى عذاري قراره ... أعاد بلا سقم وأجفى بلا جرم
ومن اخرى في ذم الشباب:
ومعيري شيب العذار وما درى ... أن الشيات مطية للفاسق
وأقول إذا غيرت منه لونه ... هيهات ابدل مؤمناً بمنافق
ومن أخرى وهو مما يغني به:
ألا يا نسيم الريح من ارض بابل ... تحمل إلى أهل الخيام سلامي
وقل لحبيب فيك بعض نسميه ... أما آن أن نسطيع رجع كلامي
أني لأهوى أن أكون بأرضكم ... على أنني منها استفدت سقامي
وله من قصيدة مرئية:
تجري دموع عيونٍ ود صاحبها ... لو أنهن على خد المصاب دم
كأننا اليوم من هم تقسمنا ... نهب بايدي ولاة السوء مقتسم
نثني الأكف حياء عن ملاطمنا ... وفي الحشا زفرات الحزن تلتطم
ونكتم الناس وجداً في جوانحنا ... وكيف نكتم شياً ليس ينكتم
ومنها:
أين الذين خد الثرى وطئوا ... وحكوا في لذيذ العيش فاحتكموا
لم تبق منهم على ضن النفوس بهم ... إلا رسوم قبور حشوها رمم
ولا يغرنك في الموتى وجوده ... فإن ذاك وجود كله عدم
وقد مضى ما اقتضاه الرزء من جزع ... فابن ما يقتضيه العلم والكرم
وله من أخرى:
كأني لما صك سمعي نعيه ... صككت بمسنون الغرارين قاضب
طواه الردى طي الرداء وعطلت ... مغاني الحجى عنه وغر المناقب
ولما بلوت الأصدقاء وودهم ... خلصت عليه من خلال التجارب
ومن أخرى:
كم ذا تطيش سهام الموت مخطئة ... عني وتصمي أخلائي وأخداني
ولو فطنت وقد أردى الزمان أخي ... علمت أن الذي اصماه اصماني
سود وبيض من الأيام لونهما ... لا يستحيل وقد بدلن الواني
هيهات حكم فينا أزلم جذع ... يفنى الورى بين جذعان وقرحان
ومن أخرى:
شد غروض المطي مغترباً ... فلم يفز طالب وما طلبا
لا در في الناس در مقتصدٍ ... يأخذ من رزقه الذي قربا
وما مقام الكريم في بلدٍ ... ينفق فيه الحياء والأدبا
لا تعطني بالزمان معرفةً ... كم ضاق بي مرة وكم رحبا
اي خطوب لم تولني عظةً ... واي دهر لم أفنه عجبا
ساعات دهر تمر مسرعةً ... عنا وتبقى الهموم والتعبا
الأشرف ابن فخر الملك: قدم من بغداد اصبهان علي ابن كاكوية ظاناً به الجميل فخاب ظنه وأدركته حرفة الأدب فبينا هو ذات يوم يشرب على شاطئ زر نروذ إذا هزت الراح عطفه ودبت اريحيه النشوة فدعا بالدواة القرطاس وكتب إلى أخيه الأعز انب فخر الملك وهو ببغداد في نعمة وحسن حال: (2/152)
إن الذي قسم الوراثة بيننا ... جعل الحلاوة والمرارة فينا
لكن اراك وددت ماء صافيا ... ووردت من جور الحوادث طينا
أوليس يجمعني ونفسك دوحةُ ... طابت لنا دنيا وطابت دينا
إن كنت أنت أخي فقل لي يا أخي ... لم بت جذلاناً وبت حزينا
هلا قسمنا بيننا الفرح الذي ... كنا أقتسمنا في حياة أبينا
فلما قرأ الأعز كتابه اذرى دموع الرقة لأخيه وسفتج بالفي دينار وكتب ببيت لبيد:
فامتنع بما قسم المليك فإنما ... قسم المعايش بيننا علامها
ولم أجد للأشرف بعدما كتبته إلا قوله:
مر بي الموكب لكنني ... لم أر فيه قمر الموكب
قتل لأمير الجيش يا سيدي ... ما لأمير الحسن لم يركب
ابن المطرز: وهو اليوم بقية الشعراء ببغداد ويكنى أبا القاسم واسمه عبد الرحمن بن محمد أنشدني أبو الفضل عبد الواحد بن محمد البغدادي التميمي قال أنشدني ابن المطرز لنفسه من قصيدةٍ:
سرى مغرماً بالعيش يفتجع الركبا ... يسايل عن بدر الدجى الشرق والغربا
إذا لم تبلغني إليكم ركائبي فلا ... وردت ماءً ولا رعت العشبا
على عذبات الجزع من ماء تغلبٍ ... غزال يرى ماء القلوب له شربا
إذا ملأ البدر العيون فإنه ... لعينك بدرٌ يملأ العين والقلبا
وأنشدني أبو يعلى البصري له من أخرى:
يا صاحبي بأعلام المدينة لي ... ظبي إذا أنست عيني به نفرا
لولا أحتشامي منه حين يلحظني ... إذا تأملته أفنيته نظرا
إذا تبسم واستجلى محاسنه ... طرفي خلعت عليه السمع والبصرا
فإن رنا قلت عن عين الغزال رنا ... وإن مشى قلت غصنٌ يحمل القمرا
وله في رئيس:
يوم عيدتك نحوسه ... وغدت عليك كؤوسه
وتغايرت أقماره ... إذا غازلتك شموسه
يا سيداً ما مله ... مذ كان قط جليسه
ما من رئيسٍ سيدٍ ... إلا وأنت رئيسه
وله ايضاً:
سلام على بغداد من كل بلدة ... وحق لها مني سلام مضاعف
لعمرك ما تركي لها عن قلى ها ... وإني بحسنى جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت علي برحبها ... ولم تكن الرزاق فيها تساعف
فكانت كخل كنت أهوى دنوه ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
وله في الخمر ويروى لأبن نحرير:
يا ساقيى اسقياني من دم العنب ... فقد طربت إليها غاية الطرب
حمراء صافيةً صرفاً مشعشعة ... كالنار طوراً وطوراً ذائب الذهب
تجلى على الشرب في ضدين ما اجتمعا ... إلا لها فهي من ماء ومن لهب
بكر إذا اقتضتها السلقي بكت خجلاً ... وكللت رأسها دراً من الحبب
وله في استهداء قطعة الشطرنج:
أبا طاهر أنت لي جنةٌ ... أجل وأعظم من شأنها
ونحن العيون وأنت الجفون ... وحسن العيون بأجفانها
وعندي خيول قد استنهضت ... معلقةً رهن ارسانها
وقد حضرت قصبات الرهان ... فمن علي بميدانها
وله:
ظالم ما منه منتصر ... أبدا يجنى وأعتذر
حل من قلبي بمنزلةٍ ... لم ينلها قلبه بشر
بات يسقيني المدام ولي ... وله من طرفه سكر
ويحييني بسالفةٍ ... حار في أرجائها الشعر
يا حبيباً كله حسن ... لمحب كله نظر
وجه من كل ناحيةٍ ... حيث ما قابلته قمر
إن تفرقنا على قدر ... وسعت ما بيننا الغير
فلعل الدهر يجمعنا ... والهوى ماضي ومنتظر (2/153)
وله في المجون:
فقحة مثل عجنة الحواري ... حسنها يترك الصحاة سكارى
لفتاةٍ لسانها أعجمي ... عبدةٍ عندها الملوك اسارى
ورمتها من العيون ومالت ... فقلوب الزناة فيها حيارى
أبرزتها من الثياب وقالت ... يا خواجه أتشتهي قلت آرى
وقال:
كأنما أنجم الجوزاء فاصلةٌ ... عن الثريا وبدر التم لم يغب
ممنطق ساق في ميدانه كرة ... من اللجين بطبطاب من الذهب
وله:
تهن بيوم بالسعادة مبهج ... تحلى بوجهٍ مسفر متبلج
يميل بأعطاف النسيم ممثلاً ... بطلعته وشى الربيع المدبج
أتاك بشير بالسعود وكل ما ... تؤلمه في كل حال وترتجي
فعش وابق واسلم في سرور وغبطةٍ ... وعيد ونورز ألف عام ومهرج
وله من قصيدة:
عجبت لمن يصفى الوداد لغادرٍ ... يميل مع الأيام حيث تميل
ودودٍ إذا حياك أما لسانه ... فواق وأما قلبه فملول
فلو صحت الأيام صح وفاؤنا ... ودام ولكن الزمان عليل
وله من أخرى:
بيني وبين يد الزمان إذا نبا ... صنع الإله وناصر السلطان
يلقاك بالوجه الطليق لعلمه ... إن الكتاب بظاهر اللعنوان
فلو أنني استنجدت رائق بشره ... وتركت نائل كفه لكفاني
ومنها في وصف النوق:
شرب الهجير دماءها ولحومها ... فأتين كالأرسان في الأرسان
يكرعن في لمع الشراب وقلما ... ضمن الشراب الري للعطشان
أبو الحسن علي بن الريان الجرهمي: ذكر أبو الفضل التميمي إنه يغني بشعر نفسه ويصوغ له الألحان فمن ذلك
يا هاجري في أوسع العذر ... قد رقت عيني على الهجر
علمني غدرك اسلو الهوى ... أي هوى يبقى على الغدر
وكنت من صبري جزوعاً فمذ ... خنت تجاسرت على الصبر
وقوله:
يا ويح قلبي من تقلبه ... أبداً يحن إلى معذبه
قالوا كتمت هواك من جلدٍ ... لو أن لي رمقاً لبحت به
وقوله:
بات بليلي فيك من يعذل ... جفن همول وحشاً مشعل
ومقلة ما اكتحلت بالكرا ... مذ غاب ذاك الرشأ الأكحل
يا قوم ما أحلى واشهى الهوى ... للمرء إلا أنه يقتل
وله شعر كثير من هذا النمط.
أبو بكر العنبري: ذكر التميمي أنه من مشيخه الصوفية ببغداد ومن ظرفاء شعرائها ومن شعره الذي يغنى به قوله:
يا من إلى وجهه جحي ومعتمري ... إن حج قوم إلى ترب وأحجار
أنت الصلاة التي أرجو النجاة بها ... وأنت صومي الذي يزكو أفطاري
إني وإن بعدت عني دياركم ... فأنتم في سواد القلب سماري
فإن تكلمت لم الفظ بغيركم ... وإن سكت فأنتم عقد اضماري
ومن سائر شعره:
كم تغدينا بصومٍ ... وتعشينا بنوم
وتأذينا بقوم ... فانتقلنا نحو قوم
ومن منثور كلامه: نعم السلاح الدعاء ونعم المطية الوفاء ونعم الشفيع البكاء وكان يقول: التصوف اجتناب المحارم واجتناء المكارم، وينشد:
ليس التصوف بالفوط ... من قال ذاك فقد غلط
إن التصوف يا فتى ... صفو الفؤاد من السقط
وله :
وليس الذي يجري من العين ماؤها ... ولكنه روح يذوب ويقطر
أبو الحسن النعيمي : أنشدني أبو القاسم عبد الصمد بن علي الطبري قال أنشدني مكي بن البغدادي قال أنشدني النعيمي وكان شيخاً قد نالت الأيام من جسمه وحاله:
أخلت الأيام كأسي من الرا ... ح كما خلا من المال كيسي
وغزانا الشتاء من بلد الرو ... م على غفلةٍ بلا ناقوس
فتحامى الألى لباسهم من ... صوف مصر ومن خزوز السوس
ومضى حكمه من الأسر والقه ... ر على كل مدبر منحوس
ماله جنة سوى النار باللي ... ل ولا بالنهار غير الشموس (2/154)
فهو في السر مسلم وعلى الظا ... هر مستمسك بدين مجوس
قال وكان يجلس في الجامع الشرقي ببغداد أيام البرد فسمعه يوماً وهو جالس فيه والمساء متغيمة يقول: قد سرقت إحدى الجنتين يعني احتجاب الشمس، قال وسمعته في اجتماع قوم لا خلاق لهم ولا خير فيهم: كسير وعوير ومفتاح الدير وآخر ليس فيه خير، قال وسمعته يقول في قوم شرار نزلوا في شر منزل وتجعله مثلاً: ركب زنبور عقرباً إلى جحر حية فقيل ابصر من الحامل والمحمول وفي أي خان نزلوا، قال وأنشدني لنفسه:
إذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعاً ورياً
فكن رجلاً رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا
فإن أراقه ماء الحيا ... ة دون إراقة ماء المحيا
أبو الحسن الهاشمي المأموني: أنشدني أبو الحسن البرمكي قال أنشدني أبو الحسن هذا المذكور لنفسه:
إذا لم تنصفونا يا كرام ... وفي أيديكم اليوم الزمام
فكيف بكم إذا قلنا صرفتم ... وزال البوش وانقطع الزحام
وكنتم معشراً ملكوا فخسوا ... فنام الحظ عنهم حين ناموا
وكانوا يخدمون وهم قعودٌ ... فصاروا يصفعون وهم قيام
أبو الفضل محمد بن عبد الواحد التميمي البغدادي: أيده الله تعالى، طلع على نيسابور منذ سنيات وهو في ريعان شبابه فملأ العيون جمالا والقلوب كمالاً وأفادنا كثيراً ثم امتطى أمله إلى الحضرة الكبرى بغزنة حرسها الله تعالى فعاشر السادة بها ووصل إلى السلطان الماضي أبي القاسم رضي الله عنه وخدمه في مجلس الانس ثم انقلب عنها وقد أسفرت سفرته عن صفقه الرابح وغنيمة الفائز وله شعر الأديب الظريف الذي شرب ماء دجلة وتغذى بنسيم العراق فمما أنشدني لنفسه قوله:
هام قلبي بحسن ذاك العذار ... حين لاح اخضراره في احمرار
عز رب اذا رب أراد تعالى ... أنبت المرزجوش في الجلنار
وقوله:
جد وإن شئت لا تجد ... إن تخلصت لم أعد
إنما منك غرني ... كلم طعمها الشهد
لست في الناس واحداً ... قتلته اللحى الجدد
وقوله في خط اللحية:
بدا خط من أهواه كالبدر طالعاً ... وعارضه قد لاح فيه وزغبا
فكان كنمل دب في العاج قاصداً ... ليجتز في رفقٍ من الصدغ عقربا
قوله:
إن زارني لم أنم من طيب زورته ... وإن جفا لم أنم من شدة الحرق
ففي الوصال جفوني غير راقدة ... من السرور وفي الهجران من قلق
إني لأخشى حريقاً إن علا نفسي ... وأتقى أن جرى دمعي من الغرق
وقوله:
نظرت تشوقاً يوماً إليه ... فأثر ناظري في وجنتيه
وجرد من لواحظ حساماً ... حمايله بنفسج عارضيه
وقوله في رمد المحبوب:
قلت إذا قيل لي حبيبك يشكو ... رمداً سلط السهاد عليه
وقوله:
الشعر كالبحر في تلاطمه ... ما بين ملفوظه وسائغه
فمنه كالمسك في لطائمه ... ومن كالمسك في مدابغه
وللموازيني في فصد بعض رؤسائه:
على اليمن باكرت الفصاد مشمراً ... يمين جوادٍ للعطاء مشمره
مددت أبا سعد إلى صدر مبضعٍ ... يدا تصدر الآمال عنه منشره
وما خلت إن الجود تجري له دم ... فما كان أجري ذا الطبيب وأجسره
أظن له من لطفه بلباقةٍ ... بصيرة بقراط وأقدام عنتره
وله في مرثية القاضي الهاشمي بحلب:
ناعى أبي جعفرالقاضي دعوت إلى ال ... ردى فلم يدر ناع أنت من داع
تنعى العظيمين من مجدٍ ومن شرفٍ ... ببعد الرحيبين من خلق ومن باع
مهلاً فلم تبق عيناً غير باكيةٍ ... ولا تركت فؤاداً غير مرتاع
قد كان ملأ عيون بعده امتلأت ... جزناً ونزهة ابصارٍ وأسماع
وله:
كم حمار هو أولى ... ببنهيقٍ وشهيقٍ
يكتسى في الشتوة الخز ... وفي الصيف الدبيقي (2/155)
وعلى هذين البيتين فقد تذكرت بيتين على وزنهما وقافيتهما واشتمالهما ذكر الدبيقي ولا أدري لمن هما وهما:
ضاع في الشوك دقيقي ... حين أملت صديقي
بفعالٍ كالبخاري ... وقولٍ كالدبيقي
أبو الغنايم بن أبي المكارم الرملي هو أبن الذي يقول فيه ابن لنكك:
إن الرميلي بعيد خاطره ... يشعر ما دامت له دفاتره
فالشعراء كلهم خواطره
ويقول فيه ايضاً:
خلف الرملي فيما اق ... تص عني وحكاه
يدعي يوم اصطلحنا ... أنني قبلت فاه
لم أقبل فاه لكن ... قبلت كفي قفاه
فأما أبو الغنايم فإنه يقول لصديقٍ له ولي عملاً:
جعلت فداك لا تجف الأخلا ... فينأوا عن ذراك وهو اذلا
وكانوا يطرحون لنا مصلى ... فمنذ وليت قد رفع المصلى
ويقول في شهر رمضان:
شهر الصيام مبارك ... لكنه في شهر آب
خفت العذاب فصمته ... فوقعت في نفس العذاب
ويقول في الهجا بيتاً نادراً كالمعجز في فنه وهو:
خوان لا يلم به ضيوف ... وعرض مثل منديل الخوان
أبو الحسن علي المعروف بابن كويرات الرملي: حدثني المصيصي قال كان ابن كويرات من أظرف الناس وأملحهم نوادر حضرت معه دعوة برأس العين فقدم إلينا جمل مهزول ومددنا أيدينا إليه وهو قابض يده فقلنا له في ذلك فقال يا سادتي هذا كان عاشقاً والعاشق لا يأكل العاشق، وأنشدني له أبو يعلى في طبيب من أهل مصر يدعى أبا الربيع وهو من أحسن ما قيل في مدح طبيب:
أبو الربيع ربيعٌ ... لكل جسم وروح
إذا رأى الداء داوا ... ه بالدواء الصريح
كأنه في البريا ... خليقة للمسيح
وله من قصيدة:
رشأ سمعت لخده وعذاره ... في هذه الدنيا حديثاً سائراً
فإذا رأيت عليه طرفاً واقعاً ... فأعلم بأن هناك قلباً طائراً
عبد المنعم بن عبد المحسن الصوري من ملحه وطرفه قوله في غلامٍ ينظر في المرآة:
جلا المرآة صيقلها لوجهٍ ... تولى الله خلقته لحيني
فلو أبصرته يرنو إليها ... عرفت الفرق بين الصقيلين
وقوله لنيهان الجعفري وهو في غاية الملاحة:
زحفت إلى نبهان من عفو خاطري ... عروساً غدا بطن الكتاب لها خدرا
فقبلها عشراً وأظهر حبها ... فلما طلبت المهرطلقها عشرا
وأنشدني المصيصي وأبو يعلى له:
أرى الليالي إذا عاتبتها جعلت ... تمن إن جعلتني من ذوي الأدب
وليس عندي الليالي أن أقبح ما ... فعلن بي أن جعلن الشعر مكتسبي
ومما يستحسن ويستظف له قوله:
لي مولى احسانه يتجدد ... كل يومٍ لدي والمجد يشهد
أحسن الفعل بي واحسنت قولاً ... واشتبهنا فقيل جاد وجود
وقوله وهو من أمثاله السائرة:
أرى الله يعطيني ودهري يأخذ ... وفي كل يوم سيف قتلي يشحذ
وكيف سلوى عن شبأبي وفقده ... طريق إلى ما سمت المنية ينفذ
أبو الفرج بن أبي حصين القاضي الحلبي: من أظرف الناس وأحلاهم أدباً وأبوه الذي كاتبه أبو فراس وساجله ومدحه السري وأخذ جائزته ونطق كتاب اليتيمة بنبذٍ من شعره في عرض شعر أبي فراس ولم أسمع لأبي الفرج من قوله فيمن أبى أن يضيفه:
وأخ مسه نزولي بقرحٍ ... مثل ما مسني من الجوع قرح
بت ضيفاً له كما حكم الده ... ر وفي حكمه على الحر قبح
فابتداني يقول وهو من السكر ... ة بالهم طافح ليس يصحو
لم تغربت قلت قال رسول ال ... له والقول منه نصح ونجح
سافروا تغنموا فقال وقد قا ... ل عليه السلام صوموا تصحوا
ولم اسمع في عموم الخيانة ووراثة الناس آباهم آدم إياها غير قوله:
كيف نرجو الوفاء من نسل من لم ... يف لله في جنان بحبه
وعزيز في العالمين أمين ... خان عهداً أبوه في الخلد ربه (2/156)
وله في عتاب الدهر على قصده الكرام:
يا دهر مالك طول عهدك ترتعي ... روض المعالي بارضاً وحميما
يا دهر مالك والكرام ذوي العلى ... ماذا يضرك لو تركت كريما
أبو الفرج عبد الصمد بن علي الصوري: قال من قصيدة:
وإذا ما احتوت أنامله الرق ... ش كما تحتوي القنا الفرسان
فعلت في الخطوب ما تفعل السم ... ر إذا جد بالكماة الطعان
وقال من اخرى:
حتام أرجو أناساً ما مدحتهم ... إلا ذنوباً ليس تغتفر
لئن بحثت عن المعروف عندهم ... إن الثرى في طلاب الماء يفتقر
وقال لصديق له يعمر داره:
دع عمل الطين للسلاطين ... لا تك من أخوة الشياطين
فما بقاء الدريهمات إذا ... انفقن حيناً في الماء والطين
وقال:
ومن يغش قوماً الشبيبه برده ... فيبليه فيما بينهم عد منهم
وكانت له امرأة قبيحة سليطة فقالت له في يوم مطر وثلج أي شيء يطيب في مثل هذا اليوم فقال التطليقات الثلاث.
ابو الفهم عبد السلام النصيبي: هو الذي يقول:
قبلته اشتفي بقبلته ... فزادني ذلك اللمى ألما
وسائل لي عن مبتدي سقمي ... مسقم عينيه مسقمي بهما
ويقول ما يشدو به القوالون كما ذكر المصيصي وأنا أشك فيه وقد كتبته لحلاوته وظرفه:
لما تألمته يفتر عن بردٍ ... ولاح لي في قميصٍ غير مزرور
أرسلت دمعي على الخدين منسكباً ... وصحت وأحربا من هتك مستور
أبو السمط الرسعني وأخوه أبو مالك: حدثني أبو الحسن علي بن فارس القزويني قال كان أبو السمط وأخوه من أهل رأس عين وهما من أظرف الناس وأمجنهم وأملحهم فأما أبو السمط فإنه ذكر رجلاٍ يأكل وحده فقال يأكل وهو في اربعة فاستفسر فقال هو وظله والملكان وهذا كما قال أبو الحرث جمين وقد سئل عن مائدة محمد بن يحيى فقيل من يحضرها فقال أكرم الخلق والأمهم يعني الملائكة والذباب، وسأل عن غلامٍ استشرطه فقيل هو فاسد فقال: في فساده صلاحي، ومن نوادر شعره قوله:
والذي أرسل إبراهيم بالحق وعيسى ... إن إسحق بن عمرو يشتهي آية موسى
وله في المجون:
ويحك يا ايرى اما تستحي ... تفضحني ما بين جلاسي
تحرج من جيبي بلا حشمةٍ ... وتطرح المنديل عن رأسي
وأما أبو مالك فإنه يقول:
جعلنا النرد ورداً كل يوم ... وأعملنا معتقة المدام
لنجعل نقلنا مما أفاءت ... فننتقل الحرام على الحرام
وهو القائل:
ملكت مجامع الظبي الربيب ... أرى ما شئت من حسن وطيب
وفيه ما اصون كتابي عنه.
ابو الثريا الشمشاطي: حكى المصيصي كان أبو الثريا صديقي وكان يستكثر من الجواري ولا يصبر على واحدة منهن حتى يبيعها ويستبدل بها فرأيت منهن جاريةً رومية تسمى ظريفة فقدمت يوماً إليه المائدة وقد نسيت الملح فقال لها اين الملح فاشارت إلى وجهها وقالت هنا قال فعزمت على امساكها وقلت لها أتحسنين الحشو قالت ذاك إليك، قال ومما علق بحفظي من شعره ما أنشدني في أبي الأعين أنطاكي:
لي صديق منجم وطبيب ... شاعر شعره غذاء الروح
فهو طوراً كمثل جامع سفيا ... ن وطوراً يحكى سفينة نوح
حدثني الحامدي أن من ألبيات التي علقها الصاحب في سفينته قول أبي الثريا في مقطعة في مختط:
كأنه البدر في لألاء غرته ... قد زار جبريل في عيد فغلفه
أبو الفتح المحسن بن علي البديع: من أهل حمص يقول في الغزل:
بالذي الهم تعذي ... بي ثناياك العذابا
مالذي قالته عينا ... ك لقلبي فأجابا
ويقول في عزم صارم الدولة:
من كان يستعلى بتقليد ما ... يسوسه بالرأي أو بالبديه
فصارم الدولة ما حطه ... عزل ولا يرفعه ما يليه
فلا تطب أنفس حساده ... فإنما أغمده منتضيه
أبو الفرج بن حيدر الحمصي: قال من قصيدة:
ما كنت مفتخراً بما قدمت من ... مدحي لغيرك إذ مديحك ارتجى (2/157)
فالبيت لم يفخر مجاوره إذا ... ما طوف الآفاق ما لم يحجج
ومن أخرى:
له من بين العوالي والمعالي ... وبين شبا المهندة الذكور
مقامات شرفن فما يبالي ... أمات على جوادٍ أم سرير
وقد أخطأ في ذكر موت الممدوح ومن حقه صيانته عنه.
ابو الوفا الدمياطي: يقول في المصريين من أصحاب عزيز:
إذا قطتم ليلكم بمنام ... وأفنيتم ايامكم بمدام
فمن ذا الذي يرجوكم لملمةٍ ... ومن ذا الذي يأتيكم لسلام
رضيت من الدنيا بأهون بلغةٍ ... بشرب مدام أو بنيك علام
ويقول في عزيز مصر:
يا مالك الوقت والزمان ... ومن علا في عظيم شان
ضدان ما استجمعا لخلقٍ ... وجهك والفقر في مكان
ويقول نثراً في أمرد التحى: قد صدئت مرآته وكسف بدره وتشوك زعفرانه وتسبج زمرده.
ابو معشر الكاتب من أهل البحرين قال له العلوي الوسي: يا أبا معشر إنك كالمسك إن أمسك عبق وأن بيع نفق، فقال: وأنت يا أيها السيد كالقطران وقع على البحر اخرج الدر أو علي البر أخرج البر، وقال بعض السؤال واسونا يرحمكم الله فقال: إن واسيناكم ساويناكم، ومن بارع شعره من قصيدة:
وليلةٍ خضتها على عجلٍ ... وصبحها ببالظلام معتصم
كإنما الدجن في تزاحمه ... خيل لها من بروقها لجم
وقوله:
أتاني زايراً فحكى هلالاً ... واتبعه صدوداً مستطالا
فقلت ألا تعود فقال لا لا ... دوام الوصل يورثك الملالا
أبو الرماح الفصيصي: يقول في البرق:
إذا ما لاح أحمر مستطيلا ... حسبت الليل زنجياً جريحاً
ويقول في الفستق ما هو من أحسن ما قيل فيه:
مثل الزبرجد في حرير أحمرٍ ... في حق عاج في غشاء أديم
ونظيره قول أبي اسحق الصابي ولست أدري من السارق والمسروق منه:
والنقل من فستق حديثٍ ... رطب تبدى به الجفاف
لي فيه تسبيه فيلسوفٍ ... ألفاظه عذبةٌ خفاف
زمرد صانه حريرٌ ... في حق عاج له غلاف
والإمام السابق إلى وصفه الصنوبري في قوله:
وحظي من نقله إذ ما نعته ... نعت لعمري منه أحسن منعوت
من الفستق الشامي كل مصونة ... تصان عن الأحداث في جوف تابوت
زمردة ملفوفة في حريرٍ ... مضمنة درراً مغشى بياقوت
وأنشدني له بعض الغرباء وقد نسيت اسمه ويروى لابن سكرة:
ورد البشير مع الصباح بأنه ... لي زائر فاستعبرت أجفاني
يا عين قد صار البكا لك عادةً ... تبكين في فرحي وفي أحزاني
ومن أمثاله الجيدة قوله:
قد يبعد الشيء عن شيءٍ يشابهه ... إن السماء نظير الماء في اللون
أبو الغوث بن نحرير المنيحي: ذكر المصيصي أنه أظرف الناس وأملحهم شعراً وأحضرهم جواباً وقال في صديق جفاه:
هجر المعلى واستمر جفاؤه ... نفسي وان نقض العهود فداؤه
خل إذا الإغباب جدد غيره ... أضحى تجدده لدى لقاؤه
وقال:
كان حناءها براحتها ... دماء من قتلت بهجرتها
وسودته فحلها لبست ... شباب من شاب في محبتها
نقشاً كأعطاف تذرح اخذت ... من زخرف الريش حسن زينتها
كأنها قد توسدت يدها ... فأودعتها واوات طرتها
وقال في الشقايق والنرجس:
فتح الشقايق في منابت نرجسٍ ... فلكل خد مخجل طرف أرق
كخرايط الديباج حمراً ختمت ... بالمسك بين شارعين مع ورق
وقال في الغزل المؤنث:
نظرت إلي بمقلتين فنمتا ... بضميرها الخافي ونحن سكوت
وكأن في يمناهما هاروت يس ... حرني وفي يسراهما ماروت
وقال:
إليك فمثلي لا يوحد في الهوى ... لمشركة في الود رث حبالها
فلو نال عين الشمس كل محاول ... لما كان مغبوطاً بها من ينالها
وقال:
إن كنت تبكي لحبيب مضى ... فابك شباباً قد مضى وانقضى (2/158)
عوضني الدهر مشيبي به ... وليته سوغ ما عوضا
سخطته والموت في أثره ... يحيل بالاكراه سخطي رضا
وقال في الغزل المؤنث:
طلعت بوجه عاذل لعواذلي ... ينبي بعذري لاحياً للاحى
درية البشرات إلا أنها ... مسكية النفخات والارواح
وقال:
مبذولة للعيون قد حظرت ... عما سواها من سائر الوطر
كأنها صورة مصورة ... لاحظ فيها لنا سوى النظر
وقال يشكر:
يوفر حالي أبو حازمٍ ... كما وفر الغيث روض البطاح
خفيت على الدهر في ظله ... كخافية الريش تحت الجناح
سرقة من قول أبي نواس:
تسترت من دهري بظل جناحه ... فعيني ترى دهري وليس يراني
وقال:
بحثت لتعرف فتنتي فاستخبرت ... حبي إذا ما قلت حبك فاتني
حجبت حياءً وجهها بأناملٍ ... حجبت ببهن محاسناً بمحاسن
وقال:
إن كنت تفجع مقلتي برقادي ... ضناً علي بطيفك المعتاد
فامنع سهادي أن شخصك ماثل ... لتفكري نصب لعين سهاد
أغياك بخلك باللقاء على امرىءٍ ... متصور لك في ضمير فؤاد
وقال في الحمى:
وحمى حمتني النوم حتى كأنما ... شقوق جفوني في الصفاة صدوع
تهب شتاءً ثم تعقب صايفاً ... أما لسنيك المنكرات ربيع
ادثر عنها بالحشايا تعللاً ... وليس لها عما تريد رجوع
إذا كان نبض السهم من باطن الحشا ... فكيف تجن المرء منه دروع
وقال:
أأرى عيوب العالمين ولا أرى ... عيبي خصوصاً وهو مني أقرب
كالطرف يستجلي الوجوه ووجهه ... أدنى إليه وهو عنه مغيب
وللاميرابي أبي الفضل الميكالي أيده الله تعالى في مثل هذا التشبيه وغير هذا المعنى:
كم والد يحرم اولاده ... وخيره يحظى به الأبعد
كالعين لا تبصر ما حولها ... ولحظها يدرك ما يبعد
وله قصيدة في مجد الدولة وقد خرج في حرب:
وقد بدأت اصوغ الفتح عن ثقةٍ ... بغاية لك تجلو الدهر في حلل
أنال ما نلت من جدواك مبتدلا ... حتى إذا قلت فيك القول لم يقل
لكل مصغٍ لشعري حين أنشده ... في محفلٍ طرب العذري للغزل
وقال:
صل السعي فيما تبتغيه مثابراً ... لعل الذي استبعدت منه قريب
وعاوده إن اكدى بك السعي مرةً ... فبين السهام المخطيات مصيب
وقال:
يا واحد الكافين والملك الذي ... دانت لعز علاه أملاك الورى
درت رسوم معاشر لم يدركوا ... شأوى ولا شقو العجاج الاكدرا
ويبيت بائتهم يغط موسداً ... وأبيت ليلي كالسليم مسهراً
اتنقد القول الرصين واجتني ... غرر المعالي منجداً أو مغورا
إن كنت تعطيهم على الشعر اللهى ... فالشعر يقتضي أن تخص الاشعرا
إن كنت تبغي مدحهم أو شكرهم ... فعليك من إن قال قولاً سترا
وقال يستهدي شراباً:
دعوت أبا الفضل الورى ونسيتني ... ولي الف عينٍ بالصديق موكله
فلا تطو انباء الذين دعوتهم ... فقد نقلت مشروحةً ومفصله
ولي قدح في كل دورٍ ادرته ... فمر لي بهاتيك التفاريق مجمله
وقال من قصيدة:
ورب ليل غدافٍ خلت أنجمه ... فيه بواقي خمرٍ لمعت فحما
معمراً طلع الجوزاء راكعةً ... كأنها قوست في طوله هرما
ومنها:
ابارق صدع الظلماء مضطرماً ... أم الوزير الخطير ارتاح مبتسما
وقال في النرجس:
قد ضحك النرجس في الأقطار ... تجمع بين الزهر والنوار
لم ير شخص قبل في الإعصار ... ألف ضدي بردٍ ونار
كأنه إذ شيم بالأبصار ... يخدم يوم مهرجانٍ طاري (2/159)
بدرهمٍ ضم إلى دينار
وقال:
لا غرو للزمن البخيل إذا سخا ... قد يرسل الحجز العيون النضخا
كأنه من قول الله عز وجل: وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار، وقال:
قد فات أمس ولم اثق بغدٍ فما ... اعتد وقتي غير يومي الحاضر
والعيش وقتي وهو مني آخذ ... فالراي أخذي منه حظ مسافر
وقال من قصيدة:
لا يغررنك تجملي فلقد ... اسبلته ستراً على سغب
هو كالخضاب على المشيب متى ... ما تبله تكشفه عن كذب
وقال وقد قبض على الوزير يوم الأربعاء:
يوم تهاوت شمسه من عال ... مسخت به الأيام فهي ليال
وإذا اختبرت الأربعاء لامرهم ... فدبار في الأدبار اصدق فال
يا واحد الكافين بل يا كعبة ال ... عافين بل يا غاية الآمال
ما كنت الا العضب فلل حده ... بشباة مدرى الكاعب المكسال
فعلى قوافي الشعر حتى تنجلي ... شمس الضحى مني سلام القال
وقال:
وغضبي في الرضى بالتيه وسني ... وفترة لحظها نشوى القوام
نفت عن مقلتي نومي بوصلٍ ... وعن قلبي همومي بالمدام
فبت وعطفها في ضيق ضم ... كعطف الاعوجية في الحزام
وله:
عطر الماء نشر نور وزهرٍ ... غازلته به ذيول النسيم
وتحلت بهارها الأرض حتى ... حسدتها السماء ذات النجوم
ومن قصيدة:
اسف غيم وعلا سيله ال ... راعب حتى التقيا بالنجاد
فقد اعار الروض وسمين من ... الحاظ سعدى وثنايا سعاد
تمله وابق مزجي الندى ... ومتقى السطوة حتى التناد
واستجل سحراً وارداً لفظه ... في حالة سمع الفتى والفؤاد
ومن أخرى:
وعزام حمى عني المقام كأنني ... أجوب به الدنيا على قدم الخضر
ومن أخرى:
كفى الفطر في الأعياد فخرا بأننا ... نزف لمغناك التهاني بالفطر
فعاوده ما حل بالزمان معاوداً ... وعامره ما امتدت به فسحه العمر
أأفرق ردي دون قوتٍ أرومه ... ورأيك مجبول على طولك الغمر
ولو أن للافلاك مالك في العلى ... غدا بدرها كالشمس والنجم كالبدر
تعلمت قول الشعر طفلاً وصغته ... لكم اشيباً حتى انقضى فيكم العمر
فلا غرو إن اسعفتموني بطايلٍ ... يثبت في أبوابكم قدم الشكر
إذا كان خير الذخر ابقاه في الورى ... فإن قريض الحمد من اكرم الذخر
ومن أخرى:
ورب ليل خضته رامياً ... حمى ذراريه بفجرٍ مغير
والشرق قد مزق ظلماءه ... خط عمودٍ من صباحٍ منير
كسدة الملك جلا ليلها ... عن أفقها رأى الوزير الخطير
سما به الملك إلى أن غدا ... فرق السهى ترب مقر السرير
ومنها:
موحد السعى اتى مشبهاً ... للشمس يعلو قدرها عن نظير
دل على أنعامه صيته ... كالبحر يدعوك إليه الخرير
في هيبةٍ لا البرق رافي الخطى ... فيه ولا الرعد خطيب جهير
ومنها:
وغايتي ما يقنع الحظ من ... نشارة المترب نزر يسير
ومن يكن همك في صدره ... فالخلق والدهر لديه حقير
ومن أخرى:
غدا جيشه فضلاً عليه كما غدا ... له السيف فضلاً جفنه والحمايل
فما يرزق الأحرار إلا لعادةٍ ... تحكم أنعامٍ عليها ونائل
عزيز السجايا تعتريه لجاجة ... إذا لامه في الجود والبأس عاذل
لئن جهل الأعداء ما قد منوا به ... فإن فراش النار بالنار جاهل
ومنها:
وشى بالربيع الطلق ورق هواتف ... تدانى الثرى أغصانهن الموائل
تميد بها في جانبيها كأنها ... طلي رجحتها بالنعاس الرواحل
يقبل بعض النور افواه بعضه ... إذا اعتنقت فيه الغصون الشوايل (2/160)
وتصطفق الأوراق من نفس الصبا ... كما رفرف الطيار والليل قافل
سأشكرك النعمى التي تركت يدي ... يمن بها صوب الحيا وهو آمل
فسوف يبين العتق عندي بشكرها ... كما بان عتق الطرف والطرف صاهل
وقال:
بك استعتبت ايامي قديماً ... كما فزع الغريم إلى الكفيل
بسابقة اختصاصٍ صار فيها ... سبيل عشيرك الأدنى سبيلي
شريت بسالف الأنعام رقي ... ولم تك بالملول المستقبل
فاما أن تعين على مقامٍ ... وأما أن تعين على رحيل
وقال:
ارضى بكل الذل في طلب الغنا ... وأعاف بعض مذلة الاقلال
كمن استراح إلى العمى حذر العشى ... وإلى المنية خوف قذال
ومن قصيدة:
زارتك أيام الربيع فاصبحت ... مستعديات منك بث مواهب
بغمائم نثرت على الحصباء كال ... حصباء من قطرات وبلٍ صائب
لبس الغصون النور وشياً واغتدا ... درر القطار لها حلى ترائب
لفت منورها بمورقها الصبا ... لف العناق مطارفاً بذوائب
فتملها والملك ما رقمت صبا ... في الماء رقم حوافرٍ في لاحب
واستجلها تحف النفوس كأنها ... نجوى المنى وعدت بوصل حبائب
كأزاهرٍ بحمائلٍ ووسائطٍ ... لقلائدٍ ومباسم لكواعب
وقال يهجو أبا الفضل زيد بن محمد بن علي بن القاسم:
أأبا النقيض ففي الفضيل مزية ... اربابها عن لمع برق جهام
من همةٍ لك ليس فيها فضلة ... عن كأس مشمول واير غلام
تبدي اللواط بهم فلم تختارهم ... بفياشلٍ زقية الاورام
وزعمت تعفجهم فلم خرجوا وقد ... رفعوا ذيول القمص من قدام
في فخر الملك وزير الوزراء أبي غالب محمد بن علي:
ما جاد بالوفر إلا وهو معتذر ... ولا عفا قط إلا وهو مقتدر
وكلما طرقوه زاد نائله ... كالنار يؤخذ منها وهي تستعر
وله:
قد قلت لما ضعفت حيلتي ... وأشتد شوقي وجفاني الخليل
أصبحت مكروباً بدرا الهوى ... فحسبي الله ونعم الوكيل
أبومنصور عبد العزيز بن طلحة بن لؤلؤ: صاحب بريد الخليفة القادر بالله، من مشهور قوله السائر:
سألته قبلة فبادر بالت ... قبيل مستبشراً إلى قدمي
فقلت مولاي إن أردت بها ... سرور قلبي جعلتها لفمي
فقال كلا للعبد منزلة ... لزومها من حراسة النعم
وله من قصيدة في القادر عند جلوسه للحجيج:
عش سليماً أخرى الليالي البواقي ... لك من سطوة الحوادث واق
يا بديع الفعال بين ملوكٍ ... ذكرهم ناقد وذكرك باق
نظر الله للعباد فولا ... ك واعطاك قسمة الرزاق
ايها القادر الذي فوق قرن الش ... مس في بعدها وفي الأشراق
أنت للمجد هضبة رتب النا ... س إليها في المكرمات مراق
طال ما فت طالبيك وغبر ... ت قديماً في أوجه السباق
وعمرت البيت الحرام واهدي ... ت إليه طرائف الآفاق
يسلك الراكب المكل إليه ... وهو فرد من امنه في رفاق
إنما وراث الخلافة من سا ... س الرعايا باللين والإشفاق
هذه بردة النبي التي كا ... نت إلى منكبيك بالأشواق
والقضيب الذي يحن إلى كف ... ك لا بل يتوق كل متاق
في يفاع السرير اروع ما تع ... لق فيه الألحاظ غير استراق
اشبه الناس بالنبي أبي القا ... سم في خلقه وفي الأخلاق
يرعد القلب والفرائض خوفاً ... بين فسطاطه وبين الرواق
فلو أنا نستطيع يسن السماطي ... ن مشينا له على الأحداق (2/161)
وله في فخر المللك أبي غالب:
أطال الله في عمرك للمعالي ... وكفك للعطيات الرغاب
ولا زالت سيوفك كل يومٍ ... تحكم في الجماجم والرقاب
فإنك أكمل الثقلين طراً ... وأكرم من مشى فوق التراب
ومن كلامه: ان النعمة لا تستدام بمثل الأنعام، والقدرة لا تستبقي بمثل العفو. ودعا لصديقٍ فقال: صان الله عن سماع المكاره سمعك وعن البكاء على الأحباب دمعك.
ابن أبي مرة المكي: يقول في أبي الفتوح والي مكة:
يا سيداً فديته بروحي ... خولك الله أبا الفتوح ملك سليمان وعمر ونوح
ويقول عند مقامه ببغداد:
أاصوم شهراً ثم أخرج غادياً ... نحو المصلى اقطع الأميالا
فيجر ذا ثوبي وأجذب ثوب ذا ... وازاحم السقاط والأنذالا
شربي صبوحاً واستماعي قينةً ... أولى بأن ألقى به شوالا
ويقول في أبي خلف التكريتي:
رأيت أبا خلفٍ راكباً ... وقدامه تحمل الغاشيه
فلم ادر ايهما لحية ... ولم أدر ايهما الغاشية
أبوحمزة الذهلي: من اهل الطائف المقيمين بالعراق شاعر مليح الشعر ظريفه، أنشدني القزويني له من الغزل:
ومستبيح لقتلي ... ما إن يمر ويحلي
سنوه عشر وخمس ... كالبدر عند التجلي
مصححي حين يدنو ... وفي التأني معلي
ما شوش الصدغ إلا ... لكي يشوش عقلي
وله:
أظهر الكبرياء تيهاً وزهواً ... فتلقيه بذل الخضوع
وحباني ربيع خديه بالور ... د فامطرته سحاب دموعي
وأنشدني أبو طالب الطبري له في حمى رئيس ثم وجدته في شعر الرستمي من قصيدة ولم اسمع في معناه أحسن وابدع منه:
وزائرة أتت من غير وعدٍ ... لتأخذ منك حظاً من نوال
هي الحمى التي تضحى وتمسي ... على ليث الشرى في كل حال
رأت سطوات بأسك في الأعادي ... فظنتك الهزبر من الرجال
فلما فاح عرفك من بعيدٍ ... تولت بانكسار وانخذال
أبوشبل الشعيري: من باب الشعير يتطيب ويتماجن ويشعر وسأله بعض من يعاديه عن دواء لعينه العليلة فقال خذ ورق الحجارة وغبار الماء وعصارة الشمس ودهن الجليد واجعلها شيافاً واكتحل به، وانشدت له شعراً لم يعلق بحفظي منه إلا أول بيت:
إذا ما مت فلتمطر فؤوس ... ولا برحت عراقكم النحوس
وذكر علة رئيس كان يعالجه فقال: هي بيضة الديك وواحدة الدهر وساقة الجيش وخاتمة السقم. العصفري يقول في السلامي:
رأيت في الجامع حواقه ... في وسطها شيخ له شأن
عليه طرطور ودراعة ... لها ذيول وجربان
فقلت من هذا العظيم الذي ... كأنه في التيه سلطان
أجاءه جبريل عن ربه ... أم عنده وحي وتبيان
فقيل هذا شاعر مفلق ... له أماديح وديوان
فقلت أمرؤ القيس فقالوا صه ... فقلت هذا الشيخ حسان
قالوا ولا حسان هذا إذاً ... قلت فذو الرمة غيلان
قالوا السلامي فقلت أطبقي ... ذا محلبان الضرع لبان
الشعر لا يسوى ولا أهله ... هذا فلم ذا الشيخ غضبان
وإنما الشاعر مستنزه ... تلهو به النفس وبستان
أما مجيد فهو مسترفد ... أو بارد الشعر فصفعان
أبو مسلم الجهني: يقول:
أمهد لنفسك يا أبا الفياض ... وأعلم بأنك عن قليل ماض
ويحوز مالك وارث للمال أو ... موصى إليه أو وكيل القاضي
إن الكبير إذا تناهت سنه ... أعيت رياضته على الرواض
ويقول:
وإذا بليت تجاهلٍ متحكمٍ ... يجد المحال من الأمور صواباً
أوليته مني السكوت وربما ... كان السكوت عن الجواب جواباً
وله:
أتيت أخاً لي في حاجةٍ ... وكنت عليه خفيف المؤن (2/162)
فأنكر معرفةً لم تزل ... وابدى مناكرةً لم تكن
وقال وجاهدني وده ... أبو من وممن ومن وابن من
أبوالفضل الفضلي الكسكري قال يهجو:
عيناه عنوان شومٍ ... والشوم في العنوان
في صلب آدم سمي ... مبشر الأحزان
وقال يحكي عن ماجنة ظريفة دواء الخمار:
يا لعيارة تقصر للعا ... شق بالظرف والنوادر يومه
سئلت عن دواء الخمار فقالت ... كومة ثم نومة ثم عومة
وأنشدني له من لا أثق به:
كل أمر وإن تضايق جداً ... فله بعد ما يتضايق فسحه
فارج كشف البلاء عنك وشيكاً ... إن كشف البلاء في قدر لمحه
أبوقيس التميمي: من أهل النهروان من أهل الحيرة أحد الظرفاء المجان ولشعره حلاوة وطلاوة كقوله:
نزلت على أبي سعدٍ فحيى ... وهيا عنده فرش المقيل
وقال علي بالطباخ حتى ... يزيد من البوازد والبقول
فغداني برايحتة الأماني ... وعشاني بميعاد جميل
وقوله:
سوءةً سوءةً لوجه كتابٍ ... كل ألفاظه لدي زيوف
وكأن الحروف منه سياطٌ ... وكأن السيوف منه سيوف
وقوله:
عد عمن شئت واندم ... تربح الأمن وتسلم
ما يساوي من إخلا ... ئك انسان بدرهم
أبوالخطاب محمد بن علي الجبلي: هو حي يرزق وشعره عذب متناسب ومدح الشيخ أبا بكر القهستاني أيده الله فاطنب واللهى تفتح اللها وأعطاه ديوان شعره بخطه فشاركني في فوائده كعادته في غيره فاخترت منها قوله في قصيدة:
رويدك قد أصبحت جاراً لأحمدٍ ... وحسب امرىءٍ أن يستجير بجاره
لأفضل من يغشى على بعد داره ... وأكرم من يعشى إلى ضوء ناره
ومنها:
ليهنك عيد بالسعادات طالع ... طلوع حبيب مسعفٍ بمزاره
ومن أخرى:
توالت سعودي حين واليت مجده ... وفرغت قلبي إذا ملأت به كفي
صفا خلقه للمكرمات من القذى ... فأضحت له العليا موذنة تصفي
يدل على علياه حسن ثنائه ... كذلك فضل الطيب يعرف بالعرف
ومن أخرى:
معلل لي بوعد غير منجزه ... ومطمعٌ في وصال غير باذله
ومستحل بسيف اللحظ سفك دمي ... أحبب بذلك من سيفٍ وحامله
ومن ربعيةٍ:
ورياض مختالةٍ من ثراها ... في برودٍ من زهرها وعقود
وكأن الغصون فيه عوانٍ ... تتبارى زهواً بحسن القدود
وكأن الأطيار فيها قيان ... تتغنى في كل عود بعود
وكأن المياه في خلل الرو ... ض سيوف تسل تحت بنود
وكأن النوار تغمز بالأع ... ين منه على ابنة العنقود
وله من قصيدة يهنىء بعض الرؤساء بالسلامة من نهب الغاغة داره:
تدل على تفضلك الرعايا ... كإدلال العبيد على الموالي
ولولا شبهة دخلت عليهم ... لما عرضوا لديك لنهب مال
إذا سوغت مالك كل عافٍ ... توهم سايغاً في كل حال
فلا يطمع ترفقك الأعادي ... فإن الليث يلبد للصيال
ولا تستقصرن فرب حلمٍ ... عن الأعداء أبلغ من نكال
وما ترضى مساعيك انتصافاً ... من السفهاء إلا باحتمال
إذا وقع القصاص على التساوي ... فما فضل العلاء على السفال
ومن أخرى في التهنية بالمصاهرة:
موهبة لم تزل لسؤددها ... تسمو الأماني وتطمح الهمم
وعقد مهر جمال مفخره ... أولى به أن يهنأ الكرم
فيا لها وصلةً إليك بها ... ظلت وفود السعود تزدحم
إلى علاها الفخار منتسبٌ ... وعن سناها الزمان مبتسم
مجد حوى كفوه وما اقترن الس ... عدان إلا تلاقت النعم
لما أمرت عقود لحمتها ... ظلت عرى الحادثات تنفصم
إن كان وقفاً عليك مفخرها ... فسعدها في الأنام مقتسم (2/163)
أبو يعلى محمد بن الحسن البصري: من شيوخ الصوفية وظراف الشعراء وفضلاء الغرباء وخلفاء الخضر والأقذاء في عين الأرض قد نقب في البلاء ولقي أفضالها واستكثر من فوائدهم وحفظ الغرر من ظرائفهم ولطائفهم وطرأ على نيسابور في سنة إحدى وعشرين واربعمائة فأفادنا مما لم نجد عند أمثاله واستكثر عند كتابه وأصحابه من تعليق الفوائد والاقتباس من نوره وحين أراد الأمير على الإقامة بحضرته وازمع ارتباطه في جملته لم يصبر عما ألفه من الإضطراب في الإغتراب وتعوده من عيش الحجرة وخبز السفرة وتزود من بره وكتبه وانقلب مسروراً إلى أهله فمن ملح ما انشدنيه لنفسه قوله من قصيدة في المدح هي غرة شعره:
طربوا إلى نقم القيان فبذهم ... طرب إلى نغم الوغى مرتاح
تمحو دجى الاعدام راحة كفه ... كرماً كما يمحو الهموم الراح
يا ناصر الملك الذي آراؤه ... في كل خطبٍ مظلم مصباح
قبلت ثغرا من مديحك نشره ... كالمسك فاح وطعمه التفاح
ومن أخرى:
يا أباالقاسم الذي قسم الرح ... من من راحتيه رزق الأنام
أنا في الشعر مثل مولاي في الجو ... د حليفاً مكارماً ونظام
وإذاما وصلتني فأمير الج ... ود أعطى المنى أمير الكلام
وقوله من أخرى:
إذا المجد وافاني فليس بضائري ... نفور العذارى من بياض عذاري
عفوف عن الليل الطويل بذي الغضا ... لمر ليالٍ بالشآم قصار
وقوله في دواة آبنوس:
ومغموسة مثل لون لعابها ... يضم حشاها ساكتا متكلما
على مثل قيد الشبر لكن بأسه ... إذا طال طال السمهري المقوقا
قرنت به هماً بعيداً وهمةً ... شروداً وفضلاً كاملاً متقدما
وقوله في عجوز أكول:
لي عجوز كأنها الب ... در في ليلة المطر
ناطق عن جميع أع ... ضاءها شاهد الكبر
غير اضراسها ففي ... ها لذي اللب معتبر
أعظم غير أنها ... أعظم تطحن الحجر
أبوالحسن علي بن غسان البصري: حدثني أبوالحسين محمد بن الحسين الفسوي النحوي قال ورد ابن غسان البصري الشاعر الطبيب على أبو مضر عامل الأهواز في جملة الشعراء الذين امتدحوه ومرض أبومضر في اثناء ذلك فعالجه ابن غسان حتى برأ من مرضه فكتب للشعراء ولابن غسان خطوطاً بصلاتٍ تأخر ترويجها فقال فيه وملح وظرف:
هب الشعراء تعطيهم رقاعاً ... مزورةً كلاماً عن كلام
فلم صلة الطبيب تكون زوراً ... وقد أهدى الشفاء من السقام
قال وقد كتب إلى طللحة بن عبد الأعلى يحاجيه:
زعموا طلحة اضحى فطناً ... فسلموه الآن إن كان فطن
أي شيءٍ هو مهزول إذا ... أشبعوه فإذا جاع سمن
فكتب إليه يا سيدي أباالحسن هو ما أخرجنا منه.
تتمة القسم الثالث في
محاسن أهل الري وهمدان واصبهان
وسائر بلاد الجبل وما يجاورها من جرجان وطبرستان
الأمير أبو العباس خسره فيروز بن ركن الدولة:قد سبق ذكره في كتاب اليتيمة وتكررها هنا للعذر الذي اشرت إليه وكان أوحد أبناء الملوك فضلاً وأدباً فأدركته حرفة الأدب وأصابته عين الكمال ولما خافه أخوه فخر الدولة على الملك بعده أمر باغتياله نظراً لولده ولم يعلم أن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله وأن الملك لا يلبث أن ينتقل بعده إلى من قدره الله له وقد كتبت لمعاً من شعر أبي العباس يلوح عليها وراء الملك كقوله من قصيدة:
إني أنا الأسد الهزبر لدى الوغى ... خيسي القنا ومخالبي أسيافي
والدهر عبدي والسماحة خادمي ... والأرض داري والورى اضيافي
وله في الشيب وذكر جاريةٍ له تسمى الثريا:
ولما أن تنفس صبح شيبي ... طوى عني رداء الحسن طيا
تولت منيتي عني فراراً ... ترى وصلي لدى الفتيات غيّا
فقلت هجرت يا سولي فقالت ... وهل تبقى مع الصبح الثريا
وقوله أيضاً في الشيب:
ولما رأت لمع المشيب بعارضي ... وقد جردت من جانبيه قواضبه (2/164)
بكت ثم قالت للعذارى تجلداً ... وما خير ليل لا تلوح كواكبه
وقوله فيه ويروي لغيره:
وقالوا أفق عن رقدة اللهو والصبا ... فقد لاح صبحٌ في دجالك عجيب
فقلت أخلائي دعوني ولذتي ... فإن الكرى عند الصباح يطيب
وقد سرقه من ابن طباطبا حيث يقول:
وقالوا لي استيقظ فصبحك لايح ... فقلت لهم طيب الكرى ساعة الفجر
ولأبي العباس:
أنا ابن ركن الدولة المجتبى ... لا تهمس الأقدار من خوفه
عدوه أهلك من ماله ... وعزمة أنقذ من سيفه
وله:
لئن ملك الدنيا على الجور قبلنا ... ملوك فما للعالمين لنا مثل
وإن سقاة الشرب لا عن كرامةٍ ... إذا دارت الصهباء تشرب من قبل
وله ايضاً
سأصبر حتى يجمع الله بيننا ... ولم ار حوتاً فارق الماء يصبر
وله من قصيدة:
تراهم تحت جنح النقع اسداً ... تهمهم في معاركها غضابا
تقول له العداة إذا تراءت ... ألا ياليتنا كنا ترابا
وحدثني أبوغانم معروف بن محمد القصري قال اشتط بعض المنجمين على أبي العباس في مشاهرته وقد اراد ارتباطه واستخلاصه لنفسه فلما اشرف ولج واحتج وأصر على أنه لا يقنع في الشهر بأقل من مائة دينار نكت أبوالعباس بأن قال إذا كان الظن يخطىء ويصيب والنجم يخطىء ويصيب فاستعمال الظن أولى فهو أخف مؤنة من المنجم قال ولما بلغه أن فخر الدولة يتهمه باضمار السؤلة قال ليته يعلم أن شجر الآس يرضى من الفاس رأساً براس.
القاضي أبوبكر عبد الله محمد بن جعفر الأسكي: قد تضمن كتاب اليتيمة نبذاً يسيراً من شعره وهذا مكان ما وقع إلي من بعد كقوله وهو غاية في الظرف وانشدنيه أبوالفتح محمد بن أحمد الدباوندي أيده الله تعالى قال أنشدني القاضي أبوبكر الأسكي لنفسه:
دمع تكمن في الجفون فرعته ... حذر الوشاة فلاذ بالأشفار
فكان اسياف الغواة تكده ... وكأنه عثمان يوم الدار
فتعجبت من مواردتي إياه بقولي منذ عشرين سنة:
إني بليت بسيدٍ كالدهر إذ ... ينحى بسوته على الأحرار
فرط الفظاظة والصلابة دأبه ... وأنا لديه بذلة وصغار
فكأنه عمر بن خطاب إذا ... وكأنني عثمان يوم الدار
ولم اشك في أنه لم يسمع بقولي كما لم اسمع بقوله وحسبت قولي أمثل وارجح لجمعي بين عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما وما أشبه الحال في هذه المواردة الا بمواردتي أباالفرج بن هند وبقولي في صباي من نتفة:
إنسانة فتانة ... بدر الدجى منها خجل
إذا زنت عيني بها ... فبالدموع تغتسل
ثم وقعت إلي قصيدة له وفيها:
يقولون لي ما بال عينك مذ رأت ... محاسن هذا الظبي أدمعها هطل
فقلت زنت عيني بطلعة وجهه ... فكان لها من صوب أدمعها غسل
وكنت قلت في صباي أبياتاً منها:
كم حيلةٍللوصل أعملتها ... وكم خداع قد تمحلته
اسر حسواً في ارتغاءٍ إذا ... ناجيت من أهوى فقبلته
فأنشدني الأستاذ أبوالعلا ابن حسول أيده الله بعد مدة طويلة لنفسه في هذا المعنى بعينه:
جذبت كفي الغدائر منه ... فشممنا منها نسيم العرار
الثم الصدع والسوالف منه ... احتجاجاًبأننا في سرار
فتعجبت من اشتراك الخواطر والتوارد في البدايع. عاد شعر القاضي أبوبكر الأسكي أنشدني أبوالفتح الدباوندي له في زوال الدولة وانقراض أهلها:
تخيل شدة الأيام لينا ... وكن بصروف دهرك مستهينا
ألم تر دورهم تبكي عليهم ... وكانت مألفاً للعز حينا
وقفنا معجبين بها إلى أن ... وقفنا عندها متعجبينا
وله في فتى مليح صلى إلى جنبه:
صلى بجنبي قمر طالع ... وقد توجهت إلى القبلة
فقال شيطان التصابي انحرف ... فإن هذي قبلة القبله
وله في الغزل أيضاً:
لما لحاني العذال قلت لهم ... والدمع ينطم والصبر مبثوث (2/165)
مروا دعوني كذا على اسفي ... بيني وبين الهوى أحاديث
وله في الصاحب:
كل بر ونوالٍ وصله ... واصل منك إلى المعتزله
يا بن عبادٍ ستلقى ندماً ... لفراق الجيرة المرتحلة
أبوعلي مسكويه الخازن: في الذروة العليا من الفضل والأدب والبلاغة والشعر وكان في ريعان شبابه متصلاً بابن العميد مختصاً به وفيه يقول هذين البيتين ووقعا في اليتيمة بلا ثالث:
لا يعجبنك حسن القصر تنزله ... فضيلة الشمس ليست في منازلها
لو زيدت الشمس في ابراجها مائة ... ما ذاد ذلك شيئاً في فضائلها
ثم تنقلت به أحوال جليلة في خدمة بني بويه والاختصاص ببهاء الدولة وعظم شأنه وارتفع مقداره وترفع عن خدمة الصاحب ولم ير نفسه دونه ولم يخل من نوائب الدهر حتى قال ما هو متنازع بينه وبين نفر من الفضلاء
من عذيري من حادثات الزمان ... وجفاء الإخوان والخلان
شاب رأسي وقل مالي وصدت ... عني البيض والتحى غلماني
وله من قصيدة في عميد الملك تفنن فيها وهناءه بإتقان الأضحى والمهرجان في يوم وشكا سوء أثر الهرم وبلوغه أرذل العمر:
قل للعميد عميد الملك والأدب ... أسعد بعيديك عيد العجم والعرب
هذا يشير بشرب ابن الغمام ضحىً ... وذا يشير عشياً بابنة العنب
ومنها:
خلايق خيرت في كل صالحةٍ ... فلو دعاها لغير الخير لم تجب
هي التي غمستني في مودته ... بالجسم والروح أفديهن لا بأبي
أعدن شرخ شباب لست أذكره ... بعداً وردت علي العمر من كثب
فطاب لي هرمي والموت يلحظني ... لحظ المريب ولولاهن لم يطب
فإن تمرس بي خصم تعصب لي ... وإن اساء إلي الدهر أحسن بي
ومنها
أدركت بالقلم الخطي من قصبٍ ... ما ليس بالخطى والقضب
ونلت بالجد والجد اللذين هما ... امنيتا كل نفسٍ كل مطلب
فلو أدرت رحى الدنيا مفوضةً ... إليك اقطارها دارت بلا قطب
ومنها:
وقد بلغت إلى أقصى مدى عمري ... وكل غربي وأستأنست بالنوب
ومنها:
إذا تملأت من غيظي على زمني ... وجدتني نافخاً في جذوة اللهب
ومنها:
ما الدهر إلا كيوم واحدٍ غده ... كأمس يومك والماضي كمرتقب
فإن تمنيت عيش الدهر أجمعه ... وإن تعاين ما ولى من الحقب
فانظر إلى سير القوم الذين مضوا ... والحظ كتائبهم من باطن الكتب
تجد تفاوتهم في الفضل مختلفاً ... وإنت قاربت الأحوال في النسب
هذا كتاجٍ على رأسس تعظمه ... وذاك كالشعر الجافي على الذنب
والناس في العين أشباه وبينهم ... ما بين عامر بيت الله والخرب
في العود ما يقرن المسك الذكي به ... طيباً وفيه لقىً ملقىً مع الحطب
لا تطلبوا المال من حول ومن حيلٍ ... فربما جاء مطلوب بلا طلب
يأتي الفتى رزقه المقسوم عن سببٍ ... بادٍ يراه وقد يأتي بلا سبب
واستخصموا الفلك الدوار يلقكم ... بحجتي رغبٍ إن شاء أو رهب
أراه يسكن عني وهو يركض بي ... ركض الفوارس بالتقريب والخبب
كالنار تأكل ما تحيى به لهماً ... وليس تفرق بين النبع والغرب
أصبحت أجرد والأحداث تجردني ... دأب الجراد اذا استولى على العشب
وصرت ديناً على الدنيا لآخرتي ... رسل المنايا تقاضاها وتمطل بي
قاسيت أحوال هذا الدهر مرتكباً ... أهوالها وصريعاً غير مرتكب
ومن تعود عض السيف هامته ... هانت على إليتيه عضة القبب
وهي طويلة وكأنه جمع إحسانه فيها، وكتب إلى أبي العلا بن حسول قصيدة منها:
ولقد نفضت بهذه الد ... نيا يدي وحسمت داءي
ماذا يغرني الزما ... ن وقد قضيت به قضاءي (2/166)
أو بعد ما استوفيت عم ... ري واطلعت على فناءي
أصطاد بالدنيا وين ... صب لي بها شرك الرجاء
هيهات قد افضيت من ... صبح الحياة إلى المساء
وبلغت من سفري إلى أقصاه مذموم العناء
وله من قصيدة في أبي العباس الضبي كأنها قول ابن الرومي:
ما كان أغنى أبا العباس عن شرهٍ ... إلى لحوم سباع كن في الأجم
يسترجع القوت أمضاه سواه لنا ... لوماً ويبذله للشاء والنعم
صبرت حولاً على مكروه نقمته ... فليصبر الآن لي حولاً على النقم
سيعلم الوغد إن لم تؤت فطنته ... من كثرة الهم أو من قلة الفهم
إني لألقاه مما استعد له ... بكل عجراء لكن ليس من سلم
إذا خبطت بها عرض امرءٍ لحجت ... في سمعه يده شوقاً إلى الصمم
ومنها:
إذا اضطجعت أتاني الشعر يقدح لي ... من ناره وأتاني الليل بالفحم
وصائغ الشعر لا يرضى سبيكته ... حتى يفرغها في قالب الحكم
يصب في مسمعيه ما أذيب له ... كالقطر افرغه الباني على الردم
إذا تورم غيظاً ضاق مضرطه ... حتى يوسعه الإطراق للندم
إني وإن كنت لا أرضى الخنى لفمي ... ولا أحط لقول فاحشٍ هممي
ليستريح إلي القول احوجه ... حر السكوت إلى الترويح بالنسم
إن القوافي كفتني نظم أنفسها ... فهن ينظمن لي من كل منتظم
تدنو شواردها حتى يعض لها ... ذهني فأنفضها منه على قلمي
خذها إليك أبا العباس جامعة ... شنعاء توقد نار الهجر في علم
لقيتني بوقار العلم محتشما ... وهجتني فالق جهلي غير محتشم
ومنها في هجاء الصاحب بعد موته بزمان:
لاكان اير ابن عباد وغلمته ... ما كان اسرعه في كل مغتلم
دمى جبين أبا العباس فهو يرى ... تقيير كل جبين واضحٍ بدم
أحفاه بالقلم الحافي وعلمه ... خلاف ما علم الرحمن بالقلم
قد كان أهوج رث العقل مقتحماً ... على الدنيات وقافاً لدى التهم
ومن يدر مثل عيني طيشه لمماٍ ... لم يرض من فخذ الأحداث باللمم
لأهدين لأفواه الرواة له ... لحماً تمضغه الأفواه عن بشم
وختم القصيدة بقوله للضبي:
مازلت مذ كنت سلاحاً على كمر الن ... ازي عليك وبوالا على القدم
الأستاذ أبوسعد منصور بن الحسين الآبي: هو الذي يقول فيه الصاحب:
قل لأبي سعد فتى الآبي ... أنت لأنواع الخنى آب
الناس من كانون أخلاقهم ... وخلقك المعسول من آب
وتقلد الوزارة بالري وكان يلقب بالوزير الكبير ذي المعالي زين الكفاة وهو الآن في ولاية فضله وسروره وهناك من شرف النفس وكرم الطبع وعلو الهمة وعظم الحشمة ما الأخبار به سائرة والدلائل عليه ظاهرة ثم هو من أجمع أهل زمانه لمحاسن الآداب وأغوصهم على خبايا العلوم وله من المصنفات كتاب التاريخ الذي لم يسبق إلى تصنيف مثله وكتاب نثر الدر وله بلاغة بالغة وشعر بارع كقوله على طريقة أهل الحجاز:
على التلعات البيض من ابرق اللوا ... تلألؤ برق مثل ما ابتسمت سعدا
واتلع ان ناش الأراكة لم يدع ... لها فننا سبطاً ولا ورقاً جعدا
إذا وردت ماء العذيب ركائبي ... فقد أعشبت مرعى وقد أعذبت وردا
يرف عليها الإقحوان غديةً ... وقد عله طل كدمعي أو أندى
هنا لك قوم كلما زرت حيهم ... لقيت أبا سعدٍ به الطائر السعدا
عقائله يفرشن بالورد طرقه ... لتوطئه أن جئته الفرس الوردا
وكتب إلى أبي سعد الزنجاني وقد اصطحبا في استقبال وكانت مع غلام أبي سعد سفرة فردها بعكمها إلى المنزل وتركهم جياعاً ويقال أن هذه الأبيات فيما تشتمل عليه سفرة الزنجاني أحسن واظرف من أبيات كشاجم فيما تضمنته جونته: (2/167)
بئس المصاحب في السفر ... من ليس يسمح بالسفر
يا سفرةً رجعت على ... أعقابها تمشي الخمر
الوى بها ريب الزما ... ن ومن يطيق يدا القدر
كم كان فيك من النوا ... هض والدجاج وما حضر
من لحم جدي أن نظر ... ت إليه امتعت البصر
فإذا كشطت الجلد عنه ... كشفت عن بيض الحبر
ما بين ارغفه السمي ... ذ كمثل دارات القمر
وقدير سكباج من ال ... ملحاء او زور البقر
قد زعفروه وقطعوا ... فيه مع البصل الجزر
كسبائك العقيان قد ... قرنت إلى أكر النقر
يا حبذا تلك القطا ... ع وحبذا تلك القدر
ومطاول اللفات في ... ها مسبطراً ذا عجر
مثل الأيور بلا فيا ... شٍ والزباب بلا كمر
قد داعبه بهذا البيت لأنه كان ينسب إلى الابنة:
والبيض مسلوقاً على ... شكل اليتيمة في الدر
فمشدخ فيه كنس ... رين يغاديه المطر
ومنصف كالنرجس ال ... ريان في وقت السحر
ومدحرج من قشر جو ... ز الهند تحكيه الأكر
فيه من الملح المطي ... ب والأبازير الأخر
والجبن والزيتو ... ن والليمون وشيراز أغر
ضحك العيال لعودها ... ومشيت ابكي في الأثر
وله في غلام هندي:
يا عائبي بالهند إن ... فناهم أضحى بليه
أحرقت نفسي في هوا ... ه لأن ذاك لهم سجيه
كالصعدة السمراء غا ... در صعدتي مثل الحنيه
صنوا الألوة واللآ ... لى والقنا والمشرفية
زين المجالس والموا ... كب والندامى والسريه
في الحرب ليث خادر ... والسلم مخدرة حييه
ملء المفاضة بكرة ... ملء الحشية بالعشيه
ما إن أخاف عليه نما ... ماً سوى وضح الثنيه
وكتب إلى الإستاذ أبي العلا هذه القصيدة الكتابية من فيروز كويه يصف البرد الشديد ويذكر اصدقاه بالري ويجد مرة ويهزل أخرى ويفصح عن كل ظرف مليح ومزح لطيف وتدل على اقتدار وتوسع وتجري القصيدة مجرى الكتاب:
يا كاتبي ألق الدوا ... ة وقط حافية الأباء
ارهف يراعتك التي ... تزري مضاءً بالقضاء
وأجمع خواطرك التي اك ... تسبت ذكاءً من ذكاء
و انقع عليك دواتك ال ... حرى بنقسٍ أو بماء
وتناول الدرج الملط ... ف وانتخبه ذا صفاء
واكتب لسيدنا صفي ... الحضرتين أبي العلاء
من عبده الآبي مع ... طيه القياد بلا إباء
أنعم صباحاً أيها الأس ... تاذ وأنعم بالمساء
وتمل عزاً دائماً ... مرخىً له طول الرخاء
وابلغ نهايات المنى ... وتعد أرجاء الرجاء
لإني كتبت وقد لوت ... عضد السرور يد الثناء
واسالت العبرات من ... عيني دمائي بل ذمائي
والبين يخطر بيننا ... وتجر أهداب الرداء
متبخراً أي أنني ... أقضي واظلم في القضاء
فكتبت من فيروزكو ... ه مقر عزي وارتقائي
من مورد الملك الأشم ... ومصدر النعم الرواء
لثلاث عشرة جزن من ... شعبان يوم الأربعاء
عن نعمة وسعادةٍ ... ومزيد عز واعتلاء
وسلامةٍ لو لم يكد ... رها تراخي الإلتقاء
والحمد لله الذي ... أولى الجزيل من العطاء
وعلى النبي وآله الص ... لوات نامية الزكاء (2/168)
مالي كتبت وما اجب ... ت تنكباً سنن السواء
أأنفت من رد الجوا ... ب وما أنفت من ابتدائي
إني انتميت إلى ولائ ... ك فارع لي حق الولاء
ظهر اعتزازي باعتزاي ... وبدا نماي بانتمائي
ومنها في وصف البرد:
في موضع خفتت به ال ... أصوات برداً في النداء
فالريق يجمد في اللها ... والصوت يجمد في الهواء
نطأ الزجاج من الزجا ... ج إذا مشينا في فضاء
والجو يلمع في نوا ... حيه ضريب كالهباء
وكأنما صقلت به ... بيض السيوف أو المراء
جمدت له الصهباء حت ... ى قد أتتك بلا إناء
فإذا أردت خرطت فص ... ك من رحيق أو طلاء
لو عاين العذرى مث ... وى قد رضيت به بوائي
أو حله الهاه عن حر ... الهوى برد الهواء
ومنها
فالآن قل لي كيف أن ... ت وكيف إخوان الصفاء
من كل مشبوح الذرا ... ع مشيع غمر الرداء
سام تنوس ذؤابتا ... ه على شطاطٍ كاللواء
واعدد فتى زنجان في ... هم فهو عين الأصدقاء
فهو السليم على انتفا ... دي والصحيح على انتفائي
عين الصديق بلا امترا ... ءٍ والشفيق بلا مراء
وعصابة أخرى أحا ... شيهم من الداء العياء
ومعاذ ربي أن يز ... ن فقيه قوم بالبغاء
أو أن يقال لخازن الس ... لطان لص ذو ارتشاء
بلغ جميعهم السلا ... م وقل لقاؤكم شفائي
لا تبلغني إن كتب ... ت سلام أولاد الزناد
وإليك ألف تحيةٍ ... من حاجتي لا بل كيائي
من جنتي يوم التلاقي ... جنتي يوم اللقاء
شمس الندى إذا بدا ... أسد الوغا رشأ الخباء
جدي وهزلي منه ما ... بين الغناء إلى الغناء
واراك تشمت إن عرف ... دنوه للإلتحاء
رفقاً فقد زاد العذا ... ر برغمكم ضعفي بلائي
والشاطر العيار بل ... غه سلامي في خفاء
لا يفطنن لذاك من ... تدري فيغري بالجفاء
قمر كأن جبينه ... فلق العمود من الضياء
أفديه بالعمر العزيز ... إن ارتضاني للفداء
أبلغه مالكتي وني ... ك بالرسول من الشقاء
ابلغه أنك نائب ... عني على جهة الإخاء
قبله عني لو يرو ... ي غلتي ويسك دائي
رد من مراشفه العذا ... ب مشارب العذب الرواء
واحلل قراطقه برف ... قٍ وأسر أعطاف القباء
وإذا هممت بغيره ... لقيت لاذعة الخصاء
وسقيت كافوراً وسا ... ئر ما يطفي من دواء
وجزيت عن ولهي ووق ... دة لوعتي شر الجزاء
أدعو عليك وما أرا ... ك تخاف عادية الدعاء
ولدعوة المظلوم مض ... طرب فسيح في السماء
وله قصيدة في هجاء أهل الري قالها على لسان أبي القاسم ابن حريش كهذه التي قد مرت في الطول والجودة والتناسب وأولها:
تباً لرجرجةٍ من الكتاب ... ما علموا الآداب في الكتاب
ما بين مأبونٍ يواري سوءةً ... لأخيه مقتدياً بفعل غراب
ومنها:
أنا إن شعرت أنيك أم كشاجم ... وإذاكتبت اشق سرم الصابي
وهي أطول من أن يتسع هذا الكتاب للجمع بينهما وبين التي تقدمتها ونشد أبوالفتح الدباوندي له:
إذا الليل اسبل اذياله ... وضم أبا حسن والحسن
فإني بريء من المصطفى ... لئن كنت أعلم من ناك من
الأستاذ أبوالعلاء محمد بن علي بن الحسين صفي الحضرتين: اصله من همدان ومنشاؤه الري وابوه أبوالقاسم من يضرب به المثل في الكتابة والبلاغة وكلامه في غاية البراعة يصعب على التعاطي ويسهل على الفطنة وقد علق تحفظي فصل من رسالة له في علو السن وتناهي العمر فكتبته وهو: ما الظن بمن خلق عمره وانطوى عيشه وبلغ ساحل الحياة ووقف على ثنية الوداعٍ واشرف على دار المقام ولم تبق منه إلا أنفاس معدودة وحركات محصورة ومدة فانية وعدة متناهية. وسمعت أبا العلاء يقول سمعت أبي يقول لما حبسني الصاحب وطال لبثي في حبسه وكاد اليأس يستولي عليّ اتاني آت في منامي وقال لي الخير باقٍ والاحسان واق والمرء ما قدم لاق، فلم يدر الإسبوع حتى فرج الله عني ويسر خلاصي. قال مؤلف الكتاب وأبوالعلاء اليوم من افراد الدهر في النظم والنثر وطال ما تقلد ديوان الرسائل وتصرف في الأعمال الجلائل وحين طلعت الراية المحمودية بالري أجل وبجل وشرف وصرف وانهض في صحبتها إلى الحضرة بغزنة حرسها الله رغبة في اصطناعه وتكثراً بمكانه ولما ألقت الدولة المسعودية شعاع سعادتها على مقر الملك ومركز العز زيد في أكرام أبي العلاء والإنعام عليه وأوجب الراي أن يرد إلى الري على ديوان الرسائل بها فخلع عليه وسرح احسن سراح ولقيته بنيسابور فاقتبست من نوره واغترفت من بحره وهو الآن بالري من أجل حال وأنعم بال وقد كتبت ها هنا غرراً من شعره الكتابي البعيد المرام المستمر النظام، فما قوله لأبي منصور الآبي من قصيدة: (2/169)
وبي إلى الدهخذا شوق يورقني ... وإن تغير عما كنت أعهده
فيه سجايا من المعشوق أعرفها ... تجنى على عاشقيه ثم يجرد هو
وفي آخرها:
خذها إليك بلا لفظ تكدره ... على الرواة ولا معنىً تجعده
كالماء تسكبه والمسك تفتقه ... والوشي تنشره والتبر تنقده
وأنشدني له أبوالفتح الدباوندي في الغزل:
أتاني ممسياً من غير وعدٍ ... كذاك البدر موعده الأصيل
كحيل الطرف ذو خط خفي ... كأن عذاره أيضاً كحيل
وله في الاعتذار من الاخلال بالخدمة لعارض رمد من قصيدة:
قد صدني رمد ألم بناظري ... عن قصد خدمة بابه ولقائه
أو يستطيع الرمد أن يستقبلوا ... لمعان نور الشمس في لألائه
وله في الهجاء:
يا بن بدرٍ أن اغفلتك الليالي ... فللوم ودقةٍ وهوان
إنما استقدرتك مساً فحتى ... جزت لؤماً على صروف الليالي
وله في أمرد علوي ولم يسبق إليه:
وازهر من بني الزهراء يرنو ... إلي كما رنا الظبي الكحيل
نهاني الدين والاسلام عنه ... فليس إلى مقبله سبيل
إذا أرسلت الحاظي إليه ... نهاني الله عنه والرسول
وله في الحكمة:
قد فليت البلاد غوراً ونجداً ... وقبلت الأمور ظهراً لبطن
فرأيت المعروف خير سلاحٍ ... ورأيت الإحسان خير مجن
وله في رئيس معزول قعد فوقه في مجلس الوزير:
تقعد فوقي لأي معنى ... للفضل للهمة النفيسه
إن غلط الدهر فيك يوماً ... فليس في الشرط أن تقيسه
كنت لنا مسجداولكن ... قد صرت من بعده كنيسه
كم فارس أفضت الليالي ... به إلى أن غدا فريسه
فلا تفاخر بما تقضي ... كان الخرا مرة هريسه
وله وقد دخل إلى رئيس فلم يقم له:
دخلت على الشيخ مستأنساً ... به وهو في دسته الرفع
وقد دخل الناس مثل الجراد ... فمن ساجدين ومن ركع
فهش ولكن لمردانه ... وقام ولكن على أربع
وأرسل في كمه مخطةً ... بدت لي على صورة الضفدع
فهو عني ما تأملته ... وزعزع روحي من أضلعي
وأعرض إعراض مستنكرٍ ... تصدر مثلي ومستبدع
فأقبلت اضرط من خيفةٍ ... وافسو على السيد الأروع
وقمت فجددت فرض الوضوء ... وكنت قعدت وطهري معي
ورام الخضوع الذي رامه ... ابي من أبيه فلم اخضع (2/170)
وكيف أقبل كف امرئ ... إذاصنع الخير لم يصنع
فيقبضها عند بذل اللهى ... ويبسطها في الجدا الرضع
واني وإن كنت ممن يهون ... عليه تكبر مستوضع
ليعجبني نتف شيب السبال ... وصفع فمحدودة الأصلع
خراها ولو أنه ابن الفرات ... وحرها ولو أنه الأصمعي
وله من قصيدة مداعبة إلى أبي سعد الزنجاني في نهاية الفصاحة والملاحة:
يا أبا سعد الموالي المعادي ... والمصافي لخله والمصاد
والذي لا يكاد يفسق إلا ... بالرتوت الأجلة القواد
والذي قد اقام ما بين فخذي ... ه عموداً يزري بذات العماد
فهو شر على الأعادي شمر ... وبلاء بالٍ على الأجناد
والذي تعمش الندامى من الصو ... ع ويسقي الأضياف من غير زاد
والذي يرسل الرياح على الكت ... اب حتى كأنهم قوم عاد
فيصيب العنافق الشيب من قو ... مٍ كبارٍ وسادةٍ أمجاد
لايحاشي من عارض العارض الش ... يخ ولا يستحي من الأنداد
بل يعم اللحى فليس يبالي ... ببياضٍ وشمطةس وسواد
والذي قد يرى التطفل ديناً ... فهو دين الآباء والأجداد
لا ترراه في داره قط يوماً ... في النواريز لا ولا الأعياد
فهو وقف على الطريق متى يس ... مع وطىء الداعي وصوت المنادي
ومنها:
أنت فرعوننا وذو وتدٍ فر ... د وفرعون كان ذا أوتاد
أنت نار في مرتقى نفس الحا ... سد ماء جار لأهل الوداد
قد كذبنا فالضد أنت أبا سع ... دٍ فخذ ما يقال في الأضداد
أنت ماء لكنه في سواد ال ... عين نار لكنها في الفؤاد
وإذا ما أردت أن يسكن الخط ... ب وتنجو من حيةٍ بالواد
ويعود العتاب عندي عتبى ... وتعاد السيوف في الأغماد
فاستزرني أو زرني اليوم أو كن ... للتلاقي غداً على ميعادٍ
وله من قصيدة عيدية:
تبلج الأفق الغربي وابتسما ... وأظهر الفلك السر الذي كتما
ولاح ذو هيفٍ حلو شمائله ... منحف نجم اللذات إذ نجما
مرت ثلاثون يوماً كلها حقب ... ألقى بهن الصدى والبارد الشبما
القى المعازف والقيان سداً ... والكاس مهجورة والرطل مهتضما
وله من قصيددة تهنية بمولود:
افتر ربعك عن هلاكٍ باد ... فأضاء مطلعه وفاح الناد
وافاك ترب على وخدن مكارمٍ ... وسرور أحباب وغيظ أعادي
متقيلاً لك مذهباً في الفضل وال ... أفضال والإسعاف والاسعاد
قد أفصحت أخلاقه عن همةٍ ... بعدت على قربٍ من الميلاد
فبقيت منصوراً به مستسعداً ... بمكانه ناراً على الحساد
حتى تبدل مهده بمسومٍ ... طرفٍ وطوق سخبه بنجاد
فيشيد لاحق فضله بسوابقٍ ... قدمت وطارف مجده بتلاد
وله في المداعبة باقتضاء رسم:
يا من له في الجود تبريز ... وفيت بي اين الشواريز
صنفان ذا يعجمه بقله ... وينقط الآخر شونيز
والسمن لم يشرط ولكن لكي ... يكون بالثالث تعزيز
من قوله تعالى فعززنا بثالث:
فأنت عند المحل مزن لنا ... يهمي وعند النقد ابريز
ومطلب المأكول مستظرف ... وهو إلى الكدنة دهليز
وله من نتفة إلى وزيرين أخوين داعب فيها بذكر رجل يعرف بالسويسي ووصفه بالبخر:
تفديكما نفسي التي ... بكما وعندكما تسر
هذا السويسي الذي ... في وجهه من فيه دبر
يقرأ السلام عليكما ... بفمٍ به التسبيح كفر
وله من قصيدة ذكر فيها همذان: (2/171)
يا ايها الملك الذي وصل العلى ... بالجود والأنعام والاحسان
قد خفت في سفر أطل علي في ... كانون في رمضان من همذان
بلد إليه أنتمي بمناسبي ... لكنه قذر من البلدان
صبيانه في القبح مثل شيوخه ... وشيخه في العقل كالصبيان
الاستاذ أبوعبد القاسم عبد الواحد بن محمد بن علي بن الحريش الإصبهاني رحمه الله تعالى: بقية الشعراء المفلقين وافراد الدهر المبرزين وأقمار الأرض الجامعين بين بلاغة النثر وبراعة النظم وهو اصبهاني المولد رازي الموطن غزنوي النعمة نيسابوري التربة ولم يزل بالري في ظل الكفاية يطير ويقع ويفيد ويخفق إلى أن طلعت الدولة المحمودية فانضاف إليها وصرف إلى خدمتها وارتبط في جملتها وتوفر حظه من نعمتها ورسم له الإنتقال في صحبة الراية العالية إلى خراسان ومنها إلى الحضرة بغزنة حرسها الله ففعل ولم يزل مقيماً بها عزيزاً مكرماً ولجلائل الأعمال مرشحاً إلى أن طلعت الراية المسعودية به أدام الله رفعتها فزيد في اجلاله إلى أن كر الركاب العالي إلى نيسابور وهو مشرف بخدمته مرتبط في جملته موفر الحظ من نعمه ومواهبه فجمعتني بها وإياه مناسبة الأدب وفتقنا نوافج المذاكرة وتجاذبنا أهداب المحاضرة والمناشدة ولذ لنا العيش وطاب الوقت بالمعاشرة فأنشدني يوماً لنفسه قصيدةً منها هذا البيت:
وليل خداري الجناح مخدر الص ... باح حرون النجم طاولته فكرا
فاستعدته إياه فأعاد فقلت له أو علمت أنه مرصع وفيه تجنيس وتسجيع واستعارة وطباق فاستفسرني فقلت: أما التجنيس فقولك خداري الجناح ومخدر، وأما التسجيع فقولك خداري الجناح ومخدر، وأما التسجيع فقولك خداري الجناح مخدر الصباح، وأما الاستعارة فقولك حرون النجم، وأما الطباق فجمعك بين الليل والصباح، فقال والله قد نبهتني على ما غفلت عنه، وقام إلي فقبل راسي وقال لي كل حسنٍ، ووصفني بكل جميل وقبل رأسي مرةً أخرى وذلك أني أنشدته مرثيتي للملك الماضي رضي الله عنه وأرضاه:
عجباً من تماسك الأفلاك ... ومساغ الزلال في الأحناك
وثبات الجبال بعد زوال الطو ... د ذي الطول مالك الأملاك
فلسان الزمان شاكٍ وطرف الد ... هر باكٍ والرزء في الملك ناك
وأنشدته قولي مرة في السلطان الأعظم ادام الله ملكه:
نثرت عليك سعودها الأفلاك ... وعنت لغرة وجهك الأملاك
زوجت بالدنيا لأنك كفؤها ... فاسعد بها وليهنك الأملاك
فالأرض دارك والورى لك اعبد ... والبدر نعلك والسماك شراك
فأراد أن يفعل فعلته الأولى والثانية حتى ناشدته الله وحياة السلطان فاعفاني وجرت بيننا فوائد وقلائد يطول الكتاب بذكرها ولم تطل أيامنا حتى أصابته عين الكمال فلحق باللطيف الخبير في جمادي الأولى سنة اربع وعشرين واربع مائة.
فمن عزر شعره وعقد سحره قوله وكنت سمعته قديماً:
سألت زماني وهو بالجهل عالمٌ ... وللسخف مهتز وبالنقص مختص
فقلت له هل من طريق إلى الغنا ... فقال طريقان: الوقاية والنقص
وقوله:
يا ايها الرجل الذي جربته ... فرأيت شخص النقص كيف يكون
والله ما يختار مثلك عاقل ... لكن علامات الزوال فنون
ومن الغرر التي أنشدنيها لنفسه قوله:
يكلفني أغضاء عيني على القذى ... زمان غبي جائر الحكم جائزه
وأعظم ما بي أنني غير واجدٍ ... نظيراً اباريه وقرناً ابارزه
وقوله:
ياطالب الصدق من ذات الوشاح لعاً ... من عثرة الظن أو من خيبة الطلب
هيهات أن تجد الحسناء ناطقةً ... بالصدق ما وجدت باباً إلى الكذب
وقوله:
المسك من عرفه والراح من فمه ... والورد من خده والرمل من ازره
تعجبت بابل من سحر مقلته ... والروم من وجهه والزنج من شعره
وقوله من قصيدة:
نظرنا فمن قلبٍ تضرم وقده ... أنيناً ومن جفنٍ تسلسل ودقه
أنادي غزالاً مصرع الأسد دابه ... به وهلالاً مصنع الوشي أفقه
فللشمس مرآة وللجو لطفه ... للمسك رياه وللراح خلفه (2/172)
وقوله وقد استشعر خوفاً:
يضيق صدري فيسليني اعتلاق يدي ... حبلاً من الله مشتداً مرائره
إذا تبينت من ألطافه أثراً ... على طليعة أمري هان سائره
وقوله في أبي العباس الضبي من قصيدة طويلة كلها غرر:
بنفسي وأهلي شعب وادٍ تحله ... ودهر مضى لم يجد إلا أقله
وعطفه صدغٍ يهتدي فوق خده ... ويضربه روح الصبا فيضله
ةطيب عناقي منه بدراً أضمه ... إلي وأهوى لثمه فاجله
وقفنا معاً واللوم يصفق رعده ... ومنا سحاب الدمع يسجم وبله
ترق على ديباجته دموعه ... كما غازل الورد المضرج طله
وينأى رقيب عن مقام وداعنا ... وتبلغه أنفاسنا فتذله
يقلقني عتب الحبيب وعذره ... ويقلقني جد الرقيب وهزله
وكيف اقي قلبي مواقع رميه ... ولست ارى من أين ينثال نبله
يولي وبالأحداق تفرش أرضه ... ويفدي وبالأفواه ترشف رجله
فلو طاف في دارين ما طاب مسكه ... ولو ماج في بئرين ما ماج رمله
ومنها:
فيا من يكد النفس في طلب العلا ... إذا كبرت نفس الفتى طال شغله
أخذ من قول أبي الطيب المتنبي:
وإذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام
ومنها:
فان ما ثلوه صورة وتخيلا ... فاغمارنا بالماء والآل شكله
ومنها:
وليس الفتى يرجى إذا ابيض رأسه ... ولكنه يرجى إذا ابيض فعله
ومنها:
إليك زففت الشعر يقرب فهمه ... وينأى على طبع المساجل سهله
يرق فلا اذن الفصيح تمجه ... كريهاً ولا نفس البليد تمله
إذا شئتم جزلي تلاطم موجه ... وإن شئتم عذبي ترقرق طله
ولهم سيفٌ في فؤادي مغمد ... يكاد على رأسي وعنقي يسله
ويا ليتني إذ لم أنل بفضيلتي ... على كنت منقوصاً يسليه جهله
ومنها:
وغير قليلٍ ما بلغت بعزكم ... ولكنني في جودكم استقله
وقوله:
فيا ليتني إذ ضعت لم أك مخلصاً ... وليتك إذ ضيعت لم تك ناقدا
وقوله من قصيدة:
لكل إلى شأو العلى حركات ... ولكن عزيز في الرجال ثبات
وما بي عن شأوٍ من المجد نبوةٌ ... ولا عند خطبٍ يدلهم إنات
ولكن إذا ما الطرف ضاق مجاله ... به فخطاه كلها عثرات
ومنها:
تصرم شهر الصوم عنك مزوداً ... من الخير ما تزكو به البركات
ومنها:
ولاح هلال الفطر نضواً كأنه ... على جرمه من صومنا وطآت
فقل لرواة المعبدية مرحباً ... وقل لسقاة البابلية هاتوا
وقوله في مهرجانية:
لك اليوم من عند كسرى مقام ... على مضحك الدهر منه ابتسام
بسطت يديك فقلنا الفرات ... جرى وثبت فقلنا شمام
يقر برأيك ركن العلى ... ويحيا بفضل نداك الأنام
فجودك أدنى مرادٍ يراد ... وعزك ابعد شأوٍ يرام
إذا دهت الناس سود الخطوب ... تبلجت فانجاب عنها الظلام
ففي حب مثلك يزكو الولاء ... وفي وصف فضلك يحلو الكلام
فإن صلت ذلت لديك الكماة ... وإن جدت قصر عنك الكرام
تهنا بمورد ذا المهرجان ... سعوداً حواليك منها زحام
وعش والسعادات تترى إليك ... إذا مر عام بها كر عام
فلولا بقاؤك ملئته ... لقلنا على الأكرمين السلام
إذا كنت تمنع من ان أسير ... ولم تكف أمري فكيف المقام
أرى نعماً لك عندي قد من ... ولمتك إن كنت ممن يلام
يقلن اصطنعت فلم لم ترب الن ... دى وابتدأت فأين التمام
وقوله من أخرى:
غدت للعلى منه سيوب للطى ... سيوف وللحرب العوان سيول
كفاني من الأيام أنك سالم ... وإن لم تجبني من جنابك سول (2/173)
وقوله من سلطانيةٍ وهي آخر شعره:
لقد اقبل النيروز جذلان فاسعد ... وإن كنت مسعوداً كما أنت فازدد
وزف كؤوس الراح خمراً تسلياً ... عن الدم في حد الحسام المهند
فهذي الصبا غناجة دون نومةٍ ... مرنقة في مقلة النرجس الندي
تقبل ثغر الأقحوان وتنتهي ... إلى لطم خد الوردة المتورد
ومنها:
غدا الملك يرجو آل محمود الرضى ... كما يترجى الدين آل محمد
أناصر دين الله حافظ خلقه ... ظهير أمير المؤمنين اسع واسعد
خذ السيف واملك لا تدع متغلباً ... على الأرض إلا في وثاقٍ مقيد
فليس صلاح الأمر إلا بواحدٍ ... فإن ينتصب للأمر اثنان يفسد
وأعظم غبن أن يرى الملك مغصياً ... على شر أرضٍ من بلادك مفرد
أبوالقاسم غانم بن محمد بن أبي العلاء الإصبهاني: تضمن كتاب اليتيمة قليلاً من شعره وكررت ذكره في التتمة لما سبق من العذر فيه وكتبت غرراً من شعره مقفية على أثر شعر بلدية ابن حريش، واخبرني الشيخ أبوالفتح مسعود بن محمد بن الليث أيده الله أنه حي يرزق وأنشدني أبوبكر المرجى له:
إشرب أبا قاسمٍ على الوادي ... وانبذ إلى الأنس حبل مقتاد
لا تخل من قهوةٍ ومن رشاءٍ ... وزامرٍ مطربٍ وعواد
وثق بكافي الكفاة وارج ندى ... يديه من رائحٍ ومن غاد
والله ما في الأنام محتشم ... سوى أبي القاسم بن عباد
وأنشدني له في غلام بيده باشق:
واهيف كالقمر المجتلى ... يهيم به العاشق المبتلى
بدا وعلى يده باشق ... إذا طلبا قنصاً حصلاً
فذاك يصيد قلوب الرجال ... وهذا يصيد طيور الفلا
وقد سرقه من أبي الفتح كشاجم خيث قال:
مر بنا في كفه باشق ... فيه وفي الباشق شيء عجيب
هذا يصيد الطير من حالقٍ ... وذا بعينيه يصيد القلوب
قال وكان يساير الصاحب يوماً فرسم له وصف فرس كان تحته فقال مرتجلاً:
طرف تحاول شأوه ريح الصبا ... سفهاً فتعجز أن تشق غباره
بارى بشمس قميصه شمس الضحى ... صبغاً ورض حجارةً بحجارة
ومن مراثيه في الصاحب قوله:
مضى نجل عبادٍ المرتجى ... فمات جميع بني آدم
أوازي بقبرك اهل الزمان ... فيرجح قبرك بالعالم
وله من قصيدة:
هي نفس فرقتها زفراتي ... ودماء أرقتها عبراتي
لشبابٍ عذب المشارع ماضٍ ... ومشيبٍ جدب المراتع آت
زمن أذرت الجفون عليه ... من شؤوني ما كان ذوب حياتي
تتلاقى من ذكره في ضلوعي ... ودموعي مصايف ومشاتي
جاد تلك العهود كل أجش ال ... ودق ثر الأخلاف جون السرات
بل ندى الصاحب الجليل أبا القا ... سم نجل الأمير كافي الكفاة
تتبارى كلتا يديه عطايا ... ومنايا حتماً لعافٍ وعات
ضامناً سيبه لغنم مفادٍ ... موذناً سيفه بروج مفات
وارتياح يريك في كل عطفٍ ... ألف ألفٍ كطلحة الطلحات
ويد لا تزال تحت شكورٍ ... لاثمٍ ظهرها وفوق دواة
أراد أن يقول مثل قول أبي الفياض الطبري فلم يشق غباره:
يد تراها ابداً ... تحت يدٍ وتحت فم
ما خلقت بنانها ... إلا لسيفٍ وقلم